تفجير مسجد المشهد بنجران

314

 

a1445968187 زكي أبو السعود

 لم تنقض عشرة أيام على العمل الإرهابي الذي أقدم على ارتكابه مجرم داعشي أمام حسينية الحيدرية بحي الكوثر بسيهات، والذي تسبب في استشهاد خمسة مواطنين بينهم شابة كانت على وشك التخرج كطبيبة، إلا وشبكات التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء تنقل إلينا خبراً عن عملية إرهابية جديدة في الجزء الجنوبي من الوطن حينما حاول انتحاري لعين اقتحام مسجد المشهد بمدينة نجران . و لولا بطولة حراس المسجد ، الذين تمكنوا من منعه من دخول المسجد ، لكان عدد الشهداء يفوق الأربعة الذين قدموا حياتهم فداءً لبقية المصلين.

صورة أخرى مشابهة لملحمة مسجد العنود بالدمام . ويالها من صورة !! متطوعون يحرسون بقية المصلين ، يمتلكون الشجاعة والعزيمة لتقديم أرواحهم لحماية عشرات المصلين ومنع الآثم من الوصول إليهم. وبالمقابل هناك من لا يريد أن يتوقف عن القتل . أصرارُ على الاستمرار في الغي وارتكاب الفظائع ، فيصبح سفك الدماء والقتل غاية لا وسيلة كما يّدعٌّون.

خيوط عنكبوتية تنقطع من جهة ، فتنسجها العناكب في زوايا جديدة. وجوه لم تُرصد من قبل ، وأسماء لم يسبق أن فُتح لها ملفات في الدوائر الأمنية. فمن أين يأتون؟ انهم كبيض الأفاعي يفقسون تحت الرمال ، فلا تراهم إلا وهم يزحفون . ومهما اصطيد منهم فتكاثرهم لا ولن يتوقف ، ما دام الأفعوان والأفعى طليقان ينشران بيضهم في كل مكان. فإذا كان المبيد فاسداً و الدواء منتهي الصلاحية فكيف لهذا المبيد أن يقضي على كل هذه الزواحف المؤذية ؟ وكيف لهذا الدواء أن يشفى من لسعات هذه الأفاعي؟ لقد بح صوت المخلصين وهم يحذرون من أن الأفاعي حينما تترك طليقة تبث سمومها في كل بقعة و في كل زاوية من زوايا الوطن وخارج الوطن ، دون مكافحة بمبيدات حديثة فأنها مناعتها تقوى وخطرها يزداد، وتحٌسن من قدراتها على التكاثر ، وتصبح سمومها عصية على المعالجة بالأدوية القديمة ، حينها من يتعرض لعضاتها لن يكون سهلاً شفاؤه ، ومع مضي الأيام تتبدل هذه السموم إلى ما يشبه السرطان في صعوبة الخلاص منها .

الداعشية كفكر وكطريقة في التفكير وممارسات عنفية، ومجمل الفكر الإرهابي سرطان اجتماعي وسياسي لا يتوقف عن النمو ما لم يعالج بطرق وأدويه حديثة تجتثه من جذوره. وحادثة اليوم في نجران وما جرى وما يجري من عمليات إرهابية لا تتوقف ـ على أيدي سعوديين ـ سوى في بلادنا أو في خارجها ، إلا دليل ناصع على أن المعالجات التي اتُبعت حتى اليوم غير كافية ، وهو ما يجعلنا نخسر ما تبقى لنا من الوقت في هذه الحرب . فالوقت يمضي دون عودة ، فما لم نبادر إلى الخروج من هذه الشرنقة والبدء في استخدام الطرق المجربة من قبل الشعوب الأخرى التي واجهت الإرهاب بفكره ومنظماته ، وعلى رأسها التخلص من ذلك الفكر الظلامي التكفيري القائم على كراهية وإقصاء الآخر، (الذي يعد الأب الشرعي للداعشية وسواها من التيارات الإرهابية ) ، و التخلص من البيئة الحاضنة لهذا الفكر عبر الانفتاح على الآخر والقبول بالتعددية الفكرية والسياسية ، فإن خسائرنا ستزداد ، وانهار الدم لن تتوقف في حروب الطائفية البغيضة . وهو ما سيجعلنا نواجه تحديات التنمية المستدامة بقوى خائرة ، غير قادرة على تحقيق أي من أهداف هذه التنمية.

كما أثبتت حادثتي الدمام ونجران ، فإن إحباط خطط الإرهابين يتعزز من خلال المشاركة الشعبية في المواجهة مع قوى الإرهاب ، دون أن يقلل ذلك من الدور الأساسي والحيوي لرجال الأمن في التصدي لهم ومنعهم من تحقيق ما يصبون إليه. كما أنه من الضروري لنجاح التصدي الأمني لهذه المجموعات التكفيرية أن يتاح لأبناء كل مدينة ـ دون تمييز أو تفريق ـ بالالتحاق بقوى الأمن المحلية ، ففي ذلك منافع كبيرة تتخطى النظرة الضيقة الإقصائية التي تحظر على فئات بعينها خدمة وطنهم عبر هذه القنوات .

رحم الله شهداءنا الأربعة الذين فقدهم الوطن اليوم في نجران ، والعزاء الحار لذويهم ومعزيهم ، ونسأل الله أن يمن على الجرحى بالشفاء العاجل.

الخزي والعار للإرهاب الداعشي وللداعشيين ، والمجد والخلود لشهداء الوطن الأبرار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*