تأريخ “سبايكر” من بابل المحاويل 1991 إلى تكريت 2014

516


الحكمة – متابعة : دُفِن والد سعد حنتوش (52 سنة) في المقابر الجماعية، في منطقة المحاويل، شمالي الحلة، مركز محافظة بابل، بعد الانتفاضة الشعبانية في 1991، ثم ذبح ابنه حسين، في مذبحة “سبايكر” 2014.

وعلى رغم المسافة الزمنية البعيدة بين فقدان الأب والابن، الا ان حنتوش يعتقد ان “الفاعل واحد، والاسباب واحدة، والضحية واحدة ايضا”.

وبعد سقوط النظام السياسي في العراق في 2003، هرع حنتوش الى البراري خلف معمل طابوق المحاويل وتمكن من التعرف على رفاة والده، ولم تكن سوى بقايا عظام، وجمجمة ثقبتها رصاصة.

وفي سبايكر داعش، يبدو حنتوش يائساً من العثور على جثته ابنه، بعدما قيل ان افراد تنظيم داعش رموا الجثث في النهر.

وابن حنتوش، حسين، (21 سنة) كان من ضمن المئات من الشباب، الذين أسرهم التنظيم وساقهم الى مذبحة جماعية مروّعة، وثّقها الناجون والشهود، ومقاطع الفيديو، وعشرات الصور.

ويقول حنتوش نقلاً عن ناجين زارهم في سعيه لمعرفة مصير ابنه، والاطلاع على حقيقة ما حدث، ان “ابنه كان من بين ضحايا مجزرة الاعدام الجماعي”.

وسعى الرجل المنكوب في التعرف على ابنه، عبر التدقيق في عشرات الصور التي تُظهِر الضحايا، وهم مستلقين في الحفر، و مقيّدي الأيدي لكن فشل في ذلك.

وبحسب الناجي الوحيد من المذبحة الذي زاره حنتوش، فان “الضحايا، دُفنوا في مقابر جماعية، أو رُميت جثثهم في النهر”.

وحنوش الذي سعى جاهداً طوال السنوات الماضية الى نسيان مأساة مقتل والده في اعدامات “المحاويل” الجماعية، الا ان فقدانه لابنه مرة اخرى في مذبحة سبايكر، ايقظ الذكريات المرّة وتفاصيلها المفزعة، عن أحداث تسعينيات القرن الماضي.

يقول حنتوش “لقد اعاد التكفيريون وازلام النظام السابق التاريخ نفسه، فمثلما تم حجز المئات من الابرياء في اماكن عسكرية مغلقة في المحاويل، وتُرِكوا لعدة ايام بلا مأكل أو مشرب، فان شاب سبايكر (بحسب الناجين)، قتلهم الظمأ والخوف قبل ان ينهي حياتهم الرصاص”.

ووقال عضو مجلس النواب سابق، إنه “استطاع التعرف على 30 إرهابياً من عصابات داعش، من المشاركين في مجزرة قاعدة سبايكر العسكرية، من خلال الأفلام الموثقة بالمجزرة”.

وأوضح النائب أن “جميع الذين تم التعرف على هوياتهم هم من أهالي محافظة صلاح الدين، ونفي بعض الأطراف أو العشائر بضلوع ابنائها في الجريمة لا يغير من الحقيقة شيئاً، فهناك أدلة موثقة فدوياً تظهرهم وهم يشاركون في الجريمة البشعة”.

وبنفس الطريقة التي صُبّ فيها الرصاص على رؤوس ضحايا المقابر الجماعية، قسّم الارهابيون، الشباب المحتجزين، الى مجموعات لكي يطلق عليهم الرصاص فيما بعد”.

ومثّلت جريمة المقابر الجماعية في 1991، ومذبحة سبايكر، مشهدا ترويعياً سيطل عالقا في الذاكرة الانسانية لفترة طويلة، فيما يعتبر السادس عشر من آيار/ مايو، يوماً للمقابر الجماعية في العراق، لإحياء ذكرى الضحايا كل عام.

وكان شاباً عراقياً قدّم شهاد حية نشرتها منظمة “حقوق الانسان”، يصف فيها بالتفصيل ما جرى في احدى حملات الاعدام الجماعية التي اقترفها افراد النظام العراقي البائد. وقالت المنظمة انها “اول شهادة مستقلة حول الطريقة التي قمعت بها الحكومة العراقية الانتفاضة بعد حرب الخليج في 1991 “.

ومن وجهة نظر أسامة الياسري، الذي شارك في الانتفاضة الشعبانية ونجا من الإعدام بأعجوبة ثم فَقَد ثلاثة من أفراد أسرته في المقابر الجماعية، فانه “مثلما اقتيد المئات من المواطنين من الشوارع، بعد الانتفاضة الشعبانية، وقتلوا على ايدي افراد المنظومة الامنية للنظام السابق، فان المئات من الشباب المجنّد في قاعدة “سبايكر” الجوية، اقتيدوا في يونيو/ حزيران، تحت تهديد السلاح، وهم عزّل من قبل افراد ينتمون الى تنظيم (داعش) ومناصريهم من النظام البائد واعدموا في المناطق المنعزلة بذات الوحشية التي ارتبكت فيها عمليات الاعدام الجماعية في تسعينيات القرن الماضي”.

ومثلما كانت رسالة المقابر الجماعية، هي في بث الرعب بين الناس، وتحذريهم من عدم الثورة على نظام صدام حسين، فان رسالة “سبايكر” هي الاستسلام، لمقاتلي التنظيم المتطرف، وافكاره التكفيرية.

وكان تنظيم داعش قال في شرائط فيديو إنه قتل 1700 جنديا، فيما اعلنت منظمة “حقوق الانسان” العالمية، إنها وثقت الحادث بواسطة صور التقطت بالأقمار الاصطناعية.

النائب عن ائتلاف “المواطن” حبيب الطرفي، يقول إن “مجزرة سبايكر أبشع جريمة في تأريخ العراق المعاصر “.

وكانوا مقاتلو تنظيم داعش اجتاحوا الموصل في العاشر من يونيو/ حزيران، وهجّروا المئات من الاقليات، وارتكبوا مجازر وحشية، واعدامات جماعية، لكل من يخالفهم في الفكر والعقيدة.

ويقارن أسامة الياسري بين مذبحتين، فمثلما اقتاد رجال الامن في النظام السباق أفراد أسرته مع المئات من ابناء مدينة الحلة، ووضعوهم في شاحنات قطعت مسافة نحو 30 كيلومترا باتجاه منطقة المحاويل، اقتاد ارهابيو الشباب الاعزل لمسافة 20 كيلومترا إلى أرض “قصر صدام القديم “.

ويكظم الياسري حسرته في داخله، ويقول “كان الفاعل واحد، فقد عصبت اعين المغدورين في المحاويل، ووُضِعت الغمامات على وجوه شباب سبايكر استعدادا لإعدامهم”.

وفي ثقة، من انّ العدالة الإلهية، ستلحق العقاب العادل بمقترفي الجريمة، يرى الياسري ان التشريع الذي يعتبر تأريخ اقتراف جريمة سبايكر، “يوماً وطنياً”، سيكون رد اعتبار للشهداء، واستذكار المئات من شباب العراق المغدورين.

 

المسلة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*