“يوم زكريا”.. طقوس تتوارثها الأجيال.. صينيّة شموع وآس وزرده وأمنيات “المُراد”

3٬690

3-6-2014-1-d

نداء العامري ..
الغد برس/ بغداد: ما أن يحل شهر شعبان المبارك حتى تبدأ نساء العراق بالتحضيرات ل”يوم زكريا” الذي يصادف في أول يوم أحد من شعبان، يوم زكريا يتضمن الكثير من الطقوس الجميلة ويعتقد الكثيرون أن المناسبة ترتبط بحادثة جرت للنبي زكريا (عليه السلام) عندما طلب من الله عز وجل أن يكون له ابن وريث له بعد أن وصل به العمر إلى الـ92 عاماً، وقد استجاب الله لنداء النبي زكريا ورزقه بولده النبي يحيى (عليهما السلام).
لقد أثرت هذه المعجزة في قلوب الناس كثيرًا وعلى مر السنين، إذ تستعد النساء لذلك بصيام “يوم زكريا” المبارك وتحضير الصواني التي تُملأ بالشموع المزينة بأغصان الياس الأخضر والحلويات والمكسرات ,بالإضافة إلى إعداد صحون “الزرده” التي يتم تزيينها بمختلف الأشكال والأسماء ومنها اسم زكريا وكذلك تحضير الأكلات الشعبية العراقية للفطور.

3-6-2014-2-d
وجاء في الموروث الشعبي أن صيام هذا اليوم والتبارك به، يُعطي أملا لـ”العاقر” في الإنجاب، إذ تطلب الكثيرات الذرية بهذه المناسبة التي تصوم النساء في يومها لوجه الله تعالى. ولا يقتصر “يوم زكريا” في الميثولوجيا الدينية الشعبية، فقط لمن تطلب الذرية، إنما تصوم بعض النساء، ثم تتبارك بشمعة من شموع “صواني يوم زكريا” لتطلب المراد والحاجة وما إن تتحقق حتى توفي المرأة نذرها بإعداد صينية الشموع والآس في العام المقبل.

ومتابعة لهذا الموضوع وعن كيفية استقبال العراقيين ليوم زكريا وطقوس تحضيراتهم للمناسبة.
قالت أم علي إن “كثيرًا من العراقيين يحتفلون بيوم زكريا لأنه يوم مبارك وفيه استجاب الله سبحانه وتعالى لنداء يحيى، فورثنا هذه التقاليد من أجدادنا، ولا زلت اذكر كيف كانت والدتي ووالدي يصومان هذا اليوم وخلال النهار يعدّون الكثير من الأمور الخاصة به، ومنها تحضير صينية وتسميتها باسم النبي زكريا (عليه السلام) لطلب الحاجة والمراد”.
وتضيف “كنا نجلس بالقرب من أمي ونقوم معها بإشعال شموع ووضعها بتلك الصينية مزينة بالآس ومختلف الحلويات والمكسرات . كانت تلك الطقوس تضيف البهجة والسعادة والحب، لأنها كانت تعطينا اليقين بأن الله يمنح عباده كل شيء بالدعاء، وبعد أن تزوجتُ وأصبحتُ أمًّا والى يومي هذا مازلت كل عام اعد صينية خاصة ليوم زكريا وكذلك اعد مختلف الأكلات للفطور لنطلب من الله أن يمنحنا الصحة والعافية ويسهل أمورنا ويرزقنا ما نريد ونتمنى فالدعاء بهذا اليوم مستجاب ومبارك. وأضافت: يمر يوم زكريا علينا فريداً بطقوسه الرائعة”.
وعن المراد والحاجة والإيفاء بالنذر قالت زينب أحمد “تزوجت منذ أكثر من ثلاث سنين ولم أرزق بطفل، راجعنا الكثير من الأطباء وتناولت الكثير من العلاج والأدوية أنا وزوجي ولكن دون جدوى, فجاء يوم زكريا ونحن بالمعتاد لم نقم بأي طقوس بهذا اليوم ، ولكن إحدى جاراتنا تقوم في كل سنة بإعداد مختلف التحضيرات ليوم زكريا وتوزيع الزرده بين جميع الجيران قبل صلاة المغرب اي قبل الفطور تبركاً”.
وتوضح “في العام الماضي عندما وزعت الزرده تناولت شيئاً منها وطلبت مرادي وقلت إذا رزقنا بالذرية سأقوم بإعداد صينية زكريا بيدي وشدني هذا الأمر كثيرًا فطلبت من أختي الصغيرة أن تذهب لجارتنا وتجلب من تلك الصينية المباركة التي تعدها كل عام شمعة، وأخذتها وحفظتها بنية الرزق بالذرية والحمد لله بعد ذلك أصبحت حاملاً ، وصادف يوم زكريا آخر، وقبل ولادتي قمت بالتحضير لتلك المناسبة”.
وتستدرك زينب القول “قمنا بإعداد صينية عامرة بالحلوى والزرده والخضار والفواكه وتحضير الأكلات البغدادية الشهيرة، مثل الدولمة و الكليجة، وهذه الصينية زينتها بشموع صغيرة وكافور وورد بعد تثبيت قواعدها على الطين بين أغصان الآس والبرتقال”, مضيفة “ليس فقط العاقر أو من تريد الذرية فالكثير أخذن يتباركن ويصمن بهذا اليوم بنية الحاجة وطلب ما يرجون من الله تحقيقه , ولأن هناك الكثير من القصص التي أخبرتنا أن من طلب مرادًا أو حاجة في هذا اليوم وصامه لوجه الله تعالى أعطى الله له ما يتمنى ويريد”.

3-6-2014-3-d
وهنا تنشط القوة الشرائية في بعض المحال ويكون هناك إقبال واسع على المحال الغذائية إذ يقول أبو أحمد، صاحب محل عطارة ومنتجات غذائية إن “الأسواق وقبل حلول ليلة زكريا تشهد إقبال الكثير من النساء لشراء ما يلزمهن من مواد وحاجات خاصة لإحياء هذا اليوم والقيام بتحضيرات مختلفة تلازمهن من إعداد صينية وأكلات عراقية مختلفة وشراء الشموع والجكليت بمختلف أنواعه والزبيب والحلويات المختلفة والمكسرات وإعداد الزرده بذلك اليوم، وشراء مختلف البهارات والألوان الغذائية لإعداد المائدة الغذائية الخاصة بذلك اليوم ونظراً لأهمية وتميز هذا اليوم وأثره في النساء بصورة خاصة والعوائل العراقية نرى إقبالا واسعاً على الأسواق والمحال الغذائية المختلفة”.
وعن التبرك بقراءة آيات من القرآن الكريم قالت أم سجاد “بالإضافة إلى مختلف الطقوس التي نقوم بتحضيرها في زكريا فإننا نتبارك كذلك بقراءة سور مختلفة من القرآن الكريم كقراءة سورة مريم قبل أذان المغرب وغيرها من السور المستحب قراءتها في ذلك اليوم, وبعض النساء تقوم بالصيام عن الكلام كما فعل نبي الله زكريا (عليه السلام) ولكن هناك نساء مرتبطات بعمل ولا يستطعن ذلك، فيكتفين بالصوم كالصيام في رمضان وقراءة القرآن وإعداد الصينية والأكلات الخاصة بذلك اليوم، وما إن يكملن إفطارهن حتى تأخذ إحداهنّ قطعة من الصينية وتطلب مرادها ونذرها وغالبا ما يتعلق بالإنجاب”.
وتضيف “حينما يتحقق النذر أو المراد في السنة المقبلة تقوم بالمداومه على هذا العمل في كل سنة, كما تقوم المرأة التي تنوي تحقيق نذرها بأخذ شمعة من صينية جارتها وتغرز إبرة خياطة في الشمعة المشتعلة وتطلب نذرها، وإذا تحقق نذرها ، تقوم بإعداد صينية في العام المقبل مع صيامها يوم زكريا”.
وفي طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم الموروثة يقوم بعض العراقيين في هذه المناسبة بإيقاد الشموع في يوم زكريا وقبل أن تنطفئ تلك الشموع يتمنون على الله سبحانه وتعالى أن يستجيب لندائهم كما استجاب لنداء نبيه زكريا (عليه السلام) حيث تمنوا أن يعم الأمن والسلام ربوع العراق الحبيب من الشمال إلى الجنوب، وأن يوحدهم ويوحد كلمتهم وأن يبعد عنهم كل من يريد بهم وبموطنهم السوءأ وأن ينعم كل مواطن بخيرات بلده، وأن لا يقع تحت يد الطامعين والمستغلين.

3-6-2014-4-d
يذكر أن “يوم زكريا” الذي يصادف في “أول يوم أحد” من شهر شعبان المبارك يتضمن الكثير من الطقوس الجميلة التي يترجى من خلالها العراقيون استجابة الله سبحانه وتعالى لأمنياتهم، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (وزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)، وجاء كذلك في مصداق قوله تعالى (إنّا نبشّركَ بغلام اسمُه يَحيى).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*