الأمين المساعد للجامعة العربية: نكاد نكون أمّة بدون لغة

596

thumbs_b_c_672e66c2bde6a7a1118f51e71e7d18f7الحكمة – متابعة: حذر الدكتور عبد اللطيف عبيد، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، مسؤول الجامعة في تونس، من أن الدول العربية تعيش أزمة لغوية، إذ تشهد اللغة العربية انحسارا في دول عديدة.

واعتبر أن العرب يكادوا يكونون “أمة بدون لغة”؛ بسبب السياسات المتبعة وأغراض بعض النخب، فضلاً عن قوى أجنبية.

خلال مقابلة مع الأناضول، في مكتبه بمقر الجامعة في تونس، ندد عبيد، وزير التربية التونسي الأسبق، بهيمنة لغة المستعمر القديم، ولاسيما الفرنسية، في دول عربية “لم تستقل لغويا بعد”.

وشدد على أنه لا سبيل لتنمية عربية شاملة دون النهوض بالعربية، وداعيا إلى وضع سياسات لحل القضة اللغوية، خلال سنوات، كما فعلت دول أخرى.

عبيد قال إن “العربية تعاني مشاكل كبيرة في عموم الوطن العربي، وبالذات في بلدي تونس، فالاعتزاز بالعربية أصبح ضعيفا، وهناك نظرة دونية إليها.. عموم المواطنين ليسوا معتزين بها كما ينبغي”، مرجعا ذلك إلى “السياسيات الثقافية واللغوية والتربوية المتبعة”.

هيمنة لغوية للمستعمر

راصدا وضع العربية، مضى المسؤول العربي قائلاً “في المغرب العربي، تونس والجزائر والمغرب وحتى موريتانيا، توجد هيمنة متواصلة للغة الفرنسية، وهي لغة المستعمر القديم، على اللغة العربية في مجالات التعليم العالي (الجامعي)، وأحيانا في التعليم الثانوي، كما في تونس، حيث تدرَّسُ العلوم في المرحلة الثانوية بالفرنسية”.

وبأسى، تابع: “توجد هيمنة للغة الأجنبية في التعليم العالي، خاصة في تدريس العلوم الدقيقة والتطبيقية.. اللغة الأجنبية لا تزال مهيمنة في الإدارة، ولاسيما الإدارات المالية والتقنية، وبعض قطاعات الثقافة، وفي الإعلام، وخاصة في الإذاعات الخاصة، حيث تختلط العربية بعبارات وكلمات فرنسية اختلاطا عجيبا جدا”.

كل ذلك، بحسب عبيد، “ربما كان سياسة مقصودة لضرب العربية؛ فبعض الحكام، ومنهم حاكم تونس الأسبق، زين العابدين بن علي (أطاحت به ثورة شعبية عام 2011) قيل له لكي تحارب ما سموه بالإرهاب، والأصوليين والمتشددين، عليك ضرب العربية أيضا؛ لأنها وسيلتهم في العمل”.

وحول إن كانت بعض النخب وراء إقصاء اللغة العربية، أجاب بأن “من نسميهم بالفرنكفونيين، أي المتمسكين بالثقافة واللغة الفرنسية، لا يزال لهم نفوذ في المجتمع، وهؤلاء يهيمنون؛ ولذلك فإن العربية لم تعم كما ينبغي، ولم تحتل الصدارة في مجالات حيوية، كالتعليم العالي في مجالات الطب والهندسة والعلوم الدقيقة”.

وبحسب عبيد، “توجد أيضا قوى أجنبية تريد الإبقاء على لغاتها داخل الوطن العربي؛ لأنه إذا بقيت تلك اللغات قوية ومهيمنة، فهذا سيُبْقِي البلدان العربية تابعة، فنحن لم نستقل لغويا، ولم نستقل ثقافيا، وبالتالي لم نستقل اقتصاديا”.

وبشأن هيمنة العامية الدارجة في دول عربية، قال إنه ليس ضد العامية، وإنما “ضد أن تستخدم في العمل الإداري المكتوب، وفي التعليم. نريد أن يكون التعليم بالعربية الفصيحة، وليس بالعامية ولا بالعربية الفصيحة المخلوطة بالعامية، ونريد ألا تهيمن العامية كثيرا في الإعلام”.

*سياسة لغوية

المطلوب، وفق المسؤول العربي، هو “إيجاد سياسة ومخطط لغوي يُرَقِّي العربية ويطوِّرها ويوطِّنها في المجالات كافة، وهذا أُنجز في الاتحاد السوفيتي سابقا وكوريا الجنوبية والصين واليابان وفيتنام وفي الكيبيك بكندا.. دول عديدة، وعبر سياسات لغوية، حلت القضية اللغوية في خمس أو عشر سنوات”.

عبيد انتقد “عدم وجود وعي بالقضية اللغوية، فنحن نعيش أزمة لغوية، ونكاد نكون أمة دون لغة، ولسنا واعين بهذا، ربما بسبب الاستلاب أو التغريب الذي نعيشه، فمجتمعاتنا أصابها اختراق كبير”.

في تونس، أمر الدستور، في المادة 39، بتعميم استعمال اللغة العربية، بالنص على أنه “من واجب الدولة أن تعمل على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية”.

ووفق مسؤول الجامعة في تونس، هذه “مسألة يسيرة وسهلة، وقدرة التونسيين على تجويد اللغة العربية كبيرة جدا.. العربية تضرب وتهمّش، لكنها لا تزال تمتلك عناصر قوة عظيمة جدا، وهذا من قدم التاريخ.. لا ننسى الدور العظيم الذي لعبه جامع الزيتونة (في تونس)، ولعبته فروعه التي كانت منتشرة في كامل البلد من أجل اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية”.

بل إن دور جامع الزيتونة، بحسب عبيد، تجاوز تونس إلى “الجزائر، التي تمكنت من المحافظة على هويتها العربية الإسلامية، بفضل جهود، في مقدمتها جهود جامع الزيتونة، الذي كان يدرس فيه إلى بداية استقلال تونس (عام 1955) عشرات، بل مئات من الطلاب الجزائريين، بينهم شخصيات عظيمة في الحركة الوطنية وفي دولة الاستقلال”.

*العربية واللغة العلمية

ردا على من يعتبرون أن العربية عاجزة عن تدريس العلوم، قال المسؤول العربي إن هذا “خطأ فادح، وخطأ محض، فتجربة العربية في تدريس العلوم وفي التعبير العلمي تجربة عريقة جدا منذ عهد المأمون (786 م – 833 م) وبدأت تترجم كتب اليونان وفارس والهند إلى اللغة العربية”.

وتابع: “تُرجِمت أغلب الكتب العلمية المشهورة في الطب والفلسفة والمنطق والحيوان والنبات والفيزياء والكيمياء عند اليونان إلى العربية، وبذلك ازدهرت العربية وأصبحت ثرية بالمصطلحات العلمية، وهي مصطلحات لم يكن للعربية بها عهد”.

وبعدها، أضاف عبيد، “جاءت تجربة عظيمة أخرى، وهي التي عاشتها مصر ودول عربية أخرى في مقدمتها لبنان وبلاد الشام عموما والعراق وتونس وغيرها، في النصف الأول من القرن 19، وأعني بالذات فترة محمد علي في مصر، الذي ركز على التعليم لبناء جيش قوي، وأسس مدارس وكليات في كل التخصصات.. في الزراعة والطب والصيدلة والعلوم العسكرية والهندسية”.

وهناك، وفق المسؤول العربي، مثال آخر، فـ”عندما تأسست جامعة دمشق سنة 1919 كانت معربة، أي أن كل العلوم، بما فيها الطبّ والهندسة والقانون، كانت تُدرَّس بالعربية، وأُنشأ بجانبها مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي كان يزود الجامعة بما تحتاجه من مصطلحات في كل المجالات”.

عبيد واصل الرد على المشككين بأنه “لدينا ما يكفي من المصطلحات ومن المعاجم المتخصصة في كل المجالات.. لدينا مثلا في الوطن العربي معجم مشهور، هو المعجم الطبي الموحد، الذي صدرت طبعته الأخيرة قبل سنوات مشتملة على 145 ألف مصطلح طبي عربي، وهو معجم فرنسي إنجليزي عربي من أجل العرب.. هذا المعجم يندر أن تجد له مثيلا، لا في فرنسا ولا أمريكا ولا الصين ولا اليابان، ولدينا معاجم مشابهة في الهندسة والزراعة والقانون وفي كل التخصصات”.

ووفقا له، “لا توجد مشكلة في المصطلحات، وإنما في الاستخدام، فقد وضعنا كثيرا من المصطلحات ولم نستخدمها، والناس أعداء لما يجهلون.. من يقولون إن العربية لا تعبِّر عن العلوم، لم يطلّعوا على تلك المعاجم، ولا مئات، بل آلاف الكتب العلمية العربية المؤلفة رأسا بالعربية أو المترجمة من لغات أخرى”.

وحتى لو فرضنا جدلا أن العربية لا تعبر عن العلوم، أضاف عبيد، “فمن واجبنا أن نجعلها تعبّر عن العلوم.. هذا واجبنا نحو لغتنا وثقافتنا وأمتنا وكرامتنا، فكرامة لغتنا من كرامتنا، فكيف نتخلى عن كراماتنا (؟)”.

*اللغة ضرورة تنموية

حول إمكانية صياغة خطة للنهوض بالعربية، قال المسؤول العربي إن “بعض النخب تدرك أنه لا سبيل إلى تحقيق التنمية العربية الشاملة المتوازنة إلا عبر اللغة العربية؛ فلا نعرف أمة حققت تنميتها بلغة أجنبية.. لم نستوعب العلم بصورة كافية لعدة أسباب، بينها أننا لم ننشره بلغتنا.. نحاول نشره بلغة أجنبية، فيبقى في صفوف النخبة”.

استخدام اللغة العربية، بحسب عبيد، “مطلب ديمقراطي، فمن الديمقراطية أن تعلم الناس بلغتهم، وأن تعاملهم في كل الإدارات، بما فيها الإدارات التقنية والمالية، بلغتهم.. هذا حقّ من حقوقهم، لكن لا نجد وعيا كافيا به في بلداننا العربية”.

وختم مقابلته مع الأناضول بالدعوة إلى “أن نجعل من القضية اللغوية، ومن الأزمة الغوية التي نعيشها في الوطن العربي، قضية مجتمعية، ونحارب من أجل أن تتحول مواد الدستور، التي تفرض اعتبار اللغة العربية لغة رسمية ووطنية، إلى قوانين مطبقة في التعليم، وإلى تشريعات تجرِّم من يخالف ما جاء به الدستور”.

(الأناضول)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*