أكد الباحث الإسلامي ((السعودي)) الشيخ حسن المالكي أن الألفاظ القرآنية تعلِّم التواضع، والألفاظ المذهبية تعلم التفاخر، فاللفظ الإيماني شرعي أما المذهبي فجاهل يحمل سمات الجاهلية. وأضاف: من علامات الجهل والتخلف جعل الرجال فوق النص الشرعي، مشيرًا إلى أن الأمم الحية تفتش دون استحياء، ولا ترفع رجالاتها فوق النص الشرعي. وأشار المالكي خلال لقائه مع برنامج «اللوبي» على قناة «العدالة» إلى أنه من خلال بحثه في كتب العقائد لم يجد معنى لكلمة «عقيدة» في القرآن الكريم سوى «الايمان»، فضلًا عن أن معنى كلمة «الصحبة» في القرآن تختلف عن الموجودة في كتب العقائد. ولفت إلى أن الله جعل للمؤمنين جميعهم اسما واحدا «مسلمون» ولم يفرقهم إلى سنة وشيعة، لافتًا إلى أن ترك هذا الاسم والبحث عن أسماء نراها أفضل يعد جهلا.
وقال: لقد بين الله في كتابه أن المذهبية المتعصبة شرك، مشددًا على ضرورة الافتخار بالاسم الذي أسمانا الله إياه. وتساءل المالكي مستنكرًا: أنتبرأ من الإسلام لوجود مسلمين أساؤوا إلى الإسلام بتفجيرات وقتل تحت اسم الإسلام؟ وأشار إلى وجود فرق بين الاسم المدرسي «سني أو شيعي» والاسم الشرعي الذي اختاره الله «مسلم»، مبينا أنه في عهد النبي (ص) لم يكن هناك سني أو شيعي بل كانوا فقط مسلمين.
الإلهي والبشري
وذكر المالكي أن هناك إسلامًا إلهيًّا مصدره القرآن وما صح من السنة، وآخر بشري، مشيرًا إلى أن الإسلامَيْن الإلهي والبشري في نزاع منذ عصر الرسول، مضيفًا أن الإسلام البشري ظهر نتيجة الرغبات البشرية، وهذا موجود حتى عند الصحابة أنفسهم. وقال: الواقع المذهبي والسياسي عبر التاريخ أدخل كثيرًا من الأحكام البشرية على الإسلام الإلهي.
النواصب
وقال: يهمل المؤرخون نقطة أساسية عند بداية الافتراق، وهي أن فرقًا كثيرة كانت مهيمنة على العالم الإسلامي، وهي فرق «النواصب» التي حكمت وكانت تسب الإمام عليًّا (عليه السلام) على المنابر. مشيرًا إلى أن «النواصب» هم أكبر فرقة حكمت العالم الإسلامي واضطهدت آل البيت وسبّت الإمام عليًّا، بل قتلت الإمام الحسين عليه السلام. وبيّن المالكي أن النصب هو الانحراف عن آل البيت، ويبدأ بذم الرسول (ص) مباشرة، يليه ذمّ الإمام عليٍّ والحسن والحسين عليهم السلام. ولفت المالكي إلى أن التصنيف بدأ يظهر في العصر الأموي، وفي الغالب لم تصنف الدولة نفسها، بل تأمر بتصنيف الآخرين مضيفًا: لابد أن يكون التصنيف بهدف بحثي، وليس طائفيًّا، فالهدفان بعيدان كليًّا عن بعضهما البعض. وتابع: غلبة الدولة والسطوة السياسية كان لهما الأثر في عدم تدوين عقائد النواصب وأفعالهم ضمن الفرق الإسلامية. مشيرًا إلى أن الأثر السياسي في الوقت الراهن يكمن في التوجس من الشيعة وكأن كلمة شيعي أصبحت سُبة، علمًا بأن كلمة شيعة بالمعنى اللغوي مذكورة في القرآن الكريم.
سورية بخصوص الوضع في سوريا في الوقت الراهن قال المالكي: لا يمكن اتهام طرف بعينه، فالجيوش مهما بلغت من سوء لا تستهدف الأطفال آو النساء، مشيرًا إلى أن استهداف الأطفال أو النساء عمل المتطرفين المحسوبين على أهل السنة ، والسنة منهم براء، فهناك من أبناء السنة من يقتلون السائحين لأنهم من الغرب. وأضاف : لا أرى شرعية للجيش السوري الحر، إذ نبتت على أطرافه جماعات تقوم بعمليات تخريبية، لافتًا إلى أن الخسارة ستتفاقم في حال الاستمرار في هذا النهج، مطالبًا بالضغط عبر المظاهرات السلمية كما حدث في ثورات مصر وتونس.
القرآنيون .. والأحاديث
أما بشأن «القرآنيين» فقال المالكي: الانتساب للقرآن شرف، مشيرًا إلى أن هذه الفئة التزمت بالقرآن منهجًا، وهي تنقسم لقسمين الأول: يؤمن بالقرآن وينكر السنة ولا يعترف بالأحاديث وأهله يملكون حجتهم، والثاني: يؤمن بالقرآن وما يتفق معه من أحاديث. واستطرد قائلًا: المشكلة أننا نذهب إلى الأحاديث مع عدم وجود ثقافة قرآنية، مضيفًا: شخصيًّا أبحث كل حديث بمفرده لأجد له الحواضن القرآنية، وللتأكد أنه ينطلق من كنف القرآن. مشددًّا على ضرورة رد أي حديث يخالف القرآن، لافتًا إلى أن أي حديث يخالف القرآن مفترى به على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وطالب المالكي بضرورة إعادة هيمنة القرآن على المذاهب، مستنكرًا عدم وجود من يعمل على هذا الأمر، معربًا عن أسفه لأن القرآن أصبح مصدرًا ثانويًّا بينما الكتب المذهبية أصبحت مصدرًا رئيسيًّا.
المذهب السني
وعن المذهب السني قال المالكي : توجد سنّة نبوية وأخرى مذهبية، مشيرًا إلى وجود نزاع كبير بين السنة المحمدية والسنة المذهبية، لافتًا إلى أن المذهب السني يؤمن بأن الله واحد، وأن هناك جنة ونارًا، وأن هناك نبيًّا وقرآنًا، مبينًا أن هذا المذهب دخل إليه الفكر والاجتهاد البشري.
وأضاف : التيار المذهبي سنيًّا كان أم شيعيًّا ضعيف أمام النص الشرعي، لافتًا إلى أنه ينتمي للمذهب السني النبوي، وقال: المذهب السني مدرسة نشأتُ بها ولا أحرص عليها إلا من باب الانتساب.
وبشأن خصومته مع أهل السنة قال المالكي: السبب الرئيسي في خصومتي مع إخوتي من أهل السنة والسلفية أنه في بعض الأحيان لا تُفهم أفكارك نتيجة كتمان لوجهات نظرك. وتابع: أخالف المذهب الشيعي في أمور عدة منها العصمة، والولاية التكوينية، ومعاجز الأئمة، وبعض الروايات التي أراها ضعيفة، مشيرًا إلى أنه يؤمن بوجود المهدي المنتظر إلا أنه لا يعلم إن كان سنيًّا أو شيعيًّا.
لغة تصالحية
وشدد المالكي على ضرورة إيجاد لغة تصالحية بين المذاهب، مطالبًا بتشجيع النقد الذاتي السني والشيعي، مبينا أن القذف الصاروخي المتبادل لا يفيد، مشددًا على ضرورة إنهاء الاستخدام السياسي للشخص السني وكذلك للشيعي. وقال: مَن يغطي على أخطاء مذهبه فهو عبد المذهب وليس عبدًا لله، مشيرًا إلى الفرق بين نقد المذهب ونقد الأشخاص . وأضاف: القرآن الكريم لا يخشى مذهبًا أو رمزًا وينقل الأمور كما هي.
أمهات المؤمنين
وقال إن براءة أمهات المؤمنين من صلب العقيدة، وهي عقيدة يجب أن تترسخ في عقول المسلمين كافة. مضيفًا: وأقول لمن يرى أن التبرئة لم تنزل في السيدة عائشة إنني لم أتحدث عن أشخاص بعينهم ، فالقرآن لم يسم أسماء في التبرئة، إنما أطلق تبرئة عامة لأمهات المؤمنين، مؤكدًّا أن قناعته أنها نزلت في عائشة.
قانون مهلهل
وبشأن موقفه الشرعي من قانون إعدام المسيء للذات الإلهية والرسول (ص) وزوجاته أكد المالكي رفضه للقانون، واصفًا إياه بالقانون المهلهل، فضلًا عن أنه لم يحدد معنى الطعن المقصود، مشددًا على أنه حكم وضعي زائد عن حكم الشريعة. مضيفًا «الأحكام الشرعية كافية والله لم ينزل إلينا كتابا ناقصًا ولا شرعًا ناقصًا لنكمله». وقال: من الواجب تقديم النصيحة، وإن لزمت العقوبة فيكون تشديدها وفق قانون وضعي أكثر عقلانية، ولا يجوز الزيادة في أحكام الله. وأكد أن التشريع في الشأن الديني لله فقط، أما التشريع في الشأن الدنيوي فمفتوح، وكان من الأولى على أعضاء مجلس الأمة عدم إلصاق صفة التشريع الديني بالقانون.
السيد نصر الله
أكد المالكي خلال حديثه أن أي مسلم يعتز بالسيد حسن نصرالله قائد المقاومة الإسلامية في لبنان، فهو أحد أبطال العروبة ،هو وحزب الله المقاوم، مشيرًا إلى أن التحول في المواقف ضد السيد نصرالله جاء نتيجة للاصطفاف الطائفي، مبينًا ((من يدعون عليه الآن هم مَن كانوا يدعون له في السابق)).
قراءة مبكرة
بيّن المالكي أن قراءته جاءت مبكرة منذ المرحلة الابتدائية، لافتا إلى أنه كان يقرأ للعقاد، وطه حسين، والشعراوي، والطهطاوي وخلال المرحلة الجامعية في جامعة الرياض قال: تعلمت الحديث وتتبعت المساجد وقرأت الكتب الستة. وأضاف: من أبرز المشايخ الذين اهتديت بهديهم الشيخ بن باز رحمه الله والشيخ ناصر العقل، والشيخ عثمان بن حسن، والشيخ أحمد معبد، وغيرهم من المشايخ. وقال: ليس بالضرورة موافقة آراء المشايخ أو مخالفتهم لتتبعهم فطالب العلم يفتح له الله الأبواب والأنوار للعلم. وبعد كل ذلك بدأت أنفتح على أهم الكتب وهو «القرآن الكريم»، لافتًا إلى أن طلبة العلم من سنة وشيعة يقلّون من الاهتمام بالقرآن الكريم.
تخلّف
قال المالكي إن خلاف الأمة العربية والإسلامية على الأشخاص يدل على تخلفها وليس تقدمها، مضيفًا: إذا بدأنا في الاختلاف حول المعاني والأفكار نعلم أننا في بداية طريق التقدم. وتابع : أي أمة تكون أسئلتها أكثر من إجاباتها هي أمة متقدمة، على عكس أممنا المتخلفة التي تجد فيها لكل سؤال عشرين جوابًا جميعها خطأ.