مدن سحابية قد نتمكن يوما من إقامتها فوق كوكب الزّهرة
402
شارك
الحكمة – متابعة: يكرّس علماء الفضاء الكثير من الوقت والجهد في التخطيط لاستيطان كوكب المريخ، فهل يمكن أن نعيش أيضًا في الغلاف الجوي لكوكب الزُهرة؟ موقع “بي بي سي فيوتشر” أجرى التحقيق التالي.
مع أن درجة حرارة كوكب الزهرة مرتفعة بما يكفي لإذابة الرصاص، والمطر الحمضي الذي ينزل على سطحه يحرق الجسم، إلا أنه مكان مثالي لتعيش فيه مع عائلتك.
فربما يصبح كوكب الزهرة وليس المريخ، هو الوجهة المفضلة لمستوطني الكواكب في المستقبل خارج كوكب الأرض.
وعلى الرغم من حماسة أيلون ماسك، رجل الأعمال الشهير، لاستعمار المريخ، فإن أي مستعمرة تقام على المريخ ستواجه الكثير من المشاكل.
فإن الغلاف الجوي الهش على سطح كوكب المريخ لا يوفر لمستعمري الكوكب أي هواء صالح للتنفس، علاوة على البرد القارص والضغط المنخفض إلى مستويات قاتلة، ويكاد لا يوجد حاجب يقي من إشعاع الشمس الخطير هناك.
لكن كوكب الزهرة لا يخلو من المشاكل أيضًا، فالبيئة على سطحه خطيرة للغاية، والحياة، كما نعرفها، مستحيلة هناك.
لكن مع ذلك، ثمة أوجه تشابه ظاهرية بين كوكب الزهرة وكوكب الأرض، منها أن قوة الجاذبية على كوكب الزهرة تعادل نحو 90 في المئة من قوة الجاذبية على كوكب الأرض، كما أن كوكب الزهرة أقرب من الشمس عن كوكب الأرض بنسبة 30 في المئة فقط.
وثمة فارق جوهري ومخيف بين الكوكبين. ففي حين أن الغلاف الجوي للمريخ رقيق للغاية، فإن الغلاف الجوي لكوكب الزهرة أكثر سمكًا من الغلاف الجوي لكوكب الأرض بتسعين مرة. ويتألف أغلب الغلاف الجوي لكوكب الزهرة من ثاني أكسيد الكربون ومغطى بسحب من حمض الكبريتيك.
إن تأثير الاحتباس الحراري على كوكب الزهرة الناتج عن الغلاف الجوي للكوكب الذي يغلب عليه ثاني أكسيد الكربون، يحتجز كمية هائلة من حرارة الشمس، وهذا يعني أن سطح كوكب الزهرة منفرّ بشكل مذهل، فكوكب الزهرة هو الأشد حرًا بين سائر كواكب مجموعتنا الشمسية، باستثناء الشمس نفسها.
إذ أن درجة الحرارة على سطح كوكب الزهرة، التي تفوق 450 درجة مئوية، تكفي لإذابة الزنك والرصاص وأغلب المواد العضوية، كما أن الضغط الجوي، الذي يعادل الضغط الجوي على عمق كيلومتر من سطح المحيط على كوكب الأرض، يكفي لتهشيم غواصة نووية.
وفي الواقع، إن الضغط على هذا الكوكب عال للغاية، حتى إن ثاني أكسيد الكربون نفسه تحول إلى حالة عجيبة تعرف باسم “سائل فوق الحرج”، (عند درجة حرارة وضغط فوق النقطة الحرجة) ليصير مادة عجيبة، لا هو غاز ولا هو سائل، ولكن له خصائص كلتا الحالتين.
وتعد مادة ثاني أكسيد الكربون فوق الحرج على كوكب الأرض مادة خطيرة وعجيبة، وتستخدم كمذيب صناعي ومادة مُعَقِّمة. وفي الواقع، فإن سطح كوكب الزهرة مغطى بأكمله بمحيط من هذه المادة.
وقد أرسل الاتحاد السوفيتي مسابير عديدة إلى كوكب الزهرة في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولم يكن مستغربًا أن يخفق أغلبها قبل الوصول إلى سطح الكوكب، ويتحطم البعض الآخر عند الهبوط على سطح ذلك الكوكب.
وكان المسبار الأكثر نجاحًا هو فينيرا 13، الذي تمكن من البقاء على سطح الكوكب لأكثر من ساعتين بقليل قبل أن يتحطم من جراء الحرارة المرتفعة والضغط الكثيف. وتبين الصور التي أرسلها المسبار إلى الأرض عالمًا صخريًا وجافًا ومختلفًا تمامًا عن الأرض.
إذًا، كيف نأمل أن نعيش على ظهر هذا الكوكب؟ إن السبيل الوحيد للعيش على هذا الكوكب هو تجنب السطح.
يقول جيوفري لانديز، العالم بوكالة ناسا وكاتب قصص الخيال العلمي، وكان من بين أوائل العلماء الذين اقترحوا هذه الفكرة: “إن مشكلة كوكب الزهرة أن سطح الكوكب أدنى بكثير من مستوى سطح البحر على كوكب الأرض، حيث يبلغ الضغط الجوي 1 بار تقريبًا”.
وأردف جويفري قائلًا: “يعد الغلاف الجوي لكوكب الزهرة البيئة الأقرب شبهًا بكوكب الأرض في المجموعة الشمسية”. والعجيب أن كوكب الزهرة قابل للعيش فيه إذا ارتفعت عن السطح نحو 50 كيلومترًا.
أولًا، إذا وصلنا إلى مستوى سطح البحر على كوكب الزهرة سنجد أن الضغط الجوي مناسب. كما أن الغلاف الجوي فوق منسوب سطح البحر يكفي لتوفير مستويات معقولة من الحماية من الإشعاع، تضاهي ما يوفره لنا الغلاف الجوي على سطح الأرض من حماية.
فضلًا عن أن درجات الحرارة، عند منسوب سطح البحر، قريبة من درجات الحرارة المحتملة، تصل إلى نحو 60 درجة مئوية، وهي وإن كانت حارة، فإن لدينا من الوسائل التكنولوجية ما يعيننا على تحمل هذا الطقس بشكل معقول.
وإذا ارتفعنا أكثر، مجرد بضعة كيلومترات، تقل درجة الحرارة لتصل إلى 30 درجة مئوية، وهي درجة معتدلة للغاية، ولن ينخفض الضغط كثيرًا ولا الحماية من الإشعاع.
ولأن الجاذبية على كوكب الزهرة تكاد تكون بنفس قوة الجاذبية على كوكب الأرض، فإن مستوطني هذا الكوكب لن يعانوا من هشاشة العظام ولا ضعف العضلات، مثلما يحدث عادةً لمن يعيشون في البيئات منخفضة الجاذبية.
ولكن ثمة مشكلة أخرى وهي كيف سنطفو في هذا الغلاف الجوي الخانق الذي تنتشر فيه سحب من حمض الكبريتيك.
الحل ربما يكون هو الجانب الأكثر إشراقًا في هذا المخطط الجريء، وهو أن ثاني أكسيد الكربون أثقل وزنًا من الهواء الموجود على سطح الأرض، وهو ما يعني أن المنطاد المملوء بهواء من الأرض مكون من نيتروجين وأكسجين سيكون أخف وزنًا من الهواء على كوكب الزهرة الذي يغلب عليه ثاني أكسيد الكربون.
فإذا ملأنا منطادًا على كوكب الزهرة بهواء من كوكب الأرض سيطير في السماء مثل البالون المملوء بغاز الهيليوم على كوكب الأرض.
فلكي نعيش على كوكب الزهرة سنملأ منطادًا بالنيتروجين والأكسجين ونعيش بداخل المنطاد. وكلما زاد حجم المنطاد زادت قوة الرفع التي تكفي لحملك داخل المنطاد مع كل ما معك من مؤن، وفي الواقع يستطيع المنطاد الضخم أن يحمل أكثر من ذلك.
ويقول لانديس: “إن المنطاد الكروي الشكل الذي يصل قطرة إلى كيلومتر واحد يمكنه رفع 700 ألف طن، ما يعادل مبنيين بحجم مبنى “إمباير ستيت”. أما المنطاد الذي يبلغ قطره كيلومترين فيمكنه أن يرفع ستة ملايين طن. والنتيجة هي بيئة واسعة لا تقل رحابة عن المدينة المعتادة”.
ولكن ماذا لو تمزق المنطاد؟ يقول لانديز موكدًا: “لن ينفجر المنطاد كما هو الحال مع البالون المعتاد”. لأن الضغط داخل المنطاد مماثل للضغط بالخارج، فبدلًا من أن يحدث انفجار كارثي على الفور، سيتسرب الهواء ببطء من الشق.
ويتابع لانديس: “كما لو كنت تفتح نافذة ليدخل الغاز من الخارج ببطء، ويتسرب الغاز من الداخل إلى الخارج. وكلما زاد حجم المنطاد كانت عملية تسرب الهواء أكثر بطئًا”.
وقد اتضح أن حماية المنطاد من السحب المكونة من حمض الكبريتيك أسهل من رفعه. فقد اختبر الروس المحلول الذي تتكون منه السحب، وهذا المحلول يوجد بالفعل في مطبخك. وفي عام 1985، حلقت بعثة فيغا السوفيتية بالقرب من كوكب الزهرة، في طريقها للاقتراب من المذنب هالي.
ويقول لانديز: “أطلقت [بعثة فيغا] منطادين في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، ظلتا طافيتين في الجو عند المستويات التي نتحدث عنها، ليومين. وكانت الطبقة العلوية للمنطادين مصنوعة من مادة التفلون التي لا تتأثر على الإطلاق بحمض الكبريتيك”.
إلا أن ثمة مشاكل أخرى ستواجهها أي مستعمرة فضائية، مثل إيجاد المواد الخام اللازمة للبقاء، وإيجاد طريقة لبث الحياة في البيئة الحيوية المعقدة هائلة الحجم التي سيقيم فيها البشر لمدة طويلة.
ولكن الغلاف الجوي لكوكب الزهرة غني بالمقومات اللازمة للحياة في مثل تلك البيئات. إذ يمكن فصل ثاني أكسيد الكربون الذي يطغى على الغلاف الجوي في الكوكب إلى أكسجين وكربون، ويمكن فصل حمض الكبريتيك إلى ماء وأكسجين وكبريت.
وفي حين أن سطح كوكب الزهرة لن تطأه قدم البشر، فإن الروبوتات يمكنها استكشافه وحفر أراضيه الصخرية. ويمكن للمواطنين من ساكني المدن السحابية أن يتحكموا بسهولة في الروبوتات في الوقت الفعلي، وهو ما يتعذر فعله من كوكب الأرض، إذ تستغرق الإشارات اللاسلكية نحو 20 دقيقة لتقطع ملايين الكيلومترات من كوكب الأرض إلى كوكب الزهرة جيئة وذهابًا.
ولكن لا تعد حقائبك بعد، فما زلنا لا نعرف الكثير عن كوكب الزهرة لنتأكد من مدى إمكانية إقامة مدن بالفعل فوق السحب هناك.
يقول لانديس: “علينا أن نرسل أولًا بعض المسابير الفضائية لسبر أغوار كوكب الزهرة حتى نعرف المزيد عنه. إذ أن كوكب الزهرة هو أحد الكواكب التي لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسة مقارنة بسائر الكواكب في المجموعة الشمسية”.
نحن لا نعرف الكثير عن كوكب الزهرة لأن أغلب استكشافات كوكب الزهرة أُجريت في بداية البرنامج الفضائي. ومع التطور التكنولوجي، وجهنا أنظارنا صوب كواكب أخرى، ولا سيما المريخ.
تقول لوري جليز، عالمة بوكالة ناسا الأمريكية للفضاء، ومتخصصة في كوكب الزهرة: “عرفنا الكثير من المعلومات عن كوكب المريخ. فنحن نعرف الكثير عن تاريخه وكيف يعمل غلافه الجوي، ونعرف الكثير عن طقسه، ولم ينل كوكب الزهرة الاهتمام الكافي”.
وتقود غليز في الوقت الحالي فريق الباحثين في بعثة “دافنشي”، وهي بعثة مقترحة لإرسال مسبار روبوتي إلى أعماق الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، من أجل فهم أعمق للكوكب الأقرب من كوكب الأرض.
تقول غليز: “تركز بعثة دافنشي على التوصل إلى إجابات للأسئلة الأساسية عن كوكب الزهرة، إذ ستعطينا صورة أوضح وأكثر تحديدًا عن تركيبة الغلاف الجوي لكوكب الزهرة وحركته، ومن هنا سنفهم كيف سنرسل شيئًا إلى هناك يبقى لفترة طويلة في الجزء العلوي من الغلاف الجوي”.
وتضيف: “إن كوكب الزهرة كوكب مذهل يكتنفه الكثير من الغموض، وقد حان الوقت لنكشف عن خفاياه، وأعتقد أننا يجب أن نفهم هذا الكوكب فهمًا أوسع، ولهذا علينا أن نعود إلى (دراسة) كوكب الزهرة”.