«داعش» يغذي «الإسلاموفوبيا» الغربية*

292
اتجهت آليات الدفاع عن النفس التي أطلقها دونالد ترامب وأقرانه من الشعبويين الجدد إلى أبعاد شديدة السمية
اتجهت آليات الدفاع عن النفس التي أطلقها دونالد ترامب وأقرانه من الشعبويين الجدد إلى أبعاد شديدة السمية
ديفيد اغناتيوس - صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثمانية روايات، بما في ذلك الجسم من الأكاذيب.
ديفيد اغناتيوس – صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة “واشنطن بوست”. كتب ثمانية روايات، بما في ذلك الجسم من الأكاذيب.

 

يعاني الغرب مما وصفه أحد خبراء الاستراتيجية الغربيين بقوله «مرض المناعة الذاتية» في حربه ضد تنظيم داعش. واتجهت آليات الدفاع عن النفس التي أطلقها دونالد ترامب وأقرانه من الشعبويين الجدد إلى أبعاد شديدة السمية – حيث تسببت في إضعاف الجسد السياسي للغرب وألهبت حمى التطرف لمستويات أكثر سوءًا وخطورة.

طرح ديفيد كينينغ، وهو خبير بريطاني في مكافحة الإرهاب، هذه الحجة الاستفزازية عبر مقابلة هاتفية هذا الأسبوع، وفي بحث أجري مؤخرًا لصالح كثير من الحكومات الغربية. وتأتي تعليقاته لتتصدر موجة جديدة من التحليلات التي تعتبر تنظيم داعش عصابة من المجرمين الشبان الذين تحركهم سياسات الهوية والإيذاء بأكثر مما تدفعهم الحركة الدينية أو النزعة الآيديولوجية.

ويعرب المحللون عن تشككهم في أن كثيرا من استراتيجيات الدعاية الحالية ضد تنظيم داعش ترجع بنتائج عكسية، وأن السياسيين من دعاة الاستقطاب أمثال ترامب قد تسببوا في تضخيم تأثير المتطرفين وتحولوا إلى أفضل وسيلة من وسائل التجنيد لديهم. ويساعد الإرهاب الإسلامي (إسلاموفوبيا) المتطرفين كذلك عن طريق تغذية خطابهم الراديكالي حول المسلمين المحاصرين والمضطهدين، كما يقول كينينغ. كما أنها تخلق شعورًا بالمجتمع الجريح الذي يعزز الدعوة إلى الانتقام العنيف.

شاهد مقاطع الفيديو التي يبثها التنظيم الإرهابي وسوف ترى في كثير من الأحيان اعتلاء الشباب الصغير الشاحنات والسيارات في سوريا والعراق، ويتطاير شعر رؤوسهم الطويل مع الهواء، وهم يحملون المدافع الرشاشة من الأعيرة الكبيرة وبطريقة فجة وواضحة للعيان. ويفسر كينينغ أن السبب وراء الدعاية القوية لـ«داعش» بين مختلف المغتربين والمراهقين يرجع إلى:

أن «دعاية (داعش) تبعث على الثقة والتمكين. فهم يخبرونك بأنك ضحية ويمنحونك الرخصة للانتقام. ثم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يوفرون لك الشهرة، والفرصة لأن تكون شخصية مشهورة ومعروفة بدلا من أن تكون كيانًا مهملاً لا قيمة له».

يعد ترامب من أبرز الأمثلة على الاستجابة الشعبوية الاستقطابية في مواجهة المتطرفين، ولكنها أوروبا التي بدأت تشهد تمزقًا حقيقيًا في تماسكها الاجتماعي. فالسياسيون من أمثال داعية الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي نايجل فاراج، وزعيمة القومية الفرنسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، وغيرت فيلدرز المناهض للوجود الإسلامي في هولندا، هم من الوجوه التي تعكس الاهتزاز الأوروبي إثر الهجمات المزدوجة القوية من قبل «الإرهاب الإسلاموي» و«الإرهاب الإسلامي».

توضح مؤسسة لابيس للاتصالات، وهي من المؤسسات الاستشارية في منطقة الشرق الأوسط وتعمل مع كينينغ وغيره من خبراء الاستراتيجية، في ورقة بحثية صدرت عنها مؤخرًا، لماذا يساعد «الإرهاب الإسلامي» المتطرفين: «بدلاً من تقليص جهود التجنيد، فإنه يزيد من قيمة علامة الإرهاب التجارية بين جموع المسلمين».

«إننا نتعامل بالأساس مع عقلية المراهقين»، كما تؤكد المؤسسة نقلاً عن الإحصاءات أن 90 في المائة من المتطرفين لا تزيد أعمارهم عن 25 سنة. وهذه الزمرة من الشباب المتطرف المسلح تريد أن ترى العالم بأسره من خلال لونين فقط: الأبيض والأسود. والترياق الوحيد، كما تقول المؤسسة، «هو اللون الرمادي من الحلول الوسط الاجتماعية والتسامح».

وهناك محلل مناقض آخر يتقاسم الرؤية نفسها وهو مارك ساغمان، وهو طبيب نفسي ومن الضباط السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ففي كتابه الصادر قريبًا بعنوان «سوء فهم الإرهاب»، يوضح ساغمان عملية زرع التطرف، مؤكدًا أنها ظاهرة مجتمعية بدلاً من كونها عملاً فرديًا أو نزعة دينية.

تنشأ الجماعة الانتحارية الافتراضية، في منظور ساغمان، من مجتمع الاحتجاج السياسي الذي يتعرض للهجوم والقمع من قبل الدولة، ثم في أثناء استقطاب المجتمع في مواجهة الدولة يتحول المجتمع إلى التطرف ثم العنف. ويقول ساغمان إن نموذجه للتطرف يفسر أكثر من 80 في المائة من 34 حملة من حملات العنف السياسي التي عكف على دراستها عبر عقدين من الزمان.

أي نوع من السياسات التي يمكنها مواجهة تنظيم داعش؟ طرحت هذا السؤال على كلا الباحثين استجلابًا لمقترحاتهما. وكانت التيمة المشتركة فيما بينهما تتمحور حول ضرورة أن تتوقف حملات مكافحة التطرف عن تغذية أحلام المتطرفين عن طريق التعامل معهم بوصفهم تهديدًا إسلامويًا مرعبًا للغرب، فإن مثل ذلك الخطاب يزيد في تحفيزهم وإغرائهم.

تقول مؤسسة لابيس للاتصالات إن «المفهوم الإسلامي الراديكالي ليس هو القضية، بل إنه الذريعة». والدعاية التي تغذي الشعور بالانعزالية والظلم والتضرر لدى المجتمع المسلم هي «من أسوأ الأمور قاطبة التي يمكن أن تحدث في الغرب»، كما يقول كينينغ.

ويتابع كينينغ قوله إن أفضل السبل لهزيمة استراتيجية تنظيم داعش هي إسكات أبواق الدعاية العالمية. وإذا ما نجحوا في إسكاتها، فسوف تفقد الخلافة المزعومة وقودها سريعًا.

ويعتقد كينينغ أن أفضل منهجية هي التمزيق التدريجي لذلك التنظيم، وذلك من خلال استغلال خطوط الصدع والتمزق ما بين أولئك الذين يقاتلون تحت رايتها.

يقول ساغمان إن «المجتمع المتصور تحت راية (داعش) أضعف بكثير في الواقع مما يبدو للعيان». وما يمنحه القوة والقدرة على الاستمرار، وبشكل متناقض، هو الخوف والكراهية للغرب. إن تنظيم داعش يشكل تهديدًا على أمن الغرب، من دون شك في ذلك، وكذلك درجة استجابة شخصيات مثل ترامب وزملائه المهاجمين للمسلمين في كل خطاب.

* خدمة «واشنطن بوست»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*