مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 53

53
مجلة ينابيع
رائية ابن معصوم المدني
من
ً
حيث(يحاول أن يخلق نوعا
)3(
والحيوية)
التوافق النفسي بينه وبين العالم الخارجي
عن طريق ذلك (التوقيع) الموسيقي الذي
من جهة
)4(
في كل عمل فني )
ً
يعد أساسيا
واستغلال الصورة المكانية لخلق هذا
التوافق من جهة أخرى، وقد عقد أكثر من
كاتب مقارنة بين فن الرسم وعمل الرسام
من جهة وبين فن الشعر وعمل الشاعر من
ويبدو أن ابن معصوم نجح
)5(
جهة أخرى
في رسم لوحته الفنية المعبرة عن جلل
الحدث وأهميته من خلال توظيف فن
الرثاء وهو تعبير عن حالة نفسية تصيب
الشاعر في مناسبة محزنة تهيج بها كوامن
.
)6(
شجونه وتدفعه إلى البكاء والحزن
ولعل الذي يربط الشعراء بأهل البيت
، انه الحب المقدس
ٍ
شيء كبير وسام
B
وما دفع الشعراء إلى رثاء اهل البيت
هو الشعور بالحزن إزاء ما جرى لأهل
الحق وكيف ارادت قوى الشر والظلام
أن تنتصر بطريقة الظلم والوحشية (مما
جعل خط الإسلام يتراجع في المجتمع
وتضعف المبادئ التي نزل بها الدين
.
)7(
الحنيف لدى الناس)
البناء الفني في القصيدة:
امتازت رائية ابن معصوم بخلوها من
المطلع التقليدي الذي اعتاد شعراء الرثاء
على افتتاح قصائدهم به ليصدم القارئ
بدخوله المباشر إلى غرضه الشعري
المتمثل بفاجعة عاشوراء وقد امتاز
مطلع الشاعر من حيث اللفظ والمبنى
على المعنى المقصود من النص
ّ
أنه دل
بكامله فضلا عن مجيئه مصرعا كما
قال قدامة بن جعفر: (أن يقصد لتصيير
مقطع المصراع الأول من البيت الأول
من القصيدة مثل قافيتها، فإن الفحول
المجيدين من الشعراء القدماء والمحدثين
.
)8(
يتوخون ذلك ولا يكادون يعدلون عنه)
وبعد هذا المطلع راح شاعرنا يسرد
ما حصل في تلك الفاجعة من أحداث
متتالية بطريقة مشحونة بالحزن وميزة
الشاعر أنه كان يقف عند الجزئيات
ليفصل القول بطريقه فنية فيوم عاشور
ٌ
عنده يوم تعددت المآسي فيه فهو يوم
به
ٌ
, كذلك هو يوم
ِ
الله
ُ
عرش
َّ
به اهتز
به ذهبت
ٌ
لى وهو يوم
ُ
الع
ُ
سفت شمس
ُ
ك
للبين وهكذا يستمر الشاعر
ٍ
فاطمة
ُ
أبناء
بسرد تفاصيل هذا اليوم المشؤوم ومن
أهم الظواهر الفنية التي وظفها الشاعر:
ظاهرة التكرار:
وهو تناوب الألفاظ وإعادتها في
سياق التعبير بحيث تشكل نغما موسيقيا
ويعد ظاهرة
)9(
يتقصده الناظم في شعره
فنية بارزة شهدها الشعر العربي قديما
وحديثا وهي من الوسائل الموسيقية التي
تسهم في ترسيخ المعنى الأدائي وتعمقه،
عند إلحاح الشاعر على جهة في العبارة
وكما
)10(
يعني بها أكثر من عنايته بسواها
فعل ابن معصوم المدني في رثاء الإمام
الحسين فقد كرر ألفاظ (يوم) وعبارة
(ياوقعة الطف) بشكل ملفت للنظر ويبدو
أن الدافع وراء هذا التكرار هو التأكيد على
عمق الحدث وأهميته فيوم عاشوراء يوم
عظيم وعظمته جاءت من حجم المصاب
وهوله، وكذلك جملة يا وقعة الطف أراد
الشاعر من خلالها أن يوصل رسالة إلى
المتلقي بأن هذه الواقعة خالدة لايمكن
نسيانها باستعمال ياء النداء التي تدل على
نداء البعيد وفي ذلك دلالة على أن الحدث
وعلى الرغم من بعده التاريخي القديم إلا
أنه لازال حاضرا في الأذهان وشاهدا
1...,54,55,56,57,58,59,60,61,62,63 43,44,45,46,47,48,49,50,51,52,...132
Powered by FlippingBook