مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 69

69
A
زهد الإمام علي بن أبي طالب
تة
ّ
خذ بها لأحيت القلوب المي
ُ
والحكمة لو أ
كما يحيي الماء الأرض القفر.
A
إن مثال الزهد عند الإمام
هو مثال للإعراض عن الدنيا، وهو مثال
تربوي للإنسان المسلم بأن يجعل نفسه لا
، ولا تركن
ّ
وجل
ّ
ما عند الله عز
ّ
تطلب إ
إلى إغراءات الدنيا وشهواتها، وبذلك
يخرج الإنسان عن حدود وجوده الإنساني،
. ً
سبيلا
ّ
بأن يكون كالأنعام أو أضل
هو الباب الواسع
A
إن زهد الإمام
والمدخل الرئيس الذي يستطيع الإنسان
ّ
ا أو يضل
ًّ
سلوكه دون أن ينحرف عقائدي
ا، إنها دعوة إلى الحد من
ًّ
ا أو سلوكي
ًّ
فكري
الإسراف في الطيبات وتوفير بعضها، إنها
دعوة للاقتصاد في الملبس من أجل غاية
هي أسمى من الطعام والشراب والملبس،
إنها غاية من أجل جعل النفس شفافة تنظر
ا المعدمين منهم
ً
إلى الناس، وخصوص
فتلمس نفوسهم ببعض تلك المتع وتدق
على قلوبهم بأوتار المحبة التي تدفع
هذا الإنسان كي يعيش آلامهم ويتحسس
واقعهم فيرفق بهم ما أمكنه ذلك وسمحت
له الظروف. إن هذا الزهد الإسلامي هو
بحاجة
ّ
مفتاح الخير لجعل الإنسان يحس
أخيه الإنسان، فيندفع ليؤثره على نفسه
شبع غيره ويسغب من أجل أن
ُ
فيجوع لي
يرفع حاجة إنسان، إنه يلبس ما خشن من
.
)11(
ا من متع الحياة
ً
أجل أن يوفر لأخيه شيئ
مقرون
A
إن الزهد عند الإمام
ِ
ن
َ
و
ْ
ع
َ
أ
ْ
ن
ِ
م
َّ
ن
ِ
: (إ
A
بالأخلاق، يقول
،
)12(
ا)
َ
ي
ْ
ن
ُّ
ي الد
ِ
ف
َ
د
ْ
ه
ُّ
الز
ِ
ين
ِّ
ى الد
َ
ل
َ
ع
ِ
ق
َ
ْ
خ
َ
الأ
كأنما أخلاق المرء وحدها لا تعينه على
م
ّ
ا لها، يقو
ً
دينه، فقام الزهد في الدنيا عون
ى يصل إلى
ّ
به دين المرء، ويستقيم حت
مكارم
ّ
، وهل الدين إلا
ّ
وجل
ّ
مرضاة الله عز
ّ
الأخلاق، وكأن هذه المكارم لا تستقيم إلا
إذا أسندها الزهد في الدنيا، وفراغ قلب
المرء من غرورها وأوهامها.
ا أنه أعرف
ً
ومدح
ً
وكفى للزهد فضيلة
بعث نبي
ُ
صفات الأنبياء والأولياء، ولم ي
ب إلى الله
ّ
ف التقر
ّ
به، ولو لم يتوق
ّ
إلا
ق علماء
ّ
ا ضي
ّ
والنجاة في دار الآخرة عليه لم
نوع الإنسان وأعرف الناس بحقيقة الحال
على أنفسهم في فطامها عن شهوات الدنيا
.
)13(
اتها
ّ
ولذ
وهل هناك أعرف وأعظم من الإمام
، وبطبيعة
E
بعد رسول الله
A
علي
ّ
الحال أن تكون حياته ومماته لله رب
ة من سبقه من أولياء
ّ
العالمين، على سن
قسم على اتباع هذه
ُ
، وها هو ذا ي
B
الله
ة، سنة الزهد في الدنيا، لا من أجل
ّ
السن
وادخاره أو اكتناز ذهب أو فضة
ٍ
جمع مال
ّ
ا في كل
ً
ودار. وإنما كان زهد
ٍ
أو اقتناء عقار
ا عنها رغبة في ما
ً
ما حوته الدنيا، وإعراض
ِ
الله
َ
و
َ
، وهو ذا يقول: (ف
ّ
وجل
ّ
عند الله عز
ْ
ن
ِ
م
ُ
ت
ْ
ر
َ
خ
َّ
اد
َ
ا و
ً
ر
ْ
ب
ِ
ت
ْ
م
ُ
اك
َ
ي
ْ
ن
ُ
د
ْ
ن
ِ
م
ُ
ت
ْ
ز
َ
ن
َ
ا ك
َ
م
ا
ً
ر
ْ
م
ِ
ي ط
ِ
ب
ْ
و
َ
ي ث
ِ
ال
َ
ب
ِ
ل
ُ
ت
ْ
د
َ
د
ْ
ع
َ
أ
َ
ا و
ً
ر
ْ
ف
َ
ا و
َ
ه
ِ
م
ِ
ائ
َ
ن
َ
غ
ه
ْ
ن
ِ
م
ُ
ت
ْ
ذ
َ
خ
َ
أ
َ
ا و
ً
ر
ْ
ب
ِ
ا ش
َ
ه
ِ
ض
ْ
ر
َ
أ
ْ
ن
ِ
م
ُ
ت
ْ
ز
ُ
ح
َ
و
ى
َ
ه
ْ
و
َ
ي أ
ِ
ن
ْ
ي
َ
ي ع
ِ
ف
َ
ي
ِ
ه
َ
ول
ٍ
ة
َ
ر
ِ
ب
َ
د
ٍ
ان
َ
ت
َ
أ
ِ
وت
ُ
ق
َ
ك
َّ ِ
إ
.
)14(
) ٍ
ة
َ
ر
ِ
ق
َ
م
ٍ
ة
َ
ص
ْ
ف
َ
ع
ْ
ن
ِ
م
ُ
ن
َ
ه
ْ
و
َ
وأ
أن اعترف له به
A
وبلغ من زهده
ه البغيض معاوية بن أبي سفيان، يقول
ّ
عدو
ه ومبغضه الذي
ّ
ابن أبي الحديد: (قال عدو
يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي
سفيان لمخفن بن أبي مخفن الضبي لما
قال له: جئتك من عند أبخل الناس، فقال:
ويحك كيف تقول أبخل الناس وهو الذي
ا من تبن، لأنفد
ً
ا من تبر، وبيت
ً
لو ملك بيت
تبره قبل تبنه، وهو الذي كان يكنس بيوت
الأموال، ويصلي فيها، وهو الذي قال: يا
1...,70,71,72,73,74,75,76,77,78,79 59,60,61,62,63,64,65,66,67,68,...132
Powered by FlippingBook