الأسرة وعملية التنمية الاقتصادية في العراق: إحصاءات وبيانات وحلول مقترحة

519

 

18-7-2014-2-d

الكاتب : أ . أحمد المسعودي..
تتمتع الأسرة بدور حيوي وفاعل في البناء المجتمعي ، بل ولها الدور الكبير في التنمية الاقتصادية ، وذلك بحكم موقعها المنتج ثقافيا واقتصاديا وفكريا وميدانيا لأنها مركز صناعة الذات البشرية بمنظومتها الأخلاقية ، فكلما كان البناء سليما في هذه الحديقة العطرة كلما كانت الأجواء مؤهلة.

  تشير الدراسات المعتمدة أن معدل الفقر في العراق هو 43 % ، ومعدل البطالة 40 % ،  وان 39 % من الأسر لا تمتلك سكن خاص بها ، و 21.7 % من الأسر تعيش بشكل مزدحم ، ومعدل الأمية 21% وهذه النسبة توزعت بين 24 % منهم لم يلتحقوا بسبب الأوضاع الاقتصادية ، و 5.1 لم يلتحقوا بسبب عدم توفر مدارس قريبة منهم ، 45.5 % بسبب عوامل اجتماعية تتعلق بالإناث ، أما النسبة الباقية فبسبب عوامل مختلفة أهمها الشعور  بعدم الجدوى من التعليم ، و 12 % من الأسر العراقية لديها حالات وأمراض مزمنة ، في حين 36 %  تعتمد بشكل مباشر في معيشتها على التقاعد والضمان الاجتماعي على بساطة المصدرين ، و88 % لم تستثمر الوقت بشكل كافي ، وتراوحت النسبة بين الذكور والإناث  بواقع 239 دقيقة لليوم الواحد بالنسبة للذكور ، و294 دقيقة لليوم الواحد بالنسبة للإناث ، وتبين – أيضا – أن الأسر العراقية تشاهد التلفاز بنسبة 93 % بواقع ثلاث ساعات ونصف للذكور وأربع ساعات ونصف للإناث يوميا كحد أدنى ، وان 36 % من الأسر بذمتها قروض وتباينت أسباب القروض بالشكل الآتي ، 58 % من حالات الاقتراض لتلبية حاجات أساسية ، 12 % من القروض لتلبية حاجات استهلاكية سلعية ، أو غيرها من الحاجات السنوية ، و 20 % من حالات الاقتراض لحالات المرض ، وأن 48 % من الأسر غير راضية عن الدخل الذي يكسبونه بسبب قصوره عن تلبية طموحاتهم ، كما أن الأسر العراقية تعاني من عجز سكني بنسبة 3 مليون وحدة سكنية ، و28 % منها تسكن الصرائف والأكواخ ، و35 % من أفراد الشعب العراقي يعيشون على الدولار أو أقل من الدولار الواحد يوميا ، و 12 % من الأسر فقدت معيلها بسبب الحروب ، و49 % منها تعتقد أن البطالة سبب مباشر في عرقلة دور الأسرة في مجالات التنمية لأنها تسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية كثيرة ، بالعودة إلى خط الفقر الذي بيناه اعلاه ، يمكننا حل إشكاليته عبر تطبيق سياسة ترفيه اقتصادية شاملة ، بدايتها من خلال اعتماد قاعدة بيانات وزارة التجارة لجرد العوائل الواقعة ضمن خط الفقر، او تحت خط الفقر ، ومعرفة أسباب الفقر ، ومن ثم توظيف الاموال العامة لإصلاح أحوالهم الاقتصادية بصورة غير مباشرة ، وهذا يتم من خلال استثمار الطاقات في كل أسرة فقيرة ، كأن يكون الاستثمار من خلال وجود أيدي عاملة داخل الأسرة ، او من خلال توظيف الخبرات والمهارات ، او من خلال دعم الاسر المنتجة ، او من خلال تدوير الصحراء وتوزيعها على العوائل الفقيرة العاملة ، للبدء بعملية نهضة اقتصادية أسرية شاملة ، وعندما تحل هذه المشكلة التي خلفت وراءها أمراضا مجتمعية جسام ، ستنتهي بدورها الأمراض المستعصية المرتبطة بالفقر ، كارتفاع مستوى الجريمة ، وتفكك الأسرة ، وشيوع الفساد الأخلاقي الناتج عن الفقر ، وحالات التسول وغيرها من المشاكل التراكمية التي يسببها الفقر في المجتمع ، ونود الإشارة إلى ان معالجة المشكلة الاجتماعية المتمثلة بالبطالة جزء من حل مشكلة الفقر لان البطالة سوف تعطي دفعا اقتصاديا كبيرا للاسر الفقيرة على اعتبار ان نسبة البطالة مرتبطة إحصائيا بنسبة الفقر ، بمعنى ان العائلة التي تعاني من الفقر بالأصل هي عائلة تشكو من ظاهرة البطالة بمعنى أن المؤثرات مرتبطة فيما بينها ، والنتائج كذلك  .

     وعند تحليل هذه البيانات يتضح أن  الفقر حسب أنواعه ، الفقر الثابت – المتواصل -والفقر الطارئ أو ألظرفي الناجم عن أزمة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية عابرة أو كارثة طبيعية .. إنما هو عامل سلبي يؤدي إلى تفاقم الوضع وتدهوره أكثر ، واهم الأسباب التي ساهمت في الفقر هي البطالة لان العمل يساهم مساهمة فاعلة في استقرار أو تحسين المستوى ألمعاشي ، فضلا عن سياسة الدولة المتخبطة التي من شأنها أن تؤثر سلبا في واقع الحياة ، وتنعكس سلبا على مسار التنمية الاقتصادية الشاملة للفرد ثم الأسرة ، ثم المجتمع .. وتتشابك الأسباب المعرقلة للتنمية الاقتصادية وتترك آثار كبيرة جدا على مسار التنمية لأنها تؤدي إلى ظهور انحرافات كبيرة على مستوى سلوك الأفراد وأخلاقهم ، فتظهر سلوكيات جديدة مفاجئة على المجتمع العراقي لأن الفقير غير المتعفف يجيز لنفسه كل الأمور التي تمكنه من الحصول على لقمة العيش ، فيتجرد من كل الضوابط الاجتماعية إلا ما ندر ، والفقر يؤدي كذلك إلى عدم تمكين الأطفال من التعلم بسبب تخلي الآباء عن مسؤولياتهم ، مع صعوبة الظروف الاقتصادية المعيقة لاستمرار عملية التعليم مما يؤدي إلى انتشار الأمية بين الأطفال ، كما يسبب الفقر ومؤثراته تدهورا في الوضع الصحي داخل الأسر العراقية مثل كثرة حالات الوفيات من جهة ، وانتشار الأمراض وظهور الجريمة  وحالات الانتحار ، وتشظي الأسر وتفسخها بسبب حالات الطلاق ، وغياب الضابط الأخلاقي الذاتي وغيرها من هذه المظاهر تشكل مؤثرات سلبية كبيرة للغاية تعيق عملية التنمية سلوكيا وواقعيا .

العوامل المعيقة للنهوض بواقع الأسرة في العراق:

        من أهم المعوقات التي تشكل تحديات كبيرة تقف في وجه تطوير وتفعيل دور الأسرة في العراق لتكون مشاركة ايجابية في عملية التنمية الاقتصادية الشاملة ما يلي :

–    القيم الأسرية التقليدية والنزعة السلطوية في الثقافة الأسرية ، التي انعكست آثارها سلبا على سلوك الأسرة وعملها الميداني ، لأنها سببت تراجعا في الأداء.

–    عدم وجود أفق واسع  وسياسة عامة واضحة للانطلاق نحو إصلاح حال الأسرة وتفعيل دورها في عملية التنمية أي غياب عملية التخطيط والتحليل للمشاكل الأسرية وكيفية حلها.

–     غياب المحفزات المجتمعية وظهور حالة الأنانية في المنظومة الأخلاقية الأسرية ، والاجتماعية ، والتراجع المعنوي وثقافة اللا تعاطف وغياب الرقابة الذاتية.

–    تخبط بل وانعدام الدراسات الحقيقية والتخطيط الموجه والمدروس ذات الانعكاسات والنتائج البعيدة المدى .

–    عدم وجود قوانين لتفعيل التنمية ، مثل قوانين دعم الأسر المساهمة في التنمية الاقتصادية ، وقانون دعم وتبني الأفكار الطموحة .

–    انعدام السياسات الاستثمارية التي من شأنها أن تساهم في وضع خطة استثمارية شاملة تأخذ من خلالها الأسرة دورها في عملية التنمية الشاملة ، وتوزيع قدرات الأسرة وتحليل إمكانية أو عدم إمكانية تبنيها دورًا تنمويًّا معين ، ومنح الدور إذا كانت قادرة ، وتدريبها وتنميتها في حال لم يتضح لها إمكانية على التنمية ، أي تنمية قدرات تؤهل لاستثمارها فيما بعد .

–    وجود طبقات اجتماعية ذات فوارق كبيرة في الدخل (اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء) خلفتها السياسات الحكومية الخاطئة والمتراكمة ، وغياب التكافل الاجتماعي الذي يبث التوازن في التفكير ومن ثم تتولد عملية إنتاج أفكار تنموية طموحة .

–    عدم توفر القيادة الرشيدة التي تستند إلى مرجعية معرفية رشيدة توفر القدوة النخبوية الصالحة وتحقق قيم العدل والعدالة والمساواة .

–     عدم وجود تعاون وتنسيق بين الوزارات الحكومية لمعالجة مشاكل الأسر العراقية وتفعيل دورها ، خصوصا تلك القريبة من الأسرة مثل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ، ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي البحث العلمي ، فضلا عن الوزارات الأخرى .

–    غياب القيادة التنويرية المبادرة للإصلاح في العراق ، بمعنى عدم وجود هم وطنيي يستهدف واقع الأسرة .

–    سيادة منظومة القيم القدرية التي تنتج الاستسلام والخضوع للواقع الموجود وهذه المنظومة تتناقض قطعا مع منظومة القيم الايجابية التي تحفز الأفراد والجماعات على المبادرة للإصلاح والتغيير.

–    والإشكال الكبير في تعويق دور الأسرة العراقية يكمن في نظام الحكم الذي يعد نظاما خالقا للازمات الاجتماعية ، وسياسة خلق الحروب ، الصراعات الداخلية ، تنمية مشاعر العداء والكراهية ، وغيرها من الأمور الأخرى ، فضلا عن عدم تمتع النظام بميزة جعله أداة فاعلة لحل هذه الأزمات وتخفيف وطأتها في حال ظهورها ، بسبب انشغالها في الصراع على السلطة ، وترك المشاكل الاجتماعية في مهب الريح.

التوصيات والحلول المقترحة:

من التوصيات والحلول التي يمكن اقتراحها لحل بعض مشاكل الأسرة في العراق ، وتفعيل دورها ايجابيا في البناء والتنمية الشاملة للدولة ما يلي :
–    حل المشاكل المرتبطة بتفكير الأسرة والتي تعتبر عوائق تعيقها عن التقدم وممارسة دورها التفكيري الإبداعي في التنمية الاقتصادية ، مثل السكن ، والبطالة ، والفقر ، والأمراض وغيرها ، بحيث مع نهاية هذه المشكلة تبدأ تظهر استجابات تنموية أسرية ، لأنها سوف  تكسر الحواجز الخانقة للإبداع.

–    تشريع قوانين فاعلة تدعم الأسر المنتجة وتساهم في تفعيل دورها  ميدانيا في التنمية الاقتصادية ، لان هناك اسر تمتلك خبرات تنموية لكنها تفتقد للوسائل التي من خلالها يمكن الاستفادة من هذه الخبرات.

–    مشاركة الدولة لهموم الأسرة ، وذلك من خلال رفع العوائق المادية والروتينية التي تعرقل أداء مهامها في التنمية الشاملة .

–    الاستعانة بالقطاع الزراعي لتشغيل الأسر الريفية وجعلها أداة للدعم الاقتصادي الوطني ، من خلال إسنادها بقروض زراعية من شأنها أن تساعد على النهوض بالواقع الزراعي والصناعي المرتبط به ، لما لهذين القطاعين من مردودات تنموية اقتصادية ، وبذلك تتحقق ثلاث فوائد كبيرة ، الأولى تفعيل دور الأسرة في التنمية ، والثانية زراعة واستثمار مساحات شاسعة من الصحراء التي تحولت ملاذا آمنا للعصابات ، تحويل الصحراء إلى منطقة إنتاج شرق أوسطية كبيرة تكون موردا قوميا أولا وتساهم في توفير لقمة العيش المناسبة للدخل فيتوقف الاستيراد الخارجي للمحاصيل التي أثقلت كاهل الفرد وسببت له المتاعب.

–    الخروج من معيار السلطة إلى معيار الدولة في عملية بناء العراق ، وترك الصراع على السلطة لان الأسرة أيضا هي الضحية ، والتأسيس لقيم المجتمع المتمدن القادر على إدارة المجتمع إدارة تنموية .

–    التغيير الحقيقي في نمط تشكيل الأسرة ومنظومة القيم الموجودة فيها ، فالأسرة اليوم توجه الفرد إلى اللا تنمية وينبغي أن توجهه نحو التنمية ، بمعنى تشجيع عملية التفكير الايجابي للافراد والاسر لتنمية المسارات والتوجهات الفكرية نحو خلق الإبداع والتفكير الايجابي وتشجيعه ليصبح ثقافة .

–    التعليم في العراق يعد تعليما سلبيا ويتطلب الحال أن يكون تعليما ايجابيا ، بمعنى أن يفتح آفاقا للتنمية الاقتصادية ولا يجلب أمراضا مزمنة وعقدا جديدة يضيفها إلى المجتمع.

–    وضع الستراتيجية الثابتة للتنمية التي تنبثق من الفرد إلى المجتمع ، وهذه الستراتيجية تحتاج إلى أن تكون مراعية لتحويل الفرد من التفكير السلبي ، إلى التفكير الإيجابي ليتحول بذلك إلى منتج ومساهم في عملية التنمية.

–    الاستخدام الأمثل للثروات في مجالات التنمية لتوليد قدرات جديدة فاعلة.

–    اعتماد قاعدة بيانات وزارة التجارة لمعرفة الأسر التي لا تمتلك راتبًا شهريًّا بهدف معالجة خط الفقر.

–    تفعيل ضمانات الحماية الاجتماعية بشكل يحفظ كرامة جميع الأسر في العراق ، ويعالج قدر الإمكان المشاكل التي تعيق الإبداع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*