الرئاسة والسياسة ومقام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

429

171طالب علي الشرقي

المؤرخ الالماني يوليوس فلهوزن يقول: إن المعارضة دائماً تتغيّر عندما تصل إلى الرئاسة. وإن السياسة عند تطبيقها تبعد كثيراً عن الفكرة التي قامت عليها لأن تقديرها للأشياء يكون في أول الأمر بحسب الامكان لا بحسب الواقع، ولا تستطيع جماعة لها تاريخها أن تتنكر للأسس الموجودة التي تقوم عليها تنكراً تاماً. والقوة ـ اذا أرادت أن تحافظ على كيانها وأن تزداد ـ لابد لها من أن تجري على سننها الخاصة بها. وهذا هو الذي يفسر لنا ان النبي لما صار رئيساً سياسياً تغيّر عما كان عليه لما كان لا يزال طامحاً في الرئاسة…

يوليوس فلهوزن/تأريخ الدولة العربية

تعريب محمد عبد الهادي أبو ريدة ص6

بدافع الأهداف غير المعلنة يستعمل الكاتب أسلوباً ملتويا، فيطرح تصوراً يشتمل على بعض الحقائق ليمرر ادعاءً لا يسنده الواقع، الغرض منه النيل من الإسلام. ولم يكن غرضاً خافياً فقد دسَّ على النبي (ص) وعلى القرآن المجيد في صفحات كتابه مما يدل على خبث أهدافه ومراميه وذلك بوحي من سوء معتقده.

فالمعارضة قد تتغير عندما تصل إلى الرئاسة. ولكن: لو أمعنّا النظر في الأمر لوجدنا انها لا تنوي ان تغير شيئاً من أفكارها وأهدافها ولكن الواقع يفرض عليها ذلك.

إن الأوضاع الجديدة التي تولد بعد نجاح المعارضة سواء في الداخل أو من جرّاء تقاطع المصالح الأجنبية مع أهداف وتطلعات الشعب تضع المعارضة في امتحان صعب، وقد تضطر إلى الابتعاد ولو آنياً عن الأسس والمبادئ التي آمنت بها فتحصل التغيرات والانشقاقات ـ هذا اذا افترضنا إن المعارضة قد وصلت إلى الرئاسة عن طريق الثورة المسلحة لا عن طريق الانتخابات والتنافس (الديمقراطي) بين الأحزاب الوطنية ذات السياسات المتباينة لأننا لا نعرف هذا اللون ـ وبالتالي تبدأ عملية التشذيب واللجوء إلى استعمال القوة التي تأتي أحيانا لمصلحة الشعب. هذه أمور لا تخلو من الحقيقة.

أما ما يخص النبي الكريم محمد (ص) فان ما وصلنا من سيرته العطرة منذ صباه إلى ان اختاره الله تبارك وتعالى للرسالة المباركة لا ينطوي على أية اشارة للتفكير أو الطموح للرئاسة. كيف يفكر بالرئاسة وهو يعيش بين أعمامه وأبناء عشيرته وفيهم من هو أكبر سناً وأكثر مالاً وسطوة. ولا يعرف في حياة الرسول (ص) أي موقف أو بادرة تحفّز للرئاسة، وقصة عرض قريش الرئاسة والثروة والملك عليه (ص) ومقولته لعمه أبى طالب (رحمه الله) يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر شمالي…الخ من الأمور المشهورة الثابتة فأين هي فكرة الرئاسة عند الرسول الكريم محمد (ص).

ثم ان الرسول (ص) كان في كل خطواته بعد التكليف بالرسالة موجهاً من الله تعالى، فلا ينطق عن الهوى، ولم يجهر بالدعوة إلاّ بأمر الله، ولم يباشر قتال المشركين إلاّ بأمر الله. وفي كل مراحل حياته الشريفة كان محاطاً بالعناية الإلهية. انه (ص) لا يعمل ولا يقول ولا يتصرف إلاّ بما يخدم الرسالة ويثبّت إيمان معتنقيها ويوسع دائرة انتشارها ويكسر شوكة المشركين والمعارضين لها.

لذلك لا يصح القول: (.. بان النبي لما صار رئيساً سياسياً تغيّر عما كان عليه لما كان طامحاً في الرئاسة). لأن ذلك يعني أنه ابتعد عن أصول ومبادئ الرسالة وعمل برأيه ووفق رغبته في تحقيق طموحه السياسي، وهذا افتراء على ما هو ثابت كحقائق في تاريخ حياته وسنته الشريفة.

إن رسالة الإسلام لا يمكن أن تقاس بثورة شعب أو حزب سياسي يدعو إلى أفكار قابلة للأخذ والرد والتجديد والتسديد وفق الظروف والإمكانات المتاحة، فالإسلام شريعة محيطة بكل ما ينفع الناس، انه نظام يستوعب جوانب الحياة مهما قلَّ أو عظم شأنها إلى أن تقوم الساعة. وإذا حصلت تطورات خلال فترة التبليغ فقد اقتضتها المرحلة خدمة للرسالة وتحقيقاً لأهدافها العامة. وهي ليست رغبات الرسول (ص) لتحقيق طموحاته، ولا تحولاً سياسياً في مسيرة الإسلام بل هي إرادة الله وشرعه.

وإذا عدنا إلى القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو النص الذي تعهدت العناية الإلهية بحفظه. نجد آيات كريمات توضع مراحل تطور مسيرة الرسالة بدءاً بقوله تعالى: (يا أيها المدثر قم فأنذر…) إلى يوم الدار بقوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) مروراً بالممارسات التي يقوم بها المسلم في مرحلة الدعوة السريّة ثم الجهر بالدعوة ومن ثم الأمر بالهجرة إلى الحبشة ثم إلى يثرب. والأمر بالقتال والى ما لا حصر له من التوجيهات والتوصيات والاحكام والتشريعات والأوامر والنواهي حتى ختمت بقوله تبارك وتعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).

وإذا تغاضينا وأحسنّا الظن بهذا (المستشرق) واستبعدنا تعمده الاساءة نقول: إنّ من المناهج التي كثر الاعتراض عليها في تفسير الاحداث التاريخية ان يجعل باحث الحاضر معياراً للماضي وزاوية لرؤيته، بان يرى الماضي ـ الذي شكلته عوامل موضوعية خاصة به ـ ويفسر بمنطق الحدث الحاضر ـ الذي شكلته عوامل موضوعية مختلفة عن تلك ـ فهذا يقودنا إلى الزلل في الرؤية والتقويم والتفسير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*