رسالة الغدير.. أمر إلهي ملكوتي وامتثال لآيات القرآن الصريحة

744

الحكمة – متابعة :   الأمر الإلهي والتنصيب النبوي وبيعة المؤمنين والصحابة فضيلة كبيرة، إلاّ أنّ الأهمّ من ذلك هي السجايا التي اجتمعت في هذا الإنسان العظيم والفريد وأدّت إلى هذا التنصيب والبلاغ الإلهي، ويجدر بجميع الأمة الإسلامية أن تعتبر هذا اليوم عيدها.

إنّه ليوم عظيم حقّاً وعيد حاسم وجليل يستحقّ الاهتمام والدراسة سواءً من ناحية شخصية أمير المؤمنين(ع) وسجاياها وأبعادها الذاتيّة والسياسية والاجتماعية المتوفّرة كلّها في هذا الرجل الربّاني والملكوتي؛ والذي لا نعهد رجلاً يحمل هذه الخصال بعد النبي الأكرم(ص) غير أمير المؤمنين، أو من ناحية الحادثة نفسها وهذا التنصيب العجيب.

فيما يخصُّ أمير المؤمنين(ع): فعلى جميع الواقفين بالأدلة على كراماته أن يقرّوا بأنّ شخصية أمير المؤمنين الشامخة لم تكن وليدة واقعة الغدير، فما كان للغدير أن يصنع جوهر أمير المؤمنين(ع) الفريد، إنّما الغدير حصيلة تلك الفضائل والمزايا والكمالات.

نعم، الأمر الإلهي والتنصيب النبوي وبيعة المؤمنين والصحابة فضيلة كبيرة، إلاّ أنّ الأهمّ من ذلك هي السجايا التي اجتمعت في هذا الإنسان العظيم والفريد وأدّت إلى هذا التنصيب والبلاغ الإلهي.

كما أنّ حادثة الغدير بنفسها ذات أبعاد كثيرة، وبإمكان المسلمين ـ حقّاً – أن يتّخذوا منها وسيلة لتقدّم العالم الإسلامي وهدايته هداية وافية وكاملة.

لم ينكر أحد وقوع هذه الحادثة وصدور تلك الكلمات عن نبي الإسلام الأكرم(ص).

ففي مثل هذا اليوم (الثامن عشر من ذي الحجة) بادر النبي الأكرم(ص)، وفي ذلك الظرف المهم والحسّاس وفي آخر أشهر حياته المباركة إلى تنصيب أمير المؤمنين ومنحه الولاية؛ أي الحكومة وإدارة المسلمين والمجتمع الإسلامي.

الولاية التي أشار إليها نبي الإسلام هنا ليست هي الولاية الإلهية المعنوية الكلّية المبتنية على أمور وعناصر أخرى، بل أراد بهذا البيان التشريعي: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» أمر إلهي وسماوي وملكوتي غني عن الجعل والتنصيب.

وهذا البلاغ من النبي(ص) في منح الولاية لأمير المؤمنين (ع) وهذا المنصب التشريعي يعني الحكومة وإدارة المجتمع الإسلامي، وولاية أمر المسلمين المصحوبة، طبعاً بتلك الولاية الإلهية العامة التي توفّرت في الشخص المقّدس للنبي وأئمة الهدى(ع).

فالولاية بذلك المعنى كانت موجودة حتّى عند الأئمة الذين لم يمارسوا الولاية الظاهرية، فما تمتّع به أمير المؤمنين المنصّب من قِبَل النبي هي الولاية السياسية، وهو المعنى الذي أوجده الله عزّ وجلّ في الإسلام على يَدْ النبي الأكرم(ص).

إذاً فقد اتّضح أنّ الإسلام يدعو في أرقى أحكامه وقوانينه إلى مسألة الحكومة والولاية وإدارة الأمة، فلابدّ من دراسة حادثة الغدير في هذا البعد، كما ينبغي محو الكثير من الأخطاء التي تركّزت في الأذهان ـ مع الأسف ـ طوال قرون.

إنّ الذين تظاهروا بالدفاع عن الدين، وقالوا: لا ينبغي للدين أن يتدخّل في السياسة إنّما أرادوا أن لا تتدخّل الأحكام الإسلامية ودعاة الإسلام في حكوماتهم؛ لذا فإنّ السلاطين المستبدّين هم أول الدعاة إلى الفكرة المنحرفة التي تدعو إلى (فصل الدين عن السياسة)، وهذا هو أسلوب إعلامي جديد مارسه الاستكبار ضدّ حكومة الإسلام وحياته الجديدة.

طبعاً منذ قرون وقوى الاستبداد – أي القوى المتجبّرة التي استولت على مقدّرات المجتمع بالقهر وكانوا يريدون أن يمارسوا بحرّية أصناف السياسات بحقّ شعبهم وبلادهم – تدعو إلى فصل الدين عن السياسة، وهم الذين روّجوا ونادوا بفكرة فصل الدين عن السياسة قبل المستعمرين والأعداء.

ففي حادثة الغدير أنجز نبي الإسلام الأكرم(ص) أهمّ الواجبات امتثالاً لآيات القرآن الصريحة {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، فتنصيب أمير المؤمنين (ع) للولاية والخلافة من الأهمية بحيث يكون عدم امتثاله بمثابة عدم امتثال الرسالة.

والآن فالمراد إمّا الرسالة في خصوص هذه الحادثة ـ لأنّ الله تعالى أمر بامتثالها ـ، أو أكثر من ذلك بأن يكون المراد هو أصل رسالة النبي وأنّه إذا لم يبلّغ هذا الأمر فكأنّه لم يُبلّغ أصل الرسالة.

وهذه القضية تحظى بأهمّية كبيرة، أي أنّ إقامة الحكومة ومسألة الولاية وإدارة الدولة من أساسيات الدين، وقد امتثله النبي بعظمته وبذلك الاهتمام أمام أعين الناس، وبشكل لم ينجز معه أيّ واجب آخر كالصلاة والزكاة والصيام والجهاد.

فيجمع الناس من مختلف المدن والقبائل والأماكن في مفترق طرق بين مكة والمدينة ويبلغ هذا الأمر بوصفه أمراً مهمّاً ويدور الحديث في العالم الإسلامي بأنّ النبي(ص) قد بلّغ أمراً جديداً ومع غضّ النظر عن شخص أمير المؤمنين فإن تنصيباً بالشكل الذي التفت إليه الشيعة لم يلتفت إليه الآخرون كثيراً ولم يلاحظوه.

نلاحظ في هذه القضية أهمّية نصب الحاكم، وهذه هي رسالة الغدير، فلماذا لا يُلتفت إلى النداء الذي صدع به النبي الأكرم(ص) مؤسّس الإسلام أمام جميع المسلمين وقال: أيّها المسلمون لا تفصلوا الدين عن أساس الحياة وعن مسألة الحكومة ـ التي هي أساس الحياة الفردية والاجتماعية ـ، ولا تحصروه في زوايا البيوت الخالية وفي الأذهان والمسائل الروحية، فأساس حياة البشر القائم على الحكومة مسؤولية ملقاة على عاتق الدين، فعلى الدين أن يتولّى ذلك.

وكذلك فإن الولاية على المحجور والصغير لها معنى ومقتضى، وولاية الأمة الإسلامية والحرب والصلح والسياسة لها معنى ومقتضى آخر ولا يمكن الخلط بين هذه الأمور. هذه هي رسالة الغدير.

هذا تعلّمناه من الغدير، ولذا فإن عيد الغدير هو عيد الولاية والسياسة وتدخّل الناس في أمر الحكومة، وعيد أفراد الشعب والأمة الإسلامية، ولا يختصّ بالشيعة، ويجدر بجميع الأمة الإسلامية أن تعتبر هذا اليوم عيدها، كما هو عيد أمير المؤمنين(ع)، وشيعة أمير المؤمنين يحتفلون بهذا العيد بشكل خاص.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*