موظفون متسيبون لايؤدون واجباتهم .. لكنهم يطالبون بزيادة مرتباتهم الشهرية

358

20-8-2014-1-d

تحقيق :  مؤيد عبد الوهاب ..
«أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» ..هذا مبدأ العدالة في الاسلام ..لكن ما يحدث في العراق حاليا عكس هذا تماما .. فهناك مفهوم غريب يتسع ويتكابر في المؤسسات الحكومية ..هو ان الاجير فيها لايعمل ولايؤدي عمله المنوط به اداريا لكنه بذات الوقت ينادي دائما بتحقيق زيادة في اجوره اليومية ..الكثير من هذه الحالات احملها في جعبتي ..
بل في بعضها حالات لمرتشين يتكاسلون حتى في اتمام الاعمال التي تقاضوا فيها رشوة ..لكن هذا ليس محور استطلاعنا .حيث اننا انطلقنا من سؤالنا حول شيوع ثقافة عدم اداء الواجب الاداري للموظف وبذات الوقت يطالب هذا الموظف بزيادة في راتبه الشهري ..ان هذه الثقافة اخذت تتنامى في مؤسسات الدولة حتى تكاد تكون ..ثقافة ادارية جديدة في العراق تريد اجور بلاعمل تؤديه …في هذا الاستطلاع ربما نجد اجابات لسؤالنا المحير …. «هل تسود مستقبلا في العراق ..ثقافة تقاضي الراتب بلا  اداء الواجب الوظيفي ..وهل يصبح الموظف عائقا هو الاخر امام عملية بناء مؤسسات الدولة من جديد ؟»..لو سادت هذه الثقافة السلبية ستكون كارثة حقيقية على تهديم ماتبقى من مؤسسات في الدولة العراقية !!……………
* البداية!!
لعل بداية هذه الثقافة الغريبة كانت عند بعض افراد الكوادر التدريسية في العراق الذين سعوا بخبث الى استدراج طلابهم  للدروس الخصوصية فتقصدوا عدم اداء واجباتهم الادارية بتقديم الدرس الى طلابهم حيث يقول المشرف الفني عقيل الحابري « هناك حالة لدى بعض الكوادر التدريسية وخصوصا من المتعينين الجدد بعدم الاكتراث للدرس ..فتراهم لايهتمون بإعطاء المادة العلمية لطلابهم ..كأنهم تعودوا البطالة التي كانوا فيها ..وهذه ظاهرة غريبة نشعر بها حاليا ..واعتقد ان التعود على نمط يومي في ظروف البطالة يعطي مؤشرا سلبيا لهؤلاء في متابعة دروسهم ..اما الكوادر التي ادمنت اعطاء الدرس الخصوصي فهي تتقصد عدم اعطاء حق الدرس في المدرسة لاغراضها الدنيئة في الحصول على المال من طلابها عبر الدرس الخصوصي ..وهذا المثال السيء للمدرس يكون دائما صورة سلبية لبعض المتعينين الجدد ..نعم ان ظاهرة عدم اداء الواجب الوظيفي كانت من خلال بداية ظهور وانتشار الدرس الخصوصي «
* انتشار العدوى !!
الغريب في القضية ان هذه العدوى اخذت تنتشر في الاونة الاخيرة كالنار في الهشيم ..فبعد انتشار ظاهرة الشهادات المزورة ودفع الرشى للوصول الى وظيفة حكومية ..يتسابق البعض بجنون لكي يصلوا الى الراتب الذي يعرفون انهم لن يقدموا عملا بمقابله حيث تقول الموظفة فائدة البدراوي عن هذه العدوى « طوال خدمتي الطويلة في الوظيفة الحكومية لم أر مثل هذه الظاهرة الغريبة والمؤلمة ..حيث رأيت شباب وحتى شابات تم تعيينهم مؤخرا لكنهم لايعرفوا ماذا يقدمون من عمل ..لهذا نراهم تسيبوا في الدوام بانواع الحجج والاعذار وكذلك يقضون باقي ايام الدوام بتبادل الاحاديث والنكت ..وحين سألت احدهم كيف تم تعيينه اجابني « دفعت دفتر وعشرين ورقة !!» ويقصد طبعا عملة الدولار ..فالتعيين في الدوائر معظمه اصبح بدفع الرشوة وبالعملة الصعبة لكون الجميع لديه تصور كامل ان الوظيفة هي تقاضي راتب بلاعمل !!»
يقول المتقاعد حديثا حسين الخفاجي « كنت في منصب مدير حسابات في احدى الدوائر وقبل ان اتقاعد كنت اشكو من هذه الظاهرة حيث ان معظم الذين تعينوا في قسم الحسابات هم من الكليات بعيدة كل البعد عن دراسة الاحصاء والمحاسبة ..وحين حاولنا تعليمهم بعض العمل في القسم لم يتعاونوا ابدا وبعضهم «جاب واسطة حتى يتسيب من العمل !!»
*الثواب والعقاب !!
لكن الموظف الاداري حسن كريم خدمة 28 عاما في الاقسام الادارية كان له راي في القضية حيث قال «ليس لمشكلة في الجيل الجديد والمتعينين الجدد بل المشكلة في عدم وجود مفهوم الثواب والعقاب كتطبيق اداري في الدوائر الحكومية ..لان السبب في عدم تطبيق قانون الثواب والعقاب ضمن لوائح المؤسسات الحكومية هو عدم وجود قيادات ادارية قادرة على اتخاذ القرارت في هذا الجانب المهم والحساس ..حيث ان بعض المدراء العامين يتغاضون عن هذه الظاهرة لكونهم هم اصلا لايمتلكون الشخصية القيادية الحازمة في قرارتها الادارية ..اما الميوعه الادارية عند بعض القيادات الادارية في العراق ستؤدي فعلا الى كارثة لتهشيم هذه المؤسسات في العراق لكون هذه العدوى ستنتقل ربما الى الموظفين اصحاب الخدمة الطويلة ..لكن عموما ان المحاصصة في توزيع الادارات العامة اضرت كثيرا في بناء المؤسسة العراقية ..لهذا تجد البعض يتسيب ولايؤدي واجبه الاداري علما منه انه لن يحاسب كما ان المتميز في عمله وصاحب الانجازات الادارية يجد نفسه دائما مهملا لاتناط به أي مسؤولية تقديرا لخدمته المتفانية والطويلة في الادارات الحكومية ..نعم نحن بحاجة الى تفعيل القوانين الادارية التي تخص مبدأ الثواب والعقاب كوسيلة للحد من هذه الظاهرة ..ثم ان الادارة الجيدة والفاعلة لابد ان تضع منهجا في توزيع المهم الادارية لموظفيها ومتابعة خطة العمل بشكل دقيق ومن ثم تطبق مبدأ الثواب والعقاب لمن اجتهد والذي تسيب واهمل ..علينا ان نبني هذا المفهوم من خلال القوانين الادارية الموضوعه سلفا في اللوائح الادارية للمؤسسات الحكومية ..اما النصيحة والتوعية فهي لاتنفع لكون الموظف عموما لايؤدي عمله اذا لم يهدد بالعقاب الاداري دائما ..فالتسيب حسب رؤيتي هي ظاهرة ليست جديدة في المؤسسات الحكومية ..لكن حين يفعل الثواب والعقاب ستجد ان الاوضاع في المؤسسات سوف تسير نحو البناء الحقيقي لهذه المؤسسات مع اعتبار ان القيادات الادارية  التي تناط بها المسؤولية هي غير مائعة ومرتشية دائما «
*الفساد والنظام القديم!!
تقول الموظفة كوثر مراد «ان انتشار ظاهرة الفساد الاداري هي سبب رئيسي في عدم تادية الواجبات الادارية والسبب الاخر هو ان النظام الاداري القديم يساعد كثيرا المتسيبين في هذه القضية ..فاللوائح الادارية القديمة تعاني من نقص شديد لمعاصرة التعاملات الادارية الحالية ..فهذه القوانين وضعت حين كانت التعاملات في المؤسسات ورقية بحته ..لكن حاليا العمل في بعض المؤسسات يقوم على استخدام النت والحاسوب ..فمثلا عدم توفير حاسبات كافية للموظفين سوف يؤدي بالتاكيد الى جلوس بعض الموظفين بلاعمل باعتبار ان الاداة التي يعمل عليها غير متوفرة له ..وكذلك ان بعض الموظفين يستغلون النت للالعاب الالكترونية في اوقات العمل مهملين عملهم ..وهذا يحتاج الى نظام مراقبه الكتروني لهؤلاء موجود في مكتب المدير العام او أي مسؤول على تمشية العمل بالمؤسسة لاكتشاف هؤلاء ..ثم ان البعض الاخر ..يستغل جهل بعض الموطنين بالارقام التي تظهر امامهم والبيانات في الحاسوب ..ويتم ابتزازهم ..كما يحدث عند البعض في دوائر العقارات والضريبة مثلا …هذه امثلة لما تحتاجه المؤسسات من انظمة مراقبة لهؤلاء جميعا ..ووضع عقوبات ادارية جديدة لها ..ان القانون الاداري لمؤسسات الدولة يجب ان يراجع بدقة ويتم التخطيط لتشريعات جديدة خصوصا في محور العقوبات الادارية «
* الظاهرة من الناحية الاجتماعية والنفسية ..رأي أكاديمي!!
يقول الاكاديمي والمتخصص بعلم الاجتماع الاداري د.كريم محد حمزه في قسم الاجتماع جامعة بغداد كلية الاداب « نعم ان ظهور حالة عدم الاكتراث والتسيب في اداء الواجب الاداري حاليا وخصوصًا في الجيل الجديد وهذه الظاهرة تعود اسبابها الاجتماعية الى ان العراقي نظرته الى الدولة تجعله متقاطعا معها باشكال متعدده قد لايكون غير شعوري في معظم الحالات ..اذ يشعر ان الدولة عليها ان تعطيه راتبه سواء ادى واجبه او لم يؤد ..نحن لانقيم اجرنا على اساس مانبذله من جهد وانما نقيم جهدنا على اساس راحتنا ..اي مفهومنا الاجتماعي السائد حاليا هو كم هذا الجهد مريح وكم مردوده المادي ..اما الجانب الاخر من المسببات هو تنشئتنا الاجتماعية ..فهذه التنشئة لا تنطوي على تحقيق انجاز في هذا الجيل لاسباب عديدة منها ان بعض اشكال الكسب سهل بسواء عمليات اجرامية او ارهابية او في النصب والاحتيال والتزوير وغيرها .. فتحقيق الانجاز هو عملية تربية حقيقية ..لكن اذا لا توجد القيم الحقيقية في التربية تجد هذه الظاهرة واضحة في هذا الجيل ..كما ان المؤسسسات الحكومية عموما تختفي فيها الرقابة او محدودة من ناحية الرقابة الذاتية أي ان هذا الجيل معظمه لايمتلك في داخله رقابة ذاتية ..وهذا سببه نمط التنشئة الابوية الشرقية التي تعتمد على راس يديرها ويفرض سيطرته المطلقة ..لهذا تجد ان بعض المؤسسات الحكومية رأسها الإداري ضعيف لهذا لايقدر على فرض سيطرته الأبوية في العمل ..ادارات محاصصة ولاتمتلك الخبرة وبعضها فاسد إداريا وهذا ايضا ينعكس على المستخدمين في المؤسسات ..ان من أهم أسباب النجاح في العمل الاداري ..ان تكون علاقة احترام وتماهي بين المدير وكوادر دائرته ونحن لانمتلك هذا التماهي ..لاسباب التي ذكرتها ..لذلك يستمرء ويستهل هذا الجيل البطالة المقنعه في المؤسسات ونتائجها كما يقول علماء الاجتماع ..يسموها الدولة الرخوه والمشلوله والتي تنفق ولاتنتج ..في مثل هذه الدولة من المستحيل ان تنتج شيئا ذا جدوى ..خصوصا بناء الانسان نفسه ..اما الحلول فهي عسيرة حاليا ..لكن مستقبلا ممكن من خلال التخطيط ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ويجب ان نخرج من حلقة المحاصصة ويجب ان هذه العائلة الابوية يتم توزيع السلطة فيها ..اي بناء الديمقراطية داخل الاسرة العراقية ..عموما يجب اعادة اقسام التنمية الادارية التي تم الغاها في عهد النظام البائد ..فهي مهمه جدا ففي كل العالم موجودة ..فهي تعطي للموظف القيم الحقيقية للوظيفة ..حيث تعلمه وتقنعه بان عمله وجهده ترتكز عليه دائرته ..لايمكن بقائهم متسولين على ابواب الدولة ..ويجب انهاء ثقافة الشطارة في التسيب من الدوائر الحكومية .»
*رأي نائب برلماني !!
تقول النائبة عالية نصيف « ان هناك مادة بالدستور تقول ان القوانين التي لم تلغى  تبقى سارية المفعول فبالتالي هناك قوانين نافذة فيما يتعلق بانضباط موظفي الدولة او الخدمة المدنية بالرغم من صدوره مؤخرا ..هذه القوانين سارية المفعول بعضها وبعضها تم تشريعها من مجلس النواب هي التي تحكم الانضباط في المؤسسات الحكومية ..انا اتفق معكم بالكامل ان سبب التسيب والبطالة المقنعه بمؤسسات الدولة هي بسبب العملية السياسية التي قامت على مبدأ المحاصصة فأغلب مؤسسات الدولة تم زج فيها تعيينات على اساس الولاء الحزبي والولاء الطائفي والولاء المذهبي وليس على اساس الكفاءة او المهنية والتخصص في الدراسة ..فهناك قدرات كفوءة من الشباب لازالت معطلة ..لذلك تجد التعيينات الجديدة على هذا المبدأ الذي ذكرته ..فمجلس الخدمة الاتحادي هذا المجلس من المفترض منه تنظيم عملية توزيع التخصصات حسب الانسيابية الى المؤسسات الحكومية لكن مع الالاسف ان هذا المجلس معطل حاليا حيث تم تشريع قانونه لكن لم يتم التصويت على مجلس المفوضية بسبب المحاصصة لذلك حقيقة ان تعبئة المؤسسات بالخريجين لاتتم على اساس الكفاءة العلمية ولاتوجد هناك فلترة وهي احد الاسباب انك تجد ان الخريج المتعين حديثا لايمارسون عملهم بالشكل المطلوب الى جانب ان الموظفين القدماء حتى لو يتنهي عقده يبقى في وظيفته بسبب الاجتهادات للامانة العامة لمجلس الوزراء ..يجب تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي ليضع حد لهذه التعيينات العشوائية ..اذ نحتاج في مؤسسات  الدولة طاقات شابة مبدعة تنهض بهذه المؤسسات
لذلك تجد بعض الخرجين يضطرون لدفع مبالغ معينة كرشوة للحصول على أي وظيفة كانت ..وهذا امر غير مشروع ويحاسب عليه القانون على الدولة توفير الوظائف الى هؤلاء الخرجين على اساس احقيتهم بالمواطنة لكن يجب ان تكون التعيينات على اساس المفاضلة واختيار الكفاءات الضرورية للمؤسسات lلحكومية .

 في الوقت الذي يعيد فيه موقع الحكمة نشر هذا الجهد الصحفي المتميز بكل اعتزاز واحترام نقلا عن وكالة الأنباء العراقية المستقلة فإنه يعتذر لزواره الكرام عن الأخطاء اللغوية الفاحشة  والكثيرة التي ارتكبها الصحفي الموهوب مؤيد عبد الوهاب والتي حاولنا تصحيح البعض منها قدر المستطاع ، آملين من إعلاميينا الشباب التوجه للالتزام بضوابط اللغة التي يقدمون من خلالها كتاباتهم للقراء . وشكرًا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*