هيومان رايتس ووتش: أستراليا وناورو تتشاركان مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد اللاجئين وطالبي اللجوء

347
أستراليا: انتهاكات مروّعة وإهمال اللاجئين في ناورو يكشف التحقيق في جزيرة نائية في المحيط الهادئ الانتهاكات المتعمدة المخفية بجدار من السريّة
أستراليا: انتهاكات مروّعة وإهمال اللاجئين في ناورو
يكشف التحقيق في جزيرة نائية في المحيط الهادئ الانتهاكات المتعمدة المخفية بجدار من السريّة

الحكمة – متابعة – (سيدني): قالت “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” إن نحو 1200 رجل وامرأة وطفل لجؤوا إلى أستراليا ونُقلوا قسرا إلى دولة ناورو، الجزيرة النائية في المحيط الهادئ، يعانون من انتهاكات خطيرة ومعاملة لاإنسانية وإهمال. يبدو أن فشل الحكومة الأسترالية بمعالجة الانتهاكات الخطيرة سياسة متعمدة لردع مزيد من طالبي اللجوء من الوصول إلى البلاد على متن القوارب.

يواجه اللاجئون وطالبو اللجوء في ناورو – معظمهم محتجز هناك منذ 3 سنوات – إهمالا منهجيا من قبل الكوادر الصحية وغيرهم من مقدمي الخدمات الذين عيّنتهم الحكومة الأسترالية، فضلا عن اعتداءات سكان ناورو المتكررة بلا عقاب. يتعرضون لتأخير لا لزوم للحصول على الرعاية الطبية أو يحرمون منها، حتى في ظروف تهدد الحياة. يعاني كثير منهم من مشاكل صحية عقلية وخيمة ويأس شديد، وتنتشر بينهم محاولات إيذاء النفس والانتحار المتكررة. يواجه جميعهم منذ وقت طويل انعدام اليقين تجاه مستقبلهم.

قالت آنا نيستات، باحثة أولى في “منظمة العفو الدولية”، التي أجرت تحقيقا في الجزيرة: “سياسة أستراليا بنفي طالبي اللجوء الذين يصلون على متن القوارب قاسية إلى أبعد الحدود. عدد قليل من البلدان يذهب إلى هذا الحد بإلحاق المعاناة عمدا بالباحثين عن الأمان والحرية.”

تدرك السلطات الأسترالية الانتهاكات في ناورو جيدا. تحدثت “مفوضية حقوق الإنسان الاسترالية”، و”مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين”، ولجنة في مجلس الشيوخ، وخبير مستقل عيّنته الحكومة عن عديد من هذه الممارسات، ودعت الحكومة إلى تغييرها. فشل الحكومة الأسترالية المستمر بمعالجة الانتهاكات التي ارتكبت تحت سلطتها على ناورو يشير بقوة إلى أن هذه الانتهاكات هي إما سياسة معتمدة، أو يتم التغاضي عنها كجزء من سياسة الحكومة.

قالت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية إن الحكومة الأسترالية تنتهك الحق في الحماية من التعذيب وأشكال إساءة المعاملة الأخرى والاحتجاز التعسفي، كما تنتهك غير ذلك من الحمايات الأساسية، من خلال النقل القسري للاجئين وطالبي اللجوء إلى ناورو، واحتجازهم لفترات طويلة في ظروف غير إنسانية، وحرمانهم من الرعاية الطبية المناسبة، وهيكلة عملياتها بطريقة تؤدي إلى التدهور الخطير للصحة العقلية للكثير.

قال مايكل بوتشينيك، مستشار قانوني أول في حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش والذي أجرى التحقيق على الجزيرة للمنظمة: “فرضت معاملة أستراليا الفظيعة للاجئين في ناورو على مدى السنوات الثلاث الماضية أعباء ثقيلة على معيشتهم. يبدو أن دفع الكبار وحتى الأطفال اللاجئين إلى نقطة الانهيار مع الانتهاكات المستمرة هو أحد أهداف أستراليا في ناورو.”

تفرض أستراليا وناورو سريّة تامة على التعامل مع طالبي اللجوء في ناورو وترفض معظم طلبات زيارة الصحفيين أو الباحثين. ومع ذلك، استطاع باحثا منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش دخول ناورو قانونيا وقضيا ما مجموعه 12 يوما في يوليو/تموز 2016. لم يُسألا إلى أي منظمة ينتميان عند إتمامها الإجراءات الرسمية للدخول. أجريا مقابلات مع 84 لاجئ وطالب لجوء من إيران والعراق وباكستان والصومال وبنجلادش والكويت وأفغانستان، بمن فيهم أكراد مجردين من الجنسية كانوا يعيشون في إيران أو العراق. هناك 29 امرأة من بين الذين قوبلوا و5 فتيات و4 صبية. كما أجرى الباحثان مقابلات مع عديد من مقدمي الخدمات، الذين وافقوا على تبادل المعلومات رغم خطر تعرضهم للمحاكمة بسبب ذلك.

ناورو جزيرة صغيرة جدا وفقيرة، تبلغ مساحتها 21 كيلومتر مربع/8 أميال مربعة، أي أصغر من مطار ملبورن في أستراليا. عدد سكان الجزيرة 10 آلاف. دُمّر وسط الجزيرة خلال 40 عاما من التنقيب عن الفوسفات، بحيث أصبح معظمها غير صالح للسكن والزراعة. فرص العمل نادرة، والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم غير كافية إلى حد كبير.

تنقل أستراليا قسريا العائلات مع الأطفال والأطفال غير المصحوبين، والرجال والنساء الى ناورو منذ سبتمبر/أيلول 2012، بموجب مذكرات تفاهم بين البلدين. وافقت أستراليا على تغطية جميع تكاليف الاحتجاز على الجزيرة والتعامل مع طالبي اللجوء واللاجئين. أنفقت الحكومة الأسترالية 415 مليون دولار أسترالي (314 مليون دولار أمريكي) على عمليات ناورو خلال السنة المالية المنتهية في 30 أبريل/نيسان 2015، أي ما يقارب 350 ألف دولار أمريكي عن كل شخص محتجز على الجزيرة ذلك العام وحده.

يقضي الذين ينقلون الى ناورو عاما أو أكثر في البداية في خيام بلاستيكية ضيقة في معتقل يسمى “مركز الإجراءات الإقليمي”. تبلغ درجات الحرارة في الداخل عادة 45-50 درجة مئوية، وتكثر الأمطار غزيرة والفيضانات.

وصف اللاجئون وطالبو اللجوء الأوضاع في هذه المعتقلات إنها “شبيهة بالسجن”، إذ يفتش الحراس خيامهم بشكل منتظم، ويصادرون الأدوات “المحظورة” – بما فيها الطعام وإبر الحياكة. يسمح لهم بالاستحمام لمدة دقيقتين، كما أن المراحيض قذرة.

يشغّل مركز الإجراءات الإقليمي شركة خاصة عينتها الحكومة الأسترالية، ولديها سيطرة فعلية على المنشأة وهي مسؤولة عن ضمان صحة ورفاه طالبي اللجوء المحتجزين هناك. تشارك أستراليا ناورو المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد اللاجئين وطالبي اللجوء.

يُقدّم لمن تعترف بهم حكومتا أستراليا وناورو أنهم لاجئين إقامة في مخيمات مفتوحة أو غيرها من أنواع السكن في جميع أنحاء الجزيرة عموما. بشكل عام، تُقدم للعائلات وحدات سكنية جاهزة أو حاويات معدلة، ويُوضع الرجال غير المصاحبين لعائلات في غرف تتسع لسرير ورف صغير فقط. قال الذين قوبلوا إن نحو الثلث من 1200 لاجئ وطالب لجوء في ناورو يبقون في الخيام.

سمحت ناورو لطالبي اللجوء منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، بقدر أكبر من حرية الحركة في جميع أنحاء الجزيرة، وهي خطوة فُسرت على نطاق واسع أنها استجابة لتشريع في أستراليا يطعن في شرعية احتجاز اعتقال طالبي اللجوء. ولكن لا يسمح لمن في الخيام بجلب هواتف ذكية إلى المركز، ويراقبهم الحراس، ويواجهون قيودا أخرى على حريتهم.

يفاقم الاحتجاز لفترات طويلة في ظروف مروعة صدمة كثير ممن عانوا من الاضطهاد في بلدانهم والانتهاكات وغيرها من المخاطر التي واجهوها في رحلاتهم إلى أستراليا، وهو ما توصلت إليه مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية، ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين وغيرهما.

قال اللاجئون وطالبو اللجوء الذين قوبلوا إن قلقهم الشديد يتصاعد ولا يستطيعون النوم، ولديهم مزاج متقلب، اكتئاب لفترات طويلة، وفقدان الذاكرة القصيرة المدى. بدأ الأطفال يتبولون في الفراش، ويعانون من الكوابيس، وينخرطون في سلوك تخريبي وغيره من السلوكيات المقلقة. قال البالغون والأطفال علنا إنهم أرادوا إنهاء حياتهم. ومع ذلك، لا يتلقى اللاجئون في ناورو الدعم الكافي أو علاج للأمراض النفسية.

مستوى الرعاية الطبية للاجئين وطالبي اللجوء في ناورو متدنٍ أيضا، فالمعدات الطبية بدائية، ولا تتوفر العناية الطبية المتخصصة بانتظام. تقتصر خدمات طب الأسنان إلى حد كبير على قلع الأسنان.

وصف اللاجئون وطالبو اللجوء الذين تمت مقابلتهم تأخيرا طويلا قبل أن يتمكنوا من رؤية مختصين في علاج حالات خطيرة أو أن يتم نقلهم إلى المرافق الطبية خارج ناورو للعلاج غير المتاح هناك. في ظل السياسات الجديدة، يضطر الذين نُقلوا إلى أستراليا للحصول على الرعاية إلى الذهاب دون أفراد أسرهم في معظم الحالات، في ما يبدو محاولة لإجبارهم على العودة الى ناورو.

عندما بحثت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش هذه المخاوف بشأن الرعاية الطبية، مع شركة “الخدمات الصحية والطبية الدولية” التي عينتها الحكومة الأسترالية لتقديم الخدمات الطبية في ناورو، أنكر كبار الموظفين أن الرعاية كانت سيئة.

قالت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية إن السلامة الجسدية للمحتجزين في ناورو مصدر قلق خطير. تعرّض كثير من طالبي اللجوء للضرب والسلب. قالت كل النساء اللاتي قوبلن إنهن لا يستطعن الخروج وحدهن. قال الذين قوبلوا إن الشرطة المحلية لم تبذل جهدا يذكر أو أي جهد للتحقيق في الهجمات ضدهم.

وصف الأطفال الذين يرتادون المدارس المحلية التحرش المتكرر والمضايقات من طلاب ناورو، الذين يقولون لهم أن يعودوا إلى بلادهم. انقطع كثير منهم عن ارتياد المدرسة نهائيا.

قال بعض اللاجئين وطالبي اللجوء إن الانتهاكات التي عانوها دفعتهم إلى خيارات حُصرت بقبول، أو طلب، العودة إلى بلدان يواجهون فيها خطر اضطهاد حقيقي أو أخطارا أخرى.

س ف

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*