التلوث البصري يشوه مدننا

344

16-1-2015-d-4

د. أزهار الأطرقجي..

كما تقول الحكمة (ان الله جميل ويحب الجمال)، فإنه خلق الانسان بطبعه محباً للجمال والانسجام. وتعتبر عين الانسان أكثر الاعضاء حساسية للجمال من خلال رؤية المناظر المحيطة في الحياة اليومية من شوارع وأبنية ومحلات وغيرها. للأسف الشديد ان الخراب الذي عمَّ بلادنا في الاعوام الاخيرة قلل من المناظر الجميلة والمريحة للبصر والنفس وزاد من المناظر القبيحة والمؤذية للبصر وللنفس. وعادة ما يكون هذا التلوث من صنع الإنسان نتيجة للإهمال أو سوء الاستعمال أو سوء التخطيط والتصميم، أو سوء السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية. لذلك أصبحت المسألة البصرية مسألة تحظى بأهمية خاصة لدى الناس وأكاديميات الفنون والمصممين وعلماء النفس وبات التلوث البصري يسبب إرهاقاً بصرياً في حين يعده الألمان أحد أمراض العصر. ويبدو أن هذه المسألة ماتزال غائبة عن الأذهان عندنا، رغم أهميتها ورغم انعكاسات التلوث البصري السلبية وخاصة عندما يغزو المدن التراثية والاحياء القديمة التي  يتم تهديمها من أجل بناء العمارات الحديثة المتنافرة مع الذوق العام والاسلوب الملائم.

وهنالك أمثلة عديدة نشاهدها دائما في المناطق العراقية وخصوصاً في المدن، منها :

  • أكوام القمامة المتراكمة أمام البيوت وفي وسط الاحياء، مكشوفة يتلاعب بها الاطفال وتتجمع حولها القطط والكلاب السائبة بالاضافة الى الذباب والجراثيم.

  • مخلفات البناء والمواد الانشائية المنتشرة عند مشاريع البناء وتسد الطرق والارصفة وتشوه المنظر، بالاضافة الى انها تنشر الغبار السام وخصوصاً عند هبوب الريح.

  • الإعلانات التجارية التي تتميز بألوان صاخبة وصور مفتعلة وبعضها غير ملائم للذوق ويحاول بصورة طفولية ساذجة تقليد الاعلانات الغربية. كذلك لوحات الاعلانات المهنية المنتشرة بصورة وحشية بدون أي ترتيب والكثير منها قديم وقذر وتبث الخوف في الناس لانك لا تعرف متى تسقط على رأسك.

  • الاعلانات الدعائية الانتخابية في صورة ملصقات ولافتات قماشية وورقية تترك غالباً في أماكنها بعد انتهاء الغرض منها. والكثير منها يلصق بصورة اعتباطية على الحيطان بدون أي ترتيب ولا جمالية.

  • الغسيل المنشور على الشرفات في المباني السكنية بشكل يشوه الواجهات في الضواحي وفي الاحياء الشعبية.

  • النباتات والأعشاب التي تنبت على الواجهات نتيجة الرطوبة، أو العكس تلك الاشجار اليابسة بسبب انعدام سقايتها، فتشوه الارصفة والشوارع.

  • تشوه سطوح المباني والبيوت حيث تظهر قضبان حديد التسليح وخزانات المياه وأعشاش تربية الطيور والدواجن على الأسطح دون أي محاولة لتنظيمها، بالاضافة الى انتشار صحون التقاط البث الفضائي بشكل كثيف وعشوائي على الأسطح وبشكل كثيف على الواجهات.

  • المساحات المهجورة بين البيوت والعمارات، التي تتحول مع الزمن الى مكان موبوء تتجمع به القمامة والحيوانات السائبة وأحيانا للاشخاص المنبوذين.

  • انتشار اجهزة التكييف والمبردات وأغلبها بألوان صدئة قديمة، بالاضافة الى احتمال سقوطها على الناس.

  • وجود الكثير من الابنية والاحياء التي تمنع مشاهد المناظر الجميلة، مثل المساحات الخضراء والبساتين والانهر وغيرها.

ان الاصلاح المطلوب، يتمثل بالاخذ بتجربة الكثير من دول العالم، أي ضرورة تدخل الدولة (المجالس البلدية) بمراقبة كل هذه النقاط السابقة، وفرض القوانين والقواعد الاجبارية على الاشخاص المسؤولين عنها من أجل أحترام الذوق العام وعدم العبث بمشاعر الناس.

فمثلاً، أثناء الحملات الانتخابية تغزو الاعلانات الانتخابية على كل حائط وباب وعمود وفي كل زاوية وركن فلم تسلم حتى الاشجار وخزانات الماء وجدران المدارس والمساجد والابنية منها. بحيث إن اختيار المرشحين لمادة لصق الاعلانات من النوع الشديد الذي يتعذر رفعها بسهولة.

وهنالك مثال آخر على ضرورة تدخل الدولة في تحديد نمط الابنية في أي منطقة، بصورة تجعل نمط البناء متناسق مع باقي الابنية السائدة من ناحية الهندسة واللون وغيرها. فليس من المعقول انه في وسط حي تسوده البيوت العراقية الاصيلة، تقوم عمارة بعدة طوابق بآخر صرعات البناء الغربي! فمن الضروري الحفاظ على الابنية العراقية العريقة والاحياء القديمة لأنها ليست فقط ثروة تراثية وتاريخية، بل أيضاً لها قيمة جمالية تمنح النفس راحة وتوازن، بدلاً من تلك العمارات الحديدية القاسية شكلاً ومضموناً.

أيضاً ان احترام قيمة البصر والعناية بالجمال العام، مسألة تربية وثقافة، وهذا يأتي أساساً من التربية الطفولية في المدارس وتربية الناس من خلال وسائل الاعلام. وهذا الامر يرجعنا الى المسألة الاساسسية التي طرحت في هذا الكتاب، أي ضرورة إيجاد مادة خاصة في كل المراحل الدراسية العراقية، منذ الابتدائية حتى نهاية الجامعة، اسمها: ((ماهي البيئة العراقية وكيفية رعايتها)).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*