إصلاح الأسرة وتنفيذ القانون يحدان من نسب ارتكاب الجرائم

716

الحكمة – متابعة: صدم ابو سعيد حين دعي الى مركز الشرطة بعد ان القي القبض على ولده متلبسا بجريمة سرقة مع اثنين من اصدقائه، ليكتشف ان ولده سعيد الذي كان يخرج كل صباح من اجل العمل التقى باصدقاء سوء، وصار من ارباب الجرائم، فهو يعمل في السوق ولكنه يتفق بين الحين والاخر مع المجموعة التي انضم اليها لينفذوا عمليات سرقة بدأت بمبالغ مالية من النساء المتبضعات، ومن ثم تطورت الى سرقة محال تجارية ومنازل.

وامام هذه الصدمة لم يجد الاب غير هواجس اللوم والتقريع تحوم حول رأسه كسحابة، كونه لم يهتم ولم يسأل يوما اين يذهب سعيد ؟ وكيف يقضي وقته ؟

وقال الرجل الحزين لـ”الصباح”  إن ابنه الذي ترك الدراسة منذ وقت ولم يحاسبه على فشله في المدرسة، اتخذ قراره بالعمل في السوق، ولم يمانع هو او والدته كونهم محدودي  الدخل، فضلا عن أن ابنهم اصبح شابا وله مطالب كثيرة، لكن القدر شاء ان يجتمع باصدقاء اكسبوه صفات سيئة بعد ان اضحى بالفترة الاخيرة فظا وبعيدا عن كل افراد العائلة وكثير البقاء خارج البيت .

وتعبر ام نجاح عن همومها بعد ان تورط ابنها الاكبر بجريمة قتل، وبعد ان تنقلت بين اروقة المحامين وابواب سجن التسفيرات، اصابها التعب واليأس، لكنها ما زالت تواصل زيارة ابنها في السجن بانتظار صدور امر بنقله الى سجن دائم يستقر فيه، واكدت انها خسرت ابنها وخسر هو مستقبله بعد ان قصرت في توجيهه، او لكونه كثيرا ما يبقى خارج المنزل، ويتردد على الاسواق والكراجات من اجل العمل وكسب لقمة العيش، وانتهى الامر بارتكابه جريمة قتل نتيجة مشاجرة.

مكافحة الإجرام

ومن اجل التعرف على نسب الجرائم وانواعها تحدث لـ”الصباح” العقيد قيس عامر ناجي مدير مكافحة اجرام كركوك قائلا:

الجريمة موجودة في كل وقت وعصر واسبابها عديدة وقد يكون مرتكب الجريمة رجلا او امرأة، ومن انواعها  جرائم السرقات وجرائم السطو المسلح وجرائم الخطف وجرائم القتل الجنائية، ولا يخفى ان مجتمع محافظتنا التي استقبلت اناسا مختلفين من محافظات اخرى وقد يكون بينهم من انتمى الى “داعش” وعصابات الارهاب واكسبه انتماؤه مهارة ارتكاب انواع اخرى من الجرائم،  لكن الخط البياني للجرائم في كركوك اخذ  في الانخفاض شيئا فشيئا، بعد ان عززت الحكومة الاتحادية القوات الامنية في المحافظة بقوات اخرى مثل مكافحة الارهاب التي بسطت سيطرتها، واسهمت في تعزيز امن المجتمع من جميع النواحي لاشتراكها بالواجبات والمفارز وفي اعداد خطة توزيع الاجهزة الامنية ، وقد اصبحت مهام الاجهزة الامنية بعد تحرير المناطق من عصابات “داعش” اخف وطأة، واخذت تلتفت الى تكريس الأمن في المجتمع، وكان نتيجة ذلك اننا سجلنا في الشهرين الاخيرين عددا قليلا جدا من الحوادث في الموقف الذي يرفع الى بغداد بعد حصر وتدقيق مواقف جميع مراكز الشرطة في المحافظة.

وبين ناجي ان اجراءات التعامل مع الجريمة  تتلخص بعد الابلاغ عن اي حالة بنصب كمائن للعصابات المنفذة والاعتماد على مصادر المعلومات وكاميرات المراقبة، وتتابع الدوريات تحركات المطلوبين، ووفق المعلومات المتوفرة والادلة وتتم ملاحقة المجرمين والقبض عليهم، ويبدأ التحقيق معهم، فتسجل اعترافاتهم وعلى ضوئها تتم احالتهم الى القضاء لاصدار الاحكام وفق المواد القانونية.

ونوه ناجي على ان آخر موقف سجلته دائرته تضمن  19 حالة سطو مسلح تم اكتشاف مرتكبي 17  حالة منها والحالتين الاخرتين قيد التحقيق، وارتكبت 23 جريمة قتل اكتشف منها 18 جريمة، واما جرائم الخطف فقد بلغت 26 جريمة تم اكتشاف جميع منفذيها،  ولا تتوقف مهام الدائرة عند متابعة التبليغات فقط، بل تابع الدائرة ارباب السوابق وفق معلومات متوفرة في مقر المديرية، وتتابع كذلك النوادي الشبابية والكازينوهات والمقاهي التي يتجمع فيها الشباب، والبحث عن بعض الحالات التي تؤكد وجود مجرمين او مخططين لجرائم.

ولفت ناجي الى ان الوزارة ومن خلال التوجيهات اعدت برامج عمل واليات لتطوير قدرات المنتسبين في اساليب التعامل مع الجرائم وذلك للحد منها او القبض على مرتكبيها من خلال دورات تثقيفية للضباط والمنتسبين تحث على الابتعاد عن المخدرات، وتوضح كيفية التعامل مع انواع الجرائم والمجرمين على ضوء الانفتاح في وسائل الاتصال وانتقال تجارب سلبية من الخارج كان لها تأثيرها في افراد المجتمع خاصة فئة الشباب فان اغلب مرتكبي الجرائم تنحصر اعمارهم ما بين الـ 20 والـ 30 سنة، واكثرهم من بيئة تشجعهم على ارتكاب الجريمة كأن يكون من عائلة مفككة اسريا او نشأ خارج المنزل او فاقد للابوين ولم يجد الرعاية الكاملة وكذلك متعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية وغيرها من الاسباب.

الاسباب والمعالجات

وبينت الباحثة الاجتماعية في محكمة الاحداث في كركوك زاهدة مردان لـ”الصباح” ومن خلال تجربتها بالعمل في محكمة الاحداث وعضوية لجنة في محكمة الجنايات  بان اسباب ارتكاب الجرائم عديدة واذا ما ازلنا مسبب رد الفعل الاجرامي عند ارتكاب الجرائم الآنية سنجد ان العنف الاسري من اول الاسباب، والتشرد والقسوة من الوالدين وانشغالهم عن اولادهم بمغريات الحياة او امور العمل ، وغياب دور المؤسسة التعليمية “المدرسة” او الفشل فيها ، والاصابة بالامراض التي تدخل ضمن تركيبة  الشخصية الاجتماعية للفرد من جراء التربية اثناء الطفولة ، ووجود البؤر التي تساعد على اكساب المراهقين سلوك العنف من خلال تقليد شخصيات مشهورة او التأثر بمحيطهم الذين يخالطونه، فيدفعهم ذلك الى امتلاك الادوات الحادة كالسكاكين او حمل السلاح بصورة سرية كانعكاس لاثبات شخصياتهم لاسيما ان الاعمار مابعد سن المراهقة وحتى العشرينيات يكون فيها الشاب مندفعا وقابلا للاستفزاز.

وتضيف مردان بأننا لا نستطيع ان نحدد ارتكاب الجرائم بابناء الطبقة الفقيرة فقط او الذين يعانون العوز فان المجتمع تعرض لغزو سلبي بسبب الانفتاح وغياب الرقابة استهدف الفئات العمرية المتوسطة من خلال انتقال تجارب تسبب الاضرار من مجتمعات اجنبية من بينها تقليد تأسيس العصابات والاستخفاف بالقانون.

واضافت مردان ان المعالجات الناجعة تكون عبر قوة تنفيذ القانون من قبل الجهات المختصة واصلاح الجهاز المسؤول عنه ومحاربة الفساد القانوني عبر ادوات الدولة، اضافة الى ايلاء الشباب من الذكور والاناث اهتماما خاصا في النشاطات المؤسساتية وتنمية المواهب وتوجيههم نحوها واستثمارها، ويقع الدور ايضا على منظمات المجتمع المدني، وضرورة توفير الامن الاجتماعي المتضمن السكن والطعام والدراسة والترفيه وتوفير مؤسسات لاستقطاب المشردين وضحايا انفصال الابوين ، وابعاد شبح البطالة عن الشباب ، مضيفة ان من الضروري ان لا نغفل دور الوالدين في نصح وتوجيه الابناء ومتابعتهم والانتباه اليهم كي لايكونوا فريسة سهلة لاصدقاء السوء بتنمية الفطنة لديهم بشأن المصلحة العامة، والابتعاد عن روح الانتقام، فالتربية ليست بتوفير الطعام والشراب واعطاء المال وتوفير الاحتياجات،  فقد نظرت المحاكم في جرائم لابناء من آباء وامهات متعلمين وبمستوى ثقافي عال الا انهم جهلوا دورهم الاسري.

الصباح-كركوك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*