مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 125

واحة الأدب 125
وأما الجنود فإنهم لما أصبح الصباح
انطلقوا في شوارع المدينة للبحث عن
رجل غريب آخر!
ًوفي نهاية المطاف وجدوا رجل
ا على ضفة النهر وكان الرجل ً ا جالس ً غريب
بالرغم من شدة الفقر يجيل النظر في
وقار ويتأمل الأصداف والمحار والورود
والأزهار، ثم ينظر إلى السماء والطيور
سابحات في الفضاء.
فإذا بالجنود يحيطون به وينتزعونه
ا! ً ا ثم يمضون به سراع ً انتزاع
متجهين إلى التلل الخضراء
مخترقين المزارع والحدائق الغناء إلى أن
وصلوا أسوار القصر، ثم أخذوا به إلى
الحمام المبني من المرمر والرخام.
وجرى لهذا الرجل ما جرى لسابقه،
ر واستغرب الأمر ّ غير أنه تأمل وفك
ا وأي ً واستذكر، وأدرك أن في الأمر سر
!؟ ّسر
فلما جلس على العرش ووضعوا
التاج على الرأس استغرق في الفكر أكثر
فأكثر؛ انحنوا له وخاطبوه: يا جللة
السلطان ويا ملك البلد! نحن رهن
إشارتك تأمر فنطيع وتنهى فنطيع!
وا الخوان وحلت الأطباق المليئة ّ ثم مد
بالطعام والشراب من كل الألوان! وبكل
ا من الطعام ً وطاب، فأكل يسير ّ ما لذ
والشراب، ونهض عن المائدة وتنحى
ا في الفكر يريد ً وهو ما يزال مستغرق
! ّالكشف عن السر
ت أيام والرجل ما يزال يفكر ّ ومر
ا! ثم قرر أن ً ا، لما يجري مستنكر ً مستغرب
ن يحل له هذا اللغز. ّ يبحث عم
وفي ليلة من الليالي ارتدى الرجل
ا وتسلل إلى خارج القصر لا ً ا بسيط ً ثوب
يعلم به أحد وأخذ طريقه إلى المدينة
ه يجد من ّينظر في وجوه الناس فلعل
يسأله ويستوضح منه حتى وقعت عيناه
ا ً على شيخ وقور قد اشتعل رأسه شيب
ا.ً وحاز من التجارب نصيب
اه وقال له: ّ م عليه وحي ّ فسل
ـ إني رجل غريب في هذه الديار وقد
ا حيرني؛ فأنا أفكر فيه منذ ً رأيت أمر
أيام.
قال الشيخ الوقور:
ـ وما الذي رأيت فحيرك ؟!
قال الرجل:
ا هجموا على ً ـ رأيت قبل أيام جند
رجل فقير وأخذوه إلى قصر السلطان
دوه أمر البلد، فكان ّ وألبسوه التاج وقل
ا ً ا وفي المساء ملك ً فقير ً في الصباح رجل
ا ؟! ً كبير
أطرق الشيخ وقال بحذر:
، فكن على ّ ـ سأفضي إليك بالسر
حذر، وسأخبرك بحقيقة الأمر، واعلم أن
ا ً هذا الرجل الذي رأيته في الصباح فقير
ا إنما هو رجل مسكين ً ا كبير ً ثم أصبح ملك
فل تغبطه على ما وصل إليه، وما أصبح
كبير وقصر منيف وسلطان ٍ ك ْ ل ُ فيه من م
وصولجان، لأنه ما إن يمر عام حتى
يجردوه من ملكه وسلطانه ثم يأخذونه
إلى جزيرة جرداء كالصحراء فينبذونه
ا! كما فعلوه من ً ا وعطش ً هناك فيهلك جوع
قبل برجال غرباء ملكوا كل واحد منهم
ا فقط ثم نبذوهم هناك في ً ا واحد ً عام
الصحراء في تلك الجزيرة القفراء!
المجاز قنطرة الحقيقة .. حكاية رمزية