أم البنين الأربعة وقصة الحورية التي تغسل هموم الناس

348

 Um-Albanin

  هجوم عنيف من الافكار السوداء تدهم الانسان عندما يقرر بذل القليل من ماله في سبيل الفقراء، ستنازعه نفسه لتمنعه عن تقديم القليل من المال للفقير والمسكين وستهجم عليه الافكار من جميع الجهات لتردعه عن تقديم درهم واحد لذلك الفقير الجالس على قارعة الطريق واذا بلغ العطاء درجة اكبر وتطلب تضحية أعلى فانه سيجد المبررات والاعذار أمامه جاهزة لتصرفه عن تقديم البذل والعطاء، اما اذا ارتفع العطاء الى مستوى التضحية بالنفس والمال عندها ستصل القلوب الحناجر، ويشعر بالموت وهو يقبض على انفاسه؛  فالانسان بطبعه مجبول على حب الذات والانانية ومن يريد ان يكون معطاء يتوجب عليه ان يتنازل عن انانياته في سبيل الآخرين ولذا هو بحاجة الى فكر نير وطموح كبير وارادة صلبة حتى يكون من جملة المعطائين فقيمة كل انسان تبرز من العطاء الذي يقدمه للحياة وللبشرية، فهل تعرفون ماذا قدمت ام البنين للحياة والانسانية؟ ..انها قدمت اربعة من الاقمار التي لم تشهد البشرية مثيلا لهم في اعظم ثورة شهدها التاريخ ضد الظلم!

لو فقد المرء ابنا له في حادثة او في حرب سيكون عزاءه كبيرا اما لو فقد اربعة من ابنائه سيكون عزاءه عظيما ومصيبته يصعب تحملها، فكيف اذا كان الاشخاص الذين يفقدهم هم من ارقى واسمى ابناء البشرية عندها سيكون الم فقدانهم موجعا الى درجة لايملك المرء طاقة الاستمرار في الحياة لانه سيشعر في كل لحظة من لحظات حياته بألم الفراق وستشعر كل خلية من خلايا بدنه بالوجع.

اشخاص عجزت الاقلام في وصف شجاعتهم ومواقفهم وحتى جمالهم وفي وصف العباس بن علي عليه السلام  قال أبو الفرج الأصبهانيّ ” أنّه كان جسيماً وسيماً يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض”  وقد اشتهر بلقب قمر العشيرة او قمر بني هاشم وهي عشيرة معروفة بحسن وجمال ابنائها بالاضافة الى خصالهم الانسانية التي فاقت بحسب المؤرخين جميع القبائل ويكفي ان نبي الاسلام هو واحد من ابرز شخصيات هذه العشيرة.

وفي شجاعة العباس بن علي عليه السلام ينقل المؤرخون بالاضافة الى مواقفه المشهودة في يوم عاشوراء: أنّه في بعض أيّام صفّين خرج من جيش أمير المؤمنين عليه السلام شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدّر عمره بالسبع عشر سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه أبا الشعثاء، فقال: إنّ أهل الشام يعدّونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكُلّما خرج أحد منهم قتله حتّى أتى عليهم، فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه، ولمّا برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجّب أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من هذه البسالة التي لاتعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقرّه دعا أبوه أمير المؤمنين عليه السلام وأزال النقاب عنه، فإذا هو قمر بني هاشم ولده العبّاس عليه السلام.

ولاغرابة في ان يأتي العباس بمثل هذه الشجاعة لان امه لم تكن امرأة عادية بل كانت من عشيرة عرفت بالشجاعة والبطولة والاقدام فقد ذكروا في قصة تزويجها ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قال لاخيه عقيل بن ابي طالب وكان من النسابة : “أنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا، فقال له: تزوج أم البنين الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها   “.

ولما كان يوم الطف عندما اصطف ثلاثون الفا لقتال الامام الحسين عليه السلام هو مع بضع عشرات من اهل بيته واصحابه حينها كان شمر بن ذي الجوشن الكلابي قائدا في معسكر عمر بن سعد فأخذ للعباس واخوانه الثلاثة الامان من ابن زياد ليخلصهم من الموت المحتوم فاقترب من معسكر الامام الحسين عليه السلام وقال: أين بنو أختي؟ فلم يجبه احد فقال الحسين عليه السلام لاخوته، أجيبوه وإن كان فاسقا فقالوا له: ما تريد؟ قال: اخرجوا إلي فإنكم آمنون ولا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم. وقالوا له: قبحت وقبح ما جئت به أنترك سيدنا وأخانا ونخرج إلى أمانك؟.

كان كل واحد من هؤلاء الابطال يعدل بالف فارس، والأم التي لديها ابناء بهذه الرتبة من الشجاعة والشهامة والبطولة لاشك انها ستدخرهم لايام شيبتها لان النظر الى اشراقة وجوههم مرهم لجروحها وآلامها، وستبخل بهم ولن تبذلهم للقتل الا اذا كانت القضية التي سيفدون انفسهم من اجلها هي عظيمة الى مستوى الاستحقاق لتضحية بهذا الحجم الهائل.

هي القضية نفسها التي رفعت ام البنين لتكون بابا من ابواب الله ولتتحول جراحها وآلامها في فقدان ابنائها الاربعة في معركة الطف الى بلسم لشفاء ملايين المرضى وان تتحول اوجاعها العظيمة الى امنيات كبيرة لدى كثير من الناس الذين لايجدون سوى الله واهل بيت النبوة ملجأ لهم من حوادث الايام.

لقد كانت تضحية ام البنين عظيمة ولذا اصبحت منزلتها اعظم واسمها يتكرر على لسان الفقراء والمساكين الذين لايملكون المال للحصول على الدواء والعلاج لامراضهم المستعصية فكانت هي دواءهم واصبحت بابا لحوائجهم الى الله سبحانه وتعالى وعلى يدها تفك العقد المستعصية وفي سفرتها الشفاء العاجل بعطاء لاحدود له!

فكم وكم من النساء والرجال الذين لم يجدوا غير ام البنين الوسيلة للوصول الى آمالهم الكبيرة، فهي التي فرجت الكرب والهموم عن ملايين الناس الذين خاطبوها بلسان الحاجة؛ فكم يحتاج الانسان من القدرة حتى يتمكن من علاج ما عجز الاطباء عن مداواته؟ وكم يحتاج المرء من القدرة حتى يتمكن من تلبية حاجات ملايين الناس الذين قصدوه بحاجاتهم؟ وكم يحتاج المرء من العطاء والكرم لكي يفرج الهم والغم والكرب عن اشخاص حتى لايعرفهم؟

تلك هي ام البنين قدراتها غير محدودة وعطائها لاينضب وهي تذكرنا دوما بتلك القصة التي كانت تتكرر على اسماعنا ونحن صغار وعن اسطورة تلك الحورية التي كانت تساعد الناس وتظهر لهم عندما تضيق بهم سبل الحياة فتنقذهم من مخالب الحياة القاسية وتحقق لهم امانيهم الكبيرة، ياسيدتي ومولاتي حتى قصصكي تبعث الامل في قلوب اليائسين!

شفقنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*