الإمام الحسن العسكري (ع) مصلحاً

497

تسعى بعض الأنظمة التي لا تريد التغيير والانفتاح والتجديد، وترغب في البقاء على ذلك الماضي من خلال المديح والتخليد له وترفض كل مظاهر التطور والإصلاح، هذه الحكومات تكون عادة بعيدة عن المنهجية العلمية، والتطور ومبادئ حقوق الأنسان وحرية الرأي والرأي الأخر، رغم زعمها أمام المجتمعات المتمدنة بانها ترتدي لباس العصر والتقدم.

أن مثل هكذا حكومات ومجتمعات لا يحصل فيها التقدم والنمو الصحيح، بسبب نموها الوهمي الذي تظهره للعالم وكأنها تسير مع ركب التطور والنهوض ومنافسة الدول الكبرى في شتى المجالات.

السياسات المتبعة في بعض تلك الدول تؤدي الى خلق تيارات منحرفة وشاذة، وتكون ذات معتقدات خرافية بالية وهذا ما هو ملاحظ في بعض دول الجوار العربي، فظهور القاعدة وداعش وغيرها من المسميات ماهي الا نتيجة لتلك السياسات المتبعة من قبل أنظمتها الاستبدادية، رغم مطالبة بعض الاصوات بالإصلاح حتى ولو على خجل، ولعدم جدية الإصلاح والتجديد الذي تدعيه تلك الدول كمفهوم عصري حقيقي حافظت وكرست ارتباطها بالماضي المتهرئ وافكاره البالية.

المجتمعات والحكومات الراغبة بالتغيير عليها أن تعيد صياغة مناهجها الدراسية بما يحقق لها فهما حديثا لواقع المجتمع، وأن تأخذ في حساباتها كفاءات وثقافة الأنسان ورغبته في التغيير، فمن أهم أسباب تخلف المجتمعات هو ضعف المستوى العلمي والمنهاج التربوية والتعليمية لديها كونها لا تلبي طموحات أبنائها في بناء أوطانها وتنشيط المخزون العقلي لديهم.

الإمام العسكري عليه السلام كان رجل التجديد وصاحب الأطروحات العلمية في النصح والإرشاد للباحثين والدارسين ليكونوا أكثر انفتاحا في ترتيب كتاباتهم ومواضيعهم وطرح أفكارهم مع حفاظهم على القيم والثوابت الإسلامية الرصينة، كان الإمام يتابع الدراسة ويراقب البحوث والكتابات التي تصدر من العلماء في ذلك الوقت، وتقديم النصح والرشاد لهم مع انشغال الحكام العباسيين وانغماسهم في مشاكلهم السياسية وملذات الحياة.

شهدت فترة حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، نشاطات فكرية وجرأة كبيرة في طرح الأفكار والبحوث العلمية، بسبب التداخل والاختلاط بين الأقوام المختلفة الداخلة الى الاسلام، وحركة الترجمة التي شهدتها تلك المرحلة، ومن أكبر المشاكل التي طرحت في ذلك العصر مشكلة خلق القران، والتي تسببت في اختلافات كبيرة بين المسلمين ومنها تأثر الفيلسوف (اسحاق الكندي) الذي لولا متابعة الإمام العسكري ورقابته للنشاط الفكري لكان هذا العالم في ضياع ومنزلق كبير.

لقد أضر التعصب والتمسك بقشور الأحاديث كثيرا بالقيم الإنسانية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية في ذلك الوقت، مما جعل الإمام العسكري (عليه السلام) يتبنى منهجا إصلاحيا لبناء المجتمع الاسلامي ويزيد من أواصر التلاحم المجتمعي والبناء الأسري، وكانت لأحاديثه تأثيرا كبيرا في نفوس محبيه والتي زادت المجتمعات تمسكا بحب أهل البيت عليهم السلام.

لقد حدد الإمام العسكري (ع) امراض المجتمع من خلال جملة من النصائح والأحاديث، فقد أخبرنا بتلك الآفات مثل كثرة الخيانات واذى الجار، وقلة المواساة وكثرة الكذب وتعطيل الفرائض وانتهاك المحرمات، حدد الداء ووضع الدواء، وقدم تحليله الواضح والصريح للواقع المرير الذي كان يعيشه المسلمون، ودعا الى الصلاح والإصلاح بدل القتال والتنازع، واستمر الإمام العسكري في نشر تلك التعاليم والأخلاق التربوية لعلها تجد من يسمعها ويأخذ بها.

قدم الإمام العسكري أنموذجا أخلاقيا فريدا ومؤثرا ترك بصماته على مر التاريخ، هذه الرسالة الكبيرة التي سار عليها من عدم أثارة مشاعر الاعتقادات المذهبية الأخرى بل كان همه هو لم شمل الأمة وجعل معياره فيها نبل الأخلاق، فقد عامل الناس على أنهم أمة وأحدة لا فرق فيها بين عربي وأعجمي، وشخص الأمراض السارية وجعل لها علاجا واضحا ووضع نهجا إصلاحيا يثبت ويدعم وحدة المسلمين هكذا كان نهج إمامنا العسكري عليه السلام مصلحا في زمن الضياع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*