مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 125

125
مجلة ينابيع
ومما جاء في كتابه وفي وصيته لأحد أمراء
إيطاليا إذ يقول له: (يجب على الأمير ألا
يعبأ بأن يوصف بالشدة ما دامت هذه الشدة
من أجل الحفاظ على مواطنيه وولائهم
مع عدد
ً
له، وذلك لأنه حين يكون شديدا
من الناس، هو بذلك أفضل من
ً
قليل جدا
الأمراء الذين يفرطون في اللين مما يسبب
وقوع الاضطرابات، وتسيل الدماء ويحدث
النهب والسلب، وهذه أمور تضر الكثيرين
بصفة عامة، لكن تنفيذ حكم الإعدام
ً
في عدد قليل من الناس لن يؤذي أحدا
غيرهم، والأمير حديث العهد بالإمارة
فقط هو من في حاجة شديدة دون بقية
الأمراء للاشتهار بالشدة؛ لأن الولايات
من الأخطار).
ً
الجديدة تعاني دائما
أكتفي هنا بنقل هذا النص لميكيافيللي
لتوضيح أفكاره والمقارنة بينه وبين الحاكم
،
A
بأمير المؤمنين
ً
الإسلامي متمثلا
على بعد المسافة وعلى عظم الفرق بين
الاثنين، فأين الثرى من الثريا، ولكن لا
بد من إبراز منهج التفكير لكي نصل إلى
الطريق الأسلم الذي يحبذه الشرع والعقل،
ولابد أن نسير عليه ونتبعه.
في النص الأول والذي هو المنهج
ً
الإسلامي في أسلوب الحاكم نرى احتراما
مه،
ّ
للإنسان بما أنه إنسان خلقه الله وكر
ً
ضئيلا
ً
أما في النص الثاني نرى احتراما
ت المصلحة إلى إعدام
ّ
للإنسان، فإذا أد
عدة أفراد من الشعب فهذا ما يطبقه
الحاكم لكيلا تتأثر مملكته وحكمه، وهو
للدم الحرام الذي حذر
ً
بهذا يكون سافكا
التحذير من سفكه
ّ
أشد
A
أمير المؤمنين
بقوله (إياك والدماء) وهذا الأسلوب الذي
اه علماء العربية بأسلوب التحذير وهو
ّ
سم
A
من أشد الأساليب، وأمير المؤمنين
بهذا التحذير ينطلق من روح إسلامية
تخاف الله تعالى وتخشاه لأنه تعالى هو
الخالق وهو الرازق، وسفك الدم وظلم
الإنسان البريء عنده من أشد المحرمات،
لع على العباد حكامهم
ّ
والله تعالى مط
ورعيتهم، وسوف يقف الجميع في يوم
واحد لمحاسبتهم، ويكون الله الشاهد هو
الحاكم.
فهذا الحاكم الدنيوي والذي يزول حكمه
مهما طال من الزمن لا يظن أنه تسلط على
رؤوس العباد والبلاد وأصبح بيده كل شيء
بل لا بد له أن يذكر أنه حاكم لهذا المجتمع
والله تعالى من فوقه حاكم عليه، وهذا
المعنى لا نجده عند ميكيافيللي الذي هدفه
الهدوء السياسي
ً
الأساس كما تبين سابقا
والاجتماعي والمحافظة على الحكم بأي
طريقة، وإن أدى ذلك إلى الشدة وسفك
الدماء.
فالحاكم الذي يستخدم الحكم لإقامة
حدود الله وخدمة الناس يكون الحكم
ُ
ن
ْ
ب
َّ
ا
ُ
د
ْ
ب
َ
ع
َ
ال
َ
، (ق
ً
عنده لا يساوي شيئا
..
A
َ
ين
ِ
ن
ِ
م
ْ
ؤ
ُ
م
ْ
ال
ِ
ير
ِ
م
َ
ى أ
َ
ل
َ
ع
ُ
ت
ْ
ل
َ
خ
َ
: د
ِ
اس
َّ
ب
َ
ع
ا
َ
ذ
َ
ه
ُ
ة
َ
يم
ِ
ا ق
َ
ي: م
ِ
ل
َ
ال
َ
ق
َ
ه ف
َ
ل
ْ
ع
َ
ن
ُ
ف
ِ
ص
ْ
خ
َ
ي
َ
و
ُ
وه
ِ
: والله
A
ال
َ
ق
َ
ا. ف
َ
ه
َ
ل
َ
ة
َ
يم
ِ
ق
َ
: ُ
ت
ْ
ل
ُ
ق
َ
؟ ف
ِ
ل
ْ
ع
َّ
الن
ً
ا
ّ
ق
َ
ح
َ
يم
ِ
ق
ُ
أ
ْ
ن
َ
أ
َّ ِ
إ
ْ
م
ُ
ك
ِ
ت
َ
ر
ْ
م
ِ
إ
ْ
ن
ِ
م
َّ
ي
َ
ل
ِ
إ
ُّ
ب
َ
ح
َ
أ
َ
ي
ِ
ه
َ
ل
، فالحكم عنده لا يساوي
)4(
) ً
ِ
اط
َ
ب
َ
ع
َ
ف
ْ
د
َ
أ
ْ
و
َ
أ
إلا ما كان يصب في إقامة الحق ودفع
ً
شيئا
الباطل.
فما أجمل وأحلى هذا اللون من الحكم
وما أفظع وأشد الحكم الدنيوي الذي
يكسب الحاكم فيه سخط الله وسخط
الناس.
وما أقساه إذ يرى: (يجب على الأمير ألا
يعبأ أن يوصف بالشدة)، وما أرحم الحكم
َ
ك
َ
ب
ْ
ل
َ
ق
ْ
ر
ِ
ع
ْ
ش
َ
الإسلامي وأعطفه إذ يقول: (وأ
أسلوب الحكم في الفكر الإسلامي ... والفكر الميكيافيللي
1,126,127,128,129,130,131 115,116,117,118,119,120,121,122,123,124,...132
Powered by FlippingBook