خارطة طريق زراعية لتأمين السلة الغذائية

343

الحكمة – متابعة: فيما مضى، لم يكن بامكاننا ان نتصور مشاهدة الرقي مثلا في فصل الشتاء، وان حدث ذلك فربما يقول البعض اننا في اخر الزمان، والامر لايقتصر على الرقي فقط، انما من غير الممكن ان نجد المحاصيل الزراعية ،سواء كانت من الفواكه او الخضر، في غير موسمها صيفا وشتاء .

اما اليوم فقد  تغير الحال تماما فالرقي موجود طيلة ايام السنة وسائر المحاصيل كذلك ، ولعل الطماطم تعد احد اهم المحاصيل التي لايمكن الاستغناء عنها، فهي ” قمر المطبخ العراقي” الذي نفتقده كثيرا في الليلة الظلماء ، لذلك يستعين  الناس بالمعجون  لسد غياب الطماطم، ولهذا السبب تشهد اسعاره ارتفاعا كبيرا في موسم الغياب هذا.

من الملاحظ خلال السنوات الأخيرة ان انتاج العراق من محصول الطماطم بدأ يتصاعد حتى ان الاسعار تنخفض إلى ادنى مستوياتها واكثر من هذا ان كميات كبيرة من هذا المحصول تتعرض للتلف بسبب كثرة المعروض منها، وفي المقابل تشهد اسعار الطماطم ارتفاعا حادا في معدلاتها في بعض اشهر السنة ،كما هو الحال خلال هذه الايام ،اذ تجاوزت الاسعار حاجز الـ 2000 دينار.

لايعزى هذا الارتفاع إلى قلة الانتاج، كما يفترض ان يكون، انما لسوء التوزيع، الذي لايقتصر على موسم دون غيره فحتى في موسم الكثرة فأننا قد نجد السعر منخفضا جدا في هذه  المحافظة ومرتفعا في محافظة اخرى .

تشير البيانات المتوفرة إلى ان مزارع الطماطم في محافظتي كربلاء والنجف تنتج اكثر من 2400 طناً يوميا خلال موسمي زراعتها الشتوي والصيفي، وان حاجة المحافظتين نحو 250  طناً والمتبقي هو  2150 طن يمكنها ان تسد حاجة المحافظات كافة لو نجحنا في نقلها بطريقة سليمة، ولكن المشكلة ان كميات كبيرة من هذا المحصول تتعرض للتلف وتنخفض اسعاره في اسواق هاتين المحافظتين وربما المحافظات القريبة منها فيما تلجأ محافظات اخرى إلى الاستيراد من دول الجوار لسد حاجتها المحلية من محصول الطماطم .

وبهدف احداث حالة من التكامل في الانتاج ينبغي التفكير في ايجاد الحلول والمعالجات المناسبة للافادة من الكميات المنتجة ليس للطماطم فقط ، بل لباقي المحاصيل التي تشهد وفرة في بعض المحافظات وندرتها في الأخرى، بدلا من اللجوء إلى الاستيراد الذي من شأنه ان يؤثر سلبا في الانتاج المحلي فضلا عن تأثيره الكبير في الاقتصاد الوطني.

ولعل وجود اسطول ناقل متوافر على الشروط والمواصفات يأتي في صدارة الحلول المقترحة، فلو توفر لاصبح سد الفجوة الانتاجية وتلبية متطلبات المستهلك المحلي في جميع المحافظات امرا تحت السيطرة وقد نكتفي ذاتيا وتنتفي الحاجة إلى الاستيراد تماما.

وعندما نتحدث عن اسطول ناقل فاننا لانعني فقط ان يقتصر على سيارات الشحن المبردة بل رفدها بالقطارات لاسيما ان محافظة كربلاء مثلا ترتبط بشبكة سكك حديد مع وجود قطارات حديثة وسريعة يمكن استثمارها في هذا المجال ، كما لدينا وسيلة النقل النهري، اذ يمكن الافادة من نهري دجلة والفرات في نقل المنتجات الزراعية بين المحافظات .. وهنا ليس بالضرورة ان تتولى المؤسسات الحكومية القيام بكل هذه المهام ، بل يمكن الاستعانة بطاقات القطاع الخاص خصوصا في مجالي النقل البري (الشاحنات) والنهري، لان السكك الحديد تابعة للقطاع العام.

اما اذا اردنا ان نتحدث عن حل اخر، فاعتقد ان علينا ان نفكر جديا في انشاء مصانع او توسيع الخطوط الانتاجية للمصانع الموجودة ونتحدث هنا عن معامل صناعة معجون الطماطم والمربيات والالبان وغيرها.

فلو كانت لدينا مثل هذه المعامل لما تراجعت اسعار المحاصيل بسبب تلفها ، وفي هذا تشجيع للمزارعين على زيادة الانتاج، لان انخفاض الاسعار وعدم تمكن المزارعين من تسويق انتاجهم يؤدي إلى تراجع الانتاج وبالتالي حدوث فجوة كبيرة في سد الحاجة المحلية على الاقل .

من المؤكد في حال اعتماد هذه الحلول سيشهد القطاع الزراعي في العراق انتعاشا واضحا، لاسيما بعد الازمة الاقتصادية، فمن الضروري تطوير قطاعات التنمية لتحرير الاقتصاد من قيده النفطي.. كما ان تحقيق التطور والانتعاش في الزراعة من شأنه ان يسهم في التوجه نحو استثمار المزيد من المساحات الشاسعة من الاراضي غير المستغلة وخصوصا تلك المملوكة للدولة  من خلال ايجارها للشركات الزراعية  والجمعيات الفلاحية  فضلا عن الافراد لمدد زمنية مناسبة تتجاوز الـ 25 عاما وبمبالغ مناسبة ومشجعة وعلى وفق شروط تخدم الزراعة من قبيل  اقامة  مشاريع للثروة  الحيوانية  بالاعتماد على  الاساليب العلمية الحديثة.

يتطلب حال اصلاح القطاع الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي وحتى امكانية تصدير الفائض، اصدار حزمة من التشريعات والقوانين التي تتلاءم والواقع الزراعي الجديد من بينها مثلا  اصدار قانون ينظم عملية إيجار الاراضي الزراعية، وغير ذلك من تعليمات وقوانين وتشريعات.

ان كل ماتقدم من مقترحات هي محاولة لرسم خارطة طريق لتحقيق زراعة متطورة في العراق وبالتالي تأمين السلة الغذائية للمواطن العراقي وحماية المنتج  والاقتصاد الوطني الذي انهكه الاستيراد طوال السنوات الماضية .

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*