حوار خاص مع مسؤول الشعائر الحسينية في مكتب السيد الحكيم (مدّ ظله)

569

24-2-2013 (6)

النجف ، الحكمة خاص : محمد الشريفي

مسؤول الشعائر الحسينية في مكتب السيد الحكيم في حوار لموقعنا:

– الخطر داهمنا في كثير من المواقف زمن البعثيين لكن العناية الإلهية وبركات الإمام الحسين(ع) كانت تنقذنا من إجرامهم على الدوام.

 – السيد المرجع يرفض الصرف على المواكب الحسينية من الحقوق الشرعية لأن لها موارد صرف خاصةٍ بها حسب رأيه.

– استطعنا مؤخرًا استقدام المئات من الأجانب من اكثر من 55 دولة غربية، بعضهم هاله ما رأى في طريق الإمام الحسين(ع).

يولي مكتب سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم الطباطبائي مد ظله ، للشعائر الحسينية اهتماما بالغًا . لم يكن وليد اليوم ، و لم يأتِ من فراغ ولم يبنَ على عواطف مجردة ، بل هو نابع من معرفة دقيقة بأهمية تلك الشعائر ودورها الكبير في ترسيخ المذهب الشيعي ، وهذا ماسيطلعنا عليه سماحة الشيخ فيصل العبادي مسؤول قسم الشعائر الحسينية في مكتب سماحة السيد الحكيم(مد ظله).

مكتب صغير وجهد كبير

حين تطأ قدما أي شخص المكتب الخاص بقسم الشعائر الحسينية في مكتب السيد الحكيم (مد ظله)، والذي تحول حديثًا إلى (مؤسسة الشعائر الحسينية) ، يكاد لا يصدق أن كل الجهد المقدم من قبل القسم في خدمة الشعائر الحسينية ينطلق من هذا المكان الصغير بأثاثه البسيط ، فالمكتب أو القسم أو المؤسسة ما هو إلا غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 3×3 م ، فيها بعض الأثاث المكتبي البسيط ، مع دخولنا مؤسسة الشعائر الحسينية بادرنا سماحة الشيخ فيصل العبادي ، بابتسامة علت محياه أزاح من خلالها بعض الهواجس النابعة من الإحساس بهيبة المكان وأهميته الروحية والمعنوية في المجتمع النجفي ، كيف لا ونحن في مكتب عالمٍ كبير وجليل من علمائنا الأخيار ألا وهو سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (مدّ ظله).

24-2-2013 (1)

وكان لنا هذا الحوار مع سماحة الشيخ العبادي:

 الحكمة / متى أسس قسم الشعائر الحسينية ؟

الشيخ / بدأ العمل في قسم الشعائر الحسينية عام 1416 ه أي في أواخر عام 1995 م ، حيث بدأت مرجعية سماحة السيد الحكيم (مد ظله) أواخر عام 1994 وبداية 1995 وهنا دلالة أكيدة على الاهتمام البالغ الذي يوليه سماحة السيد المرجع بالشعائر الدينية لأن بداية العمل كما بينت تكاد تكون متزامنة مع بداية مرجعيته الشريفة .

الحكمة /  هذا يعني أنكم بدأتم العمل الفعلي في زمن النظام البائد ؟ كيف تمكنتم من ذلك في وقت يعلم فيه الجميع أن النظام اللعين كان يمنع هذه الممارسات المقدسة ويعاقب عليها بعقوبات قد تصل إلى الإعدام في كثير من الأحيان ؟

الشيخ / نعم هذا صحيح فلم نكن نمتلك الحرية للقيام بأي نشاط لخدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام ،  لأن أي تحركٍ كان مرصودًا من قبل السلطات البعثية ، وعلى الرغم من أن البعثيين منعوا سائر الشعائر الحسينية بما فيها مجالس العزاء والمناسبات الدينية إلا أن قضية السير إلى كربلاء بقيت صامدة فكان المسير يمتد من البصرة إلى كربلاء ، بالإضافة إلى المناطق الشمالية من بغداد وديالى وبلد، مع علم الزائرين أنهم قد يتعرضون للموت ! طبعًا السير إلى كربلاء كان يجري سرًا وفي طرق زراعية وطرق وعرة تجنبًا لبطش البعثيين ، وغالبًا ما كان الناس يسيرون بمحاذاة (شط ) الكوفة ،

الحكمة / في ظل هذه المخاطر كيف كنتم تمارسون عملكم إذن ؟

الشيخ / في ظل الظروف التي بينتها كان همنا الأول في قسم الشعائر هو كيفية تأمين المواد الأساسية للزائر ، من طعام وشراب وأشياء أخرى ضرورية يحتاجها، ولم تكن هناك مواكب على طول الطريق كما هو الحال اليوم ، بل هي بيوت معينة يركن لها الزائر في مسيره  ، ومن هنا كانت المعاناة الحقيقية لنا ، لسببين الأول أننا لم نكن نستطيع تقديم تلك المساعدات بصورة علنية حتى بالنسبة لأصحاب البيوت أنفسهم، فلا نحن قادرون على تعريفهم بنا ، ولا هم يستطيعون أن يطمئنوا لنا لعدم معرفة أغلبهم بهويتنا ومن نكون، لذلك كنا نضطر في كثير من الأحيان لتقديم المساعدات لمن نعرفهم شخصيًا ونطلب منهم إيصال تلك المواد والمساعدات إلى باقي خدام الحسين لتوزيعها على  الزائرين ، مع وجود بعض الاستثناءات القليلة ممن تجمعنا بهم معرفة شخصية مثل الأخ محمود البديري والأخ ميثم عزوز وآخرين ، ولعلي أذكر لكم حالة واحدة تستطيعون من خلالها أن تستنتجوا مستوى الخطر الذي كان يتربص بنا وبخدام الإمام الحسين (عليه السلام) ، فحينما كنا نروم تأجير سيارة حمل لنقل المواد الغذائية كنا ننتظر في المرآب الخاص بسيارات الحمل لفترات طويلة ريثما نجد شخصًا يمكننا الاطمئنان إليه والوثوق به ، وحتى حين نستأجره كنا لا نستطيع التصريح بحقيقة عملنا بل كنا نقول له إننا تجار مواد غذائية ليس إلا ؟ وهذا العمل كنا نقوم به أنا وأخ مؤمن اسمه ( أبو حسنين ) حيث كنا نتحمل كافة هذه المشاق خوفًا من إشراك طرف ثالث في الموضوع لئلا يشي بنا للسلطات الجائرة وقتذاك .

الحكمة / أفهم من ذلك أن عملكم كان مقتصرًا على زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) ؟

الشيخ / لا …. كنا داعمين لجميع المناسبات الدينية لكن عملنا الرئيس يرتكز على ثلاث مناسبات ؛ هي الزيارة الأربعينية ، وزيارة عرفة ، والزيارة الشعبانية .، كما كنا نقوم بدعم بعض المناسبات التي كانت تقام مثل الغديرية ووفاة النبي (ص) وكذلك دعم المواكب التي كانت تقام في الكاظمية  وأيضًا في سامراء ، والصعوبة الحقيقية التي كنا نواجهها هي أن مسير الناس كان يتم في الليل لأنهم في النهار يخلدون للنوم والراحة ولأن عيون البعثيين كانت تطاردهم في النهار وإن كان الأمر لا يختلف كثيرًا في الليل ، لكن بشكل أقل خطورة على الزائر .

الحكمة /هل تتذكر أصعب موقف مرَّ بكم في تلك الفترة ؟

الشيخ / كثيرةٌ هي المواقف الصعبة التي مرت بنا، لكن إيماننا بقضية الحسين (عليه السلام) كان على الدوام سببًا مباشرًا في تجاوزنا تلك المواقف، فعلى سبيل المثال : ذات يوم تمكنت دائرة أمن بابل من إلقاء القبض على أحد أبناء القائمين على المواكب وكان فارًا من الجيش وقتذاك  ، ونتيجة للضرب الذي تعرض له فقد أقرَ بكل شيء ووشى بأسماء أكثر من 15 شخصية مهمة كانت تقدم الخدمات للزائرين من خلال استضافتهم في بيوتهم ، ومن بين هؤلاء كانت هناك نسوة . ذلك الشخص كان يعرف أن هناك اثنين هما أبرز من يقدم المواد الغذائية والمعونات للزائرين وهما الشيخ فيصل وأبو حسنين ؟ لكنه لا يعرف بالضبط من نكون. قوات الأمن في بابل اعتقلت كل من ذكرهم ذلك الشخص وبقيت حائرة حول هوية الشيخ فيصل و “أبو حسنين” ! استخدمت مع من اعتقلتهم أبشع أنواع التعذيب حتى إنهم وضعوا إحدى الأخوات المؤمنات وكانت تعرفنا بشكل جيد ، على ( الفلقة ) من أجل أن تعترف فلم تعترف ولم تشِ بنا أبدًا ! في هذه الأثناء بدأت مديرية أمن بابل تتحسس أن لمكتب سماحة السيد المرجع (مد ظله) يدًا في الموضوع لكنهم لم يكونوا يمتلكون الدليل القاطع على ذلك ، فجاء شخص من قوات الأمن وأعتقد أن اسمه حينها كان (عزيز) وحذَّر سماحة السيد محمد حسين نجل السيد المرجع من مغبة “ضلوعهم” في القضية وإلا فالعواقب ستكون “وخيمة” ؟ ومع هذا ورغم الخطر المحدق بنا جميعًا آنذاك إلا أن السيد أشار علينا بالاستمرار دون الالتفات إلى ما حصل مع تأكيده علينا بضرورة توخي الحذر . ومن هذه المواقف الكثير، بل الكثير جدًا، لكن رعاية الباري عز وجل  وبركات الحسين (عليه السلام) كانت حامية لنا على الدوام .

24-2-2013 (3)

الحكمة / ما تفضلتم به استمر حتى 2003 تاريخ سقوط الصنم ، فكيف أصبحت طبيعة عملكم عقب ذلك ؟

الشيخ / بعد التغير الذي حصل في العراق اختلفت الأمور جذريًا ، فمن عمل مخفي إلى عمل معلن واضح، وهذا الأمر استلزم منا طاقات مضاعفة وإمكانيات مالية وبشرية أكبر، لذا فقد بدأ القسم بالتطور وازداد عدد العاملين فيه، فمن شخص واحد في البداية إلى سبعة أشخاص يشكلون اليوم كادر القسم الذي أصبح مؤسسة قائمة بذاتها ناهيك عن المتطوعين من خدام الحسين( ع) الذين يقدمون خدماتهم الطوعية  ، وزادت نشاطاتنا فأصبح لدينا توجه للأساتذة الأكاديميين والطلاب الذين نقوم بتهيئة أسباب الخدمة الحسينية لهم وتيسيرها من خلال إعداد المواكب لهم وتجهيزها ، ووصولهم إلى الإمام الحسين (عليه السلام) كي نخلق انطباعًا للقادم من خارج المذهب الشيعي ، بأن القضية الحسينية تعني الأكاديمي والمثقف وليس فقط الإنسان البسيط كما يحاول البعض أن يروج ، بالإضافة لذلك كان لدينا توجه نحو الجاليات الأجنبية في كل مكان ممن لم يكن بمقدورهم الحضور إلى العراق ، وبالفعل بدأنا باستقدام المئات منهم من أكثر من 55 دولة  غربية من أمريكا وكندا وفرنسا إلى الصين واليابان ودول غربية متعددة، وبعض هؤلاء كان مستبصرًا وبعضهم الآخر كانت الرؤيا غير واضحة عنده، فحاولنا أن نوضح لهم الأمور على حقيقتها في سبيل تسهيل معرفتهم بالقضايا العقائدية، علمًا بأنهم جميعًا من أصول تلك الدول وليسوا عراقيين، مثلًا مقيمون أو ما شاكل ذلك ، والبعض منهم كان ينبهر مما يرى حتى إن أحدهم طالب بإدخال قضية السير إلى كربلاء في موسوعة غنس حيث وصف أحدهم أن طريق الحسين هو أكبر سوق في العالم على اعتبار أن كل شيء متوفر في هذا الطريق من مأكل وملبس وشرب وأشياء ضرورية يمكن أن يحتاجها الشخص ؟

الحكمة / ما تفضلتم به وطبيعة الخدمات التي تقدمونها للمواكب الحسينية تستلزم بالتأكيد مبالغ كبيرة جدًا خصوصًا وأن المواكب اليوم تمتد من النجف إلى كربلاء وعلى جانبي الطريق ، فكيف تمولون هذه المواكب؟

الشيخ / سؤال وجيه … نعم هذه الأمور تستلزم مبالغ طائلة، وعلى سبيل المثال ففي الزيارة الأخيرة للإمام الحسين (عليه السلام) تم صرف ما يقارب المئتين وخمسون طنًا من المواد الغذائية المختلفة  لخدمة المواكب الحسينية، بالإضافة إلى الكثير من المصاريف والمتعلقات الأخرى ، و جميعها جاءت عن طريق التبرعات ، لأن سماحة السيد المرجع (مد ظله) لا يصرف من سهم الإمام أو من الحق الشرعي للمواكب الحسينية، لأن الحقوق الشرعية لها مواردها الخاصة، وهذه النقطة بالذات قد تكون غائبة عن أذهان الكثيرين، فهناك متبرعون يرصدون مبالغ طائلة للمواكب الحسينية وجميعهم من خارج مكتب سماحة السيد المرجع، لأن سماحته لا يصرف من الحق الشرعي أبدًا، وبالتالي فنحن نعتمد اعتمادًا كليًّا على المتبرعين .

 

الحكمة / لماذا لم تفكروا بالاستثمار ؟ أن تقوموا بإنشاء مشاريع معينة يكون عنوانها رفد المواكب الحسينية بالأموال بدل الاعتماد على المتبرعين ؟

الشيخ / هذا الأمر غير ممكن . أولًا لأنه من الصعب أن تجد مشروعًا يدر أموالًا بهذا القدر بعام واحد ، وثانيًا لأن سماحة السيد كما بينت يرفض أن يخصص أموالًا من الحق الشرعي وبالتالي فلا نستطيع الخوض في هذا الجانب .

 

الحكمة/ في ظل ما ذكرت ، هل صادفتكم كرامات معينة كنتم تشعرون من خلالها أن الإمام الحسين (عليه السلام) معكم أولًا بأول، خصوصًا زمن المقبور والبعثيين ؟

الشيخ / نعم، كثيرة هي المواقف والكرامات التي يحتاج الحديث عنها لصفحات وصفحات، وسأسرد لك بعض الأمثلة البسيطة على ذلك ، ففي إحدى المرات وبينما كنا في الطريق لإيصال المعونات الغذائية للزائرين على الطريق الزراعي، فإذا بنا نفاجأ بسيطرة عسكرية وسط الطريق، وجدت لأجل التفتيش عن الشاحنات التي تحمل مواد غذائية ، فسلمنا أمرنا لله تعالى ، وواصلنا السير باتجاههم ونحن نشعر أن الأمر قد قضي وأنهم سيقبضون علينا لا محالة ، وأقسم لك بالله أننا مررنا من أمامهم وكأنهم لم يرونا، فلم يوقفوا الشاحنة ولم يسألونا مجرد السؤال عن وجهتنا، وهذه هي العناية الإلهية بعينها ، لأنهم كان متواجدين لهذا الغرض . حادثة أخرى : ذات يوم نقل لي أحد الأخيار ممن كان يستضيف الزائرين في بيته أنه قد دخلت عليه مجموعة من الزائرين في وقت متأخر من الليل، وكل الطعام الذي في بيته قد نفد، فبقي في حالة حرج كبيرة عما  سيقوله لزوار الحسين( عليه السلام) . وقد فطن أحدهم لحرجه فقال له : لا تخجل وأحضر لنا ولو الماء فقط ، فأجابه : لا . الخير كثير وسيكون عشاؤكم حاضرًا فورًا، وهو يعلم أنه لا يوجد في البيت ما يقدمه للزائرين ، لكنه وعند دخوله للمطبخ وجد ( قدور ) الطبخ ملآى بالطعام، فبكى من شدة الفرح وعرف أن القضية تختص ببركات الحسين (عليه السلام) ومن هذه الأمور الكثير الكثير .

 

الحكمة / ألم تفكروا بإصدار كراس أو مجلة تعنى بسرد كل هذه الحوادث وما صادفكم خلال تلك السنوات ؟

ج/ بالفعل نحن جادون للعمل في هذا الجانب وسنسعى لإنجاز ذلك خلال العام القادم بإذن الله .

يستطيع القارئ الكريم  أن يستنتج مما تقدم حجم التضحيات والمخاطر الكبيرة التي تعرض لها العاملون في مؤسسة الشعائر الحسينية في تلك الحقبة السوداء من تاريخ العراق ( حقبة البعثيين ) لعنهم الله ، كما يستطيع القارئ أن يتصور الدور الكبيرللقضية الحسينية في هدي الناس ومعرفتهم بالحق.

24-2-2013 (2)

24-2-2013 (5)

تعليق 1
  1. جعفر المنصوري يقول

    يالله… مواقف جميلة…فيها عبر كثيرة!
    حقاً إن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) فيها الكثير من الأمور الغيبية…حفظ الله هذا الشيخ..وكم أتمنى أن أزور السيد الحكيم (حفظه الله)…ولكن لا أدري في أي وقت يكون مناسباً..وفقكم الله

إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*