مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 45

45
مجلة ينابيع
ومضات من مناجاة التائبين
على: (التوبة، الشكوى، الخوف، الرجاء،
الرغبة، الشكر، الطاعة، المريد،
المحبة، التوسل، الافتقار، المعرفة،
الذكر، الاعتصام، الزهد)، فنرى الزهد
والاعتصام هما من رشحات المعرفة،
والمعرفة بدورها هي نتاج شعور المرء
بفقره وعجزه فهو بحاجة إلى من يرشده
والممهد لهذا الطريق هو التوسل والمحبة
ً
لله تعالى، ليعطيه حقيقة أمره فيكون مريدا
، وقلبه خرج بالتوبة، وكان ما
ً
شاكرا
ً
طائعا
بين الخوف والرجاء.
أما مناجاة التائبين ففيها من آداب
العبودية بين العبد وربه، وكيف يكون العبد
وما هي أوصافه والمعبود وألطافه وأفضاله
وإحسانه على العبد لحاجة العبد إلى ذلك.
أول مسألة تؤكد عليها المناجاة تحقيق
الرابطة بين العبد وربه من خلال الخضوع
والإنابة إليه تعالى فنرى في الجمل الأولى
وصف حال العبد مما ارتكبه من عظيم
الجناية وأمات قلبه بسبب ذلك والتوبة حياة
القلوب فلا طريق إلا بالإنابة والخضوع
إليه للخروج من حالة البعد إلى القرب
الإلهي، وإن الراحل إليه لقريب المسافة
سوى أن الأعمال تحجبهم عن ذلك. يقول
في تلك المناجاة:
A
الإمام زين العابدين
ي
ِ
ن
َ
ل
َّ
ل
َ
ج
َ
ي و
ِ
ت
َّ
ل
َ
ذ
َ
م
َ
ب
ْ
و
َ
طايا ث
َ
ي الخ
ِ
ن
ْ
ت
َ
س
َ
ب
ْ
ل
َ
ي أ
ِ
له
ِ
ي).
ِ
ت
َ
ن
َ
ك
ْ
س
َ
م
َ
باس
ِ
ل
َ
ك
ْ
ن
ِ
م
ُ
د
ُ
باع
َّ
الت
ي) أصل ألبس من
ِ
ن
ْ
ت
َ
س
َ
ب
ْ
ل
َ
: (أ
A
وقوله
لبس، ولبس الثوب استتر به وألبسه غيره
، وفي هذا
)1(
وأصل اللبس هو ستر الشيء
المقطع من المناجاة يوجد توظيف لمفاهيم
إسلامية أخلاقية وجعلها في متناول
الحس بواسطة الاستعارة والتي لها صور
مختلفة منها: أن يؤخذ الشيء من الأشياء
المحسوسة المشاهدة للمعاني المعقولة
للحجة الكاشفة عن
ً
كاستعارة النور مثلا
، ومنها
) ... َ
ل
ِ
نز
ُ
أ
َ
ي
ِ
ذ
َّ
ال
َ
ور
ُّ
الن
ْ
وا
ُ
ع
َ
ب
َّ
ات
َ
الحق
أن يؤخذ الشيء من الأشياء المحسوسة
لمثلها كما في حديث (إياكم وخضراء
الدمن) فقد استعيرت خضراء الدمن
للمرأة الجميلة في منبت السوء، بجامع
حسن الظاهر في رأي العين مع فساد
الباطن، وثالثها أن يؤخذ الشبه من المعقول
للمعقول أي من المفاهيم والمعاني إلى
المعاني غير المحسوسة كاستعارة الموت
. وهنا لبس الثوب أمر محسوس
)2(
للجهل
استعير إلى الخطايا والجامع ووجه الشبه
بينهما هو الستر والإحاطة بالشيء فيقع
الإنسان في المعاصي وتجعله في مقام
:
A
العبد والهوان والذلة ولعل قوله
ي)
ِ
ت
َ
ن
َ
ك
ْ
س
َ
م
َ
باس
ِ
ل
َ
ك
ْ
ن
ِ
م
ُ
د
ُ
باع
َّ
ي الت
ِ
ن
َ
ل
َّ
ل
َ
ج
َ
على تلك الحالة التي يكون فيها
ً
قرينة أيضا
ا فهو بعيد لأن
ً
ا ومستور
ً
الإنسان محاط
الجلل هو ما يغطى به الصحف ثم سميت
.
)3(
الصحف مجلة
وعندما يقع الإنسان فريسة الخطايا
والذنوب والبعد من الرحمة الإلهية بموت
ُ
يم
ِ
ظ
َ
ي ع
ِ
ب
ْ
ل
َ
ق
َ
مات
َ
أ
َ
: (و
A
قلبه فيقول
ي) فهنا إشارة إلى أثر الأمراض
ِ
ت
َ
ناي
ِ
ج
النفسية التي هي من وراء الأخطاء
المرتكبة وما تستلزمه من موت روحي
وذلة ومسكنة، إن البديل لهذا اللباس وهذا
الثوب الذي جلب للإنسان الذلة والهوان،
لأن من ورائه رذائل النفس، هو لباس
التقوى، ونحن في عالم الدنيا نهتم بستر
نبالغ فيه وفي
ً
البدن الظاهري وأحيانا
تجميله لأجل تغطية سوأته، علينا أن نبحث
إضافة إلى ذلك عن ما يغطي سوأة الباطن
بتقوى الله تعالى والتي هي أهم في المقام
لو تنبه الإنسان إليها لأنها سوف تحشر معه
1...,46,47,48,49,50,51,52,53,54,55 35,36,37,38,39,40,41,42,43,44,...132
Powered by FlippingBook