الرؤية الجهادية للفصائل السنية

257

imagesCA4TJQL7هشام الهاشمي *

1 ـ لقد كانت الرؤية الجهادية (دفع العدو الأمريكي الصائل وطرده من العراق)، التي انبنت عليها الفصائل المسلحة السنية، رؤية بسيطة، ينقصها الترتيب والتنسيق، فهي حاصل فتوى شرعية جرى العمل بها قديما، والتسليم لها، من دون نقاش او إنشاء رأي مقابل. لكن، مع تقدم الزمن، وتأخر النصر، وتنوع ثقافة قيادات الفصائل المسلحة السنية (السلفية، الأخوانية، الصوفية)، باتت تفكر بأبعد من تلك الرؤية الأحادية.

2 ـ بداية من عام ٢٠٠٤، أسّس أمراءُ الفصائل علاقات جديدة واستراتيجية مع دول، ومؤسسات، ومنظمات، حكومية وغير حكومية، تهتم بشأن العراقي. وكانت الغاية من تلك العلاقات الانتفاع من أموال أصحاب النفوذ، والتسهيلات المخابراتية في السفر، وحرية التنقل بوثائق غير قانونية، جعلت الفصائل تعيش ازدواجية أخلاقية في سياساتها، فتتبنى الجهاد في العراق، وتتحالف مع من يعاديه في الخارج، بل يعده إرهابا، حتى صار البعض منهم يقول: “إن مخابرات دول الجوار العراقي قتلت روح الجهاد”.

3 ـ وهكذا، أصبح أمراء الفصائل أتباعاً لأوامر وأجندات التطورات المخابراتية الإقليمية. ظهر هذا واضحاً نهاية عام ٢٠٠٦، في مؤتمر اسطنبول (نصرة الشعب العراقي)، فعاش أمراءُ الفصائل فترة تناقض بين حاجتهم المالية، والثوابت العقائدية والتعبدية، والمأزق الأخلاقي، لتكون ثمرة كل ذلك ضرورة إعادة النظر في العلاقة مع تنظيمات (القاعدة) وأخواتها وإعلان تأسيس الصحوات نهاية عام ٢٠٠٦، التي كانت اليد العليا في تأسيسها للمخابرات الأمريكية والأردنية والقطرية وتجار عراقيين في الأردن، أبرزهم قاسم زغير الراوي، فكانت صحوات لـ (الجيش الإسلامي في العراق)، وصحوات لـ (حماس العراق)، وصحوات لـ (كتائب ثورة العشرين)، وصحوات لـ (أنصار السنة ـ الهيئة الشرعية)، وفتحت الفصائل صفحة جديدة أكثر علنية في التبعية المخابراتية.

4 ـ ولن يفي الاتفاق الجديد بحاجات الفصائل المسلحة في العراق، فكان لا بد أن تتحول إلى المشاركة السياسية، وبصورة خجلة، فأسست تلك الفصائلُ (المجلسَ السياسي للمقاومة العراقية) عام ٢٠٠٧، وبدأت تتكلم بصوت عالٍ عن رؤية جديدة تناقش فيها الواقع السياسي الحالي في العراق، ولا سيما مصير العرب السنة في العراق. وتضمن ذلك رؤية جذرية للتغيير، تحرص على الطابع الإسلامي للعراق، وتطالب بإعادة النظر في الدستور العراقي الجديد.

5 ـ ولكن أمراء هذه الفصائل أهملوا أن العمل السياسي في العراق الجديد يعتمد على صندوق الانتخابات، وعلى صوت الناخب، وليس صوت البنادق والأسلحة، فكان فشلهم في انتخابات مجالس المحافظات عام 2009، ثم فشلهم في الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١٠، ثم فشلهم في انتخابات مجالس المحافظات عام ٢٠١٣.

6 ـ لجأ بعض قيادات الفصائل إلى أن يفتح الباب أمام عامة المقاتلين للمشاركة في المجتمع السلمي العراقي والعودة الى الحياة المدنية وحل تلك التنظيمات، وأن كل عنصر من عناصر تلك الفصائل هو فقيه نفسه، وله حرية الاختيار، بدلا من حصر الاختيار في الأمراء والعلماء، وأن ينفتح أكثر على ثقافة العصر السياسية والاجتماعية، بشكل يخلصه من تلك العهود والمواثيق والبيعات مع أمراء تلك الفصائل المسلحة، مع المحافظة على روح القيم ونفَسها الإسلامي الأصلي، فالعمل السياسي السلمي متاح، والعنف المسلح ينافي ثقافة الناخب العراقي، التي تأسست على فكرتي (حرية الاختيار) و(الخوف من الطائفية).

7 ـ ومما يزيد من عمق الإشكال أن الثقافة السياسية لمقاتلي تلك الفصائل السنية عموما، ومقاتلي الفصائل السلفية خصوصا، لم تتطور بعدُ بالشكل المطلوب، قياسا بثقافتهم الدينية الجهادية والشرعية، فهم طاقة من الإيمان الجهادي الراسخ والحماس الحزين، يحتاج إلى توجيه تلك الطاقة السائبة، ولا بد من تصويبها عبر القنوات التأهيلية الملائمة للأهداف المطلوبة. هذا هو التحدي الأكبر أمام المجمع الفقهي العراقي والوقف السني ومراكز الدراسات الاستراتيجية.

8 ـ الفصائل المسلحة السنية في العراق، حسبما ظهر لي، تنتمي إلى ثلاثة اتجاهات إصلاحية، لكل منها رؤيته لمنهج الإصلاح والتغيير السياسي:

• اتجاه الإصلاح من خلال المؤسسات الدينية الحكومية، وليس له سبيل الا استعمال إمكانيات الوقف السني، بما يعنيه ذلك من عرض أفكاره الإصلاحية من خلال نوافذ الوقف الخطابية والكتابية والاستشارية. ونقطة الضعف في هذا الاتجاه تتمثل في أنه من دخل في نية الإصلاح انشغل بواقع الكسب والرزق وطلب المناصب، وانحرف كثير منهم عن رؤيته الحقيقية إلى التشبث بكماليات ومتطلبات الحياة، وأصبح وقته لا يتسع لمقتضيات الدعوة والإرشاد الإصلاحية،

• اتجاه الإصلاح بالتحالف مع الأحزاب السياسية ذات الصبغة الإسلامية. وهذا الاتجاه له حضور في السياسة والإعلام، بتشجيع من بعض التجار السنة المترفين، أمثال الشيخ خميس الخنجر، وناجح الميزان، وقاسم الراوي، وجبار الكبيسي، وطارق الحلبوسي، ودفعٍ من بعض المخابرات الإقليمية. لكن، لا جماهير لهؤلاء في المجتمع العربي السني المدني السلمي الذي ينتخب، فصوت هذا الاتجاه أكبر من حجمه الفعلي،

• اتجاه المقاومة (الجهاد هو الحل) والمواجهة، وهذا الاتجاه هو امتداد لمنظري وأمراء الجهاد الذين أسسوا، بل تأسست عليهم، تلك الفصائل والتنظيمات. لكن أغلب هؤلاء خارج العراق، وهم يعيشون مترفين مع عوائلهم، وليس لهم مباشرة مع مقاتلي تنظيماتهم، بل علاقتهم عبر خطابات صوتية وبيانات على الويب سات. وهم، في الغالب، تنقصهم الخبرة السياسية، والحكمة في فهم فقه الواقع. وقد أثبتت التجارب ذلك النقص، فهم يسعرون الحروب ويحرضون على القتال، بل هم دعاة الطائفية، وهو ما يضعف موقفهم الاجتماعي والسياسي.

* مؤرخ وباحث في الشؤون الإسلامية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*