غياب الفئات النقدية الصغيرة يضر باستقرار الاقتصاد المحلي

819

الحكمة – متابعة: في وسط محل بيع الملابس وقف علي كامل بعد ان كان يتجاذب اطراف الحديث مع احدى زبونات المحل ليتجه بعدها الى منضدته الصغيرة التي يضعها في نهاية محله الصغير، وبينما هو منشغل بحديثه وهو يفتح درج المنضدة  ارتسمت على محياه علامات القلق، اذ لم يجد الفئات الصغيرة من العملة المحلية من فئة 250و500و1000دينار فقال وهو ممتعض:

“لقد قاربت الفئات النقدية الصغيرة على النفاذ من محلاتنا فكيف يمكن ان نتعامل مع الزبائن لاسيما اولئك الذين يعطوننا فئات كبيرة مثل 5 و10 الاف و25 الف دينار، حقا انها مشكلة كبيرة”.

الخبير بالشؤون الاقتصادية والاكاديمي الدكتور هلال الطعان بين ان وجود الفئات النقدية الصغيرة يؤدي الى انخفاض الاسعار على عكس الفئات الكبيرة التي تؤدي زيادتها الى التضخم وارتفاع الاسعار خصوصا بوجود فئتي 25 و50 الف دينار، ومن المعروف ان اي اقتصاد تختفي فيه الفئات الصغيرة للعملات النقدية يؤدي الى سيادة الكبيرة وزيادة تداولها في السوق على حساب الصغيرة.

غياب ملحوظ

ليست المحال والاسواق وحدها تعاني من غياب او قلة الفئات النقدية الصغيرة بل الامر ينطبق على المصارف ايضا، وتقول مصرفية فضلت عدم الكشف عن اسمها:

“منذ فترة وجيزة لاحظنا غياب الفئات النقدية من 250و500 دينار اذ لم نعد قادرين على توفيرها واعطائها للمواطنين والموظفين على حد سواء، وان جهزنا بها فهي قليلة جدا بالمقارنة مع الاحتياج الحقيقي لها، ولا احد يعرف ما السبب لاختفائها اذ لم نلاحظ اي طبعة جديدة في الاسواق ولا في المصارف، وهذا يشكل خطرا على اقتصادنا لان هذه الفئات تكون في متناول ايدي الجميع وتداولها سهل بالمقارنة مع تلك الكبيرة الموجودة من امثال الـ 50 الف دينار، لذلك اضطرت المصارف الى قبول العملات التالفة واستلامها من المواطنين”.

مدير عام دائرة الاصلاح والخزن في البنك المركزي وكالة عبد الكريم حسن قال في تصريح سابق لـ”الصباح:

” اصدرنا تعليمات الى المصارف الحكومية والتجارية باستلام الاوراق النقدية التالفة من المواطنين واستبدالها دون اية غرامات وتقديمها لاحقا وبأية كمية والمصارف المخالفة لتلك التعليمات تتم محاسبتها، وفي ما يخص العملة المحترقة او المدفونة بمقدور المواطن تسليمها الى البنك المركزي حصرا ليتم استبدالها فور تقديمها وفق ضوابط معينة”.

غطاء مالي

وبينما هو منشغل بترتيب الملابس داخل محله يعود علي كامل ليتساءل:

“ما السبب الحقيقي لغياب الفئات الصغيرة ففي وقت سابق كنا نلاحظ وجود عملات نقدية حديثة الطبع ويجرى التعامل بها اما اليوم فالمتوفر هو القديم فقط ويكاد يكون تالفا فهل هذا الامر نذير باحتلال الفئات الكبيرة للسوق وكيف يمكن للمواطن البسيط ان يجاري هذا الامر الذي قد يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع والبضائع ؟.

وتشير المصرفية الى ان المتعارف عليه هو طبع العملات النقدية خارج البلد وتوفير غطاء للطباعة وفق رؤية معينة والعراق يوفر هذا الامر من مبيعات النفط وربما قلة او اختفاء الفئات النقدية الصغيرة هو دليل على تعثر عملية الطبع، ومن المعروف ان النظام السابق كان يقوم بعملية الطباعة داخل البلد ويجرى تداولها من قبل المواطنين في العراق حصرا وغير معترف بها خارجه لذلك عند سقوط النظام لم تعد لهذه النقود قيمة تذكر وجرى تسليمها من قبل المواطنين الى الجهات المختصة كي تستفيد منها بصورة او بأخرى، اما عملتنا الحالية فهي معترف بها دوليا ولها قيمة بالمقارنة مع نظيرتها في النظام السابق”.

ولفت مدير عام دائرة الاصلاح والخزن الى ان البنك المركزي  قام بتجهيز مصرفي الرافدين والرشيد بالأوراق النقدية ومن الفئات الصغيرة لدفعها ضمن رواتب الموظفين، كما يقوم البنك بفرز التالف منها وتعويضها بأوراق جديدة،  مبينا ان البنك مستمر بطباعة الأوراق النقدية وتحسينها وخصوصا الفئات الصغيرة وضخها  بدل الأوراق التالفة، مطالبا بالحفاظ على العملة وقبولها مهما كانت حالتها باعتبارها رمزا تمثل سيادة البلد و ابلاغ البنك في حالة رفض المصارف استلام العملة التالفة من المواطنين.

الدينار العراقي

بعد الاحتلال البريطاني للعراق خلال الحرب العالمية الأولى، ادخلت سلطة الاحتلال عملة الروبية الهندية كعملة رسمية بدلاً من الليرة العثمانية، وفي عام 1931 تقرر إنشاء مجلس للعملة العراقية تكون مسؤوليته اصدار عملة عراقية خاصة، حيث صدر القانون المرقم 44 لسنة 1931 الذي نص على اصدار دينار عراقي مساو في قيمتهِ للجنيه الأسترليني، ويقسم إلى 1000 فلس، كما ظهر الاصدار الأول للدينار في عهد الملك فيصل الأول في يوم الأول من نيسان 1932، وكانت الأوراق النقدية من فئة الربع والنصف دينار والدينار الواحد وخمسة وعشرة دنانير ومائة دينار، أما المسكوكات من القطع النقدية فمن فئة الفلس والفلسين و 4 فلوس و 10 فلوس و 20 فلسا و 50 فلسا و 100 فلس أو ريال، وقد استمر مجلس العملة العراقية بإصدار العملات الورقية والمعدنية لحين تأسيس المصرف الوطني العراقي في عام 1947، وفي عام 1954 تأسس البنك المركزي العراقي الذي أصبح مسؤولاً عن إصدار العملة العراقية، وكان الدينار العراقي طوال تلك الفترة مرتبطاً بالجنيهِ الإسترليني حيث كانت قيمته ترتفع وتنخفض حسب تقلبات الاقتصاد البريطاني.

نقود معدنية

اما  الخمسيني جميل حامد فيرى ان العملات المعدنية التي كانت متداولة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي هي شكل حضاري من اشكال الفئات النقدية اذ كانت مختلفة منها بقيمة 5 و10 فلوس وكلها كانت في متناول ايدي المواطن ومن السهولة الحصول عليها.

الباحث بالشؤون الاقتصادية ليث علي بين انه من المعروف ان لشكل العملة والوانها تأثيرا نفسيا كبيرا على المستهلك وهذا ما اثبتته الدراسات العلمية المختلفة اذ يزداد اعتزازه بعملته ورغبته بتقنين الشراء، فضلا عن ضرورة العملة المعدنية التي من الملاحظ انها لم تختف من التداول في بلدان العالم المختلفة، لأنها تعتمد على وجود الاجزاء على سبيل المثال 350 او 450 دينار ونلاحظ ان النقود المعدنية اختفت تماما من التداول في اسواقنا العراقية، وفي وقت سابق كان لها حضور اذ كانت توجد اجهزة معينة في السابق تستعمل هذه العملة ومنها الهواتف الارضية التي كانت موجودة في الاماكن العامة اما اليوم فلقد تم الاستغناء عنها لأسباب متعددة منها التغييرات التي حصلت في اسواق التداول، وكذلك كلفتها لذا تمت الاستعاضة عنها بالورقية التي اصبحت هي سيدة التداول في الوقت الحاضر.

 وينوه الباحث بالشؤون الاقتصادي الى انه في ما يخص انخفاض العملة العراقية مقابل الدولار فهذا قد يشعر المواطن ان عملته الوطنية لا قيمة لها، اما عند ارتفاعها فيحصل اعتزاز كبير بها من قبله، فيبدأ بالحفاظ عليها ومحاولة تقنين الشراء، وفي ما يتعلق بحذف الاصفار من العملة العراقية  فهناك اعتقاد ان هذا الامر له تأثير على الجانب النفسي اذ عندما تختفي من العملة النقدية سوف يشعر المواطن بأهمية عملته وضرورة المحافظة عليها، ويضاف الى ذلك ان الورق الذي تطبع به العملة لابد ان يكون من النوع الفاخر، اذ ان رداءته له اثار نفسية ويدفع المستهلك بالتفكير بضرورة التخلص من هذه العملة، واستبدالها بنوعية اخرى ذات جودة وورق واضح وملون.

إعادة استخدام

الموظفة شهرزاد محمد اكدت ان راتبها لمدة شهرين خلا تماما من الفئات النقدية الصغيرة امثال 250و500 دينار وان وجدت فهي تالفة بشكل كبير واحيانا لا يتسلمها الباعة او حتى سائقي الاجرة الخاصة والعمومية مما شكل مشكلة حقيقية للمواطن.

الطعان وضح ان مواجهة  مشكلة كهذه تتطلب دراسة حالة السوق وايجاد حل اما بتوزيع الفئات النقدية الصغيرة في رواتب الموظفين او طبع عملات صغيرة سهلة التداول، مع الاستفادة من العملات التالفة وتحويلها الى عجين والانتفاع بها لاحقا، وللفئات الصغيرة اهمية كبيرة لكونها سهلة التداول بين المواطنين وتعمل على استقرار الاقتصاد.

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*