مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 23

23
العدول القرآني في الضمائر
23
مقام الآية يتطلب هذا العدول؛ لأن الآية
هنا في مقام الاحتجاج بوحدانية الله ونفي
الآلهة، فالآية في مقام الحجاج تريد إبطال
ما ادعى به أصحاب الوثنية الذين تبنوا
؛ ولذلك عدلت
)9(
عبادة الأصنام وأربابها
الآية من ضمير التكلم إلى ضمير الخطاب
من أجل ملاءمة المقال لمقتضى الحال.
* َ
ر
َ
ث
ْ
و
َ
ك
ْ
ال
َ
اك
َ
ن
ْ
ي
َ
ط
ْ
ع
َ
ا أ
َّ
ن
ِ
وقال تعالى:
، حصل
(الكوثر: 1ـ 2)
) ْ
ر
َ
ح
ْ
ان
َ
و
َ
ك
ِّ
ب
َ
ر
ِ
ل
ِّ
ل
َ
ص
َ
ف
العدول هنا من ضمير المتكلم الجمعي
أعطينا) إلى ضمير المفرد الغائب
+
(إنا
(ربك)، فكان من المألوف أن يقول (فصل
لنا وانحر)، فلماذا هذه المغايرة بأوتار
َّ
الضمائر؟! ويبدو أن هذا العدول الذي دب
على فعل الصلاة
ً
بكلمة (ربك) جاء (تحريضا
وليس غير ذلك.
)10(
لحق الربوبية)
ِ
ه
ْ
ي
َ
ل
ِ
إ
ْ
وا
ُ
وب
ُ
ت
َّ
م
ُ
ث
ُ
وه
ُ
ر
ِ
ف
ْ
غ
َ
ت
ْ
اس
َ
وقال تعالى:
. فالعدول
(هود: 16)
) ٌ
يب
ِ
ج
ُّ
م
ٌ
يب
ِ
ر
َ
ي ق
ِّ
ب
َ
ر
َّ
ن
ِ
إ
إليه) إلى
+
هنا من ضمير الغائب (استغفروه
ضمير التكلم (ربي). كان من المألوف أن
يقول (إن ربكم قريب ...).
ويبدو أن لهذا العدول قصدية، وهي
مطابقة المقال لمقتضى الحال؛ فأصحاب
وهم ثمود كانوا يعتقدون
A
نبي اللهصالح
؛
A
برب غير الرب الذي يعتقد به صالح
لذلك حاول أن يقنعهم بميزات ربه الذي
يعبده هو، والمتجسد في قوله (ربي)،
والذي يتسم بـ(القرب ، والإجابة)؛ (وذلك
لأنهم إنما كانوا يعبدون الأوثان ويتخذونها
شركاء لله تعالى لأنهم كانوا يقولون - على
زعمهم - إن الله سبحانه أعظم من أن يحيط
به فهم وأرفع وأبعد من أن تناله عبادة أو
ترتفع إليه مسألة، ولا بد للإنسان من
ذلك فمن الواجب أن نعبد بعض مخلوقاته
الشريفة التي فوض إليها أمر هذا العالم
الأرضي وتدبير النظام الجاري فيه ونتقرب
بالتضرع إليه حتى يرضى عنا فينزل علينا
الخيرات، ولا يسخط علينا ونأمن بذلك
الشرور، وهذا الإله الرب بالحقيقة شفيعنا
عند الله لأنه إله الآلهة ورب الأرباب، وإليه
.
)11(
يرجع الأمر كله)
بين
ٌ
فالذي حصل في واقع الحال منافسة
،
A
ين اثنين، رب يعتقد به قوم صالح
ّ
َ
رب
وحده أي من دون
A
ورب يعتقد به صالح
أصحابه؛ لذلك وردت كلمة (ربي) دون
A
كلمة (ربكم). فلسان حال نبي الله صالح
يقول: (استغفروا ربي وليس ربكم الذي
تعتقدون به ثم توبوا إليه إن ربي قريب
مجيب).
وقد تكرر العدول نفسه وفي السورة
في سياق الإخبار بقصة نبي
ً
نفسها أيضا
مع قومه، إذ قال تعالى:
A
الله شعيب
ي
ِّ
ب
َ
ر
َّ
ن
ِ
إ
ِ
ه
ْ
ي
َ
ل
ِ
إ
ْ
وا
ُ
وب
ُ
ت
َّ
م
ُ
ث
ْ
م
ُ
ك
َّ
ب
َ
ر
ْ
وا
ُ
ر
ِ
ف
ْ
غ
َ
ت
ْ
اس
َ
.
(هود: 09)
) ٌ
ود
ُ
د
َ
و
ٌ
يم
ِ
ح
َ
ر
ي
ِ
ف
ْ
م
ُ
ك
ُ
ر
ِّ
ي
َ
س
ُ
ي ي
ِ
ذ
َّ
ال
َ
و
ُ
وقال تعالى:
ِ
ك
ْ
ل
ُ
ف
ْ
ي ال
ِ
ف
ْ
م
ُ
نت
ُ
ا ك
َ
ذ
ِ
ى إ
َّ
ت
َ
ح
ِ
ر
ْ
ح
َ
ب
ْ
ال
َ
و
ِّ
ر
َ
ب
ْ
ال
ا
َ
ه
ِ
ب
ْ
وا
ُ
ح
ِ
ر
َ
ف
َ
و
ٍ
ة
َ
ب
ِّ
ي
َ
ط
ٍ
يح
ِ
ر
ِ
م ب
ِ
ه
ِ
ب
َ
ن
ْ
ي
َ
ر
َ
ج
َ
و
ن
ِ
م
ُ
ج
ْ
و
َ
م
ْ
ال
ُ
م
ُ
اءه
َ
ج
َ
و
ٌ
ف
ِ
اص
َ
ع
ٌ
يح
ِ
ا ر
َ
ه
ْ
اءت
َ
ج
َ
الله
ْ
ا
ُ
و
َ
ع
َ
د
ْ
م
ِ
ه
ِ
ب
َ
يط
ِ
ح
ُ
أ
ْ
م
ُ
ه
َّ
ن
َ
أ
ْ
وا
ُّ
ن
َ
ظ
َ
و
ٍ
ان
َ
ك
َ
م
ِّ
ل
ُ
ك
ِ
ه
ِ
ـذ
َ
ه
ْ
ن
ِ
ا م
َ
ن
َ
ت
ْ
ي
َ
نج
َ
أ
ْ
ن
ِ
ئ
َ
ل
َ
ين
ِّ
الد
ُ
ه
َ
ل
َ
ين
ِ
ص
ِ
ل
ْ
خ
ُ
م
. فكان
(يونس: 22)
) َ
ين
ِ
ر
ِ
اك
َّ
الش
َ
ن
ِ
م
ِّ
ن
َ
ون
ُ
ك
َ
ن
َ
ل
من المألوف في القياس أن يقول (جرين
هذا العدول من
َ
م
ِ
بكم) وليس (بهم)، فل
صيغة الخطاب إلى صيغة الغيبة؟!
ه في الآية من خلال
َ
أوتاد
ُ
العدول
َّ
دق
ٍ
دلالات
َ
ب
َّ
ص
َ
التحول من وتر إلى آخر، ون
القارئ
ّ
بليغة أفادت تنويع الأسلوب لينشد
ب منه الموعظة
َ
إليه، وليتخذ المخاط
َ
ف
ِّ
والحكمة، ففي سياق الرخاء والنعمة وظ
ضمير الخطاب، وما أن عدل عنه إلى العسر
1...,24,25,26,27,28,29,30,31,32,33 13,14,15,16,17,18,19,20,21,22,...132
Powered by FlippingBook