استشهاد الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام في السابع من ذي الحجة

646

1431-thealhejjah-6-banner-2في السابع من ذي الحجة الحرام عام 114 هجري كان اهل بيته يحفونه به وكان السم الذي دس اليه من خلال سرج امتطاه قد انتشر في جسده فالتفت الى نجله ووصيه الإمام الصادق عليه السلام وقال: سمعت علي بن الحسين ناداني من وراء الجدران يا محمد تعال عجل، وقال : يا بني هذه الليلة التي وعدتها وقد كان ضوءه قريبا قال : اريقوه اريقوه فظن بعضهم انه يقول من الخمس فقال يا بني ارقه فارقناه فاذا فيه فارة …

ولادته و نشأته :

لقد ازدهرت الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام بهذا الإمام العظيم الذي التقت فيه عناصر الشخصيّة من السبطين الحسن والحسين عليهما السلام ، وامتزجت به تلك الاصول الكريمة والاصلاب الشامخة ، والارحام المطهَّرة، التي تفرّع منها .

فالأب : هو سيد الساجدين وزين العابدين وألمع سادات المسلمين .

والأم : هي السيدة الزكية الطاهرة فاطمة بنت الإمام الحسن سيد  شباب أهل الجنة ، وتكنى أم عبد الله وكانت من سيدات نساء بني هاشم ، وكان الإمام زين العابدين عليه السلام يسميها الصديقة ويقول فيها الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السلام : “كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها” وحسبها سموّاً أنها بضعة من ريحانة رسول الله ، وأنها نشأت في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ففي حجرها الطاهر تربى الإمام الباقر عليه السلام .

ولادته :

وأشرقت الدنيا بمولد الإمام الزكي محمد الباقر الذي بشّر به النبي  صلى الله عليه وآله قبل ولادته ، وكان أهل البيت عليهم السلام ينتظرونه بفارغ الصبر لأنه من أئمة المسلمين الذين نص عليهم النبي صلى الله عليه وآله وجعلهم قادة لاُمته ، وقرنهم بمحكم التنزيل وكانت ولادته في يثرب في اليوم الثالث من شهر صفر سنة ( 56 هـ ) ، وقيل سنة ( 57 هـ ) في غرة رجب يوم الجمعة وقد ولد قبل استشهاد جده الإمام الحسين عليه السلام بثلاث سنين وقيل بأربع سنين كما أدلى  عليه السلام بذلك وقيل بسنتين وأشهر .

وقد أجريت له فور ولادته مراسيم الولادة كالاذان والاقامة في اُذنيه وحلق رأسه والتصدق بزنة شعره فضة على المساكين ، والعَقِّ عنه بكبش والتصدّق به على الفقراء .

وكانت ولادته في عهد معاوية والبلاد الاسلامية تعج بالظلم ، وتموج بالكوارث والخطوب من ظلم معاوية وجور ولاته الذين نشروا الإرهاب وأشاعوا الظلم في البلاد .

تسميته :

وسماه جده رسول الله صلى الله عليه وآله بمحمد ، ولقّبه بالباقر قبل أن يولد بعشرات السنين ، وكان ذلك من أعلام نبوته ، وقد استشف صلى الله عليه وآله من وراء الغيب ما يقوم به سبطه من نشر العلم واذاعته بين الناس فبشّر به أمته ، كما حمل له تحياته على يد الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري .

كنيته “أبو جعفر”  ولا كنية له غيرها .

ألقابه الشريفة وقد دلّت على ملامح من شخصيته العظيمة وهي : الشبيه ( لأنه كان يشبه جده رسول الله (ص)  ) الأمين – الشاكر – الهادي – الصابر – الشاهد – الباقر

وهذا من اكثر ألقابه ذيوعاً وانتشاراً ، وقد لقب هو وولده الإمام الصادق بــ ( الباقرين ) كما لقبا بــ ( الصادقين ) من باب التغليب. ويكاد يجمع المؤرخون والمترجمون للإمام على أنه إنّما لقب بالباقر لانه بقر العلم أي شقه، وتوسع فيه فعرف أصله وعلم خفيه .

وقيل : إنما لقّب به لكثرة سجوده فقد بقر جبهته أي فتحها ووسعها. تحيات النبيّ صلى الله عليه وآله الى الباقر عليه السلام : ويجمع المؤرخون على أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حمّل الصحابي العظيم جابر بن عبد الله الانصاري تحياته ، الى سبطه الإمام الباقر ، وكان جابر ينتظر ولادته بفارغ الصبر ليؤدي اليه رسالة جده، فلما ولد الإمام وصار صبياً يافعاً التقى به جابر فأدى اليه تحيات النبيّ صلى الله عليه وآله .

حياة الامام :

مرّ الإمام الباقر عليه السلام بمرحلة رافقت الكثير من الأحداث والظواهر في ظلّ جده وأبيه عليهما السلام ويمكن تلخيصها بالشكل التالي :

عاش الإمام الباقر عليه السلام في ظلّ جدّه الحسين عليه السلام منذ ولادته وحتى الرابعة من عمره الشريف وقد مكنه ذلك من الإطلاع على الأحداث والوقائع الاجتماعية والسياسية وإدراك طبيعة سيرها وفهم اتجاه حركتها بما اُوتي من ذكاء وفهم منذ صباه .

لقد عاش الإمام الباقر عليه السلام في مقتبل عمره حادثة مصرع أعمامه وأهل بيته الطاهرين وشاهد باُم عينيه ملحمة عاشوراء ومقتل جدّه الحسين عليه السلام واُخذ مأسوراً الى طواغيت الكوفة والشام وشارك سبايا أهل البيت عليهم السلام فيما جرى عليهم من المحن والمصائب الأليمة التي تتصدّع لها القلوب. كما استمع إلى أقوال أبيه الساخنة وهو يخاطب الطاغية المتغطرس يزيد في الشام والتي كان منها قوله عليه السلام : يا يزيد ! ومحمد هذا جدي أم جدّك ؟ فإن زعمت أنه جدّك فقد كذبت وكفرت ، وإن زعمت أنه جدّي فِلمَ قتلت عترته ؟ ! ! .

وعاصر الإمام الباقر عليه السلام في سنة ( 63 هـ ) واقعة الحرّة التي ثار فيها أهل المدينة على حكم يزيد وهو في السادسة من عمره الشريف ، حيث شاهد نقض أكابر أهل المدينة وفقهائها لبيعة يزيد الفاجر ورأى مدينة جدّه عندما أباحها يزيد لجيشه الجاهلي ثلاثة أيّام متواليات يقتلون أهلها ، وينهبون أموالهم ويهتكون أعراضهم .

عاصر الإمام الباقر عليه السلام في هذه المرحلة من حياته الانحرافَ الفكريَ الذي تسبب الاُمويّون في إيجاده مثل بثّهم للعقائد الباطلة كالجبر والتفويض والإرجاء خدمةً لسلطانهم; لأن هذه المفاهيم تستطيع أن تجعل الاُمة مستسلمة للحكام الطغاة ما دامت تبررّ طغيانهم وعصيانهم لأوامر الله ورسوله .

ومن الظواهر التي عاصرها الإمام محمّد الباقر عليه السلام وهو في ظلّ أبيه السجّاد عليه السلام ظاهرة الانحراف السياسي وتتمثل في تحويل الاُمويين للخلافة إلى ملك عضوض يتوارثه الأبناء عن الآباء، ويوزّعون فيه المناصب الحكومية على ذويهم وأقاربهم. لقد عاش عليه السلام محنة عداء الاُمويين للعلويين والذي تمثل في ظاهرة سبّهم لجدّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام على المنابر طيلة ستة عقود .

ومن الأحداث البارزة في حياة الإمام الباقر عليه السلام توالي الثورات المسلحة ضد الحكم الاُموي بعد واقعة كربلاء الخالدة .

ففي سنة ( 63 هـ ) ثار أهل المدينة في سنة ( 65 هـ ) ثار التوابون، وفي سنة ( 66 هـ ) ثار المختار بن أبي عبيدة الثقفي وثار الزبيريون، وفي سنة  ( 77 هـ ) ثار المطرّف بن المغيرة بن شعبة، وفي سنة ( 81 هـ ) تمرّد عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على حكومة عبد الملك بن مروان .

وانتشرت في هذه الفترة ظاهرة وضع الحديث المؤلمة فقد ركّز الاُمويون على هذه الأداة لخدمة سلطانهم ، حتّى روى ابن طرفة المعروف بنفطويه في تأريخه أن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة كانت في أيام بني اُميّة تقرّباً إليهم بما يظنّون أنهم يُرغمون اُنوف بني هاشم .

أما الانحراف الأخلاقي والاجتماعي فقد استشرى في أوساط الاُمة حيث اشتهر يزيد بن معاوية بفسقه إذ كان يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والقرود ويقضي أوقاته بين المغنّين والمغنّيات وشاع عنه ذلك وعرفه عامّة الناس .

وكان مروان بن الحكم أيضاً فاحشاً بذيئاً، كما كان أولاده وأحفاده على شاكلته. وأشاع الاُمويّون بين المسلمين روح التعصّب فقرّبوا العرب وأبعدوا غير العرب وأثاروا الشعوبية فمزّقوا بذلك وحدة الصف الإسلامي وأثاروا الأحقاد وزرعوا بذور الشر في قلوب أبناء المجتمع الاسلامي .

وعاش الإمام الباقر عليه السلام في هذه المرحلة من حياته في ظلّ سيرة أبيه عليه السلام بكل وجوده الذي كان يركز نشاطه على إعادة بناء المجتمع الإسلامي وتشييد دعائم العقيدة الاسلامية القويمة ، حيث كان يحاول الإمام زين العابدين عليه السلام من خلال بثّ القيم العقائدية والأخلاقية عبر الأدعية وتوجيه رسائل الحقوق وما شابه ذلك صياغة كيان الجماعة الصالحة التي كان عليها أن تتولى عمليّة التغيير في المجتمع الذي راح يتردّى باستمرار .

وكان يشارك أباه السجّاد عليه السلام في أهدافه وخطواته وأساليبه المتعددة في المرحلة التي استغرقت ثلاثة وثلاثين عاماً والتي تمثّلت في الدعاء والانفاق والعتق والتربية المباشرة للرقيق والأحرار باعتبارها نشاطاً بارزاً للإمام زين العابدين عليه السلام خلال هذه المرحلة .

وقف الإمام الباقر عليه السلام مواقف أبيه من الثورات والحركات المسلحة التي كانت تهدف إلى إسقاط النظام الفاسد إذ كان يرشدها ويقودها بصورة غير مباشرة من دون أن يعطي للحكام أي دليل يدل على التنسيق من الإمام عليه السلام مع الثوّار ضد الحكم الاُموي الغاشم .

وكان للإمام الباقر دور بارز وهو في ظلّ أبيه في حركته لتأسيس صرح العلم والمعرفة الاسلامية حيث كان يحضر المحافل العامة ليحدّث الناس ويرشدهم، كما كان يفسّر القرآن ويعلّم الناس الأحاديث النبويّة الشريفة ويثقّفهم بالسيرة النبويّة المباركة .

ان التنصيص من الإمام السجّاد عليه السلام على إمامة ابنه الباقر يعود تأريخياً الى النصوص التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده ونصّت على إمامة اثني عشر إماماً بعد رسول الله كلهم من قريش وبني هاشم، وتداولها الصحابة والتابعون واستند اليها أهل البيت عليهم السلام .

ومن تلك النصوص التي ورد فيها اسم الإمام الباقر عليه السلام بشكل خاص هو النص الذي رواه جابر بن عبدالله الأنصاري وقد جاء في هذا النص ما يلي : “… فقال : يا رسول الله وَمَنْ الائمة من ولد علي بن أبي طالب ؟ قال : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ثم سيد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين ، ثم الباقر محمد بن عليّ وستدركه يا جابر ، فاذا أدركته فاقرأه منّي السلام” .

وكان الإمام زين العابدين عليه السلام يوجّه الانظار الى امامة ابنه الباقر عليه السلام ، ويستثمر الفرص لإعلانها أمام أبنائه أو بعض أبنائه أو خاصّته وثقاته ، يصرّح تارة بها ويلمّح إليها تارة اُخرى .

فحينما سأله ابنه عمر عن سرّ اهتمامه بالباقر عليهما السلام أجابه : “انّ الإمامة في ولده الى أن يقوم قائمنا عليه السلام فيملأها قسطاً وعدلاً ، وانه الإمام أبو الأئمة …” .

وعن الحسين ابن الإمام زين العابدين عليهما السلام قال : سأل رجل أبي عليه السلام عن الائمة ، فقال : “اثنا عشر سبعة من صلب هذا ، ووضع يده على كتف أخي محمد” .

وكان يصرّح لابنه الباقر عليهما السلام بامامته ويقول له : “يا بنيّ انّي جعلتك خليفتي من بعدي” .

وروي عن أبي خالد أنّه قال : قلت لعليّ بن الحسين : من الإمام بعدك ؟ قال : “محمّد ابني يبقر العلم بقراً” .

وفي مرضه الذي توفي فيه سأله الزهري قائلاً: فإلى من نختلف بعدك ؟ فأجاب عليه السلام : “يا أبا عبد الله الى ابني هذا ـ وأشار الى محمد ابنه ـ انه وصيّي ووارثي وعيبة علمي ومعدن العلم وباقر العلم” ، فقال له الزهري : يا ابن رسول الله هلاّ أوصيت إلى أكبر اولادك ؟ فقال عليه السلام : “يا أبا عبد الله ليست الامامة بالصغر والكبر ، هكذا عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وآله وهكذا وجدنا مكتوباً في اللوح والصحيفة” .

وفي أيامه الأخيرة جمع الإمام زين العابدين عليه السلام أولاده : محمد والحسن وعبد الله وعمر وزيد والحسين ، وأوصى الى ابنه محمد …  وجعل أمرهم اليه .

وفي الساعات الأخيرة من حياته التفت عليه السلام الى ولده وهم مجتمعون عنده ، ثم التفت الى ابنه الباقر عليه السلام فقال : “يا محمد هذا الصندوق اذهب به الى بيتك” . اما أنه لم يكن فيه دينار ولا درهم، ولكن كان مملوءاً علماً .

استشهاده :

بعد ثمانيه عشر عاما تصدي خلالها للإمامة الاسلاميه استجاب لنداء ربه الحق فلباه راضيا مرضيا وقد قضى من عمره المبارك سبعا وخمسين ربيعا .

في السابع من ذي الحجة الحرام عام 114 هجري كان اهل بيته يحفونه به وكان السم الذي دس اليه من خلال سرج امتطاه قد انتشر في جسده فالتفت الى نجله ووصيه الإمام الصادق عليه السلام وقال : سمعت علي بن الحسين ناداني من وراء الجدران يا محمد تعال عجل ، وقال : يا بني هذه الليلة التي وعدتها وقد كان ضوءه قريبا قال : اريقوه اريقوه فظن بعضهم انه يقول من الخمس فقال يا بني ارقه فارقناه فاذا فيه فارة .

واوصى ابنه الامام جعفر بن محمد بان يكفنه في ثلاثة اثواب احدها رداء له جدة كان يصلي فيه يوم الجمعة، وثوب اخر وقميص، واوصى ان يشق له القبر شقا واضاف فان قيل لكم ان رسول الله لحد له فقد صدقوا .

واوصى ان يرفع أربع اصابع وان يرش بالماء وان يوقف من امواله قدرا لكي تندبه النوادب بمني عشر سنين ايام المني .

ولما توفي ضجت المدينة المنورة. ويروى عن الامام الصادق عليه السلام: ان رجلا كان على بعد اميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له : انطلق فصل علي ابي جعفر ، فان الملائكة تغسله فجاء الرجل فوجد ابا جعفر قد توفي .

فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد مسموما ويوم يبعث حيا .

(حسنين فاضل حمزة الجبوري)

تعليق 1
  1. مهاجرت کردن به کانادا يقول

    عاشق این وبسایت شدم من.عالی هستید شما

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*