الآثار النفسية للعلاقات غير الشرعية

459
 الانقياد للشهوات والانغماس في الرذيلة يذهب الدين، ويذهب غيرة الرجل بهاؤه وعفته وكرامته

الانقياد للشهوات والانغماس في الرذيلة يذهب الدين، ويذهب غيرة الرجل بهاؤه وعفته وكرامته

الحكمة – (خاص) :

أ.م.د. نجم عبدالله الموسوي / كلية التربية جامعة ميسان

  خلق الله تعالى الإنسان على سطح هذه الأرض، وأراد (جلت قدرته) أن ينظم حياة هذا الإنسان كفرد يعيش لذاته وكفرد يعيش داخل مجتمع معين، وشاءت قدرة الباري أن يتكون الإنسان من مجموعة من الحاجات والغرائز الفطرية التي أوجدها الله فيه لضمان بقائه على قيد الحياة ( مثل الهواء، الماء، الطعام، النوم، التوازن، الإخراج ) والتي تسمى الحاجات الفسيولوجية من جهة، وهناك حاجة فطرية تضمن استمرار بقاء الجنس البشري والتكاثر وهي الحاجة إلى الجنس والتي هي بلا شك من الحاجات الأساسية في حياة الإنسان، وهذه الحاجة تبدأ بعد انتقال الإنسان من مرحلة الطفولة (Childhood ) إلى مرحلة المراهقة (Adolescence) أو ما تسمى بمرحلة النضج الجنسي(Sexual maturity)  .

   ومن الواضح أن الله تعالى حينما أعطى للإنسان هذه الغريزة لم يتركها في حالة عشوائية وفوضوية أو اعتباطية بل شرع لها القوانين الإلهية التي تعمل كمنظم عمل يجب أن تسير عليه هذه الغريزة التي تتميز بقوتها واندفاعها .

   ولا يخفى على اللبيب أن الإسلام الذي جاء به نبينا محمد (ص) لم يكن نظامًا تعبديًّا فقط ، بل كان نظامًا شاملًا لكل مناحي الحياة المختلفة التي يعيشها الفرد، ومن المقبول أن نقول أن كل الديانات الأخرى أعطت أهمية لتشريع التناسل والتكاثر وبناء الأسرة، لكن ليس بالمستوى الذي انفرد به الإسلام عن بقية الديانات الأخرى، فقد التفت المشرع لأهمية الغريزة الجنسية في حياة الإنسان وتشدد في التعامل معها وأنذر كل من يبتغي وراء التشريع المبارك الذي خطته السماء، قال تعالى : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا )(الفرقان: 68)، ومن جانب آخر أعطت السماء التسهيلات الملائمة لبناء الأسرة وتهذيب هذه الغريزة وَفقَ الضوابط الإلهية قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(الروم: 21) .

   ومن مقررات السماء أن يسعى الفرد المسلم إلى الاقتران  بالجنس الآخر وَفق العلاقات الشرعية، وبذلك يسلك الطريق الطيب الذي يهنئه العيش في حياته فضلًا عن اكتسابه الأجر والثواب بعد مماته، ولمن يريد متابعة هذا الطريق الطيب يجد أن نبي الرحمة محمد (ص) يشير في العديد من الأحاديث المباركة إلى ماهية الأجر والثواب الذي يحصل عليه المسلم نتيجة لممارسة علاقاته الشرعية مع أهله، فما أروع هذه الصورة التي تعطي للإنسان الأجر والثواب في ممارسة غرائزه وملذاته .

   ونحن في عصر الانفتاح الفكري والثقافي، فلابد للإسلام من أن يقول كلمته في هذه الموضوعات، لا أن يترك الساحة ملعبًا للأفكار المستوردة والرخيصة لتغزو أفكار أبنائنا وبناتنا (*) ولا سيما أن في الإسلام الكم الهائل والنوع المفيد من المعطيات الحقيقية النافعة في هذا الجانب .

   ولقد حذرت العديد من الآيات المباركة الناس من الانسياق وراء الشيطان الخبيث الرجيم وإغوائه وإغراءاته، وخصوصًا لمن له سلطان عليهم، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ )(النور: 21)، ونتيجة لخطوات الشيطان ظهر ما يسمى بالعلاقات غير الشرعية، والتي يمكن تعريفها بأنها:(العلاقات التي تقوم بين الرجل والمرأة من دون ضابط أو غطاء شرعي يجمعهما) ، ومن يتكئ على هذه العلاقات فإنه يعرِّض نفسه للرذيلة التي تنتج عنها مجموعة من الآثار النفسية والتي منها :

  1. عدم شعور صاحب علاقات كهذه بالطمأنينة والراحة والاستقرار، لأن الله سبحانه وتعالى صرح في كتابه العزيز أن الهدف الأسمى من العلاقات الزوجية الشرعية هي خلق المودة والرحمة والمحبة بين الزوجين .

  2. الابتعاد عن الواقعية والعيش في الخيال والانسياق وراء الأوهام والخيالات الكاذبة التي تسول للفرد الوغول أكثر فأكثر في أعماق وأحضان الفاحشة التي تعمي بصيرته .

  3. الشعور بالقلق والتوتر والضيق والانزعاج لأن الفرد يؤنبه ضميره باستمرار ويوبخه فهو يصارع بين شهواته وغرائزه من جهة وبين ضميره ( الأنا العليا ) الذي ينهاه عن المنكر .

  4. العيش الدائم بالاضطراب وضيق الحال والطمع بما لدى الآخرين والشره في أعراض الناس وزيادة الصراعات النفسية لدى الفرد بما يجعله يعيش بضيق وضنك، قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )(طه : 124).

  5. إن من فيوضات بناء الأسرة الصالحة خلق الصحة النفسية لدى الإنسان والتي تعد أساس نجاح الإنسان في حياته، وعدم الركون إلى الأسرة والعيش تحت ظل العلاقات غير الشرعية يؤديان إلى زيادة حالة عدم التوافق النفسي للفرد مع نفسه أولًا، ومع البيئة الاجتماعية التي يعيش بها ثانيًا، وبالتالي شعوره بالاضطراب النفسي لفقدانه شيئًا مهمًّا في حياته وهو شعوره بالحب والمودة اللذين ينمِّيان الجانب العاطفي لديه .

  6. ذوبان الجانب السيكولوجي(النفسي) في الجانب الجسدي والنظر إلى الجنس الآخر بمنظار الغريزة مبتعدًا عن خلق حالة التوازن النفسي والجسدي لدى الفرد، إذ إنه من المطلوب أن يكون بناء الفرد شاملًا لكل النواحي ( الجسمية والجنسية والعقلية والروحية والعاطفية والنفسية والاجتماعية) وهذا ما تحققه الرابطة الزوجية المقدسة وهيكلية الأسرة .

  7. أكدت العديد من الدراسات التربوية والنفسية أن أصحاب العلاقات غير المشروعة أكثر تعرضًا للكآبة والانعزال والانطواء من غيرهم .

   8.  ضياع  نفس الإنسان عن طريق الانقياد للشهوات والانغماس في الرذيلة فيذهب الدين، وتذهب غيرة الرجل ويذهب بهاؤه        وعفته وكرامته، ويفقد كل مقومات بناء الشخصية القوية في المجتمع.

  1. أن الأسرة الصالحة تجعل الفرد يشعر برأفة القلب واللين والمرونة لأن الأسرة تضفي صفة الأبوة على الرجل وصفة الأمومة على المرأة، وأن من يرتاد الموبقات غير الشرعية تنتابه حالة قسوة القلب وعدم اللين والمرونة وقلة الرأفة بالآخرين، قال تعالى :(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )(البقرة: 74 ) .

  2. الشعور بالذنب وهذا ما يقره كل من يتبع خطوات إبليس اللعين ويقترف الإثم الذي نهى الله عنه فيخاف من عواقب فعله وجريمته ويستشعر الذنب في داخله ويتحسس خطأه بصورة مستمرة، لأنه يعتقد بأنه ارتكب شيئًا خطأ من وجهة نظر الشرع والقانون والعرف ويشعر بالخوف الشديد من شياع ذنبه وعمله، وقد أشار المختصون في علم النفس إلى أن كثرة الشعور بالذنب تؤدي إلى أمراض نفسية مستعصية يصعب حلها أو تحل بجهد كبير ووقت طويل .

  3. غياب السكينة وازدياد حدة الانفعالات وكثرة الهموم والمخاوف والانزعاج وتنامي الحيرة والتردد وعدم راحة البال وغياب الشخصية المتزنة .

  4. فقدان حالة الاندماج الروحي والحميمية والتفاعل على عكس العلاقات الشرعية التي تأتي بالانسجام والهدوء النفسي والاندماج مع الشريك والشعور بالرضا عن النفس وبناء جسور الثقة والترابط .

   أخيرًا لا بد أن نذكر أن للعلاقات غير الشرعية آثارًا نفسية وصحية واجتماعية تنتاب الشخص وتجعله يعيش النتيجة الحتمية للذنب الذي اقترفه، فالمرض النفسي والجسدي والاجتماعي هو الناتج الحتمي لمثل هذه الأمور غير المقبولة، قال تعالى : ( في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)(البقرة:10) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر :

* آداب ليلة الزفاف/السيد محمود الغريفي/ص10 .

(مجلة ينابيع / العدد 63)

 ض ح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*