الثامن من شوال ذكرى هدم البقيع بأيدي الوهابيين..

391

 

القيع
البقيع قبل التهديم

على مر العصور، كان البقيع مُعظماً لدى المؤمنين المخلصين، وكان هذا التعظيم منهم يمثل احتراما وتكريما وتقديسا لمن صنعوا تاريخ ومجد الإسلام حيث دفنوا في هذه البقعة فأصبحت مقبرة مقدسة، تهفو إليها قلوب الناس يشتاقون الى إبقاء أولياء الله يطالبون حاجاتهم من الباري تحت قبابهم ولم يكن منهم ذلك بدعا أدخلوها في الدين الحنيف بل كانت سنة محببة تأسوا بها بأولياء أمورهم.

نبذة مختصرة من تاريخ البقيع.

تشير المصادر التاريخية إن أول من دفن في تلك البقعة الطاهرة، وكانت بستانا يحوي أشجارا من العوسج – هو الصحابي الجليل عثمان بن مظعون حيث شارك الرسول (ص) بنفسه في ذلك، ثم دفن الى جانبه ابراهيم بن الرسول (ص) ولذلك رغب المسلمون فيها وقطعوا الأشجار ليستخدموا المكان للدفن، وقد كان رسول الله (ص) يستغفر لأهل البقيع ويقول: (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد).

أما أهم المدفونين في البقيع فهم:

1- الإمام حسن بن علي (ع)

2- الإمام علي بن الحسين (ع)

3- الإمام محمد الباقر (ع)

4- الإمام جعفر الصادق (ع)

5- السيدة فاطمة الزهراء (ع)- على رواية.

6- السيدة فاطمة بنت أسد (ع)

الجريمة الأولى

يعتقد الوهابيون ان زيارة وتعظيم قبور الأنبياء وائمة أهل البيت عبادة لأصحاب هذه القبور وشرك بالله يستحق معظمها القتل واهدار الدم وسلب المال والذراري!، وقد خالف الوهابيون بموقفهم هذا جمهور المسلمين الذين كانوا يرون من حق المسلم ان يجتهد ولكن ليس الى حد التكفير واهدار الدم وسبي الذرية.

ولم يتحفظ الوهابيون في تبيان آرائهم، بل شرعوا بتطبيقها على الجمهور الأعظم من المسلمين بقوة الحديد والنار.. فكانت المجازر التي لم تسلم منها بقعة في العالم الاسلامي طالتها أيديهم، من العراق والشام وحتى البحر العربي جنوبا والأحمر والخليج غربا وشرقا.

ولقد انصب الحقد الوهابي في كل مكان سيطروا عليه، على هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي (ع) الذي طهرهم الله من الرجس تطهيرا.. وكانت المدينتان المقدستان (مكة والمدينة) ولكثرة ما بهما من آثار دينية، من اكثر المدن تعرضا لهذه المحنة العصيبة، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد.

فكانت الجريمة التي لا تنسى، فعند قيام الدولة السعودية الأولى قام آل سعود بأول هدم للبقيع وذلك عام 1220 هـ وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد هؤلاء بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين.

ثم عاود الوهابيون هجومهم على المدينة المنورة مرة أخرى في عام 1344 هـ وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة وقاموا بتهديم المشاهد المقدسة للائمة الأطهار (ع) وأهل البيت بعد تعريضها للإهانة والتحقير بفتوى من وعاظهم.

وتشير الوثائق التاريخية الى ان الوهابيين لم يكتفوا بتلك الجرائم بل حاولوا مرارا هدم قبة الرسول (ص) الا انهم غيروا رأيهم بسبب حدوث ردود فعل إسلامية قوية من مختلف البلدان الاسلامية.

على كل حال، اصبح البقيع قاعا حفصا، وأصبح ذلك المزار المهيب مزبلة لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن ان تعرف صاحبه.

الجريمة كما وصفها الغربيون

خير من وصف البقيع في نكبته الأولى الرحالة السويسري لويس بورخارت والذي اعتنق الاسلام وسمى نفسه ابراهيم. يقول هذا الرحالة (تبدو مقبرة البقيع حقيرة جدا لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها. وقد تكون أقذر واتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها، فهي تخلو من اي قبر مشيد تشييدا مناسبا، وتنتشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب. يحد كلا منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها.. ويعزى تخريب المقبرة الى الوهابيين.

ثم يصف هذا الرحالة قبور أئمة أهل البيت وقبر العباس وعمات النبي (ص) بالقول (فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل!

أما جبل أحد فيقول عنه هذا الرحالة بأنه وجد المسجد الذي شيد حول قبر حمزة (رض) وغيره من شهداء أحد مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون.. وعلى مسافة وجد قبور اثني عشر صحابيا من شهداء أحد (وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها).

والملفت للنظر ان محنة البقيع الثانية كانت أعظم وأدهى من محنتها الأولى.

فحينما نفذ الوهابيون جريمتهم الأولى تعرضوا بعد مدة لهزيمة على أيدي العثمانيين فعمد المنتصرون الى بناء القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد ان ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.

ونكتفي هنا بالقول ان أحد الرحالة الإنجليز وصف المدينة بعد تعميرها بأنها تشبه استانبول او أية مدينة أخرى من المدن الجميلة في العالم، وكان هذا في عام 1877 – 1878م اي قبل تعرض المدينة المباركة لمحنتها الثانية على أيدي الوهابيين العتاة.

ثم يفاجئنا وصف آخر يهز قلوبنا ويدميها، وهذه المرة على لسان رحال آخر واسمه (ايلدون رتر)، وجاء هذا الوصف بعد الجريمة الثانية التي نفذها الوهابيون بعد استيلائهم على المدينة وقتلهم الآلاف من الأبرياء، يقول (لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي.. وأصاب القبور الأخرى نفس المصير فسحقت وهشمت.

قتلة حتى النفس الأخير!

انطلق الوهابيون في صفر 1343هـ لاحتلال الحجاز بقيادة سلطان بن بجاد وخالد بن لؤي وارتكبوا مجازر مروعة، ففي الطائف وحدها قتلوا من وجدوه في الشوارع والطرقات واقتحموا البيوت ونهبوها، ولم يرحموا طفلا او امرأة.. وقد وصف أحد الأشراف (عون بن هاشم) المجزرة بقوله (رأيت الدم يجري فيها كالنهر بين النخيل، وبقيت سنتين عندما أرى الماء الجاري أظنه والله أحمر!

ونحن في هذه العجالة نذكر القارئ ان الحديث عن جرائم آل سعود لا ينتهي، واذا رغب الاطلاع على تاريخهم الأسود فليقرأ الكتب المختصة ليكون على بينة من أمره.

مسك الختام

ان اعادة الاحترام والهيبة الى مشاهد أهل البيت (ع) والصحابة الكرام في البقيع مسؤولية تقع على كاهل عموم المسلمين، وقد ورد في كلام رسول الله (ص) لأمير المؤمنين (ع): (ان الله جعل قبرك وقبور ولدك بقاعا من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وان الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده نحن اليكم، وتحتمل المذلة والاذى فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم الى الله ومودة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصصون بشفاعتي، الواردون حوضي وهم زواري غدا في الجنة..).

ال
القيع عقب التهديم على يد الوهابية

ك ح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*