مجلة ينابيع - تعنى بنشر فكر أهل البيت عليهم السلام - page 9

أمام الله تعالى أن
ً
واحد منهم أعطى على نفسه عهدا
يذكر ما يراه الحجة بينه وبين الله تعالى، وهكذا بدأت
المجاميع الجديدة تأخذ مداها في الأوساط العلمية
الدينية والفقهية، وبرزت خلال ذلك أتعابهم
وما بذلوه من جهد جهيد من أجل تنقية الأخبار،
واختيار ما يناسب الموروث الثقافي الديني، مع
، ومعرفتهم
B
قرب عهدهم من عصور الأئمة
للكثير من الأمور التي تناسب ثقافتهم، من التعاليم
ً
الدينية والأخلاقية، وبأزاء ذلك نراهم بذلوا جهودا
مضنية في محاولاتهم المتكررة في الحفاظ على التراث
عن التلاعب
ً
الديني من أجل حفظه للأجيال بعيدا
والتزوير، ودمج الحقائق بالأكاذيب، ليخرج التراث
من أي شائبة من هنا وهناك، ويبقى نظر
ً
خالصا
ً
نقيا
الفقيه بعد ذلك وبحسب ما أعطي من قوة في الفكر
، من
ً
في الفهم يستنبط منه ما يراه صحيحا
ً
وعمقا
دون أن يتلاعب في بحاق النص، من إضافة، أو
تبديل، أو حذف، وقد رويت روايات عديدة في
كيفية حفظ النصوص، وما لاقوه جراء ذلك من
التعب والنصب والحرمان، حتى صرفت لذلك
إلى تأييد
ً
الطاقات الكبيرة والجهد المضني، مضافا
الله تعالى لهذه الثلثة من العلماء الأتقياء الصلحاء،
وتسديدهم في تحقيق مبتغاهم، بعد اطلاعه سبحانه
على نواياهم، وما كانوا يشعرون به من مسؤولية
تجاه دينهم وتراثهم، حتى عبر هذا التراث الحقبة
اللاحقة من عصر الغيبة إلى الحقبة التي تلتها،
وقد جمع بحلته الجديدة، وبتبويب جديد، سهل في
الرجوع إليه، مع إضافة التحقيقات العميقة والتي
أسهمت هي الأخرى في إرساء قواعد الاستنباط
الشرعي، وبدأت توضح معالم الفهم الفقهي، فكان
العلماء في كل جيل يتنبهون إلى تحقيقات لم يتوصل
إليها من كان قبلهم، وإن كان الفخر لأولئك
الأولين الذين أرسوا قواعد التحرير، وتعمقوا في
الوصول إلى النتائج الكبروية التي توضح القواعد
العامة، ليناسب ذلك بقاء الدين، وانقطاع الأتصال
،
F
بمن هم معدن العلم وورثة النبي الأكرم
ولكن التدرج العلمي حقيقة تناسب التطور
البشري في جميع المجالات المعرفية والثقافية.. ومع
ذلك كله فإن أسس المعرفة والتي هي النصوص
الشرعية بقيت محط اهتمام في الحفاظ على حرفيتها
من التدليس والضياع وغير ذلك، وفهم المراد منها
موكول لنظر من أراد استنباط القواعد العامة منها،
من دون تلاعب في نفس النص، هذه مجمل الحركة
العلمية فليس من الإنصاف بعد ذلك التعدي
على مقام العلماء والاستهزاء بهم، وإنكار الحقائق
الحقيقة بالشكر الجزيل والثناء الجميل، ونسف كل
ما بنوه من المعالم التراثية، وإغفال فضلهم علينا، لأن
ء النظريات السابقة
ّ
ي
ِ
التطور العلمي وإن كان يخط
إلا أنه لايعني الاستهزاء بالجهود المبذولة، والعرفان
بالفضل والشكر، لأن كل ما وصلنا إليه مستمد
منهم، ولهم الفضل علينا فيه شئنا أم أبينا.
أما التشكيك بالموروث الثقافي والمعرفي فهو
تشكيك في حقائق معروفة أصبحت من بديهيات
عبر الزمن الطويل،
ً
تأريخنا المجيد الذي بقي ناصعا
المليء بالمحن والمصاعب على هذه الطائفة الحقة على
طول تأريخها، فلعل التشكيك فيه تشكيك بحقائق
علمية ملحق بالسخف من القول.
كما أن اعتماد الأساليب الخطابية التي تشد من
مشاعر السامعين لغة العاجز الهارب من مواجهة
الحقائق بطريقة علمية رصينة.
شكر الله مساعي علمائنا الأعلام، وما بذلوه من
طاقاتهم، وزهرة شبابهم وحياتهم خدمة لهذا الدين،
ورفع درجاتهم في عليين، وحشرهم مع النبيين،
المولى عز وجل أن يعرفنا حقهم في مسيرتنا
ً
سائلا
العلمية والمعرفية، فإن من لم يشكر المخلوق لم يشكر
. ً
وآخرا
ً
الخالق. والحمد لله أولا
المشرف العام
>
جدلية ضياع التراث الديني
9
1...,10,11,12,13,14,15,16,17,18,19 2,3,4,5,6,7,8,132
Powered by FlippingBook