تحديات إجراء عمليات جراحية في الفضاء

376

151203190814_surgeries_in_the_space_640x360_nasaspl_nocreditريتشارد هولينغهام
صحفي علمي – بي بي سي

الحكمة – متابعة: ينطوي استكشاف الفضاء على مخاطر وتحديات عديدة. ولكن ماذا لو تعرضت لمرض خطير أو إصابة بالغة؟ إليكم هذا التحقيق الذي أجرته “بي بي سي فيوتشر”.

يجري الإعداد حاليا للمؤتمر العالمي للطب في الظروف الأكثر صعوبة، والذي سيعقد في العاصمة البريطانية لندن، لكنه ليس للأشخاص ضعيفي القلب.

لدى تسللي إلى الجزء الخلفي لقاعة المحاضرات الرئيسية، وجدت السير رانولف فينيس، مستكشف الفضاء الذي حطم أرقاما قياسية، مسترسلا تماما في وصفه المباشر لحالة رفيقه الذي أصيبت قدمه بلفحة صقيع أثناء رحلة استكشافية في القطب الشمالي.

وشرح فينيس بالتفصيل كيف زالت رقاقة من الجلد في جزء من قدم صديقه بسبب الحذاء، حتى كشفت نهايات الأعصاب في ذلك الجزء المصاب. وعرض فينيس صورا لتلك الإصابة، لكن حتى المسعفين المتمرسين وسط الحضور أداروا أنظارهم بعيدا عنها.

لقد سافر السير رانولف إلى أقاصي الأرض لمواجهة البيئات الأكثر برودة، وارتفاعا، وخطورة أيضا. وكان بالكاد قد بقي على قيد الحياة عدة مرات ليحكي لنا الحكاية، إذ عانى من الجوع والمرض وفقدان أصابعه من لفح الصقيع، إلى درجة أنه بتر بعضها بنفسه.

لقد كانت القدرة على الارتجال وعلاج الإصابات والأمراض وحتى إجراء عمليات جراحية في ظروف غاية في الصعوبة والعزلة دعامة أساسية للمستكشفين على مر القرون. وفي الوقت الذي تفكر فيه وكالات الفضاء في إرسال بعثات إلى القمر والمريخ، فإن المتحدث التالي في المؤتمر كان مهتما بطب الطوارئ في آخر مرحلة من حدود الاستكشاف.

أقر مايكل بارات، الطبيب ورائد الفضاء في وكالة ناسا عندما تحدثت إليه بعد المحاضرة بأنه “قد تمت مقارنته بالدكتور مكوي من ستار تريك- ما أشعره بالإطراء”. وأردف قائلا: “إلا أننا لم نصل إلى تلك النقطة حيث يكون لدينا طاقم كبير بما فيه الكفاية أو أن نكون بعيدين بما فيه الكفاية ليكون لدينا طبيب متخصص”.

وفي الواقع يمكنك نسيان أي صور لأن يكون لديك مساحات للمرضى في الفضاء البكر مع أرائك مريحة وأضواء ساطعة أو تحقيقات طبية يمكن أن ينتج عنها أصداء ذات علاقة بمستقبل الطب.

فالمرافق الطبية على متن المحطة الفضائية الدولية بدائية جدا، وهي تقريبا على نفس مستوى المعدات الموجودة في حمامات السباحة العامة.

ويقول بارات: “إنها إلى حد كبير ما قد يحمله مسعف ليس عالي المستوى في عدته. فما لدينا هو جهاز لقياس الرجفان، ومروحة صغيرة وبعض الأدوية للحالات الطارئة لنتمكن من تحقيق الاستقرار في حالة تعرض شخص لإصابة بالغة، ولكن لا يمكننا العناية بمريض لفترة طويلة.”

مرض الفضاء

لحسن الحظ، فإن المشاكل الطبية التي عانت منها الطواقم المتعاقبة في محطة الفضاء الدولية لم تكن مهددة للحياة، باستثناء رائد الفضاء الإيطالي لوكا بارميتانو الذي أوشك على التعرض لإصابة خطيرة بعدما غرق تقريبا في أعقاب تسرب المياه إلى خوذته أثناء عملية سير في الفضاء.

بيد أن هنالك الكثير من القضايا الروتينية التي تنفرد فيها بيئة الفضاء. وإضافة إلى التحديات بعيدة المدى، مثل ضعف العضلات والعظام، فإن رواد الفضاء الذين يعيشون على محطة الفضاء الدولية تحدثوا عن عدد من الشكاوى الطبية.

ويقول بارات: “نحن نرى أن العلامة التجارية التي تميز دوار حركتنا تتركز على آلام العظام وتغير الرؤية، وتغيرات فعلية في العصب البصري وشبكة العين. كما يتغير نظام المناعة وتنظيم السوائل… كل هذه التغييرات تأتي ضمن مجموعة من المشاكل الطبية التي قد تتعرض لها”.

ولأن محطة الفضاء الدولية تقع على بعد 400 كيلومتر فقط فوق سطح الأرض، فإن السياسة هي جمع رواد الفضاء الذين تعرضوا لأمراض أو إصابات خطيرة في مركبة الفضاء سويوز وإرسالهم إلى ديارهم في أسرع وقت ممكن.

ويضيف بارات موضحا: “يمكننا وفي غضون ساعات أن نرسل شخصا ما إلى مركز للرعاية على سطح الأرض. وتصبح المسألة أكثر خطورة إذا أردت أن تذهب إلى وجهة أبعد، كأن تكون في مركبة فضائية في طريقك إلى القمر أو المريخ”.

وبهدف التحقيق في التحديات أمام العمليات الجراحية الطارئة في الفضاء السحيق، أجريت عدة تجارب على عمليات جراحية في أماكن منعدمة الجاذبية. وإذا عدنا إلى عام 1991، عندما كان المهندسون يخططون لوضع قسم للمرضى كامل التجهيز في محطة الفضاء الدولية، أجرى جراحون عمليات على أرانب مخدرة أثناء رحلات جوية كانت فيها الجاذبية منعدمة بشكل مماثل.

النتائج لم تكن طيبة

يقول بارات: “أحد التحديات التي واجهتنا كان يتركز في عملية احتواء النزف، فإذا كان لدينا نزف في الوريد، فإن التوتر السطحي سيجعل الدم يلتصق بالسطح الذي تجري عليه العملية بدلا من التجمع في مزراب ما على الأرض”.

ويضيف أن هذا ليس أسوأ ما في الأمر. ويشرح بارات ذلك بقوله: “إذا جرحت أحد الشرايين، فإن هناك قدرا كافيا من الضغط ليجعل الدم يطير في الجو ويسد مجال نظرك- وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لنا”.

وكانت ناسا قد دعمت مؤخرا بحثا على متن طائرة مرة أخرى، ينظر في طرق تغطية منطقة العمليات فوق أحد المرضى باستخدام قبة صغيرة مملوءة بالسائل يتمكن الجراح من خلالها من استخدام أدواته المختلفة من مشارط ومناظير.

تلك الوسيلة لا تمنع الدم من الاندفاع في كل مكان وحسب، بل وتساعد على الإبقاء على الجرح نظيفا. ولأن الجسيمات لا تستقر في الجو، فإن جميع أنواع البكتيريا تطوف في هواء محطة الفضاء، وبالتالي تزيد من خطر العدوى بشكل كبير.

جراحون من أجهزة الروبوت

هنالك أيضا مخاوف بشأن السيطرة على الألم. ويحذر بارات “من الصعوبة البالغة في استخدام المخدر المستنشق في بيئة شديدة الإحكام. لأن نظام إزالة الملوثات لدينا لا يمكنه التعامل معها، لذا فعلينا تطوير وسائل بديلة”.

وتدرس ناسا أيضا استخدام أجهزة الروبوت الجراحية التي يتحكم بها جراحون حقيقيون على الأرض- وحتى جراحون من الروبوتات مستقلون ذاتيا.

ويقول بارات: “إن إيجاد جراح آلي يمكنه إجراء العمليات الجراحية كاملة ومن تلقاء نفسه أمر بعيد المنال إلى حد ما، ولكنه قيد البحث”.

“أعتقد أنه من الأرجح أن يكون لدينا طبيب مدرب إلى الحد الأدنى ضمن الطاقم يمكن إرسال تعليمات مفصلة له ويمكنه أن يفعل ما نسميه ‘التدريب في الوقت المناسب’، فيراجع مقاطع فيديو معينة، ويمارس عمليا إجراء عمليات جراحية أيضا، ومن ثم نوظف جهازا آليا مساعدا له، وقد يكون ذلك ناجحا”، بحسب قول بارات.

إذا كانت الفكرة أن تخضع لعملية جراحية من قبل زميل غير مؤهل ولكنه مزود بمقاطع فيديو عن كيفية إجراء العمليات الجراحية احتمالا واقعيا، فلا تتطوع لأي من البعثات إلى الكوكب الأحمر؛ وهذا هو الواقع الذي يواجه رواد الفضاء الذين يصابون أثناء بعثاتهم إلى القمر أو المريخ.

وعلى سطح عالم غريب، إذا كسرت ساق أحد رواد الفضاء أو عانى من انفجار في الزائدة الدودية، فإن هناك احتمالا ضئيلا لتلقيه نفس النوع من الرعاية التي نتوقعها على الأرض.

ويقول بارات: “كلما كانت وجهتنا أبعد، كلما أصبحنا أكثر تقييدا من حيث ما يمكن أن نحمل ومن يمكن أن نحمل. فإذا كنت متجها إلى القمر لا تزال هناك إمكانية لإجراء بعض الاتصالات في وقت حقيقي ويمكنك التحدث إلى شخص ما على الأرض. لكن العودة إلى الديار صعبة جدا، وقد تستغرق الرحلة خمسة أيام”.

أما بالنسبة إلى بعثة إلى المريخ، فإن قيود الوزن ستحد من كمية العدة الجراحية التي نحملها، وسيعني تأخر الوقت أنه لا إمكانية لإجراء جراحة آلية، أو إجراء اتصالات في الوقت الحقيقي مع خبير على الأرض.

والحقيقة هي أن رواد الفضاء المتجهين إلى القمر أو المريخ يترتب عليهم مواجهة مستوى أعلى بكثير من المخاطر. وهناك أوجه شبه مذهلة مع الرعاية المحدودة المتوفرة أثناء الرحلات الاستكشافية القطبية.

ويوضح بارات قائلا: “إنها مماثلة لبعثات التنقيب القديمة، فهناك الكثير من الأشياء التي لا يمكننا حملها إلى المريخ، وأعلى مستويات الرعاية الصحية ستكون بعيدة بمئات الملايين من الأميال. ويتعين على الفرد والطاقم ووكالة الفضاء وعامة الناس تقبل تلك الدرجة من المخاطر”.

بيد أن بارات متفائل بأن أحدا من خلفائه سيأتي بالمرافق الطبية على غرار تلك التي لدى دكتور مكوي الحقيقي. ويقول: “إن إنشاء قسم للمرضى في الفضاء سيصبح قطعا حقيقة في المستقبل، ولكن يجب أن يكون لديك عدد معين من أفراد الطاقم، وحجم معين للمركبات الفضائية، ومستوى من البعد قبل كسر حاجز التكاليف والفوائد”.

ويضيف: “سيأتي دكتور مكوي، لكن ليس في وقت قريب”.

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*