دجاج مجوسي وآخر إرهابي ومنتجات «متسامحة» في أسواقنا

359

21-3-2014-4-d

   

يتحكم منشأ البضائع بتوزيعها على المحال حسب اللون الطائفي الغالب في الاحياء السكنية ببغداد والمحافظات الاخرى، حسب ما رصدت “العالم”.

وتمتلئ مراكز توزيع المواد الغذائية خصوصا بمنتجات تتباين نسبة حضورها، فتجد المواد الغذائية الايرانية والتركية بكميات كبيرة تاتي بعدها السعودية ثم الاردنية والكويتية، اما السورية فاخذت تتضاءل منذ وقت طويل بسبب الحرب والاضطرابات في ذلك البلد.

وبسبب التوترات الطائفية في العراق، وايضا بسبب المواقف السياسية لبلدان منشا تلك المنتجات، “توضح” حركة توزيع المنتجات على الاسواق والمحال في الاحياء السكنية نسبة النفور الطائفي، او التسامح، لدى سكان تلك الاحياء، او بعضهم.

صاحب اسواق للمواد غذائية في حي البنوك، (س)، قال لـ”العالم” ان “الزبائن عندي منقسمين قسمين”.

قسم من زبائنه، كما يقول (س)، “ياخذ البضاعة الايرانية”، اما القسم الاخر فيشتري “السعودية فقط”.

لكنه يلاحظ ان “التركي قد يشتريه الجميع”.

وتظهر هذه الميول في “كل المنتجات، حتى اللحوم والبيض والبسكويت والنستلة”.

ويروي (س) قائلا “مرة دخل زبون، وفتح الثلاجة واخذ دجاجة وسالني عن منشئها، فقلت: ايراني. فرماها في الثلاجة فورا وقال: “اعوذ بالله! هؤلاء المجوس كفرة لا يعرفون الله”! ويتابع (س)، ان هذا الزبون قال له: “اذا تجيبون ايراني بعد ما اجي اشتري منكم”. ويقول (س) ان هناك زبائن اخرين يسألون ايضا عن منشأ المنتج قبل شرائه، وبعضهم عندما يعرف انها سعودية، يرفضون شراءها معلقين بالقول: “مال وهابية”! او “ارهابية”!

ويتابع (س) ان احدهم قال له، ذات مرة، بعد ان عرف ان منشأ الالبان سعودي “انهم يقتلوننا بمال منتوجاتهم. ياخذون مالنا ويعطونه للجماعات الارهابية”.

ويستنتج (س) ان “الناس نفوسهم ضعيفة. والمجتمع طائفي”. الا انه يستدرك “لكن ليس الجميع يفكرون هكذا”.

ويؤكد باعة اخرون في مناطق متفرقة من بغداد ان هناك “عداء” مستحكما بين المنتجات السعودية والايرانية.

لكن يبدو ان المنتجات التركية “تمشي دون مشاكل”، كما قال (س).

ويتابع (س) “احيانا تصل الامور الى العصائر وحليب القواطي والاكياس وحتى الجبس”.

ويلخص الموقف من “الجبس” مجمل الحكاية. اذ يقول (س) ان “كثيرا من الزبائن يرفضون تماما شراء جبس ليز”، لكن اخرين “لا يشترون غيره”.

(ك) يمتلك محلا للمواد الغذائية في الكرادة داخل، حاول ان يجد حلا للصراع الغذائي الطائفي في حديثه مع “العالم” من خلال اعادة تاهيل وتطوير مصانع البان معروفة في السوق العراقية مثل “معامل بيت بنية والاسحاقي وابو غريب، التي كانت منتجاتها تغطي العراق باكمله”.

ذلك ان (ك) يرى ان “كل استيراد هو تخريب لاقتصاد البلد”. ويقول “انا اجلب جميع البضائع سعودية وايرانية وتركية”.

ويبدو ان للسعودية وايران نفوذ في الالبان، وليس في السياسة فقط. اذ يقول (ك) ان “الايراني والسعودي هو المسيطر على السوق”.

مشيرا الى ان “في السابق كان المنتوج السوري هو المسيطر”.

ويرى (ك) ان “في كل مكان المنتوج الايراني بيعه اسرع لان سعره ارخص”. الا انه يستدرك “لكن هناك زبائن لا يفضلونه”.

ويلاحظ (ك) ان بعض زبائنه “يسالون عن منشأ المنتج”. ويقول انه اعتاد على سماع عبارة من بعضهم، حال معرفتهم انه ايراني: “انطيني سم ولا تنطيني شي ايراني”.

ويؤكد (ك) انه يحافظ دوما على هدوئه، ولا يبالي بتعليقات زبائنه او مواقفهم “لان اي سلوك سلبي سوف ينعكس عليّ، ولن يتعامل معي الزبون بعدها”.

لكن هناك زبائن يتلفظون بـ”سباب” و”شتائم”، عندما يعرفون منشأ منتج معين، كما يقول (ك). ويضرب مثلا ان “هناك اناسا يتضايقون من المنتج الكويتي، وغالبا ما يقولون: الكويت حاربتنا ودمرتنا، وهي اساس خراب العراق، ولولاها لما جاء الامريكان”.

و”هناك اناس يكرهون المنتج السعودي وغالبا ما يقولون: السعودية هي منبع الارهاب ويرسلون الارهاب لنا”.

ويقول (ك) “عندما تجلس مكاني تسمع العجب. كل مواطن يرمي جملة كبيرة ويغادر”.

(م) صاحب اسواق غذائية، في البلديات، قال “نحن لا نأخذ البضاعة الايرانية بسبب الوضع قبل السقوط وبعده، والنظرة الطائفية التي استشرت في المجتمع”.

ويؤكد متحدثا لـ”العالم” ان في منطقته “لا تباع البضائع الايرانية”.

لكنه يقول ان بعضهم يشتريها “للتجربة” احيانا. ويؤكد ان الكثيرين في منطقته “يفضلون التركي والسعودي فقط”، ذلك ان زبائنه عندما يعرفون ان منشأ البضاعة “ايراني” يرفضون شراءها. ومع ذلك، يلاحظ(م) ان هناك زبائن ياتون لشراء البضاعة الايرانية “حصرا” مثل “لبن كالة ولبن سفن”.

لكن (م) يقول انه شخصيا لا يتعامل بطائفية مع المنتجات، فـ”انا اجلب كل شيء” لان ما يهمه هو “الجودة”، حسب ما يقول. وهو يرى ان “الالبان السعودية اكثر جودة من غيرها”.

ويؤكد ايضا ان في احيان كثيرة يسال زبائنه عن منشأ البضاعة “فاذا عرف انه سعودي او تركي يشتريه، اما اذا عرف انه ايراني فيقول: لا نأخذ البضاعة الايرانية”.

ويعرب (م) عن اعتقاده ان الموقف من منتجات الالبان والدجاج بسبب “تعبئة فكرية وسياسية”، ويرى ان الامر متروك في النهاية “للشخص وقناعته”.

وسام ابو محمد، صاحب محلات الوسام للحلويات في جميلة، مختص ببيع الجملة، يقول لـ”العالم” ان التجار ليس لديهم “اي تحفظ على منشأ البضاعة”.

لكن يلاحظ ان “عموما التركي يمشي اكثر من البقية”، والسبب كما يقول لانه “درجة اولى”، ويرى ايضا ان “الخليجي مضبوط”. ويؤكد ابو محمد ان “80% من البضاعة عندنا تركي”.

ولدى ابو محمد تجربته ايضا مع “خلفية المنتج الطائفية”.

ويروي لـ”العالم” ان “في احد الايام جاءني زبون ليتسوق بالجملة، وعندما عرف ان منشأ البضاعة ايراني قال: انا لا اشتغل بهكذا شغلات”!

ويؤكد “بعض المتسوقين مني لا يتعاملون بالمنتوج الايراني”.

ويقول ايضا “اعبر الموضوع ولا اعيره اهمية او ادخل في تفاصيله”.

ويروي ايضا ان احد المتسوقين قال له، ذات مرة، بعد ان عرف ان منشأ البضاعة ايراني: “انا لا اشتغل بهذه الشغلات، ولا اضعها في محلي، ولا احب بيعها للناس”.

ويقول ان زبائنه “سنة وشيعة” وانهم “نادرا ما يتعاملون بهذه الطريقة”، لافتا الى ان “مناطق شيعية 100% تتعامل ببضاعة سعودية وتركية بالدرجة الاولى”.

ويؤكد ابو محمد انه يسمع “كثيرا” عن اعتراض زبائن على شراء البان سعودية او ايرانية، لكنه يعتقد انها “قليلة وتحدث في الغالب خارج جميلة، في المناطق المختلطة”.

وطلب ان “لا نكبر الموضوع”، لان اذا كان التعامل مع المنتجات بهذه الطريقة “فماذا باستطاعتنا ان نفعل؟”

لكن محمد عبد الامير، صاحب محلات مواد غذائية في المشتل، يعترض على الموضوع برمته، مؤكدا ان الامر يتعلق بـ”النوعية الافضل” و”السعر المناسب”.

ويقول “75% من تجار جميلة يتعاملون بالتركي لان نوعيته افضل وسعره مناسب”، مضيفا ان “السعودي يمشي ايضا”.

لكنه يقول ان “الالبان الايرانية ما تمشي الا في فترة المدارس”، والسبب هو ان “اصحاب الحوانيت يفضلونه لانه ارخص”.

بغداد ـ وسام جعفر / العالم

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*