عن حياة الرادود الحسيني حمزة الزغير

1٬043


كربلاء المقدسة متابعة الحكمة : ولد بجوار الإمام الحسين عليه السلام، فكان حبه يجري في عروقه وينبض مع دقات قلبه، استنشق هواء كربلاء لينعش عبير نسيمها صدره يتيما، لتنطلق بصوته قصائد حسينية نقشت في الذاكرة، واستساغتها ألسنة عامة الناس بعفويتها وبساطتها، ليتخذها (الرواديد) مدرسة ينهلون من عذب ما أجادت به حنجرته الأصيلة إلى يومنا هذا، تعلم القران من الكتاتيب، ورضع مبادئ الامام الحسين مع حليب أمه، رفضت نفسه الأبية التجارة بخدمة المنبر الحسيني فلم يمثل المال شيئا بالنسبة له، أو سبيلا إلى تحقيق مكاسب دنيوية، كان يرفض أن يأخذ أجرا على قراءة قصائده يلقيها في أي مكان، وجسد ذلك قولا وفعلا، فقد عرضت عليه في سبعينات القرن الماضي منح الجنسية البحرينية هو وجميع أفراد عائلته مع دار للسكن وراتب شهري من أمير البحرين شخصيا ورفض بالقول “أنا من المستحيل أن اترك الحسين”، وهو الذي توفي ولا يملك قطعة ارض أو دارا في كربلاء او في غيرها، استأجر محل عمله بـ (30) دينار وعمل على الرصيف ليحج بيت الله الحرام ويقيم مجلسا حسينيا في احد شوارع المملكة العربية السعودية،

هذا الجزء الأول من الحوار المطول الذي أجريناه مع ابن (الرادود) الحاج حمزة الزغير ابي حمزة الزغير (احمد حمزة عبود إسماعيل السعدي) الابن الوحيد المتبقي (للرادود) الحسيني الحاج حمزة الزغير، تحدث به عن حياة والده وعن أمور تنشر لأول مرة، فكان شديد الحرص والتمسك بنهج والده فلم يجرِ أي لقاء صحفي سابقا، رغم العروض التي قدمت له من فضائيات وصحف ومجلات مشهورة، هذا الإباء الذي اعتبره احمد أكبر ارث تركه له أبوه، ما جعله يرفض أن يتاجر بهذه التركه الثمينة وهذا الاسم الحسيني الذي تلازم وتزامن مع أيام عاشوراء، ليسمي اصغر أبناءه حمزة الزغير على اسم والده.
امير البحرين يعرض الجنسية على الرادود حمزة الزغير، الذي كان يتقاسم شقة مع الشيخ الوائلي
فضل أبو حمزة الزغير، أن يكون حورانا معه تحت المنبر الحسيني في إحدى الحسينيات الكربلائية فكان له ذلك، وهذا سهل لنا طرح سؤال كنا قد وضعناه في ذيل قائمة الأسئلة لكي لا نحرجه بالإجابة، ويتحول اللقاء إلى غير ما اعد له، فقلنا له: ما هي الفائدة المادية التي حصل عليها والدكم واستفدتم منها انتم كأبناء (للرادود) الحسيني المرحوم حمزة الزغير خاصة وانه قضى كل حياته في خدمة المنبر الحسيني؟؟ وبعد ان تلألأت الدمعة في عينه قال “لم يكن له مكان معين يقرأ به ولم يطلب مادة،بل العكس من ذلك, فقد كان أي شخص يطلب منه احياء مجلس يقول له على رأسي، ويقرأ في البيوت ولا يعتبر القراءة على الحسين من اجل الحصول على المال أو مورد للعيش، بل يعتبرها خدمة خالصة إلى أبي عبد الله عليه السلام، وفي أخر سنتين من حياته من سبعينات القرن الماضي، سافر هو والشيخ احمد الوائلي رحمه الله إلى البحرين في شهر محرم لإحياء مراسم عاشوراء لان النظام بالعراق منع أقامة تلك المجالس، وكانا يسكنان في نفس الشقة، ولهما مجالس عزاء حسينية يحضرها أمير البحرين، وفي احد الأيام أشار أمير البحرين على انفه وقال، “تأتي إلى البحرين ونمنحك الجنسية أنت وعائلتك مع راتب ودار للسكن”، وهذا كان نص ما سمعته من والدي، ولكنه رفض العرض وقال للأمير البحريني، “أنا من المستحيل أن اترك الحسين” لان الحسين عليه السلام ليس مسألة مادية بالنسبة لي، وكان في ذلك الوقت من يحط في مطار البحرين يحتاج إلى كفيل، حيث كانوا يبعثون شخصا لكي يكفله، كما ان والده اخبره أيضا بأنه يسكن في نفس الشقة مع الشيخ الوائلي الذي كان يسافر بطائرة خاصة إلى الكويت ليقيم مجلس هناك ويعود في نفس اليوم، “.
الحاج حمزة الزغير يترك محله ويعمل على الرصيف ليوفر مبلغا لحج بيت الله الحرام
لم تقتصر زيارة الحاج حمزة الزغير إلى البحرين فقط بل زار دول خليجية أخرى واقام مجالس عزاء حسينية في إيران وسوريا وحج بيت الله لسنتين في ظرف مادي صعب، فقال احمد حمزة الزغير، “زار والدي الكثير من دول الخليج لإقامة مجالس العزاء الحسيني، وسافر مرتين لحج بيت الله الحرام وفي السنة الثالثة لم يكن لديه مبلغ يكفيه للسفر، ولكن كان لديه في حينها (مكوى) ملابس وجاءه شخص صاحب مكتب للسفر واعتقد إن اسمه كان حاج تقي من منطقة العباسية، سُفِر فيما بعد إلى إيران، وعرض عليه أن يأخذه إلى مكة مقابل أن يترك له (المكوى) مدة من الزمن إلى أن يجمع الحجاج الذين سوف يأخذهم معه، وفعلا ترك المحل له واخرج (المكوي والميز) على الرصيف، حيث كان مبلغ الحج في حينها (30) دينار، وان محل الحاج حمزة يقع في ساحة الإمام علي عليه السلام، تحديدا في ملك حاج ذياب مقابل حسينية “أبو طحين” وعند توسعة الشارع خلال الحرب مع إيران هُدم، وعرضت علينا مبالغ مغرية وصلت الى (800) دينار بعد وفاة والدي ولم أبعه رغم أنهم وافقوا أن تبقى صورته في المحل”.
حمزة الزغير يقيم مجلسا حسينيا في احد شوارع المملكة العربية السعودية
وذكر لنا الحاج احمد موقفا حصل مع والده في المملكة العربية السعودية، “في احد السنين طلب منه العراقيون الذين سافروا معه للحج إقامة مجلس عزاء حسيني في داخل المملكة، وقد اعتلى برميلا كان موجودا في الشارع وأقام مجلس غير آبه بما قد يحصل معه، وعند سؤال الشرطة السعودية له كيف يفعل هذا في الشارع أجابهم بنص القول: (ألا تعلمون إن العراقيين مجانين بحب الحسين اتركوهم على جنونهم، واتركوني أكمل المجلس وإذا كان لهذا تأثير عليكم بإمكانكم اخذي، وإذا لا لم يكن فاتركوني أعود إلى بلدي)، وبعد انتهاء المجلس تركونا فعلا، وأنا سألته عندما ذكر هذه القصة، لماذا فعل هذا أجاب، بان أمنيته أن يقتل هناك، لكي تبقى ذكرى مدى الحياة بأنه في سنة مقتل حمزة الزغير في مكة حدث كذا وكذا”.
حمزة الزغير يضع علم (راية) في موكب بمحافظة السماوة ليعيش له ولد
وقضى الحاج حمزة الزغير شبابه بإقامة مجالس حسينية في اغلب المحافظات العراقية بحسب ولده الحاج احمد، “في أيام شبابه لم يكن يقرأ في كربلاء بل في المحافظات، وسمي باسمه احد المواكب في مدينة السماوة (موكب عزاء السماوة صوب الصغير) ولحد الان موكبهم موجود، وعندما يأتون إلى كربلاء في أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، يرفعون صورة الحاج حمزة في موكبهم، وأتذكر إن والدي روى لي حادثه تخصني شخصيا وهي بأنه عندما ولدت وضع والدي الحاج حمزة علم (راية) في حسينية أهل السماوة واخبرهم بأنه يضع هذا العلم راجين من الله ببركات الحسين أن أعيش له، وكان له مجالس في البصرة واغلب محافظات الجنوب والوسط ولكن فيما بعد طلب منه أهالي كربلاء أن يبقى في كربلاء ولا يترك محافظته في ايام عاشوراء.
يتبع… في جزء ثاني: هل ألقى المرحوم الحاج حمزة الزغير قصائد سياسية، وكيف كانت تفحص قصائده من قبل النظام السابق.

 

نون

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*