مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 24

24
24
تحويل الضمير إلى الغيبة
َّ
والبؤس حتى تم
من أجل ملاءمة مقام المخاطب. والملاحظ
أن الالتفات من ضمير المخاطب (أنتم) إلى
ضمير الغيبة (هم) يفيد التخصيص بعد
صدر الآية يخبر عن لطف
ّ
العموم؛ ذلك أن
الله تعالى بعباده وهم في البر والبحر وهذا
ومعتاد
ً
أمر عام ومألوف عند الناس جميعا
عليه ومتداول في واقعهم المحسوس؛ إذ
أن جميع الناس يتمكنون من السير في البر
أو البحر؛ فجاء الخطاب المباشر بالضمير
بين، أما السير
َ
لعموم المخاط
ً
(كم) موافقا
في طقوس الخطر والمآزق فأمر خاص
لا يتأتى إلا إلى القليلين، وهم على قلتهم
تكون أخبارهم مجهولة في أثناء رحلتهم،
ً
فجاء الخطاب بضمير الغيبة (هم) ملاءمة
ببعدهم عن
ً
لحالهم المجهول وتنبيها
،
)12(
الجماعة ومضيهم في الظرف السرمدي
والله العالم.
َ
اح
َ
ي
ِّ
الر
َ
ل
َ
س
ْ
ر
َ
ي أ
ِ
ذ
َّ
ال
ُ
الله
َ
وقال تعالى:
) ٍ
ت
ِّ
ي
َّ
م
ٍ
د
َ
ل
َ
ى ب
َ
ل
ِ
إ
ُ
اه
َ
ن
ْ
ق
ُ
س
َ
ف
ً
ابا
َ
ح
َ
س
ُ
ير
ِ
ث
ُ
ت
َ
ف
. لاحظ العدول الانتقال من الغيبة
(فاطر:9)
إلى التكلم (الله/هو) (فسقناه/نحن)، إن
صيغة الغيبة أفادت بيان المختص بعملية
الإرسال وهو البارئ القدير، و صيغة التكلم
أفادت تأكيد هذا الاختصاص والتنبيه على
أن قيادة السحاب إلى البلد الميت لا يقدر
وظيفة خطابية
ً
عليه غير الله. والتنبيه أيضا
.
)13(
تهدف إلى التأكيد
أو إن العدول من الغيبة إلى التكلم ورد
في الآية من أجل المبالغة والتفخيم بأمر
- والباب مفتوح للبحث
ُ
ه
ُ
شأن
َّ
الفاعل – جل
والاجتهاد ...
َ
اك
َّ
ي
ِ
* إ
ِ
ين
ِّ
الد
ِ
م
ْ
و
َ
ي
ِ
ك
ِ
ال
َ
وقال تعالى:
. لاحظ
(الفاتحة:3ـ4)
) ُ
ين
ِ
ع
َ
ت
ْ
س
َ
ن
َ
اك
َّ
ي
ِ
وإ
ُ
د
ُ
ب
ْ
ع
َ
ن
الانتقال من الغيبة (مالك) إلى الخطاب
(إياك)، فكان من المألوف أن يقول (إياه
نعبد وإياه نستعين)، وهذا العدول يشير
(إلى أن الخلق قاصرون عن مخاطبته، فإذا
عرفوه بما هو له، وتوسلوا للقرب إليه،
بالثناء عليه، وأقروا بالمحامد له، وتعبدوا
– لمخاطبته
ٍ
له بما يليق بهم، تأهلوا – حينئذ
َ
اك
َّ
ي
ِ
وإ
ُ
د
ُ
ب
ْ
ع
َ
ن
َ
اك
َّ
ي
ِ
ومناجاته، فقالوا: إ
.
)14(
) ُ
ين
ِ
ع
َ
ت
ْ
س
َ
ن
إن الاعتبارات الداعية إلى العدول عن
مقتضى القياس في باب الالتفات كثيرة
يجري
ً
لكن أهل العلم به ذكروا له اعتبارا
في كثير من أمثلته، ألا وهو التفنن أو
التلوين في طريقة الكلام من أجل تنشيط
للإصغاء إلى
ً
ذهن السامع، وجعله أكثر تنبها
جديد لذة، ولكل طارئ
ِّ
الكلام؛ لأن لكل
بهجة. وهناك بعض المواضع من الالتفات
تختص باعتبارات ونكت لا يكشف لثامها إلا
)15(ً
سليما
ً
بلاغيا
ً
، وذوقا
ً
كافيا
ً
من يملك فهما
بالتفاسير القرآنية.
ً
وفقها
والشكر لله في الأول والآخر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ ينظر: المفارقة في شعر الرواد – دراسة
في نتاج الرواد من الشعر الحر: لـ (قيس
حمزة الخفاجي)، رسالة ماجستير، جامعة
المستنصرية/كلية التربية،4991م: 36.
2ـ ينظر: الانزياح في الخطاب النقدي والبلاغي
عند العرب: لـ(د. عباس رشيد الدده)، ص: 04.
3ـ إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي:
لـ(د. يوسف وغليسي)، ص: 712.
4ـ ينظر: دراسات في البلاغة العربية والنقد الأدبي
المعاصر: لـ(د. عزيز عدمان)، ص: 281.
5ـ ينظر: البلاغة والأسلوبية: لـ(د. محمد عبد
المطلب)،ص 672 .
6ـ ينظر: أسلوبية الالتفات محاولة تأصيلية وتطبيقية
: لـ(نوافل
ً
- قصار السور القرآنية أنموذجا
العدد (٧٧) شهر ذو القعدة - ذو الحجة 8341ه
1...,25,26,27,28,29,30,31,32,33,34 14,15,16,17,18,19,20,21,22,23,...132
Powered by FlippingBook