لماذا نكره الانتظار في طابور ما؟

523

151102192202_why_we_hate_some_queues_640x360_thinkstock_nocreditبريندان كول
صحفي – بي بي سي

الحكمة – متابعة: الانتظار في طابور سلوك يمكن أن نجده في كل بلاد العالم، لكن أبحاثاً توصلت إلى أن تعاملنا مع الانتظار في طوابير يعتمد على شكل الطابور، والغاية منه، ومن أي البلدان نحن.

يشتهر البريطانيون بقدرتهم على الانتظام في طابور، سواء في استاد ويمبيلدون أو في محطة ووترلو. حتى في غمرة الاضطرابات التي شهدتها لندن عام 2011، كان الناهبون يتعاملون مع سرقة المحال التجارية من خلال قاعدة: من يأتي أولاً، يحظى بالخدمة أولا.

يقول ريتشارد لارسون، الأستاذ في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا والخبير العالمي في سلوكيات الوقوف في الطابور: “إحدى أفضل الصور عندي التقطت في أحد أيام الاضطرابات التي شهدتها لندن، حيث دخل اللصوص إلى أحد المتاجر.”

ويضيف: “كان حوالي 13 سارقاً يصطفون في طابور في الخارج، وكانوا يدخلون واحداً تلو الآخر، ولا يدخل الذي يليه في الدور إلا إذا انتهى السارق أو السارقة الذي قبله من أخذ ما يحتاجه من الداخل. وبمجرد خروج السارق من المتجر، يدخل من يليه في الدور.”

ويتابع: “لا يمكنني تخيل مكان آخر غير لندن يكون فيه السارقون متحضرون في تعاملهم مع الانتظام في الدور”.

لارسون ليس الوحيد الذي يؤمن بأن البريطانيين هم أفضل من ينتظمون في الطابور في العالم، فقد قال الكاتب جورج مايكس: “الانجليزي، حتى لو كان وحيداً، يُشكل صفاً منظماً بمفرده”.

وفي مقال بعنوان “الشعب الانجليزي”، كتب جورج أورويل أن الأجنبي سيفاجأ برغبة الانجليزي في تشكيل طابور، أو الوقوف في الدور.

وفي كتاب “مراقبة الانجليز”، كتبت المؤلفة كيت فوكس عن إحساس متأصل بالمساواة عند الانجليز عندما ينتظمون في الصف. ويمضي الإنسان في بريطانيا في المتوسط سنة وأسبوعين ويوماً من حياته في الانتظار في طوابير المتاجر، ويمضي سنة وثلاثة شهور وهو في الطرق في زحام المواصلات.

هل يمكن أن تحدد جنسية الشخص بناء على الطريقة التي يقف بها في الطابور؟ ولماذا في عدد من مناطق العالم المختلفة تستمر الطوابير لفترة طويلة جداَ، بينما في بعضها الآخر تكون فترة الانتظار أقصر؟

يعتقد لارسون، وعدد من علماء الاجتماع، أن الطريقة التي تقف بها في الطابور تعطي بالفعل صورة عن أصولك الثقافية. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تعتمد الطريقة الني يصطف بها الناس في الطوابير على المدينة التي ترعرعوا فيها.

ويضيف لارسون: “مما توصلت إليه أنك تستطيع التعرف على الأصول الثقافية للأشخاص بمجرد مراقبة تصرفاتهم البسيطة أثناء وقوفهم في الطابور. فالناس في بوسطن ونيويورك وواشنطن العاصمة يقفون في الطابور بطرق مختلفة.”

ويتابع: “ففي واشنطن ينتظم الناس في الطابور في منطقة عشوائية فوق ممر المشاه. هناك موظفون في الحكومة يعرفون أن الحافلة تتوقف في هذا المكان في تمام الساعة الرابعة وخمس دقائق، لذلك يصطفون حسب من يصل أولاً. لم أر هذا السلوك في نيويورك أو بوسطن.”

يقول جو موران، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ليفربول – وهو مؤلف كتاب “الوقوف في الطابور للمبتدئين”، إن بريطانيا بنت سمعتها المتعلقة بالاصطفاف في الطوابير في أيام الفقر خلال فترة الأربعينيات.

يقول موران: “يميل البريطانيون إلى اعتبار أنفسهم جيدين في الانتظام في الطوابير، وهو ما يشكل إرضاء ذاتياً لهم. لكن الطابور شيء غير ثابت، وهو يتعلق بما إذا كنت تصطف بطريقة جيدة. فما يعتبره البعض غضباً من الوقوف في الطابور، يعتبره آخرون سلوكاً عادياً”.

بغض النظر عن مدى طيبة الواقفين في الطابور، يجمع العلماء على أنه لكي يؤدي الطابور الغاية منه، فهو يحتاج أن يكون فيه إنصاف. فطالما تمت خدمة الواقفين في الطابور حسب الدور الذي يقفون فيه، فإن الغضب من الاصطفاف يمكن تجنبه.

هذه هي الفكرة من الطوابير المتعرجة خلف حبال أو حواجز مختلفة، فبمجرد وصول الشخص إلى المقدمة، يتوجه إلى الشباك أو الموظف المتوفر لخدمته. هذا ليس أسرع من وجود طوابير على كل شباك بمفرده، لكنها تعني أن الشخص الذي يصل بعدك لا يمكن أن يتلقى الخدمة قبلك.

ويقول علماء الاجتماع إن الإنصاف في معاملة الواقفين في الطابور هو إحدى عوامل ثلاثة ينبغي مراعاتها ليشعر الواقفون في الطابور بالرضا قليلاً: فنحن نكره أن نشعر بالملل، وأن نجد فترة الانتظار أطول مما كنا نتوقع، وأن يقفز شخص أمامنا متجاوزاً دوره في الطابور.

ويمكن معالجة الملل بطرق بسيطة. فالشكاوى من تأخر المصاعد في المباني المرتفعة في نيويورك في أواسط القرن العشرين، دفعت إلى تركيب مرايا في منطقة الانتظار، وأصبح الناس يستعملونها للتأكد من مظهرهم الشخصي، وتسريح شعرهم، أو التحديق في المرآة لمعرفة الأشخاص الواقفين خلفهم.

وهكذا تلاشت الشكاوى. إذا استطعت أن تشغل نفسك، ستصبح فترة انتظارك أقصر.

اللحظات الأخيرة من الوقوف في الطابور أيضاً مهمة جداً. فقد توصل بحث أجراه عالم الاجتماع زيف كارمون إلى أنه إذا انتهى انتظارك في الصف بملاحظة سعيدة – إذا أصبح الطابور أكثر سرعة في النهاية مثلا- فسنعتبر ذلك أمراً إيجابياً، حتى لو كنا في حالة يرثى لها في معظم وقت الانتظار، أو كنا نلعن في صمت الشخص الذي يقف في المقدمة.

يقول لارسون: “في عيادة الطبيب، يدخل بعض الناس ويخرجون بسرعة، بينما يحتاج آخرون إلى تشخيص معقد. لذا، فإن ما يمكن أن يستغرق 15 دقيقة، يستغرق بدلاً من ذلك ساعة. الشيء المهم الذي يتسبب في وجود الانتظار أصلاً هو عدم معرفة ما سيستغرقه كل زائر على حدة للحصول على الخدمة التي يريدها”.

في أواخر سبتمبر/أيلول، في لندن، امتد طابور طويل أمام متجر شركة أبل الواقع في “ريجنت ستريت”، وذلك عند إطلاق الشركة لجهاز هاتفها النقال الجديد “آيفون 6 إس”.

لم يكن المصطفون في طابور الانتظار هذا من البريطانيين على وجه الخصوص، بل من كل أنحاء العالم. وكان يبدو الرضا على بعض المنتظمين بصبر في ذلك الطابور. هذه الظاهرة التي يمكن أن نسميها الطابور الطوعي، الذي أفرزته الحياة المعاصرة.

يقول لارسون: “صفوف الانتظار الروتينية تضايقنا، ولكن فكرة الصف الاختياري على العكس من ذلك. أن تقف في صف الانتظار أمام متجر أبل أو لتشتري تذكرة لحضور حفل، هو مسألة احتفالية يمكنك التباهي بها. هذه ليست صفوف انتظار سلبية”.

من الجوانب الغريبة للانتظام في صفوف الانتظار أن الصف الطويل ينفرنا، بينما الصف القصير يشجعنا على أن نلتحق به.

ويمضي لارسون قائلاً: “إذا كان هناك صف انتظار طويل، فإنك تتردد في الالتحاق به. لكن الأمر مختلف بالنسبة لبعض صفوف الانتظار عندما يكون هناك نقص في مادة أو شيء يحتاجه الناس، مثل أزمة عدم توفر أموال في البنوك في اليونان، كلما كان صف الانتظار طويلاً، كلما كان جذاباً للالتحاق به”.

ويرى موران أن صف الانتظار هو تعبير جسدي عن شيء يعتبره الآخرون قيماً ووسيلة لتقاسم المورد.

ويقول: “في الحرب العالمية الثانية عندما كان الناس يقفون في طوابير للحصول على الوقود أو الطعام، كانوا ينضمون إلى صفوف الانتظار دون أن يعرفوا سبب وقوفهم في هذه الصفوف. فقد كانوا يفترضون أنه طالما أن هناك صف انتظار فهذا يعني أن هناك شيئاً قيماً ينتظر الناس في الصف للحصول عليه.”

ويضيف مورون: “إنه تعبير جسدي عن سيكولوجية جماعية. فهناك غريزة القطيع، ويشعر الإنسان أحياناً أنه سيفقد شيئاً ما لم يكن جزءاً من هذا القطيع”.

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*