حين يكون الجوال مصدر بلاهة!

334

 

Close up of friends with circle of smart phones

د. بندر آل جلالة – طبيب نفسي

الحكمة – متابعة: “قد يكون هناك شيء جديد حصل”، هذا الشعور الذي يدفع الأغلبية الساحقة من الناس لإدمان تصفح مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي مثل تويتر والواتس أب وسناب شات وغيرها!

 لم يعد الأطفال والشباب وحدهم يلتصقون بالتقنية بل الكبار أيضا، يصحو الشخص فيتفقد جواله وقبل النوم كذلك، وما بينهما يصل البعض إلى نسبة مخيفة من التفقد الدائم قد تصل إلى مرة كل خمس دقائق!

  خلال السنتين الأخيرتين ازداد هذا العبث الإدماني بشكل مخيف للغاية، وأصبح أغلب الناس في أزمة تشتت عالية، تدخل غرف الانتظار أو المطارات أو حتى المناسبات الاجتماعية فترى الغالبية مطأطئي رؤوسهم ومنغمسين في التصفح العشوائي، تتحدث مع بعضهم فيرد عليك وهو في كامل (البلاهة) وفقدان الانتباه والتركيز.

 تدخل بعض الإدارات الحكومية أو القطاعات الخاصة فتجد بعض الموظفين مندمجين مع جوالاتهم! ومن الطبيعي ألا ينجزوا أعمالهم جيدا.

المسألة لم تعد مجرد دعوة للاستفادة من الوقت وغيره، بل أصبحنا بحاجة ماسة جدا إلى التحذير من خطورة تفشي ظاهرة التشتت وقلة الانتباه وضعف التركيز الذي انتشر بشكل مخيف بين معظم الناس!

 إدمان الجوال يحرم الإنسان من لذة الاستمتاع بمعظم الجماليات من حوله، يحرمه من الهدوء الذهني، يحرمه من التفكير العميق والقراءة المتقنة، يحرمه من الإنجاز والإبداع والتنظيم، يحرمه من العزلة الجميلة والنوم المريح، يحرمه من التواصل المباشر المركز مع الآخرين، يحرمه حتى من التنفس بعمق، يجعله مشدود الذهن والجسد، تنظر إلى عينه فتشعر أنه موجود معك بجسده! أصبح الكثير يسافر أو يتنزه وهو ممسك بجواله لتصوير كل شيء وإرسال كل شيء!

ينشر ويكرر التصفح لمشاهدة الردود والإعجابات، وهكذا تمضي ساعاته وأيامه وهو فعليا غير مستمع! فقط يتقن الاستعراض من دون أن تختزن ذاكرته اللحظات الجميلة!

 ملتصق دوما بجواله وينام بجواره! لا يفارقه! لديه شعور بضرورة أن يكون متصلا دوما بالعالم! يخشى أن يتأخر في رؤية ما حدث هنا أو هناك! بل لا يريد أن يفوته شيء من صور حفلة فلان أو رحلة فلان! لا يستطيع أن يؤخر تصفح ذلك إلى وقت مناسب!

نظريات عديدة شرحت كيفية دخول المعلومات وتخزينها في الدماغ، وبسبب التشتت وعدم التركيز الذي يسببه إدمان الجوال يحدث هنالك فشل ذريع في إتمام تلك العمليات وذلك يؤدي إلى النسيان الفظيع، وعدم القدرة على الحفظ والفهم، بل حتى يؤثر سلبا في تخزين الذكريات السعيدة.

 جاءت التقنية لتوفير المعلومة والوقت والتواصل، ولكن للأسف ما يحدث الآن هو عكس ذلك تماما، وأصبح ضياع الوقت والتشتت أهم أسوأ النتائج.

تجد أحدهم يتصفح بروفايل شخص ما ثم ينتقل إلى بروفايلات آخرين بدون هدف ولا شعور أيضا. والمعضلة الأساسية أن تصفح الإنترنت عموما لا يوجد له وقت نهاية.

 لا يوجد عاقل يدعو إلى الاستغناء الكامل عن الجوال والتقنيات والبرامج، بل ينبغي الاستفادة منها والاستمتاع بها ولكن بوعي.

 أول خطوة ينبغي اتخاذها للتخلص من هذا الإدمان أن يتعرف الشخص على مقدار التشتت الذي يعاني منه، ويحاول أن يحصي عدد المرات التي يتفقد فيها جواله. ثم عليه أن يتوصل للفكرة أو الشعور الذي يدفع دفعا للتصفح، وسيكون غالبا نفس السبب الذي ذكرته، حيث يدفعه شعور ضرورة أن يعرف كل شيء حصل في وقته، ولا يريد أن يكون آخر من يعلم.

 من هنا يأتي تصحيح هذا الاعتقاد، فالشخص يمكن أن يتصفح هاتفه من ثلاث أو أربع مرات في اليوم كحد أقصى، والأفضل أن يكون مرة واحدة.

 وألا يزيد وقت التصفح عن١٠ دقائق، وبذلك سيكون مطلعا على ما يحدث ويستمتع وينشر ما يريد ويتفاعل مع الآخرين، ومن الطبيعي أن تكون هنالك فترات قليلة جدا يتجاوز الشخص هذه المدة.

 ثم يحاول أن يأخذ له “عطلة رقمية”، بحيث يترك هاتفه بدون شبكة إنترنت ويعيش يوما أو أكثر بدون أي مشتتات تقنية وسيكتشف أنه كان محروما.

(الوطن اونلاين)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*