الوفد الألماني يزور العتبتين الشريفتين في كربلاء المقدسة
253
شارك
قام الوفد الأكاديمي الألماني الضيف، بزيارة العتبتين المقدستين في مدينة كربلاء المقدسة، يوم السبت الماضي، والتقوا بسماحة السيد أحمد الصافي الأمين العام للعتبة العباسية الشريفة.
وتأتي زيارة الوفد ضمن البرنامج الذي أعدته له ، مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلامية، الجهة المضيفة ، لإتاحة الفرصة أمامه للاطلاع على معالمنا الدينية، والجهود المبذولة للحفاظ عليها، ومدى ما تحظى به من احترام وتقديس لدى العراقيين جميعهم.
ولدى استقباله أعضاء الوفد، في مكتبه، رحب سماحة السيد أحمد الصافي الأمين العام للعتبة العباسية ، بهم وبسماحة السيد صالح الحكيم مسؤول العلاقات العامة في مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلامية، والتمس معرفة آراء الضيوف وانطباعاتهم عن النجف الأشرف والعراق في زيارتهم القصيرة هذه ، وعما يعرفونه عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
تحدث د. سسبيستيان غونذر نيابة عن الوفد، موجهًا شكره العميق لاستقبالهم في كربلاء، بعد قضاء يومين وصفهما بالجميلين في النجف الأشرف، كما عبر عن السعادة البالغة التي يشعرون بها لتوجيه الدعوة لهم من مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلامية ، والتي أضافت لهم اكتساب مصادر معرفية جديدة عن العراق وأتباع المذهب الشيعي ، والواقع العلمي والأكاديمي فيه ، متمثلة بالزيارات الميدانية المباشرة بعد أن كانت معلوماتهم مستمدة من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة ، ما أتاح له ولزميلته في الوفد – والكلام ما زال لدكتور سبيستيان- وهما المتخصصان بتدريس التاريخ الإسلامي والحضارة العربية في جامعات بلدهما، الاستفادة من هذه الفرصة التي وصفها بالنادرة ، لمعرفة الحقيقة بدقة عن تطور الشيعة و”تاريخهم العظيم”، وهذا ما أكده قبل أيام من زيارته للعراق، كما قال، في محاضرة له ألقاها بين مائة من طلابه ، حين عرج على موضوع الشيعة وأحداث كربلاء ، واعدًا بإضافة المزيد من المعلومات لهم بعد عودته من زيارته الميدانية إلى تلك الأراضي المقدسة التي شهدت تلك الأحداث.
وكرر زميله د.هاخايمر، الذي دَرَس العلومَ الإسلامية لعدة سنوات أيضًا ،الشكر على حسن الاستقبال الذي لمسوه في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة ، وأشار إلى اهتمامهم- في ألمانيا- بالحضارة الإسلامية العربية في العراق ، لأنهم يعرفون أن أوروبا قد بلغت ما بلغته من حضارة ونهضة في الأصل ، بما وصلها عن طريق المسلمين والعرب ، ومن هنا جاء اهتمامهم بالتراث العراقي ، إضافة إلى أن الزيارة كانت فرصة للوفد ليشاهدوا الواقع بأعينهم ، بعد أن كانوا يتابعون عبر وسائل الإعلام ، أوضاع العراق الصعبة في السنوات الماضية ، لاسيما على الشيعة في جنوب العراق، بحسب وصف د.هاخايمر.
بعد ذلك تفضل سماحة السيد أحمد الصافي بمداخلة نالت إعجاب الوفد الضيف، حيث وصف الشعب الألماني ، بالشعب المفكِّر، الذي يمتلك روح التحدي والإبداع الكامنة في العقل الألماني ، ليس في التكنولوجيا وحسب، بل في العلوم الأخرى و الأدب والفكر والفلسفة التي نبغ فيها أمثال نيتشه . وهذه العقلية الألمانية الناضجة المنفتحة تحمّل الألمان مسؤوليةً أكبر من تلك التي تقع على عاتق غيرهم من الشعوب ، من حيث افتراض صعوبة وقوعهم فريسة للتضليل السياسي والديني. كما نوه بذلك سماحة السيد الصافي . الذي قدّم لأعضاء الوفد إطلالة موجزة على تاريخ الشيعة الذين يعتبرون أنفسهم امتدادًا للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وإطلالة أخرى على التطور التاريخي الذي مرت به النجف الأشرف عبر أكثر من ألف عام كمصدر مهم للثقافة الشيعية الفكرية ، وعن الحركات الفكرية الثلاث التي انطلقت منها مكمّلةً لها في كل من مدن الحلة، وكربلاء المقدسة ، وقم المقدسة.
وأضاء سماحة السيد الصافي على الأسباب الكامنة وراء عدم إنصاف التاريخ للشيعة ، المتمثلة بمعارضتهم للأنظمة السياسية المتعاقبة على الحكم في البلدان الإسلامية ، وخشية المؤرخين من ذكر الحقائق التي تنصفهم ، تحاشيًا لانتقام الحكّام.
فالشيعة، كما أضاف سماحة السيد الصافي في مداخلته القيّمة، لم يولدوا من رحم الأنظمة السياسية السائدة في هذا العصر أو ذاك ، كما هو الحال في غيرها من المذاهب، ولهذا السبب ربما عَرَف البعضُ الأزهرَ والقيروانَ أكثر مما عرف الحلة وكربلاء والنجف كمراكز إشعاع ديني .
ثم ختم سماحته بإبراز العوامل التي تجعل من الشيعة منفتحين على جميع آراء المفكرين الغربيين والشرقيين ، على حد سواء ، من مناقشات فرويد وسارتر والمذهب الوجودي ، إلى أرسطو في المنطق الأرسطي ، مرورًا بديكارت في المنطق الرياضي، بحيث أصبحت النقاشات حرة وواسعة لا تقف عند حد، وباب الاجتهاد عندهم مفتوحًا غيرَ موصد، وحرية الحركة الاجتهادية العقلية عندهم كذلك ، وهذا ما جعل المذهب الشيعي يمتلك القدرة على المحافظة على وجوده واكتفائه الذاتي ، على مر السني.
بعد ذلك اطلع الوفد الأكاديمي الألماني الضيف على شرح وافٍ عن المرقدين الشريفين للإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، وأخيه العباس (عليه السلام)، وأعداد الزائرين سنويًا، والخِدمات المقدمة لهم، وعن المخطوطات النفيسة والذخائر والهدايا التي لا تقدر بثمن، التي تحتويها خزائن العتبتين الشريفتين، وعلى شرح الخطط المستقبلية لتطويرهما وتوسعتهما.
وفي نهاية اللقاء عبر أعضاء الوفد عن شكرهم وتقديرهم للضيافة الكريمة التي أبداها سماحة السيد وسائر منتسبي العتبتين ممن التقوا بهم.