ما هو لحم الأرض الذي يكثر في موسم البرق والأمطار وماؤه شفاء للعيون؟

1٬220

1112222211111بغداد – الحكمة – متابعة: بدأت تنتشر في أسواق بغداد حاليا سلال (الكمأ) بشكل ملفت وصار من الطبيعي أن تشاهد المواطنين يقفون عنده وينظرون إليه بشيء من التأمل والسؤال عن سعر بيعه الذي وصل إلى 50 دولارا فهذا هو موسمه الذي يأتي فيه زائرا لأقل من شهرين في السنة.

 رزق وشفاء للعيون

 ولا تفارق الدهشة الكثير من المواطنين وهم يتوقفون عند باعة (الكمأ) وعلى الفور تجدهم يسألون عن فوائده التي منحته هذا السعر الغالي جدا والذي يصل أحيانا إلى 50 دولارا للكيلو غرام الواحد لبعض أنواعه مثل الخلاسي (الحرق)، التي يتم جنيها من الصحاري حيث الكثبان الرملية، وهذه الأماكن  يهرع إليها الفقراء والعاطلون عن العمل ليصيبوا ربحا منها ويعدون ذلك منة من الله وباب رزق لهم، فيما لا يعرف الكثيرون فوائده التي من أهمها شفاء أمراض العيون.

 في بغداد وفي مناطق مختلفة منها الآن فإن الكمأ هو (البضاعة) التي تمثل علامة فارقة بين الفواكه والخضر، يعرض على عربات أو يفرش على الأرض بشكل يغري العابرين للتطلع إليه والاستفسار عن سعره ومن ثم إجراء محاولات لتقليل السعر أو شراء نصف كيلو من النوع الجيد أو كيلو من الحجم الصغير، فيما البائع يحاول إغراء البعض بشراء الأقل سعرا لأنه من النوع غير الجيد، وفي أغلب الأوقات تراه وكأنه يتباهى ببيع الكمأ لاسيما وهو ينادي (ذهب يا جمه / الكلمة باللهجة العامية) .. وحين سألت احد الباعة عن بيعه اليومي قال: (خير والحمد لله ) لكنه استدرك قائلا : الفقراء يتفرجون بحسرة فيما الأغنياء يشترونه، فقد اضر زمن التقشف الحالي ببيعه فهناك القليلون الذين يشترونه وخاصة الذين يعرفون فوائده والذين تعودوا على شرائه كل سنة، ولا أخفي عليك البعض اعتقده بطاطا!.

 بادية السماوة الجنوبية مصدر الكمأ

 بائع آخر قال عن مصدر الكمأ الذي يبيعه: من صحراء السماوة الجنوبية، لأن باديتها آرض يعشقها الكمأ بعد أن حرمتنا الظروف من الحصول على كمأ المنطقة الغربية في إشارة إلى سيطرة تنظيم داعش عليها والعمليات العسكرية الجارية فيها. وحين سألته عمن يشتري منه الكمأ قال :كل مكونات الشعب العراقي، ثم أردف: الكمأ موسمي وهناك أناس ينتظرونه فيشتروه مهما كان ثمنه لأنهم يعرفون قيمته وهناك من يعتبره من باب تغيير الأكل فمرة في السنة لا تؤثر على ميزانية البيت ثم إن فيه فوائد لو يعرفها الناس لاشتروه كلهم / فسألته مشاكسا : وهل تعرف ما فوائده ؟ فأجاب : نعم يحمي القلب من الجلطة ويشفي العيون من الرمد.

 وحين سألته عن الأسعار قال: إنها تتراوح ما بين 10 آلاف دينار (نحو 8 دولارات) إلى 70 ألف دينار (أكثر من 50 دولار)، وهذه الأسعار حسب نوعية الكمأ وحجمه فهناك ذو حجم كبير وهناك ذو حجم صغير وصغير جدا.

 وفرة ومضاربات في البيع والشراء

 سألت، جبار كريم، أحد أبناء محافظة السماوة عن الكمأ عندهم هذه السنة فقال: بصراحة .. صار الداخل إلى المحافظة لا يسمع إلا حديث الكمأ ولا يرى إلا كميات كبيرة منه على الأرصفة وفي الأسواق بل وتقوم له ساحات بيع وتجار ومضاربون ومعاملات بيع وشرار وتصدير.

 وأضاف: قبل هذه الأيام ومع البرق والرعد والأمطار هب الكثير من مواطني المحافظة وسواهم إلى البادية زرافات ووحدانا بحثا عن الكمأ، استقلوا سياراتهم وحملوا معداتهم وتسابقوا نحو المساحات الشاسعة لبادية السماوة يقضون الليالي والأيام ولا يوقفهم إلا نفاد الطعام وكمية المحصول.

 للتصدير أيضا

 في بغداد توقفت عند بائع آخر فقال لي بعد حديث قصير عن خبرته في بيع الكمأ: إنك تذكرني بما كنا عليه في مدينة (القائم) إحدى مدن محافظة الأنبار على الحدود السورية، فقد كنا نذهب بالعشرات مع متاعنا وخيامنا لمدة لا تقل عن أربعة أيام بلياليها بحثا عنه في أعماق الصحراء وإلى ما فوق منطقة (الرطبة) بـ 120 كم ونحمل ما نحصل عليه ويصل مبيعات البعض منها إلى الملايين من الدنانير.

 وأضاف: الآن لا أعرف حال الكمأ في ظل الظروف الأمنية الصعبة هناك لكنني لا أعتقد أن الناس تجازف بحياتها خاصة مع العبوات الناسفة والمعارك الدائرة هناك . وتابع: أقسم أنني التقيت شخصا من أهالي مدينة حصيبة الحدودية لا زلت أحفظ اسمه (خالد رباح حبيب) وقال لي إن عمته أصيبت  قبل سنوات بالعمى فوصفوا لها ماء الكمأ كعلاج فتكحلت به فاستردت بصرها.

 كما توقفت عند بائع شاب فقال : أتينا به من السماوة لان البادية هناك شهدت موسم أمطار جيد جداً ولذلك كانت كميات (الكمأ) وفيرة وبعض التجار في بغداد ذهبوا إلى هناك لشرائه بأسعار يعتبرونها مناسبة لبيعها في بغداد بسعر يحقق له أرباحا جيدة بل إن بعضهم يصدرها لدول الجوار.

 لحم الأرض

 يقول الأطباء أن للكمأ فوائد جيدة لصحة الإنسان لكن الكثيرين لا يعرفون أهميته والغريب أن الجهات الصحية لا توضح للناس هذه الفوائد ، ومنها شفاء أمراض العيون، وقد روى الطبري : كثرت الكمأة على عهد رسول الله فامتنع قوم عن أكلها وقالوا هي (جدري الأرض) فبلغ الرسول (ص) ذلك فقال : إن الكمأة ليست هي جدري الأرض، ألا إن الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين.

 كما ذكر العالم ابن سينا (إن ماء الكمأ يغلى ويبرد ثم يكتحل به كعلاج لأمراض العين) .. فيما يؤكد أحد الأطباء العراقيين أن الكمأ له قيمة غذائية عالية لأنه يحتوي على البروتينات والدهون والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والنتروجين والهيدروجين والفسفور وفيتامين ــ ب ــ  والمواد النشوية وغيرها.

 والكمأ.. نوع من الفطر ينمو تحت سطح الأرض إلى عمق 30 سم تقريبا في جماعات ، حجمه كروي لحمي رخو منتظم وسطحه أملس أو خشن وله أنواع منها الزبيدي والخلاسي وهما الأجود وهناك (الاوبر) وهو الأردأ، ويختلف لونه من الأبيض إلى الأسود، ويكون في أحجام تتفاوت وقد يصغر بعضُها حتى يكونَ في حجم حبَّة البندق، أو يكبُر ليصلَ حجم البرتقالة. وكان يسمى بـلحم الأرض أنه رخيص والفقير يشتريه مكان اللحم ولكن سعره الآن آغلى من سعر اللحم!

 وقد عرف العرب الكمأ وكانوا يسمونه نبات الرعد لأنه يكثر عند الرعد وتنميه الأمطار، وهو مختلف عن النبات إذ لا جذور له ولا أوراق وينبت بلا تكلفة بذر ولا زراعة ولا سقاية وهو لا يزرع وكل محاولات زراعته باءت بالفشل  لأنه (منة من الله إلى عباده)، كما يقول عنه المتاجرون به.

(إيلاف)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*