فوائد وأضرار الاستحمام بالماء المثلج

306

_93143759_thinkstockphotos-543063826الحكمة – متابعة: يُنصح الرياضيون بغمر أجسامهم في الماء المثلج بعد المباريات، ويُقال لهم إن لذلك مزايا رائعة للعضلات، لكن هل يفيد ذلك عضلاتهم بالفعل أم يضرها؟

دأب آندي مري، لاعب التنس البريطاني المصنف الأول عالميا، بعد كل مبارة يلعبها على الاستحمام، وتناول قسطٍ من الطعام والشراب، ثم الذهاب لجلسة تدليك، وينهي ذلك بالجلوس في حوض استحمامٍ مليء بالماء المثلج، تتراوح درجة حرارته بين ثمان وعشر درجاتٍ مئوية. وثمة رياضيون آخرون يغمرون أجسامهم في الماء البارد للمساعدة في استعادة قوة عضلاتهم بعد إجهادها في المنافسات.

وقد يوحي نجاح هؤلاء الرياضيين وغيرهم ممن يتبعون الطريقة نفسها بعد التدريبات بأن الماء البارد علاجٌ فعالٌ للعضلات، لكن ثمة أدلة تثبت وجود تأثير سلبي لهذه الوسيلة المؤلمة.

وهناك اعتقادٌ سائدٌ بأن غمر الجسم في ماء مثلج يُسّرع من عملية تعافي العضلات بعد التدريبات الشاقة، إذ أن درجة الحرارة المنخفضة من شأنها أن تضيّق الأوعية الدموية، وبالتالي تقلل تدفق الدم، ومن ثم أعراض التهاب أنسجة العضلات.

وبالتأكيد لاحظ الكثيرُ من الناس أن أكياس الثلج تساعد في تخفيف الألم والتورم الناتج عن تمزق العضلات. وفي إحدى الدراسات، نُصِح المشاركون بوضع ساقٍ واحدةٍ في الماء المثلج بعد إجهاد العضلات في الجري، وترك الأخرى في الخارج. وبالفعل تحسّن الورم في الساق التي وضعت في الماء المثلج.

وقد يجدي تخفيف الألم لبعض الوقت نفعا مع أغلب الناس، لكن بالنسبة للرياضيين المحترفين، والهواة الحريصين على بناءِ وتقويةِ العضلات، فإن محاولات تخفيف أعراض الالتهاب بهذه الطريقة قد تأتي بنتائجٍ عكسيةٍ.

ومن المعروف أن غمر الجسم في الماء البارد يقلل تدفق الدم، مما يُبطّئُ من عمليةِ بناءِ البروتين اللازم لنمو العضلات، إذ تعيد العضلة بناء نفسها بعد الإصابة أو التمزق.

ولكي تجني ثمار المجهود الذي بذلته في رفع الأثقال، على سبيل المثال، قد تكون بعضُ أعراض التهاب العضلات مفيدة، لأنها تسهم في استشفاء وبناء العضلات.

ومن ثم، فإن المحاولات التي يبذلها الناس لتقليل أعراض الالتهاب قد يكون ضررها أكبر من نفعها.

ولأن الالتهاب يسبب الآلام، فقد يعمد الناس إلى تقليل الالتهاب لتخفيف الشعور بالألم، لكن بعض الأدلة تشير إلى أن تخفيف الالتهاب يعيق استشفاءَ وبناءَ العضلات.

وقد تضاربت نتائجُ الدراسات التي أجريت حول استخدام مضادات الالتهاب، مثل “أيبوبروفين”، وخلص البعض منها إلى أنه في حين سيشعر المريض بالراحة إذا خفّ الألم، فإن الحدّ من أعراض الالتهاب قد يُبطّئ عملية تجدد خلايا العضلات.

وفي المقابل، خلص مسحٌ علمي لأفضل الدراسات في هذا الصدد إلى أن بعض الالتهابات تفيد الجسم، ولا يفضل القضاء على استجابة الجسم لها.

لكن ثمة تساؤلاتٍ حول القدر المناسب من الالتهاب الذي يفيد الجسم، ومتى يكون الالتهاب فعالا أثناء عمليةِ استبدالِ الأنسجة التالفة وتكوّن العضلات؟

وقد تتوقف مدى فعالية الالتهاب في بناء العضلات على عمر الشخص.

وعندما تناول بعضُ كبار السن، الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما، مضادات التهاب أثناء ممارسة التمرينات، في إطار برنامجٍ تدريبي مدته 12 أسبوعا، زاد حجم عضلاتهم، مقارنة بمن تناولوا عقارا وهميا.

وهذا يعني أن مضادات الالتهاب مع التمرينات الشاقة تزيد من نمو العضلات، على الأقل مع الرياضيين الأكبر سنا.

لكن هذا يختلف مع الرياضيين الأصغر سنا، الذين اعتادوا ممارسة الرياضة أكثر من غيرهم، إذ يمكن أن تعيق مضادات الالتهاب استعادة عضلاتهم لقوتها.

ولا مانع من استخدام وسائلٍ لتخفيف الألم الناتج عن إجهاد العضلات، إن كنت تمارس الرياضة بشكل معتاد. ولكن إن كنت من اللاعبين الرياضيين البارزين، وتريد أن تزيد من قوةِ عضلاتك قدر الإمكان، فبعض الأدلة تشير إلى أنه من الأفضل أن تتجنب استخدام مضاداتِ الالتهاب.

ولغمر الجسم في الماء البارد نفس الأثر، على الرغم من أن استخدام الثلج كان فعالا بصورة أكثر وضوحا في الحيوانات. وعندما وُضع الثلج على عضلاتِ فأرٍ يخضع للتجربة تحت تأثير التخدير، قلّ الالتهاب لديه، ولم تقل سرعةُ تجدد خلايا العضلات.

لكن يبدو أن الثلج لم يُحدث الأثر نفسه لدى البشر، بسبب الفارق في حجم العضلات، وإن كان يقلل من التورم والألم.

وكشفت إحدى الدراسات أنه عندما مارس المشاركون تدريباتِ بناءِ العضلات وزيادة القوة على مدار ثلاثة أشهر، وكانوا يغمرون أجسامهم في ماءٍ مثلجٍ بعد الانتهاء من التدريبات، حققوا تباطأت الزيادة في حجم العضلات وقوتها، مقارنةً بأولئك الذين لم يستخدموا الماء المثلج.

أما الدراسات التي خُيّر فيها المشاركون بين الجلوس في الماء المثلج بعد التدريب أو الراحة، فكانت قليلة، وأجريت على فتراتٍ متباعدةٍ.

وقد نشر فريق من الباحثين من أستراليا، والنرويج، واليابان دراسةً مؤخرا، قارنوا فيها بين غمر الجسم في ماءٍ مثلجٍ وبين ممارسة التمرينات الخفيفة، وليس الراحة، بعد ممارسة التمرينات الرياضية الشاقة (وهذا ما يفعله في الحقيقة الكثير من اللاعبين).

وفي هذه الدراسة، شارك تسعة رجال بنشاطٍ في تمارينِ بناءِ وتقويةِ العضلات، ورفعِ الأثقال، وغير ذلك من التمرينات، على مدار 45 دقيقة.

وفي الأسبوع الأول، كانوا يغمرون الجزء الأسفل من أجسامهم حتى الخصر في مغطس مطاطي مليء بالماء البارد، لمدة عشر دقائق بعد الانتهاء من التمرينات.

ولم يُسمح لهم بالاستحمام قبل مرور ساعتين على الأقل من انتهاء الحمام البارد، للاحتفاظ ببرودة العضلات لفترةٍ أطول.

وفي الأسبوع التالي، كانت الخطوات اللاحقة للتمرينات أيسر وأخف ألما، فكان عليهم التدرب على الدراجة الثابتة بوتيرة أبطأ لمدة عشر دقائق فقط.

وقد أخذ الباحثون عيناتِ دمٍ من المشاركين، في أوقاتٍ متفرقة، قبل التمرين والجلوس في الماء المثلج وبعدهما. كما أخذوا عينيتين من أنسجةِ عضلةِ الفخذ، إحداهما بعد 24 ساعة والأخرى بعد 48 ساعة من غمر الجسم في الماء البارد أو ركوب الدراجة.

وكما هو متوقع، زادت دلالات وجود الالتهابات واستجابة الجسم لإجهاد العضلات بعد التدريبات. لكن لم يُحدث الماء البارد أي تأثيرٍ على مستويات الالتهاب، فلم يقلل الماء البارد من الالتهاب.

إذا، هل يقلل الجلوس في الماء البارد بالفعل من أعراض الالتهاب؟ ربما لا.

وهل تريد أن تخفف من أعراض الالتهاب بهذه الطريقة، على الرغم من أن ذلك قد يؤدي إلى تأخير استعادة قوة العضلات؟

يرى جوناثان بيك، من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا، وقائد فريق الباحثين في هذه الدراسة، أنه يجدر باللاعبين أن يعيدوا النظر في ممارساتهم الرياضية.

ولا ينكر بيك أن الماء البارد يفيد في تسريع التعافي أثناء المنافسات الرياضية الكبرى، ولكنه ليس مفيدا إن كنت تريد أن تحصل على عضلاتٍ قويةٍ على المدى البعيد.

ولأول مرة، لدينا الآن بعض الأبحاث التي تثبت أن شيئا مؤلما وغير محبب للنفس قد لا يكون نافعا على المدى البعيد. وهناك الكثير من الأشياء الممتعة والمحببة للنفس هي التي قد تسبب لنا الضرر. ولذا، فلن يتأثر الرياضيون كثيرا لو لم يمارسوا السلوك محل الدراسة تحديدا.

بي بي سي

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*