مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 39

ملف العدد
39
الآخر المتوكل الذي أسرف في البذخ إلى
حد يفوق التصور المعقول واللامعقول،
فقد أوصل المدينة إلى أوج عمرانها،
وأقصى اتساعها، وهو الذي وسع بناء
المسجد الجامع الكبير، وبنى مئذنته
،
)2(
(الملوية)
المشهورة المعروفة اليوم بـ
فريدة نوعها في تأريخ الحضارات.
سامراء النشأة والمعالم . . .
عند تزايد عدد الجنود الأتراك الذين
استجلبهم المعتصم من آسيا الوسطى
إلى عاصمة الخلافة (بغداد) لاتخاذهم
ا - في بادئ الأمر -
ً
ا خاص
ً
ا ملكي
ً
حرس
لحماية الخليفة، ثم زيد في عددهم لحماية
القصور والدواوين وبيت المال وغيرها من
مرافق الدولة، ثم أخذت أعدادهم بالتزايد
بشكل ملحوظ نتيجة المخاوف التي كانت
تلاحق المعتصم من العرب الذين أبعدهم
عن شغل المناصب الرئيسة في الدولة،
لكراهته إياهم، وبغضه لهم. ولكي يوطد
، فما
)3(
منصب الخلافة ويحافظ عليه
ليعتمد على
ّ
ة الأمي إ
ّ
كان من ابن التركي
أخواله الأتراك في حماية عرش خلافته.
ا بعد يوم يزداد عدد الجند من
ً
ويوم
الأتراك بحيث تضيق بهم عاصمة الخلافة
بغداد وطرقاتها، ويضج الأهلون بالشكوى
من عبث الجنود وإرعابهم للأطفال والنساء
والشيوخ، إذ ما كانوا يرعون حرمة لكبير،
ولم يكن لديهم عطف على صغير أو ضعيف.
فيضطر المعتصم في ظل هذا الوضع،
وتفاقم الحالة من وقوع الاصطدامات بين
الطرفين، ونشوب حالات قتل ودعس
لبعض الأهالي بأرجل الخيل، ولتزايد
مخاوف المعتصم من حدوث تحرك ضده،
عليه يقرر جلاء الآلاف المؤلفة من جنوده
في منطقة
ً
عن بغداد والصعود بهم شما
قريبة من بغداد، حتى إذا ما حدث تمرد
أو انقلاب عسكري فإنه سرعان ما ينحدر
ا فيحاصرهم ويقضي
ً
ا ونهر
ً
إليهم بر
.
)4(
عليهم
ويرسل المعتصم المستطلعين من
حاشيته ومستشاريه ليبحثوا له عن مكان
مناسب وقريب من مركز الخلافة، فيتجه
المرسلون بمحاذاة دجلة شمالا بحثا عن
منطقة جميلة، وهواء معتدل. وبعد أن
قطع المستطلعون مسافة تبلغ حوالي (06)
ميلا، انتهوا إلى هضبة مستوية ترتفع عن
ضفة نهر دجلة اليسرى بعدة أمتار، يقوم
التي
)5(
فيها دير من أديرة النصارى الثمانية
كانت منتشرة في كل تلك النواحي.
ثم يرجع المرسلون لإبلاغ الخليفة بما
عثروا . . .
ا في
ً
ويتوجه المعتصم بنفسه صاعد
دجلة لمشاهدة الموقع عن كثب، ويستشير
رهبان ذلك الدير عن مشروعه، ويسألهم
عن اسم المنطقة، فقيل له: نجد في كتبنا
القديمة أن هذا الموضع يسمى (سر من
رأى)، وأنه كان في مدينة سام بن نوح
وأنه سيعمر بعد الدهور على يد ملك جليل
مظفر له أصحاب كأن وجوههم وجوه طير
الفلاة، ينزلها وينزلها ولده. فقال: أنا والله
.
)6(
أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي
تاريخ مدينة سامراء
1...,40,41,42,43,44,45,46,47,48,49 29,30,31,32,33,34,35,36,37,38,...148
Powered by FlippingBook