الوهابية و جريمة “الوأد” الجماعي للبنات

292
m-01-09-2015-022
الطفلة لمى

نبيل لطيف

مازالت حالة الغضب هي السائدة في اوساط النشطاء السعوديين هذه الأيام ، بعد تبرئة القضاء السعودي للشيخ الوهابي فيحان الغامدي، الذي عذب وقتل طفلته “لمى” ذات الخمسة أعوام، وفقا لما ذكره موكل القاتل المحامي منصور الخنيزان.

وقال المحامي أن موكله تمت تبرئته من تهمة “القتل الخطأ”، وتمت محاكمته بتهمة “الإسراف في التأديب” فقط ، والذي أدى إلى وفاة الطفلة، وأضاف “هي قضية تدخل ضمن قضايا العنف الأسري، وصدر عليه الحكم تعزيرًا، وتم التصديق على الحكم من محكمة الاستئناف بعد تخفيض العقوبة، بما يتناسب والفعل الذي تم اتهامه به”.

مأساة الطفلة لمى تعود إلى منتصف عام 2012 عندما اُدخلت إلى المستشفى وهي تعاني من نزيف حاد تحت غشاء الدماغ، مع كدمة في الدماغ، ونزيف تحت العنكبوتية؛ نتيجة لتعرضها لكسر في الجمجمة، وكسر في الفقرة الرابعة من الفقرات القطنية في منطقة الظهر، وكسر في الساعد الأيسر، وحروق وكدمات متفرقة بجميع أنحاء الجسم بسبب تعرضها للكي، وتبين أنها تعرضت لهذا التعذيب على يد والدها وزوجته التي تزوجها بعد أن طلق والدة لمى.

الملفت أن محامي القاتل، حذر كل وسائل الإعلام، التي سبق لها أن تناولت موضوع قضية موكله من عدم الخوض فيها مرة أخرى حتى لا تقع تحت طائلة المسؤولية القانونية، وأضاف “أنا بصدد إقامة دعاوى قضائية ضد جميع وسائل الإعلام، التي خاضت في القضية، وتعرضت لشخص موكلي بالتشويه، والنيل من سمعته، وكذلك أي وسيلة إعلامية ستقوم بالتعرض لهذه القضية”.

الحكم الذي أصدرته محكمة في مدينة حوطة بني تميم (300 كيلو جنوب الرياض) أثار غضباً واسعاً بين نشطاء سعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وعبّر المغردون عن غضبهم حول هذه القضية، حيث اعتبروا الحكم تشويها للعدالة والإنسانية، وأن المجتمع السعودي يعيش ضمن منظومة تجره نحو السقوط الأخلاقي ، متسائلين عن جدوى المسوغ الآن لأي امرأة أو فتاة أو طفل التبليغ عن حوادث وحالات العنف الأسري، مادام قتلهم يعد ضمن مجرد الإسراف في التأديب؟ ، وهل من الآن يعد الضرب والشتم والإهانة والحرق والحرمان من التعليم ضمن “التأديب العادي” من دون إسراف لأنه لم يسبب القتل؟ بل إن البعض اعتبر الحكم عودة لـ”وأد” الجاهلية.

والمعروف أن الشيخ الوهابي فيحان الغامدي له سجل إجرامي ومتورط في قضايا أخلاقية، وكان مدمناً على المخدرات قبل أن يعلن “توبته” ويتحول إلى نجم في مجال ما يسمى “الدعوة إلى الله” وداعية وهابي في الفضائيات السعودية.

إن ما ذهب اليه النشطاء السعوديون، هو عين الحقيقة عندما اعتبروا الحكم الصادر عن المحاكم الوهابية في قضية الطفلة لمى، هو عودة لممارسة الـ”وأد” الجاهلية للبنات ، ولكن ما تفعله الوهابية اليوم هو أبشع بكثير من قبح الجاهلية، فإذا كانت الجاهلية تبرر أفعالها الهمجية بدفنها البنات أحياء ، بالخوف من “العار” و “الفقر”، فالوهابية اليوم بزت الجاهلية بأفعالها وسلوكياتها المرضية، فالوهابية تقوم بتعذيب البنات قبل قتلهن، وهي افعال شنيعة لم يقدم عليها حتى عتاة الجاهلية في أكثر العصور ظلاما.

صحيح أيضا أن ما ذهب إليه النشطاء السعوديون من أن الحكم الصادر في قضية الطفلة لمى هو شرعنة حديثة لجريمة “وأد” البنات وعودة أخرى إلى الجاهلية القديمة ، ولكن هذا الحكم لا يجب حصره في قضية “الوأد” الخاصة بجريمة تعذيب وقتل الطفلة لمى وحالات اخرى مماثلة، فالوهابية تمارس عملية “وأد” ممنهجة للنساء السعوديات بشكل عام ، فاذا كانت جريمة “واد” البنات في الجاهلية محصورة بالبنات اللاتي تم “وأدهن” بعد أن أهالوا عليهن التراب، من قبل آباء مجرمين قساة القلوب، فالوهابية اليوم تهيل تراب الحرمان والظلم والجهل والغباء والتعصب والتمييز والقسوة والعنف ضد النساء في المجتمع السعودي ، ويتم حرمانهن من أبسط الحقوق الانسانية، وأدناها حمل بطاقات هوية خاصة بهن أو قيادة سيارة ، فأي “وأد” اقسى من هذا “الوأد” الجماعي الذي يمارس ضد المرأة السعودية من قبل اناس لا يقلون شذوذا وجهلا وتعصبا من السفاح السادي المهووس فيحان الغامدي.

لسنا في دفاع عن الإسلام ، وليس الإسلام بحاجة لدفاعنا ، ولكننا نقول وبكل ثقة : ليس هناك دين سماوي أو مذهب وضعي رفع من شأن المرأة وجعلها صنو الرجل ، بل جعل الجنة تحت أقدامها ، كما فعل الإسلام ، فعندما كانت الشعوب الأخرى ومن بينها الشعوب الأوروبية ، تبحث عن طبيعة المرأة وهل هي إنسان أم شيطان؟ ، وهل يمكن اعتبار المرأة إنسانا كالرجل ، او لا ؟ وكانت الشعوب تتفنن في مصير المرأة التي يموت زوجها ، فهناك من كان يدفنها حية معه ، وهناك من كان يرثها مثل باقي ما ترك زوجها من أموال وأملاك ، ومنهم من كان يبيعها كما تباع الأشياء ، كان الله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه الكريم في محكم كتابه قائلا:

-“وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.

-“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”.

-“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.

-“وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ”.

-“لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا”.

-“مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.

الخطاب القرآني ، لا يميز بين الرجل والمرأة ، إلا في بعض الحالات النادرة ، وهي حالات تندرج في دائرة العدل ، وليس في دائرة التمييز، وهي حالات محصورة في النفقة والقيمومة الأسرية ، وإلا فإن القرآن الكريم ينظر للرجل والمرأة نظرة واحدة حتى في الثواب والعقاب:

-“فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ”.

-“الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَة”.

-“وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا”.

-“إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”.

-“مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.

هذا بعض ما جاء عن منزلة المرأة في القران الكريم ، وكما نرى فهي تُخاطب كما الرجل دون تمييز ، فله ما لها وعليه ما عليها ، والآن نستمع إلى ما قاله نبي الرحمة (ص)في هذا الشأن:

-“ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه، أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة”.

-“مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أَوْ أُخْتَانِ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ، وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّة”.

-“وما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالبا”.

1-“من اتخذ زوجة فليكرمها”.

-“خيركم خيركم لنسائكم وبناتكم”.

-“جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله مَن أبرُّ ؟-“قال : أُمك ، قال : ثم مَنْ ؟ قال : اُمك ، قال : ثم مَن ؟ قال : اُمك ، قال : ثم مَنْ ؟ قال : أباك “.

‏هذا غيض من فيض ما أوصى به الإسلام المسلمين بالمرأة ، أُما كانت او بنتا او اختا او زوجة ، ترى أين تطبيقات هذه المعاني السامية في المجتمع السعودي المنكوب بالوهابية؟ فلا اثر في هذا المجتمع لتطبيقات هذه المعاني ، وكل ما هنالك ، هي جاهلية أكثر بشاعة وقبحا من الجاهلية الأولى، أحيتها الوهابية بكل ظلاميتها في المجتمع السعودي، فاليوم ملايين الموؤدات في هذا المجتمع ، يسألن بأي ذنب قتلن ، على يد حفنة من أدعياء الإسلام والإسلام منهم براء.

الوهابية و جريمة "الوأد" الجماعي للبنات
الوهابية و جريمة “الوأد” الجماعي للبنات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*