الكتاب: شرح العروة الوثقى
المؤلف: السيد محمد باقر الصدر
الجزء: ٤
الوفاة: ١٤٠٢
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٩١ - ١٩٧١ م
المطبعة: مطبعة الآداب - النجف الأشرف
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

بحوث
في شرح العروة الوثقى
تأليف
السيد محمد باقر الصدر
دامه ظله
الجزء الرابع
1

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على محمد وآله الطاهرين
2

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كان تكريس الجهود وحشد الطاقات لخدمة العلم والشريعة من
التوفيقات الربانية فالعمل في تحقيق هذا الكتاب الجليل والعناية بأبحاثه القيمة
وأفكاره العميقة نعمة عظيمة وفرصة ثمينة أتاحها لي سيدي الأستاذ المجدد
- أبقاه الله نورا يضئ درب الأمة - فعقدت العزم على تدقيق هذه البحوث
المنحدرة من منبع فياض بالفكر الناضج والاستدلال المتكامل فخرجت
ما بين من نصوص الروايات وذكرت ما أجمل فيه منها وصرحت بمصادر
ما ذكر من كلمات فقهائنا - رضوان الله عليهم - وفصلت ما أشير إليه من
الأبحاث السندية على ضوء النظريات الرجالية التي يرتضيها السيد الأستاذ
- رعاه الباري عز وجل بعينه - إلى غير ذلك مما يتطلبه التحقيق ومنه تعالى
النصر وله الحمد.
زهير الحسون
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام (1).

(1) منهم المفيد في المقنعة حيث قال كما ذكره في التهذيب الجزء
الأول ص 268 من الطبعة الحديثة " ولا بأس بعرق الحائض والجنب ولا
يجب غسل الثوب منه إلا أن يكون الجنابة من حرام فيغسل ما أصابه من
عرق صاحبها من جسد وثوب " ومنهم الشيخ في النهاية في باب تطهير
الثياب من النجاسة حيث قال " ولا بأس بعرق الجنب والحائض في الثوب
واجتنابه أفضل اللهم إلا أن يكون الجنابة من حرام فإنه يجب عليه غسل
الثوب إذا عرق فيه ".
(2) نسب ذلك صاحب شرح المفاتيح على ما نقله عنه صاحب الجواهر
في كتابه الجزء السادس ص 71 من الطبعة الحديثة.
(3) قال في الغنية في آخر الفصل الثاني " وقد ألحق أصحابنا
بالنجاسات عرق الإبل الجلالة وعرق الجنب إذا جنب من الحرام ".
(4) فمثلا قال في التنقيح الجزء الثاني ص 162 " بل عن الأمالي
إن من دين الإمامية الاقرار بنجاسته وظاهره أن النجاسة اجماعية عندنا "
مع أن الصدوق قال في الأمالي المجلس 93 ص 578 - 579 عند ذكر
دين الإمامية " وإذا عرق الجنب في ثوبه وكانت الجنابة من حلال فحلال
الصلاة في الثوب وإن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه ".
5



(1) السرائر كتاب الطهارة باب تطهير الثياب من النجاسات.
(2) مستدرك الوسائل باب 20 من أبواب النجاسات حديث 5.
(3) الوسائل باب 27 من أبواب النجاسات حديث 12.
(4) البحار الجزء الثمانون ص 117 من الطبعة الحديثة والمجلد
الثامن عشر ص 27 من الطبعة الحجرية.
6



(1) من قبيل رواية أبي بصير " قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتى يبتل القميص فقال:
لا بأس " الحديث: الوسائل باب 27 من أبواب النجاسات حديث 8.
7



(1) عن علي بن أبي حمزة قال " سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا
حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه فقال: ما أرى به بأسا قال:
أنه يعرق حتى لو شاء أن يعصره عصره قال: فقطب أبو عبد الله عليه السلام
في وجه الرجال فقال: إن أبيتم فشئ من ماء فانضحه به " الوسائل باب
27 من أبواب النجاسات حديث 4.
8



(1) الوسائل باب 7 من أبواب الأسئار حديث 4.
(2) كما في معتبرة حمزة بن حمران: الوسائل باب 27 من أبواب
النجاسات حديث 5.
9



(1) كما في رواية زيد بن علي: الوسائل باب 27 من أبواب
النجاسات حديث 9.
(2) كما في رواية ميمونة: الوسائل باب 7 من أبواب الأسئار حديث 6.
(3) أما رواية علي بن مهزيار فقد نقلها ابن شهرآشوب في المناقب
عن كتاب المعتمد في الأصول وطريقه إليه مجهول وأما رواية الكفرثوثي
فقد نقلها الشهيد (ره) في الذكرى عن محمد بن همام باسناده إلى إدريس
الكفرثوثي وطريق الشهيد إلى محمد بن همام مجهول كما أن طريق ابن همام إلى
الكفرثوثي مجهول وأما رواية الفقه الرضوي فساقطة لعدم اعتبار كتاب الفقه الرضوي.
10

سواءا خرج حين الجماع أو بعده (1)

(1) حتى ادعي الاجماع من قبل الصدوق في الأمالي كما مر في هامش
ص 1 والشيخ في الخلاف المجلد الأول ص 180 من الطبعة الحديثة قال
" إذا كانت الجنابة من حرام يحرم الصلاة فيه " ثم قال " دليلنا اجماع
الفرقة ".
(2) من المطلقات ما هو صريح في جواز الصلاة من قبيل رواية
الجعفريات عن علي (ع) في حديث قال " لو أن رجلا جامع في ثوبه
ثم عرق فيه منه حتى ينعصر لأمرناه بالصلاة فيه ولم نأمره بغسل ثوبه لأن
الثوب لا ينجسه شئ " (مستدرك الوسائل باب 20 من أبواب النجاسات
حديث 1). ومنها ما ليس كذلك كرواية أبي بصير المذكورة في هامش
ص 7 وهذه وإن لم تكن صريحة كالسابقة ولكنها كالصريحة لأن المنظور
فيها هو محذور الصلاة في القميص الحاوي على العرق انصرافا أو لكونه
القدر المتيقن.
(3) مرت في ص 6.
11

من الرجل أو المرأة (1)

(1) مرت في ص 6.
(2) مرتا في ص 6.
(3) مرت في ص 6.
12

سواءا كان من زنا أو غيره (1)، كوطي البهيمة أو الاستمناء
أو نحوهما مما حرمته ذاتية، بل الأقوى ذلك في وطي الحائض
والجماع في يوم الصوم الواجب المعين، أو في الظهار قبل التكفير (2)
13

الأول يترتب أمران: أحدهما أنه لو عرض مجوز على الحرام الذاتي - كما
لو زنى عن اكراه - لم تثبت النجاسة، لعدم الحرمة الفعلية والآخر: ثبوت
النجاسة في مورد الحرمة العرضية، لأن الحرمة فعلية. وعلى الثاني يترتب
عكس الأمرين السابقين، ففي مورد الاكراه على الزنا تثبت النجاسة، وفي
مورد الحرمة العرضية لا تثبت، لأنها تدور مدار الحرمة الذاتية، وهي
حاصلة في الأول دون الثاني (1).
وتحقيق الحال بنحو يتضح معنى الحرمة الذاتية والفعلية، ويتضح
عدم امكان المساعدة على ما أفيد من الملازمة بين المسألتين، وإن كلا منهما
تتبع مبانيها الخاصة. هو أننا تارة نتكلم في الفرع الأول، وهو الزنا عن
اكراه. وأخرى في الفرع الثاني الذي هو عنوان المسألة في الأساس، أي
الحرمة العرضية.
أما الفرع الأول، فالنجاسة في تتفرع على ملاحظة أن الحرمة هل
أخذت موضوعا لنجاسة العرق بنحو الموضوعية، أو بنحو المعرفية التي
مرجعها إلى أن موضوع الحكم بالنجاسة ليس هو الحرمة بل ذوات المحرمات
التي يشار إليها بهذا العنوان وهذا سنخ ما يقال في (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل
لحمه)، من أن موضوع نجاسة البول هل هو حرمة أكل لحم الحيوان أو
نفس العناوين الخاصة للحيوانات، كالهر والفأرة مثلا، وعنوان الحرام أو
ما لا يؤكل أخذ مشيرا إليها. ونفس الشئ يقال أيضا عن موضوع المانعية
في (لا تصل فيما لا يؤكل لحمه). والحاصل: أن هذين الاحتمالين سيالان
في جملة من الموارد، فإن بنينا على المعرفية كان عرق الزاني المكره نجسا
لأن الموضوع - على هذا - ذوات العناوين التي يشار إليها بالحرمة واحدها
الزنا وهو ثابت، نظير ما يقال على المعرفية أيضا من نجاسة بول ما لا يؤكل

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 168.
14

لحمه وإن حل لعارض. وإن بنينا على الموضوعية تساءلنا أن الحرمة المأخوذة
موضوعا هل هي ذات الحرمة الفعلية أو الوجود المشروط للحرمة، أي الحرمة لولا
الاضطرار، وهذا يعبر عنه الأستاذ بالحرمة الذاتية؟. فعلى الأول ترتفع
نجاسة العرق بارتفاع الحرمة، دونه على الثاني، لأن صدق الشرطية
لا يستدعي صدق طرفيها. هذه مباني الفرع الأول.
والصحيح منها أن الحرمة مأخوذة في موضوع النجاسة بنحو الموضوعية
وبوجودها الفعلي، أما الموضوعية في مقابل المعرفية فهو ظاهر أخذا أي
عنوان في موضوع الحكم، بمقتضى أصالة التطابق بين مقام الاثبات ومقام
الثبوت، ما لم تأب مناسبات الحكم والموضوع عن ذلك فتصبح بنفسها
قرينة على المعرفية، ولا إباء من قبلها في المقام. وأما كون الموضوع
الحرمة الفعلية لا الشرطية، فلأن ظاهر أخذ أي عنوان في موضوع الحكم
لزوم ثبوته بالفعل، لأن الوجود التقديري للشئ ليس فردا حقيقيا له،
ما لم تقم قرينة على ملاحظته. وعليه فالمكره على الزنا لا ينجس عرقه.
وأما الفرع الثاني، فالحرمة العرضية إما ثابتة لعنوان ثانوي ينطبق
على الجماع كعنوان حنث النذر، أو ثابتة لنفس العنوان الأولى للجماع في
حالة مخصوصة كحالة الحيض.
أما في القسم الأول. فالمسألة مبنية على أن الموضوع للنجاسة هل
هو حرمة العمل الموجب للجنابة - الجماع مثلا - بعنوانه، أو حرمته ولو بعنوان
ثانوي منطبق عليه. فعلى الأول لا تثبت النجاسة في القسم الأول، لأن
الحرمة لم تثبت فيه للجماع بعنوانه، من دون فرق بين أن يبنى في الفرع
الأول على الموضوعية أو المعرفية وعلى الفعلية أو الذاتية، فإنه على أي
حال يكون الموضوع أو المعرف حرمة الجماع بعنوانه، وهي منتفية في الفرض.
وعلى الثاني يصبح حال هذا القسم حال القسم الثاني.
15

والصحيح في المقام هو الأول، لأن الظاهر من أخذ الحكم المضاف
إلى عنوان في موضوع حكم فرض كونه ثابتا لذلك العنوان بنفسه، لا
بعنوان آخر منطبق عليه، وعليه فالحكم في هذا القسم هو الطهارة.
وأما في القسم الثاني، وهو ما إذا كانت الحرمة العرضية ثابتة
للجماع بعنوانه، فالمسألة تتفرع على أن نرى أن موضوع الحكم بالنجاسة
هل هو مطلق الحرمة بنحو يشمل الحرمة الاستثنائية، أو الحرمة المطلقة
بمعنى الحرمة الأصلية والمجعولة ابتداءا لا استثناءا؟. فعلى الأول تثبت النجاسة
هنا على جميع المباني المتقدمة في الفرع الأول التي كان بعضها يقتضي
النجاسة هناك وبعضها يقتضي الطهارة. وعلى الثاني تثبت الطهارة هنا على
جميع تلك التقادير أيضا. والصحيح هنا هو الأول، لأن تقييد الحرمة
المأخوذة في موضوع الدليل بخصوص الحرمة الأصلية واخراج الحرمة
الاستثنائية منها خلاف اطلاق الدليل. وبما ذكرناه اتضحت أوجه النظر
في إفادات السيد الأستاذ - دام ظله -، إذا اتضح:
أولا: أنه لا ملازمة بين الطهارة في الفرع الأول والنجاسة في الفرع
الثاني بحسب المباني.
وثانيا: أن الصحيح في الفرع الأول الطهارة وفي الفرع الثاني التفصيل
بين القسمين، فيحكم بالطهارة في الأول وبالنجاسة في الثاني.
وثالثا: أن تعليله - دام ظله - للطهارة في الفرع الثاني بظهور الدليل في
كون الحرمة متعلقة بنفس عنوان المواقعة إنما يناسب القسم الأول منه ولا
يصدق على القسم الثاني، فإن فرض الحرمة العرضية لا يساوق دائما
فرض تعلقها بعنوان ثانوي كما عرفت.
بقي الكلام في تشخيص الصغريات، وتمييز الحرمة العرضية المتعلقة
بالعنوان الثانوي عن الحرمة العرضية المتعلقة بالجماع بعنوانه.
16

(مسألة 1) العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس (1)
17

وينوي الغسل حال الخروج، أو يحرك بدنه تحت الماء بقصد
الغسل (1).

(1) من قبيل صحيحة زرارة " قلت كيف يغتسل الجنب فقال إن
لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف
ثم صب على رأسه ثلاث أكف... " الوسائل باب 26 من أبواب
الجنابة حديث 2.
18

2 - يفرض انقطاعه وتوقفه ما دام الماء ينصب بسبب ضغط الماء.
3 - يفرض انقطاعه في آن حدوث الصب وتجدده في الآن الثاني ولو
استمر الصب.
ففي الفرض 1 - لا يصح الغسل على جميع الاحتمالات الأربعة
المتقدمة، إذ حتى لو قيل بكفاية الطهارة الخبثية المعلولة لنفس الغسل
- بضم الغين - لا يمكن الالتزام بحصول ذلك في المقام، لأن مطهرية الغسل
مع وجود عين النجس وهو العرق غير معقولة، إلا أن يقال: بأن الغسل
- بضم الغين - له معلولان طوليان، أحدهما: رفع حدث الجنابة، والثاني:
رفع النجاسة عن البدن حتى مع استمرار العرق، إذ لم يعد نجسا بعد
رفع حدث الجنابة. ولما كان المعلول مقارنا لعلته زمانا فالغسل والطهارة
من الخبث والطهارة من الحدث تحصل جميعا في وقت واحد. ولا بد مع
هذا من الالتزام بأن الشرط في ترتب الطهارة الحدثية على الغسل ليس هو
الطهارة الخبثية لئلا يلزم الدور، بل عدم كون البدن نجسا بنجاسة غير
قابلة للارتفاع يرفع الجنابة، وذلك لأن مدرك الاحتمال الأول هو دعوى
أن دليل الشرطية الاجماع ولزوم الاقتصار على المتيقن منه والمتيقن هو
ما ذكرناه.
وفي الفرض الثاني، لا اشكال في صحة الغسل ولو باستمرار الصب،
فتحصل الطهارة من الخبث أولا ثم الطهارة من الحدث، ويكون الشرط
متوفرا حتى مع الالتزام بلزوم سبقه الزمني.
وفي الفرض الثالث، لا يصح الغسل بناءا على عدم كفاية الطهارة
الخبثية المعلولة لنفس الغسل الغسلي، ويصح بناءا على كفاية ذلك كما هو
مقتضى الاحتمال الأول من الاحتمالات الأربعة المتقدمة. ولا يحتاج في هذا
الفرض إلى ارجاع شرطية الطهارة إلى كون الغسل منوطا بعدم نجاسة غير
19

(مسألة 2) إذا أجنب من حرام ثم من حلال، أو حلال ثم
من حرام، فالظاهر نجاسة عرقه أيضا خصوصا في الصورة الأولى (1).

(1) من قبيل رواية محمد بن سنان " علة غسل الجنابة النظافة ولتطهير
الانسان مما أصابه من أذاه وتطهير سائر جسده لأن الجناية خارجة من كل
جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله " الوسائل باب 2 من أبواب
الجنابة حديث 1.
20

بأن الجنابة أمر اعتباري عقلائي جرى الشارع على طبقه لوضوح أن كلمة
جنب كانت مستعملة لغويا وعربيا قبل الشريعة، وأن الجنابة المأخوذة في
موضوع دليل النجاسة هنا هي بهذا المعنى العقلائي وعلى نحو الموضوعية،
فلا بد من ملاحظة الاعتبار العقلائي للجنابة، فإن كانت الجنابة قد لوحظت
فيه بحسب المرتكز العقلائي على نحو قابل للتكرر فالأمر كما تقدم أيضا،
وإلا تعين التفصيل بين الفرضين، والحكم بالنجاسة فيما إذا كان السبب
المحرم هو السابق خاصة.
وإن قيل: بأن الجنابة المأخوذة في موضوع الدليل قد أخذت على وجه
الموضوعية بما هي اعتبار شرعي مترتب على أسباب مخصوصة، فلا بد من
ملاحظة دليل هذا الاعتبار من ناحية شموله للوجود الثاني للسبب وعدمه،
فإن تم فيه اطلاق يقتضي تكرر الجنابة بتكرر وجود السبب فالحكم هو
النجاسة في الفرضين، وإلا تعين التفصيل على ما تقدم.
والظاهر أن الجنابة المأخوذة في موضوع النجاسة قد أخذت بما هي
حكم شرعي وضعي لا يقبل التكرار، وإن أخذها على نحو الموضوعية،
فيتعين التفصيل بين الفرضين.
أما إنها حكم شرعي وضعي، فلما يأتي إن شاء الله تعالى في بحث
الجنابة من أنها من الاعتبارات العقلائية التي أمضاها الشارع مع نوع من
التصرف سعة وضيقا، وكل أمر اعتباري عقلائي إذا أمضاه الشارع ثم
أخذه في موضوع حكم فظاهره النظر إلى امضائه هو سعة وضيقا لا إلى
النظر العقلائي. ومثاله الملكية التي هي عقلائية وأمضاها الشارع بتصرف
فحين يأخذها موضوعا لحرمة التصرف في مال الغير يراد بها ما كان ملكا
للغير شرعا.
وأما عدم قبولها للتكرار فلقصور دليل ترتب الجنابة على الأسباب
21

(مسألة 3) المجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل
فالظاهر عدم نجاسة عرقه (1)،
22

يغتسل، وإذا وجد الماء ولم يغتسل بعد فعرقه نجس، لبطلان
تيممه بالوجدان.
العذر باقيا، فمع بقاء العذر يكون عرقه طاهرا لعدم كونه عرق الجنب،
وإذا ارتفع العذر ولم يغتسل عادت النجاسة إلى عرقه لحصول الجنابة من
جديد، لا بمعنى أن وجدان الماء - مثلا - من موجبات الجنابة، بل إن
نفس السبب السابق يقتضي الجنابة، والتيمم يزاحم اقتضاؤه ويغلبه فترة
العذر خاصة، ومرجعه إلى جعل الجنابة مترتبة على السبب السابق باستثناء
الفترة الواقعة بين التيمم وزوال العذر.
وقد يقال بنجاسة عرق الجنب المتيمم في المقام، ويقرب بعدة وجوه:
الأول: وهو مبني على إنكار طهورية التيمم وكونه مبيحا، فيقال
أن لازم ذلك شمول اطلاق دليل النجاسة لعرق المتيمم. ويرد عليه:
أن المبنى باطل لظهور الأدلة كتابا (1) وسنة في كون التيمم مطهرا (2)
وكون التراب أحد الطهورين (3).
الثاني بعد التسليم بأن التيمم مطهر يقال: بأن مطهريته تنزيلية لا
حقيقية، والتنزيل إنما يكون بمقدار ما لوحظ من الآثار في مقام التنزيل،
والمتيقن إنما هو ملاحظة جواز الدخول في الصلاة ونحوه لا طهارة العرق.

(1) ففي الآية 6 من سورة المائدة " فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ".
(2) ففي معتبرة سماعة " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته قال: يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء
فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد " الوسائل باب 25 من
أبواب التيمم حديث 3.
(3) ففي معتبرة زرارة " فإن التيمم أحد الطهورين " الوسائل باب
21 من أبواب التيمم حديث 1.
23

وفيه: أولا: أن ظاهر أدلة طهورية التراب والتيمم الطهورية الحقيقة لا
الحكمية التنزيلية. وثانيا: أن اطلاق دليل التنزيل يقتضي سوقه بلحاظ
جميع الآثار.
الثالث: وهو مبني أيضا على أن دليل مطهرية التيمم مفاده التنزيل
فيقال: أن اطلاقه وإن كان يقتضي ترتيب كل آثار الطهارة الحدثية، غير
أن طهارة العرق ليست من آثار الطهارة الحدثية، بل من آثار نفي
ضدها وهو حدث الجنابة، وتنزيل شئ منزلة أحد الضدين لا يستلزم
تنزيله منزلة عدم ضده في الآثار المترتبة على عدم الضد، فالطهارة واقعا
مساوقة لعدم الجنابة، ولكن الطهارة تنزيلا لا تساوق الحكم بعدم الجنابة
تنزيلا. ويرد عليه - مضافا إلى أن دليل طهورية التيمم ظاهر في الطهورية
التشريعية الواقعية لا التنزيلية -: إن الطهارة ليست ضدا للجنابة بحسب
ما هو المجعول فيها، فإن مرجعها إلى اعتبار النقاء والنظافة من الحدث
المقابل لها، فإذا نزل شئ منزلة الغسل في كونه نقاءا من الجنابة ترتب
على ذلك بمقتضى اطلاق التنزيل كل ما لعدم الجنابة والنقاء منها من آثار.
الرابع: أن يقال بأن دليل طهورية التيمم مفاده الطهورية الحقيقية
لا التنزيلية غير أنه لا يقتضي رفع الجنابة، فالمتيمم المذكور جنب ومتطهر
وحيث إن نجاسة العرق من آثار الجنابة فهي باقية ببقاء موضوعها. وهذا
ما اختاره السيد الأستاذ - دام ظله - (1) حيث بنى على أن التيمم يوجب
الطهارة ولكنه لا يرفع حدث الجنابة، ولا حدث الموت فيما إذا يمم الميت
وفرع على ذلك وجوب غسل المس بمسه بعد التيمم.
ويرد عليه: أنه إن رجع ذلك في المقام إلى التفكيك بين الحدث
والجنابة بافتراضهما أمرين متغايرين، وإن الغسل يرفعهما معا، والتيمم لا

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 174 - 175.
24

يرفع إلا الحدث، إذ لم يثبت إلا كونه طهورا، ولا يقتضي ذلك إلا إزالة
الحدث دون الجنابة. فيرد عليه: أن هذا التفكيك ليس مفهوما عرفا من
الأدلة، بل ليس الحدث إلا عنوانا للجنابة نفسها، لا أن هناك اعتبارين
متغايرين للجنابة وللحدث. وهذا التفكيك لو تعقلناه. في مورد الجنابة
فكيف يمكن تصويره في الميت، لوضوح أنه لا يتصور بشأنه إلا أمر واحد
وهو حدث الموت.
وإن رجع ذلك - بعد التسليم بوحدة الحدث والجنابة - إلى أن
طهورية التيمم لا تعني كونه رافعا لشئ، وإن الرافعية تحتاج إلى دليل
خاص كما في الغسل، ومع عدمه في التيمم يكون مقتضى الجمع بين الأدلة
الالتزام ببقاء الحدث وحصول الطهارة للمتيمم. فهذا أغرب، لأن الطهارة
معناها النقاء والنظافة من شئ، فالرافعية مستبطنة فيها، واعتبارها شرعا
للتيمم عبارة أخرى عن جعله رافعا ومنظفا من شئ. وهل استفيدت رافعية
الغسل للجنابة من قوله تعالى (وإن كنتم جنبا فاطهروا) (1) إلا بلحاظ
إن مادة الطهارة بنفسها مساوقة للنقاء والنظافة؟!، فالأمر بها بعد افتراض
الجنابة ظاهر عرفا في كون الغسل رافعا لها. والشي نفسه يقال في دليل
طهورية التيمم.
وأما وجوب غسل المس بمس الميت الميمم فهو غير مبني على ما ذكر
بل على اطلاق دليله، إذ لم يؤخذ في موضوعه سوى عنوان الميت وأنه لم
يغسل، فلا بد من بحث في أن التغسيل المأخوذ عدمه هل لوحظ بعنوانه أو
بوصفه طهورا أو رافعا للحدث، فعلى الأول يجب غسل المس في الفرض
المذكور، دونه على الثاني.
الخامس: أن يقال إن دليل طهورية التيمم مفاده الطهورية التشريعية

(1) المائدة آية 6.
25

(مسألة 4) الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي
نجاسة عرقه اشكال، والأحوط أمره بالغسل إذ يصح منه
قبل البلوغ على الأقوى (1).

(1) الكلام يقع تارة: في أصل نجاسة عرق هذا الصبي بعد افتراض
كبرى النجاسة في عرق الجنب من حرام، وأخرى: في أنه على فرض
نجاسة عرقه فهل ينفع الغسل منه في رفع النجاسة؟ فهنا إذن جهتان:
أما الجهة الأولى، فقد ذكر السيد الأستاذ - دام ظله - أنها مبنية
على أنه هل يستظهر من روايات النجاسة أن الحرمة أخذت بنحو المعرفية
أو أخذت بنحو الحرمة الفعلية واستحقاق العقاب، فعلى الأول - ينجس
عرق الصبي في المقام، وعلى الثاني لا ينجس لعدم فعلية الحرمة وعدم
26

العقاب (1).
وحول ما أفيد عدة تساؤلات:
فأولا: ما معنى ايقاع التقابل بين المعرفية والفعلية، مع أن التقابل
إنما يكون بين المعرفية والموضوعية، ثم الموضوعية تارة تكون بأخذ الحرمة
الفعلية موضوعا، وأخرى بأخذ الحرمة الذاتية أو الشأنية كذلك؟!.
وثانيا: ما الموجب لادخال استحقاق العقاب في موضوع الحكم بالنجاسة
بناءا على الفعلية، مع أن فعلية الحرمة شئ واستحقاق العقاب المتوقف
على تنجزها شئ آخر، ويكفي في المقام لنفي نجاسة عرق الصبي أن يكون
الموضوع الحرمة الفعلية ولو لم يؤخذ استحقاق العقاب؟!.
وثالثا: أنه إذا فرض أن موضوع الدليل هو الحرمة الفعلية المستبطنة
لاستحقاق العقاب أو مطلق الحرمة الفعلية، فلماذا يحكم - دام ظله - بنجاسة
عرق الزاني عن اكراه (2)، مع أنه لا استحقاق ولا حرمة فعلية بشأنه؟!.
والتحقيق: أن الحرمة إن أخذت بنحو المعرفية إلى ذوات العناوين
فالحكم هو نجاسة عرق الصبي المذكور وعرق الزاني المكره. وإن
أخذت الحرمة بنحو الموضوعية فهنا ثلاثة فروض: أحدها: أن
تكون الحرمة المأخوذة بنحو الموضوعية هي الحرمة التي تكون فعلية من ناحية
ذات الفعل ولو لم تكن فعلية من ناحية الفاعل، أي أن الفعل لا قصور
فيه من حيث الانصاف بالحرمة وإن كان قد لا يتصف بالحرمة باعتبار
عدم تمامية شرائط الحرمة الراجعة إلى الفاعل. ويترتب على ذلك نجاسة
عرق الصبي المذكور وعرق الزاني المكره معا، لأن فعلهما من حيث هو
جماع بلا ملك يمين ولا عقد يكون حراما بقطع النظر عن فقدان شرائط

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 176 - 177.
(2) قال في التنقيح الجزء الثاني ص 169 " نعم إذا أكره على الزنا
أو اضطر إليه حكم بنجاسة عرقه ".
27

الحرمة الراجعة إلى الفاعل كالبلوغ والاختيار.
ثانيها: أن تكون الحرمة المأخوذة بنحو الموضوعية بمعنى الحرمة
الفعلية بلحاظ الفعل والفاعل معا، فلا ينجس عرق الصبي ولا المكره.
ثالثها: اشتراط الفعلية في الحرمة بلحاظ ذات الفعل وكذلك الفعلية
بلحاظ الفاعل، من غير ناحية الطوارئ والعوارض، فلا يضر عدم الحرمة
الناشئ من هذه الطوارئ كالاكراه مثلا، بخلاف عدم الحرمة الناشئ
من الصغر، فيفصل حينئذ بين المكره والصغير. وهذا الفرض هو الذي
يناسب فتاوى السيد الأستاذ - دام ظله - إذ حكم في الصبي بالطهارة وفي
المكره بالنجاسة. والصحيح استظهار الموضوعية والفعلية على الاطلاق من
الدليل، كما هي القاعدة في كل موضوع يؤخذ في دليل حكم، فالصحيح
طهارة عرق الصبي والمكره معا.
وأما الجهة الثانية، فقد يقال: إن غسل الصبي غير نافع، لتوقف
صحته على وقوعه بوجه قربي، وهو متوقف على مشروعيته في حق الصبي
ولا دليل على ذلك بعد اختصاص الخطابات الواقعة بالبالغين. ويجاب عن
ذلك، تارة: بأن الأمر وإن كان يختص بالبالغ ولكن الملاك يعم الصبي
تمسكا بالدلالة الالتزامية لدليل الأمر، وهو كاف في المشروعية. وأخرى:
بما ذكره السيد الأستاذ - دام ظله - وغيره: من أن الولي مأمور بأمر الصبي
بالعبادة، وهذا مع ضم كبرى أصولية وهي: أن الأمر بالأمر بشئ أمر
بذلك الشئ، ينتج المطلوب (1). وثالثة: بأن المخصص لأدلة الخطابات
الواقعية بالبالغ إنما يجدي لنفي الالزام لا لأصل الطلب بنحو ينتج الاستحباب
وهو كاف للمشروعية.
أما الأول، فيرد عليه: أنه مبني على صحة التمسك بالدلالة

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 179.
28

الالتزامية في موارد سقوط الدلالة المطابقية عن الحجية.
وأما الثاني، فيرد عليه أولا: أن هذا الوجه تطويل للمسافة بلا
طائل، إذ أستعين فيه بالكبرى الأصولية، مع أن جملة من الروايات التي
يشار إليها توجه الأمر إلى الصبي رأسا، منها صحيحة محمد بن مسلم " في
الصبي متى يصلي؟. قال: إذا عقل الصلاة. قلت: متى يعقل الصلاة
وتجب عليه؟. قال: لست سنين " (1). ومثلها: رواية إسحاق بن عمار
عن أبي عبد الله (ع) " قال إذا أتى على الصبي ست سنين وجب عليه
الصلاة، وإذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام " (2). والوجوب هنا
بمعنى الثبوت، فهو انشاء متعلق بالصبي مباشرة. وكأن السيد الأستاذ
- دام ظله - ينظر إلى رواية من قبيل معتبرة الحلبي: (فمروا صبيانكم بالصلاة
إذا كانوا بني سبع سنين) (3)، إلا أننا لسنا بحاجة إلى مثل هذه الرواية
التي لا يتم الاستدلال بها إلا بضم تلك الكبرى الأصولية.
وثانيا: أن الروايات التي تأمر الولي بأن يأمر الصبي بالصلاة مثلا إما
أن يستظهر منها أن المقصود أمر الولي للصبي بالصلاة الحقيقية الصحيحة،
أو يستظهر أن المقصود أمره للصبي بصورة الصلاة. فعلى الأول تكون
هذه الروايات بنفسها دليلا على مشروعية صلاة الصبي بمقدماتها، بلا حاجة
إلى ضم تلك الكبرى الأصولية، لوضوح أن أمر الصبي بالصلاة الصحيحة
فرع مشروعية الصلاة في حقه، وعلى الثاني لا يستفاد منها مطلوبية غسل
الجنابة، لأن أداء صورة الصلاة لا يتوقف على غسل الجنابة، فغايته استفادة
محبوبية صدور صورة الصلاة من الصبي، وأما محبوبية الغسل فلا تستفاد

(1) الوسائل باب 3 من أبواب أعداد الفرائض حديث 2.
(2) الوسائل باب 3 من أبواب أعداد الفرائض حديث 4.
(3) الوسائل باب 3 من أبواب أعداد الفرائض حديث 5.
29

ولا وجه لالغاء خصوصية الصلاة والتعدي إلى الغسل وغيره من العبادات
بدعوى الجزم بعدم الفرق، كما لعله ظاهر كلام السيد الأستاذ، وذلك
لوجود الفرق بين الصلاة والغسل من ناحية أن الصلاة المتقنة تحتاج إلى
تمرين طويل، بخلاف الغسل، ومن ناحية أن الصلاة يبتلي بها الصبي في
أول بلوغه وكثيرا ما لا يبتلي بالغسل كذلك.
وأما الوجه الثالث، فقد يستشكل فيه بأن المخصص هو حديث رفع
القلم، وظاهره قلم التسجيل الشرعي، وهو أعم من الالزام.
ويمكن الجواب على ذلك: بأن الاطلاق وإن كان مقتضى الجمود
على اللفظ، ولكن ورود الحديث مورد الامتنان مع اختصاص الامتنان
برفع الالزام دون الاستحباب قرينة على التقييد. هذا، مضافا إلى امكان
المناقشة في حجية روايات رفع القلم، لضعف سند بعضها كرواية أبي
البختري الضعيفة به (1)، ورواية ابن ظبيان (2) المشتملة على ضعفاء
عديدين (3)، واشتمال بعضها على ما لا يلتزم به، كما في معتبرة عمار الساباطي
عن أبي عبد الله (ع) " قال سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟
قال إذ أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه
الصلاة وجرى عليه القلم والجارية مثل ذلك... الحديث " (4).
والحديث مشتمل منطوقا على ما لا يلتزم به، فإذا ادعي عدم امكان
التفكيك في الحجية بين مداليل عبارة الحديث سقط عن الاعتبار، وانحصر

(1) الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس حديث 2.
(2) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 11.
(3) وهم الحسن بن محمد السكوني والحضرمي وإبراهيم بن أبي معاوية
وأبوه وابن ظبيان.
(4) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 12.
30

المخصص في الاجماع والروايات الخاصة، ولا يكون له اطلاق حينئذ لرفع
غير الالزام.
وقد تعرض السيد الأستاذ - دام ظله - إلى هذا الوجه واعترض عليه باعتراضين (1):
أحدهما: إن الأحكام بسائط، فإذا ارتفع الالزام ارتفع الجامع،
وليس مركبا من مراتب يرتفع بعضها ويبقى البعض.
أقول: إن هذا إنما يبطل التمسك بأدلة الأحكام الالزامية، ولا ينحصر
اثبات المقصود بذلك، بل يكفي التمسك بأدلة المستحبات التي تتكفل جعل
الاستحباب ابتداءا، كدليل الاستحباب النفسي لغسل الجنابة (2) ولبعض
غاياته (3)، فبها نثبت مشروعية غسل الصبي، إذ المفروض أن المخصص
لا يرفع عن الصبي سوى الالزام.
والاعتراض الآخر، إن دليل التخصيص لا يرفع الالزام، لأنه ليس
مجعولا شرعيا، وإنما هو منتزع من حكم العقل عند عدم الإذن في المخالفة
ولا بد أن ينصب الرفع الشرعي على ما هو المجعول الشرعي وهو أصل الطلب.
ويرد عليه - بعد تسليم مبناه الأصولي -.
أولا: أن الرفع وإن كان ينصب على الطلب، ولكنا ندعي اختصاصه
بتلك الحصة من الطلب غير المقرونة بالترخيص، لأنه وارد مورد الامتنان
ولا امتنان برفع الحصة الأخرى من الطلب المقرونة بالترخيص.

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 178.
(2) من قبيل قوله تعالى " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين "
البقرة آية 222.
(3) من قبيل رواية أبي بصير " لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام
إلا على طهور " الوسائل باب 25 من أبواب الجنابة حديث 3 ومن قبيل
سائر أدلة الصلوات المستحبة.
31

(الثاني عشر) عرق الإبل الجلالة، بل مطلق الحيوان
الجلال على الأحوط (1).
وثانيا: أن اللزوم وإن فرض عقليا، لكنه قابل للوضع والرفع
شرعا بتبع منشأ انتزاعه، كما هو الحال في كل آثار الأحكام الشرعية
كالسببية والشرطية ونحو ذلك، فإذا استظهرنا من دليل التخصيص أنه
رفع للالزام كان مرده إلى رفع منشأ انتزاعه، ورفع المنشأ برفع المجموع
من الطلب وعدم الترخيص لا رفع الجميع، فإن الالزام منتزع من المجموع.
وقد تحصل مما تقدم أن الوجه الثالث تام، فعلى الأقل نتمسك بأدلة
الأحكام الاستحبابية، ويؤيد المدعى: ما قد يستشعر من نفس حديث رفع
القلم من ثبوت المقتضي والملاك في نفسه، فتثبت المشروعية على مستوى
الملاك فتدبر جيدا.
(1) توجد في المقام روايتان - باستثناء مرسلة الصدوق (1) التي
لا تعويل عليها - يمكن دعوى الاستدلال بهما للنجاسة.
إحداهما: رواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع): " قال
لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة، وإن أصابك شئ من عرقها فاغسله " (2).
والأخرى: رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله: " قال لا تأكل
اللحوم الجلالة، وإن أصابك من عرقها شئ فاغسله " (3).
والكلام يقع تارة: في عرق الإبل الجلالة بالخصوص، وأخرى: في

(1) ونصها " ونهى عليه السلام عن ركوب الجلالة وشرب ألبانها
وقال: إن أصابك شئ من عرقها فاغسله " الوسائل باب 27 من أبواب
الأطعمة المحرمة حديث 6.
(2) الوسائل باب 15 من أبواب النجاسات حديث 2.
(3) الوسائل باب 15 من أبواب النجاسات حديث 1.
32

عرق غيره من الحيوانات الجلالة، فهنا فرعان:
أما الفرع الأول فالكلام في الروايتين، تارة من حيث السند،
وأخرى من حيث الدلالة.
أما سندا فالرواية الأولى معتبرة، وأما الثانية فهي كذلك، على
خدشة تنشأ من أنها رواها الشيخ الطوسي بطريقه إلى الكليني على نحو تنتهي
بهشام بن سالم (1)، وكذلك رواها في الوسائل عن الكافي مباشرة (2)
غير أن الموجود في المطبوع من الكافي انتهاؤها إلى هشام بن سالم عن أبي
حمزة (3)، فإن عين بالانصراف والشهرة في أبي حمزة الثمالي الثقة فهو،
وإن أبدي احتمال انطباقه على أبي حمزة سالم البطائني الذي لم يثبت توثيقه
حصل نحو تهافت في السند. وحله: إن النسخ التي ثبتت أبا حمزة في السند
لا معول عليها إلا من باب الاطمئنان، لعدم وجود طريق شخصي معتبر
إلى كل نسخة، بينما يوجد للشيخ طريق معتبر إلى الكليني وقد روى عنه
باسقاط أبي حمزة، فيزول الاطمئنان عن تلك النسخ، ويكون التعارض
من تعارض الحجة واللا حجة (4).

(1) التهذيب الجزء الأول ص 263.
(2) الوسائل باب 15 من أبواب النجاسات حديث 1.
(3) الكافي الجزء السادس ص 250.
(4) توجد بيانات أخرى منها: أن نقل صاحب الوسائل عن الكافي
بدون أبي حمزة يعارض نسخ الكافي الموجودة فنرجح ما في الوسائل لأن له
طريقا صحيحا إلى الكليني كما صرح به في خاتمة الوسائل وفي إجازاته.
ومنها: أن نقل صاحب الوسائل بدون أبي حمزة عن الكافي يكشف على
الأقل عن تعارض نسخ الكافي فتسقط فنأخذ بنقل التهذيب عن الكليني.
ومنها: أن تتبع الكتب التي نقلت عن الكافي قبل قرون يثبت عدم
وجود أبي حمزة في الكافي فيبرهن على حدوث التحريف بعد ذلك فمثلا
في الروضة الجزء السابع ص 290 ينقل الرواية بدون أبي حمزة عن الكافي
بقرينة ذكره لعبارة (وهي التي تأكل العذرة) الموجودة في الكافي فقط
وفي شرح الارشاد للمحقق الأردبيلي في كتاب الأطعمة والأشربة كذلك
وفي جامع الرواة لم ينقل إن هشام بن سالم روى عن أبي حمزة وفي الحبل
المتين بدون أبي حمزة أيضا. وذكر في الهامش إن في الكافي بدل الجلالة
الجلالات فلو كان اختلاف في نسخة الكافي لبينه. ومنها: أنه لو فرض
تعارض نسخ الكافي مع ما ينقله في التهذيب عن الكليني فيتساقطان فنرجع
إلى ما نقله الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد في التهذيب الجزء التاسع ص 45
وليس فيه أبو حمزة ومنها: أن نفترض أن الرواية واردة في الكافي في
موردين أحدهما فيه أبو حمزة والآخر ليس فيه فنأخذ به والذي يشهد على
هذه الفرضية هو المحدث الكاشاني في الوافي حيث نقل الرواية عن الكافي
والتهذيب بدون أبي حمزة ثم نقلها عن الكافي مع أبي حمزة ولكني لم
أعثر على رواية ليس فيها أبو حمزة في الكافي.
33

وأما دلالة فقد يستدل بالروايتين على النجاسة، لظهور الأمر بالغسل
في الارشاد إليها. وكبرى هذا الظهور مسلمة، ولكن قد يناقش فيه
في خصوص المقام، بدعوى امكان حمل الأمر بالغسل على كونه بلحاظ
المانعية، لأن عرق الجلال من تبعات ما لا يؤكل لحمه فلا تجوز الصلاة
فيه وهذا الحمل وإن كان خلاف ظاهر الأمر بالغسل في نفسه، ولكن
قد يدعى وجود قرينتين عليه توجبان على الأقل الاجمال وعدم الظهور في
النجاسة.
إحداهما: تفريع الأمر بالغسل على الحكم بحرمة الجلال.
والأخرى: أن الأمر بالغسل لو كان منصبا على الشئ الذي أصابه
34

العرق لقيل إنه يكشف عن النجاسة ولا يلائم المانعية لا طلاقه حتى لحالة
جفاف العرق وزواله، ولكنه قد انصب في الروايتين على نفس العرق
فالمأمور بغسله هو العرق، فلا اطلاق فيه لفرض زواله لكي يجعل هذا
الاطلاق شاهدا على أنه بلحاظ النجاسة لا المانعية.
وكلتا القرينتين غير مانعتين عن الاستدلال.
أما الأولى، فلعدم وجود ما يدل على التفريع أصلا، وإنما هناك
ترتب في الذكر، وهو بمجرده لا يكون قرينة على التفريع وكون الأمر
بالغسل ناظرا إلى مانعية ما لا يؤكل لحمه، خصوصا أن الرواية ليس فيها
ذكر للصلاة أو افتراض للتهيؤ لها، والعرق الذي يصيب الانسان من الإبل
الجلال يجف عادة في مدة قصيرة، وكبرى مانعية ما لا يؤكل لحمه ليست
أمرا مر كوزا وقتئذ في أذهان المتشرعة ارتكازا يساعد على انصراف الذهن
إليها من الأمر بالغسل.
وأما الثانية، فلأن دلالة الأمر بالغسل على النجاسة لا مجرد المانعية
ليست نكتتها منحصرة بالاطلاق المذكور، ليقال بعدم تأتي هذه النكتة في
المقام، بل يمكن أن يكون بنكتة ظهور نفس مادة الغسل في قذارة المغسول
أو بنكتة ظهور الأمر في تعين الغسل، مع أن النظر لو كان إلى المانعية
لما انحصر دفع المحذور بذلك كما هو واضح. وعليه فالمصير إلى دلالة
الروايتين على النجاسة ليس ببعيد.
وأما الفرع الثاني، فمدرك النجاسة فيه الروايتان السابقتان أيضا.
أما الأولى، فبما تقدم مع ضم دعوى أن الإبل أخذ بنحو المثالية، وإن
مناسبات الحكم والموضوع المركوزة تلغي خصوصيته. وأما الثانية، فبلحاظ اطلاقها.
وقد يناقش في هذا الاطلاق، تارة: بالحمل على خصوص الإبل
الجلالة، بناءا على اختصاص الرواية الأولى بها، من باب حمل المطلق
35

(مسألة - 1) الأحوط الاجتناب عن الثعلب، والأرنب
والوزغ، والعقرب، والفأر، بل مطلق المسوخات، وإن
كان الأقوى طهارة الجميع (1).
36

مطلقا أو بلحاظ أقسام خاصة منه كالسباع والمسوخ. وتحقيق ذلك بالكلام
أولا: عن وجود عموم يدل على نجاسة ما لا يؤكل لحمه، بحيث يكون
هو المرجع في كل مورد لم يدل دليل خاص على الطهارة. وبعد افتراض
عدم وجود عموم من هذا القبيل يقع الكلام ثانيا: في افتراض عموم كذلك
في المسوخ. وثالثا: في البحث عن وجود العموم المذكور في السباع.
ورابعا: نفتش عن أدلة خاصة على النجاسة في حيوانات خاصة، كالثعلب
والأرنب والعقرب، ونحوها. فهنا حسب هذه المنهجة أربعة مقامات:
المقام الأول: ويمكن أن يستدل فيه على نجاسة كل ما لا يؤكل لحمه
من الحيوانات بمفهوم بعض الروايات الواردة فيما يؤكل لحمه، كمعتبرة
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): " قال: لا بأس أن تتوضأ مما
شرب منه ما يؤكل لحمه " (1). ومعتبرة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع)
" قال: سئل عما تشرب منه الحمامة. فقال: كل ما أكل لحمه فتوضأ
من سؤره واشرب... الحديث " (2)
وتقريب الاستدلال: أنها تدل بالمفهوم على النهي عن سؤر ما لا
يؤكل لحمه، وهو ظاهر عرفا في الارشاد إلى النجاسة.
ويرد عليه: أولا: أن ظهوره في ذلك مرده إلى انسباق ذهن العرف
إلى كون الأمر بالغسل بنكتة النجاسة، فإن هذا الانسباق هو منشأ ظهور
النهي في الارشاد إلى النجاسة، وهذا الانسباق إنما يتم في مورد لا يوجد
فيه احتمال عرفي لنكتة أخرى للنهي غير النجاسة، وهذا الاحتمال العرفي
موجود في المقام، بلحاظ أن السؤر ما يتقبل العرف امكان اكتسابه منقصة
أو شأنا بلحاظ صاحب السؤر، فاحتمال كون سؤر ما لا يؤكل لحمه بعنوانه

(1) الوسائل باب 5 من أبواب الأسئار حديث 1.
(2) الوسائل باب 4 من أبواب الأسئار حديث 2.
37

مانعا عن الوضوء والشرب من الماء أمر عرفي في أذهان المتشرعة. ويدل
على ذلك: تتبع أخبار السؤر وملاحظة ما ورد من السؤال عن سؤر
ما يؤكل لحمه، مع أن طهارة ما يؤكل لحمه من الحيوانات واضحة وليست
موردا للسؤال (1). ورواية عمار المتقدمة نفسها ورد فيها السؤال عن
سؤر الحمامة، مع وضوح طهارتها متشرعيا، وكل ذلك ينفي انحصار
الجهة في الذهن المتشرعي والعرفي العام بالنجاسة.
وثانيا: أن من الواضح طهارة عدد كبير من الحيوانات التي لا يؤكل
لحمها، حتى أن الإمام في بعض الروايات (2) يقرب طهارة السؤر بأنه
سبع، والسائل في بعض الروايات (3) يستشكل في نجاسة الكلب بقوله:
أليس هو سبع؟، مما يكشف عن ارتكازية طهارة السباع. وهذا الوضوح
المرتكز يشكل قرينة متصلة على صرف العبارة المذكورة عن النجاسة،
على تقدير ظهورها في نفسها في ذلك.
وثالثا: لو سلم عدم الوضوح المرتكز فلا أقل من استلزام الحمل
على النجاسة لتقييد الأكثر في طرف المفهوم. هذا مضافا إلى أنه لا مفهوم
للعبارة المذكورة بنحو ينتج سالبة كلية، أما معتبرة عبد الله بن سنان فلو ضوح

(1) من قبيل معتبرة جميل بن دراج! " قال: سألت أبا عبد الله (ع)
عن سؤر الدواب والغنم والبقر أيتوضأ منه ويشرب؟. قال: لا بأس "
الوسائل باب 5 من أبواب الأسئار حديث 4.
(2) كما في رواية أبي الصباح عن أبي عبد الله (ع) قال " كان
علي (ع) يقول: لا تدع فضل السؤر أن تتوضأ منه إنما هي سبع "
الوسائل باب 2 من أبواب الأسئار حديث 4.
(3) كما في معتبرة معاوية بن شريح: الوسائل باب 1 من أبواب
الأسئار حديث 6.
38

عدم الشرطية، وأما معتبرة عمار فقد تستشم الشرطية من التفريع بالفاء،
ولكن ذلك لا يكفي لظهور الجملة في الشرطية بنحو ينتج المفهوم، خصوصا
أن الشرط فيها نفس موضوع الحكم، وفي مثل ذلك لا مفهوم.
المقام الثاني في المسوخ: وقد يستدل على نجاستها برواية أبي سهل القرشي
" قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن لحم الكلب. فقال: هو مسخ.
قلت: هو حرام؟ قال: هو نجس. أعيدها ثلاث مرات كل ذلك يقول:
هو نجس " (1).
وتقريب الاستدلال بها: أن السؤال عن الكلب لم يصرح بالحيثية
المنظورة فيه، فهي إما حيثية تكوينية " أو حيثية الحرمة، أو حيثية
النجاسة. والأول خلاف الظهور المقامي للسؤال من الإمام (ع). والثاني
ينصرف عنه الذهن، لعدم كون الكلب في معرض الأكل من لحمه عرفا
فإن لحمه لا يتعاطى عرفا في سائر المجتمعات، والسؤال العرفي ينبغي أن
يحمل على جهة عرفية، فيتعين الثالث بحسب الانسباق العرفي، ومعه
يكون الجواب بأنه مسخ كأنه اعطاء للحكم بالنجاسة ببيان ضابط كلي وهو
المسخ، فيدل على نجاسة كل مسخ.
ويرد عليه: أن لفظ السؤال بنفسه قرينة على تعين الثاني، لأنه
يسأل عن لحم الكلب لا عن الكلب نفسه، والسؤال عن اللحم ظاهر
في النظر إلى حيثية الحرمة، ويؤيده قول السائل بعد ذلك " هو حرام " (2).
المقام الثالث في السباع: وما يمكن أن يدعى الاستدلال به على نجاستها
رواية يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) " قال: سألته
هل يحل أن يمس الثعلب، والأرنب، أو شيئا من السباع، حيا أو ميتا؟.

(1) الوسائل باب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 4.
(2) مضافا إلى ضعف سند الرواية بسهل بن زياد وأبي سهل القرشي.
39

قال: لا يضره ولكن يغسل يده " (1). وذلك لدلالة الأمر بالغسل
على النجاسة.
وقوله " لا يضره " وإن كان يشمل باطلاقه نفي النجاسة، ولكن الأمر
بالغسل يكون مقيدا له.
والجواب: بلزوم حمل الأمر بالغسل على التنزه بقرينة ما دل على طهارة
السباع، وهو عدة طوائف: منها - ما دل على طهارة السباع وجواز
سؤرها صريحا، كمعتبرة معاوية بن شريح (2). ومنها - ما دل على ذلك
بلسان الحكم بطهارة السنور وجواز سؤره وتبرير ذلك بأنه سبع، كرواية
محمد بن مسلم (3)
ورواية أبي الصباح (4). ومنها - الروايات الواردة في جواز
استعمال جلود ما لا يؤكل لحمه والاستفادة منها في غير حالة الصلاة (5)،
فإن سكوتها عن التنبيه على النجاسة - مع أن السباع هي أوضح أفراد
ما لا يؤكل لحمه وأكثرها دخولا في محل الابتلاء بجلودها - إن لم يدل

(1) الوسائل باب 34 من أبواب النجاسات حديث 3.
(2) الوسائل باب 1 من أبواب الأسئار حديث 6 وجاء فيها " سأل
عذافر أبا عبد الله (ع) وأنا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة والحمار
والفرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضأ منه فقال: نعم اشرب منه
وتوضأ منه " الحديث.
(3) الوسائل باب 2 من أبواب الأسئار حديث 3.
(4) مر ذكرها في هامش صفحة 38.
(5) من قبيل معتبرة سماعة قال " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن
جلود السباع فقال اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه " الوسائل
باب 5 من أبواب لباس المصلي حديث 4.
40

بالاطلاق المقامي على الطهارة فلا أقل من التأييد.
المقام الرابع في الموارد الخاصة: وفيه جهات:
الجهة الأولى في الثعلب والأرنب: وما قد يستدل به على نجاستهما
مرسلة يونس المتقدمة وقد عرفت تعين حملها على التنزه بلحاظ ما دل
على طهارة السباع. ودعوى: امكان التبعيض في الأمر بالغسل، فيرفع
اليد عن لزومه بالنسبة إلى سائر السباع ويلتزم بلزومه بالنسبة إلى الثعلب
والأرنب خاصة، لعدم الدليل الخاص فيها على الترخيص. مدفوعة: بأن
هذا التبعيض مبني على مسلك المحقق النائيني " قدس سره " في دلالة الأمر على
الوجوب وأنها بحكم العقل، وهو غير تام في نفسه كما حققناه في موضعه
وغير منطبق على محل الكلام لأنه إنما ينطبق على الأوامر المولوية، لا الأوامر
الارشادية التي مفادها اعتبار وضعي كالنجاسة " فإن مرتبة اللزوم من الحكم
الوضعي مدلول للدليل اللفظي. هذا كله مضافا إلى سقوط الرواية سندا،
وامكان استظهار طهارة الثعلب مما ورد في جواز لبس جلده بالخصوص
في غير حال الصلاة (1) باطلاقه المقامي.
ويمكن أن يستدل لنجاسة الثعلب بما ورد في أبواب لباس المصلي من
النهي عن الصلاة في جلده وفي الثوب الذي يليه، فإن النهي عن هذا
الثوب ليس بلحاظ المانعية، بل بلحاظ النجاسة، كمعتبرة أبي علي بن راشد
في حديث: " قال: قلت لأبي جعفر (ع) الثعالب يصلي فيها؟ قال:
لا، ولكن تلبس بعد الصلاة. قلت: أصلي في الثوب الذي يليه؟
قال: لا " (2). ومعتبرة علي بن مهزيار عن رجل سأل الرضا (ع)
عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليه

(1) من قبيل معتبرة أبي علي بن راشد الآتية بعد قليل.
(2) الوسائل باب 7 من أبواب لباس المصلي حديث 4.
41

فلم أدر أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقع بخطه:
الثوب الذي يلصق بالجلد. قال: وذكر أبو الحسن - يعني علي بن مهزيار -
أنه سأله عن هذه المسألة فقال: لا تصل في الذي فوقه، ولا في الذي
تحته " (1).
والظاهر عدم تمامية الدلالة في ذلك على النجاسة، إذ لو كان النظر
إلى النجاسة لكان الأنسب التنبيه أيضا على سراية النجاسة إلى البدن،
حيث يتعرض مع طول الزمان إلى الملاقاة مع جلود الثعالب الملبوسة، فلم
تعرف مزية للثوب الذي يليه على البدن من ناحية هذا المحذور، خصوصا
مع رطوبة اليد بين حين وآخر ووقوعها على الملابس عادة. وهذا بخلاف
ما إذا كان النظر إلى ما يكتسبه الثوب الذي يليه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه
خصوصا إذا كان مما يليه من جانب الوبر، فإنه سنخ محذور غير متجه
في اليد ونحوها. وهذا إن لم يصلح قرينة على صرفه عن النجاسة فلا أقل
من اقتضائه للاجمال.
ومما يمكن أن يستدل به أيضا على نجاسة الثعلب - وأمثاله من السباع
التي ترد الحياض الواقعة بين مكة والمدينة عادة - الروايات الواردة في تحديد
الكر، كمعتبرة صفوان بن مهران الجمال قال: " سألت أبا عبد الله (ع)
عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة (و - خ ل)، تردها السباع،
وتلغ فيها الكلاب، وتشرب منها الحمير، ويغتسل فيها الجنب، ويتوضأ
منها؟. قال: وكم قدر الماء؟ قال: إلى نصف الساق وإلى الركبة.
فقال: توضأ منه " (2) ومثلها غيرها (3).

(1) الوسائل باب 7 من أبواب لباس المصلي حديث 8.
(2) الوسائل باب 9 من أبواب الماء المطلق حديث 12.
(3) وهي رواية إسماعيل بن مسلم عن جعفر عن أبيه عليهما السلام
" أن النبي (ص) أتى الماء فأتاه أهل الماء فقالوا يا رسول الله إن
حياضنا هذه تردها السباع والكلاب والبهائم قال: لها ما أخذت بأفواهها
ولكم سائر ذلك " الوسائل باب 9 من أبواب الماء المطلق حديث 10
والرواية ضعيفة بموسى بن عيسى ومحمد بن سعيد لأنها لم يوثقا.
42

وتقريب الاستدلال: إما بلحاظ ظهور كلام السائل في ارتكاز نجاسة
السباع في ذهنه، وظهور سكوت الإمام (ع) عن ذلك في امضاء هذا الارتكاز
وإما بلحاظ ظهور كلام الإمام في التفصيل بين القليل والكثير، الذي يعني
الحكم بانفعال الماء بذلك إذا كان قليلا.
وكلا اللحاظين قابل للمنع.
أما الأول: فلعدم ظهور كلام السائل في أن المحذور من السباع نجاستها الذاتية،
بل قد يكون المحذور تلوث فمها
بالدم والميتة أو معرضيته لذلك، ومما يشهد به عطف الحمير على السباع
مع أنه لا يحتمل فيها النجاسة الذاتية عادة. وأما الثاني فلأن كلام الإمام (ع)
يدل على التفصيل بين حالتي القلة والكثرة في الانفعال وعدمه، ولكنه
ليس في مقام البيان من ناحية موجبات الانفعال حتى يتمسك باطلاق ما يستفاد
منه من الانفعال في القليل لاثبات النجاسة الذاتية للسبع
الجهة الثانية في الفأرة: ويمكن أن يستدل على نجاستها بعدة روايات:
منها - رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع): " قال:
سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب، أيصلى
فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها، وما لم تره انضحه بالماء " (1)
والرواية تامة سندا. وأما من حيث الدلالة فالأمر بالغسل فيها يدل
على النجاسة بتقريبات تقدمت. والأثر المذكور فيها قد يكون بمعنى الأثر
العيني كالشعر والوسخ، فيكون الأمر بالنضح مع عدم الأثر دالا على

(1) الوسائل باب 33 من أبواب النجاسات حديث 2.
43

النجاسة أيضا.
وقد يكون بمعنى يشمل الرطوبة، فيكون الأمر بالنضح في فرض عدم
الأثر محمولا على التنزه لعدم سراية النجاسة بدون رطوبة، بل قد يجعل
ذلك حينئذ موهنا لظهور الأمر بالغسل في الحكم اللزومي.
ومنها - روايات الأمر بنزح شئ لدى وقوعها في البئر، كمعتبرة
معاوية بن عمار: " قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الفأرة، والوزغة
تقع في البئر؟ قال: ينزح منها ثلاث دلاء " (1). غير أن الاستدلال
بها يتوقف أولا: على عدم البناء على اعتصام ماء البئر، وإلا لتعين حمل
الأمر بالنزح على التنزه، ومعه لا تبقى فيه دلالة على نجاسة الحيوان الساقط
وثانيا: على أن يكون نظر السائل في سؤاله إلى استعلام حال الحيوان
الساقط من حيث طهارته ونجاسته، وأما إذا كان النظر إلى استعلام حال
ماء البئر من حيث إنه ينفعل أو لا ينفعل بعد الفراغ عن كون الساقط
منجسا لغير المعتصم، فلا يمكن التمسك بالرواية حينئذ لا ثبات نجاسة الفأرة
لأن الإمام (ع) يكون في مقام البيان من ناحية انفعال ماء البئر بعد
الفراغ عن كون الساقط منجسا، ولو من ناحية أنه يكون ميتة لغلبة موت
الفأرة في البئر إذا وقعت فيه، وليس الكلام مسوقا لحكم الفأرة ليتمسك
بالاطلاق من هذه الناحية لفرض عدم موتها. ولا نسلم كلا الأمرين،
فالاستدلال غير تام.
ومنها - رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (ع):
" قال: سألته عن الفأرة والعقرب، وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج
حيا، هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال: يسكب منه ثلاث
مرات، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة... الحديث " (2). وتقريب

(1) الوسائل باب 19 من أبواب الماء المطلق حديث
(2) ويمكن إضافة المناقشة السندية إلى الدلالية فإنها ضعيفة بيزيد بن إسحاق إذ لم
يثبت توثيقه. وسيشير السيد الأستاذ - دام ظله - إلى ضعفها في ص 51.
44

الاستدلال: إن ظاهر الرواية إناطة جواز الوضوء والشرب بسكب شئ
من الماء، ولا موجب لذلك إلا انفعاله بتلك الأشياء الكاشف عن نجاستها
ويكون السكب نحوا من التطهير كالنزح من البئر على القول به. ويرد عليه:
أن السكب ليس إلا تقليلا من الماء، وتقليل النجس ليس صالحا لمطهريته
بحسب الارتكاز العرفي، فهذا الارتكاز بنفسه يكون قرينة على أن النظر
إلى حزازة نفسية لا إلى الانفعال والنجاسة. ولا يقاس بالنزح، لأنه يوجب
تجديد الماء باعتبار ما للبئر من مادة. ومما يؤيد الحمل على الحزازة النفسية
التصريح بتعميم الحكم للقليل والكثير، مع وضوح أن الكثير لا يتنجس،
فلو حمل على النظر إلى النجاسة لزم حمل الكثير على الكثير النسبي مع فرض
عدم كريته.
ومنها - حديث المناهي المعتبر سندا (1)، وقد ورد فيه: " أن
النبي (ص) نهى عن أكل سؤر الفأر " (2). وفيه: أن النهي عن
الأكل إنما يكون ظاهرا في النجاسة إذا لم يوجد احتمال عرفي لمنشأ آخر على
نحو يؤدي إلى انسباق فهم النجاسة عرفا. والمنشأ الآخر محتمل عرفا في المقام
وهو حزازة السؤر في نفسه على ما تقدم نظيره مرارا.
ومنها - معتبرة علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى (ع): " قال:

(1) لأن في سنده من لم يوثق مثل حمزة بن محمد وعبد العزيز بن محمد
وشعيب بن واقد.
(2) الوسائل باب 9 من أبواب الأسئار حديث 7.
(3) قد يقال بضعفها لأن في سندها عبد الله بن الحسن وهو غير
مذكور في الرجال ولكن يمكن تصحيحها باعتبار أن صاحب الوسائل
ذكر بأن هذه الرواية في كتاب علي بن جعفر وقد شهد بأن الكتب
التي ينقل عنها في الوسائل وصلت له عن طريق الشيخ الطوسي (ره)
وطريقه إلى الشيخ صحيح كما أن طريق الشيخ إلى كتاب علي بن جعفر
صحيح كما ذكره في فهرسته.
45

سألته عن الفأرة، والكلب إذا أكلا من الجبن وشبهه، أيحل أكله؟.
قال: يطرح منه ما أكل، ويحل الباقي. قال: وسألته عن فأرة أو كلب
شربا من زيت أو سمن؟. قال: إن كان جرة أو نحوها فلا تأكله،
ولكن ينتفع به لسراج أو نحوه، وإن كان أكثر من ذلك فلا بأس بأكله
إلا أن يكون صاحبه موسرا يحتمل أن يهريقه فلا ينتفع به في شئ " (1).
والاستدلال: أما بالفقرة الواردة في صدر الرواية: " يطرح منه ما أكل
ويحل الباقي "، لدلالته على حرمة ما باشره الحيوان المذكور. وأما بالفقرة
المتأخرة: " فلا ينتفع به في شئ "، لأن سلب الانتفاع والأمر بالإراقة
وما بهذا المضمون لسان من السنة الحكم بالنجاسة عرفا.
أما الفقرة الأولى فلا دلالة فيها، لأن مجرد النهي عن الأكل لعله
بلحاظ نكتة السؤر، وهي نكتة عرفية كما تقدم. وأما الفقرة الأخيرة
فهي وإن كانت أوضح لبعد تنزيلها على نكتة السؤر، لأن لسانها سلب
الانتفاع، لا مجرد عدم الأكل، ولكن التفصيل بين الفقير والغني - مع
ارتكاز أن فقر المالك وغناه لا دخل له في الطهارة والنجاسة - يصلح أن
يكون قرينة على صرف الدليل عن النجاسة إلى ضرب من التنزه.
هذا في حال الروايات التي يمكن أن يستدل بها على النجاسة مع
تحقيق حالها.
وهناك روايات يمكن أن يستدل بها على طهارة الفأرة في مقابل ذلك:

(1) الوسائل باب 45 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 2.
46

منها - معتبرة سعيد الأعرج: " قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن
الفأرة والكلب، يقع في السمن والزيت ثم يخرج منه حيا؟. قال:
لا بأس بأكله " (1). وتقريب دلالتها: أنها تدل على جواز الأكل من
السمن الملاقي للفارة المساوق لطهارته، وبضم ارتكاز سراية النجاسة بالملاقاة
من عين النجس يكون البيان المذكور ظاهرا عرفا في نفي نجاسة الفأرة.
وبيان آخر: أنه بعد دلالة الرواية على طهارة السمن نضم إليه الدليل
الخارجي على سراية النجاسة من عين النجس بالملاقاة، فيثبت طهارة
الفأرة. وليس هذا من التمسك بدليل السراية لاثبات التخصص عند
الدوران بينه وبين التخصيص، لأن التخصيص والتفرقة بين نجس ونجس
آخر في السراية غير محتمل فقهيا.
نعم هنا اشكال في الرواية ينشأ من عطف الكلب على الفأرة، مع
الدليل القطعي على نجاسته، وهو يوجب وهنا في الرواية: إما للتشكيك
في جريان أصالة الجد بلحاظ جزء من الكلام بعد سقوطها بلحاظ جزء
آخر، لاختلال الكشف النوعي الذي هو ملاك حجيتها عقلائيا بالاطلاع
على تواجد حالة التقية في شخص ذلك الكلام، وأما لكون الرواية مخالفة
للسنة القطعية بلحاظ جزء من مفادها، وبعد عدم امكان التفكيك عرفا في
التعبد بالصدور بين كلمة وكلمة تسقط الرواية بتمامها عن الحجية.
ولكن يمكن أن يقال: إن عطف الكلب ورد في طريق الكليني
ولم يرد في المتن الذي رواه الشيخ، فيتعين هذا بعد سقوط المتن المشتمل
على الكلب عن الحجية في نفسه.
ومنها - ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) في حديث...
" وسألته عن فأرة وقعت في حب دهن وأخرجت قبل أن تموت، أيبيعه

(1) الوسائل باب 45 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 1.
47

من مسلم؟ قال: نعم وبدهن منه " (1).
فإن مفاده اللفظي أو اطلاقه المقامي يقتضي الطهارة وهي ضعيفة
السند (2).
ومنها - رواية أبي البختري الضعيفة به عن جعفر بن محمد عن أبيه:
" أن عليا (ع) قال: لا بأس بسؤر الفأر أن تشرب منه وتتوضأ ".
ورواية إسحاق بن عمار المعتبرة (3) عن أبي عبد الله (ع): " أن
أبا جعفر (ع) كأن يقول: لا بأس بسؤر الفأرة - إذا شربت من الإناء -
أن تشرب منه وتتوضأ منه " (4).
ودلالتها على طهارة الفأرة، إما بضم ارتكاز انفعال الماء القليل
بملاقاة النجاسة المنتج لظهور الكلام في طهارة الفأرة، أو ضم أدلة انفعال
الماء القليل من خارج بعد العلم بعدم الفرق بين نجس ونجس، فيتعين أن

(1) الوسائل باب 9 من أبواب الأسئار حديث 1.
(2) لأنها وردت في قرب الإسناد كما نقلها عنه في الوسائل باب 9
من أبواب الأسئار حديث 1 والسند ضعيف بعبد الله بن الحسن ووردت
في التهذيب الجزء الأول ص 419 باسناد الشيخ إلى العمركي وطريقه إليه
غير معروف لأنه لم يذكره لا في مشيخته ولا في الفهرست ووردت في
الاستبصار الجزء الأول ص 24 باسناد الشيخ إلى علي بن جعفر وطريقه
إليه في المشيخة ضعيف بأحمد بن محمد بن يحيى.
ولكن لليشخ طريق آخر إلى من وقع بعد أحمد بن محمد بن يحيى وهو محمد بن
أحمد بن يحيى بن عمران ولكن الكلام في ثبوت الرواية بهذا السند في الاستبصار فراجع
(3) رواها الصدوق باسناد ضعيف بعلي بن إسماعيل عن إسحاق
ورواها الشيخ في التهذيب عن إسحاق ولا طريق له إليه في المشيخة إلا أنه
ذكر فيها أنه اقتصر على بعض الطرق وأحال الباقي على الفهرست وله
فيه طريق صحيح إلى إسحاق فنصحح الرواية على أساسه.
(4) الوسائل باب 9 من أبواب الأسئار حديث 8.
48

يكون جواز استعمال الماء لطهارة الفأرة.
وقد يستشهد للطهارة أيضا ببعض ما تقدم الاستدلال به على النجاسة
أيضا، كما في رواية علي بن جعفر ورواية الغنوي، فلاحظ.
الجهة الثالثة في العقرب. وما يمكن أن يستدل به على النجاسة إضافة
إلى رواية الغنوي المتقدمة (1) التي توهم الاستدلال بها على نجاسة الفأرة -
روايتان هما: رواية أبي بصير عن أبي جعفر (ع): " قال: سألته عن
الخنفساء تقع في الماء، أيتوضأ به؟ قال: نعم لا بأس به. قلت: فالعقرب
قال: ارقه " (2). ورواية سماعة: " قال: سألت أبا عبد الله (ع)
عن جرة وجد فيه خنفساء قد مات؟ قال: ألقه وتوضأ منه، وإن كان
عقربا فأرق الماء وتوضأ من ماء غيره " (3).
أما رواية الغنوي فقد تقدم حالها، وأما الروايتان فهما تامتان سندا،
وإن وقع في السند عثمان بن عيسى لوثاقته باعتبار نقل بعض الثلاثة عنه (4)
ولكن الأمر بالإراقة فيهما لا ينسبق منه النجاسة عرفا، ما دام احتمال
الحزازة بلحاظ آخر عرفيا: على أساس سمية العقرب وامكان افسادها

(1) مرت في الكلام عن حكم الفأرة.
(2) الوسائل باب 9 من أبواب الأسئار حديث 5.
(3) الوسائل باب 9 من أبواب الأسئار حديث 6.
(4) فقد روى عنه صفوان كما في الوسائل باب 8 من أبواب الايلاء
حديث 4 والطريق إليه صحيح مضافا إلى امكان توثيق عثمان بن عيسى
بوجهين آخرين الأول تصريح الشيخ في العدة ص 56 طبعة بمباي بعمل
الطائفة برواياته باعتبار وثاقته والثاني تصريح الكشي في رجاله ص 556
من الطبعة الحديثة بكونه من أصحاب الاجماع على قول بعض وهذا كاف
في الكشف عن وثاقته.
49

للماء من هذه الناحية.
وقد يستدل في مقابل ذلك على الطهارة برواية الغنوي المتقدمة الساقطة
سندا، وبرواية ابن مسكان قال: قال أبو عبد الله (ع): كل شئ
يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس " (1)
والاستدلال بها، إما بناءا على انفعال البئر بملاقاة مطلق النجس فواضح،
وإما بناءا على عدم انفعاله فقد يقال أيضا:
إن المستظهر من الدليل نفي
البأس بملاك عدم نجاسة الساقط، سواء كان البأس المنفي لزوميا أو تنزيهيا
فيدل على أن العقرب ليست نجسة ذاتا، وإلا فلا تأثير لعدم كونها ذات
نفس سائلة في طهارتها. ويشكل سند هذه الرواية برواية الحسين بن سعيد
لها عن ابن سنان، الممكن أو المتعين انطباقه بلحاظ الطبقة على محمد بن سنان.
وبرواية علي بن جعفر عن أخيه (ع): " قال: سألته عن العقرب
والخنفساء وأشباههن تموت في الجرة أو الدن، يتوضأ منه للصلاة؟. قال:
لا بأس به " (2) وتقريب الاستدلال يتضح من بعض البيانات السابقة.
غير أن الرواية ليست تامة سندا بعبد الله بن الحسن العلوي.
وقد أفاد السيد الأستاذ - دام ظله - في مقام تبعيد القول بالنجاسة: إن
مما يبعد القول بالنجاسة كون العقرب ليس لها نفس، وقد ثبت أن ميتة
ما لا نفس له لا يكون محكوما عليه بالنجاسة (3).
وهذا غريب، لأن ما دل على طهارة ميتة ما لا نفس له إنما ينفي
النجاسة من ناحية الموت، ولا نظر فيه إلى نفي النجاسة الذاتية للحيوان
بما هو أن قيل: إن قوله في رواية حفص بن غياث " لا يفسد الماء

(1) الوسائل باب 10 من أبواب الأسئار حديث 3.
(2) الوسائل باب 10 من أبواب الأسئار حديث 5.
(3) التنقيح الجزء الثاني ص 185.
50

إلا ما كانت له نفس سائله " (1) يشمل باطلاقه العقرب حال حياتها
أيضا، فيدل على طهارتها الذاتية. قلنا: إن الكلام المذكور في مقام
نفي النجاسة التي كانت محتملة في نفسها، ومن الواضح أن ما ليس له
نفس سائلة لم يكن يحتمل نجاسته الذاتية بهذا العنوان، وإنما يحتمل نجاسته
بالموت، فينصرف النفي إلى ذلك، ولهذا لا يتوهم شمول الاثبات في
عقد المستثنى للحيوانات الحية ذات النفس السائلة.
الجهة الرابعة في الوزغ. وقد تقدم ما يمكن أن يستدل به على
النجاسة فيه وهو رواية الغنوي (2)، ومعتبرة معاوية بن عمار (3).
ومضى الكلام عنها. ومما يمكن أن يستدل به على طهارة الوزغ رواية
علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) في حديث... " قال: سألته
عن العظاية والحية والوزغ يقع في الماء فلا يموت، أيتوضأ منه للصلاة؟
قال لا بأس به... الحديث " (4). وهي صحيحة سندا (5)، ودالة

(1) الوسائل باب 10 من أبواب الأسئار حديث 2.
(2) مرت في ص 44.
(3) مرت في ص 44.
(4) الوسائل باب 9 من أبواب الأسئار حديث 1.
(5) في سندها اشكال وهو أنها وردت في قرب الإسناد كما نقلها
عنه في الوسائل باب 9 من أبواب الأسئار والسند ضعيف بعبد الله بن الحسن
ووردت في التهذيب الجزء الأول ص 419 من الطبعة الحديثة باسناد الشيخ
إلى العمركي وطريقه إليه غير معروف لأنه لم يذكره لا في مشيخة التهذيب
ولا في الفهرست ورواها الشيخ في الاستبصار الجزء الأول ص 23 من
الطبعة الحديثة عن الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه
عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر والطريق
ضعيف بأحمد بن محمد بن يحيى ولكن هذا الاشكال يمكن دفعه بناءا على
كبرى يلتزم بها السيد الأستاذ - دام ظله - وهي أنه لو كان سند الرواية
ضعيفا ولكن كان للشيخ الطوسي (ره) في فهرسته إلى أحد الرواة الذين
يقعون فوق الراوي الضعيف طريقان إلى جميع كتبه ورواياته أحدهما شخص
طريق الرواية والآخر صحيح فإنه يعلم بظاهر عبارة الشيخ بأن تمام ما وصل
إليه بالطريق الضعيف وصل بالطريق الصحيح وهنا للشيخ في الفهرست
طريقان إلى جميع كتب وروايات محمد بن أحمد بن يحيى أحدهما شخص طريق
الرواية أي عن الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن
محمد بن أحمد ابن يحيى والآخر عن جماعة عن محمد بن علي بن علي بن الحسين
عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى وهو صحيح.
51

(مسألة - 2) كل مشكوك طاهر، سواءا كانت الشبهة
لاحتمال كونه من الأعيان النجسة، أو لاحتمال تنجسه مع
كونه من الأعيان الطاهرة. والقول بأن الدم المشكوك كونه
من القسم الطاهر أو النجس محكوم بالنجاسة ضعيف، نعم
يستثنى مما ذكرنا الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء
بالخرطات، أو بعد خروج المني قبل الاستبراء بالبول، فإنها
مع الشك محكومة بالنجاسة (1)
52

الثاني من هذا الشرح (1) ومر هناك البحث عن شمولها لموارد الشبهة
الحكمية ولموارد الشك في النجاسة الذاتية. وأما ما أشير إليه في عبارة المتن
المذكورة من الاستثناء فهو في موردين أحدهما رفضه السيد الماتن " قدس سره "
والآخر أقره.
أما المورد الأول فهو مورد الشك في أن الدم من النوع النجس أو
الطاهر. فقد ادعي تارة: إن الحكم في ذلك - مطلقا - هو البناء على
الاجتناب، تخصيصا لدليل القاعدة. وادعي أخرى: بأن ذلك الحكم في
خصوص الدم المرئ على منقار الطير. والأصل في هاتين الدعويين موثقة
عمار، حيث ورد فيها: "... وعن ماء شرب منه باز أو صقر أو
عقاب. فقال: كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى
في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب " (2)
وهذه الفقرة تشتمل على جملتين، وقوله " فإن رأيت في منقاره دما فلا
توضأ منه ولا تشرب هو الذي يدعى كونه مخصصا لقاعدة الطهارة،
لأنه حكم بالاجتناب بمجرد رؤية الدم، مع أنه قد لا يكون من القسم
النجس. وأما قوله قبل ذلك: (كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب
منه)، فلا يعارض قاعدة الطهارة بل يؤيدها، وإنما قد يتوهم معارضتها
للاستصحاب، حيث إنها تقتضي باطلاقها عدم الاجتناب حتى مع رؤية
الدم سابقا إذا لم يكن مرئيا فعلا واحتمل زواله، مع أن مقتضى الاستصحاب
حينئذ وجوب الاجتناب. ففي الرواية المذكورة - إذن - جهتان من البحث:
الأولى: في توهم معارضتها أو تخصيصها لقاعدة الطهارة. وتوضيح

(1) بحوث في شرح العروة الوثقى الجزء الثاني ص 189 - 214.
(2) الوسائل باب 4 من أبواب الأسئار حديث 2.
53

ذلك: إن مفاد الجملة الملزمة بالاجتناب إن كان حكما واقعيا كانت دليلا
على نجاسة كل دم واقعا، ويكون ما دل على طهارة بعض أقسامه مقيدا لها
ولا معنى حينئذ لدعوى كونها مقيدة لقاعدة الطهارة، لعدم كونها من سنخها
مفادا. وإن كان مفاد الجملة المذكورة حكما ظاهريا، بلحاظ حال الشك
في هوية الدم أمكن أن تكون مقيدة لاطلاق القاعدة. ومقتضى طبع كل
دليل لم يؤخذ في موضوعه الشك هو الحمل على الحكم الواقعي، وحيث لم
يؤخذ الشك في هوية الدم في الجملة المذكورة فظاهرها الأولي الحكم الواقعي
فلا بد من ابراز قرينة صارفة عن ذلك، وما يدعى كونه كذلك في المقام
أنها لو حملت على الحكم الواقعي لزم تقييدها بخصوص الدم النجس، وهذا
وإن لم يكن تقييدا بفرد نادر ولكن احراز ذلك نادر، فيلزم كون الحكم
المفاد في الجملة غير عملي ولا مؤثرا فعلا لأن موضوعه المتحصل بعد التقييد
مشكوك ومؤمن عنه غالبا. وهذا خلاف ظهور الكلام في اتجاهه إلى إفادة
الوظيفة الفعلية فلا بد إذن إما من حمل مفاده على الحكم الظاهري ابتداءا،
أو ابقائه على إفادة الواقع مع إفادة حكم ظاهري بالاجتناب عند الشك
التزاما، حفاظا على الظهور في الوظيفة الفعلية. وعلى أي حال يثبت
المقيد لقاعدة الطهارة.
ويرد عليه: أولا: أن الشك في كون الدم المرئي على المنقار من
النجس أو الطاهر، تارة: للشك في كونه دما متخلفا من حيوان مذكى
أو غيره، وأخرى: للشك في كونه لذي نفس سائلة أو لغيره. وفي
الشك الأول لا تجري قاعدة الطهارة بقطع النظر عن الموثقة، حيث يرجع
إلى الشك في تذكية الحيوان الذي نهش فيه الطير، فيجري استصحاب
عدم التذكية بناءا على أن الطاهر هو الدم المتخلف في الحيوان المذكى بهذا
العنوان، فباستصحاب عدم تذكية الحيوان ينفى كون الدم من الطاهر
54

وينقح به موضوع النجاسة.
وأما في الشك الثاني، فالرجوع إلى قاعدة الطهارة في نفسها مبني
على تشخيص أن موضوع النجاسة هل هو أمر وجودي، أي كونه دما
لذي نفس سائلة، أو أمر مطلق وخرجت منه عناوين وجودية كالبق
والسمك ونحوها؟. فعلى الأول تكون الأصول مؤمنة بقطع النظر عن
موثقة عمار، وعلى الثاني يجري استصحاب عدم كون الدم من تلك العناوين
الوجودية الخارجة فثبتت النجاسة.
وثانيا: أن الحمل على الحكم الواقعي هو مقتضى الظهور الأولي.
وما ادعي قرينة صارفة من لزوم وروده عمليا بلحاظ الفرد النادر مدفوع
بأن حصول الاطمئنان بأن الدم الذي على منقار الصقر من القسم النجس
ليس أمرا غريبا، لوضوح أن الصقر ليس طائرا أهليا، فهو يعيش في
أجواء غير سكنية عادة، وفي مثلها لا يتواجد اللحم المذكى المطروح لنهش
الطيور. كما أن بيئة الواقعة إذا كانت بيئة صحراوية بعيدة عن البحر كما
في كثير من المواضع فبالإمكان أن يحصل الوثوق بأن هذا الصقر لا يتيسر
له سمك أو حوت. فالظروف إذن كثيرا ما تبعث على الاطمئنان بأن الدم
من القسم النجس، فلا محذور في الحمل على الحكم الواقعي.
وثالثا: إنا لو سلمنا ندرة حصول الاطمئنان بأن الدم من القسم
النجس فلا ضرر في ذلك، إذا لم يكن المقصود من قوله: " فإن رأيت
في منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب " بيان حكم آخر " بل تأكيد
نفس ما تقدم من عدم الاجتناب بحصر غايته بأن يرى الدم على منقار الطير
فإن هذا بنفسه أسلوب عرفي للتأكيد على الاطلاق في المستثنى منه. وهو
نظير ما وقع في فقرة أخرى من الرواية بالنسبة إلى حكم الدجاجة، إذ رخص
في سؤرها مع عدم العلم بالقذر ومنع معه إذ قال إن كان في منقارها قذر
55

فلا تتوضأ منه ولا تشرب منه وإن لم تعلم أن في منقارها قذرا توضأ منه
واشرب والقذر هو النجس، فليس الإمام (ع) في هذه الفقرة بصدد
بيان النجاسة الظاهرية، بل في مقام بيان أن الطهارة لا يرفع اليد عنها إلا
بالعلم بالقذر تأكيدا على شمولها ورحابة صدرها.
الثانية: في توهم منافاتها لدليل الاستصحاب بالبيان المتقدم وتقريبه أما
بدعوى: كونها معارضة لدليل الاستصحاب بالعموم من وجه، لشمولها لصورة العلم
بالدم سابقا مع الشك في زواله. وإما بدعوى: كونها بحكم الأخص منه،
لأن الغالب هو العلم عادة بتلوث منقار الصقر ونحوه في وقت متقدم.
أما الدعوى الأولى فيرد عليها: أنه لو سلم التعارض كذلك فدليل
الاستصحاب مقدم في مادة الاجتماع، إما لكونه بالعموم بلحاظ كلمة أبدا
والعام مقدم على المطلق ولو للأظهرية. وإما لكونه أصلا موضوعيا متضمنا
للعلم تعبدا ببقاء الدم، فيدخل بالحكومة تحت الجملة الثانية القائلة " فإن
رأيت في منقاره دما "، بعد استظهار أن الرؤية مأخوذة باعتبار الكاشفية
وكونها مساوقة للعلم بوجود الدم، واستصحاب بقائه علم تعبدي بوجوده فعلا.
وأما الدعوى الثانية فيرد عليها: أن وجود الدم على المنقار سابقا
وإن كان معلوما في الجملة ولكن عدمه سابقا معلوم في الجملة أيضا، إذ
من الواضح أن منقار الطير لا يكون ملوثا بالدم دائما فيكون من توارد
الحالتين، ويتعارض الاستصحابان. هذا كله لو بني على أن الاستصحاب
في نفسه يجري بقطع النظر عن الموثقة المعارضة.
ولكن قد يستشكل في جريانه: إما بناءا على أن بدن الحيوان لا
يتنجس بالنجاسة العرضية في حال وجود العين، فلتعذر اجراء الاستصحاب
في النجاسة العينية والنجاسة الحكمية. أما في الأولى فلأن ابقاء الدم استصحابا
لا يثبت ملاقاة الماء للدم إلا بالملازمة، وأما في الثانية فلعدم الحالة السابقة
56

بحسب الفرض.
وأما بناءا على أن بدن الحيوان يتنجس بالنجاسة الحكمية ما دامت العين
موجودة، فقد يقال: باجراء الاستصحاب في النجاسة الحكمية، ويترتب
على ذلك نجاسة الماء، لأنه ملاق للمنقار بالوجدان وهو نجس بالاستصحاب
فينجس الماء.
ولكن يشكل ذلك تارة: في خصوص الماء المطلق بناءا على المختار
من عدم انفعاله بملاقاة المتنجس، فإن الاستصحاب المذكور لا ينقح موضوع
الانفعال فيه حينئذ. وأخرى: مطلقا حتى بناءا على أن المتنجس ينجس،
وذلك للعلم بأن المنقار في المقام غير منجس بما هو متنجس، لأن الدم إن
كان باقيا فهو أسبق ملاقاة وتنجيسا للماء والمتنجس لا يتنجس، وإن لم
يكن باقيا فلا نجاسة حكمية أصلا.
وقد يدفع هذا الاشكال: بأن مقتضى اطلاق دليل السراية أن الوجود
الثاني للملاقاة منجس كالوجود الأول، ولا يلزم من ذلك تعدد التطهير
والغسل الواجب، لأن أصالة عدم التداخل إنما تجري في الأوامر المولوية
لا الأوامر الارشادية إلى النجاسة، لوضوح أن تعدد الارشاد إلى النجاسة
لا يستوجب تعدد النجاسة المرشد إليها على ما أوضحناه أكثر من مرة. وإنما
لا يلتزم بالاطلاق المذكور في دليل السراية للغوية بعد معلومية وحدة الغسل،
وهذا إنما يتم فيها إذا لم يكن للمتنجس الثاني أثر عملي كما في المقام، حيث
يمكن بلحاظه اثبات النجاسة بالاستصحاب.
غير أن دفع اللغوية بمثل هذا الأثر قد لا يكون في محله، لأن المقصود
بها اللغوية لا العقلية، واللغوية العرفية لا تندفع إلا بأثر عرفي
مصحح في مرتكزات العرف للجعل المذكور، وليس الأثر العملي المقصود
في المقام من هذا القبيل. على أنه لو سلم الدليل على تنجيس المتنجس
57

فيشكل اطلاقه - حتى بقطع النظر عن اللغوية - للوجود الثاني من الملاقاة،
كما يظهر بالتتبع.
وأما المورد الثاني للاستثناء فهو البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء،
إذ يحكم عليه بالنجاسة - كما يحكم بالناقضية - على خلاف اطلاق قاعدة
الطهارة، لروايات خاصة (1). وتحقيق حال هذه الروايات دلالة وسندا
موكول إلى محله، وإنما نتكلم الآن بعد الفراغ عن تماميتها في امكان اثبات
النجاسة بها في مقابل قاعدة الطهارة.
وقد ذهب صاحب الحدائق قدس سره - خلافا للمشهور - إلى قصور
روايات الاستبراء عن اثبات النجاسة الخبثية، واختصاصها بأثبات الناقضية
وهذا الاتجاه بالامكان تقريبه بأحد نحوين:
الأول: أن يقال بقصور المقتضي في دلالتها، لأن مفادها التعبد
بالنقض، ولا ملازمة بينه وبين التعبد بالنجاسة في مرحلة الحكم الظاهري.
والثاني: أن يقال - بعد تسليم دلالتها بالاطلاق على التعبد بالنجاسة
أيضا - أن هذه الروايات معارضة لكل من دليل الاستصحاب وقاعدة
الطهارة، غير أنها أخص من دليل الاستصحاب لأنها منافية له بتمام مدلولها
وأما مع القاعدة فالنسبة بينهما العموم من وجه، لأن القاعدة تثبت الطهارة
ولا تنفى النقض ظاهرا، وروايات الاستبراء تنفي الطهارة في البلل المشتبه
ولا تتعرض لحال مشتبه آخر. وعليه فإما أن يقدم دليل القاعدة لكونه
بالعموم ودلالة الروايات على النجاسة باطلاق التنزيل، وإما أن يتساقطا
في مادة الاجتماع ويرجع إلى أصول مؤمنة أخرى أدنى مرتبة.
أما الاتجاه الأول فقد يجاب بعدة وجوه:

(1) لاحظ وسائل الشيعة باب 13 من أبواب نواقض الوضوء وباب
11 من أبواب أحكام الخلوة.
58

أولها: ما ذكره السيد الأستاذ - دام ظله - من أن هذه الروايات
دلت على ناقضية البلل المشتبه للوضوء، وقد ثبت بالأدلة القاطعة إن
الناقض للوضوء من البلل منحصر بالبول، فتدل هذه الروايات على أن
البلل المشتبه بول فتثبت النجاسة الخبثية (1).
وهذا البيان بظاهره غريب ما لم يؤول على ما يأتي، وذلك لأن
هذين الدليلين ليسا في مرتبة واحدة لكي يجمع بينهما بالنحو المذكور ويضم
أحدهما إلى الآخر في قياس فقهي، فإن أدلة حصر النواقض بالبول مفادها
الحكم الواقعي، وروايات البلل المشتبه تنظر إلى الحكم الظاهري المضروب
كقاعدة في موارد الشك في ناقضية البلل، فلا يلزم من ثبوت هذه الناقضية
ظاهرا - مع عدم ثبوت البولية - ما ينافي أدلة حصر النواقض واقعا بالبول
لأن الحصر الواقعي لا ينثلم إلا بجعل ناقض آخر واقعي كما هو واضح.
ثانيها: إن في روايات الاستبراء ما يتعرض للنجاسة الخبثية. ففي
موثقة سماعة قال: " سألته عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول
فيجد بللا بعدما يغتسل. قال: يعيد الغسل، فإن كان بال قبل أن يغتسل
فلا يعيد غسله ولكن يتوضأ ويستنجي " (2). وتقريب الاستدلال: إن
هذه الرواية تأمر بالاستنجاء من البلل المشتبه، وهو ارشاد إلى الحكم
بنجاسته ظاهرا.
وقد يناقش في ذلك بأن الرواية واردة في بلل مشتبه يحتمل كونه
منيا، ولهذا أمر بالغسل منه إذا صدر قبل البول. والبلل المحتمل لكونه
منيا تارة: يكون مرددا بين المني والبول، وأخرى: يتردد بنحو يحتمل
فيه غير البول والمني معا. والأمر بالاستنجاء يشمل كلتا هاتين الصورتين،

(1) التنقيح الجزء الثالث ص 435.
(2) الوسائل باب 36 من أبواب الجنابة حديث 8.
59

وهو إنما يعارض قاعدة الطهارة بلحاظ اطلاقه للصورة الثانية " لأن النجاسة
في الصورة الأولى معلومة، فيكون التعارض بنحو العموم من وجه مع دليل
قاعدة الطهارة. وسيأتي علاج ذلك في مناقشة الاتجاه الثاني.
ثالثها: - وهو تطوير أو تأويل للتقريب الأول الذي نقلناه عن
السيد الأستاذ - دام ظله - وحاصله: أن مفاد روايات الاستبراء وإن كان
هو النقض الحدثي، والتعبد بالحدث لا يلزم منه التعبد بالنجاسة أو البولية
- فما أكثر التفكيك بين المتلازمات في مؤديات الأصول، ولهذا لا يثبت
بأصالة الحل في المائع المردد بين الخمر والخل خليته - غير أن هذا المعنى
ينبغي التفصيل فيه بين ما إذا كان الدليل على الحكم الظاهري عاما كأصالة
الحل، وما إذا كان رواية في موضع خاص وبلحاظ أثر خاص. ففي
الأول لا يكون للدليل نظر إلى موضوع حكم بالخصوص، فيثبت به الحكم
الظاهري ولا يثبت به تعبدا موضوع الحكم الواقعي المماثل لذلك الحكم الظاهري
لأن التعبد يستكشف بقدر إفادة الدليل له. وفي الثاني لما كان دليل الحكم
الظاهري مسوقا بلحاظ تنجيز حكم واقعي معين وهو النقض واثباته تعبدا،
فبضم ارتكاز كون البول موضوعا لهذا الحكم واقعا وارتباط الحكم بالانتقاض
به شرعا، يكون لدليل التعبد بالنقض ظهور عرفي ولو التزاما في التعبد
بالموضوع وأثبات البولية ظاهرا.
وعلى هذا فالمقتضى إثباتا لاستفادة النجاسة من روايات الاستبراء تام.
يبقى علينا بحث الاتجاه الثاني القائل بايقاع المعارضة بين اطلاقها
واطلاق القاعدة. ويمكن دفع ذلك.
تارة: بتقديم مفاد روايات الاستبراء لكونه بمثابة الأصل الموضوعي
لأنه يتكفل بالتعبد بالبولية، إما بلحاظ الوجه الثالث المتقدم في دفع الاتجاه
الأول، وإما بلحاظ التعبير بالاستنجاء في موثقة سماعة المخصوص بمورد
60

(مسألة 3) الأقوى طهارة غسالة الحمام وإن ظن نجاستها (1)
لكن الأحوط الاجتناب عنها.

(1) الوسائل باب 11 من أبواب الماء المضاف حديث 1.
61

والاستدلال بها يتوقف على أمرين أحدهما: أن يستظهر كون الملحوظ
حيثية النجاسة لا حيثية كون الماء من الماء المستعمل، ولو بقرينة عطف الناصب
وولد الزنا على الجنب. والآخر: أن يستظهر كون الملحوظ معرضية الماء
لسؤر هؤلاء الموجب للشك، لا كونه سؤرا بالفعل على أي حال، وإلا
فقد يدخل في معلوم النجاسة ولا ينفع للمستدل.
والرواية ساقطة سندا لعدم ثبوت وثاقة الراوي.
ومنها: مرسلة علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن (ع) (في
حديث) "... أنه قال لا تغتسل من غسالة ماء الحمام، فإنه يغتسل فيه
من الزنا، ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم " (1)
وتقريب الاستدلال بها كما تقدم، وسندها ساقط بالارسال.
ومنها: - معتبرة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) (في
حديث) "... قال: وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام، ففيها تجتمع
غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت فهو شرهم
فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وإن الناصب لنا
أهل البيت لا نجس منه " (2).
وتقريب الاستدلال بها كما تقدم.
ومنها: - رواية أخرى في طريقها ارسال تنتهي إلى ابن أبي يعفور
عن أبي عبد الله (ع): " قال لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة
الحمام فإن فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء، وفيها غسالة
الناصب وهو شرهما إن الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب... " (3).

(1) نفس المصدر السابق حديث 3.
(2) نفس المصدر السابق حديث 5.
(3) نفس المصدر السابق حديث 4.
62

وهناك رواية أخرى وهي معتبرة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع):
" قال: سألته عن ماء الحمام فقال: أدخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر
إلا أن يكون فيهم (فيه خ ل) جنب، أو يكثر أهله فلا يدري فيهم
جنب أم لا " (1). وقد تقدم الكلام عنها في بحث الماء المستعمل من
هذا الشرح (2)، وإن المستظهر منها إرادة ماء الحياض الصغار من ماء
الحمام، وعليه تكون خارجة عن محل الكلام، وهو غسالة الحمام أي المياه
التي تتجمع في الحفرة نتيجة ما ينفق من ماء الحياض الصغار. ولو سلم
ورودها في محل الكلام فلا دلالة فيها على النجاسة، لأن عدم جواز
الاغتسال كما يناسب ذلك كذلك يناسب افتراض مجذور في الماء المستعمل.
ومرد الفرق بين هذه الرواية والروايات السابقة من هذه الناحية إلى اقتصارها على
ذكر الجنب على نحو لا يتم الأمر الأول من الأمرين المشار إليهما في تقريب
الاستدلال. وأما الروايات السابقة فالاستدلال بها على تخصيص قاعدة
الطهارة غير تام " من ناحية أن كلمة الشريه المأخوذة في تلك الروايات
ظاهرة في الحزازة المعنوية لأنها مقابلة للخير، على عكس النجاسة المقابلة
للنظافة فإنها ظاهرة في الحزازة المادية، وهذا على الأقل يوجب اجمالا في
الروايات وعدم ظهورها في الحكم بالنجاسة بالمعنى المصطلح.
ومن ناحية ثانية: أن من جملة المذكورات في بعض تلك الروايات
ولد الزنا، ومن المعروف بين المسلمين طهارته، وهذه المعروفية والارتكاز
بنفسه يمكن أن يكون بمثابة القرينة المتصلة على أن النظر في النهي ليس إلى
النجاسة بل إلى حزازة معنوية، فيوجب الاجمال على أقل تقدير.
ومن ناحية ثالثة: أن الأدلة التي دلت على طهارة أهل الكتاب

(1) الوسائل باب 7 من أبواب الماء المطلق حديث 5.
(2) الجزء الثاني من البحوث صفحة 144 - 148.
63

بنفسها تشكل قرينة منفصلة على أن النهي في هذه الروايات تنزيهي.
ومن ناحية رابعة: أنه إن بني على نجاسة العناوين المذكورة في
الروايات فيمكن دعوى الاطمئنان بنجاسة ما في الحفرة غالبا، لأن ماء
الحفرة يتراكم بعضه على بعض ويبقى مددا طويلة، فلا تكون الروايات
المذكورة معارضة لقاعدة الطهارة إلا بلحاظ فروض نادرة يمكن الالتزام
فيها بتقديم القاعدة، بل لو بني على أن المتنجس ينجس الماء القليل فيمكن أن
يدعى الجزم بنجاسة ماء الحفرة دائما، لأن نفس الحفرة متنجسة وهي لا
تطهر عادة أو يجرى استصحاب عدم تطهيرها، فتكون منجسة لما يرد إليها
من ماء.
الجهة الثانية: في الروايات المدعى نفيها للنجاسة الظاهرية الآنفة
الذكر وهي عديدة:
منها: - رواية محمد بن مسلم. قال: " رأيت أبا جعفر (ع) جائيا
من الحمام وبينه وبين داره قذر، فقال: لولا ما بيني وبين داري ما غسلت
رجلي، ولا يجنب ماء الحمام " (1).
ومنها: - رواية زرارة قال: " رأيت أبا جعفر (ع) يخرج من
الحمام فيمضي كما هو لا يغسل رجليه حتى يصلي " (2).
والروايتان معا معتبرتان سندا. وأما من حيث الدلالة فمصب النظر
فيهما إلى ماء الحمام المبثوث في الممر وإلى أنه ليس بنجس، وهذا غير ماء
الغسالة المتجمع في الحفرة الذي يدعى اجراء أصالة النجاسة فيه، فلا يمكن
الاستدلال في المقام بمثل هاتين الروايتين إلا مع الجزم بعدم الفرق، مع
أن الفرق محتمل لأن احتمال نجاسة الماء الواقع في الممر رهين باحتمال أن

(1) الوسائل باب 7 من أبواب الماء المطلق حديث 3.
(2) الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف حديث 2
64

يكون هذا الماء قد انحدر من جسد انسان نجس، وأما النجاسة في ماء
الحفرة فيكفي فيه أن يكون شئ منه قد انحدر من جسم انسان نجس إليه،
إذ بوقوعه فيها يتنجس تمام ماء الحفرة. ومن الواضح أن احتمال أن يكون
هذا الماء الموجود في الممر فعلا نجسا أضعف من احتمال أن يكون واحد
على الأقل من المياه التي تجمعت في الحفرة نجسا. هذا إذا لم نقل بأن المتنجس
ينجس الماء وإلا فالأمر كما ذكرناه سابقا.
ومنها: - معتبرة محمد بن مسلم قال: " قلت لأبي عبد الله (ع)
الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغسل من مائه؟. قال: نعم لا بأس أن
يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت فيه وجئت فغسلت رجلي وما غسلتهما
إلا بما لزق بهما من التراب " (1). والاستدلال بها قد يكون بلحاظ
صدرها، وهو قول السائل: " الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغسل من
مائه "، بدعوى اطلاق ماء الحمام فيه لماء الغسالة. وقد يكون بلحاظ قوله
" ولقد اغتسلت فيه "، الظاهر في احتواء الماء له بقرينة الظرفية المناسب
لماء الغسالة لا ماء الحياض الصغار. وقد يكون بلحاظ قوله: وما غسلتهما
إلا بماء لزق بهما من التراب "، الظاهر في نفي المحذور من سائر الجهات.
ويرد على اللحاظ الأول: ظهور عنوان ماء الحمام في الماء المعد
للاستحمام وهو يختص بماء الحياض، فلا يراد به مطلق ما في الحمام من ماء
ليتمسك بإطلاقه لماء الغسالة. ويرد على اللحاظ الثاني: إن الضمير في قوله
" ولقد اغتسلت فيه " يرجع إلى الحمام لا إلى ماء الحمام، ولا أقل من
الاحتمال الموجب لسقوط القرينة المدعاة. ويرد على اللحاظ الثالث: أنه
ناظر إلى الممر، وبصدد بيان أن الاستطراق إنما أوجب الغسل لاستقذار
عرفي لا لنجاسة شرعية.

(1) المصدر السابق حديث 3.
65

(مسألة 4): يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلي في
معابد اليهود والنصارى مع الشك في نجاستها وإن كانت
محكومة بالطهارة (1).

(1) الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف حديث 9.
66

" سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس. فقال: رش
وصل " (1) وفي صحيحته الأخرى قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن
الصلاة في البيع والكنائس. فقال: رش وصل. قال: وسألته عن بيوت
المجوس. فقال: رشها وصل " (2).
وهذا المفاد يحتمل فيه بدوا: أن يكون الأمر بالرش بلحاظ الاستقذار
المعنوي، فيثبت حتى مع القطع بالطهارة الحسية. وأن يكون بلحاظ نجاسة
الكنيسة بما هي كنيسة بالمعنى المصطلح من النجاسة، وهذا يعني أنها نجاسة
ذاتية غاية الأمر أنها تزول بالغسل كنجاسة الميت من الانسان. وأن يكون
بلحاظ الشك في النجاسة المصطلحة العرضية، وهذا ما عليه الماتن ولعله الذي
فهمه المشهور من الأمر بالرش.
غير أن السيد الأستاذ - دام ظله - أستظهر الاحتمال الأول، واستشهد له
بأن الرش مرتبة أدنى من الغسل فلا يكون مطهرا بل ناشرا للنجاسة،
وبأن الأمر به مطلق شامل حتى لصورة العلم بعدم النجاسة (3).
وما أفيد موضع للنظر. أما الاستشهاد بأن الرش ليس مطهرا فهو
مدفوع بأن الرش بمرتبة منه غسل بلا اشكال، والذي يدل على ذلك
الرويات الآمرة بالرش ولو استحبابا في موارد احتمال النجاسة، كصحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في حديث: " قال: رأيته في المنازل التي
في طريق مكة يرش أحيانا موضع جبهته، يسجد عليه رطبا كما هو،
وربما لم يرش المكان الذي يرى أنه نظيف ". (4) فإنها كالصريحة في أن
الحزازة المنظور إليها والداعية إلى الرش هي القذارة المادية التي تقابل النظافة

(1) الوسائل باب 13 من أبواب مكان المصلي حديث 2 و 4.
(2) الوسائل باب 13 من أبواب مكان المصلي حديث 2 و 4.
(3) التنقيح الجزء الثاني ص 193
(4) الوسائل باب 22 من أبواب مكان المصلي حديث 1.
67

لا القذارة المعنوية، وكذلك ما ورد من الروايات الآمرة بالرش والنضح
عند الصلاة في مرابض البقر والغنم واعطان الإبل (1)، ويقرب منها
الروايات الآمرة بالنضح عند إصابة الكلب للثوب إذا لم تجد أثره (2)،
والروايات الآمرة برش ثوب المجوسي عند الصلاة فيه (3)
وأما أصل اختيار الاحتمال الأول فيبعده ارتكاز أن القذارة المعنوية
إنما تزول بزوال سببها وهو كون المكان محلا للباطل لا بالرش، فعدم كون
الرش مناسبا للمطهرية من القذارة المعنوية يبعد الاحتمال الأول، بل يوجب
- بمناسبات الحكم والموضوع - انسباق الذهن إلى كون الرش بملاك النجاسة
العرضية التي يترقب عادة زوالها بالتطهير بالماء. وإذا تم هذا الظهور - ولو
بضم مناسبات الحكم والموضوع - كان بنفسه مقيدا لإطلاق الأمر بالرش
بصورة ترقب النجاسة واحتمالها، فلا يتم الاستشهاد بالإطلاق لتعيين الاحتمال
الأول في مقابل الثالث. وبعد استظهار الاحتمال الثالث يتعين حمل الأمر

(1) من قبيل معتبرة سماعة قال: " سألته عن الصلاة في أعطان
الإبل وفي مرابض البقر والغنم؟ فقال: إن نضحته بالماء وقد كان يابسا
فلا بأس بالصلاة فيها " الوسائل باب 17 من أبواب مكان المصلي حديث 4.
(2) من قبيل معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال
" سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب أيصلى
فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره بالماء " ثم قال:
" وفي رواية أبي قتادة عن علي بن جعفر: والكلب مثل ذلك " الوسائل
باب 33 من أبواب النجاسات حديث 2 - 3.
(3) من قبيل معتبرة الحلبي قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الصلاة في ثوب المجوسي؟ فقال: يرش بالماء " الوسائل باب 73
من أبواب النجاسات حديث 3.
68

بالرش على الاستحباب، لأن رش المكان المعلوم النجاسة ليس واجبا أو
شرطا في الصلاة فيه مع عدم سراية النجاسة ووجود مسجد طاهر للجبهة
فضلا عن المكان المشكوك حاله.
نعم لو حمل الأمر بالرش على الاحتمال الأول فلا بد من تكلف قرينة
على نفي الوجوب.
وبالإمكان الاستناد إلى قرينتين في نفي الوجوب:
أحداهما: معتبرة العيص بن القاسم قال: " سألت أبا عبد الله (ع)
عن البيع والكنائس يصلى فيها؟ قال: نعم. وسألته هل يصلح بعضها
مسجدا؟ فقال: نعم " (1). والمناقشة فيها تارة: بأن الملحوظ نفي
المحذور من حيث كونها بيعة وكنيسة لا من حيثية أخرى، وأخرى: بأنها
مطلقة قابلة للتقييد بالرش مدفوعة: بأن حيثية المعرضية للنجاسة لما كانت
حيثية محفوظة غالبا في فرض السؤال فلا معنى لعدم نظر الجواب إليها،
إلا بأن يكون حيثيا بحتا وهو خلاف الظاهر، والتقييد بالرش أليس عرفيا
أما لأن المنع المحتمل عرفا إنما هو بمعنى لزوم الرش فكيف يقيد ما هو بظاهره
بديل هذا المنع بالرش، وأما لأن مؤونة التقييد بهذا القيد الذي فيه عناية
فائقة خارجا أشد من مؤونة حمل الأمر بالرش على التنزه.
والأخرى: رواية حكم بن الحكم قال: " سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول: وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس فقال: صل فيها قد رأيتها
ما أنظفها " (2). الحديث، وهذه الرواية سليمة عن المناقشتين السابقتين،
غير أنها ضعيفة سندا بكلا طريقي الشيخ والصدوق (3).

(1) الوسائل باب 13 من أبواب مكان المصلي حديث 1.
(2) الوسائل باب 13 من مكان المصلي حديث 3.
(3) أما الصدوق فرواها عن صالح بن الحكم الذي ضعفه النجاشي
وأما الشيخ فرواها عن حكم بن الحكم وهو مجهول. وقد يصحح ما رواه
الشيخ إما بدعوى: الوحدة بين الحكم بن الحكم والحكم بن حكيم الذي وثقه
النجاشي كما في معجم رجال الحديث الجزء السادس ص 166 ولكن ترجمة
الشيخ في رجاله للحكم بن الحكم والحكم بن حكيم كل منهما في عنوان مستقل
ظاهر في التعدد ولا قرينة تامة على خلافه. وإما بدعوى: أن الراوي هنا
الحكم بن حكيم الثقة لتطابق نسخ التهذيب على ذلك ولو جودها كذلك في
الوافي المجلد الثاني ص 72 وله طريق صحيح إلى التهذيب ولكن التطابق
منخرم بورودها عن الحكم بن الحكم في الوسائل باب 13 من أبواب المصلي
حديث 3 وفي تفسير البرهان المجلد الثاني ص 444 وفي المعتبر ص 158
وأما نقل الوافي بطريق صحيح فمعارض بنقل صاحب الوسائل بطريق
صحيح ذكره في خاتمة الوسائل وبنقل صاحب البرهان بطريق صحيح ذكره
في آخر البرهان.
69

وأما الكلام في مورد الحكم فقد ذكر السيد الأستاذ - دام ظله -:
بأن الحكم لا يختص بمعابد الكفار بل يشمل دورهم أيضا (1). وهذا
التعميم يمكن أن يقرب تارة: بدعوى الغاء الخصوصية للكنيسة والبيعة
بمناسبات الحكم والموضوع، وأخرى: بالتمسك بما ورد من الأمر بالرش
في بيوت المجوس مع الغاء خصوصية المجوسية (2).
وكلا التقريبين محل الأشكال، أما الأول فلا يتم على مبناه - دام ظله -
من حمل الرش على أنه بلحاظ القذارة المعنوية، لوضوح أن القذارة

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 193.
(2) من قبيل معتبرة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس؟ فقال:
رش وصل " الوسائل باب 13 من أبواب مكان المصلي حديث 2.
70

(مسألة - 5) في الشك في الطهارة والنجاسة لا يجب الفحص
بل يبنى على الطهارة إذا لم يكن مسبوقا بالنجاسة ولو أمكن
حصول العلم بالحال في الحال (1).

(1) كما في معتبرة عبد الله بن سنان المتقدمة.
(2) الوسائل باب 16 من مكان المصلي حديث 1.
(3) لأن في سندها أبا جميلة وهو لم يثبت توثيقه.
71

أو ماء إذا لم أعلم " (1). فإنه لو شكك في اطلاق أدلة الأصول العامة
وادعي أن الغاية فيها ليست هي العلم بالفعل بل العلم كلما أريد تحصيله،
فلا يتطرق مثل هذا التشكيك إلى هذا اللسان لوضوح أنه في مقام بيان عدم
الاهتمام بالواقع المحتمل، المساوق لعدم لزوم الفحص عنه بأي مرتبة من
مراتب الفحص حتى ما لا يعتبر من تلك المراتب فحصا عرفا، لأن مدرك
عدم الوجوب ليس دليلا قد أخذ في موضوعه عنوان الفحص ليجمد على
حدود هذا العنوان، بل ما عرفت. وتتمة الكلام في المسألة تترك إلى
موضعها من علم الأصول.

(1) كما في معتبرة حفص بن غياث المروية في الوسائل باب 37 من
أبواب النجاسات حديث 5.
72

فصل
طريق ثبوت النجاسة أو التنجس العلم الوجداني أو البينة
العادلة. وفي كفاية العدل الواحد إشكال فلا يترك مراعاة
الاحتياط. وتثبت أيضا بقول صاحب اليد (1) بملك أو
إجارة أو إعارة أو أمانة، بل أو غصب (2).
(1) تقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح (1) الكلام عن وسائل
إثبات النجاسة، وإثبات حجية الأمور المذكورة من العلم والبينة وشهادة
الثقة وقول صاحب اليد، فلاحظ ما ذكرناه هناك.
(2) تقدم منا إثبات حجية قول صاحب اليد كبرويا (2) واستعراض
مسلكين في إثباتها، أحدهما: الاستدلال بالسيرة على ذلك، إما بادعاء
قيامها على ذلك بنحو ابتدائي، أو بإرجاعها إلى سيرة أعم، أو إلى قاعدة أن
من ملك شيئا ملك الاقرار به. والآخر: الاستدلال بالروايات. وقد
محصنا كلا المسلكين بالنحو الذي تطلبه المقام، وبقيت بعض التفاصيل
بعد الفراغ عن كبرى حجية قول صاحب اليد، تعرض السيد الماتن
قد سره لبعضها هنا، من قبيل أنها هل تشمل قول الغاصب أو تختص
بقول صاحب اليد الشرعية؟.
والكلام في هذه التفاصيل يقع في عدة جهات:
الجهة الأولى: في سعة دائرة الحجية من حيث أقسام اليد. فإن
اليد تارة تكون شرعية، وأخرى يد الغاصب. كما أنها تارة تكون

(1) صفحة 77 - 113.
(2) الجزء الثاني ص 102 - 113.
73

استقلالية، وأخرى ضمنية، كيد الشريك.
أما من الناحية الأولى: فالظاهر التعميم، وتفصيله: إن المدرك في
الحجية على ما تقدم هو السيرة العقلائية المنعقدة على العمل بخبر صاحب
اليد، بنكتة الأخبرية، وهذه النكتة ليس لشرعية اليد دخل فيها، كما
أنه لا يكفي فيها مجرد كون الشئ مملوكا للشخص شرعا أو داخلا تحت
سلطانه خارجا، بل هي متقومة باليد بمعنى كون الشئ تحت تصرفه
ومباشرته، وهذا معنى محفوظ حتى في الغاصب. نعم لو كان مدرك
الحجية الأخبار وقطعنا النظر عن تحكيم المرتكزات العقلائية في مفادها،
فقد يدعى قصور اطلاقها عن الشمول للغاصب. وقد يكون الأمر كذلك
لو كان المدرك هو السيرة بمعنى بناء المتشرعة خارجا لا بمعنى السيرة العقلائية
لأن الجزم بوجود بناء متشرعي على العمل بقول الغاصب صادر من المتشرعة
بما هم متشرعة في غاية الأشكال، وهذا خلافا للسيرة العقلائية التي يدور
تشخيص سعتها مدار سعة نكاتها المرتكزة الممضاة.
وأما من الناحية الثانية: فالظاهر التعميم أيضا. ولا يقاس المقام على
قبول قول صاحب اليد إذا ادعى ملكية ما تحت يده، حيث لا يثبت
لصاحب اليد الضمنية إلا ملكية النصف، وذلك لأن اليد التي هي موضوع
قاعدة اليد المثبتة للملكية بمعنى الحيازة والسيطرة، ومن الواضح أن الشريك
ليس متسلطا على تمام المال. وأما اليد التي يكون أخبار صاحبها حجة في
المقام فهي يد المباشرة والتصرف، ومن الواضح أن الشريك يمارس تمام
المال من خلال تصرفه في النصف المشاع، فتجري بشأنه نكتة الأخبرية
التي هي ملاك الحجية في المرتكز العقلائي.
الجهة الثانية: في سعة دائرة الحجية من حيث أقسام الخبر. لأن خبر
صاحب اليد تارة: يكون قبل الاستعمال، وأخرى، بعد الاستعمال والخروج
74

عن يده، وثالثة بعد الاستعمال مع بقاء اليد. والحالة الأولى هي المتيقنة
من دائرة الحجية.
وأما الحالة الثانية فقد استشكل في حجية خبر صاحب اليد فيها جماعة
من الفقهاء (1). وهذا الاستشكال قد يكون بتقريب: أن حجية خبر
صاحب اليد فرع فعليه الموضوع لهذه الحجية، فما لم تكن اليد فعلية
لا يكون الخبر خبرا من صاحب اليد ليشمله دليل الحجية. وقد يكون
بتقريب: مقايسة المقام باخبار صاحب اليد بعد بيعه للمال بأنه كان لزيد
مثلا، ففي كل من المقامين لا يقبل قول صاحب اليد الصادر منه بعد
انتفاء اليد، ويقبل منه حالة وجود اليد، لأنه يصدق فيما يرجع إلى ما تحت
يده بالفعل من خصوصيات. وقد يكون بتقريب: مقايسة المقام بإقرار
الشخص بما يكون مسلطا عليه من تصرف فكما أن أخبار الزوج بالرجوع
السابق لا يقبل منه إذا وقع الاخبار بعد انتهاء العدة، كذلك أخبار صاحب
اليد بالنجاسة بعد خروج الشئ عن حيازته.
أما التقريب الأول فيرد عليه: أن هذا إنما يناسب افتراض دليل
لفظي على حجية خبر صاحب اليد بهذا العنوان والجمود على حاق مفاده،
غير أن الصحيح ثبوت الحجية المذكورة بدليل لبي وهو السيرة العقلائية
بنكتة الأخبرية كما ذكرنا سابقا، فلا بد من الرجوع إلى مرتكزاتها ومدى
سعتها، ولا ينبغي التشكيك في أنها ما دامت بنكتة الأخبرية فلا يفرق فيها
بين بقاء اليد وارتفاعها ما دام الخبر ناظرا إلى ظرف فعلية اليد.
وأما التقريب الثاني، فهو مبني على إرجاع الحجية لكل من أخبار

(1) كالعلامة (ره) في التذكرة على ما نقل عنه في مفتاح الكرامة
المجلد الأول ص 131 حيث قال: " ونص في التذكرة على أن اخباره
بالنجاسة إن كان قبل الاستعمال قبل وإلا فلا ".
75

صاحب اليد على المال بأنه لزيد واخباره بأنه نجس إلى كبرى واحدة،
وهي: حجية الشهادة من صاحب اليد فيما يرجع إلى ما في يده من
خصوصيات، وحيث إن شهادته بأن المال لزيد لا تقبل منه بعد اخراجه
للمال من حوزته فيقال بأن شهادته بالنجاسة كذلك أيضا.
ويرد عليه أولا: ما ذكرناه في محله من أن ثبوت كون المال لزيد
باخبار صاحب اليد بذلك ينحل إلى اقرار بأن المال ليس له، وشهادة بأنه
لزيد، فإن بني على أن هذه الشهادة حجة كما بنى عليه في المستمسك (1)
- زائدا على حجية الاقرار - بملاك أنه صاحب يد أمكن ارجاع الحجيتين
إلى كبرى واحدة، وتنظير إحداهما بالأخرى في السقوط بعد انتفاء اليد،
ولكن قد نبني على ما حققناه في محله (2) من أن ثبوت كون المال لزيد
باخبار صاحب اليد بذلك ليس من باب حجية الشهادة، بل من باب
التلفيق بين الاقرار واليد، حيث إن اليد لها مدلولان عرفيان ثابتان بها شرعا، أحدهما:
أن المال ليس لأحد غير صاحب اليد، والآخر: أن المال لصاحب اليد،
والمفاد الثاني يسقط بالاقرار الحاكم على اليد، وأما المفاد الأول فلا موجب
لسقوطه بالنسبة إلى غير زيد، فينفي به مالكية غير زيد، وإنما يسقط
نفيه لمالكية زيد لأن حجية اليد مشروطة بعدم اخبار صاحبها على خلافها
وينتج بضم الاقرار إلى اليد أن المال ليس لصاحب اليد وليس لأحد آخر
سوى زيد، فيتعين كونه لزيد، إما لحجية الدلالة الالتزامية بهذا المقدار
أو لأنه يدخل في كبرى الدعوى بلا معارض. وعلى هذا الأساس إذا باع
صاحب اليد ماله ثم أخبر بأنه كان لزيد مثلا يكون من الواضح عدم
ثبوت ذلك بهذا الاخبار، إذ لا يمكن التلفيق المذكور حيث لا يوجد ما ينفي
.

(1) المستمسك الجزء الأول ص 208 من الطبعة الرابعة.
(2) الجزء الثاني من هذا الشرح ص 104 - 105
76

كون المشتري مالكا، لأن اليد السابقة تؤكد هذه الملكية في طول ملكية
صاحب اليد ولا تنفيها، والاخبار اللاحق ليس حجة في نفسه من باب
الشهادة كما هو المفروض.
وبناءا على ذلك لا معنى لجعل شهادة صاحب اليد بالنجاسة واخباره
بأن المال لزيد من باب واحد، لما عرفت من أن هذا الاخبار ليس حجة
من باب الشهادة بل من باب التلفيق بين اليد والاقرار، فالقول بأن هذا
الاخبار ليس حجة بعد خروج المال عن اليد لعدم امكان التلفيق المذكور
لا يستلزم عدم حجية الشهادة بنجاسة الشئ بعد خروجه عن اليد، بل
لا بد من النظر إلى ما دل على حجية هذه الشهادة على النحو الذي عرفت.
وثانيا: إنا لو سلمنا رجوع الحجية في كل من الموردين إلى كبرى
واحدة وهي: أن شهادة صاحب اليد حجة فيما يرجع إلى ما في حوزته،
ولكن حيث إن هذه الكبرى ثابتة بسيرة العقلاء ومرتكزاتهم، فلا بعد
في أن يكون الارتكاز في بعض موارد تلك الكبرى مساعدا على بقاء الحجية
حتى بعد انتفاء اليد دون بعض آخر. فبالنسبة إلى اخبار صاحب اليد بأن
المال لزيد إذا صدر منه هذا الاخبار والمال في حوزته فلا يوجد من قبله
ما يناقضه فيكون حجة، وأما إذا تصرف المالك فوهبه لعمرو ثم أخبر بأن
المال كان لزيد فالشهادة هنا يوجد ما يناقضها من قبله، وهو ظهور تصرفه
السابق في نفي كون المال لزيد، فمن هنا يتجه افترض التفصيل وعدم
حجية الاخبار المتأخر بما هو شهادة، وإن كان حجة بما هو اقرار وبمقدار
ما يقتضيه قانون الاقرار. وهذا بخلاف الاخبار عن النجاسة فإنه لا يوجد
ما يناقضه من قبل صاحب اليد سواءا صدر منه حال فعلية اليد أو بعد
انتفائها، فلا غرو إذا افترضنا اطلاق الحجية هنا. نعم لو كان قد صدر
منه ما يدل بظاهره قولا أو فعلا على الاخبار عن عدم النجاسة فيلتزم بعدم
77

الحجية للتعارض.
وأما التقريب الثالث، فيرد عليه ما عرفت في محله (1): من أن
قبول خبر صاحب ليد في اثبات النجاسة ليس من صغريات قاعدة من
ملك شيئا ملك الاقرار به، فلا يصح أن يقاس بمواردها، لأن تلك
القاعدة ليست إلا مجرد توسيع لقاعدة إن اقرار العقلاء على أنفسهم نافذ
الناظرة إلى الآثار التحميلية، فلا تشمل اثبات الطهارة والنجاسة ولو
فرض أخذها كقاعدة مستقلة فمفادها نفوذ الاقرار بما يملك فمن يملك البيع أو الطلاق
ينفذ اقراره به، والاقرار في المقام تعلق بالنجاسة ولا معنى لملكها.
ودعوى: أن المالك لشئ يملك تنجيسه فينفذ اقراره بالتنجيس. مدفوعة:
بأن لازم تطبيق القاعدة على هذا النحو نفوذ الاقرار المذكور من كل من
له أن ينجس الشئ ولو لم يكن في حيازته أو ملكا له، كما لو كان مأذونا
من قبل المالك في ذلك، ولازمه أيضا نفوذ الاقرار من المالك بالتنجيس
لا بوقوع النجاسة فيها، لأن ما يملكه هو ذاك. وكل ذلك واضح البطلان،
وهو يكشف عن أن قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به إنما هي في ملك
التصرفات المعاملية التي يتصور لها نفوذ وصحة وبطلان، لا أن كل من
له أن يعمل شيئا يصدق في اخباره به ولو كان أجنبيا عن ذلك. وعليه
فلا موجب لمقايسة المقام بموارد القاعدة المذكورة.
فالصحيح ما عليه السيد الماتن - قدس سره - من حجية أخبار صاحب
اليد إذا صدر منه بعد ارتفاع يده وكان ناظرا إلى زمان فعلية اليد، وذلك
لأن السيرة العقلائية على العمل به شاملة لهذا الفرض، لانحفاظ نكتتها
الارتكازية فيه وهي الأخبرية. ويؤيد ذلك: امكان دعوى الاطلاق في بعض
الروايات المستدل بها على الحجية أيضا، كمعتبرة عبد الله بن بيكر قال:

(1) الجزء الثاني من هذا الشرح ص 103.
78

" سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أعار رجلا أعار رجلا ثوبا فصلى فيه، وهو
لا يصلي فيه. قال: لا يعلمه. قال قلت: فإن أعلمه. قال يعيد " (1)،
حيث إن الاخبار هنا يفرض بعد الاستعارة المساوقة لانتفاء اليد، فإن انتقال
الثوب بالاستعارة يوجب انتفاء بالمعنى المقصود في المقام وهو الممارسة
والتصرف، وإن كانت اليد بالمعنى المراد في قاعدة اليد باقية. غير أن
الاستدلال بالروايات غير تام كما تقدم في محله (2). ثم إنه لو لم يتم
اطلاق في دليل الحجية أمكن التمسك باستصحاب الحجية الثابتة حال فعلية
اليد، بناءا على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وصحة اجراء
الاستصحاب التعليقي.
ومن مجموع ما ذكرناه ظهر حكم الحالة الثالثة وهي ما إذا كان الاخبار
بعد الاستعمال مع فعلية اليد، فإنه حجة على ضوء ما تقدم، بل لو قيل
بعدم حجيته بلحاظ الاستعمال السابق مع كونه حجة بلحاظ الاستعمال اللاحق
للزم التفكيك بين الوضوء السابق من الحوض الذي أخبر صاحبه الآن بأنه
نجس والوضوء اللاحق، مع أن هذا التفكيك على خلاف المرتكز العقلائي
الملحوظ فيه جهة كاشفية الاخبار التي نسبتها إلى كل من الوضوءين على
نحو واحد.
ثم إن اخبار صاحب اليد قد يكون ناظرا إلى زمان ما قبل وقوع
الشئ في يده، فهل يقبل أو يشترط أن يكون المخبر به معاصرا لليد زمانا؟.
الظاهر هو الثاني، لأن المدرك هو السيرة العقلائية، ونكتتها الأخبرية
النوعية: ولا أخبرية كذلك في المقام بلحاظ ذلك الزمان. ومجرد أن
الشئ انتقل إلى حوزته وملكه بعد ذلك لا يؤثر في درجة كاشفية خبره

(1) الوسائل باب 47 من أبواب النجاسات حديث 3.
(2) الجزء الثاني من البحوث ص 107 - 112.
79

عما مضى، فلو التزم بأنه يؤثر في حجية اخباره لكان مقتضاه حمل الحجية
على التعبد الصرف وهو خلاف المرتكزات العقلائية. نعم لو بني على
التمسك بالروايات والجمود على مداليلها بدون تحكيم للمرتكزات العرفية
عليها أمكن التمسك باطلاق بعضها لا ثبات الحجية في المقام.
وعلى ضوء ما تقدم يمكن أن نعرف أيضا: إن صاحب اليد إذا
أخبر بنجاسة ما في يده بدعوى مبنية على منشأ نسبته إليه وإلينا على نحو
واحد فلا يعلم بشمول دليل الحجية لمثل ذلك، فلو قال - مثلا - عباءتي
نجسة لأنها وقعت على عباءة فلأن فتنجست بها، فهذا الكلام لا يثبت به
نجاسة عباءة فلأن جزما لعدم كونه صاحب اليد عليها، ولكن هل يثبت
بها نجاسة عباءته؟، الأقرب العدم، لأن نكتة الخبرية النوعية غير
محفوظة حينئذ، وإنما تحفظ في غير هذه الصورة.
الجهة الثالثة: في سعة دائرة الحجية لأقسام صاحب اليد، وهي
تشتمل على مسائل:
الأولى: في أنه هل تختص الحجية بالثقة أو تشمل غيره. والجواب
واضح، وهو عدم الاختصاص، سواءا استندنا في الحجية إلى السيرة
العقلائية أو إلى الروايات، لأن العنوان المأخوذ فيها عنوان صاحب اليد،
ولو قيد بالثقة لزم - بعد البناء على حجية خبر الثقة مطلقا - الغاء خصوصية
كونه صاحب يد رأسا، وهو على خلاف الارتكاز والظهور. نعم في
روايات البختج (1) قد أخذ فيها ما يدل على اعتبار الوثاقة، وسوف
نتعرض لها في المسألة الأخيرة إن شاء الله تعالى.
الثانية: في أنه هل تختص الحجية بالمسلم أو تشمل الكافر؟.
وتحقيق ذلك: إنا إذا بنينا على المدرك العقلائي وإن نكتته الأخبرية

(1) لاحظ وسائل الشيعة باب 7 من أبواب الأشربة المحرمة.
80

النوعية كما تقدم، فلا يفرق بين المسلم والكافر، فإن كونه أخبر بوقوع
الدم عباءته لا دخل لاسلامه وكفره في ذلك.
نعم هنا أمران. أحدهما: إن الكافر يكون عادة جاهلا بالأحكام
المصطلحات الشرعية، فلا معنى لشهادته بالنجاسة وهو جاهل بمغزاها
الشرعي، بخلاف الشهادة بأسبابها. والثاني: إن كفر صاحب اليد قد
يكون قرينة على أنه ليس جادا في شهادته، بل هزلا أو متهكما أو محرجا
وهذا معناه وجود القرينة على التهمة في اخباره، وقيام القرينة على التهمة
تمنع عن الحجية مطلقا. وكلا هذين الأمرين لا اختصاص لهما بالكافر،
بل يمكن افتراضهما في المسلم البعيد عن دينه والمستهتر بشريعته، ومرجعها
إلى عدم تمامية الصغرى أحيانا، لا إلى التفصيل في كبرى الحجية.
وإذا بنينا على الاستدلال بالروايات، فقد يقال: تارة بوجود ما يدل
على اشتراط الاسلام. ويقال تارة أخرى - بعد فرض عدم الدال على
التقييد - أنه لا اطلاق في الروايات للكافر وهو يكفي في منع الحجية.
أما الدعوى الأولى، فقد يستشهد لها برواية الجبن (1) التي قال
فيها الإمام (ع): " اشتر من رجل مسلم ". ويندفع ذلك: بأن هذا
التقييد كان بلحاظ دخل الاسلام في ظهور حال البيع الصادر من بائع الجبن
في كونه مذكى، لا بلحاظ دخله في حجية اخباره.
وأما الدعوى الثانية، فتقريبها: إن الروايات لا اطلاق فيها، كما

(1) وهي رواية بكر بن حبيب قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام
عن الجبن وأنه توضع فيه الإنفحة من الميتة؟ قال: لا تصلح ثم أرسل
بدرهم فقال: اشتر من رجل مسلم ولا تسأله عن شئ " الوسائل باب
61 من أبواب الأطعمة المباحة حديث 4. ومضافا إلى المناقشة الدلالية فهي
ضعيفة السند ببكر بن حبيب لأنه لم يوثق.
81

يظهر بمراجعة ما تقدم منها عند البحث عن أصل الحجية، فروايات بيع
الدهن المتنجس الآمرة بالاخبار (1) المتيقن منها اخبار السائل الرواي وهو
مسلم، ورواية شراء الجبن (2) أخذ فيها قيد الاسلام، ورواية إعارة
الثوب ممن لا يصلي في الثوب (3) لا تعم غير المسلم، لأنها فرضت المعير
مصليا... وهكذا، ولكن توجد رواية واردة في المشركين خاصة، إذا
تمت دلالتها كانت دالة على التعميم، وقد ورد فيها " عليكم أنتم أن تسألوا
عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا
عنه " (4) فإذا بني على أن المقصود من السؤال السؤال من المشركين
والتعبد بالجواب فهي واردة في غير المسلم.
الثالثة: في أن الحجية هل تختص بالبالغ أو تشمل غيره إذا كان مميزا
والكلام عن ذلك، تارة: حول تمامية المقتضى اثباتا في دليل الحجية
للشمول. وأخرى: حول وجود المانع عن الأخذ بإطلاقه لو تم في نفسه
فهنا مقامان:
أما الأول: فتفصيله: إن المدرك إذا كان هو السيرة العقلائية
فمرتكزاتها تأبى عن دخل البلوغ على نحو الموضوعية في الحجية. نعم
قد يكون دخيلا بوصفه طريقا إلى احراز النضج والرشد، ونحن نتكلم الآن
مع فرض احراز ذلك في غير البالغ.

(1) من قبيل معتبرة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام
" في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه وبينه لمن
اشتراه ليستصبح به " الوسائل باب 6 من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
(2) مرت في هامش ص 81.
(3) مرت في ص 79.
(4) الوسائل باب 50 من أبواب النجاسات حديث 7.
82

وإذا كان المدرك هو الاخبار فلا بد من ملاحظة دلالاتها اللفظية،
ووجود الاطلاق في جملة منها مشكل لو قطع النظر عن المناسبات العقلائية
للحكم، لأن عنوان الرجال مأخوذ فيها أما سؤالا، وأما جوابا، وأما
بحكم كون مورد الحجية فرض صدور الاخبار من الراوي المخاطب وهو
بالغ، فلا يمكن التعدي إلى الصبي لعدم صدق عنوان الرجل عليه، بل قد
يشكل حينئذ الاطلاق للمرأة أيضا. نعم هناك ما لا بأس بالتمسك باطلاقه
لو تمت دلالته، من قبيل ما ورد من قوله " عليكم أنتم أن تسألوا عنه
إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك " (1)، فإن عنوان المشرك مطلق يشمل
البالغ والصبي المشرك ومزاولة الصبيان للبيع أمر معروف فلا ينصرف عنه الدليل.
وأما المقام الثاني، فقد يستشهد للتقييد تارة: برواية عبد الأعلى عن
أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن الحجامة أفيها وضوء؟. قال لا،
ولا تغسل مكانها، لأن الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه ولم يكن صبيا صغيرا " (2)
وأخرى بحديث رفع القلم من الصبي (3) وثالثة: بما دل على أن عمد
الصبي خطأ (4).
أما الاستشهاد بالأول، فهو مبني على أن يراد بكلمة (صغيرا) مجرد

(1) الوسائل - باب 50 من أبواب النجاسات حديث 7.
(2) الوسائل باب 56 من أبواب النجاسات حديث 1.
(3) من قبيل رواية ابن ظبيان في حديث " فقال علي عليه السلام:
أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم... " الوسائل
باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 11.
(4) من قبيل معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه " أن عليا
عليه السلام كأن يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة " الوسائل
باب 11 من أبواب العاقلة حديث 3.
83

تأكيد وتوضيح، لا تقييد الصبي بقسم خاص منه، وإلا أمكن حمله على
غير المميز بمناسبات الحكم والموضوع، ويكفي الاجمال واحتمال ذلك لعدم
تمامية الاطلاق في عقد المستثنى للمميز. هذا إضافة إلى سقوط الرواية سندا (1)
وأما الاستشهاد بالثاني، فيدفعه - بقطع النظر عما تقدم من المناقشة
في سند الحديث (2) - إن ظاهره - بقرينة التقابل بين الرفع عنه والوضع
عليه - إن المرفوع هو الآثار التحميلية، وهذا يشمل حجية الاقرار لأنها
أثر تحميلي، ولكنه لا يشمل حجية الاخبار عن النجاسة.
وأما الاستشهاد بالثالث، فيرد عليه أولا: أن ظاهر التنزيل اسراء
حكم المنزل عليه للمنزل: فيختص بمورد يكون للخطأ بعنوانه أثر شرعي
ليسري بالتنزيل إلى العمد كما في باب الجنايات، ولا يشمل باب المعاملات
ونظائره الذي يكون الأثر الشرعي فيه دائرا مدار العمد وجودا وعدما، لا مدار
عنواني العمد والخطأ.
وثانيا: بأنه لو سلم أن المستفاد من ذلك تنزيل العمد منزلة اللاعمد،
فهذا إنما ينفع في باب المعاملات لابطال معاملة الصبي وعقده، لدخالة
العمد والقصد فيه شرعا، والمفروض أنه نزل منزلة العدم، ولكنه لا ينفع
في محل الكلام، لأن القصد والعمد هنا وإن كان مقوما للحكاية إذ لا يصدق
الاخبار والحكاية بدون قصد وعمد، ولكن موضوع الحجية ليس هو نفس
عنوان الاخبار والحكاية، بل الكشف النوعي الملازم لذلك تكوينا، بدليل
أن المدلول الالتزامي يثبت أيضا ولو مع عدم التفات المخبر إليه رأسا.
فلو أخبر صاحب اليد بنجاسة ثوبه، ونحن نعلم بأن نجاسته على تقدير
ثبوتها توأم مع نجاسة العباءة، ثبتت بذلك نجاسة العباءة لتحقق الكشف

(1) لأن في سندها علي بن يعقوب الهاشمي الذي لم يثبت توثيقه.
(2) تقدم ذلك في ص 30.
84

النوعي، وإن لم يصدق عنوان الاخبار والحكاية المدلول الالتزامي،
فما هو موضوع الحكم الشرعي بالحجية لازم تكويني للاخبار المتقوم بالقصد
والعمد لا لنفسه، فالغاء القصد وتنزيل العمد منزلة عدمه إنما يوجب نفي
الآثار الشرعية التي كانت مترتبة على نفس القصد والعمد، لا المترتبة على
أمر هو لازم تكويني للقصد والعمد، لأن دليل التنزيل ظاهر في النظر إلى
الآثار الشرعية للمنزل عليه لا لوازمه التكوينية.
الجهة الرابعة - في التفصيل من حيث النجاسة المخبر عنها بين بعض
النجاسات وبعض فيقبل قول صاحب اليد في بعضها مطلقا ولا يقبل في
بعضها الآخر إلا ضمن شروط.
وهذا التفصيل مأخوذ من روايات البختج التي قيدت جملة منها حجية
قول ذي اليد بأن يكون عادلا أو عارفا أو غير ذلك فيقال حينئذ بأن
اخبار صاحب اليد بحلية البختج بذهاب ثلثيه وبطهارته بذلك على القول
بأنه ينجس كما يحرم بالغليان بالنار ليس حجة مطلقا بل بقيود خاصة.
ويمكن تصنيف تلك الروايات التي يتراءى منها ذلك إلى ثلاث طوائف.
الطائفة الأولى - ما دل على اشتراط خصوصية في العصير زائدا على
اخبار ذي اليد من قبيل صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن البختج فقال إذا كان حلوا يخضب الإناء وقال صاحبه قد ذهب ثلثاه
وبقي الثلث فاشربه (1) ومفادها إناطة جواز الشرب من العصير العنبي
المغلي وقبول اخبار صاحب اليد بذهاب ثلثيه بوجود أمارة تدعم شهادته
وهي أن يكون العصير بنحو من الثخونة بحيث يصبغ الإناء وهذا يعني أن
حجية خبر صاحب اليد ليست ثابتة على الاطلاق.
والتحقيق أن حلاوة العصير وكونه يخضب الإناء تارة يكون مأخوذا

(1) الوسائل باب 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 3.
85

باعتباره قيدا في موضوع التحليل الواقعي بحيث يكون التحليل واقعا منوطا
بذلك وبذهاب الثلثين معا، وأخرى يفترض أن تمام الموضوع للتحليل واقعا
ذهاب الثلثين، فعلى الأول لا شهادة في الرواية على تقييد في حجية خبر
صاحب اليد لأن الخصوصية المذكورة تكون مأخوذة لدخلها في الحكم الواقعي
لا بوصفها إمارة، وعلى الثاني يكون أخذها بلحاظ جهة كشفها ولكن
حيث أن وجودها يسبق غالبا ذهاب الثلثين فيمكن أن يكون أخذ هذا
القيد بلحاظ أن عدم كون العصير بنحو يخضب الإناء يكون قرينة عرفية
على عدم ذهاب الثلثين فتسقط حجية خبر صاحب اليد لأن كل حجية
من هذا القبيل منوطة بعدم قيام قرائن عقلائية نوعية على الكذب فيها
كما ذكرناه في حجية خبر الثقة أيضا.
الطائفة الثانية ما دل على اشتراط الاسلام والعدالة بل الورع في
قبول خبر صاحب اليد كمعتبرة عمار عن أبي عبد الله (ع) في حديث
أنه سئل عن الرجال يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث قال
إن كان مسلما ورعا مؤمنا (مأمونا) فلا بأس أن يشرب (1) وتقريب
الاستدلال بها على تقييد الحجية واضح غير أنها معارضة بالطائفة الثالثة
الصريحة في عدم اعتبار الايمان والعدالة وإن قول المخالف يقبل إذا كان
لا يستحله على النصف ومقتضى الجمع العرفي حينئذ حمل هذه العناوين
المأخوذة في رواية عمار على الطريقة إلى عدم الاستحلال فيسقط الاستدلال بها.
الطائفة الثالثة - ما دل على اشتراط أن لا يكون صاحب اليد مستحلا
للعصير المغلي بالنار قبل ذهاب الثلثين أو ممن يشربه كذلك من قبيل معتبرة
عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يهدى إليه البختج من
غير أصحابنا فقال: إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه وإن كان ممن

(1) الوسائل باب 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 6.
86

يستحل فاشربه، (1) ومعتبرة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن الرجال من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول قد طبخ على الثلث
وأنا أعرف أنه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف
فقال لا تشربه، قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على
الثلث ولا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب
ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه قال قال نعم (2).
ونلاحظ أنه في هذه الطائفة تارة أخذ فيها قيد عدم الاستحلال
وأخرى قيد أنه لا يشربه على النصف ومقتضى الجمع بمناسبات الحكم
والموضوع حمل الأول على الطريقية للثاني فإن الاستحلال بما هو مع الامتناع
عن الشرب خارجا لا يضر بالحجة التي لم يكن يضر بها استحلال انكار
الإمامة الذي هو أشد بمراتب فالمتحصل من هذه الطائفة بعد ارجاع أحد
العنوانين إلى الآخر اسقاط حجية الخبر الصادر من صاحب اليد إذا كان
ممن يشربه على النصف ويستحل ذلك عملا ومن الواضح أن من كان يشربه
كذلك ويطبخ العصير من أجل الحصول على الشراب المذكور يكون متهما
في دعوى ذهاب الثلثين لأن ذهابهما يفوت عليه العصير المطلوب وحجية
خبر صاحب اليد منوطة بعدم التهمة الناشئة من قرينة من هذا القبيل.
الجهة الخامسة - في التفصيل بلحاظ نوع الشئ المخبر عن نجاسته فقد
ذهب جماعة إلى عدم الفرق فيما يقع تحت اليد بين أن يكون انسانا أو
غيره وذهب بعض الفقهاء ومنهم السيد الأستاذ - دام ظله - (3) إلى
التفصيل وعدم حجية خبر صاحب اليد فيما يخص ما تحت يده من

(1) الوسائل باب 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 1.
(2) الوسائل باب 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 4.
(3) التنقيح الجزء الثاني ص 228.
87

ولا اعتبار بمطلق الظن وإن كان قويا فالدهن واللبن والجبن
المأخوذ من أهل البوادي محكوم بالطهارة وإن حصل الظن
بنجاستها (1)
رجل أو امرأة.
والصحيح أن خروج هذه الحالة تخصص وليس تخصيصا وتفصيلا
لأن المراد باليد هنا المباشرة والتصرف لا مجرد الدخول في الحوزة واليد
التي تفترض على العبد أو الجارية الكبيرين من قبيل الثاني لا الأول عادة.
ومن هنا ظهر أيضا أن عدم الحجية التعبدية لاخبار مالك الدار بأن
القبلة في هذه الجهة من داره ليس تخصيصا في قاعدة حجية خبر صاحب
اليد فيما يرجع إلى ما تحت يده من خصوصيات بل هو تخصص أيضا لأن
مالك الدار وإن كانت الدار في حوزته وتصرفه إلا أن الجهة علاقة بين
طرفين أحدهما الدار والآخر الكعبة وهي خارجة عن استيلائه فاخباره بأن
هذه الجهة هي القبلة كأخباره بأن بيته مجاور لمسجد فإنه لا يثبت مسجدية
الأرض المجاورة ولا أحكام جيران المسجد على بيته.
(1) لما تقدم عند الحديث عن قاعدة الطهارة (1) بما يفهم منه
اطلاق الطهارة الظاهرية المجعولة فيها وفي دليل الاستصحاب لموارد الظن
بل ورود جملة منها في موارد التعرض الشديد للنجاسة والتصريح فيها
بإناطة التنجز بحصول اليقين بالنجاسة (2) يجعل الدليل كالنص غير القابل

(1) تقدم الحديث عن قاعدة الطهارة في الجزء الثاني من البحوث
ص 189 وما بعدها.
(2) من قبيل معتبرة عبد الله بن سنان قال " سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام
وأنا حاضر إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم
الخنزير فيرده علي فاغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام
صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم
تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه " الوسائل
باب 74 من أبواب النجاسات حديث 1 ومن قبيل معتبرة زرارة الواردة
في الوسائل باب 37 من أبواب النجاسات حديث 1 ومعتبرة عمار باب 4
من أبواب الماء المطلق حديث 1.
88

بل قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها (1).
بل قد يكره أو يحرم إذا كان في معرض حصول الوسواس (2).
للتقييد بغير حالة الظن ومعه لو تم دليل على الأمر بالاجتناب في حالة
المعرضية الظنية أو الغالبية (1) تعين حمله على التنزه والاستحباب.
(1) لا شك في حسن الاحتياط في نفسه على القاعدة فلا بد لنفي
رجحان الاحتياط إما من افتراض عنوان ثانوي مرجوح ينطبق على
الاحتياط كالاسراف مثلا أو افتراض سببيته لأمر مرجوح كما لو كان مولدا
للوسواس فيقع التزاحم بين الحيثيتين أو استفادة عدم اهتمام الشارع بالتحفظ
الاحتمالي على الواقع المشكوك من دليل شرعي كما لا يبعد استفادته من مثل
لسان " ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم " (2) فإن هذا اللسان
يكشف عرفا عن عدم الاهتمام بالتحفظ الاحتمالي على الواقع ويعطى أن ديدن
الإمام عليه السلام كان على عدم رعاية النجاسة المشكوكة والتحرز منها
وهو لا يناسب مع افتراض رجحان الاحتياط.
(2) قد يقال بحرمة الوسواس أما بما هو حالة نفسية من التشكك

(1) من قبيل معتبرة علي بن جعفر التي مر الكلام عنها في الجزء
الثالث من البحوث ص 268.
(2) كما ورد في معتبرة حفص بن غياث: الوسائل باب 37 من
أبواب النجاسات حديث 5.
89

إذا كانت اختيارية وأما باعتباره عنوانا ثانويا للعمل الذي يأتي به الوسواسي
نتيجة لذلك، وقد يفرع على ذلك حرمة الاحتياط المؤدي بطبعه إلى
الوسواس باعتباره سببا توليديا للحرام فيحرم ولكن الصحيح أنه لا مدرك
لحرمة الوسواس غير دعوى كونه من ايحاءات الشيطان كما دلت عليه
الروايات (1) مع حرمة اتباع خطواته وطاعته التي هي نحو من العبادة
العملية له وهي مدفوعة بأن الطاعة واتباع الخطوات و العبادة العملية وما
يساوق ذلك من العناوين متقومة بقصد امتثال الشيطان ولو بمعنى الكيان
الباطل واتخاذه قدوة ومطاعا فلو فرض أن هذه العناوين محرمة فلا يعني
ذلك حرمة احتياط الوسواسي الذي يقصد به الله سبحانه وتعالى ولا يريد
به الانصياع لأي كيان شيطاني فمجرد الاتيان بذات ما يطلبه الشيطان بداع
آخر لا يحقق عنوان الطاعة والعبادة للشيطان لا موجب لحرمته ما لم يكن الفعل
في نفسه مما دل الدليل على حرمته.
هذا على أن المنساق من جميع ما دل على النهي عن اتباع الشيطان
الارشاد لا المولوية كما هو الحال فيما دل على الأمر بأتباع الله سبحانه وتعالى
ونكتة ذلك أن الشيطان ليس كائنا حسيا كزيد وعمرو يمكن التعرف على
ما يريد وما لا يريد بقطع النظر عن الشارع ليحمل النهي على المولوية كما
لو صدر النهي عن اتباع زيد مثلا وإنما المعروف لما يريده الشيطان وما
يغوى به عادة هو الشارع باعتبار أنه يريد نقيض ما يريده الشارع فعن

(1) كما في معتبرة عبد الله بن سنان قال " ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام
رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل فقال أبو عبد الله
عليه السلام: وأي عقل له وهو يطيع الشيطان فقلت: وكيف يطيع
الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شئ هو فإنه يقول لك:
من عمل الشيطان " الوسائل باب 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث 1
90

(مسألة 1) لا اعتبار بعلم الوسواسي في الطهارة والنجاسة.

(1) كما في معتبرة محمد بن مسلم الآتية في هامش ص.
91

لا يبطئ اليقين بالالزام عنده عن المتعارف وإنما يبطئ عنده التصديق بنفي
الالزام لشدة السيطرة الوهمية للالزام على نفسه.
وفي مقابل هذا الأخير القطاع وهو شخص يسد بسرعة الاحتمالات
التي لا تسد عادة بحساب الاحتمالات على العكس من سابقه فيلغى من ذهنه
احتمالات معتد بها عقلائيا وبذلك يسرع إلى اليقين وهي حالة عقلية أيضا
نسبتها إلى طرف الالزام والترخيص على نحو واحد.
فهناك إذن ثلاثة أنواع غير متعارفة. والوسواسي ومن لا يؤثر ضعف
الاحتمال في زواله من نفسه ومن يزول الاحتمال بأدنى ضعف أو ملاحظة
من نفسه والأول يختص شذوذه بطرف الالزام بخلاف الأخيرين كما أن
الطرفين يتصور شذوذهما في اليقين بينما الوسط لا يشذ في اليقين بل في
الشك فهو يشكك حيث لا ينبغي أن يشك لا أنه يتيقن حيث لا ينبغي أن
يتيقن والأولان يتصور شذوذهما في الشك بمعنى أنهما يتشككان حيث لا ينبغي
ولا يتصور ذلك في الأخير.
وهناك فارق آخر بين الأنواع الثلاثة وهو أن الوسواسي لا يكنه أن
يصدق بالنسبة إلى شخص حالة معينة من حالات شكه أو يقينه بأنها وسواس
لأن ذلك مساوق للاعتراف بنشوئها من الوهم ووجود الدليل على خلافها
واليقين بذلك يساوق زوال تلك الحالة عادة نعم قد يعترف الوسواسي
بأنه وسواسي بصورة عامة ولكنه حينما يعيش حالة معينة من الشك أو
القطع لا يمكنه أن ينعقد بأنه وسواسي في تلك الحالة، وهذا بخلاف بطئ
اليقين الذي لا يؤثر ضعف الاحتمال في فنائه في نفسه إذ قد يعترف هذا
الشخص الشكاك بأن هذا الاحتمال يلغيه غيره ولا يستقر في ذهنه لأن قيمته
ضئيلة ومع هذا يبقى مصرا على الاحتفاظ به وذلك لأن هذا الاعتراف
لا يساوق التنازل عن الاحتمال المذكور لأن كونه يغنى عند غيره بسبب
92

الضآلة لا يبرهن على ضرورة ذلك فإن هذا الفناء ليس امرأ برهانيا كما
أوضحناه في الأسس المنطقية للاستقرار (1) وإنما هو مصادرة مشتقه من
تركيب ذهن الانسان الذي خلق بنحو لا يحتفظ بالاحتمالات الضئيلة جدا
فلو وجد ذهن يختلف في خلقته عن ذلك طبعا أو تطبعا فلا محذور في أن
يلتفت إلى ذلك، نعم لو كان البطؤ في اليقين نتيجة عدم الالتفات إلى
البديهيات ومشتقاتها فلا يمكن لهذا الشكاك أن يعتقد بهذا الواقع بشأن شكه
وأنه نشأ من عدم الالتفات إلى تلك البديهات. وأما من يسرع إليه اليقين
وهو القطاع فهو لا يمكنه أن يعترف بأن يقينه هذا بلا مبرر وإلا لفقده
ولكن بامكانه أن يلتفت إلى أنه أسرع يقينا من غيره وأن غيره لا يشاركه
في يقينه من دون أن يفقده ذلك يقينه إذ قد يفسر ذلك على أساس أنه
يتميز بتجارب وخبرات تجعله يلغي جملة من الاحتمالات التي يحتفظ بها غيره.
وعلى أي حال فالكلام يقع في جهات:
الجهة الأولى - في الشك غير العقلائي في طرف الالزام أي التشكيك
حيث يحصل للانسان الاعتيادي اليقين أو الاطمئنان بعدم الالزام ويفرض
ذلك في مورد يكون الشك فيه منجزا كمورد الشك في الامتثال فهل يجب
على الوسواسي مراعاة احتماله غير المتعارف لعدم الامتثال أولا الظاهر عدم
وجوب المراعاة بأحد التقريبات التالية.
الأول: المنع عن جريان أصالة الاشتغال في نفسها بدعوى أنها تعني
منجزية التكليف بالاحتمال المذكور وهو فرع أن يكون للمولى حق الطاعة
بهذه المرتبة التي يسد بها باب هذه الاحتمالات غير العقلائية وبالامكان انكار
هذا الحق رأسا وهو أمر واضح بالنسبة إلى الموالي العرفيين فإذا تم انكاره
فلا موضوع لأصالة الاشتغال في نفسها لأن مرجع حكم العقل بوجوب الامتثال

(1) الأسس المنطقية للاستقراء ص (364 - 366).
93

حينئذ إلى حكمه بلزوم التحفظ من المخالفة من غير ناحية تلك الاحتمالات
غير العقلائية ولا ينفع في مثل ذلك استصحاب عدم الاتيان لأنه إنما يجري
حيث يكون الواقع المشكوك صالحا لتنجيز ومع ضيق دائرة حكم العقل
بوجوب الامتثال من أول الأمر فلا أثر لاجرائه إلا إذا رجع إلى جعل حكم
واقعي مستقل وهو خلف.
الثاني: بعد تسليم جريان أصالة الاشتغال في نفسها يقال بوجود المؤمن
الشرعي الحاكم عليها وهذا المؤمن يثبت بدليل السيرة العقلائية على عدم
محاسبة المأمور في مقام الامتثال على مثل تلك الاحتمالات غير العقلائية مع
امضاء الشارع لها وإذا تم ذلك كان هذا المؤمن واردا على أصالة الاشتغال
ومخصصا لدليل الاستصحاب المقتضى لاجراء استصحاب عدم الاتيان لو لم
نقل بخروج المورد عنه تخصصا باستظهار أن الغاية المأخوذة في دليله ليست
هي اليقين بالانتقاض على وجه الوصفية ليقال بأنها لم تحصل بل على وجه
الكاشفية ومرجعها حينئذ بحسب الفهم العرفي إلى أن الغاية هي توفر اليقين
العقلائي بالنقض وهو حاصل.
الثالث: التمسك بالروايات الخاصة (1) الدالة على عدم لزوم الاعتناء
بشك كثير الشك الشاملة للوسواسي بمنطوقها أو بالأولوية على أساس أنه
أسوا حالا من كثير الشك وهذه الروايات واردة في خصوص باب الصلاة
ومن هنا يمكن أن يفرق بين التقريبات الثلاثة ويقال إنه على الأوليين يكون
عدم لزوم الاعتناء عاما لسائر الموارد، وعلى الثالث يختص بالأبواب الخاصة

(1) من قبيل معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال
" إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك... " الوسائل باب 16 من
أبواب الخلل حديث 1.
94

المنصوصة في تلك الروايات كالصلاة والوضوء (1) ولكن لا يبعد مساعدة
العرف على الغاء الخصوصية في روايات كثير الشك بمناسبة الحكم والموضوع
خصوصا بلحاظ جعل ذلك من الشيطان في مقام تقريب الحكم وتعليله إلى
سائر الموارد لأن ما كان من الشيطان لا يفرق في رفضه بين مورد ومورد
فإن قيل لعل خصوص كثيرة الشك في مورد الصلاة من الشيطان فلا يكون
هذا التعليل موجبا للتعدي قلنا إن ظاهر الإمام عليه السلام الإشارة إلى أمر
عرفي واضح ولهذا يطلب من الراوي أن يسأل الوسواسي عن حاله لينزع
منه الاعتراف بأن حالته من الشيطان ومن الواضح أن ما هو مركوز لا يفرق
فيه بين مورد وآخر فحمله على الكشف عن أمر تعبدي غيبي في خصوص
باب الصلاة خلاف الظاهر.
ويمكن أن يفرق بين التقريبات الثلاثة المتقدمة من ناحية أخرى وهي
أن التقريب الأول والثاني ينفعان بطئ اليقين وهو الثاني من الأنواع الثلاثة
لغير المتعارف لأنه يمكن أن يلتفت إلى كون شكه غير عقلائي بمعنى أن
غيره من العقلاء لا يشك على هذا النحو ولا ينفعان الوسواسي الذي
ينشأ شكه من غلبة الوهم عليه مع وجود المبرر الكافي لا زالته عقليا لما
تقدم من أنه لا يمكنه أن يصدق بأن شكه هذا من هذا القبيل نعم قد ينتفع
بهما إذا خيل له أنه من النوع الثاني وأن شكه غير المتعارف ينشأ من بطئ
اليقين لا من وسوسة الوهم. وأما التقريب الثالث ينفع الوسواسي لأنه
يلغي شك كثير الشك لا خصوص الشك غير المتعارف، والوسواسي قد
يلتفت إلى حالته النوعية وأنه وسواسي وكثير الشك ويكفي هذا لشمول
الأخبار له وإن لم يحرز أن شخص هذا الشك كان من هذا القبيل نعم لو
قيل بأن مفاد السيرة العقلائية المدعاة متطابق مع مفاد الأخبار من هذه الناحية

(1) كما في معتبرة عبد الله بن سنان المارة في الهامش ص 185.
95

لم يبق فرق بين التقريبين الثاني والثالث.
الجهة الثانية - في الشك غير العقلائي في طرف الترخيص بأن يظل
المكلف، وهذا
يتصور في النوع الثاني دون الأول والثالث والظاهر فيه أن هذا الاحتمال
أما الأول فلو قيل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا ينبغي أن يفرض موضوعها
عدم العلم بمعناه الصفتي بل عدم تلك الدرجة من الوضوح والتجلي التي
توجب العلم للانسان الاعتيادي لوضوح أن العقل لا يحكم بقبح العقاب مع
توفر تلك الدرجة وإن لم تؤثر في حصول اليقين فعلا. وأما الثاني فهو
عبارة عن الأصول الشرعية المؤمنة وبعد حمل الغاية فيها على العلم بنفس
المعنى المذكور آنفا لا يكون في أدلتها اطلاق للشك المذكور فلا يكون مؤمنا.
الجهة الثالثة أو بالطهارة وقد أشرنا
سابقا إلى أن القطع غير المتعارف بالنجاسة يتصور من الوسواسي وسريع
اليقين وأما القطع غير المتعارف بالطهارة فيتصور من سريع اليقين ولا
يتصور من الوسواسي، في 1 في نفسه 2
في امكان الردع عنه 3 في البحث عن وقوع الردع بعد فرض امكانه
فهنا ثلاث نقاط.
1 - في حجيته والصحيح حجيته بمعنى لزوم الجري على طبقه عقلا
سواء قبل بأن موضوع حكم العقل بالحجية طبيعي القطع أو القطع الخاص
الذي لم ينشأ من جهة غير موضوعية كالقطع المتولد من الوسواس والوهم
أو من العجلة في الغاء الاحتمالات وغض النظر عنها، أما على الأول
فواضح، وأما على الثاني فلأن القاطع لا يعقل أن يصدق بأن قطعه وليد
وهم أو عجلة وإلا لفقده فهو يراه مصداقا للقطع الخاص على أي حال
96

ومعه يستقل عقله بلزوم التحرك على طبقه ولا نريد من الحجية إلا ذلك
2 - في امكان الردع عنه وقد يدعى امكان الردع تارة ببيان يقتضي
امكان الردع عن القطع الطريقي عموما وأخرى يدعى امكانه في المقام بوجه
آخر مع التسليم باستحالة الردع عن القطع الطريقي، أما الأول فتحقيقه
موكول إلى علم الأصول، وأما الثاني فيمكن أن يقرب امكان الردع بأحد
وجهين: -
الأول - أن يحول القطع من الطريقي إلى الموضوعي بأن يؤخذ عدم
العلم غير المتعارف قيدا في موضوع النجاسة أو في موضوع المانعية مثلا،
وقد يستشكل في ذلك بأن هذا الشاذ حيث إنه لا يصدق بأن قطعه بلا مبرر
فلا ينفعه التقييد المذكور إن أريد به التقييد بعدم العلم الذي لا مبرر له وأما
إذا أريد به التقييد بعدم مطلق العلم الصادر من إنسان يكثر منه اليقين بلا
مبرر فهذا أمر قد يلتفت الوسواسي إلى انطباقه عليه ولكنه غير مفيد في
المقام لأن لازمه ردع الوسواسي عن العمل بقطعه مطلقا حتى ما كان منه
متعارفا ويندفع هذا الاشكال بامكان فرضية ثالثة وذلك بأن يقيد موضوع
الحكم بعدم العلم الذي يستهجن العقلاء عادة حصوله، والوسواسي قد
يلتفت إلى ذلك في شخص هذا اليقين أو ذاك على الرغم من زعمه وجود
مبرر لما حصل له من يقين.
الثاني - أن يفترض وجود حكم واقعي بتحريم الاعتناء بالوسواس
بمعنى ما يستهجنه العقلاء من معتقدات، وهذا الحكم محفوظ مع الحكم بمانعية
النجس في الصلاة على الاطلاق ويمكن فرض وصولهما معا إلى المكلف
الوسواسي وعليه فمن بنى وسواسا على نجاسة بعض ثيابه وقطع بذلك وهو
ملتفت إلى أن قطعه هذا مما يستهجنه العقلاء إن كان لديه صارف شخصي
عن لبس ذلك البعض من الثياب فلا تزاحم بين الحكمين المفترضين وإن
97

لم يكن لديه صارف عن لبسه إلا الاعتناء بالوسوسة وقع التزاحم بين حرمة
الاعتناء بالوسواس ووجوب اجتناب النجس في الصلاة فإذا فرض أن
الحكم الأول أهم سقط الحكم الثاني مع بقاء أصل وجوب الصلاة لأنها
لا تسقط بحال ونتيجة ذلك أن يكون هذا الوسواسي مكلفا بالصلاة في ما يراه
نجسا وهذه نتيجة الردع عن العمل بقطعه.
3 - في وقوع الردع بأحد الوجهين السابقين والصحيح عدم وقوعه
أما الأول فلأنه على خلاف اطلاق أدلة الأحكام الواقعية ولا موجب للتقييد
وأما الثاني فلما تقدم من عدم الدليل على حرمة الوسواس في نفسه (1)،
نعم الانصاف أن قطع الفقيه بأن بعض مراتب الوسواس مما لا يرضى بها
الشارع كما لا يرضى بالمحرمات ليس مجازفة، والله العالم بالحال.
ثم إنه قد يستدل على الردع عن قطع الوسواس باطلاق ما دل على
عدم لزوم اعتناء المبتلي بالوسوسة بوسواسه بقريب أنه يشمل باطلاقه من
كانت وسوسته تتمثل في القطع أيضا لأنه مصداق لعنون المبتلي كمعتبرة
عبد الله بن سنان قال ذكرت لأبي عبد الله رجلا مبتلي بالوضوء والصلاة
وقلت هو رجل عاقل فقال أبو عبد الله (ع) وأي عقل له وهو يطيع
الشيطان فقلت له وكيف يطيع الشيطان فقال سله هذا الذي يأتيه من أي
شئ هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان (2)
وامتياز هذه الرواية أنه لم يؤخذ في موردها الشك ونحوه من العناوين
بل عنوان المبتلى بالوضوء والصلاة فبالامكان أن يقال باطلاقه لموارد قطع
الوسواس أيضا لأنه ابتلاء فيثبت الردع ولا بد حينئذ من ارجاعه ثبوتا إلى

(1) تقدم في ص 87 وما بعدها
(2) الوسائل باب 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث 1
98

(مسألة 2) العلم الاجمالي كالتفصيلي فإذا علم بنجاسة
أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما (1)
99

النكات، فمن القواعد المقررة في الأصول إن من شرائط تنجيز العلم
الاجمالي أن يكون علما بالتكليف الفعلي على كل تقدير ومن التصورات
الثابتة لدى مدرسة المحقق النائيني قدس سره على ما يبدو أن حرمة شرب
النجس أو حرمة الصلاة فيه اللتين تترتبان على النجاسة ككل حكم آخر
لا يكون فعليا في مرحلة المجعول إلا حينما يتحقق الموضوع ويصبح فعليا،
فما لم يتحقق مشروب نجس بالفعل أو لباس نجس كذلك لا يكون الحكم
بحرمة شربه أو الصلاة فيه فعليا.
وعلى هذا إذا علم اجمالا بنجاسة أحد المائين أو الطعامين أو الثوبين
أو نجاسة هذا الماء أو ذلك الثوب فهو علم اجمالي منجز لأنه علم اجمالي
بالتكليف الفعلي على كل تقدير، وأما إذا علم اجمالا بنجاسة هذا الماء
أو ذلك الإناء الفارغ فلا ينجز هذا العلم لأنه ليس علما بالتكليف الفعلي
على كل تقدير من أجل أن نجاسة الإناء الفارغ ليست موضوعا لتكليف
فعلي، وكذلك الحال في كل حالة يكون طرف العلم الاجمالي فيها شيئا مما
لا يشرب أو يؤكل أو يلبس فإن استشباع نجاسته لتكليف فعلي يكون تقديريا
لا فعليا أي معلقا على ملاقاة ما يشرب أو ما يؤكل أو ما يلبس له.
نعم قد بنينا في الأصول على أن حرمة الصلاة في النجس التي مردها
إلى المانعية فعلية بفعلية نفس الأمر بالمقيد - أي الأمر بالصلاة المقيدة بعدم
النجاسة - وإن تنجس الثوب خارجا ليس قيدا في فعلية المانعية بل في
متعلقها بمعنى أن المكلف بالفعل - قبل أن يتنجس ثوبه - مأمور بأن لا يصلي
صلاة مقرونة مع نجاسة الثوب وعلى هذا الأساس يكون العلم الاجمالي
بنجاسة الماء أو الإناء الفارغ منجرا أيضا لأن مرجعه إلى العلم الاجمالي
بحرمة شرب ذلك الماء أو بطلان الطلاة في الثوب الذي يلاقي هذا الإناء
وهو بطلان فعلي وإن لم تكن الملاقاة فعلية لأن مرده إلى المانعية المنتزعة
100

إلا إذا لم يكن أحدهما محلا لابتلائه فلا يجب الاجتناب
عما هو محل الابتلاء أيضا (1)
من الأمر بالمقيد والفعلية بفعليته، وتفصيل الكلام عن ذلك في مباحث
الاشتغال من علم الأصول.
(1) والمقصود من الخروج عن محل الابتلاء مرتبة متوسطة بين التيسر
والتعذر العقليين والتي قد يعبر عنها بالتعذر العرفي، وتفصيل الكلام في
هذه المسألة موكول إلى موضعه من علم الأصول غير أننا نذكر موجزا
بالنحو الذي يناسب المقام وحاصله أن هناك ثلاثة مسالك:
الأول - مسلك المشهور حيث ذهبوا إلى عدم تنجيز العلم الاجمالي
المذكور لعدم كونه علما بالتكليف الفعلي على كل تقدير لأن التكليف في
الطرف الخارج عن محل الابتلاء ليس فعليا لا خطابا ولا ملاكا أما الخطاب
فلأنه مشروط بالقدرة ويراد بها هنا المعنى العرفي للقدرة تنزيلا للخطاب
على الفهم العرفي.
وأما الملاك فلأن الكاشف عنه هو الخطاب ومع قصور اطلاقه
لا كاشف عنه
ويرد عليه: أن القدرة لم تؤخذ بعنوانها في الخطاب لتنزل على المعنى
العرفي وإنما هي شرط بحكم العقل وكشفه لبا عن التخصيص بملاك استحالة
التكليف بغير المقدور وهذا المخصص اللبي لا يخرج سوى موارد العجز
الحقيقي لا العرفي، وغاية ما يتوهم كونه ملاكا لالحاق العجز العرفي به في
هذا التخصيص اللبي العقلي دعوى لغوية التكليف في موارد الخروج عن
محل الابتلاء إذ ما فائدته مع فرض انصراف المكلف بطبعه عن الشئ الذي
يراد نهيه عنه، وهي مندفعة: بأنه يكفي فائدة للتكليف أنه يحقق صارفا
101

ثانيا للمكلف في عرض الصارف الطبيعي يمكن المكلف من التعبد والتقرب على أساسه
المسلك الثاني - للسيد الحكيم في المستمسك (1) " قدس سره " حيث
إنه اعتراف بفعلية التكلف في موارد الخروج عن محل الابتلاء ولكنه تصور
مرتبة بعد فعلية التكليف سماها بشغل الذمة وثقل العهدة فهو يرى أن التكليف
بالاجتناب عما هو خارج عن محل الابتلاء لا يدخل في الذمة ويشبهه بالتكليف
في موارد عدم قيام الحجة عليه وعليه فالعلم الاجمالي ليس علما اجماليا بتكليف
تشتغل به ذمة المكلف على كل تقدير فلا يكون منجزا.
ويرد عليه: أن شغل الذمة إن أراد به المنجزية التي هي حكم
عقلي فهذا غير معقول لأن المنجزية معناها حكم العقل باستحقاق
العقاب على تقدير المخالفة ومن الواضح أنه لا معنى لأن يدعى في
المقام أن الماء النجس الخارج عن محل الابتلاء لا يستحق المكلف العقاب
على تقدير شربه ومخالفته للنهي لأن فرض الشرب والمخالفة هو بنفسه
فرض الدخول في محل الابتلاء وبذلك يتضح أن تنظير هذا بموارد عدم
قيام الحجة على التكليف في غير محله لأن مخالفة الواقع الذي لا حجة عليه
لا يساوق تمامية الحجة عليه، وأما مخالفة النهي الخارج مورده عن محل
الابتلاء فهو يساوق دخوله في محل الابتلاء، وإن أراد بشغل الذمة معنى
عرفيا أي أن العرف لا يرى كلفة وثقلا على المكلف في موارد الخروج
عن محل الابتلاء فكأن التكليف لم يشغل ذمته فهذا المعنى صحيح غير أنه
لا دخل له في المقام لأن صدق عنوان الثقل والتحميل عرفا لا دخل له بباب
الطاعة وقانون منجزية العلم الاجمالي.
المسلك الثالث - ما ذهب إليه السيد الأستاذ - دام ظله - من الاعتراف
بفعلية التكليف في موارد الخروج عن محل الابتلاء وإن العلم الاجمالي في
المقام منجز وإن كان أحد طرفيه خارجا عن محل الابتلاء لأنه علم بالتكليف

(1) المستمسك الجزء الأول ص 451 وما بعدها الطبعة الرابعة
102

الفعلي على كل تقدير فلا يجري الأصل المؤمن في الطرف الداخل في محل الابتلاء.
ونقتصر في تحقيق حال هذا المسلك على تعليقين مع إحالة الباقي إلى علم الأصول.
أحدهما - مبنائي وهو إنا نرى عدم المحذور العقلي في الترخيص في
أطراف العلم الاجمالي كلها وإنما المحذور عقلائي بمعنى أن العقلاء بحسب
ارتكازاتهم النوعية يرون أن ترخيص المولى في كل أطراف العلم الاجمالي
مساوق لرفع يده عن التكليف المعلوم رأسا فمع الحفاظ عليه لا يرون
شمول دليل الأصول المؤمنة لا طراف العلم الاجمالي معا وعليه نقول إنه
في موارد خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء لا يرى العقلاء الترخيص
في كلا الطرفين بمثابة رفع اليد عن التكليف الواقعي والاستخفاف به بل
هو في قوة الترخيص في طرف واحد فقط من الناحية العملية فالتنافي
الارتكازي غير موجود وتحقيق الأصول الموضوعية للمبنى متروك إلى محله أيضا.
والتعليق الآخر - إنا لو سلمنا أن المحذور في الترخيص في كلا الطرفين
عقلي لا عقلائي فقط كما عليه مدرسة الميرزا " قدس سره " نقول إن ملاك التنجيز
بلحاظ الموافقة القطعية تساقط الأصول بالمعارضة ولا تساقط في المقام بل
الأصل المؤمن يجري في الطرف المبتلى به بلا معارض لقصور أدلة الأصول
المؤمنة عن الشمول للطرف الخارج عن محل الابتلاء حتى ولو كان الشك
فيه شبهة بدوية فضلا عن الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي وذلك أما بتقريب
يجري في تمام أدلة الأصول وهو اللغوية العقلائية لجعل الأصول لأن النكتة
التي صححنا بها جعل الحكم الواقعي في الموارد الخارجة عن محل الابتلاء
عند دفع المسلك الأول لا تجري في جانب الترخيص الظاهري الذي لا يطلب
منه إلا اطلاق العنان والتأمين عند المخالفة واطلاق العنان في مورد يكون
المكلف بطبعه مقيد العنان بالنسبة إليه يكون لغوا عرفا واللغوية العرفية
صالحة للقرينية على نحو لا يمكن التمسك بالاطلاق.
وأما بتقريب يجري في أدلة الأصول المسوقة مساق الامتنان وهو أنه لا امتنان
103

(مسألة 3) لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها (1)
104

نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها (1)
الحكمية أيضا فأنطنا حجيته بعدم الكاشف النوعي المزاحم بالنحو المذكور
ومن هنا قلنا بأن اعراض المشهور عن الرواية بلحاظ حيثية صدورها إذا
لم يكن اعراضا اجتهاديا بميزان من موازين التقديم والترجيح يوجب سقوطها
عن الحجية. ومن أجل هذا أيضا قلنا في مسألة رؤية الهلال وثبوته بالبينة
أن الروايات الواردة في اسقاط حجية البينة المتفردة بالرؤية (1) ليست
تخصيصا لقاعدة حجية البينة بل هي جارية على القاعدة لأن التفرد المذكور
مع كثرة المستهلين وصفاء الجو يوجب وجود أمارة نوعية على الخلاف
وهو ما أشير إليه في تلك الروايات بلسان أنه إذا رآه واحد رآه مائة،
وكما تكون السيرة قاصرة في حالة من هذا القبيل كذلك الأدلة اللفظية أما
لظهورها في الامضاء الموجب لحملها على نفس النكتة المنعقدة عليها السيرة
وبذلك تكون محدودة بحدودها وأما لاستظهار كون الحجية المجعولة فيها
بملاك الطريقية والكاشفية لا لنكتة نفسية وحيثية سببية والطريقية غير
محفوظة في أمثال المقام.
(1) وقد تقدم الكلام عن فرض تعارض البينتين وحكمه في الجزء
الثاني من هذا الشرح فلاحظ (2)

(1) من قبيل معتبرة أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال
" قلت له: كما يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة
من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول
واحد قد رأيته ويقول الآخرون لم نره إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه
مائة رآه ألف... " الوسائل باب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان
حديث 10
(2) البحوث الجزء الثاني ص 117 وما بعدها.
105

(مسألة 4) لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة نعم
لو ذكر مستندها وعلم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة (1)
106

(مسألة 5) إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى
وإن لم يكن موجبا عندهما أو أحدهما: فلو قالا إن هذا الثوب
لاقى عرق المجنب من حرام أو ماء الغسالة كفى عند من
يقول بنجاستهما وإن لم يكن مذهبهما النجاسة (1)
(مسألة 6) إذا شهدا بالنجاسة واختلف مستندهما كفى
في ثبوتها وإن لم تثبت الخصوصية كما إذا قال أحدهما إن هذا
الشئ لاقى البول وقال الآخر إنه لاقى الدم فيحكم بنجاسته لكن
لا تثبت النجاسة البولية ولا الدمية بل القدر المشترك بينهما
عدم الخطأ هنا للعلم بوقوع البينة في خطأ باعتقادها لنجاسة تلك الملابس
وإنما الشك في ابتناء الشهادة على ذلك الاعتقاد وفي مثل ذلك لا تجري
أصالة عدم الخطأ نعم لو لم يعلم بخطأ بعينه واحتمل إن البينة تبني على
نجاسة ملابس الطفل خطأ وإن ذلك هو مستندها في الشهادة بنجاسة الإناء
لم يضر هذا الاحتمال في الحجية لاجراء أصالة عدم الخطأ ولولا ذلك لا نسد
باب العمل بالشهادة كما لا يخفى.
107

لكن هذا إذا لم ينف كل منهما قول الآخر بأن اتفقا على أصل
النجاسة وأما إذا نفاه كما إذا قال أحدهما إنه لاقى البول وقال
الآخر لا بل لاقى الدم ففي الحكم بالنجاسة اشكال (1)
(1) فصل السيد الماتن - قدس سره - في صورة اختلاف مستند الشاهدين
بالنجاسة بين فرضي التكاذب وعدمه ففي فرض عدم التكاذب ذهب إلى
ثبوت أصل النجاسة وإن لم تثبت الخصوصية وفي فرض التكاذب استشكل
في ثبوت أصل النجاسة.
وقد علق السيد الأستاذ - دام ظله - على ذلك بما يمكن تلخيصه في
ثلاث نقاط (1):
الأولى: إن من شروط حجية البينة أن تتعلق بواقعة واحدة وإلا لم
يصدق عنوان البينة ومع اختلاف المستند تتعدد الواقعة لا محالة نعم بينهما
أمر مشترك غير أنه جامع انتزاعي ومدلول التزامي أو تحليلي والمحقق في
محله أن حجية مثل هذا المدلول تابعة لحجية الدلالة المطابقية وساقطة
بسقوطها.
الثانية: إن التفصيل بين فرضي التكاذب وعدمه لا وجه له لأنه إن
بني على عدم استقلال الدلالة الالتزامية في الحجية تعين المصير إلى عدم
الحجية حتى في فرض عدم التعارض كما تقدم وإن بني على استقلالها أمكن
الالتزام بحجية البينة بلحاظ المدلول الالتزامي المشترك حتى مع فرض
التعارض لأن التعارض إنما هو بالنسبة إلى الخصوصية لا إلى ذلك المدلول
المشترك.
الثالثة: إن الاختلاف في الخصوصية إنما يضر بالحجية فيما إذا كان

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 214 وما بعدها.
108

اختلافا فيما له دخل في موضوع الحكم الشرعي بأن شهد هذا بقطرة بول
وذاك بقطرة دم لا فيما إذا كان في خصوصيات لا دخل لها في الحكم كما إذا
شهد هذا بقطرة دم أسود وذاك بقطرة دم أحمر لأن اللون لا دخل له
فلا تعارض بينهما بلحاظ ما هو موضوع الأثر.
وتفصيل الكلام في هذه المسألة يقتضي عفد مقامين نتكلم في أحدهما
بناءا على انحصار الحجية بالبينة وفي الآخر بناءا على حجية خبر الواحد في
الموضوعات أيضا.
أما المقام الأول - فيقع الكلام فيه في جهتين. الأولى: فيما إذا اختلف
المستند من دون افتراض التعارض والأخرى: في أن افتراض التعارض هل
يغير من الحكم شيئا أو لا.
أما الجهة الأولى - فقد عرفت ذهاب الماتن إلى حجية البينة وأن السيد
الأستاذ استشكل في ذلك كما مر في النقطة الأولى من كلامه (1) ومثله
جملة من الفقهاء بدعوى عدم وحدة الواقعة المشهود بها.
والتحقيق: إن الأخبار له عدة مراكز - منها 1 الأثر الشرعي الملحوظ
المراد اثباته كالنجاسة أو الملكية، ومنها 2 موضوع الأثر كالهبة أو الصلح
بلا عوض اللذين هما موضوعات لتملك الآخر للمال مجانا، ومنها 3 الواقعة
الحسية التي أحس بها الشاهد وعلى أساسها يشهد كعقد الهبة الخاص الذي
وقع في مشهد من السامع في زمان مخصوص ومكان مخصوص. فالكلام
يقع في أن البينة بعد الفراغ عن لزوم أن تنصب الشهادتان فيها على مصب
1 - يعتبر فيها وحدة المركز بلحاظ الواقعة الحسية فلو شهدا معا
بعقد البيع ولكن أحدهما شهد بوقوع البيع في المسجد والآخر شهد بوقوع

(1) مر في ص 108.
109

البيع في البيت لم تتحقق البينة لتعدد الواقعة الحسية بل وكذلك لو شهدا
على وجه الاهمال لأن احتمال التعدد يكفي لعدم احراز كون البينة حجة
2 - أو يعتبر وحدة المركز بلحاظ ما هو موضوع الحكم الشرعي ففي المثال
السابق تقبل البينة لأن ما هو موضوع الحكم ذات البيع والشهادتان متفقتان
عليه، نعم لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالصلح بلا عوض لم تتم البينة
لأن كلا منهما موضوع مستقل.
3 - أو يعتبر وحدة المركز بلحاظ نفس الأثر الشرعي الملحوظ ففي المثال
المشار إليه أخيرا تتم البينة لأن الهبة والصلح بلا عوض لهما أثر شرعي واحد
وهو التملك المجاني مثلا، نعم لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالبيع لم تتم
البينة لأن أثر أحدهما التملك المجاني وآثر الآخر التملك بعوض وهما متغايران
وإن كان بينهما جامع انتزاعي أو تحليلي وهو أصل الملكية.
4 - أو يعتبر وحدة المشهود به بلحاظ العنوان المأخوذ في كلام الشاهد
فلو شهدا معا بأن هذا المال ملك لزيد قبل ولو كان أحدهما يرى أن هذا
التملك بسبب البيع والآخر يراه بسبب الهبة ما داما متطابقين في العنوان
المأخوذ في مقام الشهادة.
وكلمات الفقهاء لا تخلو من تهافت كما يظهر من ملاحظة الفروع التي
تعرضوا لها، ففي فرض شهادة أحد الشاهدين على شخص بأنه أقر بالعربية
وشهادة الآخر بأنه أقر بالفارسية مع وحدة المقر به يظهر منهم قبول البينة
وهذا يناسب الاكتفاء بوحدة المصب بلحاظ ما وراء الواقعة الحسية من
الأثر الشرعي ونحوه وإن تعددت الواقعة الحسية المشهود بها، وفي فرض
شهادة أحدهما بأن المال غصب منه في المسجد وشهادة الآخر بأنه غصب
منه في البيت يظهر منهم عدم قبول البينة وهذا يناسب اشتراط وحدة
المصب بلحاظ الواقعة الحسية وعدم الاكتفاء بوحدته بلحاظ الأثر الشرعي
110

وموضوعه وإلا لزم الاكتفاء في هذا المثال، وقد حاول بعض المحققين
كالنراقي " قدس سره " في مستنده (1) أن يضبط الفروع المختلفة بضابط كلي
حاصله أنه يكتفي بوحدة المصب ولو بلحاظ اللازم على أن
يكون للازم المشترك وجود مستقل مشخص كما في مثل الاقرار فلا يكفي
أن يكون لكل من الأمرين لازم واللازمان متغايران وجودا ولكنهما
مشتركان في جزء تحليلي. وبعبارة أخرى: إن الاشتراك في جزء تحليلي لا يكفي
على مستوى المدلول المطابقي فضلا عن الالتزامي والاشتراك في وجود
مشخص كاف سواءا كان مدلولا مطابقيا أو التزاميا. ولكن هذا الضابط
لا يفسر كل مواقفهم لأنه يقتضي في مثال الغصب قبول البينة.
كما أن اشتراط وحدة المصب بلحاظ الواقعة الحسية كأنه لا يتناسب
مع الفتاوى والنصوص عموما إذ يلزم من ذلك عدم قبول البينة في جل
الموارد عمليا لتطرق احتمال اختلاف الواقعة الحسية المشهود بها والاحتياج
إلى سؤال كل من الشاهدين عن الزمان والمكان والخصوصيات من أجل
احراز وحدة الواقعة مع أن بناء النصوص والفتاوى ليس على ذلك جزما
وأما الاكتفاء بوحدة العنوان المشهود به فقد يراد 1 به الاكتفاء بذلك
حتى مع العلم من الخارج بتعدد الواقعة المقصودة للشاهدين بحيث يكون
الميزان التطابق بلحاظ المقدار المصرح به في الشهادة. بدعوى: إن الطبيعي
الواقع محلا لشهادتهما معا واحد وهو مدلول مطابقي لكل من الشهادتين
لا التزامي أو تحليلي فيثبت. بخلاف ما إذا اختلف الشاهدان في الخصوصيات
في مقام أداء الشهادة فإن الطبيعي حينئذ مدلول ضمني أو تحليلي للبينة
وليس مدلولا مطابقيا. غير أن هذا يرد عليه: أنه في فرض تعدد الواقعة

(1) مستند الشيعة المجلد الثاني - كتاب القضاء والشهادات ص 681
111

لا فرق من حيث الكاشفية والطريقية بين أن يكون العنوان المأخوذ في مقام
الشهادة واحدا أو لا فإما أن نقول بالحجية فيهما معا فيرجع إلى القول
بكفاية وحدة المصب بلحاظ الحكم الشرعي، وإما أن نقول بعدم الحجية
فيهما معا فيرجع إلى القول باشتراط وحدة الواقعة الحسية، وإما أن نقول
بالحجية فيما إذا كان العنوان واحدا وبعدمها فيما إذا لم يكن واحدا مع العلم
من الخارج بتعدد الواقعة في كلتا الصورتين فهذا خلاف الفهم العرفي في
باب الحجج والإمارات القاضي بأن اعتبارها بلحاظ كاشفيتها وطريقيتها
ودعوى: أنه إذا كان العنوان المشهود به واحدا فالطبيعي مدلول مطابقي
للبينة ومجرد العلم من الخارج بتعدد الواقعة لا يخرج الطبيعي عن كونه مدلولا
مطابقيا في عالم الشهادة. مدفوعة: بأن الشهادة إنما تكون حجة بحسب المرتكز
العرفي للطريقية باعتبارها كاشفة عن اعتقاد الشاهد ولهذا لو فرض أننا
أحرزنا الاعتقاد الحسي للشاهد من دون أن يخبر لكان حجة بلا اشكال
وفي مرحلة اعتقاد الشاهد لا يكون الطبيعي مدلولا مطابقيا بل تضمنيا في
حالة تعدد الواقعة على أي حال سواءا تغاير العنوان المصرح به في مقام
الشهادة أو لا.
ومن هنا يظهر الوجه في المصير إلى انعقاد البينة مع وجود مشترك
بين الشهادتين ولو ضمنا أو تحليلا لأن إناطة انعقادها على شئ بكونه
مدلولا مطابقيا للشهادة في مرحلة الكلام خلف كون الكلام ملحوظا بما
هو طريق إلى اعتقاد الشاهد وإن تمام الموضوع للحجية هو اعتقاد الشاهد
المكتشف بحكايته عنه بكلامه وإناطة انعقادها على شئ بكونه مدلولا
مطابقيا للشهادة في مرحلة اعتقاد الشاهد بحيث يكون المعتقد به للشاهدين
معا شيئا واحدا فهذا معناه اشتراط وحدة الواقعة الحسية وقد عرفت عدم
112

ملائمة للنصوص والفتاوى فلا بد من المصير إذن إلى كفاية كون الشئ
مدلولا تحليليا للبينة في انعقادها بالنسبة إليه وبذلك يتجه ما أفيد في المتن
من ثبوت النجاسة مع اختلاف الواقعة الحسية المشهود بها في كلام الشاهدين
لأن النجاسة مدلول تحليلي مشترك، وقد يقال إن المرتكز عرفا أن اشتراط
التعدد في البينة إنما هو من أجل تأكيد الطريقية والكاشفية ومع تعدد
الواقعة الحسية لا يكون للتعدد أثر في تأكيد الطريقية فمثل هذا التعدد
تنصرف عنه أدلة حجية البينة المنزلة على المرتكز العرفي
والجواب على ذلك: إن التعدد يؤثر بحساب الاحتمال في تقوية احتمال
المدلول المشترك حتى مع افتراض تعدد الواقعة الحسية لوضوح أن احتمال
الخطأ أو الكذب بالنسبة إلى المدلول المشترك يكون أضعف مما لو لم تتوفر
إلا شهادة واحدة عليه.
ومحصل الكلام إن عدم شمول دليل حجية البينة للبينة بلحاظ مدلول
تحليلي مشترك إن كان من أجل عدم صدق عنوان البينة، فيرد عليه أن
البينة ليست إلا شهادة شخصين بشئ فلو فرض اشتراك الشهادتين في
اثبات شئ لو تحليلا وضمنا أو التزاما فقد تمت البينة عليه، وإن كان
من أجل أن البينة متقومة بالتعدد المؤثر في تقوية الكاشفية وتعدد الشهادة
مع تغاير الواقعة لا يؤثر في ذلك فيرد عليه ما تقدم من أنه يؤثر في تقوية
الكاشفية في الجملة وإن كانت التقوية مع وحدة الواقعة أكبر ومن أجل
ذلك كان التواتر اللفظي أقوى من المعنوي والمعنوي أقوى من الاجمالي،
وإن كان من أجل أن المدلول التحليلي والضمني والالتزامي لا تتكون الأمارة
حجة فيه إلا بتبع حجيتها في المدلول المطابقي ومع تعدد الواقعة لا تكون
كل من الشهادتين حجة في المدلول المطابقي فلا حجية بالنسبة إلى المدلول
الضمني أيضا، فيرد عليه أولا أن تبعية الدلالة الالتزامية والضمنية للمطابقية
113

في الحجية ليست مدلولا لدليل بهذا العنوان وإنما هي بنكتة فلا بد من
ملاحظة أن تلك النكتة تنطبق على محل الكلام أو لا، وثانيا أنه لو سلم
أنها مدلول دليل بهذا العنوان لم يكن هذا الدليل منطبقا على محل الكلام
أيضا، أما الأول فحاصله أن نكتة تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في
الحجية أن المدلول الالتزامي هو الحصة الخاصة الملازمة للمدلول المطابقي
فما يكون معارضا للمدلول المطابقي ومسقطا للدلالة المطابقية عن الحجية
يكون معارضا لا محالة للمدلول الالتزامي ومسقطا للدلالة الالتزامية عن الحجية
أو بتعبير آخر أنه إذ فرض خطأ المخبر في المدلول المطابقي فلا يلزم من
فرض بطلان المدلول الالتزامي خطأ آخر لينفي بأصالة عدم الخطأ الزائد
كذبا أو اشتباها وهذا البيان بكلا تقريبيه إنما يتعقل فيما إذا سقطت الدلالة
المطابقة عن الحجية من أجل وجود حجة معارضة أو للعلم ببطلان المدلول
المطابقي لا فيما إذا كان عدم ثبوت المدلول المطابقي لقصور في نفس دليل
الحجية عن اثباته وشموله كما في المقام حيث إن موضوع دليل الحجية
عنوان البينة وما أخبر به الشاهدان وكل من المدلولين المطابقيين في الفرض
لم يخبر به الشاهدان فعدم ثبوته لعدم صدق عنوان الحجة وهو البينة على
كل من الدلالتين المطابقيتين وفي مثل ذلك لا يبقى محذور في تطبيق دليل
الحجية على المدلول الالتزامي إذا صدق عنوان الحجة عليه بسبب كونه
محكيا بكلتا الشهادتين ولو التزاما.
وأما الثاني فلأن المدلول المطابقي للبينة بما هي بينة ليس إلا المدلول
التحليلي المشترك فهو إنما يكون ضمنيا بلحاظ كل خبر بخصوصه مع أن
الحجة ليس إلا اجتماع الخبرين وهما لم يجتمعا إلا عليه فهو تمام المدلول
للبينة بما هي بينة.
ومع كل هذا يمكن أن يقال: بأن المستفاد عرفا من دليل حجية البينة
114

اشتراط وجدة الواقعة الحسية على الرغم من أن الجمود على اطلاقه قد
يقتضي ما هو أوسع من ذلك والنكتة في فهم الاشتراط المذكور من الدليل
أن المنسبق عرفا منه أن التعدد المقوم للبينة إنما يلحظ بالنسبة إلى ما تكون
الشهادة حجة فيه بالذات بمعنى أن مصب التعدد هو نفس مصب الحجية
بالذات ومصب حجية الشهادة بالذات إنما هو الواقعة الحسية نفسها فالشهادة
بنجاسة الثوب إنما تكون حجة بما هي اخبار عن واقعة حسية وهي ملاقاة
الدم للثوب لا بما هي اخبار عن الحكم الشرعي بالنجاسة كما تقدم في المسألة
الرابعة (1) فإذا دل الدليل على إناطة حجية الشهادة بالتعدد فهم منه
عرفا اعتبار تعدد الشهادة بلحاظ نفس مصب الحجية بالذات أي الواقعة
الحسية وإن شئت قلت إن البينة ليست مجرد اخبار شخصين بشئ حتى
يقال بشموله لأخبار شخصين عن مدلول التزامي مشترك مع اختلاف
الواقعة الحسية بل هي شهادة شخصين بشئ والشهادة إنما تصدق بالنسبة
إلى الواقعة الحسية لأنها هي المشهودة دون لوازمها فمتى ما حصلت
شهادتان بواقعة حسية واحدة صدقت البينة وثبتت تلك الواقعة بكل ما يرى
المشهود لديه لها من لوازم، وأما إذا أخبر أحد الشخصين بنجاسة الثوب
بالدم وأخبر الآخر بنجاسته بالبول فلم تجتمع شهادتان على شئ واحد وإن
تحقق اخباران بشئ واحد لأن النجاسة وإن أخبر بها الاثنان ولكنها ليست
هي الواقعة المشهودة فلا يسمى الاخبار بها شهادة بما هو اخبار بها والملاقاة
للبول والملاقاة للدم واقعتان حسيتان لم يتعلق بكل منهما إلا شهادة واحدة
وعلى هذا الأساس فلا اطلاق في دليل حجية البينة لموارد اختلاف الشاهدين
في الواقعة الحسية غير أنا لا نضايق في امكان الالتزام بأصالة وحدة الواقعة

(1) مرت في ص 106
115

الحسية بمعنى البناء عقلائيا أو شرعيا على أن الواقعة الحسية المنظورة للشاهدين
واحدة ما لم تقم قرينة في نفس الشهادتين على التغير أو تحصل تهمة معينة
تستدعي الاستنطاق وهذا البناء على وحدة الواقعة الحسية إما أن يلتزم به
مطلقا كلما احتمل ذلك وأمكن افتراض انطباق الشهادتين على مصداق واحد
أو يلتزم به في خصوص الحالات التي يعلم فيها من الخارج عادة بأنه على
تقدير صدق الشاهدين معا فالواقعة واحدة كما في الأمور التي لا يحتمل تكررها
عقلا أو عادة كما لو شهد اثنان بوفاة انسان أو ببيع الدار من زيد والفرق
بين هذين التقديرين يظهر في مثل اخبار الشاهدين بالنجاسة مع السكوت
عن ذكر السبب واحتمال اختلافهما لو طلب منهما ذكر السبب فإنه على
الأول يؤخذ بهذه البينة وعلى الثاني لا يؤخذ بها لأن الملاقاة واقعة قابلة
للتكرر والتنوع خارجا فليس صدق الشاهدين مساوقا لوحدة الواقعة حينئذ
وعلى أي حال فلا تكون البينة تامة عند اختلاف الشاهدين في السبب
لثبوت تعدد الواقعة الحسية هذا كله في الجهة الأولى أي في حكم اختلاف
الشاهدين في الواقعة الحسية مع عدم التعارض بينهما.
وأما الجهة الثانية - وهي في تحقيق حال التعارض بين الشاهدين فقد
فصل السيد الماتن " قدس سره " بين فرضي التعارض وعدمه فالتزم بحجية البينة
في فرض عدم التعارض لو مع الاختلاف في الواقعة وبعدم حجيتها مع
التعارض، واعترض عليه السيد الأستاذ - دام ظله - بما تقدمت الإشارة إليه (1)
من أن مبنى الحجية ثبوتا ونفيا استقلال الدلالة الالتزامية في الحجية وتبعيتها
فعلى الأول يقال بالحجية حتى مع فرض التعارض إذ لا تعارض بلحاظ
المدلول الالتزامي وعلى الثاني لا يقال بالحجية حتى مع عدم التعارض فالتفصيل
لا وجه له.

(1) تقدم في ص 108
116

ويرد عليه أولا أن تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في السقوط
عن الحجية ليست هي مبنى عدم الحجية في موارد اختلاف الشاهدين في
السبب لما أوضحناه في الجهة السابقة من أن هذه التبعية لا يراد بها أنه متى
لا تجعل الحجية للدلالة المطابقية لا تجعل للدلالة الالتزامية أيضا بل يراد بها
أنه متى ما سقطت الدلالة المطابقية عن الحجية للعلم ببطلان المدلول المطابقي
أو لوجود حجة معارضة نافية للمدلول المطابقي سقطت أيضا الدلالة الالتزامية
لأن مفادها مثلا الحصة الخاصة الملازمة للمدلول المطابقي فتسري إليها
نفس نكتة السقوط وهذا لا ينطبق على محل الكلام فإن الكلام فإن نكتة
عدم حجية الدلالة المطابقية هنا لا تسري إلى الدلالة الالتزامية وهذه النكتة
هي عدم تعدد الاخبار بالنسبة إلى المدلول المطابقي فقد يقال بحجية الدلالة
الالتزامية حينئذ لأن المدلول الالتزامي قد اجتمع عليه اخباران فالقول
بتبعية الدلالة الالتزامية لا يستلزم القول بعدم حجية البينة في موارد اختلاف
السبب مطلقا.
وثانيا: أن القول بعدم تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجية
لا يكفي مبنى لحجية البينة في موارد اختلاف الشاهدين في السبب لما تقدم
في الجهة السابقة من امكان استظهار أن التعدد المعتبر في البينة بمعنى ورود
الشهادتين على شئ واحد بما هما شهادتان وكل من الاخبارين إذا لوحظ
بما هو شهادة فلا ينسب إلا إلى الواقعة الحسية التي يخبر عنها ولا تعدد
في الاخبار عنها.
وثالثا: أنه إذا قيل بحجية البينة في موارد اختلاف الشاهدين في السبب
مع عدم التعارض لوجه من الوجوه فلا يلزم من ذلك القول بحجيتها في
موارد اختلاف الشاهدين مع التعارض لامكان التفصيل بين فرضي التعارض
وعدمه وذلك بأن يقال إن اشتراط التعدد في البينة ليس تعبديا صرفا بل
117

هو بنكتة كونه مؤثرا في قوة احتمال المطابقة للواقع والكشف عنه لأن
لأن هذا هو الملاك النوعي العام في باب الطرق والأمارات عموما القاضي
بأن حجيتها باعتبار الطريقية وعلى هذا الأساس يكون المستفاد من دليل
حجية البينة المستبطنة للتعدد إن اجتماع الشهادتين يكون حجة فيما إذا كان
تعدد الشهادة سببا في قوة احتمال المطابقة للواقع فإذا شهد شاهد بالنجاسة
من أجل الدم وآخر بالنجاسة من أجل البول ولم ينف كل منهما ما حكاه
الآخر فالتعدد هنا بلحاظ الأخبار بأصل النجاسة حاصل ولا شك أنه يوجب
تقوى احتمال النجاسة في نفسه فقد يفترض من أجل ذلك شمول دليل
حجية البينة لهذا، وأما إذا تعارض هذان الشاهدان فلن يكون للتعدد
الحاصل من ضم شهادة أحدهما إلى الآخر تأثير في قوة احتمال النجاسة
لأن كلا من الشهادتين بمقدار ما تقرب النجاسة من ناحية المستند الذي
تشهد به تبعدها بنفيها لمستند الشهادة الأخرى وما دام التبعيد مكافئا للتقريب
فيكون هذا التعدد يحكم العدم فلا يشمله اطلاق دليل حجية البينة المستبطنة
للتعدد بملاك زيادة الكشف إذ لا زيادة في الكشف بهذا التعدد بخلافه
في فرض عدم التعارض مع اختلاف المستند.
ورابعا أن بالامكان توجيه التفصيل المذكور بين فرضي التعارض
وعدمه بوجه آخر على القول بتبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في
السقوط عند التعارض وحاصله إنا لو تنزلنا عن التقريب السابق للتفصيل
وافترضنا أن التعدد المأخوذ في البينة من باب التعبد الصرف فمع هذا
نقول إن دليل حجية البينة ليس دليلا تأسيسيا يثبت الحجية للبينة ابتداء
وإنما هو روحا ولبا، تخصيص في أدلة حجية خبر الثقة العامة للشبهات
الحكمية والموضوعية حيث يخصصها في خصوص الشبهات الموضوعية باشتراط
التعدد فهو بالنسبة إلى دليل حجية خبر الثقة على وزان أدلة الشرطية، ومن
118

الواضح أن أدلة الشرطية لا تشمل إلا ما يشمله دليل المشروط لأنها ناظرة
إليه ومحددة لموضوعه فلو قيل مثلا لا صلاة إلا بطهور لا يراد بذلك تأسيس
صلاة جديدة تصح مع الطهارة وبدون استقبال مثلا بل ينظر إلى نفس
الموضوع المشمول لدليل الصلاة ويثبت فيه شرطا جديد وعلى هذا الأساس
نقول بأنه لو لم يكن تعارض بين الشهادتين في المستند فهما مشمولتان في
نفسيهما لدليل حجية خبر الثقة فيشملهما دليل الشرطية وهو دليل حجية
البينة أيضا وأما إذا كانت الشهادتان متعارضتين في ذاتيهما فهما لا تكونان
مشمولتين لدليل حجية خبر الثقة في نفسيهما باعتبار التعارض وسريان
التعارض إلى المدلول الالتزامي بحسب الفرض فلا يشملهما دليل الشرطية
أيضا لأنه إنما يثبت نفس الحكم المشروط في المورد الذي يشمله دليل
المشروط لكنه يثبته مع الاشتراط لا أنه يثبت الحكم لموضوع لم يكن
مشمولا في نفسه لدليل المشروط فإن قيل إذا بنى على تبعية الدلالة
الالتزامية فلا تكون البينة حجة عند الاختلاف في السبب مطلقا وإذا بني
على عدم التبعية فحتى مع التعارض يكون كل من الخبرين مشمولا في
نفسه بلحاظ المدلول الالتزامي لدليل حجية الخبر فلا مانع من اطلاق دليل
حجية البينة له فلا يتم التفصيل، كان الجواب ما عرفت من أن تبعية الدلالة
الالتزامية بمعنى سراية التعارض إليها من الدلالة المطابقية لا يستدعي عدم
حجية البينة في موارد الاختلاف في السبب مطلقا لأن عدم حجية الدلالة
المطابقية في هذه الموارد ليس من أجل التعارض ليسري إلى الدلالة
الالتزامية.
ثم إن هذا التعارض الذي فرضناه في هذه الجهة حتى الآن قصدنا
به التعارض على نحو تكون الواقعة الخارجية متعددة ويثبت كل من الشاهدين
119

واقعة وينفي الواقعة الأخرى، وأما إذا كانت الواقعة المشهودة للشاهدين
واحدة وقد تعارضا فيها بأن ادعيا معا أنهما رأيا قطرة دم تقع في الإناء
غير أن أحدهما قال بأنها جاءت من هذه الجهة والآخر قال بأنها جاءت
من تلك الجهة أو ادعيا معا إن شيئا وقع في الماء غير أن أحدهما قال إنه
دم والآخر قال إنه قطعة ميتة فتحقيق الكلام في ذلك أن المقدار الذي
اتفق عليه كلا الشاهدين تارة يفرض أنه قابل للادراك الحسي بشكل منفصل
مستقل عن ادراك الخصوصيات المختلف فيها كما في المثال الأول وأخرى
يفرض أنه غير قابل لذلك كما في المثال الثاني ففي الفرض الأول يلتزم
بحجية البينة ولا يضر وقوع التعارض لأن ادراك الواقعة الحسية المتفق
عليها لا تكاذب فيه وإنما التكاذب في الاحساس الزائد، وفي الفرض
الثاني يلتزم بعدم الحجية إذ لا يوجد ادراك حسي متفق عليه والجامع بين
البول والميتة ليس ادراكه واقعة حسية مستقلة بل هو إما في ضمن ادراك
البول أو في ضمن ادراك المبته وكل منهما مورد للتخطئة بين الشاهدين،
وبذلك يتضح أن الميزان في الحجية وجود واقعة حسية واحدة متفق عليها
بين الشاهدين لا كون الاختلاف في خصوصية غير دخيلة في موضوع
الحكم كما مر نقله عن السيد الأستاذ - دام ظله - في النقطة الثالثة (1) ففصل
بين أن يقول أحدهما إنها قطرة بول والآخر يقول إنها قطرة دم وبين أن
يقول أحدهما إنها دم أحمر والآخر يقول إنها دم أسود فيقال بالحجية في
الثاني دون الأول فإن مجرد كون الخصوصية المختلف فيها غير دخيلة في
موضوع الحكم الشرعي لا يكفي في حجية البينة إذا كان ادراكها الحسي
بنفس ادراك ما هو موضوع الحكم الشرعي بحيث تكون التخطئة في ادراك

(1) مر في ص 108
120

الخصوصية مساوية للتخطئة في ادراك موضوع الحكم إذ في هذه الحالة
ينفي كل من الشاهدين ادراك الآخر لموضوع الحكم وإن كان لا ينفي
موضوع الحكم نفسه وبذلك تكون طريقية كل من الشهادتين مبتلاة
بالمزاحم ولا يكون ضم إحداهما إلى الأخرى موجبا لتقوى الطريقية ومثل
ذلك لا يشمله اطلاق دليل حجية البينة كما عرفت سابقا.
هذا كله بناء على انحصار الحجية بالبينة.
وأما المقام الثاني - وهو الكلام على تقدير القول بحجية خبر الواحد
الثقة فلا اشكال في الحجية مع فرض عدم التعارض.
وأما مع فرض التعارض فقد يقال: بأن المسألة مبنية على مسألة تبعية
الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجية فإن قلنا بالتبعية لم يثبت شئ في
المقام وإلا كانت كل من الشهادتين حجة في اثبات المدلول الالتزامي،
فإذا قال أحدهما إن البول لاقى هذا الماء لا الدم وقال الآخر عكس ذلك
ثبتت النجاسة باعتبارها مدلولا التزاميا لخبر الثقة ولكن الصحيح عدم
امكان اثبات المدلول الالتزامي في المقام حتى بناء على القول بعدم التبعية
وتوضيحه إن المدلول التزامي للشاهد بملاقاة البول مثلا إما أن يكون هو
الحصة الخاصة من النجاسة الناشئة من البول كما يدعي القائل بالتبعية وإما
أن يكون هو جامع النجاسة، فعلى الأول يكون المعارض للمدلول المطابقي
معارضا للمدلول الالتزامي لا محالة، وعلى الثاني يكون المجموع من نفي
الأول للدم ونفي الثاني للبول معارضا للمدلول الالتزامي لأن الجامع أنما
يوجد بسبب أحد هذين الأمرين فحجية كل من الخبرين في مدلوله
الالتزامي يقابلها حجية مجموع الخبرين في اثبات مجموع النفيين وإذ لا
مرجح تسقط جميع تلك الدلالات عن الحجية فالصحيح في المقام إن
121

(مسألة 7) الشهادة بالاجمال كافية أيضا كما إذا قالا
أحد هذين نجس فيجب الاجتناب عنهما (1)
122

وأما لو شهد أحدهما بالاجمال والآخر بالتعيين كما إذا قال أحدهما
أحد هذين نجس وقال الآخر هذا معينا نجس ففي المسألة
وجوه وجوب الاجتناب عنهما ووجوبه عن المعين فقط وعدم
الوجوب أصلا (1)
أنها إنما تكون علما بالتعبد بمقدار موردها وهو الجامع فكل من الطرفين
بخصوصه ليس معلوم النجاسة ولو تعبدا فيكون مشمولا لدليل قاعدة الطهارة
وبهذا تحصل المعارضة بين اطلاق دليل قاعدة الطهارة للطرفين معا واطلاق
دليل الحجية للبينة القائمة على العنوان الاجمالي ولا يتوهم أن حال الطرفين
في المقام حال طرفي العلم الاجمالي الوجداني بالنجاسة وذلك لأن الأصول
المؤمنة لا يمكنها أن تعارض مع قانون تنجيز العلم الاجمالي الوجداني لكونه
عقليا ولا أن تزيل نفس العلم الوجداني لكونه تكوينيا، وهذا بخلافه في
المقام فإن حجية البينة بنفسها حكم شرعي ظاهري كقاعدة الطهارة وبعد
فرض عدم حكومة أحد دليلهما على الآخر يتعارضان، وهذه الشبهة إنما
ترد لو قيل بأن مدرك تقديم دليل حجية البينة أو الخبر على دليل القاعدة
هو الحكومة فقط وأما لو قيل بالأخصية عرفا فمن الواضح أن اطلاق
الأخص مقدم على اطلاق الأعم دائما.
(1) أما وجوب الاجتناب عن المعين فقط فبدعوى إن المعين قامت
البينة على وجوب الاجتناب عنه فإن أحد الشاهدين شهد بنجاسته والآخر
شهد بنجاسة أحدهما وهذا يستتبع وجوب الاجتناب عنهما معا فوجوب
الاجتناب عن المعين متفق عليه بين الشاهدين بخلاف الآخر، ويرد عليه
أن وجوب الاجتناب الواقعي عن المعين لا تستدعيه شهادة الشاهد بالاجمال
123

أصلا ووجوب الاجتناب العقلي بملاك المنجزية عنه فرع تمامية البينة وقيامها
على الوجوب الواقعي فلا يمكن أن يكون مدلولا لها ومحكيا بها.
وأما وجوب الاجتناب عنهما معا فلأن الجامع مشهود به لأحدهما
استقلالا وللآخر ضمنا فتثبت النجاسة بمقدار الجامع فيجب الاجتناب عن
كلا الطرفين بمقتضى قوانين العلم الاجمالي وقد اعترض عليه السيد الأستاذ
دام ظله بأن الشاهد بالتفصيل شهادته على الجامع ضمنية تحليلية و هي لا تكون
معتبرة بعد سقوط اعتبارها في المدلول المطابقي ومنه يتضح وجه القول
بعدم وجوب الاجتناب عنهما معا.
غير أن الصحيح هو التفصيل في المقام ذلك لأن الشاهدين إن كانا
متفقين على واقعة حسية واحدة بأن ادعيا معا أنهما أبصرا قطرة دم واحدة
بعينها غير أن أحدهما يخبر بأنها وقعت في المعين والآخر لم يستطع أن يميز
موضع وقوعها من الإنائين فالظاهر حجية هذه البينة في اثبات تلك الواقعة
الحسية وبهذا يثبت لدينا وقوع قطرة دم في أحد الإنائين ولا يثبت وقوعها
في المعين خاصة لعدم قيام البينة على ذلك بناء على اختصاص الحجية بالبينة
كما هو مفروض المسألة فيجب الاجتناب عن كلا الإنائين، ودعوى أن
النجاسة بمقدار الجامع مدلول تحليلي لا استقلالي للشاهد بالتفصيل فلا تثبت
بشهادته مدفوعة بأن الميزان في الاستقلالية والتحليلية ليس هو عالم التعبير
واللفظ بل عالم الشهادة والاحساس فإذا فرضنا الاستقلالية بلحاظ عالم
الشهود كفى ذلك وإن كان لفظ الشاهد دالا عليه بالتضمن والتحليل
والمفروض في المقام إن الشاهد بالتفصيل يعبر بشهادته عن واقعتين حسيتين
اتجاه القطرة نحو الإنائين ووقوعها في هذا المعين وإن الآخر يشهد بأحدهما
دون الأخرى فيثبت ما اتفقا عليه من واقعة، وأما إذا لم يكن الأمر كذلك
124

(مسألة 8) لو شهد أحدهما بنجاسة الشئ فعلا والآخر
بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا فالظاهر وجوب الاجتناب
وكذا إذا شهدا معا بالنجاسة السابقة لجريان الاستصحاب (1)
125

تقوم مقام العلم بالحدوث فيجري استصحاب النجاسة الواقعية بهذا اللحاظ
حيث إن المجعول في دليل حجية الأمارة الطريقية والكاشفية، والتحقيق
إن دفع الاستشكال المذكور لا يتوقف على الالتزام بهذا المبنى بل يمكن دفعه
بقطع النظر عن المبنى المذكور من قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي وذلك
أولا بالتمسك بالاستصحاب الموضوعي وهو استصحاب عدم إصابة الماء
للشئ المشهود بنجاسته سابقا فإن أركان الاستصحاب في عدم الإصابة
ثابتة وجدانا والحكم بالنجاسة فعلا مترتب شرعا على موضوع مركب من
جزئين أحدهما حدوث الملاقاة للنجس والآخر عدم طرو المطهر والأول
يثبت بالبينة والثاني بالاستصحاب.
وثانيا بالتمسك باستصحاب النجاسة الظاهرية المجعولة على طبق البينة
بناء على أن مفاد دليل الحجية جعل الحكم المماثل فإن هذه النجاسة الظاهرية
معلومة الحدوث وجدانا وليست مقطوعة الارتفاع لأن الحكم الظاهري
يجعل بمقدار مطابق مع مقدار الحكم الواقعي المؤدي والمحكي بالأمارة والبينة
في المقام تحكي عن حدوث نجاسة مستمرة إلى حين طرو المطهر فالمجعول
على طبقها نجاسة ظاهرية كذلك فإذا شك في طرو المطهر فقد شك في بقاء
تلك النجاسة المجعولة على طبق البينة فيجري استصحابها.
وثالثا بانكار موضوعية اليقين بالحدوث للاستصحاب واستظهار
كفاية نفس الحدوث في جريانه على ما يظهر من التعليل في معتبرة عبد الله
ابن سنان (1) وتفصيل ذلك موكول إلى بحث الاستصحاب.
وأما الصورة الثالثة فينبغي أن يفصل فيها بين أن يكون الاختلاف
في الزمان ناشئا من تعدد الواقعة المشهود بها أو من الاختلاف في استذكار

(1) مرت في هامش ص 183.
126

(مسألة 9) لو قال أحدهما إنه نجس وقال الآخر إنه
كان نجسا والآن طاهر فالظاهر عدم الكفاية وعدم الحكم
بالنجاسة (1)
127

النجاسة فعلا وعلى هذا الأساس حكم قدس سره بعدم ثبوت النجاسة
بمثل ذلك.
وتحقيق الحال في هذه المسألة - بناء على انحصار الحجية بالبينة - إن
الشاهدين إن فرض اتفاقهما على واقعة حسية واحدة وهي ملاقاة الدم للثوب
قبل ساعة مئلا غاية الأمر أن أحدهما يدعي طرو المطهر والآخر يدعي عدمه
ولهذا يشهد بالنجاسة الفعلية فتثبت تلك الواقعة بالبينة ويجري استصحاب
عدم طرو المطهر بناء على اختصاص الحجية بالبينة إذ لا بينة على طروه.
وإن فرض عدم وحدة الواقعة وإن أحدهما يخبر عن ملاقاة سابقة
للنجس وطهارة فعلية والآخر يخبر عن ملاقاة فعلية للنجس مثلا فلا تتم
البينة إما بناء على اشتراط وحدة الواقعة فواضح وإما بناء على عدم اشتراط
ذلك وكفاية كون الأثر الشرعي الملحوظ واحدا فإنما يمكن تتميم البينة لو
كان الشاهد بالملاقاة السابقة ساكتا عن الملاقاة الفعلية التي يشهد بها الشاهد
الآخر وأما إذا كان ينفيها فلا يكون مجموع الشهادتين مشمولا لدليل حجية
البينة نظير ما تقدم في فرع سابق وهو أن يشهد أحدهما بالملاقاة مع البول
دون الدم والآخر بالعكس وإن كان التنافي في المقام من طرف واحد فقط
حيث إن الشاهد الحالي لا ينفى الملاقاة السابقة وقد تقدم توجيه عدم شمول
دليل حجية البينة لا مثال المقام مما كان ضم إحدى الشهادتين إلى الأخرى
فيه يبعد الجامع المطلوب اثباته بالبينة بمقدار ما يقر به فلاحظ.
وأما إذا قيل بحجية خبر الثقة فإن فرضت وحدة الواقعة المشهود بها
لكلا الشاهدين فالحكم هو ما سبق من ثبوتها بالبينة إذ لا تعارض بين
الشاهدين بالنسبة إليها. وجريان استصحاب النجاسة الثابتة بسبب تلك
الواقعة إذ ليس في مقابل هذا الاستصحاب إلا شهادة أحد الشاهدين
بالطهارة فعلا وهي معارضة بشهادة الآخر بالنجاسة كذلك فلا حاكم على
128

(مسألة 10) إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة
بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في
الحكم بالنجاسة وكذا إذا أخبرت المربية للطفل أو المجنون
بنجاسته أو نجاسة ثيابه بل وكذا لو أخبر المولى بنجاسة بدن
العبد أو الجارية أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته (1)
(مسألة 11) إذا كان الشئ بيد شخصين كالشريكين
يسمع قول كل منهما في نجاسته (2) نعم لو قال أحدهما إنه
طاهر وقال الآخر إنه نجس تساقطا كما أن البينة تسقط مع
التعارض ومع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه (3)
(مسألة 12) لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة
129

بين أن يكون فاسقا أو عادلا بل مسلما أو كافرا (1)
(مسألة 13) في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا
اشكال وإن كان لا يبعد إذا كان مراهقا (2).
(مسألة 14) لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون
قبل الاستعمال كما قد يقال فلو توضأ شخص بماء مثلا وبعده
أخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه وكذا لا يعتبر أن
يكون ذلك حين كونه في يده فلو أخبر بعد خروجه عن يده
بنجاسته حين كان في يده يحكم عليه بالنجاسة في ذلك الزمان
ومع الشك في زوالها تستصحب (3).
130

فصل
في كيفية تنجس المتنجسات
يشترط في تنجس الملاقي للنجس أو المتنجس أن يكون
فيهما أو في أحدهما رطوبة مسرية فإذا كانا جافين لم ينجس (1)

(1) كما في معتبرة محمد بن مسلم قال " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الكلب السلوقي فقال: إذا مسسته فاغسل يدك " الوسائل باب 12
من أبواب النجاسات حديث 9
131

وقد ناقش السيد الأستاذ - دام ظله - في اطلاق الانفعال بأن الغسل عبارة
عن إزالة الأثر والأثر إنما يتحقق بملاقاة النجس مع الرطوبة المسرية
فالأمر بالغسل لا اطلاق فيه لصورة الجفاف (1)
ويرد على هذه المناقشة: أولا - بأن أدلة الانفعال لا تنحصر بلسان الأمر
بالغسل ليستظهر من مادة الغسل افتراض أثر للنجس في الملاقي بل قد
يكون دليل الانفعال بلسان النهي عن الصلاة في الثوب (2) ونحو ذلك،
وثانيا - بأن مجرد الأمر بالغسل لا يدل على افتراض أثر عيني في الشئ الذي
يؤمر بغسله إذا كان الغسل مضافا إلى نفس الثوب لا إلى ما أصاب الثوب
من النجاسة بل يكفي لتصحيح الأمر بالغسل وجود أثر حكمي يتوقف
زواله على ايصال الماء إلى المتنجس ولولا عدم توقف الغسل على وجود
أثر عيني للزم عدم وجود اطلاق في أدلة الأمر بالغسل لفرض جفاف
النجاسة وزوال أثرها عن المتنجس بالمسح مع أنه لا أشكال في اطلاق الأمر
بالغسل لما بعد المسح وبمثل هذا الاطلاق نثبت عدم مطهرية المسح كما أنه
لا اشكال في اطلاق أدلة الغسل لفرض الملاقاة مع الرطوبة في الملاقي لا في
النجس مع أنه في هذا الفرض كثيرا ما لا ينتقل من النجس أثر عيني إلى
الملاقي بل ينتقل من الملاقي إلى النجس فلو كان فرض الغسل مختصا
بفرض أثر عيني من النجس على المغسول لما صح هذا الاطلاق.

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 235.
(2) كما في معتبرة عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال " سألت أبا
عبد الله (ع) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب
أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد " الوسائل باب 40 من
أبواب النجاسات حديث 5.
132

وأما الجهة الثانية - فهي في البحث عن المقيد بعد فرض تمامية الاطلاق
فما يدعى كونه مقيدا أحد أمور:
الأول - ارتكاز عدم السراية بدون رطوبة وهذا الارتكاز باعتباره
كالقرينة المتصلة لبا يكون مقيدا للاطلاق حيث تكون الدلالة على السراية
في صورة الجفاف بالاطلاق ويكون قرينة لحمل الأمر بالغسل على التنزه
حيث يكون الأمر بالغسل واردا في موضوع لا يمكن تقييده بفرض الرطوبة
لكونه فرضا نادرا كما في مثل مصافحة الكتابي مثلا (1) ويكون قرينة على
افتراض الرطوبة في كلام السائل حين يسأل عن السراية من دون أن
يفرض الرطوبة صريحا لأن وضوح عدم السراية بدون رطوبة عرفا يوجب
انصراف السؤال إلى فرض الرطوبة فلا يبقى حينئذ في جواب الإمام
عليه السلام اطلاق لفرض الجفاف وهذا التقريب للتقييد والتصرف في
المطلقات تام وعليه المعول في عدم السراية في حالات الجفاف.
الثاني - رواية عبد الله بن بكير قال: قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل
يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال كل شئ يابس
زكي (2) والاستدلال بها يتوقف على أن المراد بكون اليابس زكيا أنه زكي
في مقام التأثير والفاعلية بمعنى أنه لا ينجس غير أن الرواية ليست ظاهرة
في ذلك لاحتمال أن يكون مفادها كون التجفيف موجبا لطهارة الشئ
المتنجس في نفسه فتخرج بذلك عن محل الكلام وحملها على هذا الاحتمال

(1) كما في معتبرة أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام " في مصافحة
المسلم اليهودي والنصراني قال: من وراء الثوب فإن صافحك بيده فاغسل
يدك " الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات حديث 5.
(2) الوسائل باب 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث 5.
133

يناسبه توصيف نفس اليابس بأنه زكي وهو وصف يساوق الطهارة لا مجرد
عدم كونه منجسا كما أنه هو الأقرب بلحاظ السؤال فإن ظاهر كلام الراوي
السؤال عن أثر المسح بالنسبة إلى نفس الشئ الممسوح لا بالنسبة إلى
ما يلاقيه ولهذا اقتصر الراوي في صياغة سؤاله على ذكر المسح دون أن
يشير إلى ملاقاة العضو المتنجس لشئ آخر ولو لم يكن هذا ظاهر كلام
السائل فلا أقل من احتماله له بنحو موجب للاجمال فيسري الاجمال إلى
الجواب أيضا لظهور المحاورة في التطابق بين السؤال والجواب ومما يؤيد
حمل الرواية على كون المسح مطهرا أنها لو كانت ناظرة إلى عدم السراية
في حالة جفاف المتنجس للزم اطلاقها لفرض رطوبة الملاقي أيضا.
اللهم إلا أن يقال: إن المستفاد من قوله كل يابس زكي كون هذه
الزكاة لليابس بما هو يابس بحيث تكون اليبوسة حيثية تقييدية لها فكأنه
قال كل يابس زكي ما دام يابسا ومثل هذا المفاد لا يناسب مطهرية المسح
بل عدم المنجسية إذ لا معنى لكون مطهرية المسح منوطة بدوام اليبوسة
بخلاف عدم المنجسية فاستظهار كون اليبوسة حيثية تقييدية قرينة على أن
المراد عدم المنجسية فيثبت المطلوب. ومما يؤيد ذلك شمول العموم حتى لعين
النجس مع وضوح أن عين النجس لا يطهر باليبوسة ولكنه لا ينجس وإن
اليبوسة غير زوال العين بالمسح وما يمكن أن يكون مطهرا عرفا هو زوال
العين بالمسح وهو أمر مغاير لليبوسة وغير ملازم لها وأما عدم افتراض
السائل ملاقاة العضو الممسوح لشئ آخر فهو قد يكون باعتبار كونه افتراضا
مفهوما ضمنا من فرض أصل المسألة كما هو واضح وعليه فلا يبعد دلالة
الخبر المذكور على ما هو المطلوب غير أنه لا يخلو من اشكال سندي وذلك
134

باعتبار محمد بن خالد الواقع في السند (1)
الثالث - معتبرة محمد بن مسلم قال: " كنت مع أبي جعفر عليه السلام
إذ مر على عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه فقلت جعلت فداك قد
وطأت على عذرة فأصابت ثوبك فقال أليس هي يابسة فقلت بلى فقال
لا بأس.. " (2) والاستدلال بها واضح باعتبار أن نفي البأس عن ملاقاة
العذرة اليابسة مع الثوب معللا بأنها يابسة ظاهر في اعطاء قاعدة كلية
هي عدم السراية مع الجفاف غير أن الرواية ذكرت في الوسائل تحت
عنوان المسألة المبحوث عنها مقطوعة عن ذيلها (3) وهو قوله (فإن الأرض
يطهر بعضها بعضا) وهذا الذيل يوجب نحوا من الاجمال في الرواية إذ لا تعرف
كيفية تطبيق كبرى مطهرية الأرض في المقام مع وضوح أن الثوب ليس
مما يطهر بالأرض فعدم الاتساق بين أجزاء الكلام يولد نحوا من الاجمال
الذي قد يمنع من التعويل عليه.
الرابع - معتبرة الفضل أبي العباس قال " قال: أبو عبد الله (ع) إن
أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسه جافا فاصبب عليه
الماء.. " (4) وقد استدل بها في المستمسك (5) على عدم السراية مع

(1) في السند يروي محمد بن خالد عن عبد الله بن بكير ومحمد بن خالد
مردد بين محمد بن خالد البرقي الثقة ومحمد بن خالد الأصم المجهول وكلاهما
رويا عن عبد الله بن بكير فلا مميز بينهما.
(2) الوسائل باب 32 من أبواب النجاسات حديث 2
(3) ذكرها كذلك في الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات
حديث 14.
(4) الوسائل باب 12 من أبواب النجاسات حديث 1.
(5) المستمسك الجزء الأول ص 466 من الطبعة الرابعة.
135

الجفاف حيث لم يأمر الإمام (ع) بالغسل في فرض الجفاف وكأن
الاستدلال بها على ذلك مبني على افتراض أن الصب بقرينة مقابلته للغسل
المتقوم باستيلاء الماء على الشئ يراد به مرتبة أدنى من الاستيلاء وهي غير
مطهرة فالأمر بها في فرض الجفاف دال على عدم السراية ويرد على ذلك:
إن مقابلة الصب للغسل لا ينحصر وجهها بما ذكر بل قد يكون بلحاظ
اشتمال الغسل على شئ من الفرك والعصر بخلاف الصب بعد الفراغ عن
كونهما معا مساوقين لاستيلاء الماء لأن ما هو أدنى من ذلك لا يسمى غسلا ولا
صبا للماء ومن أجل ذلك أمر بالصب وجعل مقابلا للغسل في موارد لا شك
في أن الشئ الذي أمر بصب الماء عليه متنجس كما في معتبرة الحسين بن
أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن البول يصيب الجسد قال
صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء وسألته عن الثوب يصيبه البول قال
اغسله مرتين (1) فأنت ترى أنه قوبل الصب على البدن. بالغسل في الثوب
مع أنهما نجسان معا ولا بد من استيلاء الماء عليهما وليس ذلك إلا بعناية أن
الثوب بحاجة إلى فرك وعصر لنفوذ النجاسة فيه بخلاف البدن ويشهد لذلك
تعليل الاكتفاء بالصب بأن البول ماء بمعنى أنه ليس شيئا لزجا محتاجا إلى
الفرك والدلك كالمني مثلا وعليه فمجرد جعل الصب في مقابل الغسل في
المقام لا يكون قرينة على عدم إرادة التطهير بالصب.
الخامس - الروايات الآمرة بالنضح عند اليبوسة كرواية حريز عمن
أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال إذا مس ثوبك كلب فإن كان يابسا
فانضحه وإن كان رطبا فاغسله (2) ومعتبرة علي بن جعفر (3) قال: سألته

(1) الوسائل باب 1 من أبواب النجاسات حديث 4.
(2) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 3.
(3) الأظهر أن الرواية لعلي بن جعفر لا لعلي بن محمد.
136

عن خنزير أصاب ثوبا وهو جاف هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله
قال نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه " (1) وغيرهما (2)، وتقريب الاستدلال
بها إن النضح لما كان لا يحقق الغسل المطهر فالأمر به في حالة الجفاف
كاشف عن عدم السراية وكونه لمجرد التنزه ويؤيد ذلك ورود الأمر
بالنضح في جملة من موارد التنزه (3).
السادس - معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال: " سألته
عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله
قال ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس " (4) ومثلها معتبرة أخرى
لعلي بن جعفر أيضا قال: " سألته عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت
قال: ينضحه بالماء ويصلي فيه ولا بأس " (5) وتقريب الاستدلال أما
بدعوى. الانصراف إلى فرض الجفاف لكونه الفرض المعتاد في مورد
الاستدلال - أو لأن خفاء نجاسة الميتة وسراية النجاسة منها بالرطوبة في عصر
صدور الراوية وعلى مثل علي بن جعفر بعيد جدا، وأما بعد افتراض

(1) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 6.
(2) من قبيل ما في حديث الأربعمائة عن علي (ع) قال ".. فمن
أصاب الكلب وهو رطب فليغسله وإن كان جافا فلينضح ثوبه بالماء "
الوسائل باب 12 من أبواب النجاسات حديث 11.
(3) كما في معتبرة الحسين بن أبي العلاء قال " سألت أبا عبد الله (ع)
عن المذي يصيب الثوب قال: لا بأس به، فلما رددنا عليه قال: ينضحه
بالماء " الوسائل باب 17 من أبواب النجاسات حديث 2. وغيرها من
الروايات الكثيرة.
(4) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 5 - 7
(5) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 5 - 7
137

الاطلاق بايقاع التعارض بين هذا المطلق وما دل بالاطلاق على السراية
حتى في حال الجفاف وتقييد هذا المطلق باخراج صورة الرطوبة منه بأدلة
السراية الواردة في فرض الرطوبة فيختص هذا المطلق بفرض الجفاف
وتنقلب النسبة بينه وبين مطلقات السراية بناءا على انقلاب النسبة،
وأما بافتراض التعارض والتساقط فلا يبقى مطلق في أدلة السراية.
السابع - الروايات الواردة في المتنجس الدالة على عدم سراية النجاسة
منه إلى ملاقيه إذا كان جافا من قبيل معتبرة علي بن جعفر قال: سألته عن
المكان يغتسل فيه من الجنابة أو يبال فيه أيصلح أن يفرش فقال نعم إذا
كان جافا (1) والاستدلال بها على تمام المطلوب مع أنها واردة في المتنجس
يتوقف على التعدي إلى مورد الملاقاة لعين النجس مع الجفاف أيضا ولو
بانسياق نكتة عامة بقرينة الارتكاز العرفي ومناسبات الحكم والموضوع.
الثامن - ولعله أحسن المقيدات اللفظية معتبرتا علي بن جعفر قال: سألته
عن الرجل يمشي في العذرة وهي يابسة فتصيب ثوبه ورجليه هل يصلح له
أن يدخل المسجد فيصلي ولا يغسل ما أصابه قال: إذا كان يابسا فلا بأس (2)
وقال: سألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من
العذرة فيصيب ثوبه ورأسه يصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينفضه ويصلي
فلا بأس (3) وبقرينة النفض والتعبير بهبوب الريح يعرف أن المفروض
كون العذرة يابسة فتدل الروايتان على عدم السراية مع الجفاف ولا ضير
في ورودهما في خصوص العذرة لامكان استفادة الحكم بالغاء الخصوصية
بالفهم العرفي ومناسبات الحكم والموضوع أو بضمها إلى روايات أخرى

(1) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 11
(2) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 8 - 12
(3) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 8 - 12
138

واردة في النجاسات الأخرى على نحو تستنتج القاعدة الكلية من مجموعها
ومن ذلك أيضا معتبرة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في الرجل يمس أنفه
في الصلاة فيرى دما كيف يصنع أينصرف قال إن كان يابسا فليرم به
ولا بأس (1)
التاسع - معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال: سألته عن
الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به
قال: إن كان دخل في صلاته فليمض فإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح
ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله (2) فإنها دلت على جواز
المضي في الصلاة مع الملاقاة المذكورة إذا لم يكن في الثوب أثر - بناءا على
رجوع الاستثناء (إلا أن يكون فيه أثر فيغسله) إلى تمام ما تقدمه بما في
ذلك الأمر بالمضي - وهو يقتضي عدم الانفعال مع الجفاف بعد ضم معلومية
اشتراط الصلاة بالطهارة وعدم كون النسيان مصححا للصلاة خصوصا مع
ارتفاعه في الأثناء. نعم لو كان الاستثناء راجعا الأمر بالنضح فقط
لكان الأمر بالمضي بقول مطلق مساوقا للترخيص في استمرار الصلاة
بالنجاسة تفاديا لقطعها ولا يكون ذلك مفيدا في المقام.
العاشر - معتبرة علي بن جعفر عن أخيه قال: " سألته عن الفراش
يصيبه الاحتلام كيف يصنع به؟ قال: اغسله وإن لم تفعل فلا تنم عليه حتى
ييبس فإن نمت عليه وأنت رطب الجسد فاغسل ما أصاب من جسدك... " (3)
وهذه الرواية تمتاز بالنظر إلى جفاف الملاقي والملاقي معا فتنيط عدم

(1) الوسائل باب 24 من أبواب النجاسات حديث 2.
(2) الوسائل باب 13 من أبواب النجاسات حديث 1.
(3) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 9.
139

السراية بجفاف الأمرين معا وتدل على السراية مع رطوبة أحدهما.
ومن هنا قد يقال: بأنها معارضة بجملة من الروايات المتقدمة التي أناطت
عدم السراية بكون النجس يابسا أو جافا لأن مقتضى اطلاقها عدم السراية
حينئذ حتى مع رطوبة الملاقي فلا بد من الالتزام بتقييد ذلك بلحاظ مثل
هذه الرواية.
وقد يقال: بأن لا معارضة لأن فرض الرطوبة المسرية في الملاقي مساوق
لفرض رطوبة النجس إذ تسري إليه الرطوبة فلا يكون يابسا أو جافا
ليشمله اطلاق ما دل على عدم السراية في تلك الروايات، ولكن ظاهر
تلك الروايات إناطة السراية وعدمها بكون النجس في نفسه رطبا أو يابسا
أو جافا أي بقطع النظر عن الملاقاة بحيث تكون الملاقاة ملاقاة للرطب
أو لليابس على أن فرض الرطوبة المسرية في الملاقي لا يلزم منه خروج
النجس عن كونه جافا إذ لا يلزم انتقال الرطوبة بما هي مسرية إلى النجس
وما لم تنتقل كذلك لا يخرج عن كونه جافا، نعم يمكن أن ينزل ما في
تلك الروايات على الارتكاز ويقال بأن اطلاقها لفرض الرطوبة في الملاقي
ساقط لمنافاته للارتكاز القاضي بكفاية الرطوبة في أحد المتلاقيين والذي
يشكل ما يشبه القرينة المتصلة على أن النظر في إناطة السراية بالرطوبة إلى
ما هو المركوز.
وعلى أي حال، فقد يستشكل في حال هذه الرواية ويقال: بأنها ربما
تعارض بصحيحة زرارة قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه
من غسله؟ فقال نعم لا بأس به إلا أن تكون النطفة فيه رطبة فإن كانت
جافة فلا بأس (1) لدلالتها على أنه مع جفاف النطفة لا تسري النجاسة

(1) الوسائل باب 27 من أبواب النجاسات حديث 7
140

ولو مع رطوبة الملاقي وحمل نفي البأس في هذه الصحيحة على فرض عدم
ملاقاة النطفة ليس عرفيا وليس مناسبا للتفصيل بين فرض جفافها وعدمه
بل الأقرب من ذلك حمل ما ينافيها على التنزه ولكن الصحيح أن صحيحة
زرارة معارضة بما لا يقبل الحمل على التنزه وهو معتبرة عمار المعروفة في
مطهرية الشمس إذ سأله عن الشمس هل تطهر الأرض قال: إذا كان الموضع
قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على
الموضع جائزة وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا
يجوز الصلاة حتى ييبس وإن كانت رجلك رطبة وجبهتك رطبة أو غير
ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى
ييبس وإن كان غير (عين) الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك (1)
فإن التعبير الذي ورد في ذيلها (فإنه لا يجوز ذلك) يدل على عدم
جواز الصلاة على الموضع القذر الجاف إذا كان بدن الانسان رطبا وهذا
التعبير غير قابل للحمل على التنزه وبعد التعارض بين صحيحة زرارة وهذه
المعتبرة لعمار يرجع إلى الأدلة الطولية ومقتضاها دوران السراية مدار الرطوبة
في أحد المتلاقيين.
وبذلك يتلخص: إن الرطوبة في أحد المتلاقيين شرط في السراية ولا
فرق في رطوبة المنجس بين الرطوبة الأصلية للنجاسة التي تنجس بها
والرطوبة الطارئة فاليد المتنجسة بالبول لو جف ما عليها من بول ثم أصابها
الماء لكانت منجسة لما يلاقيها لوجود الرطوبة فيشمله اطلاق بعض ما تقدم
وأما ما ورد في مثل معتبرة حكم بن حكيم أنه سأل أبا عبد الله (ع) فقال له
أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شئ من البول فأمسحه بالحائط

(1) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 4.
141

وإن كان ملاقيا للميتة لكن الأحوط غسل ملاقي ميت الانسان
قبل الغسل وإن كانا جافين (1)
وبالتراب ثم تعرق يدي فامسح (فامس) به وجهي أو بعض جسدي
أو يصيب ثوبي قال لا بأس به (1) فهو ظاهر في عدم تنجيس المتنجس
بضم ارتكاز كفاية مطلق الرطوبة في السراية فيكون أجنبيا عن محل
الكلام، ولو سلمت دلالة الرواية على اشتراط وجود الرطوبة الأصلية
فهي معارضة بما دل على كفاية رطوبة الملاقي - بالكسر - في السراية
لأنها رطوبة متجددة كما هو واضح فلو قيل بالتساقط كان المرجع المطلقات
الدالة على السراية في المقام.
هذا كله في المقام الأول لاثبات أصل اشتراط الرطوبة في السراية
وأما المقام الثاني في تحديد مقدار الرطوبة المعتبرة فيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى
(1) ومنشأ ذلك اختصاص ميت الانسان بما يدل باطلاقه أو ظهوره
على الأمر بغسل الملاقي له مع عدم الرطوبة ويتمثل ذلك في مكاتبتين
للحميري إحداهما - كتب إليه: روي لنا عن العالم (ع) أنه سئل عن إمام
قوم يصلي بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه
فقال يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه.
التوقيع: ليس على من مسه إلا غسل اليد وإذا لم تحدث حادثة
تقطع السلاة تمم صلاته مع القوم (2)

(1) الوسائل باب 6 من أبواب النجاسات حديث 1
(2) الوسائل باب 3 من أبواب غسل المس حديث 4
142

والأخرى - أنه كتب إليه " وروي عن العالم إن من مس ميتا بحرارته
غسل يده ومن مسه وقد برد فعليه الغسل وهذا الميت في هذه الحال لا يكون
إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف
يجب عليه الغسل. والتوقيع: إذا مسه على (في) هذه الحال لم يكن عليه
إلا غسل يده " (1)
وأما مثل معتبرة إبراهيم بن ميمون (2) ومعتبرة الحلبي (3) فقد ورد
فيهما الأمر بما أصاب الثوب من الميت وهذا مختص بظاهره بفرض الرطوبة
وسراية شئ إلى الثوب من الميت بالملاقاة فالمهم المكاتبتان السابقتان
والكلام في تقييد اطلاقهما تارة يقع بلحاظ الارتكاز القاضي باشتراط
الرطوبة في السراية وأخرى بلحاظ عموم كل شئ يابس زكى (4) وثالثة
بلحاظ سائر الروايات المقيدة المتقدمة.
أما التقييد بلحاظ الارتكاز فيمكن أن يقال: إن الارتكاز لا يصلح
أن يقيد هذا الاطلاق وإن صلح لتقييد الاطلاق الوارد في غير ميت الانسان

(1) الوسائل باب 3 أبواب غسل المس حديث 5.
(2) وهي " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل يقع ثوبه على جسد
الميت قال إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه وإن كان لم
يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه يعني إذا برد الميت " الوسائل باب 34
من أبواب النجاسات حديث 1.
(3) وهي عن أبي عبد الله (ع) في حديث " قال: سألته عن
الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال: يغسل ما أصاب الثوب " الوسائل
باب 34 من أبواب النجاسات حديث 2.
(4) الوارد في رواية عبد الله بن بكير المتقدمة في ص 292.
143

لا بدعوى أن المسألة في ميت الانسان خلافية فلا ارتكاز لاشتراط الرطوبة
لأن المدعى هو الارتكاز العرفي لا الفقهي: ولا بدعوى: أن نجاسة الميت
بنفسها على خلاف الارتكاز فحين تجعل النجاسة له خلافا للارتكاز
لا يأبى العرف حينئذ عن أن تكون سراية النجاسة منه على نحو يختلف عما
هو المألوف لدية. لأن المدعى ارتكاز كبرى إن النجاسة لا تسري من القذر
إلا مع الرطوبة وكون الصغرى غير مألوفة لا ينافي ارتكازية الكبرى وشمولها لها. بل
بدعوى أن المرتكز كبرويا هو إناطة السراية بالرطوبة في ملاقاة الأشياء
النجسة التي تكون قذارتها بلحاظ الجانب المادي منها كالفضلات والدم
والمني ونحو ذلك.
وأما ما حكم بنجاسته لنكتة معنوية واستقذار معنوي فلا يوجد هذا
الارتكاز بالنسبة إلى نحو السراية منه ومن ذلك ميت الانسان فإنه لما كان
غير مستقذر عرفا فالمفهوم من دليل نجاسته الشرعية أنه بنكتة معنوية كنجاسة
الكافر والمسكر وعليه فلا يشمله الارتكاز المذكور.
وأما التقييد بعموم كل شئ يابس زكى فقد يستشكل فيه بأن النسبة بين
الدليلين العموم من وجه فلا موجب للتقييد. ويمكن الالتزام بالتقييد - ولو
نتيجة - أما للالتزام بالتعارض والتساقط والرجوع إلى الأصول النافية
للسراية مع الجفاف. وأما للالتزام بتقدم العام على اطلاق المكاتبتين لأن
عمومه بالوضع واطلاقهما بمقدمات الحكمة. وأما لدعوى حكومة العام فإنه
بوصفه دليلا على اشتراط الرطوبة في السراية يكون ناظرا إلى أدلة السراية
كما هو شأن دليل الشرطية بالنسبة إلى دليل المشروط فيتقدم عليها بالحكومة
بملاك النظر. ولا يتوهم: إن العام حاكم على أدلة السراية بملاك التصرف في
عقد الوضع باعتبار أنه ينزل اليابس منزلة الزكي الطاهر فيخرج بذلك
تنزيلا عن موضع دليل السراية لأن هذا يندفع: بأن دليل السراية المتمسك
144

باطلاقه في المقام لصورة الجفاف لم يؤخذ في موضوعه عنوان ملاقاة النجس
بل ملاقاة الميت غاية الأمر أنه يعلم بأن الأمر بغسل الملاقي إنما هو لنجاسة
الميت فيكون بنفسه دليلا على نجاسة الميت لا أنه مشروط بنجاسته لتتم
الحكومة المذكورة.
وعلى أي حال فقد تقدم إن رواية عبد الله بن بكير لم تتم سندا
فلا مجال للتقييد بها.
وأما التقييد بالروايات الخاصة المتقدمة فهو غير ممكن بعد ورودها في
مورد الملاقاة مع نجاسات أخرى غير ميت الانسان وعدم اقتضاء الارتكاز
التعدي كما عرفت وعلى هذا فتحصيل المقيد لا طلاق المكاتبتين مشكل اللهم
إلا أن نتمسك بمعتبرة إبراهيم بن ميمون ومعتبرة الصفار فقد جاء في
الأولى (وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه يعني إذا برد
الميت) فإن هذه الرواية قد فرض فيها وجود الرطوبة بقرينة قوله (ما
أصاب ثوبك منه) ومع هذا حكم بعدم وجوب الغسل قبل أن يبرد الميت
وهذا دليل على طهارة الميت حينئذ وإن نجاسته منوطة ببرودته كما هو قول
جماعة من الفقهاء وحيث إن المكاتبة موردها الملاقاة حين الموت أو عقيبه
مباشرة وذلك يكون في الغالب قبل برد الميت فيحمل الغسل فيها على التنزه
والاستحباب ولكن هذا البيان يتوقف على أن تكون الجملة الأخيرة في
رواية ابن ميمون من كلام الإمام (ع) مع قوة احتمال أن تكون تفسيرا
من الرواي كما يناسبه كلمة (يعني) ومع الاجمال من هذه الناحية يسقط
هذا التقريب. وأما معتبرة الصفار فقد جاء فيها أنه كتب إليه (ع)
رجل أصاب يده وبدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل هل
145

يجب غسل يديه أو بدنه. فوقع: إذا أصاب بدنك جسد الميت قبل أن
يغسل فقد يجب عليك الغسل (1) وموضع الاستدلال قوله (ع) (فقد
يجب عليك الغسل) فإنه إن أريد الغسل بفتح الغين فهو يدل على أن
السراية ليست ثابتة مطلقا بقرينة (قد) فإما أن يكون عدم السراية في
صورة الجفاف أو في صورة حرارة الميت وعلى الأول يثبت المقيد المطلوب
وعلى الثاني تكون منافية أيضا مع المكاتبة لورودها في حالة يكون الغالب
فيها حرارة الميت، وإن أريد الغسل بضم الغين فحيث إن السائل كان
يسأل عن الغسل بالفتح فعدول الإمام عن الحيثية المسؤول عنها وبيانه إن
مس نفس الجسد قد يوجب الغسل بالضم يكون ظاهرا عرفا في نفي الغسل
بالفتح وأنه بصدد تنبيه السائل على خطأه في احتمال كون ملاقاة ثوب
الميت مؤثرة وفي احتماله أن يكون الأثر هو غسل الملاقي إذ لو لم يكن
العدول إشعارا بهذا المعنى لما تطابق الجواب مع السؤال ولبقي منظور السائل
بلا جواب وهو خلاف الظاهر، هذا كله مضافا إلى أن سند المكاتبتين
غير واضح وإن كان لا يبعد تماميته (2) ودلالتها غير واضحة في نفسها

(1) الوسائل باب 1 من أبواب غسل المس حديث 5.
(2) قد يقال بعدم تمامية سند المكاتبتين لأنهما وردتا في الاحتجاج
وطريقه إليهما مجهول لأنه لم يذكره ووردتا في الغيبة وسند الشيخ إلى
مكاتبات الحميري هو " أخبرنا جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود
القمي قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي واملاء أبي قاسم الحسين
ابن روح - رضي الله عنه - على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل... "
(الغيبة ص 228 من الطبعة الثانية في النجف) وهذا السند غير تام لأنه
لا يعلم أن الشهادة بأن أجوبة المكاتبات باملاء الحسين بن روح (رض)
صادرة من محمد بن أحمد بن داود الذي هو ثقة أم من أحمد بن إبراهيم
النوبختي المجهول ولذا ذكر السيد الأستاذ - دام ظله - إن سندهما غير
واضح إلا أنه تممه باعتبار قول الشيخ في الغيبة ص 229 " وقال ابن نوح:
أول من حدثنا بهذا التوقيع أبو الحسين محمد بن علي بن تمام وذكر أنه
كتبه من ظهر الدرج الذي عند أبي الحسن بن داود فلما قدم أبو الحسن بن
داود قرأته عليه وذكر أن هذا الدرج بعينه كتب به أهل قم إلى الشيخ
أبي القاسم وفيه مسائل فأجابهم على ظهره بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي
وحصل الدرج عند أبي الحسن بن داود " ولا يأتي في هذه العبارة
الاشكال السابق.
146

لامكان المناقشة في دلالة الأولى بلحاظ ما ورد في ذيلها من قوله (وإذا لم
تحدث حادثة تقطع الصلاة تم صلاته مع القوم) فإن الترخيص في اتمام
الصلاة مع أن النجاسة من المركوز متشرعيا مانعيتها في الأفعال والأكوان
معا إما أن يكون تخصيصا في مانعيتها في الأكوان مع حمل الترخيص على
فرض غسل اليد وإما أن يكون قرينة على حمل الغسل على التنزه وإن لم
يكن الثاني هو الأقرب بضم الارتكاز المشار إليه فلا أقل من الاجمال
وامكان المناقشة في دلالة الثانية بأن ظاهر التقابل بين غسل اليد والغسل
في صدرها أن الوظيفة إما هذا أو ذلك مع أنه على فرض النجاسة يجتمع
الأمران عند الملاقاة بعد البرودة فهذا التقابل يصلح أن يكون قرينة على
أن غسل اليد لوحظ بما هو مرتبة من الغسل و المنظور في كل من الوظيفتين
التنزه عن حالة معنوية غاية الأمر أن هذا التنزه بعد البرودة يكون الغسل
وقبلها يكون بغسل موضع الإصابة. وبكلمة أخرى أنه لا بد إما من رفع اليد
عن ظهور غسل اليد في التطهير من الخبث أو عن ظهور الكلام في التقابل
واختصاص كل من الحالتين بوظيفة معينة ويكفي عدم الترجيح أيضا في
اسقاط الاستدلال لحصول الاجمال حينئذ.
147

وكذا لا ينجس إذا كان فيهما أو في أحدهما رطوبة غير
مسرية " 1 " -
" 1 " هذا هو المقام الثاني الذي أشرنا إليه وهو في تحديد مقدار
الرطوبة المشترطة في السراية لأنها تارة تكون بمرتبة تعتبر نداوة عرضية
وليست جرما مستقلا ولا قابلة للانتقال وأخرى تكون بمرتبة تعتبر نداوة
عرضية عرفا ولكنها قابلة للانتقال بالملاقاة فإن انتقال العرض العرفي
معقول وإن امتنع انتقال العرض الحقيقي وثالثة تكون بمرتبة يصدق عليها
أنها ماء وجرم مستقل على نحو يكون موضوعا مستقلا للملاقاة وليس عرضا عرفيا
للجسم المرطوب والمتيقن من الرطوبة الكفيلة بالسريان المرتبة الثالثة وأما
ما قبلها فمحل الاشكال وتحقيقه أنه إن لوحظ الارتكاز بوصفه مقيدا
للمطلقات فلا بد من تحديد ما هو المرتكز وتحليل جذوره فهل يقوم هذا
الارتكاز العرفي على أساس إن العرف يرى أن المنجس هو الرطوبة دائما
لا الجسم المرطوب، أو على أساس إن المنجس هو الجسم المرطوب ولكن
القذارة عرفا سنخ صفة لا تنتقل إلا بالتبع فلا بد من حامل لها وهو
الرطوبة، أو على أساس إن المنجس هو الجسم وإن دخل الرطوبة إنما
هو باعتبار تأثيرها في شدة نجاسة الشئ الموجبة لصلاحيته للتنجيس فالنجس
الجاف أخف نجاسة وبهذه النكتة عبر عنه بأنه زكي فلا يكون منجسا،
فعلى الأول تختص الرطوبة المعتبرة بالمرتبة الثالثة إذ غيرها ليس شيئا مستقلا
وجرما عرفا لكي يكون قذرا في نفسه وبالتالي مقذرا، وعلى الثاني قد
يكتفى بالمرتبة الثانية فضلا عن الثالثة دون الأولى لأن المرطوب بالرطوبة
من المرتبة الأولى لا يسري منه شئ بالملاقاة لتسري القذارة بتبعه بخلاف
148

المرطوب بالرطوبة من المرتبة الثانية والثالثة، وعلى الثالث تكون للقذارة
مراتب تبعا لجفاف الجسم القذر أو درجة رطوبته فلا بد أن يعين أي مرتبة
من تلك المراتب تكون منجسة وكيف كان فلا اشكال في عدم صحة
الأساس الأول والمنبه على ذلك قبول العرف تنجيس الجامد للملاقي
الرطب ولعل هذا المنبه نفسه يبعد الأساس الثاني أيضا لأن الملاقي المرطوب
للقذر اليابس تنتقل منه الرطوبة إلى القذر لا العكس فلا حامل للقذارة
المنقولة من القذر إلى ملاقيه فالأقرب هو الأساس الثالث وهو يفترض
مراتب للقذارة ولا ينبغي الاستشكال في اقتضاء الارتكاز خروج حالة
اليبوسة وحالة الرطوبة من الدرجة الأولى عن صلاحية التنجيس عرفا وفي
اقتضائه صلاحية المرتبة الثالثة من الرطوبة للتنجيس وأما المرتبة الثانية فلا
ارتكاز بالنسبة إليها على سراية النجاسة ولا على عدم السراية وهذا يكفي
للتمسك بالمطلقات حينئذ نعم لو كان الارتكاز مجملا ومرددا لسرى
الاجمال إلى الاطلاقات لأنه بحكم القرينة المتصلة.
وإن لوحظت الروايات الخاصة المقيدة للاطلاقات فمن الصعب
تحصيل اطلاق في المقيد يقتضي حصر المطلقات بالمرتبة الثالثة من الرطوبة
لأن عنوان الرطوبة والأثر يصدق على المرتبة الثانية وعنوان الجاف واليابس
لا ينطبق عليها فالمرتبة الثانية إذن غير مشمولة للمقيد فتبقى تحت المطلقات
الأولية بل إن المقيدات نفسها تقتضي الانفعال مع الرطوبة واطلاقه يشمل
المرتبة الثانية بل قد يدعى شمول المطلقات الأولية والمقيدات بالرطوبة
للرطوبة من المرتبة الأولى أيضا ولكن الظاهر عدم السراية في هذه المرتبة
لأن في روايات الباب ما ينيط السراية بوجود أثر النجس في الملاقي كما
في معتبرة علي بن جعفر المتقدمة في إصابة الخنزير للثوب وهذا لا يتصور
149

إلا في الرطوبة من المرتبتين الأخيرتين هذا مضافا إلى شواهد أخرى في
الروايات أيضا وإلى الارتكاز العرفي الذي ينيط السراية بالرطوبة
المقابلة للجفاف بمعناه الشامل للمرتبة الأولى من الرطوبة لا بالرطوبة المقابلة
لليبوسة المتقومة بعدم الرطوبة بمراتبها الثلاث، وعليه فالأقرب اشتراط
السراية بالرطوبة المسرية القابلة للانتقال سواءا صدق عليها عنوان الماء
أو لا.
ولكن قد يستشكل في ذلك بلحاظ رواية علي بن جعفر عن أخيه
موسى قال: سألته عن رجل مر بمكان قد رش فيه خمر قد شربته الأرض
وبقي نداوته أيصلي فيه قال إن أصاب مكانا غيره فليصل فيه وإن لم يصب
فليصل ولا بأس (1). فإن الترخيص في الصلاة على ذلك المكان مع عدم
الأمر بغسله أو وضع ما يمنع الملاقاة يدل على عدم سراية النجاسة منه إلى
المصلي بالملاقاة مع أن نداوة الخمر فيه ومقتضى اطلاقه الشمول للمرتبة
الثانية من الرطوبة نعم لا يشمل المرتبة الثالثة لأن فرضها فرض وجود
الخمر في المكان وهو خلف قوله (قد شربته الأرض) فتكون هذه الرواية
دالة باطلاقها على عدم كفاية المرتبة الثانية من الرطوبة في السراية فلا بد
من ملاحظة نسبتها إلى ما يفرض دلالته بالاطلاق على كفاية المرتبة الثانية
فقد توقع المعارضة بين اطلاق هذه الرواية للمرتبة الثانية واطلاق ما دل
على إناطة السراية بالأثر ونحوه لتلك المرتبة وبعد التساقط يرجع إلى المطلق
الفوقاني الدال على السراية مطلقا ولكن الانصاف إن هذه الرواية قد
يدعى الاطلاق فيها للمرتبة الثالثة أيضا حيث إن شرب الأرض للخمر
لا ينافي بقاء أجزاء ضئيلة منه وعليه فهي ظاهرة في طهارة الخمر وتكون

(1) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 7.
150

أجنبية عن محل الكلام هذا مضافا إلى ضعف سند الرواية (1).
بقيت هنا أمور. منها - أن السيد الأستاذ - دام ظله - اختار هنا إن الرطوبة
المعتبرة في السراية هي ما يصدق عليها عنوان الماء (2) وهذا يعني اعتبار
المرتبة الثالثة كما أنه يختار إن المائع يتنجس وينجس إذا تنجس بدون
تفصيل بين المتنجس الأول وغيره (3) ولكنه في المتنجس الجامد يحتمل
الفرق بين المتنجس الأول والمتنجس الثاني فالأول ينجس جزما وأما الثاني
فتنجيسه عنده محل اشكال (4) ومن هنا اتجه السؤال بأن المتنجس الثاني
الذي قد لا يكون منجسا لملاقيه ما هو هل هو المتنجس الثاني الواجد
لرطوبة يصدق عليها أنها ماء أو غير الواجد لمثل هذه الرطوبة أما الواجد
فالملاقي له يكون ملاقيا للرطوبة أيضا فإنها ما دامت بنحو يصدق عليها
أنها ماء تعتبر جرما متميزا وتصدق الملاقاة بالنسبة إليها وحيث إن تنجس
المائع وتنجيسه مجزوم به مطلقا فلا بد من الجزم حينئذ بتنجس الملاقي في
المقام ولا يبقى فرق بين ملاقي المتنجس الأول وملاقي المتنجس الثاني،
وأما غير الواجد فهو لا ينجس جزما بناءا على ما اختاره من إناطة السراية
بالرطوبة التي يصدق عليها عنوان الماء فلا يتصور موضع الاستشكال
ومنها - أن ما ذهب إليه جماعة من الأعلام (5) من إناطة السراية
بالمرتبة الثالثة يلزم منه بعض النتائج الغريبة لأننا نتساءل هل المنجس

(1) لأن في سندها عبد الله بن الحسن وهو لم يثبت توثيقه.
(2) التنقيح الجزء الثاني ص 236 - 237.
(3) التنقيح الجزء الثاني ص 278 - 279.
(4) التنقيح الجزء الثاني ص 278 - 279.
(5) كالسيد الخوئي - دام ظله - كما في التنقيح الجزء الثاني ص
236 - 237، والسيد الحكيم - قدس سره - في المستمسك الجزء الأول
ص 467 من الطبعة الرابعة.
151

نفس الرطوبة أو الجسم المرطوب أما الأول فهو غريب وعلى خلاف
المنساق من كلمات الفقهاء من أن الرطوبة شرط في السراية لا أنها هي موضوع
التنجيس ومن النصوص الآمرة بالغسل عند ملاقاة الشئ (1) الظاهرة في
سراية النجاسة من الجسم نفسه لا من رطوبته وأما الثاني فكيف يتعقل مع
أن الجسم المرطوب إذا كان واجدا للرطوبة من المرتبة الثالثة فهي تشكل
طبقة ذات جرم متميز ويكون ملاقاتها والانفعال بها قبل ملاقاة الجسم
دائما وإذا لم يكن واجدا للرطوبة من المرتبة الثالثة فلا سراية بحسب الفرض،
ومثل هذا التحليل للنتائج يشهد لعدم إناطة السراية بالمرتبة الثالثة وكفاية
المرتبة الثانية.
ومنها - أن المقصود من كفاية الرطوبة من الدرجة الثانية في السراية إن
الجسم النجس أو المتنجس إذا لاقى غيره نجسه بشرط وجود الرطوبة ولو
من المرتبة الثانية وهذا يعني أن المرتبة الثانية من الرطوبة تكفي لتحقيق
شرط تنجيس الجسم النجس لملاقيه لا أنها هي المنجسة فإنها عرض عرفا
ولا يعقل عرفا كون العرض قذرا ومقذرا، وعلى هذا فإذا فرض أنه
سرت الرطوبة من المرتبة الثانية من الجسم النجس إلى الجسم الطاهر من
دون ملاقاة بين الجسمين كما في المناطق المجاورة للبالوعة وللأماكن المرطوبة
ففي مثل ذلك لا وجه للقول بنجاسة الأطراف لأن الرطوبة وإن سرت
ولكن الملاقاة مع النجس لم تتحقق وبذلك ظهر ما في كلام السيد الحكيم
" قدس سره " في المستمسك حيث إنه بعد أن استظهر اشتراط الرطوبة من
المرتبة الثالثة فرع على ذلك بأنه منه يعلم عدم نجاسة الجدران عندما تسري

(1) من قبيل معتبرة محمد بن مسلم قال " سألت أبا عبد الله " ع "
عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل، قال: يغسل المكان الذي
أصابه " الوسائل باب 12 من أبواب النجاسات حديث.
152

ثم إن كان الملاقي للنجس أو المتنجس مايعا تنجس كله كالماء
القليل المطلق والمضاف مطلقا والدهن المايع ونحوه من
المايعات " 1 ".
إليها الرطوبة من البالوعة (1)، فإن هذا التفريع في غير محله إذ حتى إذا
قيل بكفاية الرطوبة من المرتبة الثانية لا يترتب على ذلك نجاسة الجدران
المذكورة.
" 1 " لا اشكال في اختلاف المائعات عن الجوامد في التنجس فإذا
لاقى النجس شيئا جامدا برطوبة لم يتنجس منه إلا الجزء الملاقي بينما المائع
يتنجس كله بملاقاة النجس لجزء منه، والكلام في تخريج هذه التفرقة بين
البابين تارة بلحاظ الدليل الأولي على الانفعال وأخرى بلحاظ الروايات
الخاصة الواردة في المائعات كالسمن والدهن والزيت ونحوهما.
أما بالنسبة إلى الدليل الأولى فتارة يطبق هذا الدليل على المائعات
لاثبات نجاستها كلها بالملاقاة مع الاستعانة في ذلك بالارتكاز العرفي القاضي
بالتفرقة بين البابين وأخرى يراد استفادة هذا التفريق بين البابين من نفس
دليل الانفعال بقطع النظر عن الارتكاز فلنتكلم في التقريبات التي تحاول
استفادة الفرق من نفس دليل الانفعال فإن لم يتم شئ منها استعنا بالرجوع
إلى الارتكاز العرفي باعتباره قرينة على التصرف في مدلول الدليل بالنسبة
لخصوص المائعات.
التقريب الأول - أن المائع يعتبر كله شيئا واحدا عرفا فينجس كله
بالملاقاة وهذا بخلاف الجامد فكأن الفارق بين البيان ناجم عن كون عنوان
الملاقي ينطبق في باب المائع على كل المائع من أجل الوحدة المذكورة بينما

(1) المستمسك الجزء الأول ص 467 - 468 من الطبعة الرابعة.
153

لا يصدق في الجامد إلا على خصوص الجزء الملاقي لأن كل جزء منه يعتبر
شيئا مستقلا نعم لو فرضنا المائع بنحو لا يعتبر واحدا عرفا كما في المائين
المختلفين بالسطح فالسافل حينئذ غير العالي ولهذا لا نلتزم بسراية النجاسة
إلى العالي لو لاقت النجاسة مع السافل.
وهذا التقريب لا يخلو من غموض وتأرجح فهل يراد به الاستعانة
بالارتكاز في مقام تطبيق الدليل أو دعوى التفرقة بلحاظ حاق الدليل بدون
ضم الارتكاز فحين يقال إن عنوان الملاقي في المائعات ينطبق على تمام المائع
بخلاف الجوامد إن قصد بذلك أن عنوان الملاقي لغة وبقطع النظر عن عالم
أدلة الانفعال بالملاقاة يقال على تمام المائع ولا يقال على تمام الجامد فهذا
يعني تطبيق حاق الدليل بلا ضم الارتكاز ولكن مثل هذه الدعوى غريبة
في بابها إذ لا اشكال في أن عنوان الملاقي بالحقيقة لا ينطبق على الكل
لا في الجامد ولا في المائعات وإنما ينطبق على الجزء الملاقي خاصة، وأما
بلحاظ النظر المسامحي والعنائي. فيطلق عنوان الملاقي على تمام الجسم مائعا
كان أو جامدا فيقال مثلا لاقت يدي ثوبك نعم لو أعمل النظر العنائي في
تطبيق عنوان الملاقي على المائع والنظر الدقيق في تطبيقه على الجامد تمت
التفرقة ولكن هذا لا وجه له إلا بتحكيم الارتكاز على دليل الانفعال وبذلك
يرجع هذا التقريب إلى تحكيم الارتكاز ولا يعود تفسيرا للتفرقة على أساس
حاق دليل الانفعال.
وبما ذكرناه ظهر الحال فيما هو ظاهر كلام السيد الأستاذ - دام ظله -
إذ أفاد إن الوجه في تنجس كل المائع بالملاقاة وحدته وأما الجامد فإن كانت
الرطوبة المسرية مختصة بموضع الملاقاة منه فعدم سراية النجاسة إلى سائر
أجزاء الجسم واضح لأن السراية فرع الرطوبة المسرية وإن كان الجسم
كله مرطوبا برطوبة مسرية فلا تسري النجاسة أيضا لأن الظاهر أن
154

الاتصال بما أنه كذلك لا يكفي في الحكم بالنجاسة وإنما الموضوع للحكم
بها الإصابة والملاقاة وإصابة النجس مختصة بجزء من الجامد وغير متحققة
في الجميع (1).
ونلاحظ أن هذا البيان لم يبرز وجها للفرق بين المائع والجامد يفسر
على أساسه كون المائع شيئا واحدا يطبق عنوان الملاقي على تمامه بينما
لا يطبق في الجامد إلا على الجزء المماس مباشرة فبالنسبة إلى الجامد المرطوب
كله تارة يتساءل أنه لماذا لم ينجس كله بنفس إصابة النجاسة لجزء منه
وأخرى يتساءل لماذا لم تسر النجاسة من جزء منه إلى جزء آخر بالاتصال
والبيان المذكور إنما نظر إلى الجواب على التساؤل الثاني ولم يجب على
التساؤل الأول بابراز فرق بين المائع والجامد من هذه الناحية.
التقريب الثاني - أن ملاقاة النجس لا توجب إلا نجاسة الجزء الملاقي
غير أن هذا الجزء في الجامد يكون ساكنا فلا تسري منه النجاسة إلى غيره
إلا بعناية بخلافه في المائع لأن أجزاء المائع سيالة متغلغلة فالجزء المتنجس
منه يسري ويتوزع في المائع فينجس كله.
وهذا التقريب - لو تم لاستغنى عن ضم الارتكاز ولكنه لا يفي بتفسير
المقصود لأن اللازم منه كون سراية النجاسة في المائع تدريجية مع أن
المقصود اثبات نجاسة المائع في آن واحد وستأتي تتمة الكلام عن ذلك.
التقريب الثالث أن يقال إن دليل الانفعال في الجوامد والمائعات على
نحو واحد لا يدل إلا على نجاسة الجزء الملاقي فقط ولكن نجاسة الجزء
الملاقي في المائع تستدعي نجاسة الأجزاء الأخرى أيضا دفعة واحدة لأنها
كلها متلاقية مع وجدان الرطوبة وهذا بخلاف أجزاء الجامد فإنها وإن
كانت متلاقية ولكن بدون رطوبة وهذا التقريب يفسر نجاسة جميع أجزاء

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 238 وما بعدها.
155

المائع في وقت واحد ولكن مع فرض الطولية في المرتبة وبذلك يسلم من
الاعتراض الذي اتجه على التقريب السابق ولكن أورد عليه المحقق
الهمداني " قدس سره " بأنه مبني على امكان الجزء الذي لا يتجزأ وإلا لم يتم
هذا التقريب بدون ضم الارتكاز لأن الجزء الملاقي للنجس بنفسه قابل
للتجزئة إلى جزئين أحدهما أقرب إلى النجس من الآخر فهل الآخر ينجس
بنفس النجس أو بملاقاته للجزء الأول، فعلى الأول كان معناه الرجوع إلى
الارتكاز في توسيع نطاق السراية فليرجع إليه ابتداءا، وعلى الثاني ننقل
الكلام إلى الجزء الأول من الجزئين فإنه بدوره ينقسم إلى جزئين أيضا
وهكذا (1).
وهذا الاعتراض يمكن الجواب عليه: بأن عدم انتهاء التقسيم إلى جزء
لا يمكن أن يتجزأ فلسفيا وواقعيا لا يعني عدم انتهائه إلى جزء لا يمكن أن
يتجزأ بما هو قابل للنجاسة عرفا فالجزء الذي يتحمل النجاسة ويقبل سرايتها
ينتهي إلى ما لا يقبل التجزئة بمعنى أن أجزاءه إذا لوحظت مستقلة لم تقبل
النجاسة لعدم كونها أجراما في نظر العرف كما هو الحال في ذرات البخار
مثلا ومن هنا قيل بأن البخار لا يمكن أن يتنجس وعليه فيمكن لصاحب
التقريب المذكور أن يقول بأن الذي يتنجس بالنجس مباشرة هو الجزء
الصغير الذي يتحمل النجاسة ولا يقبل الانقسام إلى جزئين يتحملان
النجاسة بالانفراد.
نعم قد أورد المحقق الهمداني " قدس سره " اعتراضا آخر على التقريب
المذكور حاصله أن الذي يتنجس حتى على فرض امكان الجزء الذي
لا يتجزأ هو سطحه الملاقي للنجس والجزء الثاني إنما يلاقي السطح الآخر
من ذلك الجزء وتنجسه فرع سراية النجاسة إلى ذلك السطح وهو بلا

(1) مصباح الفقيه - كتاب الطهارة - ص 19.
156

موجب بدون ضم الارتكاز ومعه لا حاجة إلى هذه العناية بل لماذا
لا نعمل من أول الأمر الارتكاز في دليل الانفعال لتطبيقه على المائع
كله (1).
وهذا الاعتراض بالمقدار الذي يرتبط برد التقريب المذكور صحيح
إلا أن ما فرعه " قدس سره " عليه بأنه لو أريد اعمال الارتكاز فلنعمله بنحو
نثبت بنفس الملاقاة نجاسة مستوعبة للمائع كله محل نظر لأن تحكيم الارتكاز
بنحو ينتج توسعة النجاسة الحاصلة من الملاقاة وشمولها للجزء الأول بكلا
سطحيه أو للمائع بتمام أجزائه ليس جزافا بل لا بد في تعين أحد الأمرين
من ملاحظة المناسبات الارتكازية والعرفية لنجد مقدار اقتضائها ولا يبعد
أن المناسبات العرفية تقتضي الأول لأن سراية القذارة الحكمية ليست في نظر
العرف أمرا تعبديا بل هي بلحاظ سراية أثر القذارة إلى الملاقي كما هو
الحال في القذارات العرفية وبهذا الاعتبار اشترطنا الرطوبة في السراية ارتكازا
وحيث إن أثر القذر الملاقي لا معنى لسرايته إلى الجزء الثاني من المائع إلا
بتوسط الجزء الأول لعدم تعقل الطفرة عرفا فلا بد أن نفهم السراية على
ضوء هذه العناية ومقتضاه تدرج النجاسة السارية وكون وصولها إلى كل
جزء في طول وصولها إلى الجزء الأسبق ومن شواهد اقتضاء الارتكاز
العرفي لذلك ما نجده من اختلاف مراتب الاستقذار العرفي بلحاظ مدى
قرب الجزء المائع إلى الملاقي النجس فكلما كان أبعد يرى أمره أهون وليس
ذلك إلا لارتكازية أن السراية إلى الأبعد بتوسط الأقرب فكأنه تنجس
مع الواسطة.
وبذلك اتضح أن التطبيق الدقيق لدليل الانفعال لا يقتضي التفرقة بين
الجوامد والمائعات وإنما تقوم التفرقة على أساس تحكيم الارتكاز العرفي في

(1) مصباح الفقيه - كتاب الطهارة - ص 19.
157

دليل الانفعال فقد يتم التقريب الثالث بعد اعمال تلك العناية الارتكازية.
ولكن قد يقال: إن التقريب الثالث لا يمكن تتميمه باعمال الارتكاز
العرفي المذكور لأن سراية القذارة إذا كانت في المرتكز العرفي بلحاظ سراية
الأثر وسراية الأثر أمر تدريجي في الأجزاء لاستحالة الطفرة فهذا يتطلب
التدرج الزماني لا الرتبي فقط ولا يناسب مع نجاسة جميع المائع في آن واحد
فالتحليل الارتكازي المذكور يناسب التقريب الثاني وقد تكون ضآلة الزمان
الذي يتطلبه سريان الأثر وعدم امكان ضبطه عادة حكمة لاستقرار الارتكاز
العرفي في باب المائعات على البناء على نجاسة المائع وقذارته بالملاقاة دفعة
واحدة واعمال مثل هذه الحكمة لا يجعل الحكم بالسراية تعبديا بحتا كما
هو واضح.
هذا كله في تطبيق دليل الانفعال في المائعات وأما تطبيقه في الجامد
فمقتضى الجمود على العنوان المأخوذ فيه تطبيق عنوان الملاقي على الجزء
خاصة فلا تسري النجاسة إلى سائر الأجزاء ولا يوجد ارتكاز عرفي للسراية
هنا ليحكم على الدليل ويؤخذ قرينة على تطبيق عنوان الملاقي على الجسم
الجامد كله كما كان الحال في المائعات وعليه فلا موجب لاستفادة نجاسة
ما عدا الجزء الملاقي وهذا فيما إذا لم تكن الأجزاء الأخرى مرطوبة
برطوبة مسرية في غاية الوضوح وكذلك إذا كانت فيها رطوبة ولكن
يفصل بينها وبين الجزء الملاقي منطقة جافة إذ لو قيل بنجاسة سائر
الأجزاء المرطوبة فإن كان كذلك في ضمن نجاسة الجسم بتمامه بما فيه
المنطقة الجافة فهذا خلف اشتراط الرطوبة في السراية وإن كان ذلك مع
الحكم بطهارة المنطقة الجافة فهذا معناه طفرة النجاسة وهو على خلاف
المرتكز العرفي جزما. وأما إذا كان الجسم كله رطبا برطوبة مسرية فقد
يتوهم تطبيق عنوان الملاقي عليه بتمامه وحينئذ يقتضي دليل الانفعال نجاسته
158

كله ولكنك عرفت أن مقتضى النظر المطابق للواقع في مقام تطبيق الدليل
تطبيق عنوان الملاقي على الجزء الذي أصابته النجاسة خاصة وإنما توسعنا
في باب المائعات لقرينة الارتكاز ولا ارتكاز كذلك في باب الجوامد إن
لم يكن الارتكاز على خلافه فلا موجب للتوسع بل لا ينجس سوى
الجزء الملاقي.
ولكن هنا شبهة قد تثار في هذا الفرض لاثبات تنجس تمام الأجزاء
بنفس دليل الانفعال وذلك من باب السراية بالوسائط ويمكن تقريب
الشبهة بأحد بيانين.
الأول: ما أفاده السيد الأستاذ - دام ظله - من أن النجس الملاقي لجزء
من الجامد سوف ينجسه وهذا الجزء باعتباره مرطوبا وملاقيا للجزء الثاني
المرطوب أيضا فتسري النجاسة منه إليه وكذلك الأمر في الثالث وهكذا
وقد أجاب السيد الأستاذ على هذا البيان بجواب يتأرجح بين دعويين حيث
أنه في صدر التقريب كأنه يريد التمييز والتفرقة بين عنواني الملاقاة
والاتصال بين الأجزاء وإن ما هو موضوع الحكم بالسراية الملاقاة وهي غير
حاصلة إلا بلحاظ الجزء المماس للنجس وأما الاتصال الثابت فيما بين
الأجزاء نفسها فهو ليس بموضوع للسراية والتنجيس وفي آخر التقريب
كأنه يريد مطلبا آخر هو التفرقة بين الاتصال قبل التنجس بالملاقاة والاتصال
بعد ذلك فيستشهد بالوجدان العرفي لاثبات أن ما هو المؤثر في السراية
الاتصال بعد الملاقاة مع النجس كما لو تنجس جزء بالملاقاة للنجس
ثم لاقى جسما آخر وأما الاتصال الثابت بين الأجزاء قبل الملاقاة للنجس
فليس بمنجس (1).
وكلا هذين الجوابين غير واضح أما الأول فلأننا لا نتعقل فرقا بين

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 239 - 240.
159

الاتصال والملاقاة لأن الملاقاة ليست إلا عبارة عن تلاقي الجسمين وذلك
لا يكون إلا بالاتصال والمماسة فملاقاة جسم لجسم آخر من أي جهة أو
جزء هي عين اتصاله به في تلك الجهة أو الجزء. وأما الثاني فلأن الاتصال
بما هو اتصال بعد الملاقاة أو اتصال قبل الملاقاة لا دخل له في السراية
لوضوح أننا لو قطعنا الجسم الجامد المرطوب كالخشبة التي لاقت الكلب
مثلا بجزء منها وجعلناه قطعا عديدة ثم أعدناها إلى هيئتها الأولى وأوصلنا
بعضها ببعض فلا تسري النجاسة إلى غير الجزء النجس مع أن الاتصال
هنا بعد الملاقاة كما أن المائع في داخل الإناء إذا انقلب إلى خمر سرت
النجاسة منه إلى الإناء بلا اشكال مع أن الاتصال هنا بين الماء والإناء حاصل
قبل الملاقاة كل هذا يوضح إن المسألة غير مرتبطة بكون الاتصال قبل الملاقاة
أو بعدها بل هناك نكتة أخرى للسراية إذا وجدت سرت النجاسة سواءا
كان الاتصال قبل الملاقاة أو بعدها وإذا لم توجد فلا سراية مطلقا وتلك
النكتة التي بتحديدها يتوضح الجواب على هذه الشبهة إن الاتصال والملاقاة
بين النجس والجامد ليس إلا بلحاظ السطح المواجه للجنس والمماس له
لا السطح الآخر الملاقي للجزء الثاني من أجزاء الجسم الجامد وبهذا يعرف
السبب في عدم التنجس عندما نقطع أجزاء الجسم الواحد ثم نعيدها إلى
هيئتها الأولى والسبب في سراية النجاسة من المائع إلى الإناء عند تحوله
إلى خمر.
الثاني: وهو بيان أحسن من سابقة وحاصله أننا حينما نفرض رطوبة
الجسم الجامد بالمرتبة الثالثة من الرطوبة التي اعتبرها جماعة من الأعلام
شرطا في السراية فمعنى ذلك أن طبقة مائية لها جرم يفترض وجودها
على الجسم المرطوب فإذا لاقى النجس الجسم المرطوب فقد لاقى تلك
الطبقة فيحكم وفقا لقاعدة السراية في المائعات بنجاسة تمام تلك الطبقة
160

المائية وإذا تنجست كذلك تنجس بها الجسم الجامد بتمامه لأنه بكل جزء
منه يلاقي جزءا من تلك الطبقة المائية وهذا البيان لا يرد عليه شئ مما
تقدم بل ينحصر وجه التخلص منه بالرجوع إلى مسألة السراية في المائعات
وتحليلها على نحو يقتضي اخراج هذه الصورة منها وتوضيح ذلك أن السراية
في باب المائعات لم تكن من باب التطبيق الصناعي والدقيق لدليل الانفعال
بل كان بتوسط ضم الارتكاز العرفي إليه القاضي بالسراية ولدى تحليل هذا
الارتكاز نجد أن من المعقول إن ندعي أن حكمته ونكتته كون أجزاء
المائع متحركة سيالة نافذة بطبعها بخلاف الجامد فإن تلك الحركة والسيولة
في أجزاء المائع أوجبت توسعة العرف لدائرة السراية بمجرد الملاقاة ومن
المعلوم أن هذه النكتة غير موجودة في محل الكلام أي في الطبقة المائية
الفوقية التي تشكل صفة الرطوبة للجسم الجامد فإنها لضئالة سمكها وحجمها
لا يرى فيها تبادل الأجزاء وحركتها فيما بينها بل يعتبر كل جزء منها
ملتصقا بالجزء الجامد الذي تحته ومثل هذا المائع لا تشمله نكتة الارتكاز
القاضي بتوسعة دائرة السراية ولا أقل من الشك في ذلك الموجب لعدم
امكان التمسك بدليل الانفعال لاثبات سراية النجاسة إلى تمام الرطوبة لأن
اقتضاء دليل الانفعال للسراية إلى تمام أجزاء المائع موقوف على تمامية
الارتكاز ومع الشك فيه لا يمكن التمسك بالدليل.
وإلى هنا كنا نتكلم عن حال المسألة بلحاظ دليل الانفعال العام ولو
بضم الارتكاز وأما حالها بلحاظ الأخبار الخاصة فلا شك في صحة ذكرها
واستعراضها كمؤيد للنتائج التي انتهينا إليها وأما الاعتماد عليها كدليل مستقل
فلا يخلو من اشكال بمعنى أنه إذا لم نستفد من دليل الانفعال سراية النجاسة
إلى تمام المائع فيشكل اثبات ذلك بالأخبار الخاصة وإذا تسجلت الشبهة التي
أثرناها في الجامد المرطوب والتي تستهدف اثبات السراية إلى تمام أجزاء
161

الجامد عن طريق السراية في الرطوبة نفسها فيشكل ابطال الشبهة بالأخبار
الخاصة أما الأول فلأن ما يستدل به على السراية من الأخبار الخاصة هو
ما دل على الأمر بإراقة الماء (1) أو المائع (2) بملاقاة النجاسة لشئ منه
والنهي عن الوضوء منه ونحو ذلك ومن المعلوم إنا إذا قطعنا النظر عن
الارتكاز فهذه الأخبار كما يمكن أن يكون الأمر بالإراقة والنهي عن
الاستعمال فيها بلحاظ سراية النجاسة إلى تمام المائع بنفس الملاقاة للنجس
كذلك يمكن أن يكون بلحاظ اشتمال المائع على الجزء النجس وتكثره بالملاقاة
من خلال تحركه ونفوذه. ولا يقال - إن ظاهر مفاد هذه الأخبار أنه حكم
واقعي لا حكم ظاهري بالاجتناب بلحاظ اختلاط النجس بالطاهر - لأنه يقال
إن كون الحكم واقعيا يثبت بظهور الدليل فيما إذا كان له اطلاق لفرض
عدم الشك وفي المقام لا يعقل عرفا الاطلاق المذكور فلا معين لكونه
واقعيا.
وأما الثاني فالأخبار الخاصة الواردة في مثل الثوب الملاقي للنجس (2)

(1) من قبيل معتبرة سماعة قال " سألت أبا عبد الله عن رجل معه
إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره
قال: يهريقهما جميعا ويتيمم " الوسائل باب 8 من أبواب الماء المطلق.
حديث 2.
(2) من قبيل رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " أن
عليا عليه السلام سئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فأرة قال: يهريق
مرقها ويغسل اللحم ويأكل " الوسائل باب 5 من أبواب الماء المضاف.
حديث 3.
(2) من قبيل معتبرة زرارة " قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره
أو شئ من مني.. قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد
أصابها.. " الوسائل باب 7 من أبواب النجاسات. حديث 2.
162

نعم لا ينجس العالي بملاقاة السافل إذا كان جاريا من العالي (1)
بل لا ينجس السافل بملاقاة العالي إذا كان جاريا من السافل
كالفوار من غير فرق في ذلك بين الماء وغيره من المائعات " 2 "
وإن دلت على عدم السراية إذ أمرت بغسل موضع الملاقاة خاصة واطلاقها
وإن كان يقتضي ذلك حتى في فرض كون الجسم الجامد مرطوبا بتمامه إلا
أن هذا الاطلاق إنما ينفي تنجس سائر أجزاء الجسم الجامد بنفس الملاقاة
للنجس المفروضة فيها ولا ينفي تنجسها عن طريق سراية النجاسة إلى تمام
الرطوبة ومنها إلى الجسم على النحو الذي تقدم في البيان الثاني للشبهة والسر
في ذلك أن تلك الأخبار لم ترد في مورد الجسم المرطوب رطوبة مسرية
بتمامه وإنما تشمل هذه الحالة بالاطلاق ونظرها إنما هو إلى النجاسة التي
تحصل بنفس الملاقاة المفروضة فيها وليست في مقام البيان من ناحية ما قد
يحدث أحيانا بسبب ذلك فلا يمكن التمسك باطلاقها من غير ناحية النجاسة
الحاصلة بنفس ملاقاة النجس المفروضة فيها.
(1) تقدم تحقيقه مفصلا في الجزء الأول من هذا الشرح في ص
123 - 137.
" 2 " لأن المناط في الاستثناء العلو المعنوي فإنه هو ملاك النكتة في
عدم سراية النجاسة من السافل إلى العالي باعتبار عدم صلاحية السافل
للتغلغل فيه، ثم إنه كما لا ينجس العالي بملاقاة النجس للسافل فهل الأمر
كذلك في العكس أيضا فلا ينجس السافل بملاقاة النجس للعالي ما دام
لم ينزل الجزء المتنجس فلو لاقى شئ مع الجزء السافل من الماء في حين
ملاقاة نجس للجزء العالي فهل يحكم بنجاسته أم لا؟ قد يستشعر من كلماتهم
163

وإن كان الملاقي جامدا اختصت النجاسة بموضع
الملاقاة سواءا كان يابسا كالثوب اليابس إذا لاقت النجاسة جزءا
منه أو رطبا كما في الثوب المرطوب أو الأرض المرطوبة فإنه
إذا وصلت النجاسة إلى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجس
ما يتصل به وإن كان فيه رطوبة مسرية بل النجاسة مختصة
بموضع الملاقاة ومن هذا القبيل الدهن والدبس الجامدان نعم
لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثم اتصل تنجس موضع الملاقاة
منه فالاتصال قبل الملاقاة لا يؤثر في النجاسة والسراية بخلاف
الاتصال بعد الملاقاة وعلى ما ذكر فالبطيخ والخيار ونحوهما
مما فيه رطوبة مسرية إذا لاقت النجاسة جزءا منها لا تتنجس
البقية بل يكفي غسل موضع الملاقاة إلا إذا انفصل بعد الملاقاة
ثم اتصل " 1 ".
القول بالانفعال في المقام لعدم تصريحهم باستثناء هذه الصورة من قاعدة
السراية في المائعات ولكن الأقرب هو عدم السراية هنا أيضا إما بناءا على
تخريج السيد الأستاذ للسراية وعدمها بوحدة المائع الساكن وتعدد الماء
الجاري فمن الواضح أن تعدده إذا سلم في نفسه يقتضي عدم السراية من
الطرفين وإما بناءا على تخريجنا للسراية وعدمها بنفوذ الجزء الملاقي من المائع
الساكن فيه وعدم نفوذ السافل في العالي فلأن العالي أيضا وإن كان
مستعليا ولكنه بلحاظ هروب السافل منه باستمرار لا يكون له صلاحية
النفوذ فيه كما لا يكون للسافل صلاحية النفوذ في العالي فلا سراية في
الطرفين.
" 1 " قد اتضح الحال في ذلك كله مما تقدم وتبين حكم الجامد
164

(مسألة 1) إذا شك في رطوبة أحد المتلاقين أو علم
وجودها وشك في سرايتها لم يحكم بالنجاسة " 1 " وأما إذا علم
سبق وجود المسرية وشك في بقائها فالا حوط الاجتناب وإن
كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه " 2 ".
165

(مسألة 2) الذباب الواقع على النجس الرطب إذا
وقع على ثوب أو بدن شخص وإن كان فيهما رطوبة مسرية
لا يحكم بنجاسته إذا لم يعلم مصاحبته لعين النجس ومجرد
وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله لاحتمال كونها مما لا تقبلها وعلى
فرضه فزوال العين يكفي في طهارة الحيوانات (1).
166

الشك في زوالها فهل يجري استصحاب بقاء النجاسة على بدن الحيوان على
نحو تثبت به نجاسة الملاقي أو لا؟ والكلام في ذلك تارة يقع على القاعدة
بلحاظ نفس دليل الاستصحاب وأخرى - بعد افتراض اقتضاء دليل
الاستصحاب لجريانه في المقام - في وجود المخصص لهذا الدليل وقد
تقدم تحقيق الحال في جريان الاستصحاب واتضح أنه غير جار في نفسه
سواءا قيل بأن بدن الحيوان لا ينجس أصلا أو ينجس ولكن يطهر بزوال
العين فلاحظ (1) كما تقدم أيضا بعض ما يتوهم كونه مخصصا لدليل الاستصحاب
لو فرض اقتضاؤه لجريان الاستصحاب في المقام وهو معتبرة عمار (2)
الواردة في منقار الطير والتي تنيط الاجتناب برؤية الدم على المنقار فلا يكفي
اثباته بالاستصحاب وقد ذكرنا هناك إن الصحيح عدم صلاحية الموثقة
لكونها مخصصة لو تم اطلاق دليل الاستصحاب في نفسه.
ومثل المعتبرة معتبرتان لعلي بن جعفر قد يستدل بهما لتخصيص دليل
الاستصحاب، إحداهما قال: " سألته عن الدود يقع من الكنيف على
الثوب أيصلي فيه قال لا بأس إلا أن ترى فيه أثرا فتغسله " (3) فإنها
تدل على الطهارة مع عدم رؤية الأثر ولو كان معلوم الملاقاة للنجس قبل
وقوعه في الثوب بل قد تكون الرواية واردة في مورد العلم بملاقاة دود
للنجس سابقا باعتباره في الكنيف فتعتبر من هذه الناحية أخص مطلقا من
دليل الاستصحاب، والأخرى قال: " سألته عن الفأرة والدجاجة والحمام
وأشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب أيغسل قال إن كان استبان من أثره

(1) تقدم في شرح مسألة إن كل مشكوك طاهر.
(2) الوسائل باب 82 من أبواب النجاسات حديث 2.
(3) الوسائل باب 80 من أبواب النجاسات حديث 1.
167

(مسألة 3) إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس
الجامدين يكفي إلقاؤه وإلقاء ما حوله ولا يجب الاجتناب
عن البقية وكذا إذا مشى الكلب على الطين فإنه لا يحكم
بنجاسة غير موضع رجله إلا إذا كان وحلا والمناط في الجمود
والميعان أنه لو أخذ منه شئ فإن بقي مكانه خاليا حين الأخذ
وإن امتلأ بعد ذلك فهو جامد وإن لم يبق خاليا أصلا فهو
مائع (1).

(1) الوسائل باب 37 من أبواب النجاسات حديث 3.
168

على دليل الانفعال وتنزيل للدليل على المناسبات المركوزة فلا بد من ملاحظة
هذه المناسبات ومدى اقتضائها للتوسعة نعم لو كان ذلك حكما تعبديا معلقا
في دليله على عنوان المائع كان دائرا مدار صدق هذا العنوان.
وتفصيل الكلام - أما بلحاظ الارتكاز فقد اتضح سابقا إن نكتة
السراية في المائع كون أجزائه مما ينفذ بعضها في البعض ومن هنا يمكن أن
يقال بأن التنجيس في الجامد والمائع يمتد على نحو واحد إذ يشمل الملاقي
المباشر ودائرة صلاحية هذا الملاقي للانتشار والنفوذ ولما كانت هذه الدائرة
في الجامد لا تزيد على نفسه فلا سراية ولما كانت في المائع تزيد عليه ثبتت
السراية ولما كان الميعان هو الميزان في توسعة هذه الدائرة فكلما كان الميعان
أكمل وأشد كانت دائرة السراية أوسع وهذا التحليل الارتكازي قد ينتهي
بنا إلى ميزان عملي كلي واحد وهو أن السراية إنما تمتد إلى المقدار الذي
يمكن عرفا عزله وفصله عن الباقي بحيث يرى عرفا أن النجاسة قد طوقت
ضمن ذلك المقدار فلا ينجس ما زاد عليه والضابط المذكور في المتن يجب
أن يفهم حينئذ باعتباره تطبيقا لهذا الميزان فبقاء مكان المأخوذ خاليا مشير
عرفا إلى تحدد دائرة النفوذ وامكان تطويق النجاسة ضمن هذا المقدار.
والروايات الخاصة الواردة في أقسام المائع وكيفية انفعالها لا تخرج في
مفادها عما ذكرناه وذلك لأنها على قسمين أحدهما - ما لم يعلق فيه الحكم
بالسراية بعنوان الميعان من قبيل معتبرة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع)
قال " قلت: جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل فقال أما السمن
والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله والزيت يستصبح به " (1) فقد فرق بين
الزيت وبين السمن والعسل دون أن تذكر نكتة الفرق فينزل على المرتكز
العرفي وهو يناسب قوله (فيؤخذ الجرذ وما حوله) إذ يفهم منه عرفا

(1) الوسائل باب 6 من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
169

جعل الميزان امكان تطويق النجاسة عرفا المرتبط بمدى النفوذ لا الجمود
والميعان بعنوانيهما.
ومن هذا القبيل أيضا معتبرة الحلبي قال " سألت أبا عبد الله (ع)
عن الفأرة والدابة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه فقال إن كان سمنا
أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا فإن كان الشتاء فانزع ما حوله
وكله وإن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به وإن كان ثردا فاطرح الذي
كان عليه ولا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه " (1) ففي هذه
الرواية لم ينط الحكم بالسراية بعنوان الميعان بل بالشتاء والصيف ومدخلية
الفصلين وإن كانت بلحاظ الانجماد والميعان ولكنه يناسب مع التنزيل على
المرتكز العرفي حيث إن المائع في الصيف تتسع دائرة نفوذه بينما تضيق في
الشتاء بحيث يمكن تطويق النجاسة فيه ولهذا ورد التعبير بقوله (فانزع ما
حوله) وقد يشعر بعدم النفوذ قوله في آخر الرواية (ولا تترك طعامك
من أجل دابة ماتت عليه) إذ قيل بأنها ماتت عليه لا فيه.
بقي شئ يرتبط بفقه هذا الحديث حيث جاء فيه قوله (وإن كان
ثردا) والكلمة مرددة بين (ثردا) (2) و (بردا) (3) وقد استظهر أنه الثرد
بمعنى الثريد بتقريب أنه على الاحتمال الآخر يكون تكرارا لنفس الجملة
السابقة التي تفترض حكم الشتاء ويمكن أن يناقش في ذلك بأنه وإن استلزم
التكرار ولكنه تكرار عرفي في أمثال المقام من أجل توضيح أن الشتاء
إنما أخذ بنحو المعرفية إلى البرد لا على وجه الموضوعية وكون ذلك مفهوما
بمناسبات الحكم والموضوع لا يمنع عن تصدي المتكلم لتفهيمه وكان الأولى

(1) الوسائل باب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 4.
(2) كما في الوسائل والتهذيب الجزء التاسع حديث 361.
(3) كما في الوافي كتاب المطاعم باب 16.
170

أن يذكر في اثبات الاحتمال الأول أنه عليه يكون قوله المذكور معطوفا على
قوله في صدر الكلام (إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا) بلا مؤونة وأما
على الاحتمال الآخر فلا يمكن أن يكون معطوفا على قوله فإن كان الشتاء
وإن كان الصيف لأن كان هناك تامة لا ناقصة فلا بد على هذا التقدير من
تقدير اسم لكان في قوله كان بردا ننتزعه بالعناية من مجموع الكلام،
وعلى هذا يكون الاحتمال الأول أولى بالكلام.
هذا ولكن الصحيح أن كل هذا الكلام مما لا مجال له لأن ذكر
المقربات والشواهد إنما يفيد في مجال تحديد المراد الاستعمالي بعد الفراغ عن
تحديد الكلمة.
وأما إذا كان الشك في أصل تعيين الكلمة الصادرة فلا تفيد تلك
المقربات في تعيينها كما هو واضح وأما المقصود على أي حال الأمر بطرح
ما كان النجس عليه من الطعام سواء كان ثريدا أو غيره في مقابل إن
يطرح الطعام كله.
نعم في بعض الروايات أنيطت السراية بعنوان الذوبان كما في رواية
إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله (1) ومعتبرة زرارة عن أبي
جعفر (2) فقد جاء في الأولى قوله (فإن كان ذائبا) وجاء في الثانية
قوله (فإن كان جامدا فالقها وما يليها وكل ما بقي وإن كان ذائبا فلا
تأكله) فقد يدعى جمودا على العبارة فيهما إن مجرد صدق الذوبان عرفا
يكفي في الحكم في السراية بدون فرق بين مراتبه ولكن لو تم هذا الاطلاق
ولم يحكم عليه ارتكاز عرفي بالنحو المتقدم لوقع طرفا للمعارضة مع اطلاق
معتبرة معاوية بن وهب السابقة التي فصلت بين السمن والعسل وبين الزيت

(1) الوسائل باب 6 من أبواب ما يكتسب به حديث 5.
(2) الوسائل باب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 3.
171

(مسألة 4) إذا لاقت النجاسة جزءا من البدن المتعرق
لا يسري إلى سائر أجزائه إلا مع جريان العرق (1).
(مسألة 5) إذا وضع إبريق مملوء ماءا على الأرض
النجسة وكان في أسفله ثقب يخرج منه الماء فإن كان لا يقف
تحته بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها فلا يتنجس ما في
الإبريق من الماء وإن وقف الماء بحيث يصدق اتحاده مع ما في
الإبريق بسبب الثقب تنجس وهكذا الكوز والكاس والحب
ونحوها (2).
172

(مسألة 6) إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة وكان عليها
نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محله من سائر أجزائها
فإذا شك في ملاقاة تلك النقطة لظاهر الأنف لا يجب غسله
وكذا الحال في البلغم الخارج من الحلق (1).
(مسألة 7) الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس
يكفيه نفضه ولا يجب غسله ولا يضر احتمال بقاء شئ منه
بعد العلم بزوال القدر المتيقن (2).
173

لا مانعية له ما دامت النجاسة الحكمية غير سارية إلى الثوب.
ويمكن دعوى عدم المانعية لأن الثابت من أدلة مانعية النجس في
الصلاة كون المانع هو نجاسة البدن أو نجاسة اللباس والمفروض في المقام
عدم سراية النجاسة إلى الثوب فالنجس هنا محمول لا ملبوس فلا يشمله
دليل مانعية النجس.
وفي مقابل ذلك يمكن أن تقرب المانعية في مثل هذا المحمول الذي
يتلطخ به ثوب المصلي أو بدنه إما باستفادة ذلك من نفس أدلة عدم جواز
الصلاة في الثوب الذي أصابته النجاسة أو الثوب المتنجس باعتبار أن
كون الثوب متنجسا ومتقذرا كما يكون بلحاظ اتصافه بالنجاسة الحكمية
كذلك يكون بلحاظ تلطخه بعين نجسة أو متنجسة فإن هذه العين بالدقة
وإن كانت شيئا محمولا لا صفة ولكنها بالنظر العرفي صفة للثوب
وقذارة له.
وإما بلحاظ معتبرة علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل
يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتلقى عليه من العذرة فيصيب ثوبه
ورأسه يصلي قبل أن يغسله قال نعم ينفضه ويصلي فلا بأس (1) فإنها
تضمنت الأمر بالنفض وهو ظاهر في مانعيته. اللهم إلا أن يقال: إن الأمر
بالنفض ليس له ظهور في المولوية والالزام لاحتمال أن يكون المقصود منه
نفي وجوب الغسل لأن أصل التخلص من القذارة أمر مفروض عرفا
وإنما التردد في أسلوب التخلص ودورانه بين الأسلوب الأبسط وهو النفض
أو الأشد وهو الغسل فيكون الأمر بالأسلوب الأبسط بعد المفروغية عن
أصل التخلص ارشادا إلى عدم وجوب الغسل وليس في مقام الالزام
بالنفض.

(1) الوسائل باب 26 من أبواب النجاسات حديث 12.
174

ولكن البناء على المانعية ولزوم النفض لو لم يكن الغسل هو الأقرب
فلا شك في أنه هو الأحوط لأن مجرد الاحتمال المذكور لا يسوغ رفع اليد
عن ظهور الأمر بالنفض في المانعية خصوصا مع تعقيب الأمر بالنفض
بقوله (ويصلي).
الثالث: أنه لو شك في زوال الغبار المتراكم على الثوب بالنفض
جرى استصحاب بقائه وترتب على ذلك الحكم ببقاء المانعية تعبدا وهل
يترتب عليه الحكم بنجاسة المائع الذي يقع فيه ذلك الثوب أو لا وجهان،
فقد يقال بعدم ترتب ذلك على الاستصحاب المذكور لأنه لا يثبت ملاقاة
الغبار النجس للمائع إلا بالملازمة حيث إن بقائه في الثوب إلى حين طرح
الثوب في المائع يستلزم ملاقاته للمائع وقد يقال بالترتب وذلك لأننا نثبت
بالاستصحاب المذكور نجاسة نفس الثوب فإن نجاسته مترتبة على ملاقاته
للنجس وكونه رطبا وملاقاته للتراب النجس بنفسها مورد الاستصحاب
وكون الثوب رطبا وجداني حالة القائه في المائع وإذا ثبتت نجاسة الثوب
ثبتت نجاسة المائع بملاقاته للثوب. فإن قيل. كيف كان الاستصحاب مثبتا
بالنسبة إلى احراز ملاقاة المائع للتراب النجس ولم يكن مثبتا بالنسبة إلى
احراز ملاقاة الثوب للتراب النجس؟ فإنه يقال: إن أصل ملاقاة المائع للتراب
النجس ليس موردا للاستصحاب بل هو لازم عقلي لبقاء المستصحب وأما
ملاقاة الثوب للتراب النجس فهي بنفسها مورد للاستصحاب نعم هنا شئ
وهو أنه إذا قيل بأن رطوبة الملاقي للنجس بمجردها ليست كافية بل بحيثية
سريان الرطوبة منها إلى النجس فمن الواضح أن استصحاب ملاقاة الثوب
للنجس إلى حين رطوبة الثوب لا يثبت سراية الرطوبة من الثوب إلى
النجس إلا بالملازمة ومن هنا كنا نقول بأن استصحاب رطوبة النجس
لا يكفي لنجاسة ملاقيه لأنه لا يثبت سراية الرطوبة إلا بالملازمة ولكن
175

يمكن التفكيك بدعوى أن الرطوبة الدخلية في التنجيس إذا كانت في النجس
فلا يكفي مجرد وجودها بل لا بد أن تكون بنحو تسري منه فعلا إلي الملاقي
ومن هنا لا يجري استصحاب رطوبة النجس وأما إذا كانت في الملاقي
للنجس فلا يعتبر فيها السريان إلى النجس لأن اعتبار سريان الرطوبة في
التنجيس يتطابق مع المرتكزات العرفية في جانب النجس لا في جانب الطاهر
إذ ما معنى أن الطاهر المرطوب لا ينجس إلا إذا سرى منه شئ إلى
النجس فإن مناط سراية القذارة عرفا أن يكتسب غير القذر شيئا من القذر
لا العكس إلا أن يلتزم باعتبار سراية الرطوبة من الطاهر إلى النجس
بدرجة توجب السراية مرة أخرى من النجس إلى الطاهر وهذا معناه أن
الرطوبة التي تفي بالشرط في جانب الملاقي يحب أن تكون أشد من الرطوبة
التي تفي بالشرط في جانب القذر وهو بعيد عن اتجاه المسألة فتوى وعرفا
بل قد يقال: إن اعتبار كون الرطوبة في النجس مسرية إنما هو من أجل
أن المناط في السراية حقيقة رطوبة الملاقي لأن الملاقي الجاف لا يتأثر
فالملاقي إن كان رطبا في نفسه تأثر على أي حال ولو لم تكن رطوبته
مسرية وإن لم يكن رطبا كذلك وكان النجس رطبا فلا بد من أن تكون
رطوبته مسرية لكي يصبح الملاقي رطبا وبالتالي صالحا للتأثر وعليه لا يكون
الاستصحاب في المقام مثبت نعم قد يتأمل في ترتب نجاسة الماء على
الاستصحاب المذكور بنحو يشبه التأمل في ترتب نجاسة الملاقي لبدن الحيوان
على استصحاب بقاء عين النجاسة عليه حتى لو قيل بأن بدن الحيوان
ينجس ثم يطهر بزوال العين فلاحظ.
الرابع: أنه إذا شك في بقاء القذر الجاف على الثوب من ناحية
الشك في مقداره فهل يجري استصحاب بقائه، والتحقيق:، إن ما علم
بارتفاعه إن كان معلوم الانطباق على الأقل المتيقن حدوثا فلا معنى لاجراء
176

(مسألة 8) لا يكفي مجرد الميعان في التنجس بل يعتبر
أن يكون مما يقبل التأثر وبعبارة أخرى يعتبر وجود الرطوبة
في أحد المتلاقيين فالزئبق إذا وضع في ظرف نجس لا رطوبة
له لا ينجس وإن كان مائعا وكذا إذا أذيب الذهب أو غيره من
الفلزات في بوتقة نجسة أو صب بعد الذوب في ظرف نجس
لا ينجس إلا مع رطوبة الظرف أو وصول رطوبة نجسة
إليه من الخارج (1).
177

ويمكن أن يقرب الحكم بعدم النجاسة تارة بالتمسك باطلاق مقيد من
قبيل (كل يابس زكي) (1) بدعوى أن اليبوسة في مقابل نداوة ماء لا في
مقابل مطلق الميعان، وأخرى بدعوى أن المقيد اللبي وهو الارتكاز القاضي بعدم
السراية مع الجفاف يشمل جزما أو احتمالا هذا النحو من الميعان غير المائي
ومع احتمال شموله لا يمكن التمسك باطلاق دليل الانفعال لأنه من موارد
المقيد المتصل الدائر أمره بين الأقل والأكثر، وثالثة بدعوى انكار وجود
مطلقات في أدلة الانفعال رأسا لأن دليل الانفعال المطلق إما أن يكون متصيدا
من الروايات الواردة في الموارد المتفرقة أو معتبرة عمار (2) الآمرة بغسل
كل ما أصابه ذلك الماء والمتصيد لا يمكن أن يعمم لمحل الكلام والموثقة
موردها ملاقاة الماء.
وبما ذكرناه ظهر أن الذهب المذاب ونحوه إذا كان مرطوبا برطوبة
مائية ولاقى النجس سطحه ولم تسر النجاسة إلى تمامه شأنه شأن الحامد لأن
سراية النجاسة إلى تمام المائع بالملاقاة على خلاف القاعدة ويحتاج إلى دليل
من نص خاص أو تحكيم الارتكاز على دليل الانفعال وكلاهما لا يفي
باثبات السراية في المقام.
وعلى هذا الأساس فإن الرطوبة التي توجب الانفعال بالملاقاة هي
الرطوبة المسرية التي توجب التلوث سواء كانت مائية في نظر العرف كرطوبة
الماء والماء المضاف أو غير مائية كرطوبة النفط والزيت كما أن الميعان الذي
يوجب انفعال تمام المائع بالملاقاة هو الميعان الذي يحقق تلك الرطوبة المسرية.

(1) كما ورد في رواية عبد الله بن بكير المذكورة في الوسائل باب 31
من أبواب أحكام الخلوة حديث 5.
(2) الوسائل باب 4 من أبواب الماء المطلق حديث 1.
178

(مسألة 9) المتنجس لا يتنجس ثانيا ولو بنجاسة
أخرى لكن إذا اختلف حكمهما يرتب كلاهما فلو كان
لملاقي البول حكم ولملاقي العذرة حكم آخر يجب ترتيبهما معا
ولذا لو لاقى الثوب دم ثم لاقاه البول يجب غسله مرتين
وإن لم يتنجس بالبول بعد تنجسه بالدم وقلنا بكفاية المرة في
الدم وكذا إذا كان في إناء ماء نجس ثم ولغ فيه الكلب
يجب تعفيره وإن لم يتنجس بالولوغ ويحتمل أن يكون للنجاسة
مراتب في الشدة والضعف وعليه فيكون كل منهما مؤثرا
ولا اشكال (1).
179

أي حال (1).
ويمكن التأمل في هذا الوجه على أساس أن الأمر بالغسل مرتين من
البول كما هو معلوم ارشاد إلى أمرين، أحدهما نجاسة الملاقي بسبب البول
والآخر أن المطهر له هو الغسل مرتين وعليه فإن قيل بدلالة الأمر بالغسل
على هذين الأمرين بنحو طولي بحيث يكون مرجع الثاني منهما إلى كيفية
التطهير من النجاسة المقررة في الأمر الأول منهما فمع سقوط دلالة الدليل
على الأمر الأول كما هو المفروض لا يمكن التمسك به لاثبات الأمر الثاني
كما هو واضح، وإن قيل بدلالة الدليل على كلا الأمرين في عرض واحد
فهذا يعني أن مرجع الثاني منهما إلى بيان أن الغسل مرتين يطهر الشئ
بدون نظر إلى كونه مطهرا من النجاسة البولية بالخصوص لئلا تلزم الطولية
بين الأمرين ولا شك في أن ذلك خلاف المتفاهم العرفي من الدليل ولكن
بناء عليه يلزم التعارض بالعموم من وجه بين اطلاق الأمر بالغسل مرتين
من البول واطلاق الأمر بالغسل مرة من الدم فإن ما لاقى الدم ثم البول
مشمول لكلا الاطلاقين ومقتضى شمول اطلاق الأمر بالتعدد له أنه لا يطهر
بالمرة الواحدة ومقتضى شمول اطلاق الأمر الآخر أنه يطهر بالمرة ولكل
من الاطلاقين مادة افتراق عن الآخر وبعد التساقط يرجع إلى المطلقات
الفوقية أو إلى استصحاب النجاسة، فإن قيل إن اطلاق الأمر بالغسل مرة
من الدم إنما يدل على الاكتفاء بالمرة في مقام التطهير من الدم فلا ينافي
الاحتياج إلى التعدد من ناحية البول، قلنا إن هذا يعني الطولية بين الأمرين
ونحن إنما أوقعنا المعارضة بين الاطلاقين على فرض عدم الطولية وأما مع
الطولية المفروضة فلا يمكن التمسك باطلاق دليل الأمر بالغسل مرتين من
البول لاثبات الأمر الثاني مع فرض عدم الأمر الأول كما عرفت.

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 261.
180

الثاني أن يقال بأن اطلاق الأمر بالغسل مرتين من البول وإن
كان لا يشمل بلفظه محل الكلام إلا أنه يستفاد منه الحكم بالأولوية العرفية
لأن ملاقي البول المسبوق بملاقاة الدم ليس أقل قذارة عرفا من ملاقي
البول غير المسبوق بملاقاة الدم.
ويرد عليه إنا افترضنا أن العرف يعترف بالمبنى وهو أن المتنجس
بالدم لا ينفعل ثانية بالبول بخلاف الطاهر الملاقي للبول ابتداءا فمن المعقول
لديه عندئذ عدم لزوم تعدد الغسل إلا في الملاقي مع البول ابتداءا لأنه
المنفعل به دون الملاقي مع الدم وإنما يحكم وجداننا بغرابة هذه النتيجة باعتبار
غرابة المبنى نفسه وهكذا يتضح أنه على مبنى عدم تنجس المتنجس لا يوجد
طريق فني لاثبات وجوب التعدد.
المقام الثاني: في تحقيق كبرى تنجس المتنجس وحاصل ذلك أن مقتضى
اطلاق أدلة الانفعال هو أن المتنجس يتنجس ثانية بالملاقاة فلا بد لابطال هذا
الاطلاق من اثبات وذلك بأحد الوجوه التالية:
الأول: إن تنجس المتنجس ثانيا يلزم منه اجتماع المثلين، ويرد
عليه أن محذور اجتماع المثلين إنما يتم في الصفات الحقيقية والعرفية لا في
الاعتباريات فقد ينطبق المحذور على القذارة الحقيقية العرفية فيمتنع اجتماع
فردين منها ولكن لا استحالة في وقوع مثل ذلك في القذارات الاعتبارية.
ولو قيل: بأن الدليل اعتبار القذارة لسانه لسان التنزيل منزلة
القذارة العرفية فما لا يمكن افتراضه في القذارة العرفية لا يفي دليل
التنزيل باثباته.
قلنا: إن القذارة العرفية بنفسها قابلة للاشتداد فليكن الأمر بالغسل
عند الملاقاة ارشادا إلى حدوث نجاسة بالنحو المناسب مرتبة أو ذاتا والاشتداد
في الاعتبار وإن كان مستحيلا ولكن تعلق الاعتبار الشديد ممكن كما لا يخفى.
181

(مسألة 10) إذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي
فيه غسله مرة وشك في ملاقاته للبول أيضا مما يحتاج إلى التعدد
يكتفي فيه بالمرة ويبني على عدم ملاقاته للبول (1)
182

استصحاب النجاسة في نفسه أولا وعن كونه محكوما لاستصحاب آخر ثانيا.
أما الأول: فإن بني على أن المتنجس لا يتنجس ثانيا فاستصحاب
النجاسة شخصي ولا اشكال في جريانه في نفسه وكذلك أن بني على اشتداد
النجاسة بالملاقاة الثانية وإن بني على تعدد النجاسة واجتماع النجاستين معا
فيكون المقام من استصحاب القسم الثالث من الكلي وإن فرض تضادهما
كان من القسم الثاني من استصحاب الكلي.
وأما الثاني: فقد ذكر السيد الأستاذ في تقريب ذلك أن استصحاب
النجاسة من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلي وكلما كان للكلي المردد
حالة سابقة بحيث يعلم بوجوده في ضمن القصير سابقا وحصل التردد فيه
بقاء كان استصحاب بقاء ذلك الفرد القصير بحده حاكما والمقام من هذا
القبيل لأن النجاسة الدمية القصيرة معلومة سابقا فتستصحب بحدها ويحكم
ذلك على استصحاب كلي النجاسة ويثبت انتهاء أمدها بالغسل مرة (1).
ويرد عليه أن التردد بين الفردين وإن كان قد حصل في المقام بقاءا
لا حدوثا إلا أن هذا بمجرده لا يكفي ملاكا للتفصيل في استصحاب
الكلي من القسم الثاني ولا يجدي في حكومة استصحاب بقاء الفرد القصير
على استصحاب الكلي وذلك باعتبار أن انتقاء الكلي ليس أثرا شرعيا
لثبوت الفرد القصير بحده كي يترتب على استصحابه وإنما هو لازم عقلي لا يثبت بالأصل.
والتحقيق أنه إذا بني على أن المتنجس لا يتنجس ثانية فاستصحاب
النجاسة شخصي لا كلي إذ هناك نجاسة واحدة معينة وهي على تقدير ترتفع
بالغسل مرة وعلى تقدير لا ترتفع إلا بالتعدد وفي مثل ذلك يجري استصحاب
عدم الملاقاة للبول ويكون حاكما على ذلك الاستصحاب الشخصي لأنه
ينقح ذلك التقدير الذي يترتب عليه شرعا التطير بالغسل مرة فإن التطهير

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 261 - 262.
183

بذلك موضوعه مركب من ملاقاة الدم وعدم طرو ملاقاة البول والأول
وجداني والثاني استصحابي وإذا بني على أن المتنجس يتنجس وتجتمع
النجاستان فلا يجري استصحاب النجاسة في نفسه كما عرفت وإذا بني على
ذلك وعلى أنهما لا تجتمعان كان من استصحاب الكلي من القسم الثاني
وفي حالات هذا الاستصحاب يكون استصحاب عدم الفرد الطويل أو عدم سببه
الشرعي حاكما على استصحاب الكلي فيما إذا رتب في دليل عدم الكلي
على عدم الفرد الطويل ذاتا أو سببا ولا تتم الحكومة بغير ذلك ففي المقام
إذا استظهر من دليل الأمر بالغسل للدم أن مفاده حصول الطهارة وارتفاع
كلي النجاسة بالغسل المذكور غاية الأمر يلتزم بأن عدم طرو الملاقاة للبول
مأخوذ في موضوع هذا الارتفاع كان استصحاب عدم ملاقاة البول منقحا
لموضوع حكم الشارع بارتفاع كلي النجاسة بالغسل مرة فيحكم على
استصحاب النجاسة، وأما إذا قيل بأن مفاد الأمر بالغسل مرة للدم هو
الحكم بارتفاع النجاسة الدمية بذلك وهو أمر ثابت على أي حال سواء
لاقى البول أو لا فلا يجدي استصحاب عدم الملاقاة للبول في نفي كلي
النجاسة إذ لم يقع هذا النفي مفادا لدليل ومترتبا على موضوع ليحرز
تعبدا باحراز ذلك الموضوع كما لا يجدي حينئذ أيضا الاستصحاب التعليقي
أي استصحاب أنه كان يطهر لو غسل مرة لأن مفاد هذه القضية ليس
مجعولا شرعيا على هذا التقدير وعليه فلا حاكم على هذا التقدير - على
استصحاب كلي النجاسة لكن قد يستشكل في أصل جريان هذا الاستصحاب
لأن الأثر الشرعي كالمانعية ليس مترتبا على صرف وجود النجاسة بل هو
انحلالي يتعدد بتعدد أفرادها ولهذا يجب تقليل النجاسة مهما أمكن في
حالات الاضطرار فصرف الوجود ليس موضوعا للحكم واستصحاب القسم
الثاني من الكلي إنما يجري فيما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على صرف
184

وكذا إذا علم نجاسة إناء وشك في أنه ولغ فيه الكلب أيضا
أم لا، لا يجب فيه التعفير ويبنى على عدم تحقق الولوغ نعم
لو علم تنجسه إما بالبول أو الدم أو إما بالولوغ أو بغيره
يجب إجراء حكم الأشد من التعدد في البول والتعفير في
الولوغ (1).
الوجود لا على الحصص وإلا لكان استصحاب ما هو موضوع للأثر من
استصحاب الفرد المردد وكان استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل كافيا
لاحراز نفي الحكم بعد ضمه إلى وجدانية عدم الفرد القصير بقاء لأن الحكم
مترتب على الحصص وقد أحرز عدمها بخلاف ما لو كان الحكم مترتبا على
صرف الوجود فإن نفي صرف الوجود باستصحاب عدم الفرد الطويل
لا يكون إلا بالملازمة.
(1) ويمكن تفسير الفرق بين الفرعين بالبناء على حكومة الاستصحاب
الموضوعي على استصحاب النجاسة هناك وعدمها هنا بأن جريان الاستصحاب
الحاكم في هذا الفرع يتوقف على مؤونتين إضافيتين فمن تمت عنده مبادئ
هذا الاستصحاب المتقدمة ولم تتم عنده إحدى هاتين المؤونتين اتجه لديه
الفرق بين الفرعين.
المؤونة الأولى وهي فقهية وحاصلها امكان الحصول على عموم فوقي
يدل باطلاقه على طهارة الملاقي مع كل قذر بالغسل مرة واحدة لأن دليل
الغسل مرة واحدة من الدم لا يمكن التمسك به في المقام لأن موضوعه - وهو
الملاقاة للدم - مشكوك ولا يمكن احرازه بالأصل أما لو حصل مطلق فوقي
كذلك فموضوعه محرز غاية الأمر أنه قد خرج منه بالتخصيص البول مثلا
وهنا يأتي دور المؤونة الثانية وهي البناء على اجراء الاستصحاب في الأعدام
185

(مسألة 11) الأقوى أن المتنجس منجس كالنجس (1).
186

" سألته عن الكلب يشرب من الإناء قال اغسل الإناء.. " (1)
ودلالة الرواية واضحة باعتبار أن الأمر بالغسل في أمثال المقام ارشاد
إلى النجاسة على ما تقدم مرارا غير أنه لا اطلاق فيها للمائع المتنجس بغير
عين النجس لو تم دليل على تنجس المائع بغير عين النجس لأن مفادها
تنجيس المائع المتنجس بعين النجس والتعدي إلى المراتب الطولية لا يقتضيه
الارتكاز العرفي بخلاف التعدي إلى المراتب العرضية لأن الارتكاز لا يأبى
عن تنازل النجاسة وضعفها بتعدد المراتب الطولية كما هي الحالة في القذارات
العرفية اللهم إلا أن يضم إلى ذلك دعوى أن الأمر بغسل الإناء يدل على
أن الإناء ينجس أيضا لو لم يغسل مع أنه متنجس بالمتنجس ويكون التعدي
حينئذ إلى المائع المتنجس بالمتنجس بلحاظ المراتب العرضية لا الطولية
وسيأتي الكلام عن ذلك إن شاء الله تعالى (2).
ومن روايات هذه الجهة موثقة عمار (3) الواردة في ماء الإناء الذي
توضأ منه وصلى ثم وجد فيه فأرة متسلخة فأمر الإمام (ع) بإعادة
الوضوء والصلاة وغسل ثيابه وكل ما أصابه ذلك الماء وفقرة الاستدلال
قوله (واغسل كل ما أصابه ذلك الماء) والكلام فيها كما سبق من حيث
الدلالة على تنجيس الماء ومن حيث الاستشكال في التعدي إلى المراتب الطولية
من المائع المتنجس.
ومنها: رواية العيص بن القاسم قال: " سألته عن رجل أصابته
قطرة من طشت فيه وضوء فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ما

(1) الوسائل باب 1 من أبواب الأسئار حديث 3. (2) ولكن على أي حال الرواية ضعيفة بالحسين بن الحسن بن أبان.
(3) الوسائل باب 4 من أبواب الماء المطلق حديث 1.
187

أصابه " (1) وهي في دلالتها على نجاسة الملاقي كما سبق وفي اطلاقها للمائع
المتنجس بغير عين النجس كلام مبني على أن القذر هل هو بالمعنى المصدري
فيختص بعين النجس أو بالمعنى الوصفي فيشمل المتنجس واللفظ وإن لم
يكن ظاهرا في عين النجس كفى الاجمال في عدم الجزم بالاطلاق هذا مضافا
إلى سقوط الرواية سندا إذ رواها المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى
مرسلة عن العيص.
ومنها: رواية معلى بن خنيس قال: " سألت أبا عبد الله (ع)
عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا
فقال: أليس وراءه شئ جاف قلت بلى قال: فلا بأس أن الأرض يطهر
بعضها بعضا " (2)
وهي تدل على تنجس قدم الرجل بقرينة احتياجها إلى المطهر والضمير
في (أمر عليه) إن رجع إلى الماء دل على تنجيس الماء للقدم وإن رجع
إلى الطريق المرطوب فمع فرض امتصاص الأرض للماء يدل على تنجيس
الماء للأرض وتنجيسها للقدم ومع فرض عدم الامتصاص وإصابة القدم للماء
نفسه يدل على تنجيس الماء نفسه وعلى أي حال فتنجيس الماء المتنجس
بعين النجس هو القدر المتيقن على كل حال غير أنها كسابقتها في عدم
الاطلاق لاثبات أن المائع المتنجس منجس مطلقا ولو كان قد تنجس بالمتنجس
على كلام أشرنا إليه سابقا (3).
ومنها: ما ورد في بل القصب بالماء القذر كمعتبرة عمار قال:،
" سألت أبا عبد الله (ع) عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز

(1) الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف حديث 14.
(2) الوسائل باب 32 من أبواب النجاسات حديث 3.
(3) مضافا إلى ضعفها بالمعلي بن خنيس الذي لم يثبت توثيقه.
188

الصلاة عليها فقال إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها " (1) ونظيرها معتبرة
علي بن جعفر عن أخيه (2).
فإن إناطة الجواز بالجفاف يدل على تنجيس الماء القذر للبارية وإلا
لجازت الصلاة عليها مطلقا من دون فرق بين أن يكون الملحوظ في عدم
الجواز مع عدم الجفاف تعرض المصلي للنجاسة أو اشتراط طهارة المكان
ولو بلحاظ موضع السجود غايته أنه على الثاني لا بد من تقييد الجفاف
بالجفاف بالشمس بناء على مطهريتها كما هو واضح.
وتمتاز هاتان الروايتان بالاطلاق لشمولهما لكل ماء قذر حتى ولو كان قد تقذر
بالمتنجس اللهم إلا أن يقال بانصراف القذارة إلى القذارة العينية وانصرافها
عن النجاسة الحكمية وعليه فالقذر ما كان مبتلى بقذارة عينية لا مطلق ما
حكم بنجاسته ثم على فرض الاطلاق فإن تم دليل من الخارج على انفعال
الماء القليل بملاقاة المتنجس شمله الاطلاق المذكور فيثبت أنه منجس وإن
لم نقل بانفعال الماء القليل بالمتنجس فقد يستشكل في فائدة الاطلاق المذكور
في الروايتين إذ موردهما الماء ولا مصداق للماء القذر سوى الماء الملاقي
لعين النجس وما يمكن أن يتنجس بملاقاة المتنجس وهو المضاف مثلا
ليس موردا للروايتين ويندفع بأن ظاهر الروايتين اعطاء الضابط الكلي في
التنجيس وهو أن يكون الماء قذرا وانحصار هذا العنوان في خصوص الماء
بالملاقي لعين النجس لا ينافي تعدد مصاديقه بلحاظ مطلق المائعات وشمول
الاطلاق لها بعد الغاء خصوصية الماء في مقابل أقسام المائع الأخرى.
الجهة الثانية: في تنجس المائع بالملاقاة للمتنجس وهذه عكس الجهة
السابقة إذ كنا نتكلم عن منجسية المائع المتنجس وهنا نتكلم عن تنجس
المائع بالمتنجس وقد تقدم الكلام عن ذلك تفصيلا في أبحاث المياه من هذا

(1) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 5 - 2.
(2) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 5 - 2.
189

الشرح واتضح إن الماء القليل لا ينفعل بملاقاة المتنجس (1) وإن غيره من
المائعات إن قيل بانفعالها فإنما تنفعل بملاقاة المتنجس الأول (أي المتنجس
بعين النجس) (2) ولا دليل على انفعاله بملاقاة المتنجس الثاني لأن مدرك
الانفعال بالمتنجس الأول رواية عمار الواردة في دن الخمر والدالة على
المنع عن وضع الخل فيه قبل أن يغسل وهذا المنع يدل على أن الدن منجس
وهو متنجس أول فلا تقتضي الرواية أكثر من تنجيس المتنجس الأول
للمائع.
الجهة الثالثة: في أن المتنجس غير المائع هل ينجس الجامد ونخصص
الكلام هنا بالمتنجس الأول (وهو المتنجس بعين النجس) وأما منجسية
المتنجس الثاني (أي المتنجس بالمتنجس) فيأتي الكلام عنها في الجهة
الرابعة.
ولكن قبل الدخول في بحث هاتين الجهتين بلحاظ روايتهما لا بد من
الالتفات إلى نكتة وهي أنه يمكن أن يقال بناء على مباني جماعة من الفقهاء
كالسيد الأستاذ وغيره بعدم الحاجة إلى استئناف بحث في هاتين الجهتين
لكفاية النتائج التي خرجوا بها من الجهتين السابقتين للحكم بالتنجيس في
هاتين الجهتين وذلك بأحد وجهين:
الوجه الأول: أن هؤلاء الأعلام افترضوا في الجهة الأولى إن المائع
المتنجس ينجس على كل حال وفي الجهة الثانية إن الماء القليل فضلا عن
غيره من المائعات ينفعل بملاقاة المتنجس مطلقا فإذا جمعنا بين هذين المبنين
نتج إنا لو جعلنا ماءا قليلا يلاقي ثوبا متنجسا سواء كان متنجسا أولا أو
متنجسا ثانيا للتنجس الماء القليل بحكم ما بنوا عليه في الجهة الثانية من

(1) تقدم في الجزء الأول من البحوث ص 392 - 407.
(2) تقدم في الجزء الأول من البحوث ص 111 - 114.
190

انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس مطلقا ثم إن هذا الماء القليل لو لاقى
جسما طاهرا جامدا كالقلم لنجسه بحكم ما بنوا عليه في الجهة الأولى من
تنجيس الماء المتنجس مع أن هذا الماء لم يكتسب نجاسته إلا من الثوب
المتنجس بحسب الفرض فنضم إلى ذلك دعوى أولوية عرفية واضحة وهي
أن القلم إذا كان يتنجس بملاقاة ذلك الماء فهو أولى بالتنجس بملاقاة ما
تنجس به ذلك الماء ابتداء أي بملاقاة الثوب إذ لا يزيد الفرع على الأصل
وهذا معناه كفاية نفس تلك النتائج التي انتهى إليها هؤلاء الأعلام في الجهتين
السابقتين لاثبات التنجيس في هاتين الجهتين: وهذا البيان لا يرد على
مبانينا في الجهتين السابقتين إلا في خصوص غير الماء من المائعات وبالنسبة
إلى المتنجس الأول فقط حيث يقال بأن متنجسا أولا لو لاقى مائعا مضافا
لنجسه لما اختير في الجهة الثانية وكان المائع منجسا للقلم بالملاقاة لما ذكر في
الجهة الأولى فالقلم أولى بأن يتنجس إذا لاقى ذلك المتنجس الأول مباشرة.
والتحقيق أن هذا البيان غير تام لأننا ننكر الأولوية المدعاة عرفا
بين تنجس القلم بالماء المتنجس وتنجسه بما نجس ذلك الماء لأن الماء
- والمائع عموما - يتعقل فيه عرفا نحو أسرعية للتأثير واسراء النجاسة من
الجامد كما هو أسرع في التأثر بالنجس فلا المائع على هذا الأساس من
الالتزام بتنجس القلم بالملاقاة المائع المتنجس باعتبار شدة تأثر المائع وما
فيه من قوة الاسراء بينما لا يتنجس القلم ما تنجس به
ذلك المائع مباشرة لكونه جامدا فاقدا لتلك الخصوصية من النفوذ والسريان
ونظير ذلك أن الجسم الجامد اليابس لا يتنجس بملاقاة العذرة اليابسة ولكنه
يتنجس بملاقاة الماء الذي أصابته تلك العذرة.
الوجه الثاني: إن المتنجس الذي نبحث عن كونه منجسا لملاقيه
إن لم نفترض في حالة الملاقاة رطوبا في أحد المتلاقيين فلا معنى للبحث
191

عن ذلك إذ لا سراية بدون رطوبة حتى من عين النجس وإذا افترضنا
الرطوبة وأخذنا بعين الاعتبار ما بني عليه السيد الأستاذ وغيره من الأعلام
من أن الرطوبة المسرية الدخيلة في التنجيس لا بد أن يصدق عليها عنوان
الماء أي تكون جوهرا عرفا لا عرضا ومجرد صفة كالرطوبة غير المسرية
وأخذنا بعين الاعتبار أيضا ما بنوا عليه من انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس
مطلقا فينتج أن الرطوبة المفترضة في المقام في أحد المتلاقيين تكون ماء
وبالتالي تتنجس بملاقاة المتنجس وإذا تنجست نجست الجامد الطاهر من
المتلاقيين لما بنوا عليه من كون الماء القذر منجسا للجامد مطلقا وهكذا يثبت
أن الجامد الطاهر متى ما لاقى الجامد المتنجس مع الرطوبة المسرية يحكم
بنجاسته بدون حاجة إلى استئناف بحث في ذلك وإذا لم نبني على انفعال
الماء القليل بملاقاة المتنجس أجرينا هذا الكلام فيما إذا كانت الرطوبة من
غير الماء وأما إذا لم نشترط في الرطوبة المسرية أن تكون على نحو يصدق
عليها عنوان الماء ونحوه فلا يتجه هذا البيان رأسا لأننا نفترض البحث في
الجهة الثالثة والرابعة فيما إذا كانت هناك رطوبة مسرية غير واصلة إلى تلك
المرتبة فلا معنى لتنجسها بما هي رطوبة وإنما القابل لأن يتنجس حينئذ الجسم
الجامد الملاقي فيقع الكلام عن تنجيس المتنجس له.
وعلى أي حال فالكلام الآن يقع في الجهتين الثالثة و الرابعة أي في
تنجيس المتنجس الأول الجامد للجامد وتنجيس المتنجس الثاني الجامد وما
بعده من الرتب للجامد ونلحق بالبحث في الجهة الثالثة المتنجس الأول
بالماء المتنجس حيث تقدم في الجهة الأولى إن الماء المتنجس ينجس ملاقيه
فإذا حصلنا على دليل على تنجيس الجامد المتنجس بملاقاة المائع المتنجس
كان بنفسه دليلا على تنجيس الجامد المتنجس الأول بعين النجس أيضا
إذ لا يحتمل فقهيا وعرفا أن يكون المتنجس بالمائع المتنجس أشد تنجيسا
192

وحالا من المتنجس بعين النجس نعم يحتمل الفرق بينه وبين المتنجس
الثاني وما بعده من الرتب بأن يكون تنجسه بالمائع سببا لمزيد قذارته ويشمل
البحث فرض وجود الرطوبة في المتنجس كما يشمل فرضها في الملاقي له
خلافا للسيد الأستاذ الذي حصر الكلام بالفرض الثاني ونفي الاشكال في
التنجيس في الفرض الأول.
والروايات التي يمكن أن يستدل بها على التنجيس في كل من هاتين
الجهتين عديدة نستعرضها فيما يلي مع الإشارة إلى الحدود التي يمكن أن
تثبت بكل منها:
فمنها: روايات غسل الأواني التي ورد فيها الأمر بغسل الإناء الذي
شرب منه الكلب أو الخنزير أو وقعت فيه الميتة أو غير ذلك (1) وهي
تختلف في درجة اهتمامها وتأكيدها على الغسل مرة واحدة أو مرتين أو
ثلاثا أو سبعا مع التعفير أو بدونه حسب اختلاف مراتب القذارات الملاقية
للإناء وقد اعتبر البعض (2) هذه الطائفة العمدة في اثبات تنجيس المتنجس
الأول وتقريب هذه الدلالة إنا لو نظرنا إلى حاق المدلول اللفظي المستفاد

(1) من قبيل معتبرة علي بن جعفر قال: ".. وسألته عن خنزير
يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات " الوسائل باب
13 من أبواب النجاسات حديث 1. ورواية الفضل أبي العباس عن أبي
عبد الله (ع) في حديث أنه سأله عن الكلب فقال: " رجس نجس
لا يتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء "
الوسائل باب 70 من أبواب النجاسات حديث 1. ومعتبرة عمار عن أبي
عبد الله (ع) قال: ".. اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا
سبع مرات " الوسائل باب 53 من أبواب النجاسات حديث 1.
(2) كالسيد الخوئي - دام ظله - في التنقيح الجزء الثاني ص 269.
193

من هذه الطائفة فغاية ما يثبت بها كون عين النجس منجسة للإناء أو للمائع
وهو بدوره ينجس الإناء لأن هذه هي مرتبة الأواني التي ورد الأمر بغسلها
ارشادا إلى نجاستها وكيفية تطهيرها وليس في ذلك ما يقتضي تنجيس المتنجس
الأول الجامد ولكن هناك دلالة عرفية اقتضائية يستفاد منها تنجس الجامد
بالجامد المتنجس وتلك هي أن الآنية المتنجسة لو لم تكن منجسة لما يلاقيها
لم يكن وجه لاهتمام الشارع بغسلها وأمره بتطهيرها وبيان مراتب هذا التطهير
شدة وضعفا لأنها لا تقع بنفسها موردا للاستعمال المشروط بالطهارة وإنما
الذي يقع كذلك ما يلاقيها وما يوضع فيها من طعام فلو لم تكن منجسة
لكانت تلك الألسنة المختلفة الواردة في تطهيرها لغوا عرفا فصونا لكلام
الشارع عن اللغوية العرفية وبدلالة الاقتضاء ينعقد ظهور في أنها منجسة
وبذلك يثبت أن المتنجس الأول الجامد منجس وهذه هي ميزة روايات
غسل الأواني على روايات غسل الثياب والبدن حيث إن الغسل هناك واضح
الحكمة باعتبار وقوع نفس البدن والثوب مورد الاستعمال مشروط بالطهارة
حتى لو لم يكن منجسا.
وقد نوقش في هذا الاستدلال بمناقشات لا ترجع إلى محصل نقتصر
على ذكر اثنتين منها:
الأولى: دعوى احتمال كون النكتة في الأمر بغسل الأواني هو
الرجحان النفسي للأكل والشرب من الأواني الطاهرة وهذه المناقشة واضحة
الفساد إذ كيف يمكن أن تكون مثل هذه الأوامر - المشددة والمؤكدة
والمركوز عرفا كونها بملاك التخلص عن المحاذير اللزومية - مجرد استطراف
إلى أدب شرعي في نفسه ليس واضحا ولا مركوزا في الأذهان بعنوانه فهذا
احتمال عقل ثبوتي لا عرفي اثباتي.
الثانية: دعوى أن الأمر بالغسل لعله من أجل تحصيل الاطمئنان
194

بزوال ما تبقى من أجزاء عين النجاسة في الآنية وهذا الاحتمال أيضا
غير عرفي.
أما أولا: فلأن بعض القذارات المفروضة في مورد هذه الأوامر ليس
مما تبقى منه أجزاء في الإناء عادة من قبيل الميتة الملاقية للإناء مثلا.
وثانيا: لأن بعض هذه الروايات قد أمرت بالغسل مرارا مع أنه لو
كان النظر إلى مجرد إزالة عين النجس وأجزائه لا زوال النجاسة الحكمية
كفى في ذلك الغسل مرة واحدة حيث لا تبقى الأجزاء العينية العرفية عادة
بعد الغسلة الأولى.
وثالثا: إن هذا على خلاف موضوعية عنوان الغسل الذي هو الميزان
دائما لاستفادة النجاسة الحكمية فإن حمل هذا العنوان على أنه مجرد طريق
إلى إزالة الأجزاء العينية خلاف المتفاهم العرفي والفقهي.
هذا ولكن التحقيق مع ذلك عدم تمامية الاستدلال بهذه الطائفة من
الأخبار على منجسية المتنجس الأول الجامد وذلك لوجهين يتم أحدهما
مطلقا وعلى جميع المباني ويتم الآخر على مباني بعض الفقهاء كالسيد الأستاذ
على الرغم من استدلاله بتلك الطائفة.
أما الوجه الأول: فحاصله، إن اثبات تنجيس الآنية بهذه الطائفة لم
يكن بدلالة لفظية كاطلاق أو عموم حتى يتمسك به وإنما كان بلحاظ قرينة
الاقتضاء وصون كلام الشارع عن اللغوية العرفية. ومن الواضح أن قرينة
اللغوية ودلالة الاقتضاء لا تثبت المنجسية المطلقة بل مطلق المنجسية أي القضية
المهملة التي هي في قوة الجزئية إذ يكفي ثبوت القضية الجزئية لاشباع هذه
الدلالة وعندئذ نقول: إن ثبوت منجسية الآنية في المقام بنحو القضية الجزئية
مفروغ عنه حيث فرغنا في الجهة السابقة عن أن المائع مطلقا أو خصوص
غير الماء المطلق منه يتنجس بالمتنجس وإنما البحث الآن في منجسية المتنجس
195

الجامد للجامد فيكفي فائدة لأوامر غسل الآنية التخلص عن محذور السراية
في المائعات التي توضع في الإناء ويلاقيها والذي هو أمر شائع في استعمالات
الأواني في الامراق ونحوها.
الوجه الثاني: لو قطعنا النظر عما تقدم وافترضنا أن الآنية في معرض
الملاقاة مع الجوامد لا المائعات فيمكن القول أيضا بأن هذه الروايات لا تدل
على أن الآنية تنجس الجامد مطلقا بل تدل على أن التنجيس بمقدار مصحح
للفائدة من الأمر بالغسل عرفا ويكفي لذلك افتراض التنجيس في حالة كون
الرطوبة في نفس الآنية بناءا على ما نقلناه عن السيد الأستاذ من أن التنجيس
في هذا الفرض مفروغ عنه فإذا كان مفروغا عنه حقا فليكن هذا المقدار
كافيا لاخراج الأمر بغسل الآنية عن اللغوية فلا موجب لاثبات التنجيس
في فرض كون الرطوبة في الملاقي الذي أدعي أنه هو محل الكلام نعم
إذا بني على عدم احتمال الفرق بين الصورتين عرفا لم يتم هذا البيان.
ومن جملة الروايات التي قد يستدل بها لاثبات تنجيس المتنجس الجامد
ما ورد من الأخبار في بيان كيفية غسل الفراش من قبيل معتبرة إبراهيم
بن أبي محمود قال: " قلت للرضا (ع) الطنفسة والفراش يصيبهما
البول كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو قال يغسل ما ظهر منه في
وجهه " (1) وتقريب الاستدلال كما تقدم في الطائفة السابقة حيث إن
الفراش المتنجس لو لم يكن موجبا للتنجيس لم يكن هناك موجب للاهتمام
بتطهيره.
ويمكن أن يناقش بأن الحيثية الموجبة للاهتمام لم تذكر في هذه الروايات
وإنما فرغ عن وجود داع للتطهير وبينت كيفيته فلعله لأجل التحفظ على
طهارة مكان المصلي وهي أن لم تكن شرطا في مكان المصلي بعنوانها كما

(1) الوسائل باب 5 من أبواب النجاسات حديث 1.
196

ذهب إلى ذلك فقهاء العامة في الجملة فلا شك في كونها أدبا من الآداب
المركوزة في أذهان المتشرعة إذ يهتمون بالصلاة في مكان نظيف بقطع النظر
عن محذور السراية.
ومن جملة ما يستدل به في المقام أيضا رواية معلى بن خنيس المتقدمة
في الجهة الأولى إذا حمل الضمير في قوله (أمر عليه حافيا) أي على
الطريق لا على الماء إذ على الثاني تدل على تنجيس المائع المتنجس كما تقدم
وأما على الأول فتدل على تنجيس الجامد إما لاستظهار كون المنجس نفس
العنوان المأخوذ في السؤال وهو الطريق أو لاطلاقه لفرض امتصاص الطريق
للماء وعدم بقاء عينه مع وجود النداوة وقد يعين الأول بقرينة قوله (ع)
(إن الأرض يطهر بعضها بعضا) فإن هذا التعليل وإن كان لا يخلو من اجمال
ولكن بعد حمله على أن الأرض يطهر بعضها ما يتنجس بالبعض الآخر
يناسب الاحتمال الأول حينئذ ولكن إذا احتمل الفرق في تنجيس المتنجس
بين فرض الرطوبة فيه أو في ملاقيه وأولوية الفرض الأول بالتنجيس كما
عليه السيد الأستاذ بل المفروغية عنه فلا يمكن الاستدلال بالرواية على
التنجيس في فرض جفاف المتنجس ورطوبة الملاقي، وعلى أي حال
فالرواية ساقطة سندا ولا يمكن التعويل عليها.
ومن جملة الروايات معتبرة الأحول عن أبي عبد الله (ع) " في
الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا قال
لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك " (1) ومثلها روايات
أخرى في نفس الباب.

(1) الوسائل باب 32 من أبواب النجاسات حديث 1.
197

وتقريب الاستدلال بها أنها دلت على تنجس الرجل بالأرض المتنجسة
التي عبر عنها بالموضع الذي ليس بنظيف وهو عنوان يشمل المتنجس
الخالي من عين النجس بل طبيعي المتنجس ولو بالمتنجس لصدق عنوان
(ليس بنظيف) على ذلك جميعا.
ويرد عليه: بعد تسليم أن النظافة هنا في مقابل القذارة الحكمية لا
العينية. إن الرواية سؤالا وجوابا ليست ناظرة إلى أصل سراية النجاسة من
المتنجس الجامد إلى ملاقيه اثباتا ونفيا ليتمسك باطلاقها لفرض المتنجس
الخالي من عين النجس بل قد فرض فيها الفراغ من سراية النجاسة من
الأرض المتنجسة إلى الرجل وتمام النظر متجه إلى مسألة مطهرية الأرض
النظيفة وحدودها ولهذا تصدى الإمام (ع) إلى بيان الحد الذي يحصل
به التطهير.
ومن جملة الروايات روايات بل القصب التي تقدم الاستدلال بها في
الجهة الأولى كمعتبرة علي بن جعفر " سألته عن البواري يبل قصبها
بماء قذر أيصلي عليه قال: إذا يبست فلا بأس ".
ولا اشكال في دلالتها - كما تقدم - على منجسية المائع القذر وأما
دلالتها على منجسية الجامد المتنجس فقد تدعى بتقريب: أن الجواب يدل
بمفهومه على البأس في الصلاة على البارية المذكورة مع عدم الجفاف ولا
وجه لذلك إلا السراية والتنجيس لأن الصلاة على البارية أعم من السجود
عليها فحمل البأس على محذور نجاسة موضع الجبهة خلاف اطلاق العنوان
فتدل الرواية على منجسية البارية.
والتحقيق: أن عنوان (أيصلي عليه) تارة: يقال بأنه ظاهر في ايقاع
الصلاة بتمامها عليه بما فيها السجود وأخرى: يقال بأنه ظاهر في اتخاذه
198

مكانا للمصلي ومطلق من حيث إنه يسجد عليه أو لا. فعلى الأول يتعين
تقييد اليبوسة في جواب الإمام (ع) بالجفاف الناشئ من الشمس لئلا
يلزم الترخيص في السجود على النجس الجاف ومعه يسقط الاستدلال
بالمفهوم لأن البأس في المفهوم يكون بلحاظ وقوع السجود على النجس.
وعلى الثاني قد يقال بأن الأمر دائر بين تقييد العنوان المذكور في
السؤال بفرض عدم السجود على البارية أو تقييد اليبوسة في الجواب
باليبوسة بالشمس إذ مع عدم التقييدين يلزم جواز السجود على النجس
والاستدلال إنما يتم لو قدم التقييد الأول على الثاني مع أنه بلا موجب
فيسقط الاستدلال بالرواية.
فإن قيل: إن الرواية لو خليت ونفسها تدل منطوقا على نفي البأس
في الصلاة على البارية اليابسة سواءا مع السجود عليها أو بدونه وسواءا
كانت اليبوسة بالشمس أو بغيرها فهذه صور أربع منفي عنها البأس
بالمنطوق وتدل مفهوما على البأس في الصلاة على البارية غير اليابسة سواءا
السجود عليها أو بدونه وما هو لازم بلحاظ دليل بطلان السجود على
النجس تقييد اطلاق المنطوق باخراج صورة واحدة من الصور الأربع
وهي صورة السجود على البارية مع كون اليبوسة بغير الشمس وما هو
محط الاستدلال اطلاق المفهوم لصورة الصلاة على البارية غير اليابسة من
دون سجود عليها فلا موجب لسقوط دلالة الرواية.
قلنا: إن عنوان الصلاة على البارية ظاهر في الصلاة المشتملة على
السجود عليها أيضا لا في مجرد اتخاذها موقفا ولو سلم الاطلاق فليس ما
ذكر من لزوم الاقتصار في التصرف على اخراج صورة واحدة من الصور
الأربع للمنطوق صحيحا لأن هذا معناه إن الصور الثلاث الباقية تحت
اطلاق الرواية لا يكون الحكم منفي البأس فيها ثابتا بلحاظ عنوان كلي
199

واحد بل نفي البأس في صورة الصلاة بلا سجود بلحاظ مطلق الجفاف
ونفيه في صورة الصلاة مع السجود بلحاظ الجفاف بالشمس وليس هذا
من التقييد العرفي بشئ وهذا بخلاف ما إذا قيدت اليبوسة باليبوسة
بالشمس بلحاظ تمام مورد السؤال ومعه يسقط الاستدلال.
ومن جملة روايات التنجيس معتبرة عمار وقد جاء فيها " إذا كان
الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع
فالصلاة على الموضع جائزة وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر
وكان رطبا فلا يجوز الصلاة حتى ييبس وإن كانت رجلك رطبة وجبهتك
رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك
الموضع حتى ييبس وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز
ذلك " (1) ولعل هذه الرواية من أقوى روايات الباب مع أنني لم أر
من استدل بها في المقام وفقرة الاستدلال فيها الجزء الأخير منها حيث حكم
الإمام (ع) بعدم الصلاة على الموضع القذر مع رطوبة الرجل أو غير
ذلك حتى لو كان الموضع قد يبس ولكن بغير الشمس ويتعين محذور
ذلك في السراية وحيث إن المفروض جفاف البول السماوق لزوال عين
النجاسة فالسراية حينئذ تعني تنجيس المتنجس الخالي من عين النجس إذا
كان ملاقيه مرطوبا وهو المقصود في المقام وهذا الاستدلال تام بل يمكن
أن يقال بدلالة الرواية على تنجيس المتنجس مطلقا ولو كان متنجسا
بالواسطة تمسكا باطلاق قوله (أو غير ذلك) وبعبارة أخرى: أن المراد
بغير ذلك ما كان منجسا بالملاقاة وحيث إن الرواية تثبت بالبيان السابق
أن المتنجس الأول ينجس فيكون لقوله (أو غير ذلك) اطلاق للمتنجس
الأول فيثبت بالاطلاق إن الموضع القذر بملاقاة المتنجس الأول منجس أيضا

(1) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 4
200

وهو معنى أن المتنجس الثاني منجس أيضا وهكذا. ولكن يندفع ذلك: بأن
(غير ذلك) لا اطلاق فيه للمتنجس الجامد الخالي من عين النجاسة لأن
الجامع المأخوذ هو القذر حيث قبل (قذرا من البول أو غير ذلك) وكون
الموضع قذرا لا يشمل صورة ملاقاة الموضع لليد المتنجسة الخالية من عين
النجاسة حتى لو قيل بالسراية لأن السراية الحكمية لا تحقق عنوان القذارة
عرفا وحمل القذارة في قوله (قذرا) على القذارة الحكمية عناية محتاجة إلى
القرينة خصوصا أن مناسبات العاطف والمعطوف حين يذكر البول ويقال
(أو غير ذلك) تناسب أن يراد ما هو من قبيل البول من القذارات
العينية ولا أقل من احتمال ذلك بنحو يوجب الاجمال وعدم تعين إرادة
مطلق النجس من كلمة الغير بعد وضوح عدم إرادة الغير على اطلاقه.
ومن جملة الروايات ما ورد فيها عن مصافحة الكتابي والأمر بغسل
اليد منها (1) وتقريب الاستدلال بها أنها إذا حملت على النجاسة الذاتية
للكافر كما عليه المشهور فهي أجنبية عن محل الكلام ولكن لو فرض تقديم
ما دل على الطهارة الذاتية تعين حمل هذه الروايات أما على أصالة النجاسة
العرضية في الكافر، أو على التنزه الاستحبابي لاحتمال النجاسة وعلى كلا
التقديرين يتم الاستدلال في المقام.
أما على الأول فلأن المتنجس الأول لو لم يكن منجسا لم يكن فرض
النجاسة العرضية للكافر يستتبع نجاسة الملاقي.
وأما على الثاني فلأن التنزه المذكور معناه عرفا رعاية احتمال السراية
من باب الاحتياط للشك في تنجس الكافر دائما فلو لم يكن المتنجس

(1) من قبيل معتبرة أبي بصير عن أحدهما (ع) " في مصافحة
المسلم اليهودي والنصراني، قال: من وراء الثوب فإن صافحك بيده فاغسل
يدك " الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات حديث 5
201

منجسا لم يكن معنى لهذا التنزه.
ويمكن الجواب على ذلك، بأن هذا فرع أن نستظهر كون المحذور
الملحوظ لزوميا أو تنزيهيا هو النجاسة بالمعنى المقصود في المقام، وأما إذا
احتملنا عرفا أن الأمر بالاجتناب وغسل اليد تنزيه بلحاظ حزازة معنوية
فلا ينعقد للأمر بالغسل ظهور في الارشاد إلى النجاسة كي يدل على المقصود
في المقام.
وهناك طائفة من روايات مساورة الكتابي لا يتطرق إليها هذا الايراد
وهي التي أمر فيها الكتابي نفسه بأن يغسل يده كمعتبرة إبراهيم بن أبي
محمود قال: " قلت للرضا (ع) الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم
أنها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة قال: لا بأس تغسل يديها " (1)
ومعتبرة العيص قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن مؤاكلة اليهودي
والنصراني والمجوسي فقال: إذا كان من طعامك وتوضأ فلا بأس " (2).
فإن الظاهر منها خصوصا الأولى التسليم بالسراية والانفعال مع أن
الكتابي ليست عين النجاسة وإلا لم يجب غسلها ولا يحتمل أن يكون الأمر
بغسلها بلحاظ الحزازة المعنوية لأنها لا ترتفع عن جسم الكافر بالغسل
فمثل هذه الروايات تدل على منجسية المتنجس، هذا ولكن يمكن أن يقال
أن غاية ما يستفاد منها المفروغية عن ثبوت محذور السراية في فرض عدم
غسل الكتابي ليده لكن ما هو هذا المحذور وهل هو منجسيته لكل ما
يلاقيه أو لخصوص المائعات والأطعمة المائعة والتي هي في معرض مساورة
الجارية أو المؤاكل المشارك للانسان في طعامه وشرابه فلا يمكن اثبات
الأول من هذين الوجهين بالتمسك بالاطلاق لعدم تصدي الروايات المذكورة

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات حديث 11.
(2) الوسائل باب 54 من أبواب النجاسات حديث 1.
202

لاثبات التنجيس ليتمسك باطلاقها لاثبات التنجيس المطلق وإنما يفهم منها
أن الجارية أو المؤاكل في معرض التنجيس وإن ذلك هو نكتة أمرهما بغسل
اليد ويكفي في صدق هذه المعرضية كون المتنجس منجسا للمائع والأطعمة
المائعة حيث إن خدمة الجارية تستدعي عادة الاتيان بماء الوضوء ونحو ذلك
ومؤاكلة الكتابي تستدعي التناول من كل ما على المائدة المشتملة غالبا على
بعض المائعات.
ومن جملة الروايات رواية حكم بن حكيم عن أبي عبد الله (ع)
في حديث كيفية غسل الجنابة قال فإن كنت في مكان نظيف فلا يضرك
أن لا تغسل رجليك وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك. " (1)
فإن الأمر بالغسل يدل على السراية وقد يتمسك باطلاق الرواية
لاثبات السراية من مطلق المتنجس لأن كل متنجس ليس بنظيف ولو كان
بالواسطة. ولكن الانصاف إن هذا الاطلاق غير واضح لأن نظيف يقابل
القذر والقذر ظاهر فيما كان محلا للقذارة العينية نفسها (2).
ومثلها معتبرة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: " قلت
له: اغتسل من الجنابة وغير ذلك في الكنيف الذي يبال فيه وعلي نعل
سندية فاغتسل وعلي النعل كما هي؟ فقال إن كان الماء الذي يسيل من جسدك
يصيب أسفل قدميك فلا تغسل قدميك " (3).
فإن ما يدل عليه بالمفهوم من الأمر بغسل القدمين كاشف عن السراية
ومقتضى الاطلاق ثبوت السراية حتى مع عدم فعلية نفس البول وملاقاته
فيدل على السراية من المتنجس الأول. اللهم إلا أن يقال: إن مثل هاتين
الروايتين في مقام البيان من ناحية إن إصابة الماء من خلال غسل الجنابة

(1) الوسائل باب 27 من أبواب غسل الجنابة حديث 1 - 2
(2) مضافا إلى ضعفها بالحسين بن الحسن بن أبان.
(3) الوسائل باب 27 من أبواب غسل الجنابة حديث 1 - 2
203

هل يكفي في التطهير أو يحتاج الخبث إلى غسل مستقل بعد الفراغ عن
السراية فلا يمكن التمسك بالاطلاق.
ومن جملة الروايات معتبرة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام أنه
سأله " عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما
من الجنابة أيصلي فيهما إذا جفا؟ قال نعم " (1).
وتقريب الاستدلال: إن ظاهر الرواية افتراض السائل وجود المحذور
في حالة عدم الجفاف وامضاء الإمام (ع) لذلك وهذا المحذور هو السراية
لا السجود على النجس - وإلا لم يرتفع بفرض الجفاف بغير الشمس
ولناسب السؤال عن الصلاة عليه لا فيه - فيدل على أن الأرض المتنجسة
تنجس بدن المصلي في حالة عدم الجفاف. ولكن يمكن أن يقال: إن كلام
الإمام عليه السلام لو كان قد أناط الجواز بالجفاف على نحو يكون له مفهوم
دال عدم الجواز مع الرطوبة وفرض شمول الرطوبة للنداوة العرضية وعدم
اختصاصها بالرطوبة العينية لتم الاستدلال باطلاق المفهوم على أن المتنجس
الخالي من عين النجس منجس ولكن الملحوظ إن كلام الإمام (ع) ليس
له مفهوم وإنما حكم بالجواز في فرض سؤال السائل وهو فرض الجفاف
ولم يكن بلسان الجملة الشرطية ليكون له مفهوم غاية الأمر أن يستظهر منه
امضاء الإمام لما يظهر من الراوي من وجود محذور في فرض عدم الجفاف
وهذا المحذور المستظهر قابل للحمل على سراية النجاسة إلى المصلي من نفس
الرطوبات البولية والمائية إذا كانت بنحو لها عينية عرفا.
ومن جملة الروايات مرسلة محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن (ع)
" في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلا أن يعلم
أنه قد نجسه شئ بعد المطر فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله وإن كان

(1) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 1.
204

الطريق نظيفا لم تغسله " (1).
وفقه الرواية أن الطين يطهر بنزول المطر طهارة واقعية وكلما أصاب
الثوب بعد نزول المطر إلى ثلاثة أيام يبنى على طهارته إلا أن يعلم بقذارته
وأما بعد ذلك فباعتبار معرضيته الشديدة للتنجس يعتبر الأصل هو النجاسة
إلا أن يعلم نظافته.
وكيفية الاستدلال بها في المقام واضح فإنه أمر بغسل ملاقي الطين
بعد ثلاثة أيام وفرضه هو فرض عدم عين النجس عليه وإلا لم يكن هناك
فرق بين الأيام الثلاثة وما بعدها وليس ذلك إلا لأن المتنجس ينجس
ملاقية والرواية مطلقة تشمل المتنجس الثاني وما بعده حيث إنها تدل على
تنجيس الطين وهو متنجس أول على أقل تقدير فيكون فرض تنجس الطين
بالمتنجس الأول مشمولا لاطلاق قوله إلا أن يعلم أنه قد نجسه شئ وهذا
يعني أن الطين المتنجس بالمتنجس يكون منجسا.
ولكن الرواية لا يمكن التعويل عليها حتى لو تمت دلالتها لسقوط
سندها بالارسال.
ومنها أيضا معتبرة عمار بن موسى قال: " سئل أبو عبد الله (ع)
عن الحائض تعرق في ثوب تلبسه؟ فقال ليس عليها شئ إلا أن يصيب
شئ من مائها أو غير ذلك من القذر فتغسل ذلك الموضع الذي أصابه
بعينه " (2).
والاستدلال بقول (من مائها - أي دم الحيض - أو غير ذلك من
القذر) بناءا على اطلاق عنوان القذر للنجاسات الحكمية وعدم اختصاصه
بالقذارة العينية فيدل عندئذ على منجسية كل متنجس يصيب البدن أو الثوب

(1) الوسائل باب 75 من أبواب النجاسات حديث 1.
(2) الوسائل باب 28 من أبواب النجاسات حديث 5.
205

ولكن الاطلاق المذكور محل الاشكال لظهور القذر في القذارة العينية
خصوصا مع ملاحظة مناسبات العاطف والمعطوف لوضوح أن المقصود من
الغير ليس مطلق الغير بل الغير المشترك مع دم الحيض في جامع ملحوظ
يعين بالمناسبات المذكورة.
ومن قبيل هذه الرواية مرسلة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع)
" في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه القذر؟ فقال إذا كان ما لا
تتم فيه الصلاة فلا بأس " (1) بناءا على اطلاق القذر للنجاسات الحكمية
فيدل على تنجس الخف بالمتنجس غير أن الاطلاق المذكور ليس واضحا
مضافا إلى عدم امكان التمسك بالاطلاق في هذه الرواية حتى لو تم في
نفسه لعدم كونها في مقام بيان سراية النجاسة من القذر إلى الخف ليتمسك
باطلاقها وإنما فرغ فيها عن السراية وكان النظر سؤالا وجوابا متجها إلى
مانعية وقوع الصلاة مع الخف المفروغ عن نجاسته هذا على أن الرواية
ساقطة سندا بالارسال.
ومن جملة الروايات أيضا معتبرة زرارة التي يستدل بها على الاستصحاب
في الأصول قال: " قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ
من مني.. الخ " (2) وذلك تمسكا باطلاق كلمة الغير في قوله (دم
رعاف أو غيره) الشامل لمطلق النجاسات.
ويرد عليه: أولا - إن كلمة الغير معطوف على الرعاف لا على الدم
والمقصود دم رعاف أو دم غير الرعاف وليس المقصود الدم أو غير الدم
ولهذا عطف المني على ذلك ولا أقل من احتمال كون الغير معطوفا على
هذا النحو فلا يبقى اطلاق.

(1) الوسائل باب 31 من أبواب النجاسات حديث 2.
(2) الوسائل باب 37 من أبواب النجاسات حديث 1.
206

وثانيا: إن مناسبات العاطف والمعطوف تمنع عن فعلية الاطلاق
المذكور كما تقدم.
وثالثا: إن الرواية ليست مسوقة لبيان السراية وحدودها وإنما فرغ
عن ذلك وكان النظر إلى حدود المانعية.
ومنها: معتبرة محمد بن مسلم قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن
آنية أهل الذمة والمجوس فقال: لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم
الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر " (1) وفي هذه
الرواية ثلاثة من النواهي فقد يستدل بالنهي الأول بدعوى حمله على محذور
حرمة أكل النجس واطلاقه لفرض كون المأكول جامدا فإن ذلك يدل
حينئذ على أن الآنية منجسة للجامد ولا موجب لذلك إلا تنجيس المتنجس
وقد يستدل بالنهي الأخير بنفس التقريب.
ومثل هذه الرواية أو أحسن منها معتبرة أخرى لمحمد بن مسلم عن
أحدهما (ع) قال: " سألته عن آنية أهل الكتاب فقال لا تأكل في
آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير " (2) فإنها واضحة
في النظر إلى محذور النجاسة وإن النهي قد صدر بهذا الملاك لا بلحاظ
حزازات معنوية فاطلاق هذا النهي لفرض كون الطعام جامدا يكشف عن
كون الآنية المتنجسة تنجس الجامد ولا فرق في ذلك بين أن يحمل النهي
على كونه واقعيا أو يحمل - كما هو الظاهر - على النهي الظاهري أو التنزيهي
بلحاظ معرضية أوانيهم للخمر والدم والميتة إذ لولا تنجيس المتنجس لم
يكن لهذه المعرضية أثر غير أن المتيقن من الدلالة المذكورة هو تنجيس
المتنجس الأول ولا اطلاق فيها للمتنجس الثاني وما بعده لأن قوله مثلا

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات حديث 1.
(2) الوسائل باب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 6.
207

(إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير) سواءا أريد به فعلية
وقوع ذلك أو كونه في معرض الوقوع ناظر إلى تنجس الإناء بالنجاسات
العينية ولا يشمل حالة ملاقاة الإناء للمتنجس الجامد الخالي من عين النجاسة
ومن جملة الروايات معتبرة علي بن جعفر إذ " سأل أخاه (ع)
عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام قال: إذا علم أنه نصراني اغتسل
بغير ماء الحمام ألا يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل " (1)
وتوضيح الحال في تقريب الاستدلال اثباتا ونفيا إنا إذا بنينا على انفعال
الماء القليل بملاقاة المتنجس فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية في
المقام حيث لم يفرض فيها ملاقاة النصراني للحوض نفسه وإنما القدر المتيقن
هو ملاقاته للماء الذي يستعمل من الحوض فلعل الأمر بغسل الحوض باعتبار
تنجس الماء بملاقاة النصراني النجس بحسب الفرض وتنجيس الماء للحوض
أيضا ثم تنجس الماء الذي يريد المسلم الاغتسال منه بالحوض المتنجس
حيث افترضنا انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس فلا يستكشف من أمر
الإمام (ع) بغسل الحوض أنه لدفع محذور منجسية نفس الحوض لبدن
المسلم لكي يثبت تنجيس الجامد المتنجس للجامد.
وإذا بنينا على نجاسة أهل الكتاب ذاتا وأنكرنا انفعال الماء القليل
بملاقاة المتنجس أمكن الاستدلال بالرواية على منجسية الجامد المتنجس للجامد
إذ لا يبقى وجه لأمر الإمام (ع) بغسل الحوض - الذي هو متنجس -
إلا أنه قد يلاقي بدن المسلم وينجسه فيثبت أن المتنجس بعين النجس أو
بالمائع المتنجس منجس ولا يشمل ذلك المتنجس الثاني.
وإذا بنينا على عدم نجاسة الكتابي ذاتا وقلنا بعدم انفعال الماء القليل
بملاقاة المتنجس كما هو الصحيح فيتعين حمل الأمر بغسل الحوض في المقام

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات حديث 9.
208

على ضرب من التنزه والاستحباب لأن الكافر حتى لو فرضت نجاسته
العرضية لا موجب لتنجس الحوض به إذ لم يفرض في الرواية ملاقاته
لحيطان الحوض مباشرة وماء الحوض لا ينفعل بملاقاة الكافر بحسب الفرض
فلا موجب أيضا لتنجيسه لنفس الحوض.
ومن جملة الروايات رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع)
قال: " سألته عن أكسية المرغزي والخفاف تنقع في البول أيصلي عليها
قال: إذا غسلت بالماء فلا بأس " (1).
فإنها تدل على البأس في فرض عدم الغسل ومقتضى اطلاقها ثبوت
البأس في فرض الجفاف أيضا وليس هذا البأس بلحاظ السجود إذ لا
يجوز السجود على الكساء على كل حال ولا بلحاظ اعتبار طهارة موقف
المصلى لما دل على عدم اعتبار ذلك فيثبت أن البأس بلحاظ السراية ولو سلم هذا
فهو غير مفيد لأن الرواية ضعيفة سندا بعبد الله بن الحسن.
هذه تمام الروايات التي يمكن الاستناد إليها في اثبات تنجيس المتنجس
لم نترك منها إلا ما ذكرنا أختها التي تشترك معها في نكتة الاستدلال
والدلالة.
واتضح من مجموع ذلك أن بالامكان الحصول على دليل في بعض
تلك الروايات على تنجيس المتنجس الأول الجامد للجامد ولا أقل من موثقة
عمار الواردة في الصلاة على الموضع القذر ومعتبرتي محمد بن مسلم الواردتين
في النهي عن الأكل في آنية أهل الكتاب التي يأكلون فيها الميتة والدم
والخمر.
ويبقى البحث عن التنجيس في حالات أخرى على ضوء ما تقدم
من الروايات.

(1) الوسائل باب 71 من أبواب النجاسات حديث 2.
209

الحالة الأولى: إن المائع المتنجس بالمتنجس هل ينجس بعد الفراغ
عن منجسية المائع المتنجس بعين النجس على ما تقدم في صدر المسألة.
وحاصل الكلام في ذلك أن الدليل اللفظي على منجسيته ينحصر في
أحد طريقين:
الأول:، الاستدلال بروايات بل القصب بالماء القذر بناء على
دعوى أن عنوان الماء القذر يصدق على مطلق المائع المتنجس وقد عرفت
الاشكال فيها وإن القذارة عرفا ظاهرة في القذارة العينية وتعميمها للنجاسة
الحكمية يحتاج إلى عناية.
الثاني: التمسك برواية علي بن جعفر المتقدمة الواردة في
الاغتسال مع النصراني في الحمام بناء على أحد تقديراتها السابقة وهو ما إذا
بنينا على نجاسة النصراني عرضا لا ذاتا وعلى انفعال الماء القليل بملاقاة
المتنجس حيث يكون الماء في الحوض متنجسا بالمتنجس - وهو بدن الكتابي -
والمفروض أنه نجس الحوض وهذا الطريق غير كامل لما تقدم.
فينحصر اثبات المنجسية بعد عدم تمامية هذين الطريقين في الرجوع
إلى الاجماعات المنقولة والشهرات المستفيضة الواردة في أن المائع المتنجس
منجس الأمر الذي يوجب الحكم بمنجسية المائع المتنجس بالمتنجس ولو على
مستوى الاحتياط الوجوبي.
الحالة الثانية: إن المتنجس الأول بالمائع المتنجس بعين النجس هل
يكون منجسا كالمتنجس الأول بعين النجس أم لا قد يستدل على التنجيس
بروايات بل قصب البارية بماء قذر بناء على أن المحذور الملحوظ هو السراية
210

وبرواية معلى بن خنيس (1) في الخنزير الذي يخرج من الماء فيسيل منه الماء على
الطريق فيمر عليه حافيا فإن الأرض المفروضة فيها متنجس أول بالماء المتنجس بعين
النجس فلو ثبت بالرواية كون الأرض منجسة كانت من أدلة المقام لكنها
ساقطة سندا (2). وقد يستدل بمعتبرة عمار السابقة الواردة في الموضع
القذر بالبول وغيره بدعوى شمول الغير لغسالة الجنب لأن العادة كانت
جارية على اتخاذ مثل ذلك المكان مغتسلا أيضا وقد عطفت الغسالة على
البول في بعض الروايات (3) وغسالة الجنب ماء متنجس والأرض متنجسة
بها وقد حكم بأنها منجسة. وكذلك معتبرة علي بن جعفر المتقدمة في
الاغتسال مع النصراني في الحمام على بعض التقادير كما إذا بني على نجاسة
الكتابي ذاتا وعلى عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس حيث ينحصر
وجه الأمر بغسل الحوض في تنجسه بملاقاة الماء الملاقي للكافر النجس.
الحالة الثالثة: أنه إذا قيل بالتنجيس في الحالة الأولى وإن المائع
المتنجس بالمتنجس ينجس فهل أن المتنجس المباشر بهذا المائع منجس أيضا
أم لا والصحيح أن اثبات منجسيته موقوف على أحد أمرين إما الاطلاق في
عنوان ماء قذر الوارد في روايات البارية أو التمسك بمعتبرة

(1) الوسائل باب 32 من أبواب النجاسات حديث 3.
(2) باعتبار عدم ثبوت وثاقة المعلى بن خنيس.
(3) من قبيل رواية عمر بن يزيد قال: " قلت لأبي عبد الله (ع):
اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الإناء ما ينزو من
الأرض فقال: لا بأس " الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف حديث 7.
211

علي بن جعفر الواردة في الاغتسال مع الكتابي في الحمام وكلا الطريقين
غير ثابتين.
الحالة الرابعة: أنه بعد الفراغ عن أن المتنجس الأول الجامد ينجس
نتكلم عن الجامد الذي تنجس به وأنه هل يكون منجسا لملاقيه أم لا؟
والصحيح أنه لا دليل على كونه منجسا لأن جميع الروايات التي أثبتت بها
تنجيس المتنجس الأول لا اطلاق فيها المتنجس الثاني كما تقدمت الإشارة
إلى ذلك لدى التعرض لها (1).
وقد يتوهم التعامل مع قضية تنجيس المتنجس المستفادة من الروايات
المذكورة كما يتعامل مع قضية حجية الخبر فكما أن هذه القضية تثبت
بشمولها للخبر الواصل إلينا فردا جديدا من موضوعها وهو الخبر المنقول
به فتشمله الحجية وهكذا. كذلك قضية تنجيس المتنجس تحقق بتطبيقها
على ملاقي المتنجس الأول فردا جديدا من موضوعها متمثلا في هذا الملاقي
فتشمله القضية نفسها وهكذا.
وهذا التوهم واضح البطلان لأن الاشكال ليس ثبوتيا ليقال بامكان
تصويره بالقضية الحقيقية التي يكون لها تطبيقان طولية وإنما هو اثباتي بمعنى
أن الروايات السابقة لا يستفاد منها كون طبيعي المتنجس منجسا بل المتيقن من
مواردها كون المتنجس بعين النجس منجسا وهذا المعنى يجعل من ملاقي المتنجس
المذكور متنجسا لا متنجسا بعين النجس ليدخل في نطاق القدر المتيقن.
ولا يبقى بعد ذلك إلا دعوى كون تنجيس طبيعي المتنجس لما يلاقيه

(1) لأن ما تم سندا ودلالة على تنجيس المتنجس الأول لا اطلاق
فيها للمتنجس الثاني وهي معتبرة عمار ومعتبرنا محمد بن مسلم المتقدمتان وما
تم دلالة على تنجيس المتنجس الأول والثاني لم يتم سندا كمرسله محمد
ابن إسماعيل.
212

معقد الاجماع قطعي تعبدي وهي مدفوعة بعدم ثبوت مثل هذا الاجماع في
المتقدمين من علمائنا بعد وضوح عدم تعرض كثير من كلماتهم لتنجيس
المتنجس وورود بعض الكلمات الدالة ظهورا أو صراحة على ما ينافي كلية
تنجيس المتنجس من قبيل كلمات الشيخ الطوسي في المبسوط وابن إدريس
في السرائر.
فقد قال الشيخ في الخلاف في أحكام ماء الغسالة (إذا أصاب الثوب
نجاسة فغسل بالماء فانفصل الماء عن المحل وأصاب الثوب أو البدن فإنه إن
كانت من الغسلة الأولى فإنه نجس ويجب غسل الموضع الذي أصابه وإن
كانت من الغسلة الثانية لا يجب غسله... دليلنا على القسم الأول أنه
ماء قليل معلوم حصول النجاسة فيه فوجب أن يحكم بنجاسته... والذي
يدل على القسم الثاني أن الماء على أصل الطهارة ونجاسته تحتاج إلى
دليل...) (1) ومراده بالغسلة الأولى ما لاقى عين النجاسة بقرينة
قوله في مقام تعليل نجساتها (معلوم حصول النجاسة فيه) ومراده بالغسلة
الثانية ما لم يلاق عين النجس وقد علل طهارته بعدم الدليل على النجاسة
فلو كانت قاعدة تنجيس المتنجس ثابتة بنحو كلي لكانت هي الدليل.
وقال ابن إدريس في السرائر في باب غسل الأموات (وكذلك إذا
لاقى جسد الميت من قبل غسله إناء ثم أفرغ في ذلك الإناء قبل غسله
مائع فإنه لا ينجس ذلك المائع وإن كان الإناء يجب غسله لأنه لاقى جسد
الميت وليس كذلك المائع الذي حصل فيه لأنه لم يلاق جسد الميت وحمله
على ذلك قياس وتجاوز في الأحكام بغير دليل والأصل في الأشياء الطهارة
إلى أن يقوم دليل قاطع للعذر وإن كنا متعبدين بغسل ما لاقى جسد الميت

(1) الخلاف المجلد الأول ص 48 - 49 مسألة 135.
213

لأن هذه نجاسات حكميات وليست عينيات... الخ) (1).
وهذا الكلام واضح في أن النجس الحكمي ليس منجسا وبيان ابن
إدريس لذلك باللحن الذي صدر منه مع عدم الإشارة إلى أي خلاف في
المسألة لا يلائم اطلاقا كون تنجيس المتنجس أمرا مركوزا ومعتدا للاتفاق
من سلفه من الفقهاء وإذا لوحظ إضافة إلى ذلك أن جملة من الفقهاء
المتقدمين تعرضوا في أحكام النجاسات لكيفية التنجيس وأنحائه واقتصروا
على بيان التنجيس الحاصل من ملاقاة عين النجس ولم يشيروا إلى ما سوى
ذلك لم يعد بالامكان دعوى الجزم بالاجماع من قبل فقهائنا المتقدمين على
تنجيس المتنجس كيف وأصل السراية الحكمية وتنجس المتنجس ليس محلا
للاجماع فضلا عن تنجيسه حيث ذهب السيد المرتضى إلى كفاية المسح
والإزالة لعين النجس ومحل الكلام في المقام إنما هو المتنجس الخالي من
عين النجس بمسح ونحوه فهذا إذن يعتبر طاهرا في نظر السيد المرتضى على
ما توحى به طريقة استدلاله على حصول التطهير بالمضاف فإذا لم تكن
نجاسته الحكمية معقدا للاجماع فكيف يكون تنجيسه كذلك.
هذا كله في تحقيق حال أدلة التنجيس ومقدار اقتضائها.
ويقع الكلام بعد ذلك في الروايات التي قد يدعى دلالتها على عدم
التنجيس وهي عديدة.
منها معتبرة حكم بن حكيم " أنه سأل أبا عبد الله (ع) فقال له:
أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدعى شئ من البول فامسحه بالحائط
وبالتراب ثم تعرق يدي فامسح (فأمس) به وجهي أو بعض جسدي
أو يصيب ثوبي: قال لا بأس به " (2).

(1) السرائر ص 31.
(2) الوسائل باب 6 من أبواب النجاسات حديث 1.
214

وتقريب الاستدلال بها أنها قد فرضت اليد متنجسة بالبول وحكمت
بعد ذلك على ملاقيها بالطهارة وهذا يقتضي عدم تنجيس المتنجس سواء
استظهر اختصاص السؤال بفرض كون العرق في نفس محل إصابة البول
لليد أو لا أما على الأول فواضح وأما على الثاني فللتمسك باطلاق الجواب
لفرض ما إذا علم بذلك وبهذا يظهر أنه لا موجب للمناقشة في دلالة الرواية
بأنه لم يفرض في الرواية كون العرق والبول في محل واحد من اليد
فيكون الحكم فيها بطهارة الملاقي من جهة القاعدة إذ يكفي فرض وجود
الاطلاق في الرواية لصورة العلم بوحدة محل العرق والبول كما لا موجب
للمناقشة في دلالة الرواية بامكان نظرها إلى مطهرية المسح لوضوح ظهور
السؤال في أن النظر ليس إلى ذلك بل إلى السراية وإلا لما كان هناك
موجب لافتراض ملاقاة اليد للثوب أو الوجه مثلا مع أن حكم اليد بنفسه
محل الابتلاء فدلالة الرواية في نفسها لا بأس بها ولكنها بالاطلاق أو بما
يشبهه فتكون قابلة للتقييد بلحاظ أدلة تنجيس المتنجس الأول فتحمل في
مقام الجمع على صورة الشك في وحدة محل العرق والبول.
ومنها ما رواه الشيخ " قدس سره " في التهذيب والاستبصار بسنده
إلى علي بن مهزيار قال كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في
ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم
يره وأنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفيه
ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى فأجابه بجواب قرأته بخطه:
أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ إلا ما تحقق فإن حققت ذلك
كبب حقيقا أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه
ما كان منهن فمن وقتها وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أن
الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت وإذا كان
215

جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي
فاتته لأن الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك إن شاء الله " (1).
وفقه الرواية أن الإمام (ع) أعطى حكمين كليين أحدهما أن من
صلى مع الحدث الأكبر أو الأصغر وبعد ذلك التفت يجب عليه إعادة الصلاة
في الوقت وقضاؤها في خارجه والثاني أن من صلى مع الخبث ثم التفت
بعد ذلك فلا يقضي إذا التفت بعد خروج الوقت ولكن يعيد إذا التفت
في الوقت وهذا الحكم وإن كان مطلقا يشمل صورتي الجهل والنسيان
ولكن يقيد باخراج صورة الجهل منه بقرينة ما دل على عدم وجوب
الإعادة على الجاهل (2) فيختص الحكم الثاني في الرواية بالنسيان كما هو مورد
سؤال الراوي. ثم إنه (ع) حكم بأن سليمان داخل تحت الحكم الثاني
دون الأول لأنه قد صلى مع الوضوء فالعيب في صلاته ليس الحدث بل
الخبث فيشمله الحكم الثاني.
هذا فقه الرواية وأما كيفية الاستدلال بها في المقام فتوضيحها أنه
إذا بنينا على اشتراط طهارة الأعضاء في صحة الوضوء كما يشترط طهارة
ماء الوضوء فهذه الرواية تكون مجملة لا بد من رد علمها إلى أهلها لأن وضوء
السائل المفروض في موردها باطل على هذا التقدير فيدخل تحت الحكم
الأول لا الثاني.

(1) الوسائل باب 42 من أبواب النجاسات حديث 1.
(2) من قبيل معتبرة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (ع)
عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال: إن كان قد علم أنه أصاب
ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى وإن
كان لم يعلم به فليس عليه إعادة.. "
الوسائل باب 40 من أبواب النجاسات حديث 3.
216

وأما إذا بنينا على عدم اشتراط طهارة أعضاء الوضوء في صحته
كانت الرواية واضحة في مدلولها وينفتح مجال للاستدلال بها على عدم تنجيس
المتنجس ويتحصل من كلمات السيد الأستاذ في المقام تقريبان للاستدلال
بالرواية (1):
التقريب الأول: أنه لو كان المتنجس بنجس تنجس الماء بالملاقاة
للعضو المتنجس حال الوضوء فيبطل الوضوء ويندرج السائل تحت الحكم
الأول وهذا بخلاف ما إذا لم يكن الموضع المتنجس منجسا إذ يصح الوضوء
حينئذ لبقاء الماء على طهارته غاية الأمر أن العضو نجس فيندرج تحت الحكم
الثاني كما هو صريح الرواية.
وهذا التقريب لا يجدي في المقام لأن غايته أن المتنجس لا ينجس
الماء فتكون الرواية من أدلة عدم انفعال الماء القليل بالتنجس وتلك مسألة
غير ما نبحث عنه من تنجيس المتنجس للجامد ولا ملازمته بين المسألتين
بحسب المدارك والمباني فلا تكون الرواية دليلا على عدم تنجيس المتنجس
للجامد.
التقريب الثاني: أن الرواية تفرق بين ما صلاه بذلك الوضوء وما
صلاه بوضوء آخر فيعيد في الأول دون الثاني وهذا لا يمكن توجيهه إلا
على القول بعدم تنجيس المتنجس لأنه لو قيل بالتنجيس فأعضاء الوضوء
متنجسة بالملاقاة مع الكف المتنجسة بالبول وعليه تجب الإعادة حتى للصلاة
التي صلاها بوضوء آخر لوقوعها مع النجاسة الخبثية لأن الكف إذا افترضنا
طهارتها بعد الوضوء الثاني لتعدد الغسل بالنسبة إليها مثلا فماذا نفترض
بالنسبة إلى سائر الأعضاء التي تنجست ولا تزال باقية على النجاسة بعد
الوضوء الثاني أيضا فعدم وجوب إعادة ما صلاه بوضوء آخر دال على عدم

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 291 - 294.
217

تنجيس المتنجس.
وهذا التقريب غير تام فإننا نستطيع أن نجري مع هذا التصور ومع
ذلك نوجه الرواية بدون الالتزام بعدم تنجيس المتنجس وذلك باعتبار أن
سائر أعضاء الوضوء وإن افترضنا تنجسها وبقائها على النجاسة حتى بعد
الوضوء الثاني ولكن مع هذا لا تجب إعادة الصلاة على المكلف لأن هذه
النجاسة مجهولة وليست منسية كما في نجاسة الكف فإن ملاقي النجس المنسي
نجس مجهول لا منسي ولا تجب الإعادة حينئذ للتفصيل بين الجاهل والناس
كما تقدمت الإشارة إليه وعليه فالتفصيل بين ما أتى به المكلف مع
الوضوء الأول وما أتى به مع وضوء مجدد في محله فإن الصلاة في الحالة
الأولى تقع مع نجاسة الكف المنسية فتجب الإعادة بينما الصلاة في الحالة
الثانية والتي تطهر فيها الكف بحسب الفرض تضع مع نجاسة سائر الأعضاء
المجهولة فلا تجب إعادتها كما هو المقرر في محله.
وأما سند الرواية فقد اعترض عليه السيد الأستاذ بالاضمار وحيث إن
الاضمار ليس من علي بن مهزيار وأمثاله من الكبار بل من سليمان بن
رشيد الذي لا يأبى شأنه وحاله عن الرواية عن غير الإمام فلا طريق إلى
اثبات إن المكاتبة كانت مع الإمام ومجرد اعتقاد علي بن مهزيار بذلك
ليس حجة (1).
ويرد عليه أولا أن علي بن مهزيار - بعد الاعتراف بأنه كان يعتقد
بأن المكاتبة مع الإمام - يكون قوله (وقد قرأته بخطه) شهادة بأنه رأى
خط الإمام (ع) وتجري فيها أصالة الحس فتكون حجة واحتمال أن
يكون الضمير في كلمة (بخطه) راجعا إلى سليمان بن رشيد خلاف الظاهر

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 294.
218

جدا إذ لا أثر للتأكيد على كونه قد رآه بخط سليمان مع أن سياق التعبير
ظاهر في أن التأكيد المذكور لأجل نكتة. ولولا هذه الشهادة من علي
ابن مهزيار بأن المكاتبة بخط الإمام لكانت الرواية ساقطة سندا بقطع النظر
عن اضمارها من قبل سليمان بن رشيد لأن سليمان هذا لم يثبت توثيقه.
وثانيا: أن ما ذكره من التفصيل في اضمار رواة الشيعة غير تام لأن
الاضمار من قبلهم عموما غير مضر لأن العهد النوعي يعين مرجع الضمير
حينئذ في الإمام عليه السلام لأن الاتيان بالضمير المساوق للتعيين والذي لا
يستغنى عن ذكر مرجعه اثباتا ظاهر عرفا في رجوعه إلى مرجع هناك دال
عليه في مقام التخاطب ومع الاطلاق وعدم التنصيص لا يوجد ما يصلح أن
يكون دالا على المرجع سوى العهد النوعي ومعهودية كون الإمام هو المرجع
في الأحكام والحاصل أن فرض عدم المرجع رأسا في مقام الاثبات خلاف
طبع الضمير عرفا وفرض مرجع غير الإمام متعذر لعدم وجود دال اثباتي
عليه بخلاف فرض مرجعية الإمام واحتمال وجود دال على مرجعية غير
الإمام وقد حذفه الناقل للرواية عن الراوي مدفوع بأصالة الأمانة في الناقل
الثقة وعدم حذف ما له دخل في المقصود.
ومن جملة الروايات معتبرة العيص بن القاسم قال:
(سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر
وقد عرق ذكره وفخذاه قال يغسل ذكره وفخذيه قال: وسألته عمن مسح
ذكره بيده ثم عرقت يده فأصابه ثوبه يغسل ثوبه؟ قال: لا " (1).
والفقرة الأولى ظاهرة في تنجيس المتنجس للأمر بغسل فخذه والفقرة
الثانية هي موضع الاستدلال لظهورها في عدم سراية النجاسة إلى الثوب

(1) صدر الرواية في الوسائل باب 31 من أبواب أحكام الخلوة
وذيلها في باب 6 من أبواب النجاسات حديث 2.
219

ومن هنا قد يدعي التعارض بين الفقرتين.
وتفصيل الكلام إن السؤال الوارد في الفقرة الثانية يحتمل فيه بدوا
ثلاثة احتمالات:
الأول - أن يكون المقصود يمسح ذكره بيده مسحه للاستنجاء من البول
وإزالته نظير مسحه بالحجر الوارد في الفقرة الأولى وعلى أساس هذا الاحتمال
يترتب أمران أحدهما تمامية الاستدلال بهذه الفقرة على عدم تنجيس المتنجس
والآخر وقوع التعارض بين الفقرتين.
الثاني - وهو الاحتمال الذي أبداه السيد الأستاذ - دام ظله - في مقام
مناقشة الاستدلال بها (1) - أن يكون المقصود من المسح بيده مجرد المماسة
للذكر لا المسح الاستنجائي المزيل للبول ويكون الداعي إلى السؤال احتمال
أن تكون مماسة اليد للذكر توجب نجاستها نظير ما توهمه بعض العامة من
أن مس الذكر يوجب انتقاض الطهارة الحدثية ويترتب على هذا الاحتمال
أمران أحدهما أن الفقرة الثانية لا دخل لها بمسألة تنجيس المتنجس والآخر
أنه لا تعارض بين الفقرتين.
الثالث - أن يكون السؤال في الفقرة الثانية متفرعا على السؤال في
الفقرة الأولى بمعنى أنه بعد إن مسح ذكره بحجر وعرق ذكره مسحه بيده
ثم لاقت يده وهي مرطوبة ثوبه ويترتب على هذا الاحتمال أمران أحدهما
أن الفقرة الثانية تكون دليلا على أن المتنجس الثاني لا ينجس لأن اليد
بموجب هذا الاحتمال لاقت الذكر بعد إزالة البول عنه بالحجر فهي من
المتنجس الثاني ولا يتنجس بها الثوب والآخر أنه لا تعارض بين الفقرتين
لأن الأولى تدل على تنجيس المتنجس الأول والثانية تدل على عدم تنجيس
المتنجس الثاني.

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 288.
220

والمتعين من هذه الاحتمالات الأول لأن الأخيرين مخالفان للظهور.
أما نكتة مخالفة الاحتمال الثاني للظهور فلأن الملحوظ للسائل من
السؤال في الفقرة الثانية لو كان هو الاستفهام عن تنجس اليد بمماسة الذكر
تعبدا لما كان هناك معنى لافتراض ملاقاة اليد للثوب وصياغة السؤال بلسان
هل يغسل ثوبه فإن السؤال عن نجاسة شئ بافتراض ملاق له والاستفهام
عن حكم الملاقي إنما يسوغ عرفا فيما إذا كان ذلك الشئ المراد الاستفهام
عن نجاسته ليس من البدن والثياب ونحوهما مما تكون طهارته ونجاسته
متعلقا للتكليف مباشرة من قبيل ما إذا أريد السؤال عن نجاسة الكلب
أو الثعلب أو الهرة فإنه يحسن حينئذ أن يفرض إصابة الثوب له وصياغة
السؤال عن نجاسة تلك الحيوانات بلسان أنه هل يغسل ثوبه أو لا لأن
نجاستها ليست متعلقا للتكليف مباشرة وأما إذا كان محط السؤال عن النجاسة
نفس البدن كيد الانسان مثلا فلا معنى عرفا لافتراض ملاقاة اليد للثوب
والسؤال عن نجاسة اليد بلسان أنه هل يغسل الثوب الملاقي لها أولا بعد
إن كان غسل نفس اليد وتطهيرها واجبا مباشرا على تقدير نجاستها وعليه
فحيث فرض السائل في المقام إصابة اليد للثوب وسأل عن غسل الثوب
مع أن اليد بنفسها مطلوبة الطهارة دل ذلك على أن الملحوظ في السؤال
ليس استعلام حال اليد بل حال الثوب بعد الفراغ عن نجاسة اليد فلا
معنى لحمل السؤال على الاحتمال الثاني.
وأما الاحتمال الثالث فهو خلاف الظاهر لظهور السؤال الثاني في
كونه سؤالا مستقلا لا تفرعا على الفرضية المذكورة في السؤال الأول فإن
هذا التفريع مؤونة زائدة ومع عدم نصب قرينة عليه يكون الظاهر استقلالية
السؤال الثاني عن الأول وعليه فتتم دلالة الفقرة الثانية على عدم التنجيس
وتكون معارضة بالفقرة الأولى على حد معارضتها بسائر روايات التنجيس
221

لأن كلا من الفقرتين تمثل كلاما مستقلا نسبته إلى الآخر نسبة المنفصل.
ومن الروايات رواية حفص الأعور قال: " قلت لأبي عبد الله (ع)
الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل عليه الخل قال: نعم " (1) فالدن
متنجس وقد حكم بأنه لا ينجس الخل وقد ناقش السيد الأستاذ - دام ظله -
في الدلالة تارة باجمال الرواية لاحتمال نظرها إلى عدم نجاسة الخمر وأخرى
بأنها مطلقة من حيث غسل الدن قبل وضع الخل وعدمه والاستدلال إنما
هو بلحاظ هذا الاطلاق لفرض عدم الغسل مع أنه مقيد بالروايات الدالة
على تنجيس المتنجس بما فيها معتبرة عمار الواردة في دن الخمر قال:
" سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء
كافح أو زيتون قال إذا غسل فلا بأس.. " (2) ومع تقييده بالغسل
لا يمكن الاستدلال برواية حفص الأعور على عدم تنجيس المتنجس (3).
ويرد على المناقشة الأولى إن هذا الاجمال يرتفع بضم دليل نجاسة
الخمر إلى الرواية فالرواية تدل على الجامع بين طهارة الخمر وعدم
تنجيس المتنجس ودليل نجاسة الخمر ينفي الفرد الأول فيتعين الثاني.
ويرد على المناقشة الثانية بأن ذلك ليس تقييدا بل هو الغاء للعنوان
الذي أخذه الراوي حيث سأل عن مسوغية التجفيف لوضع الخل في دن
الخمر وتقييده بالغسل معناه الغاء دخل التجفيف رأسا إذ مع الغسل لا محصل
للتجفيف وبدونه لا يكفي التجفيف وهو معنى الالغاء وليس هذا من التقييد
العرفي اللهم إلا أن يلتزم بأن التجفيف لازم في الدن ولا يكفي الغسل لأن
الخمر ينفذ فيه ويتسرب إلى أعماقه فلا بد من التجفيف والغسل معا ولكن

(1) الوسائل باب 51 من أبواب النجاسات حديث 2.
(2) الوسائل باب 51 من أبواب النجاسات حديث 1.
(3) التنقيح الجزء الثاني ص 290 - 291.
222

التقييد حينئذ معناه أن مراد الإمام كان بيان نفي البأس في صورة اجتماع
التجفيف والغسل معا فقد يبعد ذلك بأن يقال إن هذه الصورة ليست
منشأ للاشكال عادة عند السائل وإنما حيثية سؤاله هي أن التجفيف يكفي
أو لا بد من الغسل فالجواب ب‍ (نعم) مساوق للافتاء بالكفاية ولا يقبل
التقييد بالغسل وعلى أي حال فلا تعويل على الرواية حتى لو تمت دلالتها
لضعف سندها (1).
ومنها معتبرة حنان بن سدير قال: " سمعت رجلا سأل أبا عبد الله (ع) فقال
إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك علي
فقال إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا
من ذاك " (2) وتقريب الاستدلال بها إن المشكلة الملحوظة للسائل هي
خروج البلل المشتبه والمحكوم عليه بكونه بولا ونجسا حيث لم يفرض الاستبراء
ومن الواضح أن الطريقة التي اقترحها الإمام عليه السلام لا يمكن أن تدفع
المشكلة من ناحية النجاسة إلا إذا قيل بعدم تنجيس المتنجس إذ لولا ذلك
لكان وضع ماء الريق على الذكر المتنجس موجبا لاتساع النجاسة وسرايتها
فتدل الرواية على عدم تنجيس المتنجس.
وقد يقال إن المشكلة الملحوظة للسائل ليست هي ما ذكر بل هي
مشكلة محفوظة حتى مع فرض الاستبراء وحاصلها الابتلاء بخروج الحبائل
وحيث إن الموضع متنجس فبخروجها تتنجس وتوجب سراية النجاسة وعلى
هذا تكون الرواية مبنية على تنجيس المتنجس ويقرب هذا الافتراض الثاني
في تفسير الرواية بأمرين أحدهما أن المشكلة لو كانت بلحاظ الرطوبة
المشتبهة لكان المناسب بالإمام (ع) تعليم الاستبراء بدلا عن تلك الطريقة

(1) باعتبار أن حفص الأعور لم تثبت وثاقته.
(2) الوسائل باب 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث 7.
223

الغريبة والآخر أن ظاهر قول السائل فلا أقدر على الماء دخل عدم وجدان
الماء في المشكلة ولا يتم ذلك إلا على الافتراض الثاني في تفسيرها.
ويمكن دفع الأمر الأول بأن عدول الإمام (ع) عن تعليم الاستبراء
إلى الطريقة الأخرى لعله باعتبار شمول فائدتها حتى لحالة من يعلم بأن ما
يخرج منه بول كما فيمن هو مبتلى بتقاطر البول أحيانا ويمكن دفع الأمر
الثاني بأن دخل عدم وجدان الماء لعله من أجل أن التطهير بالماء يؤدي
نفس المهمة التي يتوسل بماء الريق لأدائها وعلى أي حال فإن كان في ذلك
شئ من التقريب للافتراض الثاني للمشكلة ففي مقابله قوة ظهور كلام
الإمام في كون ماء الريق يوضع على نفس مخرج البول من الذكر فإنما
يلائم افتراض الأول للمشكلة وأما الافتراض الثاني لها فيستدعي أن
لا يوضع ماء الريق إلا على الموضع الطاهر من الذكر لا على مخرج البول
مع أن التقييد بذلك خلاف ظاهر الرواية جدا ولا يؤدي الغرض غالبا
إذ الغالب في الحبائل أن يحس بها في نفس الموضع المتنجس.
ومنها رواية سماعة قال: قلت لأبي الحسن موسى (ع) إني أبول
ثم أتمسح بالأحجار فيجئ مني البلل ما يفسد سراويلي قال: ليس به
بأس " (1).
وتقريب الاستدلال أن المتنجس لو كان منجسا لكان في مجموع
البلل بأس لأن البلل المذكور يوجب حينئذ سراية النجاسة من الموضع
المتنجس بخلاف ما لو قيل بعدم تنجيس المتنجس وحملت الرواية على ما
بعد الاستبراء أما بمقيد منفصل (2) إذا فرض اطلاقها كما في الاستبصار

(1) الوسائل باب 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث 4.
(2) من قبيل معتبرة حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع)
" في الرجل يبول قال: ينتره ثلاثا ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا
يبالي " الوسائل باب 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث 3.
224

وبعض نسخ التهذيب أو بمقيد متصل كما ورد ذلك في الصيغة المنقولة في
بعض نسخ التهذيب الأخرى (1).
وقد يعترض على ذلك بعدة وجوه.
الأول: ابراز احتمال أن يكون نظر السائل إلى جهة الحدث وناقضية
البلل الخارج للوضوء وفيه أنه لو كان النظر إلى ذلك لم تكن حاجة لما
افترضه الراوي من التمسح بالحجر فإن ظاهره دخل ذلك في منظوره ودخله
إنما يكون بلحاظ الخبث لا الحدث.
الثاني: ابراز احتمال أن يكون نفي البأس بلحاظ الحكم بطهارة
موضع البول بالمسح فيكون أجنبيا عن محل الكلام والغريب أن السيد الأستاذ
ذكر هذه الرواية هنا (2) فناقش بابداء احتمال كونها ناظرة إلى مطهرية
المسح وذكرها في مسائل الاستنجاء (3) دليلا على مطهرية المسح وناقش
في ذلك بابداء احتمال كونها ناظرة إلى عدم تنجيس المتنجس مع أنه على
فرض الاجمال وتساوي الاحتمالين تقع الرواية طرفا للمعارضة مع المجموع
المركب مما دل على تنجيس المتنجس وعدم كفاية المسح في تطهير موضع
البول ولا بد من ادخالها في الحساب في مقام علاج التعارض ولكن التحقيق
أن حملها على مطهرية المسح خلاف الظاهر لأن السائل لو كان نظره إلى
السؤال عن مطهرية المسح لم يكن هناك وجه عرفي لافتراض خروج البلل

(1) فقدت وردت فيها هكذا " إني أبول ثم أمسح بالأحجار فيجئ
مني البلل ما يفسد سراويلي بعد استبرائي، قال: ليس به بأس " راجع
التهذيب الجزء الأول حديث 150.
(2) التنقيح الجزء الثاني ص 286 - 288.
(3) التنقيح الجزء الثالث ص 388.
225

بمقدار يفسد سراويله بل مجرد افتراض أنه بال وتمسح بحجر يكفي لابراز
ما يراد الاستعلام عنه حيث إن طهارة موضع البول بالمسح وعدمها داخل
في محل الابتلاء مباشرة فلا معنى للسؤال عن مطهرية المسح لشئ من بدنه
بلسان أنه لو وقعت عليه رطوبة فهل ينجس أو لا فهذا اللسان ظاهر في أن
الحيثية المستعلم عنها لا يتم افتراضها إلا بذلك فيتعين حمل الرواية بالظهور
العرفي على النظر سؤالا وجوابا إلى تنجيس المتنجس بعد الفراغ عن بقاء
النجاسة في الموضع الممسوح.
الثالث المناقشة في سندها بما عن السيد الأستاذ من ضعفها بالحكم
بن مسكين والهيثم بن أبي مسروق النهدي لعدم ثبوت توثيقهما (1) مع أنه
ينبغي توثيقهما على منباه لورودهما معا في اساتيد كامل الزيارات (2) غير
أن ذلك لا يكفي عندنا ولكن يمكن مع هذا توثيق الحكم من مسكين بنقل
أكثر الثلاثة عنه (3).
وأما الهيثم بن أبي مسروق فلا يوجد توثيق واضح له نعم ذكر
الكشي عن حمدويه أنه قال: " لأبي مسروق ابن يقال له الهيثم سمعت

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 286 - 287
(2) فقد وقع الحكم بن مسكين في سند الحديث 2 من باب 28 من
كامل الزيارات وذكر ذلك نفس السيد الخوئي - دام ظله - في معجم
الرجال الجزء السادس ص 179 ووقع الهيثم بن أبي سند الحديث 3 من
باب 70 منه.
(3) فقد روى عنه ابن أبي عمير في الوسائل باب 2 من أبواب
الخلل الواقع في الصلاة حديث 11 وروى عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر
في الوسائل باب 30 من أبواب نكاح العبيد حديث 8.
226

لكن لا يجري عليه جميع أحكام النجس فإذا تنجس
الإناء بالولوغ يجب تعفيره لكن إذا تنجس إناء آخر بملاقاة
هذا الإناء أوصب ماء الولوغ في إناء آخر لا يجب فيه التعفير
أصحابي يذكرونهما كلاهما فاضلان " (1) والفضل في نفسه وإن كان
لا يستلزم التوثيق ولكن قد يستظهر ذلك في أمثال المقام فإن تم هذا صح
سند الرواية وإلا سقطت عن الاعتبار.
وإذا تم بعض ما يستدل به من روايات لنفي تنجيس المتنجس وبعض
ما يستدل به لاثبات التنجيس وقعت المعارضة بين الطائفتين فإن كانت دلالة
إحداها بالاطلاق (2) دون الأخرى قيد الاطلاق بالطائفة الأخرى ولكن
يوجد في كل من الطائفتين ما يكون دلالته على المستدل به عليه بالخصوصية
لا بالاطلاق (3).
وقد يجمع بحمل الروايات الظاهرة في التنجيس على التنزه والكراهة
ولكنه لا يلائم بعض تلك الروايات كمعتبرة عمار التي تصرح بأن الصلاة
في المكان المتنجس مع الرطوبة غير جائزة فإن حمل عدم الجواز على
مجرد التنزه ليس عرفيا والظاهر أن التعارض مستحكم فإذا ثبت أن موقف
العامة على العموم مطابق لمفاد الطائفة الدالة على عدم تنجيس المتنجس
الأول كان ذلك مرجحا لما دل على التنجيس وإلا تعارضت الطائفتان
وكان المرجع هو الأصول المؤمنة.

(1) تنقيح المقال المجلد الثالث ص 305.
(2) كما في معتبرة حكم بن حكيم المتقدمة في ص 494
(3) كما في معتبرة حنان بن سدير المتقدمة
227

وإن كان أحوط خصوصا في الفرض الثاني وكذا إذا تنجس
الثوب بالبول وجب تعدد الغسل لكن إذا تنجس ثوب آخر
بملاقاة هذا الثوب لا يجب فيه التعدد (1) وكذا إذا تنجس
شئ بغسالة البول بناء على نجاسة الغسالة. لا يجب فيه التعدد
(1) سراية النجاسة من نجس إلى ملاقيه لا تستلزم سراية سائر أحكامه
إليه كوجوب التعفير والتعدد ونحو ذلك فلا بد من ملاحظة حال تلك الأحكام
الإضافية وذلك على مراحل.
الأولى: ملاحظتها بلحاظ دليل ثبوتها ليرى هل له اطلاق للملاقي
أو لا أما دليل وجوب التعدد في المتنجس بالبول فلا اشكال في عدم اطلاقه
في نفسه للمتنجس بهذا المتنجس لعدم صدق العنوان المأخوذ في موضوع
رواياته (1) عليه إذ أمر بالتعدد في غسل ما أصابه البول ولا يصدق ذلك
إلا على المتنجس الأول
وأما دليل وجوب التعفير (2) فعدم شموله للمتنجس بنفس إناء
الولوغ واضح وأما عدم شموله للإناء الذي صب فيه ماء الولوغ فهو
أيضا مقتضى الجمود على حاق اللفظ ومورده حيث إن مورده الإناء الذي

(1) من قبيل معتبرة محمد عن أحدهما (ع) قال " سألته عن البول
يصيب الثوب، قال: اغسله مرتين " الوسائل باب 1 من أبواب النجاسات
حديث 1.
(2) من قبيل رواية الفضل أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) في حديث
أنه سأله عن الكلب فقال " رجس نجس لا يتوضأ بفضله واصبب ذلك
الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء، الوسائل باب 70 من أبواب
النجاسات حديث 1.
228

شرب منه الكلب وهذا العنوان لا يصدق على الإناء الثاني بصب ماء الولوغ
فيه فلو احتمل عرفا مدخلية هذا العنوان في الحكم لزم الاقتصار على مورده
نعم إذا ألغي احتمال مدخلية هذا العنوان بمناسبات الحكم والموضوع عرفا
وقيل بأن العرف يفهم من الدليل أن مناط الحكم في الإناء تنجسه بماء
الولوغ لا بملاقاة الكلب مباشرة ولا بصدق عنوان شرب الكلب منه أما
الأول فلأن ملاقاة الكلب للإناء لم تفرض في الرواية وأما الثاني. فلأن
هذا عنوان انتزاعي وسراية النجاسة لا تكون عرفا إلا بالملاقاة فالمناط المذكور
محفوظ في الإناء الثاني أيضا فيشمله الحكم.
الثانية ملاحظته بلحاظ دليل السراية بأن يدعى أن المستظهر منه أن
السراية ليست من باب التأثير والعلية بل من باب الانتشار والتوسع
فتكون نجاسة المتنجس الجديد عين نجاسة المتنجس الأول فيشملها اطلاق
الأدلة الواردة في المتنجس الأول.
والصحيح أن الاستظهار المذكور بلا محصل بل وغير نافع أيضا حتى
لو تعقلناه لأن مجرد كون النجاسة الجديدة انتشارا للنجاسة الأولى يكفي
لاثبات أحكامها لها لأن احتمال اختصاص تلك الأحكام بمرتبة معينة من وجود
تلك النجاسة موجود عقلا وعرفا.
الثالثة بعد فرض عدم الاطلاق في دليل وجوب التعدد والتعفير يلاحظ
أنه هل يوجد اطلاق يقتضي كفاية الغسل مرة واحدة أو لا سواء تمثل هذا
الاطلاق في اطلاقات فوقانية للأوامر بالغسل (1) أو في اطلاق في خصوص

(1) من قبيل معتبرة إبراهيم بن أبي محمود قال " قلت للرضا (ع):
الطنفسة والفراش يصيبهما البول كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو؟
قال: يغسل ما ظهر منه في وجهه " الوسائل باب 5 من أبواب النجاسات
حديث 1 ورواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال " سألته عن
الكلب يشرب من الإناء قال: اغسل الإناء.. الوسائل باب 12 من
أبواب النجاسات حديث 3
229

دليل تطهير المتنجس بالمتنجس كما في معبرة العيص المتقدمة حيث قال
يغسل ذكره وفخذيه فإن مقتضى اطلاقه كفاية المرة في الذكر والفخذ
والتقييد بالتعدد في الأول لا يمنع عن التمسك بالاطلاق بلحاظ الفخذ الذي
هو متنجس بالمتنجس وتتمة الكلام في ذلك تأتي في بحث المطهرات إن شاء الله تعالى
الرابعة ملاحظة نفس دليل السراية ليرى أنه هل له اطلاق أزماني
يقتضي في نفسه بقاء النجاسة بحيث يرجع إليه عند الشك في ارتفاعها بالغسلة
الواحدة أو لا ولا شك في عدم الاطلاق المذكور إذا كان الدليل هو الاجماع
بل قد يقال بعدمه في الأدلة اللفظية أيضا إذا تمت لأن ارتكازية وجود
المطهر في الجملة تكون قرينة على أن النظر في أدلة السراية إلى بيان
حدوث النجاسة على نحو تحتاج إلى مطهر وليس لها نظر إلى بقائها في موارد
الشك في المطهرية.
الخامسة بعد فرض عدم الاطلاق في دليل السراية أيضا تنتهي النوبة
إلى الأصول العملية فيرجع إلى استصحاب النجاسة إذا قلنا به في الشبهة
الحكمية كما هو الصحيح وإلا جرت قاعدة الطهارة لو قيل بشمول دليلها
في نفسه لموارد الشك في بقاء النجاسة وقد تكرر منا منع ذلك (1) وإن
قاعدة الطهارة لا تشمل موارد الشك في بقاء النجاسة بقطع النظر عن حكومة
الاستصحاب عليها.

(1) كما في الجزء الثاني من البحوث ص 206
230

(مسألة 12) قد مر أنه يشترط في تنجيس الشئ
بالملاقاة تأثره فعلى هذا لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة أصلا
كما إذا دهن على نحو إذا غمس في الماء لا يتبلل أصلا يمكن
أن يقال إنه لا يتنجس بالملاقاة ولو مع الرطوبة المسرية ويحتمل
أن تكون رجل الزنبور والذباب والبق من هذا القبيل (1)
(مسألة 13) الملاقاة في الباطن لا توجب التنجس
فالنجاسة الخارجة من الأنف طاهرة وإن لاقت الدم في باطن
الأنف نعم لو أدخل فيه شئ من الخارج ولاقى الدم في الباطن
فالأحوط فيه الاجتناب (2)

(1) تقدم تحقيقها في بداية هذا الفصل.
(2) الجزء الثالث من البحوث ص 39 - 44
231

فصل
يشترط في صحة الصلاة واجبة كانت أو مندوبة إزالة
النجاسة عن البدن حتى الظفر والشعر واللباس (1)
(1) لا اشكال في اعتبار الطهارة من الخبث في الصلاة على وجه
الاجمال نصا واجماعا بل ضرورة والروايات الدالة على ذلك بشكل وآخر
متواترة وإنما الكلام في تحقيق جهات:
الجهة الأولى: في أنه هل يعتبر الطهارة من كل أنواع النجاسات
أو يختص هذا الحكم ببعضها دون بعض، قد يقال بأن الروايات الواردة
في مقام بيان اعتبار الطهارة قد جاءت في موارد متفرقة ولا يستفاد منها
التعميم المذكور إلا بضم الاجماع.
وقد تصدى السيد الأستاذ دام ظله إلى اثبات التعميم بالدليل اللفظي (1)
وذلك بلحاظ عدة روايات:
منها معتبرة زرارة المعروفة في بحث الاستصحاب والتي جاء فيها
قال: (قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من المني فعلمت
أثره.. الخ) (2)
والاستدلال باطلاق قوله (أو غيره) بناء على رجوع الضمير إلى
دم الرعاف لا إلى كلمة رعاف فإن غير دم الرعاف يشمل سائر النجاسات
والصحيح أنه لا يمكن الاستدلال بهذا الاطلاق على كل حال لأن
الكلمة واردة في كلام الراوي في مقام السؤال والسؤال لم يكن متجها إلى أصل
اعتبار الطهارة وحدوده ليكون للسؤال اطلاق لسائر أنواع النجاسات بل

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 302 - 304
(2) الوسائل باب 7 من أبواب النجاسات حديث 2
232

السائل بعد افتراض الاعتبار متجه للاستعلام عن حال الصلاة التي وقعت
مع ما لا يجوز من النجاسة فلا اطلاق في الكلام من الجهة المبحوث عنها
في المقام.
وقد كان الأفضل الاستشهاد من تلك الرواية بفقرة أخرى وهي
قوله: " تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه أصابها حتى تكون على
يقين من طهارتك ".
وذلك بدعوى أن قوله حتى تكون على يقين من طهارتك يدل على
اللازم في الصلاة تحصيل الطهارة بعنوانها لا التخلص من هذا النجس
بالخصوص أو ذاك
ومنها معتبرة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال " لا صلاة إلا بطهور
ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول الله (ص)
وأما البول فإنه لا بد من غسله " (1) وتقريب الاستدلال بها أن المراد
بالطهور في صدرها ما يعم الطهارة الخبثية بقرينة الذيل فتدل على أن الطهارة
على الاطلاق معتبرة.
ويرد عليه أن كلمة (طهور) إذا كانت بمعنى المصدر أي الطهارة
ثم ما أفيد ولكن إذا كانت بمعنى آلة التطهير أي أنه لا صلاة إلا بمطهر
كما جاءت بهذا المعنى في قوله تعالى " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " (2)
عند من استدل بها على المطهرية فلا يستفاد من الرواية اعتبار الطهارة من
كل أنواع النجاسات في الصلاة وإنما تفيد أن كل مصل لا بد له من
استعمال الماء المطهر ويكفي في هذه اللابدية لزوم التخلص من قذر البول
والغائط عند الاستنجاء.

(1) الوسائل باب 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث 1
(2) الفرقان (48)
233

ومما يشهد على أن كلمة طهور في الرواية بهذا المعنى ما ورد في ذيل
الحديث من قوله " ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار " فإن المجزى لا بد
من مجز عنه وليس هو الطهارة لأن الأحجار لا تجزي عنها وإنما تحققها
بل هو الماء المطهر فإن الأحجار تجزي عنه وهذا يعني أن قوله في صدر
الحديث " لا صلاة إلا بطهور " بمعنى لا صلاة إلا باستعمال ماء مطهر.
ومنها ما دل من الروايات على العفو عن النجاسة في اللباس إذا كان
مما لا تتم به الصلاة وحده حيث تدل بالمفهوم على عدم جواز النجاسة
مطلقا في غير ذلك.
وهذا أيضا لا يخلو من اشكال لأن بعض روايات تلك المسألة ساقطة
سندا كمرسلة حماد بن عثمان (1) وبعضها وإن تم سنده إلا أن لسانه لسان
الاستثناء من دليل المانعية ومتمحض في بيان المستثنى وليس متعرضا للمستثنى
منه مباشرة ليتمسك باطلاقه من هذه الناحية كما في معتبرة زرارة (2) عن
أحدهما (ع) فلاحظ وتتمة الكلام في روايات تلك المسألة وتحقيقها يأتي
في محله.
ومنها حديث " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (3) حيث ذكر
الطهور في الخمسة وهو يشمل الطهارة الخبثية باطلاقه ثم استشكل في هذا
الاطلاق لأن ظاهر ذيل الحديث إن الخمسة مما فرض في الكتاب والطهارة
الخبثية لم تفرض في الكتاب.
ويرد على التمسك باطلاق الطهور إن حديث لا تعاد ليس بنفسه من
أدلة الجزئية الشرطية ليتمسك باطلاقة من هذه الناحية وإنما هو ناظر إليها

(1) الوسائل باب 31 من أبواب النجاسات حديث 2 - 1
(2) الوسائل باب 31 من أبواب النجاسات حديث 2 - 1
(3) كما ورد في معتبرة زرارة المذكورة في الوسائل باب 3 من
أبواب الوضوء حديث 8
234

ووارد بعد افترضها في مقام التمييز بين ما يكون الاخلال به نسيانا أو جهلا
موجب للبطلان وما لا يكون كذلك ولهذا كانت له الحكومة على
تلك الأدلة.
فكل هذه الوجوه لاثبات التعميم غير تامة فلا بد من الرجوع إلى
وجوه أخرى وبالامكان أن نذكر الوجوه التالية في المقام لاثبات التعميم
فإن لم تتم جميعا فبعضها تام.
فمنها معتبرة عمار السابقة التي جاء فيها " إذا كان الموضع قذرا من
البول أو غير ذلك.. " إلى أن يقول: " وإن كان غير الشمس أصابه
حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك " أي الصلاة عليه مع رطوبة في البدن
توجب السراية وتقريب الاستدلال بها واضح حيث يستفاد منها أن الموضع
القذر بالبول أو غيره من القذارات لا يجوز الصلاة عليه مع وجود الرطوبة
المسرية تحفظا على الطهارة المعتبرة في الصلاة وهذا يدل باطلاقه على عدم
جواز الصلاة مع نجاسة البدن مهما كان سببها ويشمل النجاسة السارية من
المتنجس أيضا لأنها مورد الرواية فهذه الرواية أحسن وجه لاثبات التعميم
المطلوب.
ومنها رواية خيران الخادم التي جاء فيها " كتبت إلى الرجل (ع)
أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلي فيه أم لا فإن أصحابنا
قد اختلفوا فيه.. " إلى أن يقول فيها الإمام (ع) " لا تصل فيه فإنه
رجس " (1)
والاستدلال بالفقرة الأخيرة منها حيث إنه علل الحكم بالمنع بأنه
رجس ومقتضى قانون التعليل استفادة كبرى مانعية كل نجس في الصلاة

(1) الوسائل باب 13 من أبواب النجاسات حديث 2
235

ولكن يشكل مضافا إلى ضعف السند بسهل أن الرجس مرتبة شديدة
من الخباثة لا تطلق على كل متنجس فلا يستفاد المطلوب من كبرى التعليل
ومنها معتبرة علي بن جعفر السابقة قال " سألته عن البواري يبل
قصبها بماء قذر أيصلي عليه قال إذا يبست فلا بأس ".
بناء على أن النظر في البأس إلى محذور السراية لا السجود على النجس
فيدل على أن سراية النجاسة إلى البدن أو الثوب محذور في الصلاة ولما كان
عنوان القذر يشمل ما تقذر بأي عين من الأعيان النجسة ثبت التعميم المطلوب
ومنها معتبرة العلا عن أبي عبد الله (ع) قال " سألته عن الرجل
يصيب ثوبه الشئ ينجسه فينسى أن يغسله... الخ " (1)
والاستدلال بها مبني على دعوى أن الظاهر من عبارة السائل إن
المركوز في ذهنه أن النجاسة بعنوانها لا بما هي نجاسة من هذا بالخصوص
أو من ذاك مانعة عن الصلاة وسكوت الإمام عن ذلك يدل على امضاء هذا
الارتكاز فيدل على التعميم. وفيه أن استفادة كون المركوز لدى السائل
مانعية النجاسة بنحو الموجبة الكلية من اطلاق كلامه محل اشكال لأنه لم
يكن في مقام البيان من هذه الناحية وإنما كان السائل والمسؤول قد فرغا
عن مانعية النجاسة واتجها إلى حال نسيان تلك النجاسة المانعة.
ومنها معتبرة عبد الله بن سنان قال " سأل أبي أبا عبد الله (ع) وأنا
حاضر أتى أعير الذمي ثوبي " إلى أن يقول الإمام (ع) " حتى تستيقن
أنه نجسه " (2).
فإنه يدل بمفهوم الغاية أنه إذا استيقنت بالنجاسة فلا تصل فيه واطلاقه

(1) الوسائل باب 42 من أبواب النجاسات حديث 3
(2) الوسائل باب 74 من أبواب النجاسات حديث 1
236

شامل لكل أنواع النجاسة ولا اشكال في صحة هذا الإشعار ولكن الدلالة قد
يتأمل فيها بدعوى أن الرواية مسوقة لبيان حكم الشك ومدى أمارية حيازة
الكتابي للثوب على النجاسة وليست في مقام البيان من ناحية أصل الحكم
الواقعي في المانعية ليتمسك باطلاقها من هذه الناحية.
ومنها معتبرة عمار في الرجل إذا قص أظفاره بالحديد أو جز شعره
أو حلق قفاه فإن عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي سئل فإن صلى ولم
يمسح من ذلك بالماء قال يعيد الصلاة لأن الحديد نجس... " (1)
والاستدلال بالكبرى المقدرة في التعليل حيث صرح فيه بالصغرى
وقدرت الكبرى وهي أن كل نجس يجب الاجتناب عنه في الصلاة وهذه
الرواية أحسن حالا من رواية خيران إذ الموضوع في الكبرى النجس
لا الرجس وأما تطبيق الكبرى على الحديد فهو إما جدي وإما عنائي وإما
صوري وعلى كل حال فلا موجب لرفع اليد عن دلالة الكبرى على المطلوب
أما على الأول فواضح وأما على الأخيرين فلأن تطبيق كبرى لزومية جدية
على فرد عنائي أو صوري لا يضر بظهورها في اللزوم والجدية.
ومثل هذه الرواية رواية موسى بن أكيل النميري أيضا عن أبي
عبد الله (ع) قال "... لا تجوز الصلاة في شئ من الحديد فإنه نجس
ممسوخ " (2)
لكن هناك فارقان أحدهما أن رواية عمار تامة سندا وهذه ضعيفة
بالارسال والآخر أن التعليل في هذه الرواية ورد فيه قيد زائد وهو أنه
ممسوخ فلا بد أما من القول بأن عطف الممسوخ على النجس من باب

(1) الوسائل باب 14 من أبواب نواقض الوضوء حديث 5
(2) الوسائل باب 32 من أبواب لباس المصلي حديث 6
237

عطف ملاك على ملاك أو الالتزام بالتعميم في حدود اجتماع الصفتين فلا
يفيد المطلوب.
ومنها التمسك بنفس الروايات المتفرقة الواردة في المواضع الخاصة (1)

(1) وهي ثلاث طوائف: الأولى تدل على عدم جواز الصلاة في
الثوب المتنجس ووردت في البول والعذرة والمني والدم والخنزير والخمر
والكافر - على القول بنجاسته فمثلا في البول والمني معتبرة محمد بن مسلم
(الوسائل باب 16 من أبواب النجاسات حديث 2) وفي العذرة معتبرة
عبد الرحمان بن أبي عبد الله (الوسائل باب 40 من أبواب النجاسات حديث 5)
وفي الدم معتبرة سماعة (الوسائل باب 42 من أبواب النجاسات حديث 5)
وفي الخنزير معتبرة علي بن جعفر الوسائل باب 13 من أبواب النجاسات
حديث 1) وفي الخمر معتبرة علي بن مهزيار (الوسائل باب 38 من
أبواب النجاسات حديث 2) وفي الكافر معتبرة علي بن جعفر (الوسائل
باب 14 من أبواب النجاسات حديث 10) والثانية تامه بغسل ما يصيبه
النجس من دون ذكر الصلاة فلتتميم الاستدلال بها على شرطية الطهارة
في الصلاة لا بد من إضافة المطلب الذي ذكره السيد الأستاذ - دام ظله -
ووردت في الميتة والكلب وعرق الجلال فمثلا في الميتة معتبرة الحلبي
(الوسائل باب 34 من أبواب النجاسات حديث 2) وفي الكلب معتبرة
الفضل أبي العباس (الوسائل باب 12 من أبواب النجاسات حديث 1)
وفي عرق الجلال معتبرة هشام بن سالم (الوسائل باب 15 من أبواب
النجاسات حديث 1) وقد يتوهم ورود روايات في الميتة والكلب تدرجها في
الطائفة الأولى وهي رواية أبي القاسم الصيقل وولده (الوسائل باب 38
من أبواب ما يكتسب به حديث 4 ورواية قاسم الصيقل (الوسائل باب
34 من أبواب النجاسات حديث 4) ومعتبرة علي بن جعفر (الوسائل
باب 33 من أبواب النجاسات حديث 3) ولكن الأوليين ضعيفتان بأبي القاسم
الصيقل وولده القاسم وغيره والثالثة غير تامة دلالة لأنها اعتبرت الكلب
مثل الفأرة التي يعلم بعدم وجوب غسل الثوب الذي تصيبه والطائفة الثالثة
تدل على عدم جواز الصلاة عند تنجس البدن ووردت في المتنجس وتمثلها
معتبرة عمار (الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 4) وبضم
دعوى الملازمة بين اشتراط الطهارة في الثوب والبدن - لعدم التفكيك
بينهما فقهيا - يتم العموم في كليهما.
238

فإنها بعد جمعها وضم بعضها إلى بعض نلاحظ أنها تستوعب كل النجاسات
العشر المعروفة وكذلك المتنجس بحيث لا يبقى بعد ذلك ما هو خال من
الدليل غير أن هذا موقوف على التسليم بمطلب وهو أن الأمر بغسل الثياب
واللباس ظاهر عرفا في اعتبار تطهيرها في الصلاة لأن مجرد نجاستها بما هي
حكم وضعي لا معنى لها عرفا ولا موجب للاهتمام بإزالتها وغسل الثوب منها
فالأمر بالغسل وإن كان ارشاد إلى النجاسة ولكنه ظاهر عرفا في أن
النجاسة محذور يهتم بإزالته بالغسل والمحذور المتبادر في باب الطعام هو
الأكل والمحذور المتبادر في مثال الثياب هو الاستعمال فيما هو مشروط بالطهارة فباعمال
هذه النكتة العرفية في روايات الباب نستطيع الحصول على اطلاق اعتبار
الطهارة من كل أنواع النجاسات إما بلسان النهي عن الصلاة في النجس
أو بلسان الأمر بغسل الثوب المتنجس
ومنها التمسك بما دل على عدم جواز الصلاة مع نجاسة البدن أو
الثوب الناشئة من ملاقاة المتنجس ببعض الأعيان النجسة بدعوى أن ذلك
يدل بالأولوية العرفية على مانعية نجاسة البدن أو الثوب الناشئة من ملاقاة
أي عين من الأعيان النجسة إذ لا يحتمل عرفا كون المتنجس بعين نجسة أشد
من عين أخرى من الأعيان النجسة لارتكازية كون النجس العيني أشد
239

من النجس العرضي ومثال ذلك معتبرة علي بن جعفر " أنه سأل أخاه
موسى بن جعفر (ع) عن البيت والدار لا تصيبها الشمس ويصيبها البول
ويغتسل فيها من الجنابة أيصلي فيها إذا جفا قال نعم " (1) بناء على دلالتها
بالمفهوم على عدم جواز الصلاة في مكان يغتسل فيه من الجنابة مع عدم
الجفاف من أجل محذوه السراية فإن النجاسة التي يترقب سرايتها سببه عن
ماء الغسالة المتنجس فإذا كانت هذه مانعة عن الصلاة فهم بالأولوية
العرفية بضم الارتكاز المشار إليه أن النجاسة الناشئة من ملاقاة عين النجس
مانعة أيضا مطلقا.
هذا إذا لم نقل بأن خصوصية كون النجاسة في الثوب ناشئة من
ملاقاة هذه العين أو تلك ملغية من أول الأمر بالارتكاز العرقي القاضي
بمناسبات الحكم والموضوع بأن تمام الموضوع للحكم ذات النجاسة بلا دخل
للخصوصيات المذكورة وأنها مجرد مورد.
الجهة الثانية في أن الطهارة هل هي معتبرة في مطلق البدن بنحو
يشمل حتى مثل الشعر وفي مطلق اللباس إلا ما خرج بدليل.
ومن المعلوم أن أصل اعتبارها في البدن واللباس معلوم من النصوص
لأنهما القدر المتيقن في الجملة وإنما الكلام في تحصيل اطلاق في البدن
بنحو يثبت به اعتبارها الشعر أيضا المعدود من توابع البدن وتحصيل اطلاق
مماثل في اللباس وبهذا الصدد يمكن ذكر الوجوه التالية:
منها معتبرة زرارة قال ".. تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه
قد أصابها حتى تكون على يقين طهارتك.. " (2) وقد أضيفت
الطهارة هنا إلى نفس المصلي وظاهر ذلك اعتبار طهارة المصلي وطبق ذلك

(1) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 1
(2) الوسائل باب 7 من أبواب النجاسات حديث 2
240

على طهارة الثوب فمن هنا يعلم أن إضافة الطهارة إلى المصلي بعناية تشمل
توابعه أيضا وما كان من قبيل الثوب ومقتضى ذلك اطلاقها لطهارة الشعر
والظفر أيضا لأنها طهارة للمصلي بهذه العناية بلا اشكال فيتم الاستدلال
بالرواية لو لم نقل بأن التمسك باطلاقها من ناحية سعة دائرة الاعتبار الواقعي
للطهارة متعذر لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية بل في مقام بيان
مقدار يتنجز من التكليف في مورد الشك والتردد.
ومنها رواية خيران الخادم المتقدمة حيث ورد فيها النهي عن
الصلاة في الثوب الذي أصابه لحم الخنزير قائلا " لا تصل فيه فإنه رجس "
ومقتضى قانون التعليل اقتناص كبرى عدم جواز الصلاة في الرجس وبالغاء
خصوصية الثوب يتعدى إلى كل ما يكون من اللباس ظرفا للمصلي وملبوسا
له ولو بلحاظ جزء من بدنه ولا فرق في ذلك بين أن نحمل قوله لا تصل
فيه على ملاحظة الثوب ظرفا للمصلي أو ظرفا للفعل باسراء ظرف الفاعل
إلى الفعل نفسه غير أن الرواية ضعيفة السند.
ومنها رواية النميزي المتقدمة عن أبي عبد الله (ع) " لا تجوز
الصلاة في شئ من الحديد فإنه نجس ممسوخ " والكلام فيه كما في الرواية
السابقة مع مزية هنا وهي أن الحديد لا تتخذ منه الثياب عادة بل السيف
والخاتم ونحو ذلك فالكبرى المقتنصة بقانون التعليل يكون لها اطلاق يشمل
مثل ذلك أيضا غير أن الرواية ضعيفة سندا كما تقدم.
ومنها معتبرة عمار المتقدمة الواردة في الأرض القذرة فقد جاء
241

فيها " وإن كانت رجلك رطبة وجبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب
ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع "
وذلك بالتمسك باطلاق قوله " أو غير ذلك منك " فإن من هنا إن
كان يراد بها البعض والجزء الحقيقي ففي العبارة اطلاق يشمل حتى للشعر
والظفر فإنه من الانسان حقيقة وإن لم يشمل الثياب وإن أريد بها ما يكون
من الانسان ولو بلحاظ شؤونه المعتبرة عرفا بمثابة الجزء منه فالاطلاق
يشمل اللباس أيضا.
ربما ذكرناه يظهر أن استفادة الاطلاق للشعر لا تتوقف على دعوى
كونه جزءا من الجسد كما قيل بل يكفي صدق كونه من الانسان على
ما عرفت.
ومنها معتبرة ابن الحجاج إذ جاء فيها قوله " يغسل ما استبان أنه
قد أصابه وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه وبنشف قبل أن يتوضأ " (1)
فإن الأمر بالنضح وإن كان تنزيهيا ولكنه يكشف بالدلالة الالتزامية العرفية
عن أن الجسد والثياب مصب لاعتبار الطهارة ولهذا أمر بالنضح ننزها في
حالة الشك وقد استدل باطلاق كلمة الجسد للشمول للشعر ونحوه وهو
غريب فإن الشعر ليس من الجسد ولهذا لا يشمل جسد الميت أو غسل جسد
الجنب على مس شعر الميت أو غسل شعر الجنب والأولى الاستدلال بكلمة
ثياب حيث جاءت بصيغة الجمع على أن المقصود مطلق الألبسة لا خصوص
الثوب الكامل الذي يحيط بكامل الجسد لعدم تعارف استعمال ثياب عديدة
منه وإذا ثبت الاطلاق لمطلق اللباس ثبت في مثل الشعر بالأولوية العرفية
ومنها رواية وهب بن وهب عن جعفر بن محمد أن عليا (ع) قال

(1) الوسائل باب 37 من أبواب النجاسات حديث 2
242

" السيف بمنزلة الرداء تصل فيه ما لم تر فيه دما " (1) فإنها تعتبر الطهارة
في السيف مع أنه لباس من المرتبة الثانية فيدل ذلك على اعتبار الطهارة
في مطلق اللباس ولو لم يكن من قبيل الرداء وهذا يتوقف على الغاء
خصوصية السيف بأن يقال إن التنزيل ليس تعبديا ليقال بعدم التعدي عن
مورده بل هو في مقام توسعه دائرة موضوع الاعتبار وتحديده، فالعرف
يفهم منه أن الموضوع لاعتبار الطهارة هو العنوان الجامع بين السيف والرداء
وهو مطلق اللباس ولكن الرواية ضعيفة سندا بوهب بن وهب.
وقد تحصل مما تقدم أنه يوجد اطلاق لفظي يدل على اعتبار الطهارة
في البدن حتى لمثل الشعر والظفر منه وأما بالنسبة إلى اللباس فالقدر المتيقن
من اطلاقات الباب ما يتلبس به المكلف ولو بجزء من بدنه على حد تلبس البدن
بالثوب فيعتبر الطهارة فيه إلا ما يخرج بدليل
الجهة الثالثة: بعد فرض اعتبار الطهارة في الصلاة يبحث عن كيفيته
وهل هو بنحو شرطية الطهارة أو بنحو مانعية النجاسة والكلام في ذلك
يقع في مقامات.
المقام الأول في تعقل الفرق ثبوتا بين شرطية الطهارة ومانعية النجاسة
وتحقيق ذلك أن الطهارة إما أن تكون أمرا وجوديا مقابلا للنجاسة تقابل
التضاد أو أمرا ثبوتا منتزعا بلحاظ عدم النجاسة أو أمرا عدميا محضا هو
نفس عدم النجاسة فيكون التقابل بين الطهارة والنجاسة من قبيل السلب
والايجاب.
فإذا بني على الأول أو الثاني كان الفرق بين مانعية النجاسة وشرطية
الطهارة واضحا لأن الأولى مردها إلى أخذ عدمها قيدا والثانية مردها إلى
أخذ ثبوتها شرطا وأما على الثالث فقد يقال بعدم تعقل الفرق بين المانعية

(1) الوسائل باب 83 من أبواب النجاسات حديث 3
243

والشرطية إذ كلاهما يرجع إلى تقييد المأمور به بعدم النجاسة ولكن مع
هذا يمكن افتراض بعض الوجوه للشرطية في مقابل المانعية من قبيل أن
يكون الشرط هو استعمال الطهور لا الطهارة المسببة من قبيل ما يقال في
الوضوء إن الشرط نفس أفعال الوضوء لا أمر مسبب عنه أو أن تكون
الشرطية بمعنى اعتبار العدم النعتي للنجاسة والمانعية بمعنى اعتبار العدم
المحمولي لها.
المقام الثاني في تعيين ما هو المستظهر من الأدلة من الشرطية أو المانعية
والتحقيق أن هناك عدد من الروايات يمكن أن تستفاد منها مانعية النجاسة
وهناك عدد آخر منها يمكن أن تستفاد منها شرطية الطهارة.
أما ما قد يدل على مانعية النجاسة فبالامكان تقسيمه إلى طوائف من
الروايات:
الطائفة الأولى: ما أنيط فيه البطلان بالنجاسة وقد يحتمل لذلك برواية
الحسن بن زياد قال " سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل يبول فيصيب
بعض جسده (فخذه) قدر نكتة من بوله فيصلي ثم يذكر بعد أنه لم
يغسله قال يغسله ويعيد صلاته " (1) وهناك روايات أخرى في هذا السياق
غير أن هذه الروايات لم ينط فيها البطلان بالنجاسة في كلام الأيام وإنما
هي المورد المفروض في كلام السائل فالأولى التمثيل لذلك بمثل معتبرة محمد
ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال " ذكر المني وشدده وجعله أشد من
البول ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك
إعادة الصلاة... " (2)

(1) الوسائل باب 19 من أبواب النجاسات حديث 2
(2) الوسائل باب 16 من أبواب النجاسات حديث 2
244

وتحقيق الحال في هذه الطائفة إن هذه الروايات قد أنيط فيها البطلان
بوجدان عين النجس في الثوب أو البدن وبعد الفراغ عن أن وجدانه
بعنوانه ليس هو المحذور المنظور ولهذا قد يقال بجواز حمل النجس مع
الجفاف وعدم السراية يعلم أن المحذور هو ما يترتب على ذلك ومن الواضح
أنه يترتب عليه النجاسة الحكمية وارتفاع الطهارة الحكمية فكما قد يكون
بلحاظ الأول فيناسب المانعية كذلك قد يكون بلحاظ الثاني فيناسب
الشرطية.
الطائفة الثانية: ما دل على إناطة البطلان والإعادة بوجود النجاسة
الحكمية لا العينية وظاهره حينئذ المانعية من قبيل معتبرة علي بن مهزيار
المتقدمة وفيها " من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة
إلا ما كان في وقت " ولا يرد هنا ما تقدم من الايراد في الطائفة الأولى لأن
الإناطة هنا بالنجاسة الحكمية
الطائفة الثالثة: ما دل على استثناء بعض النجاسات العينية كدم الجروح (1)
والدم القليل (2) بعد استظهار إن العفو المجعول يختص بفرض عدم
تنجس الموضع بسبب آخر وإلا فلا عفو فإن جعل العضو حيثيا وبلحاظ
النجاسة الدمية فقط أمر عرفي مفهوم بناء على المانعية لانحلالها وإن كان

(1) من قبيل معتبرة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال " سألته
عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟ فقال: يصلي
وإن كانت الدماء تسيل " الوسائل باب 22 من أبواب النجاسات 4
(2) من قبيل معتبرة محمد بن مسلم " قلت له: الدم يكون في الثوب
علي وأنا في الصلاة قال:... وما كان أقل من ذلك (أي من الدرهم)
فليس بشئ.. " الوسائل باب 20 من أبواب النجاسات حديث 6
245

سلبها عن بعض النجاسات دون بعض وأما بناء على الشرطية فالتبعيض
المذكور غير عرفي إذ ليس هناك إلا طهارة واحدة والمفروض عدم اعتبارها
لجواز الصلاة في الدم النجس ومعه لا يبقي وجه للمنع عن فرض النجاسة
في الموضع بملاك آخر اللهم إلا أن يتصور تعدد الطهارات بعدد النجاسات
ففي مقابل كل نجاسة طهارة مقابلة لها ويكون الشرط مجموع الطهارات
عدا ما استثنى.
الطائفة الرابعة: مارد بلسان النهي عن الصلاة في الثوب المتنجس فإنه
لا اشكال في كونه أنسب بالمانعية منه بالشرطية من قبيل رواية خيران
الخادم المتقدمة والتي ورد فيها النهي عن الصلاة في ثوب أصابه الخمر
لأنه رجس غير أنها ضعيفة السند ومعتبرة عمار "... ولا تصل في ثوب
قد أصابه خمر أو سكر حتى تغسله " (1) فإن ظاهر النهي فيها أن النجاسة
الناتجة من المسكر هي المانعة في الصلاة ولا يرد هنا ما أوردناه على الطائفة
الثانية لأنه لم يفرض فيها وجود المسكر بالفعل ومثلها أيضا معتبرة عبد الله
ابن سنان (2) المستدل بها على الاستصحاب حيث تدل بمفهوم الغاية على

(1) لوسائل باب 38 من أبواب النجاسات حديث 7
(2) وهي أنه قال " سأل أبي أبا عبد الله (ع) وأنا حاضر إني
أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيره علي
فاغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (ع): صل فيه ولا تغسله
من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه فلا بأس
أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه " الوسائل باب 74 من أبواب النجاسات
حديث 1
246

أنه لا تجوز الصلاة فيه إذا استيقنت أنه نجسه وهذا ظاهر في مانعية النجاسة
الحكمية.
ويلحق بهذه الطائفة معتبرة بكير قال سئل أبو جعفر وأبو عبد الله (ع)
فقيل لهما إنا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وورك الخنزير عند حاكتها أنصلي
فيها قبل أن نغسلها فقالا نعم لا بأس إن الله إنما حرم أكله وشربه ولم يحرم
لبسه ومسه والصلاة فيه " (1) وهي مما يستدل بها على طهارة الخمر والمقصود
الآن الاستدلال بها على أن الاعتبار في المقام على نحو المانعية لأن النفي فيها
جاء بلسان أنه ليس بحرام وهو يعني إن ما كان يترقب هو حرمة الصلاة
فيه باعتبار نجاسته ومرد هذه الحرمة إلى المانعية.
وأما ما قد يستدل به لشرطية الطهارة فعدة روايات منها ما دل على
أنه لا صلاة إلا بطهور (2) ويشكل أولا باحتمال إرادة أداة التطهير من
الطهور بمعنى الماء فيدل على لزوم استعمال المال وهو يلائم استعماله لتوفير
الشرط أو لإزالة المانع وثانيا: باحتمال إرادة الطهارة الحدثية ولا معنى
للتمسك بالاطلاق لشمول كلتا الطهارتين لأن الاطلاق الشمولي إنما يجري
في موضوع القضية ولهذا لو قيل لا صلاة إلا بذكر لا يتمسك باطلاق الذكر
لاثبات وجوب كل أنواع الذكر.
ومنها معتبرة زرارة المتقدمة التي جاء فيها نفس التعبير مع زيادة
قوله " ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار... " بدعوى أن ذيلها قرينة
على أن الملحوظ الطهور فيها الطهارة الخبيثة فتكون أوضح دلالة من غير

(1) الوسائل باب 38 من أبواب النجاسات حديث 13
(2) كما في معتبرة زرارة المذكورة في الوسائل باب 1 من أبواب
الوضوء حديث 1
247

المذيل بهذا الذيل ويرد عليه إن الذيل قرينة على أن المراد بالطهور الماء
لأن الأحجار إنما تجزي عنه لا عن الطهارة فيكون مفادها لزوم استعمال
الماء وهو لا يعين الشرطية كما تقدم فإن قيل لتكن الشرطية بمعنى اشتراط
استعمال الماء كما يقال ذلك في باب الطهارة الحدثية كان الجواب إن الطهارة
من الخبث لما كانت مسببا عرفيا للغسل بخلاف الطهارة الحدثية وكان استعمال
الماء في نظر العرف مقدمة لتحصيل ذلك المسبب كان حمل الأمر باستعمال
الماء في مورد الخبث على شرطية نفس الاستعمال بعنوانه على خلاف الارتكاز
العرفي بخلافه في مورد الحدث.
ومنها معتبرة زرارة قال " سألت أبا جعفر (ع) عن البول يكون
على السطح أو في المكان الذي يصلي فيه فقال: إذا جففته الشمس فصل
عليه فهو طاهر " (1) حيث أنيط جواز الصلاة بالطهارة بعنوانها وهذا
إنما يتم لو سلم تكفل هذه الرواية شرطية مكان المصلي بالطهارة وقيل بعدم
امكان التفكيك بين المكان واللباس والبدن في كيفية الاعتبار وإما إذا لم
يبني على لزوم الطهارة في مكان المصلي فلا بد من حمل الرواية على النظر
إلى محذور السراية ولا يتم الاستدلال
ومنها معتبرة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:
"... فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه
وألبانه وكل شئ منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح.. " (2)
بتقريب ظهور الجملتين المتعاطفتين في وجود شرطين فلا بد من حمل قوله
" إذا علمت أنه ذكي " على الطيب والطهارة ليكون مغايرا لمفاد الجملة
الثانية فيدل على اعتبار الطهارة بعنوانها.

(1) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 1
(2) الوسائل باب 2 من أبواب لباس المصلي حديث 1
248

ويرد عليه أن هذا مبني على اشتمال الرواية على أداة العطف بين
الجملتين كما في الوسائل بخلاف ما إذا بني على عدم وجود هذه الأداة -
كما هو الظاهر لخلو الرواية منها في الكافي (1) والتهذيب (2) والاستبصار (3)
جميعا - فإن الظاهر حينئذ أو من المحتمل عرفا أن تكون الجملة الثانية تفسير
للجملة الأولى.
ومنها معتبرة زرارة التي جاء فيها " تغسل ولا تعيد الصلاة قلت لم
ذلك قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك
أن تنقض اليقين بالشك أبدا " (4) فإن قوله " لأنك كنت على يقين من
طهارتك " تعليلا لصحة الصلاة ظاهر في إناطة الصحة بالطهارة بعنوانها
وهو معنى الشرطية ولعل هذا أوضح ما يستدل به على الشرطية.
وعلى الرغم من وجود دلالات من هذا القبيل على الشرطية أو المانعية
يشكل التعويل عليها لشدة التصاق عدم النجاسة بالطهارة وكون ابراز كل
واحد منها في مقام التعبير عن الشرطية أو المانعية أمرا عرفيا
وإذا لم تتم في الروايات دلالة على أحد الوجهين تعين الرجوع إلى
الأصول العملية فيقال بوجد علم اجمالي بالشرطية أو المانعية فإن كان لأحدهما
أثر زائد على الآخر بخلاف العكس أمكن اجراء البراءة عن موضوع الأثر
الزائد ولا يعارض بالبراءة عن الطرف الآخر للعلم الاجمالي إذ لا أثر زائد
له والأثر المشترك معلوم وجدانا وهذا ما يستضح عند بيان الثمرة.
المقام الثالث في الثمرة بين الشرطية والمانعية مع وضوح وجود أثر

(1) الكافي الجزء الثالث ص 397
(2) التهذيب الجزء الثاني حديث 818
(3) الإستبصار الجزء الأول حديث 1454
(4) الوسائل باب 37 من أبواب النجاسات حديث 1
249

مشترك وهو بطلان الصلاة في النجاسة فقد يقال بأن للشرطية كلفة زائدة
تظهر في حالتين إحداها ما إذا شك في النجاسة الذاتية لشئ من أول الأمر
بناء على عدم جريان قاعدة الطهارة في أمثال ذلك كما تقدم مرارا (1) فإنه
بناء على شرطية الطهارة يتعذر احراز الشرط وبناء على مانعية النجاسة
يكن استصحاب عدمها الأزلي وتصح الصلاة حينئذ
والحالة الأخرى ما إذا علم اجمالا بنجاسة ثوب أو تراب بنحو سقطت
أصالة الطهارة في الطرفين فإنه بناء على الشرطية لا مصحح للصلاة في ذلك
الثوب لعدم احراز الشرط وأما بناء على المانعية وكون موضوعها انحلاليا بمعنى
أن كل ثوب نجس مثلا فرد من موضوع المانعية فتجري البراءة عن
مانعية هذا الثوب المشكوك ولا توجد براءة معارضة في الطرف الآخر.
الجهة الرابعة: أنه بعد الفراغ عن اعتبار الطهارة في الصلاة واجبة
كانت أو مندوبة بمقتضى الاطلاق في أدلة الاعتبار الشامل للصلاة المستحبة
أيضا يقع الكلام في اعتبار الطهارة في ملحقات الصلاة ونريد بها صلاة
الاحتياط وسجود السهو والأجزاء المنسية من الصلاة التي تقضي بعدها.
أما صلاة الاحتياط فاعتبار الطهارة فيها واضح سواء قيل بأنها مكملة
لأصل الصلاة على فرض النقصان أو قيل بأنها صلاة مستقلة على كل حال
مرددة بين الوجوب والاستحباب إذ على الأول كما هو ظاهر يكفي دليل
اشتراط الطهارة في الصلاة المراد تكميلها للالزام بذلك وعلى الثاني يتمسك
باطلاق أدلة اعتبار الطهارة في الصلاة الشامل لصلاة الاحتياط باعتبارها
نوعا من الصلاة
وأما سجود السهو فبعد البناء على كون موضعه بعد التسليم لا دليل

(1) تقدم في الجزء الثاني من البحوث ص 199
250

على اعتبار الطهارة فيه إلا إذا استفيد من دليله (1) كونه جزءا من الصلاة
أو استفيد من منع التكلم قبل الفراغ منه (2) المنع عن مطلق ما يبطل
الصلاة بحمل التكلم على المثالية وكلتا الاستفادتين غير تامه.
أما الأولى فلأن إناطة سجود السهو بالنسيان تناسب أن يكون الأمر
به أمرا مولويا مستقلا لا من قبيل الأوامر الارشادية إلى الجزئية والشرطية
في باب المركبات على أن مثل قوله " يتم صلاة ثم يسجد سجدتين "
السهو ظاهر في عدم الجزئية.
وأما الثانية فلأن التكلم لو حمل على المثالية فهو لا يقتضي التعدي
إلى كل ما يوجب البطلان بل لعل مثال لما يكون قاطعا للهيئة الاتصالية
لصلاة بحيث يراد ابقاء هذه الهيئة ولا دخل للطهارة الخبثية في ابقائها وإن
كانت بنفسها شرطا في صحة الصلاة.
وأما الأجزاء المنسية التي يؤتى بها بعد الصلاة فقد احتمل فيها بدوا
ثلاث احتمالات أحدها أن تكون واجبة أداء بأن يكون الشارع قد رفع
اليد عن خصوصية محلها لا أصلها.
ثانيها أن تكون واجبة بعنوان القضاء للجزء المنسي ثالثها أن تكون
واجبة بوجوب مستقل كسجود السهو فعلى الأول لا اشكال في اعتبار

(1) من قبيل معتبرة عبد الرحمان بن الحجاج قال " سألت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم فقال: يتم صلاته
ثم يسجد سجدتين.. " الوسائل باب 4 من أبواب الخلل الواقع في
الصلاة حديث 1
(2) كما في معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ".. فإذا فرغب
فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلم " الوسائل باب 9 من
أبواب التشهد حديث 3
251

الطهارة وعلى الأخير لا دليل على اعتبارها بل اطلاق دليل الأمر بتلك
الأجزاء المنسية (1) ينفي ذلك وأما على الثاني فقد قبل بأنه يقتضي اعتبار
الطهارة لأن القضاء هو الاتيان بما يماثل المقضي في سائر ما يعتبر فيه والتحقيق
إن الاحتمال الثاني في نفسه معقول لأن جزئية الجزء المنسي أما أن تكون
باقية بحدها أي بقيد وقوع الجزء في محله المخصوص وأما أن تكون باقية
لا بحدها كذلك وأما أن تكون ساقطة فعلى الأول يتعين بطلان الصلاة وعلى
الثاني يكون الاتيان بالجزء المنسي بعد التسليم أداء الاقصاء وعلى الثالث
تتعين صحة الصلاة بلا حاجة إلى تدارك بحيث لو ثبت وجوب لايقاع
السجدة بعد الصلاة لكان وجوبا مستقلا لا قضاء لما فات وهذا برهان على
أن القضاء للواجب الضمني بصورة مستقلة عن الواجب النفس الاستقلالي
أمر غير معقول فالأمر دائر بين الاحتمالين الأول والثالث والمستظهر من
الدليل كون الاتيان بالسجدة أو التشهد لتكميل الصلاة فيتعين الأول ويثبت
اعتبار الطهارة.
هذا على أنه لو تعقلنا الأمر القضائي بالواجب الضمني فهذا لا يكفي
لاعتبار الطهارة في الجزء المقضي إلا إذا ثبت أن الطهارة شرط فيه بما هو
سجود مثلا لا أنها معتبرة في الصلاة رأسا في عرض اعتبار السجود فإن
قضاء السجود إنما يقتضي التحفظ على ما اعتبر فيه من خصوصيات كوضع
الجبهة على ما يصح السجود عليه لا ما اعتبر في أصل الصلاة

(1) من قبيل معتبرة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) أنه
قال " إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت
فاقض الذي فاتك سهوا " الوسائل باب 23 من أبواب الخلل الواقع في
الصلاة حديث 7
252

الجهة الخامسة في اشتراط الطهارة في مقدمات الصلاة من الأذان
والإقامة ولما كانا خارجين عن الصلاة فلا يبقى بالاعتبار نفس دليل الشرطية
في الصلاة إلا بضم دعوى وجود دليل حاكم على دليل الشرطية ينزل
المؤذن أو المقيم منزلة المصلي في الأحكام كما يمكن أن يدعى ذلك في
الإقامة تمسكا برواية سليمان بن صالح التي جاء فيه " وليتمكن في الإقامة كما يتمكن
في الصلاة فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في الصلاة " (1) ورواية يونس
الشيباني "... إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة... " (2)
ورواية أبي هارون المكفوف " يا أبا هارون الإقامة من الصلاة... " (3)
وبما ذكرناه يندفع ما عن السيد الأستاذ - دام ظله - (4) من أن هذه
الروايات معارضة بما دل على أن الصلاة افتتاحها تكبيرة الاحرام ولا بد
من حملها حينئذ على الحث والترغيب ووجه الاندفاع إن المستظهر من
لسانها التنزيل لا كون المقيم مصليا حقيقة فلا تنافي بين الطائفتين أصلا
ألا تلاحظ أنه قيل في الرواية الأولى " وليتمكن في الإقامة كما يتمكن
في الصلاة " ثم قيل " إذا أخذ في الإقامة فهو في الصلاة " وهذا يعني
فرض المغايرة بين الإقامة والصلاة أولا وهذا يناسب حمل الفقرة الثانية
على التنزيل بلحاظ الأحكام غير أن الروايات الثلاث ضعيفة لضعف صالح
ابن عقبة الموجود في سندها جميعا ولغير ذلك في بعضها (5)

(1) الوسائل باب 13 من أبواب الأذان والإقامة حديث 12 - 9
(2) الوسائل باب 13 من أبواب الأذان والإقامة حديث 12 - 9
(3) الوسائل باب 10 من أبواب الأذان والإقامة حديث 12
(4) التنقيح الجزء الثاني ص 306
(5) فإن الرواية الثانية ضعيفة أيضا بيونس الشيباني
253

ساترا كان أو غير ساتر (1) عدا ما سيجيئ من مثل الجورب
ونحوه مما لا تتم الصلاة فيه وكذا يشترط في توابعها من صلاة
الاحتياط وقضاء التشهد والسجدة المنسيين وكذا في سجدتي
السهو على الأحوط (2) ولا يشترط في ما يتقدمها من الأذان
والإقامة (3) والأدعية التي قبل تكبيرة الاحرام ولا فيما
بتأخرها من التعقيب ويلحق باللباس على الأحوط اللحاف
الذي يتغطى به المصلي مضطجعا ايماء سواء كان متسترا به
أولا وإن كان الأقوى في صورة عدم التستر به - بأن كان
ساتره غيره - عدم الاشتراط (4)
فلا دليل على الاعتبار
(1) وذلك للاطلاق المتقدم في الجهة الثانية من الجهات الخمس
المتقدمة في هذا الفصل
(2) تقدم الكلام عن اعتبار الطهارة في ملحقات الصلاة في الجهة
الرابعة
(3) تقدم تحقيق ذلك في الجهة الخامسة
(4) قد يقال بعدم الاشتراط مطلقا وتقريبه عدم وجود اطلاق في
أدلة اعتبار الطهارة لأن المأخوذ فيها عنوان الثوب أو الثياب وهو مختص
بما يعد للبس عادة فلا يشمل محل الكلام. وقد يقال بالتفصيل على النحو
254

المذكور في المتن وتوجيهه أن يعترف بوجود اطلاق في دليل الاعتبار
يشمل كل ما يصدق عليه اللباس والملابس ويقال بإناطة صدق اللباس على
اللحاف بأن يكون هو الساتر وأما إذا تلحف به فوق ملابسه الاعتيادية
فلا يصدق عليه ذلك وبهذا يندفع ما أورد على المتن بأن الدليل الاعتبار لم
يرد في الساتر بعنوانه ليفصل بين صورة التستر به وغيرها ووجه الاندفاع
حمل التستر به على اتخاذه بدلا عن الملابس الاعتيادية الأمر الذي يجعله لباسا
بالنسبة إليه بخلاف ما لو اتخذه فوق الملابس.
وقد يقال بإناطة هذه المسألة بتشخيص إن الستر المعتبر في الصلاة هل
هو بمعنى مطلق التغطية أو التغطية بالملابس فعلى الأول يكون اللحاف محققا
للستر المعتبر وتجب فيه الطهارة مطلقا وعلى الثاني لا يفي بالستر الواجب ولا
تعتبر فيه الطهارة إلا إذا تلحف به المصلي كالمئزر فيكون لباسا حينئذ.
وفيه أنه لا ملازمة بين المسألتين فقد يقال بكفاية مطلق التغطية في الستر
الواجب وتمسكا باطلاق دليله ويقال بعدم اعتبار الطهارة إلا فيما صدق عليه
عنوان اللباس لعدم الاطلاق في دليل الاعتبار لما عدا ذلك فالميزان إذن هو
ملاحظة روايات الباب ليرى مقدار دلالتها ومحط الاعتبار فيها والتحقيق
إن دليل الاعتبار إن كان ما دل على الاعتبار في عنوان الثوب أو الثياب (1)
فالمتعين عدم الاشتراط في اللحاف مطلقا لعدم كونه ثوبا وإن كان ما دل
على النهي عن الصلاة في النجس كرواية النميري التي نهت عن الصلاة
في شئ من الحديد لأنه نجس فالظاهر اعتبار الطهارة مطلقا لصدق الصلاة
فيه على أي حال وإن كان مثل معتبرة زرارة التي اعتبرت طهارة

(1) من قبيل رواية خيران الخادم المتقدمة
255

ويشترط في صحة الصلاة أيضا إزالتها عن موضع السجود
دون المواضع الأخر فلا بأس بنجاستها إلا إذا كانت مسرية
إلى بدنه أو لباسه (1)
المصلي وطبقتها على طهارة ثوبه بنحو من العناية فالقدر المتيقن من هذا
الفرد العنائي ما كان لباس وثوبا لا مثل اللحاف وإن كان المدرك مفهوم مثل مرسلة
عبد الله بن سنان والتي جاء فيها " كل ما كان على الانسان أو معه مما لا تجوز
الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة
والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك " (1)
فهو مطلق للحاف لأنه على المصلي أو معه ومما تجوز الصلاة فيه وحده إذا
المراد من جواز الصلاة فيه وحده كونه مما يصلح لذلك باعتباراته أو وسعته
وبهذا اتضح مدرك القول بالاعتبار مطلقا وهو الاستناد إلى الوجه الثاني
أو الرابع من وجوه أدلة الاعتبار كما اتضح أن الأقرب هو عدم الاعتبار
مطلقا لعدم تمامية الوجهين المذكورين على ما تقدم في بحث أصل الاعتبار
وأدلته
(1) البحث عن طهارة مكان المصلي يقع في ثلاث مسائل:
الأولى: في اعتبار الطهارة في مسجد الجبهة وقد استدل لذلك بعدة
روايات:
منها معتبرة الحسن بن محبوب قال " سألت أبا الحسن (ع) عن
الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه

(1) الوسائل باب 31 من أبواب النجاسات حديث 5
256

فكتب إلي بخطه: إن الماء والنار قد طهراه " (1)
وتقريب الاستدلال بالرواية أن قوله " أيسجد عليه " إن كان سؤالا
عن الحكم الفعلي للسجود فهو ظاهر في الاستفهام عن جوازه فيدل الجواب
بالمفهوم على عدم جوازه في حالة عدم وجود المطهر وبذلك يثبت المطلوب
وإن كان سؤالا عن طهارة الجص في الحالة المذكورة بهذا اللسان فهو ظاهر
في الفراغ عن كبرى عدم جواز السجود على النجس وسكوت الإمام عن
ذلك ظاهر في امضاء هذه الكبرى المفروغ عنها وحمل الكبرى المفروغ
عنها على مطلق الحزازة في السجود على النجس خلاف الظاهر.
وقد يستشكل باعتبار سقوط المدلول المطابقي منطوقا فيسقط المدلول
الضمني أو المفهومي حيث إن الجص ليس من التراب أو الأرض
ويندفع بأن مجرد الطبخ لا يخرجه عن عنوان الأرض ولو سلم كانت الرواية
بنفسها دليلا على التوسعة من هذه الناحية فلا موجب لسقوط المدلول
المطابقي.
ولكن المهم الاستشكال في المدلول المطابقي من ناحية أخرى وهي
أنه كيف يتصور التطهير بالماء والنار في مفروض المسألة.
وقد يوجه بأن النار توجب استحالة العظام والعذرة إلى رماد والماء
يطهر الجص بناء على عدم الاحتياج إلى العدد في الغسل (2)
ويندفع أما بناء على ما يلتزم به هذا الموجه وغيره من اشتراط انفصال
ماء الغسالة في حصول التطهير فواضح لأن الماء الملقى على الجص في مقام
البناء به لا ينفصل عنه.

(1) لوسائل باب 81 من أبواب النجاسات حديث 1
(2) التنقيح الجزء الثاني 312
257

وأما بناء على عدم اشتراط ذلك فالأمر أيضا كذلك لأن الماء يلقى
عليه الجص عادة بالتدريج فيخرج في الأثناء عن الاطلاق بسبب اختلاصه
مع مقدار من الجص الملقى ولا يصدق عليه في أواخر عملية القاء الجص
فيه إلا أنه مجرد رطوبات فكيف يفرض كفايتها في صدق عنوان الغسل
بالماء.
ومنها النبوي " جنبوا مساجدكم النجاسة " (1) ويرد عليه أولا ضعف
السند بالارسال وثانيا إن المساجد غير ظاهرة في مسجد الجبهة إذ لا أقل من
احتمال أن تكون بمعنى الأماكن المعدة للسجود والصلاة التي هي بيوت الله
ومع الاجمال لا يمكن الاستدلال إذ غاية ما يفيده الحديث حينئذ تشكيل العلم
الاجمالي بوجوب تطهير المسجد بأحد المعنيين وهو منحل بالعلم التفصيلي
بوجوب تطهير المسجد بالمعنى الثاني بل لا يبعد القول بأن الحديث ظاهر في
المساجد بالمعنى الثاني لظهوره في كون المسجد معنى ثابتا محفوظا في حالتي
الطهارة والنجاسة ويؤمر بابعاد النجاسة عنه نظير ما ورد من " جنبوا
مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " (2) وهذا لا يلائم - مسجد الجبهة الذي هو
غير متعين في مكان خاص فالأنسب لو كان النظر إليه أن يعبر بالنهي عن
السجود على الموضع النجس. وثالثا إن الحديث لما كان نبويا ومنقولا عن
غير طريق الأئمة عليهم السلام ولا يعلم تاريخ صدوره فالاستدلال به يتوقف
على اثبات تأخره عن انعقاد الحقيقة الشرعية للنجاسة ولا سبيل إليه.
ومنها الروايات الواردة في سياق النهي عن الصلاة على النجس
كمعتبرة زارة قال " سألت أبا جعفر (ع) عن البول يكون على السطح

(1) الوسائل باب 24 من أبواب أحكام المساجد حديث 2
(2) الوسائل باب 27 من أبواب أحكام المساجد حديث 4
258

أو في المكان الذي يصلي فيه فقال إذا جففته الشمس فصل عليه فهو
طاهر " (1) ونحوها معتبرة عمار التي جاء فيها بعد فرض الموضع القذر
اليابس قوله " لا يصلي عليه " وهذه الروايات معارضة بما دل على
الجواز كرواية علي بن جعفر المتقدمة في البارية التي تبل بماء قذر
والتعارض بنحو التساوي غير أن ما دل على جواز الصلاة على الشاذكونة
التي أصابتها الجنابة (3) يكون موجبا لانقلاب النسبة لأنه ناظر إلى غير
حيثية السجود بقرينة أن الشاذكونة لا يجوز السجود عليها على أي حال
فتكون مقيدة لمطلقات المنع وبذلك تكون هذه المطلقات أخص من مطلقات
الجواز ويثبت بها عدم جواز الصلاة على النجس من ناحية السجود وهذا
البيان مبني على انقلاب النسبة ومع عدم قبول ذلك فلا موجب للأخصية
المذكورة بل يعامل مع المتعارضين معاملة التساوي فيحمل ما دل على المنع
على الكراهة في مقام الجمع العرفي ولا يتم الاستدلال به في المقام وسيأتي
مزيد تحقيق لعلاج هذين المتعارضين عند الكلام حول اعتبار الطهارة في
مكان المصلي بعنوانه.
وعلى هذا فالمهم في اثبات اعتبار الطهارة في مسجد الجبهة هو التسالم
والارتكاز.
المسألة الثانية: في اعتبار الطهارة في المساجد الستة الأخرى بعد الفراغ
عن اعتبارها في مسجد الجبهة وحاصل الكلام في ذلك أن مدرك الاعتبار

(1) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 1
(2) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 4.
(3) من قبيل معتبرة زرارة الآتية في ص 571.
259

في الجبهة إن كان هو الاجماع فمن الواضح عدم شموله لها وإن كان هو
النبوي أو ما دل على عدم جواز الصلاة على النجس فقد يتوهم
اقتضاؤه اعتبار الطهارة في سائر المساجد غير أنك عرفت الحال في ذلك
بل لا يصح في المقام التمسك باطلاق المساجد في النبوي لأن مسجدية الستة
أمر عنائي فلا يشمله الاطلاق عرفا كما لا يصح التمسك باطلاق ما دل على
المنع من الصلاة على النجس بعد فرض المعارض ونكتة رفع المعارضة في
مسجد الجبهة إنما كان بلحاظ مخصص لدليل المنع أوجب انقلاب النسبة
وهذا المخص بنفسه يقتضي اطلاقه جواز وضع المساجد الستة على الشاذكونة
النجسة فلا يبقى تحت دليل المنع بعد التخصيص إلا مسجد الجبهة.
المسألة الثالثة: في اعتبار الطهارة في مكان المصلي بعنوانه أي بما هو
مصلى لا بما هو مسجد.
ويمكن الاستدلال لذلك بعدة روايات أحسنها معتبرة عبد الله بن بكير
قال " سألت أبا عبد الله (ع) عن الشاذ كونه يصيبها الاحتلام أيصلي عليها
فقال لا " (1)
وهي في نفسها ظاهرة في الاعتبار ولكنها معارضة بما دل على
الترخيص في موردها كمعتبرة زرارة عن أبي جعفر قال " سألته عن الشاذ
كونه يكون عليها الجنابة أيصل عليها في المحمل قال لا بأس " (2) فلا بد
من علاج هذا التعارض بأحد الوجود التالية:
الأول: حمل الرواية المانعة على الكراهة بقرينة الرخصة وهذا فرع
عدم امكان الجمع بالتخصيص.

(1) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 6 - 3
(2) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 6 - 3
260

الثاني: حمل الرواية المانعة على فرض الصلاة بنحو يسجد على الشاذ كونه
وحمل الرواية المرخصة على ما إذا لم يكن السجود عليها كما في المستمسك (1)
ويرد عليه أولا أن حمل المنع على فرض السجود الشاذ كونه لا يصح
لأن السجود عليها لا يصح حتى مع طهارتها مع كون المنع واضحا في كونه
بلحاظ النجاسة ومن هنا قلنا إن معتبرة عبد الله بن بكير أحسن ما يستدل به
لاعتبار الطهارة في مكان المصلي فهي تتميز على روايات أخرى يمكن
الاستدلال بها في المقام كمعتبرة عمار قال سئل عن الموضع القذر يكون
في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر قال
لا يصلي عليه... " (2) ومثلها معتبرة زرارة الواردة في مطهرية الشمس (3)
ومعتبرة زرارة وحديد المقاربة لها (4) فإن هذه الروايات دلت منطوقا
أو مفهوما على النهي عن الصلاة على الأرض النجسة لكن لما كانت
الأرض مما يصح السجود عليها بخلاف الشاذ كونه لم تكن في هذه الروايات
تلك القرينة الخاصة على أن النظر إلى اعتبار الطهارة في مكان المصلي من
غير ناحية مسجد الجبهة بينما معتبرة عبد الله بن بكير تشتمل على تلك القرينة.
وثانيا: أنه لو فرض جواز السجود على الشاذ كونه فالجمع بما ذكر
جمع تبرعي ولا يمكن الأخذ به بلا قرينة.
الثالث: أن تحمل رواية المنع على فرض النجاسة مع الرطوبة ورواية
الترخيص على صورة النجاسة مع الجفاف بقرينة ما دل على التفصيل المذكور
كمعتبرة عمار الآتية في البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها

(1) المستمسك الجزء الأول ص 491 من الطبعة الرابعة.
(2) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 4 - 1 - 2
(3) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 4 - 1 - 2
(4) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 4 - 1 - 2
261

فقال إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها ومعتبرة أخرى لعلي بن جعفر
بنفس المضمون و - هذا الجمع أنما يتجه فيما لو كان قصر دليل المنع
على فرض الرطوبة والسراية تخصيصا وأما إذا قيل إنه ليس تخصيصا بل
هو الغاء لعنوان الدليل رأسا بحيث يكون النهي عن الصلاة على النجس
لا من أجل هذا العنوان بل من أجل محذور السراية إلى الثوب والبدن وهذا
تأويل فلا موجب لتقديمه على الوجه الأول في مقام الجمع العرفي. وقد
يقال إن هذا المحذور إنما يلزم لو فرض أن قصر دليل المنع على فرض
الرطوبة كان يعني أن المحذور هو تنجس المصلي بدتا أو ثوبا وأما إذا قيل
بأن مرجع ذلك إلى مانعية أخرى وراء مانعية نجاسة البدن والثوب وهي
مانعية نجاسة المكان غير أن موضوع هذه المانعية حصة خاصة من نجاسة
المكان وهي النجاسة المقترنة بالرطوبة المسرية فلا يلزم المحذور المذكور حيث
يتحفظ على العنوان فيكون القصر المذكور تخصيصا لا الغاء.
وقد يشكل على ذلك باشكال ثبوتي حاصله لغوية جعل هذه المانعية
لأنها مساوقة لبطلان الصلاة من ناحية أخرى بسبب سراية النجاسة إلى
البدن والثياب ويمكن دفع هذا الاشكال بتصوير ثمرات لها منها فيما إذا
كانت السراية إلى ما لا تتم فيه الصلاة من لباس المصلي.
ومنها فيما إذا كانت السراية إلى موضع نجس بالفعل والمكلف مضطر
إلى الصلاة فيه ولكنه غير مضطر إلى الصلاة في ذلك المكان. ومنها فيما
إذا بني على عدم تنجيس المتنجس وكان المكان المرطوب متنجسا خاليا
من عين النجس أو متنجسا ثانيا ومنها في مجال الاحراز الظاهري لو كانت
الرطوبة مشكوكة البقاء إذ يجرى استصحاب بقائها إذا كان موضوع
المانعية نجاسة المكان مع الرطوبة ولا يجرى إذا كان المانع نجاسة الثوب
262

إذ لا تثبت السراية بالاستصحاب المذكور على ما تقدم في محله (1).
فالصحيح توجيه الاشكال اثباتا وذلك بأن يقال إن المانعية لنجاسة
المكان المقارنة مع الرطوبة إن أريد استفادتها من نفس ما دل على التفصيل
بين حالتي الرطوبة والجفاف كمعتبرة عمار وغيرها (2) فمن الواضح
أن ارتكاز إناطة السراية بالرطوبة واعتبار الطهارة في الثوب والبدن
يوجب انصراف الذهن عرفا عند تلقى مثل هذا الدليل إلى كون الملحوظ
ذلك الأمر المركوز لا جعل مانعية جديدة وإن أريد استفادة هذه المانعية من
نفس المطلقات المنع بعد رفع اليد عن اطلاقها لفرض جفاف المكان بمقيد
منفصل وهو معتبرة عمار وغيرها فقد يوجه ذلك بأن المطلقات في نفسها
ظاهرة في مانعية نجاسة مكان المصلي بعنوانه لعدم إناطة المانعية فيها بالرطوبة
المسرية وتقييدها بذلك بمقيد منفصل غاية ما يوجبه رفع اليد عن اطلاقها
لا قلب ظهورها فينتج المطلوب، إلا أن هذا إنما يتجه فيما لو لم نقل بأن
قرينية المخصص والمقيد المنفصل على التخصيص والتقييد منوطة بصلاحيته
لذلك على فرض الاتصال وقد عرفت أنه على فرض الاتصال ينقلب الظهور
فلا يتم الوجه المذكور.
الرابع أن يقال بأخصية معتبرة زرارة من معتبرة عبد الله بن بكير لأنها
وردت في الصلاة على الشاذ كونه في المحمل والصلاة التي تصلي في المحمل
عادة في حالة الاختيار إنما هي صلاة النافلة فتجعل هذه العبارة قرينة على
النظر إلى النافلة فتكون أخص موضوعا من رواية المنع فليزم بالتفصيل
بين الفريضة والمندوبة.

(1) تقدم في بحث السراية في أول فصل كيفية تنجس المتنجسات.
(2) وهي معتبرة علي بن جعفر الآتية
263

ولكن لو سلم ذلك فقد يعوض عن معتبرة زرارة المرخصة بغيرها
مما لا تختص بالمحمل كرواية ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) قال:
" قلت لأبي عبد الله (ع): أصل على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة فقال:
لا بأس " (1) ومعتبرة علي بن جعفر المشار إليها مرارا عن أخيه موسى
قال " سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذرا يصلي عليه قال إذا يبست
فلا بأس " (2) ومثلها معتبرة عمار الساباطي (3) بنفس المضمون فهذه
الروايات مطلقة للفريضة والنافلة بل يصح عرفا تخصيصها بالنافلة خاصة
فتعارض معتبرة عبد الله بن بكير.
ولكن رواية محمد بن أبي عمير ضعيفة السند بصالح النيلي لأنه وإن
روى عنه صفوان غير أنه مضعف من النجاشي وبمحمد بن أبي عمير لأنه
غير ابن أبي عمير الثقة جزما أو احتمالا ولم تثبت وثاقته فإن ابن أبي عمير
الثقة من أصحاب الكاظم وممن يروى عن عدد كبير من أصحاب الصادق
وهذا ممن يروى عن الإمام الصادق مباشرة وهناك قرائن تؤيد تعدد محمد
ابن أبي عمير من جملتها إن النجاشي قد أرخ وفاة محمد بن أبي عمير الثقة
بسنة مأتين وسبعة عشر أي في أواخر حياة الإمام الجواد عليه السلام مع
أن الكليني ذكر في الكافي في باب الرجل يموت ولا يترك إلا امرأته
بسنده إلى محمد بن نعيم الصحاف رواية تدل على موت محمد بن أبي عمير
بياع السابري ومراجعة العبد الصالح بشأن تركته (4) والعبد الصالح ظاهر

(1) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 4
(2) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 2 - 5
(3) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 2 - 5
(4) نقلها عنه وعن الشيخ في الوسائل باب 4 من أبواب ميراث
الأزواج حديث 2.
264

في الإمام الكاظم فإن تم سند هذه الرواية وثبت توثيق محمد بن نعيم على
أحد الاحتمالين في كلام للنجاشي في ترجمة الحسين بن نعيم (1) فهو دليل
شرعي واضح على التعدد وإلا أمكن أيضا الاعتماد عليها بتقريب أن محمد
بن أبي عمير كان شخصا شهورا ومرجعا في الطائفة ولا يخفى أمره عادة
ومن الواضح عموما حياته بعد الإمام الكاظم فغير الثقة لا يقدم أيضا على
الاخبار عن وفاة شخص من هذا القبيل في وسط الرواة الذين يعرفون
حال محمد بن أبي عمير فلو لم يكن التعدد أمرا مفترضا أو ممكنا لما صدرت
مثل هذه الرواية.
ومما يوضح التعدد أيضا ما نقله الكشي من محمد بن إبراهيم الوراق
عن علي بن محمد بن يزيد القمي عن بنان بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير
عن هشام بن سالم عن محمد بن أبي عمير قال دخلت إلى أبي عبد الله...
الحديث (2) فقد جاء ابن أبي عمير مرتين في السند وهو دليل التعدد
وكون الواسطة غير ثقة (3) لا يضر لجريان التقريب السابق.
وأما معتبرتا علي بن جعفر وعمار فالاستدلال بهما لا يصح ممن يقول

(1) قال النجاشي في ترجمته " الحسين بن نعيم الصحاب مولى بني
أسد ثقة وأخواه علي ومحمد رووا عن أبي عبد الله (ع).. " حيث حكي
عن المجلسي الأول استفادة توثيق الحسين وعلي ومحمد من هذه العبارة فكأنهما
بمعنى " ثقة هو وأخواه " وحكم الآخرون بعدم استفادة توثيق غير الحسين منها
(2) الوسائل باب 9 من أبواب المواقيت حديث 14 ورجال الكشي
حديث 224.
(3) باعتبار عدم ثبوت وثاقة محمد بن إبراهيم الوراق وعلي بن محمد
القمي وبنان بن محمد بن عيسى.
265

(مسألة 1) إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر
وبعضه نجس صح إذا كان الطاهر بمقدار الواجب فلا يضر
كون البعض الآخر نجسا وإن كان الأحوط طهارة جميع
ما يقع عليه (1) ويكفي كون السطح الظاهر من المسجد طاهرا
وإن كان باطنه أو سطحه الآخر أو ما تحته نجسا فلو وضع التربة
محل نجس وكانت طاهرة ولو سطحها الطاهر صحت صلاته

(1) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 1
266

(مسألة 2) تجب إزالة النجاسة عن المساجد (1) داخلها
وسقفها لا سطحها وطرف الداخل من جدرانها

(1) راجع مفتاح الكرامة المجلد الأول ص 157
267

فلا بأس " (1) وقد نقلها الشيخ الحر عن كتاب علي بن جعفر فهي
صحيحة السند (2) وتقريب الاستدلال بها بوجوه:
الأول: إن الرواية تدل بالمفهوم على وجوب التطهير من النجاسة غير
الجافة وباعتبار عدم القول بالفصل بين حالة الجفاف وعدمها يقيد المنطوق
بالجفاف بالشمس المساوق للطهارة بناء على مطهريتها ويرد عليه أن دعوى
الاجماع على عدم الفصل غير واضحة وقد تكون دعوى الاجماع البسيط
على أصل المطلوب أوضح.
الثاني: إن ظاهر السؤال عن الصلاة قبل الغسل أن أصل لزوم الغسل
مفروغ عنه وإنما الكلام عن تأخيره وقد أمضي ذلك في مقام الجواب وفيه
أن ظاهره افتراض وقوع الغسل لا الفراغ عن لزومه ويكفي في الافتراض
المذكور جريان العادة على ذلك واقتضاء السنة له.
الثالث: إن صيغة السؤال " أيصلي فيه " ظاهرة في السؤال عن جواز
الصلاة كما هو الحال أشباه هذا التركيب ولما كان المسؤول عنه هو جواز
الصلاة قبل الغسل لا جواز الصلاة بلا غسل رأسا دل بظاهره على أن
اهمال الغسل رأسا مما قد فرغ عن عدم جوازه عند السائل فيدل الجواب
على وجوب الغسل بالامضاء ولكن هذا يتوقف على أن يكون المفروغ
عنه عدم جواز اهمال الغسل بلحاظ النجاسة فيثبت حينئذ وجوب التطهير
من النجاسة ولا يضر بذلك عدم كون بول الدابة نجسا لأن رفع اليد عن
أصالة الجد بلحاظ التطبيق لا يلزم منه رفع اليد عنها بلحاظ الكبرى المستفادة

(1) الوسائل باب 9 من أبواب النجاسات حديث 18.
(2) لأن كتاب المسائل لعلي بن جعفر وصل إلى الشيخ بطريق معتبر
ذكره في ترجمة علي بن جعفر في الفهرست ثم وصل إلى الشيخ الحر
بطرقه المعتبرة إلى الشيخ كما ذكر ذلك في خاتمة الوسائل.
268

وأما إذا كان المفروغ عنه عدم جواز اهمال الغسل لا بلحاظ النجاسة بل
تنزيلها للمسجد عن كل ما يشين فلا يتم الاستدلال لأن مثل هذه الكبرى
أوسع من المدعى فإذا كان من المعلوم عدم وجوب التنزيه بهذا العرض
العريض فلا يبقى ما يدل على المطلوب وقد يقرب أن الملحوظ في الغسل
ليس هو النجاسة تارة باستبعاد عدم معرفة علي بن جعفر لطهارة بول
الدابة وأخرى بأم الملحوظ لو كان هو النجاسة فأي فرق بين فرضي
الجفاف وعدمه ويمكن دفع المقرب الأول بعدم التسليم بأن طهارة بول
الدواب كان واضحا في ذلك الزمان مع كثرة ما صدر منهم من الأمر بالغسل
منه وشيوع السؤال عنه من كبار الرواة من أمثال محمد بن مسلم وزرارة
بل من علي بن جعفر في روايتين (1) أيضا ويمكن دفع المقرب
الثاني بأن احتمال كون الجفاف مؤثرا في عدم وجوب الاسراع بالغسل
وجواز تأخيره إلى ما بعد الصلاة ليس على خلاف الارتكاز العرفي ولو
سلم كونه كذلك فليكن هذا الارتكاز مقيدا بما إذا جف بالشمس بناء
على مطهرية الشمس ولكن يبقى على أي حال احتمال أن تكون الكبرى
المفروغ عنها هي كبرى التنزيه عن كل ما يشين التي لا يمكن الالتزام بالوجوب
فيها اللهم إلا أن يقال إنه لا مانع من الالتزام بالوجوب في حدود هذه
الكبرى أيضا إلا ما خرج بدليل والتطهير من النجس الشرعي هو المتيقن منها
ومما استدل به في المقام روايتان للحلبي ولعلها واحدة رويت بطريقين
إحداها ما ينقله الكليني بسنده عن محمد الحلبي قال " نزلنا في مكان بيننا
وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد الله (ع) فقال: أين نزلتم؟
فقلت: نزلنا في دار فلان: إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا. وقلنا له

(1) الوسائل باب 9 من أبواب النجاسات حديث 5 - 6 - 7 - 19 - 21
269

إن بيننا وبين المسجد زقاق قذرا فقال: لا بأس أن الأرض تطهر بعضها
بعضا.. " (1)
والآخر ما جاء في السرائر نقلا عن نوادر أحمد بن محمد بن علي أبي نصر عن
المفضل بن عمر عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال " قلت له إن
طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه فر بما مررت فيه وليس على حذاء
فيلصق برجلي من نداوته فقال: أليس تمش بعد ذلك في أرض يابسة قلت: بلى
فلا بأس أن الأرض تطهر بعضها بعضا قلت: فأطأ على الروث الرطب؟
قال: لا بأس إنا والله ربما وطئت عليه ثم أصل ولا أغسله " (2).
والاستدلال بالروايتين بلحاظ ما يظهر من وجود محذور في الدخول
إلى المسجد بعد المرور بالزقاق القذر وليس ذلك إلا من ناحية حرمة
التنجيس نعم لا يدل ذلك على وجوب التطهير بينما ما يدل من للروايات على
هذا الوجوب يدل عرفا على حرمة التنجيس كما هو واضح. والظاهر عدم
تمامية الاستدلال لسقوط الروايتين سندا ودلالة أما السند فلسقوط الأولى
بمحمد بن إسماعيل الواقع بين الكليني والفضل بن شاذان وهو لم يتعين في
الثقة. نعم لو بني على تصحيح اساتيد كامل الزيارات أمكن تصحيحه
لوروده على هذا النحو هناك (3) ولسقوط الثانية لعدم معلومية طريق السرائر
إلى النوادر. وأما الدلالة فلأن تعارف قصد المسجد للصلاة فيه لا يبقى ظهورا
في أن المحذور المنظور هو تنجيس المسجد لامكان أن يكون هو وقوع
الصلاة في النجس خصوصا في الرواية الثانية حيث صرح فيها بكون
الشخص حافيا وجاء فيها قوله: " أصل ولا أغسله " ودعوى إن هذا

(1) الوسائل باب 32 من أبواب النجاسات حديث 4
(2) الوسائل باب 32 من أبواب النجاسات حديث 9.
(3) كامل الزيارات الباب السادس حديث 1.
270

الاحتمال خلاف الظاهر في الرواية الأولى لأن العادة جارية على عدم المشئ
حافيا ونجاسة الحذاء لا أثر لها بالنسبة إلى الحذاء مدفوعة بأن هذه العادة لم
تكن بدرجة توجب الانصراف العرفي لشيوع المشي حافيا في ذلك العصر
أيضا على أن النعل لا تصون نفس القدم من وصول النجاسة إليها غالبا
مضافا إلى أن الرواية تعبر عن قضية معينة خارجية ويحتمل اطلاع الإمام (ع)
بصورة عادية على حال الجماعة من هذه الناحية.
ومن الروايات المستدل بها ما ورد في كيفية اتخاذ الكنيف مسجدا
كمعتبرة الحلبي " في حديث " أنه قال لأبي عبد الله (ع) " فيصلح المكان
الذي كان حشا زمانا أن ينظف ويتخذ مسجدا؟ فقال: نعم إذا ألقي
عليه من التراب ما يواريه فإن ذلك ينظفه ويطهره " (1) ومثلها معتبرة
ابن سنان (2) ورواية مسعدة بن صدقة (3) وغيرها (4) والاستدلال بها
إن كان بلحاظ ما تدل عليه من اللزوم تنظيف الكنيف عند اتخاذه مسجدا
فمن الواضح إن هذا أعم من وجوب التطهير المراد اثباته لأن ذاك من
المقتضيات الواضحة لحرمة المسجد واعتباره وإن كان بلحاظ التعليل بأنه
يطهره والتعدي بقانون التعليل إلى وجوب التطهير مطلقا ففيه أن هذا
التطهير لم يرد به التطهير الشرعي كما هو واضح لأن اخفاء التراب النجس
ليس مطهرا له بل أريد به اصلاح حال المكان بنحو يليق للمسجدية.
وقد يستدل بالنبوي المتقدم " جنوا مساجدكم النجاسة " بناء

(1) الوسائل باب 11 من أبواب أحكام المساجد حديث 1 - 4 - 5.
(2) الوسائل باب 11 من أبواب أحكام المساجد حديث 1 - 4 - 5.
(3) الوسائل باب 11 من أبواب أحكام المساجد حديث 1 - 4 - 5.
(4) كرواية أبي الجارود المذكورة في الوسائل باب 11 من أبواب
أحكام المساجد حديث 3 وغيرها.
271

على أن المراد بالمساجد المعنى المقصود هنا كما هو الظاهر وأن يراد بالنجاسة
ما يعم الحكمية أي صفة النجاسة لا عينها وإلا لاختص الوجوب بتجنب عين
النجس وعلى أي حال فالاستدلال ساقط لضعف السند بالارسال.
وقد يستدل بمعتبرة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر في حديث طويل
" إن الله أوحى إلى نبيه أن طهر مسجدك وأخرج من المسجد من يرقد
فيه بالليل " الحديث (1) حيث دل مفادها على وجوب التطهير وهو يدل
على حرمة التنجيس بالفحوى العرفية كما تقدم ويرد عليه:
أولا أن مورد الرواية مسجد النبي (ص) والتعدي منه - مع احتمال
الفرق - بلا موجب وثانيا أن الأمر للنبي بالتطهير لعله بلحاظ
الولاية والمنصب كما يشهد له الأمر باخراج الراقدين فلا يثبت به حكم
شرعي عام.
وقد يستدل بآيتين كريمتين
إحداهما قوله تعالى مخاطبا إبراهيم " وطهر بتي للطائفين والقائمين
السجود " (2) والاستدلال بذلك يتوقف.
أولا على امكان التعدي من بيته وهو الكعبة الشريفة إلى مطلق
المساجد إما بدعوى أن المراد بالبيت في الآية طبيعي بيته فيكون ما دل على
أن المساجد بيوت الله حاكمة أو بدعوى أن المراد ببيته وإن كان هو الكعبة
ولكن الإضافة ظاهره في العلية فكأنه قال طهره لأنه مضاف لي بهذا
العنوان فيعم سائر المساجد بلحاظ مال على أنها بيوت الله أو بدعوى أن
مورد الآية وإن كان هو الكعبة ولكن التطهير من أجل القائمين والركع
والسجود لا يختص بها فيعم الحكم كل المحال المعدة لهؤلاء إعدادا شرعيا

(1) الوسائل باب 15 من أبواب الجنابة حديث 1
(2) الحج " 26 ".
272

وكل هذه الوجوه محل نظر كما هو واضح.
وثانيا على أن يكون التكليف لإبراهيم (ع) لا باعتبار المنصب
والولاية وإلا لم يكف لاثبات حكم شرعي عام.
وثالثا على اثبات إن كلمة الطهارة عند نزول الآية الكريمة كانت
ظاهرة في المعنى الشرعي ولا يحتاج إلى اثبات هذا التطور للكلمة في عصر
إبراهيم كما قيل لأن الآية الكريمة لا تنقل الخطاب الموجه لإبراهيم باللفظ
بل بالمعنى فلو فرض أن الكلمة كانت ظاهرة في المعنى الشرعي عند نزول
الآية كفى ذلك في معرفة المعنى المقصود الذي خوطب به إبراهيم وحمله
على المعنى الشرعي:
والآية الأخرى قوله تعالى " إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد
الحرام " (1) وبقرينة التفريع يعرف أن كل نجس لا يقرب المسجد الحرام
غير أن الاستدلال بها يتوقف.
أولا: على امكان التعدي من المسجد الحرام إلى غيره مع احتمال الفرق
عرفا لاختصاص المسجد الحرام بأحكام احترامية معينة كحرمة استطراق
الجنب مثلا.
وثانيا: على أن يراد بالنجس النجاسة الشرعية للمشرك لا قذارته المعنوية
على ما تقدم في بحث نجاسة الكافر ومع افتراض كلا هذين الأمرين فالآية
لا تشمل التنجيس بالمتنجس لعدم كونه نجسا ومن ناحية أخرى تشمل مطلق
ادخال النجاسة ولو لم تكن منجسة.
وعلى كل حال فأحسن هذه الوجوه دلالة على المقصود رواية علي
ابن جعفر الأولى المدعمة بعدم الخلاف والارتكاز المتشرعي العام.

(1) التوبة (28).
273

بل والطرف الخارج على الأحوط (1) لا أن لا يجعلها الواقف
جزءا من المسجد بل لو لم يجعل مكانا مخصوصا منها جزءا
لا يلحقه الحكم ووجوب الإزالة فوري (2) فلا يجوز التأخير
بمقدار ينافي الفور العرفي ويحرم تنجيسها أيضا
(1) هذا الاحتياط ينبغي أن يكون استحبابيا لأن المدارك التقدمة
يشكل اطلاقها للطرف الخارج سواء كان المدرك الاجماع أو معتبرة علي بن
جعفر أو رواية الحلبي في الزقاق القذر أو ما دل على الأمر
بتطهير البيت أما الأول فواضح لكونه لبيا، وأما الثاني فلأن
الارتكاز المكتشف ضمنا ليس له اطلاق ليتمسك به لأن الرواية لم تكن
مسوقة لبيانه وأما الثالث فلأن فرضه هو الدخول إلى المسجد بالنجاسة
لامس الطرف الخارج فحسب وأما الرابع فلأن تطهير عنوان البيت عرفا
لا يشمل الطرف الخارجي له لخروجه عادة عن محل الاستعمال فلا يجب
تطهير الطرف الخارج من المسجد ما لم يلزم من تركه الإهانة والهتك المحرم
(2) قد يقال إن الأمر بشئ لا يدل على الفور ولكن التحقيق دلالته
في المقام لأن الأمر إن كان ناشئا عن مصلحة في متعلقه فلا ظهور له في
الفور لامكان قيام المصلحة بالجامع بين الأفراد الطولية وأما إذا استظهر
من دليله أنه من أجل وجود المفسدة في ترك متعلقة فحيث إن المفسدة
انحلالية بحسب الارتكاز العرفي فينعقد له ظهور في الفور لأجل التخلص
من تمام أفراد المفسدة ومقامنا من هذا القبيل ولكن هذا لو فرض ورود
274

بل لا يجوز ادخال عين النجاسة فيها وإن لم تكن منجسة إذا
كانت موجبة لهتك حرمتها بل مطلقا على الأحوط (1) وأما
ادخال المتنجس فلا بأس به ما لم يستلزم الهتك
دليل لفظي آمر بالغسل أو التطهير والأمر أوضح لو كان مستند وجوب
التطهير النهي عن قرب النجس من المسجد فإن النهي باعتبار انحلاليته يقتضي
اعدام القرب في كل آن. وأما مع عدم تمامية دليل لفظي بهذا اللسان أو بذاك
فينحصر اثبات وجوب الفور بالاستناد إلى الاجماع والارتكاز أو إلى ما يفهم
من معتبرة علي بن جعفر من عدم جواز تأخير الغسل الغسل إلى ما بعد الصلاة
في فرض عدم الجفاف
(1) الظاهر الجواز مع عدم الهتك كما يظهر وجهه مما تقدم لأن
ما يمكن على الاستناد إليه في اثبات الحكم يختص بفرض كون النجاسة منجسة
فإن هذا هو المتيقن من التسالم وهو مورد معتبرة علي بن جعفر
كما أن الرواية الحلبي لو تمت دلالتها لم يكن للمحذور الملحوظة
فيها ضمنا اطلاق يتمسك به في المقام لأنها لم تكن في مقام البيان من
ناحيته نعم لو تم الاستدلال بالنبوي المتقدم أو بآية " إنما المشركون
نجس " لأمكن أن يدعى التعميم ففي الأول إن لوحظت النجاسة بما
275

(مسألة 3) وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي
ولا اختصاص له بمن نجسها أو صار سببا فيجب على كل
أحد (1)

(1) المستمسك الجزء الأول ص 496 من الطبعة الرابة.
276

وجوب التطهير على المنجس بنحو يلزمه أن يحول دون تصدي الآخرين
لذلك تمكينا لنفسه من مباشرة التطهير فهو غريب وغير محتمل في نفسه
وإن أريد على نحو لا يلزمه ذلك فلا بد من افتراض إحدى العنايات المتقدمة
للوجوب الكفائي.
ومنها إن ما قيل من منافاة انكار الوجوب الكفائي في هذه الحالة
للأدلة اللفظية محل اشكال لأن مهم الدليل اللفظي معتبرة علي بن جعفر
وهي واردة في غير هذه الحالة ولا اطلاق فيها بل وكذلك الأمر أيضا في
رواية الحلبي فإنها إنما تدل لو تمت على حرمة التنجيس لا على وجوب
التطهير لأن حرمة التنجيس لا تستلزم عرفا وجوب التطهير لأن فيه عناية
زائدة وفي التنجيس من الحزازة عرفا ما لا يوجد في ترك التطهير. ولو
سلم استفادة وجوب التطهير مما دل على حرمة التنجيس فليس مثل رواية
الحلبي في مقام البيان من ناحية حرمة التنجيس فضلا عن وجوب التطهير
ليتمسك باطلاقه نعم لو كان المدرك مثل النبوي ونحوه لا مكن التمسك
باطلاقه لاثبات الوجوب الكفائي في هذه الحالة ولا انحصر مدركه فيها
بالأدلة اللبية.
ومنها أنه قد لوحظ في هذا البيان خطاب وجوب التطهير فقيل إن
نسبته إلى المنجس وغيره على نحو واحد ولكن يمكن أن يوجه ما عن
الشهيد قدس سره بملاحظة خطاب حرمة التنجيس بدعوى إن المتفاهم منه
عرفا كون المحرم والمبغوض الأثر الحاصل وهو النجاسة وهو مما له حدوث
وبقاء فكما أن حدوثه مستند إلى المنجس كذلك بقاؤه وكلاهما محرم ولهذا
277

(مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد وقد دخل وقت
الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدما على الصلاة مع سعة
وقتها ومع الضيق قدمها ولو ترك الإزالة مع السعة واشتغل
بالصلاة عصى لترك الإزالة لكن في بطلان صلاته اشكال
والأقوى الصحة (1)
278

هذا إذا أمكنه الإزالة وأما مع عدم قدرته مطلقا أو في ذلك
الوقت فلا اشكال في صحة صلاته (1)
ولا فرق في الاشكال في الصورة الأولى بين أن يصلى
في ذلك المسجد أو في مسجد آخر (2) وإذا اشتغل غيره
بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقق الإزالة (3)
وجوب الجامع والحالة هذه تفترض امكان سبق الوجوب على زمان القدرة
على الواجب وثانيها - بعد فرض عدم تمامية الوجه السابق - الالتزام بالأمر
الترتيبي بالجامع لئلا يلزم محذور سبق الوجوب على زمان القدرة على الواجب
وثالثها - بعد افتراض استحالة الترتب - الالتزام بتصحيح الصلاة بالملاك
بناء على امكان التقرب بلحاظ الملاك وامكان احرازه مع سقوط الخطاب
بلحاظ اطلاق المادة أو الدلالة الالتزامية وقد تكلمنا عن تفصيل ذلك
في الأصول.
هذا كله بناء على عدم اقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص
وإلا دخل خطاب صل وأزل في باب التعارض وخرج عن باب التزاحم
لاستلزام الجمع بينها الجمع بين الوجوب والحرمة في فعل واحد ولا يتم
حينئذ الوجه الأول ولا الثاني لعدم امكان اجتماع الأمر والنهي وأما الوجه
الثالث فهو مربوط حينئذ بأن النهي الغيري هل يوجب سلب صلاحية
متعلقة للتقرب به كالنهي النفسي أولا وتحقيق الكلام في ذلك في الأصول
(1) لعدم فعلية الأمر بالإزالة لكي يزاحم اطلاق الأمر بالفريضة
(2) باعتبار أن طرف المزاحمة هو الصلاة في نفس الوقت من دون
تقييد بمكان دون مكان
(3) لأن ذلك هو مقتضى كفائية وجوب التطهير نعم يشكل فيما
279

(مسألة 5) إذا صلى ثم تبين له كون المسجد نجسا
كانت صلاته صحيحة (1)
280

وكذا إذا كان عالما بالنجاسة ثم غفل وصلى (1)
استحالة التقرب بما هو مبعد ومعصية للنهي فهذا يختص يفرض العلم إذ
لا معصية في فرض الجهل.
(1) إذا بني على الفرق بين الشاك والغافل من ناحية اطلاق الخطاب
للأول دون الثاني بدعوى قابلية الشاك للتحرك ولو عن احتمال التكليف
بخلاف الغافل فصحة الصلاة من الغافل أوضح حينئذ من صحتها من الشاك
لعدم فعلية خطاب الإزالة في حق الغافل حتى مع الالتزام باطلاق أدلة
وجوب التطهير للشاك وإذا بني على أن الغفلة كالشك عذر عن الجري على
طبق التكليف مع فعلية خطابة فحال الغافل كالشاك ولعل المعروف التفرقة
بين الشك والغفلة والظاهر عدم الفرق وشمول الخطابات الواقعية للغافل
أيضا كالشاك لأن المدلول التصديقي لها من الجعل بمبادئه من الإرادة
والكراهة والمصلحة والمفسدة قابل للشمول للغافل بدون محذور عقلي وإنما
المحذور في الشمول للغافل ينشأ من ظهور الخطاب في كونه ابراز للحكم
ولتلك المبادئ بداعي تحريك المكلف لا لمجرد اعلامه بها فلولا هذا
الظهور العرفي في الخطاب لم يكن في مدلول الخطاب ما يأبى الشمول للغافل
بل للعاجز عن ذات الفعل أيضا واستحالة الشمول لبعض الأفراد إنما هي
من نتائج هذا الظهور التصديقي في الخطاب فلا بد من تحديد مفاده العرفي
وتوضيحه أن المكلف تارة يكون عاجزا عن ذات الفعل كالمشكوك وأخرى
يكون قادرا على ذات الفعل ولكنه غير قادر على الانبعاث عن التكليف
به إما لغفلته ونسيانه أو لاعتقاده بعدمه وثالثة يكون قادرا على ذات الفعل
وعلى الانبعاث وهذا يشمل الشاك الملتفت فإن كان مفاد ذلك الظهور العرفي
قصد أن يكون الخطاب محركا لكل من يشمله فيستحيل أن يكون شاملا
281

وأما إذا علمها أو التفت إليها في أثناء الصلاة فهل يجب
اتمامها ثم الإزالة أو ابطالها والمبادرة إلى الإزالة وجهان أو وجوه
والأقوى وجوب الاتمام (1)
للعاجز وللغافل وللمعتقد بالعدم للزم كون المقصود تحريكهم بالخطاب
وهو غير معقول وإن كان مفاد ذلك الظهور - كما هو الظاهر - قصد أن
يكون الخطاب محركا لكل من يصل إليه ممن يشملهم بأي مرتبة من
الوصول فلا يكون الظهور المذكورة قرينة على عدم شمول الخطاب للغافل
وللمعتقد بالعدم لأن شموله لهما لا يعني قصد تحريكها بالخطاب فعلا بل
قصد تحريكها به لو وصل إليهما فالميزان في شمول الخطاب لفرد أن يكون
ممن يعقل تحريكه بالخطاب على فرض وصوله إليه لا ممن يعقل تحريكه به
بمجرد شموله له وهذا الميزان ينطبق على الغافل والمعتقد بالعدم ولكنه
لا ينطبق على العاجز عن ذات الفعل فإنه لا يعقل قصد تحريكه بالخطاب
ولو منوطا بوصوله ومن هنا يفرق بين العاجز والغافل والمعتقد بالعدم
فيبنى على عدم شمول الخطاب للأول وشموله للأخيرين.
(1) ومحل الكلام فرض عدم امكان الفرار من محذور قطع الصلاة
ومحذور التراخي معا وأما مع امكان التحرز من كلا المحذورين فلا اشكال
كما إذا لم تستدع الإزالة ابطال الصلاة أو كان المصلي في آخر صلاته بنحو
لم يستدع اكمالها التراخي العرفي وكيف كان فقد يقال في فرض الدوران
بين المحذورين المذكورين إن دليل الفورية في الإزالة لا يقتضي الفورية بنحو
يوجب قطع الصلاة المبدؤة بها بوجه شرعي لأنه إما الاجماع أو معتبرة
علي بن جعفر المتقدمة والأول قاصر عن اثبات ذلك والثاني إنما يمنع عن
الاقدام على الصلاة بدلا عن الإزالة ولا يلزم من ذلك المنع عن اتمامها
282

بدلا عن الإزالة وعليه فيتعين اكمال الصلاة.
وقد يقال إن دليل حرمة القطع يرتفع موضوعه بدليل وجوب الفورية
لأن تحريم القطع في دليله منوط بعدم وجود حاجة لازمة يخشى فوتها
ووجوب الفورية يجعل الاسراع بالإزالة حاجة تفوت باتمام الصلاة وقد
يقال إن كلا من دليل حرمة القطع ودليل الفورية لا اطلاق له لمحل الكلام
لكون المعول فيه على الاجماع والارتكاز ولا اطلاق فيه فتجري أصالة
البراءة عن القطع بالإزالة وأصالة البراءة عن ترك الإزالة لاكمال الصلاة
مع الالتزام بحرمة القطع بغير الإزالة وعدم جواز ترك الإزالة بدون اكمال
الصلاة هذا فيما إذا لم يوجد استصحاب حاكم كالاستصحاب حرمة قطع
الصلاة فيما إذا كانت النجاسة حادثة في الأثناء أو استصحاب وجوب
الإزالة فورا فيما إذا كانت النجاسة حادثة قبل الصلاة وقيل بصحة اجراء
استصحاب الفورية على الرغم من انحلالها إلى وجوبات متعددة حدوثا وبقاء
لمكان وحدتها العرفية وقد يقال بادخال محل الكلام في باب التزاحم غير
أن ذلك يتوقف على افتراض الاطلاق في كل من دليل حرمة القطع ووجوب
الفورية وإذا صح هذا الافتراض وقع التزاحم بين الحكمين وكان من التزاحم
بين وجوب الشئ وحرمة مقدمته لأن التطهير الفوري واجب وهو يتوقف
على الاستدبار أو الفعل الكثير الذي يكون إبطالا للصلاة فحرمة المقدمة
تنافي وجوب ذي المقدمة، وعليه فإن قدمت حرمة القطع بقوانين باب
التزاحم اقتضى ذلك رفع اليد عن اطلاق خطاب وجوب الإزالة وتقيده
بفرض القطع مع الالتزام بحرمة القطع على الاطلاق وإن بني على مساواة
الخطابين لعدم أقوائية احتمال الأهمية في أحدهما اقتضى ذلك رفع اليد عن
اطلاق كل من الخطابين فيلتزم بوجوب الإزالة مشروطا بالقطع وبحرمة القطع
مشروطا بترك الإزالة وإن بني على تقديم وجوب الإزالة كان خطاب وجوب
283

الإزالة فعليا ومطلقا وكانت حرمة القطع مشروطة بفرض ترك الإزالة نعم
لو فرض إضافة إلى البناء على تقديم وجوب الإزالة البناء على أن وجوب
الشئ المتوقف على مقدمة محرمة يستلزم الوجوب الغيري لطبيعي تلك
المقدمة بالحصة الموصلة خرج عن باب التعارض وطبقت عليه قوانين باب
التزاحم.
فإن قيل هذا صحيح مع إنكار الوجوب المقدمي رأس وأما مع
القول بوجوب المقدمة الموصلة فيلزم من الجمع بين الحكمين في عالم الجعل
اتصاف مطلق المقدمة بالحرمة واتصاف حصنه منها بالوجوب وهو غير
معقول قلنا إن الحرمة مشروطة - كأي حكم الزامي آخر - بعدم الاشتغال
بالمزحم المساوي أو الأهم وفرض المقدمة الموصلة هو فرض الاشتغال بالمزاحم
المساوي أو الأهم فلا تنافي بين الحرمة المشروطة كذلك ووجوب المقدمة
الموصلة وهذه النكتة هي التي تميز الموارد التي تدخل في باب التعارض
من حالات التزاحم عن غيرها فإنه في كل حالة من حالات التزاحم " أي
العجز عن امتثال مجموع تكليفين " لا بد أن يلاحظ المجعول بوجوده
المشروط أدى ذلك إلى دخول المقام في باب التعارض لأن الخطاب الأهم
في هذه الحالة ينافي الخطاب المهم ويأبى عن ثبوته ولو بنحو الترتب
لاستحالة اتصاف القطع بالحرمة النفسية ولو على وجه الترتب مع وجوب
الغيري وكلما استحال الترتب في موارد التزاحم دخل الدليلان المتزاحمان في
باب التعارض كما بينا نكتة في أبحاثنا في الأصول وهذا بخلاف ما لو بني
على إنكار الوجوب الغيري رأسا فإن فعلية وجوب الإزالة على الاطلاق
تلائم حينئذ مع الحرمة الترتبية للقطع وكذلك لو بني على اختصاص
الوجوب الغيري بالحصة الموصلة لأن فرضها هو فرض الإزالة فلا ينافي
هذا الوجوب حرمة القطع الترتبية أي المقيدة بنفسها أو بمتعلقة بفرض
284

(مسألة 6) إذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز
تنجيسه ثانيا بما يوجب تلويثه بل وكذا مع عدم التلويث إذا
كانت الثانية أشد وأغلظ من الأولى وإلا ففي تحريمه تأمل بل
ترك الإزالة وبهذا يتضح أنه كلما كان هناك تزاحم بين وجوب ذي المقدمة
وحرمة المقدمة وبنى على تقديم الوجوب وقيل بالوجوب الغيري لمطلق
المقدمة دخل المورد في باب التعارض لأن المحذور حينئذ ليس بلحاظ عدم امكان
فعلية الخطابين معابل لعدم امكان جعل حرمة المقدمة ولو على وجه الترتب
مع فرض اطلاق وجوب ذيها.

(1) تعارض الأدلة الشرعية ص 26 - 27
285

منع إذا لم يستلزم تنجيسه ما يجاوره من الموضع الطاهر لكنه
أحوط (1)
تتصور المسألة ضمن صور:
الأولى أن تكون النجاسة الثانية موجبة لاتساع دائرة النجاسة ولا
اشكال في عدم الجواز حينئذ.
الثانية أن تكون موجبة لتلوث يعتبر هتكا وإهانة والحكم كما سبق
الثالثة أن لا تكون الملاقاة الثانية موجبة للاتساع أو التلوث والإهانة
وإنما هي مماثلة للملاقاة الأولى من سائر الوجوه فقد يقال بناء على أن
المتنجس لا يتنجس ثانية كما سبق أنه لا موجب لتحريم الملاقاة الثانية لعدم
كونها تنجيسا بل لو سلم أن المتنجس يتنجس أشكل التحريم أيضا لأنه
يتوقف على أن تكون النجاسة مأخوذة في موضوع دليل الحرمة بنحو
مطلق الوجود لا صرف الوجود وذلك خلاف المتيقن من الدليل فإن المتيقن
من مثل معتبرة علي بن جعفر ورواية الحلبي تحريم الوجود الأول
من التنجيس.
وقد يقال بالتحريم بأحد وجوه:
منها أن يبنى على أن المتنجس يتنجس ثانية ويدعى كون النجاسة
مأخوذة في موضوع دليل الحرمة بنحو مطلق الوجود إما تمسكا بالاطلاق
اللفظي لمثل النبوي أو بضم مناسبات الحكم والموضوع التي تلغي
286

خصوصية الفرق بين الوجود الأول من التنجيس والوجود الثاني ويرد
عليه إن الاطلاق اللفظي غير تام والمناسبات العرفية للالغاء غير واضحة
إذ لعل المقصود بحرمة التنجيس التحفظ على طهارة المسجد وهي مما تزول
بالتنجيس الأول سواء وقع الفرد الثاني من التنجيس أو لا.
ومنها أن يبنى على أن المتنجس يتنجس ثانية ويعوض عن التمسك
باطلاق دليل الحرمة باجراء الاستصحاب بأن يقال إن هذا التنجيس كان
حراما جزما لو وقع قبل الملاقاة الأولى فتستصحب حرمته ويرد عليه إن
الاستصحاب المذكور لا يجري مع احتمال أن يكون الثابت من أول الأمر
حرمة إزالة الطهارة عن المسجد فالتنجيس يكون حراما بما هو مصداق
لذلك لا بعنوانه فلا معنى لاثبات حرمة التنجيس الثاني بالاستصحاب
المذكور.
ومنها التمسك بما دل على النهي عن قرب النجس من المسجد كالآية
الكريمة لو تم الاستدلال بها بتقريب أن موضوع التحريم في هذا
الدليل ليس عنوان التنجيس بل قرب النجس من المسجد غاية الأمر أن
صورة عدم الملاقاة المسجد برطوبة خرجت بقرينة ما دل من نص (1)

(1) من قبيل معتبرة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال
" الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين (إلى أن قال) ويأخذان
من المسجد ولا يضعان فيه شيئا.. " الوسائل باب 17 من أبواب الجنابة
حديث 2. ومعتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال " سألت أبا عبد الله (ع)
عن المستحاضة أيطأها زوجها وهل تطوف بالبيت؟ قال: تقعد قرؤها
(إلى أن قال) وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف
بالبيت) الوسائل باب 1 من أبواب المستحاضة حديث 8.
287

أو سيرة على جواز دخول المستحاضة واستطراق الجنب ومكث المسلوس
والمبطون ونحو ذلك ويبقى محل الكلام مشمولا لا طلاق دليل التحريم ولو
لم يتحقق التنجيس بعنوانه لكنك عرفت سابقا حال دلالة الآية الكريمة
الرابعة أن يكون للملاقاة الثانية أثر زائد بحيث يجب التعدد في
الغسل من ناحيتها كما إذا قيل بوجوب التعدد في الغسل من البول مطلقا
وفرض ملاقاة البول بعد التنجس بالدم فقد يقال هنا بالحرمة حتى مع
نفيها في الصورة السابقة استناد إلى أن المتنجس يتنجس ثانية إذا كان
لذلك أثر زائد فيشمله اطلاق دليل الحرمة أو يجري الاستصحاب ولكن
عرفت الاشكال في الاطلاق والاستصحاب معا نعم لا يبعد أن يدعى إن
دليل حرمة التنجيس وإن لم يثبت كون النجاسة ملحوظة في موضوعه بنحو
مطلق الوجود بلحاظ الأفراد المتماثلة ولكنها لوحظت كذلك بالنسبة إلى
مراتبها المتفاوتة فكل مرتبة إضافية موضوع مستقل للحرمة ففي المقام حتى
لو لم نقل بتعدد النجاسة بالملاقاة الثانية لا شك في اشتدادها من حيث المرتبة
بسبب ذلك وهذه المرتبة بنفسها فرد من موضوع دليل الحرمة ولو بمعونة
الارتكاز والمناسبات العرفية في فهم الدليل.
ثم إن الشخص في مفروض هذه الصورة يسبب لا محالة إلى زيادة
مكث النجاسة فيما إذا أريد تطهير المسجد بالماء القليل إذ تبقى النجاسة
بعد الغلة الأولى بسبب ما وقع منه من التنجيس بالبول المستوجب للتعدد
بحسب الفرض فإذا ألغيت عرفا خصوصية الحدوث والبقاء كان التسبيب
إلى بقاء النجاسة محرما كالتسبيب إلى احداثها والتخلص عن ذلك يكون
بعدم الإصابة الثانية أو بالتطهير بالمعتصم على نحو لا يستوجب طول مكث
للنجاسة بوجه.
الخامسة أن يتنجس المسجد ثم يلقى عليه عين النجس بدون أن يلزم
288

(مسألة 7) لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه
جاز بل وجب وكذا لو توقف على تخريب شئ منه ولا يجب
طم الحفر وتعمير الخراب نعم لو كان مثل الآجر مما يمكن
رده بعد التطهير وجب (1)

(1) من قبيل رواية أبي بصير قال " سألت أبا عبد الله (ع) عن
العلة في تعظيم المساجد فقال: إنما أمر بتعظيم المساجد لأنها بيوت الله في
الأرض " الوسائل باب 70 من أبواب أحكام المساجد حديث 1
289

كان ما دل على تحريم السعي في خرابها من قبيل قوله تعالى " ومن أظلم
ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها " (1)
فهو منصرف إلى التخريب الاعتدائي لا التخريب لمصلحة شرعية من
مصالح المسجد وإن كان ما دل على تحريم التصرف في مال أحد إلا بأذنه (2)
بدعوى أن حيطان المسجد وبناءه ملك لنفس المسجد فلا يجوز التصرف
فيه بتخريب ونحوه فمن الواضح أن موضوع هذا الدليل لا يشمل مالكا
من قبيل المسجد والتعدي إنما يكون بمقدار ما تقتضيه المناسبات العرفية
الارتكازية وهو لا يشمل محل الكلام ولو سلم لما اقتضى إلا عدم الجواز
بدون إذن ولي المسجد فلو رأى ولي المسجد المصلحة في أن يأذن كان التصرف
بإذن ولي المالك فيجوز وكذلك إذا كان الحائط وقفا على المسجد لا ملكا
طلقا فإن غاية ما تقتضيه وقفيته على عدم جواز حرمان المسجد من منافعه
لا الزام المسجد بابقائه إذا كان على خلاف مصلحته وموجبا لضرره ونقصه
ثانيها بعد افتراض الاطلاق يدعى وجود المقيد وهو ما دل على جواز تخريب
المسجد لمصلحة (3) من قبيل إعادة بنائه على وجه أفضل وذلك لأن طهارة
المسجد وإن لم تكن مصلحة عرفية ابتدائية للمسجد بقطع النظر عن الجعل

(1) البقرة (114).
(2) من قبيل معتبرة محمد بن جعفر الأسدي ".. فلا يحل لأحد
أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه.. " الوسائل باب 3 من أبواب الأنفال
حديث 6.
(3) من قبيل معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (ع)
" إنه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول كأنها مذابح اليهود "
الوسائل باب 31 من أبواب أحكام المساجد حديث 1.
290

الشرعي لكن إذا ضم إلى ذلك استفادة كون الطهارة من شؤون احترام
المسجد اللازم بحكم الشارع وإن وجوب التطهير وجوب احترامي كان
التخريب من أجل مصلحة المسجد لأن احترامه من مصالحه ولكن إنما
يكون كذلك مع الوثوق باستعادة المسجد لوضعه وإلا كان من دوران
الأمر بين مصلحتين ثالثها بعد افتراض الاطلاق وعدم المقيد يدعى أن حرمة
التخريب لا يحتمل أهميتها بينما يحتمل أهمية وجوب التطهير فيتقدم في مقام
التزاحم بملاك الأهمية المحتملة إذا لم نقل بدخول مورد التزاحم بين وجوب
ذي المقدمة وحرمة المقدمة في باب التعارض لعدم امكان الترتب في بعض
التقادير على تفصيل تقدمت الإشارة إليه ولكن نفي احتمال الأهمية في حرمة
التخريب بلا موجب كما أن أصل افتراض اطلاق في دليل وجوب التطهير
ممنوع أما إذا كل لبيا كالاجماع فواضح وأما إذا لوحظت الأدلة اللفظية
فالمهم منها معتبرة رواية علي بن جعفر ورواية الحلبي والأولى لا اطلاق
فيها لعدم كونها مسوقة لبيان وجوب التطهير ابتداء ليتمسك باطلاقها
والثانية غايتها الدلالة على حرمة التنجيس لا وجوب التطهير وعليه فلا اطلاق
في دليل كان من الحكمين وعليه فالشبهة حكمية ومقتضى القاعدة التخيير
عملا بالأصول المؤمنة ما لم يوجد أصل حاكم وهو موجود غالبا ونعني به
استصحاب حرمة التخريب لأن النجاسة متأخرة عن بناء المسجد غالبا ويمكن
التفصيل بين فرض كون التخريب متداركا خارجا وغيره ففي الفرض
الأول يحكم بجواز التخريب للتطهير وجواز ابقاء المسجد على حاله أما الأول
فلعدم وجود اطلاق في دليل الحرمة لمثل هذا التخريب بعد تقييده بالتخريب
لمصلحة لو كمالية وأما الثاني فلعدم الاطلاق في دليل وجوب التطهير ولا
ينفع هنا استصحاب حرمة التخريب لأن هذا النحو من التخريب المتدارك
الذي ينطبق عليه عنوان الرعاية لبعض شؤون المسجد لا يعلم بحرمته من
291

أول الأمر وفي الفرض الثاني يحكم بعدم وجوب التخريب بل بحرمته أما
عدم الوجوب فلعدم الاطلاق في دليل وجوب التطهير وأما الحرمة فللتمسك
باطلاق دليل الحرمة فإن التخريب غير المتدارك مع عدم الملزم شرعا به
يعتبر اعتداء على المسجد عرفا لأن المركوز في ذهن العرف إن مفسدة
التخريب غير المتدارك أشد من مصلحة الطهارة بلحاظ ذلك المسجد وعليه
فإن لم يكن الحكم بحرمة التخريب غير المتدارك أقوى في المقام فهو الأحوط
الثاني: أنه لو خرب شيئا من المسجد لأجل التطهير بعد البناء على جواز
ذلك أو وجوبه فهل يضمن تداركه قد يقال بالضمان تمسكا بقاعدة الضمان
بالاتلاف وقد يقال بعدمه أما لقصور في المقتضى بالنسبة إلى القاعدة
المذكورة وأما لوجود مقيد أما القصور في المقتضى فيمكن أن يبين تارة بأن دليل هذه
القاعدة لا اطلاق فيه للتخريب الذي يكون لرعاية حال من يراد التضمين
له فمن أتلف زرع الغير لأجل انقاذه لا يضمن لأن دليل القاعدة إن كان
هو السيرة العقلائية فهي غير شاملة لأمثال ذلك جزما وإن كان هو الروايات
المتفرقة فهي واردة في موارد خاصة مشتركة جميعا في عدم كون الاتلاف
من أجل المالك وإن كان هو الضابط المشار إليه في بعضها بلسان (بما
جنت يده (1)) فهذا الضابط يفترض الجناية والمفروض عدم الجناية في
المقام بعد فرض إذن الشارع في التخريب أو حكمه بوجوبه.
ويبين القصور في المقتضى تارة أخرى بأن القاعدة مختصة بفرض
عدم الإذن من المالك في الاتلاف وقد حصل الإذن في المقام لمكان حكم

(1) كما في رواية إسماعيل بن الصباح " عن القصار يسلم إليه المتاع
فيخرقه أو يحرقه أيغرمه؟ قال: غرمه بما جنت يده " الوسائل باب 29
من أبواب الإجارة حديث 8.
292

الله سبحانه بوجوب التطهير بحسب الفرض ويرد عليه إن الإذن في الاتلاف
المسقط للضمان هو الإذن في الاتلاف على وجه المجانية لا مطلق الإذن في
الاتلاف مع أن المالك لما أتلف ليس هو الشارع بل هو نفس المسجد
أو المصلون كجهة عامة ويبين ثالثة بأن القاعدة موضوعها اتلاف مال الغير
والمسجد ليس ملكا لأحد لأن مرد وقفه إلى تحريره وفكه من الملك ويرد
عليه بأن هذا لا يتم بناء على أن بناء المسجد مملوك لنفس المسجد طلقا أو وقفا
أو مملوك لجهة عامة وما يكون غير مملوك إنما هو المسجد بمعنى المكان
لا بمعنى الجدران والشبابيك على أن الضمان بمعنى الدخول في العهدة كما
يتصور في المملوك للغير كذلك يتصور في غيره بمعنى كون الانسان مسؤولا
عن إعادة المسجد إلى وضعه السابق فإن ساعدت السيرة العقلائية على ذلك فلا
مانع من الالتزام به. وقد ظهر بما ذكرناه أن الصحيح هو البيان الأول
في اثبات قصور المقتضى.
وأما المقيد بعد فرض وجود دليل لفظي مطلق لقاعدة الضمان فهو ما دل
من الكتاب الكريم على نفي السبيل على المحسنين (1) والاحسان مفهوم
عرفي فإذا صدق عرفا على الاتلاف في مورد أنه احسان لمن أتلف ماله
فلا ضمان لأن الضمان سبيل وهو منفي ولكن عنوان الاحسان إنما يصدق
عرفا على اتلاف يدرك العرف أن المصلحة الملحوظة فيه أهم من مفسدة
الاتلاف على نحو لا يتصور عقلائيا خلاف ذلك وفي صدقه على محل الكلام
إشكال.
الثالث: أنه إذا توقف تطهير جزء من بناء المسجد على اخراجه

(1) وهو قوله تعالى في سورة التوبة آية (91) " ما على المحسنين
من سبيل ".
293

وتطهيره خارجا فهل يجب بعد ذلك ارجاعه إليه وتوضيح ذلك أن الوجوب
تارة يدعى بلحاظ الروايات الخاصة وأخرى على مقتضى القاعدة أما اثباته
باللحاظ الأول فلا يخلو من اشكال وإن استدل عليه بالروايات الدالة على
لزوم رد ما أخذ من المسجد من حصاة أو آجر غير أن بعض هذه الروايات
وارده في المسجد الحرام والكعبة والتعدي منها بلا موجب كمعتبرة محمد بن
مسلم قال " سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لا ينبغي لأحد أن يأخذ من تربة
ما حول الكعبة وإن أخذ من ذلك شيئا رده " (1) هذا إذا لم يكن التعبير
بلا ينبغي موجبا لسقوط ظهور الأمر بالرد في الوجوب وإلا فالأمر أوضح
ومعتبرة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) " إني أخذت سكا من
سك المقام وترابا من تراب البيت وسبع حصيات فقال بئس ما صنعت أما
التراب والحصى فرده " (2). وأما ما قد يترائى فيه الاطلاق من هذه
الروايات فمن قبيل رواية وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (ع) قال
" إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر
فإنها تسبح " (3) وهذه الرواية ضعيفة بوهب مضافا إلى أن التعليل فيها
لا يناسب الحكم الالزامي وباب العهدة والضمان بل هو أقرب إلى الآداب
فيوجب المنع عن انعقاد ظهور لها في الحكم المقصود إذ لا يجب التسبيب إلى
جعل الحصاة تسبح كما هو واضح. وأحسن رواية في الباب رواية زيد
الشحام قال قلت لأبي عبد الله (ع) أخرج من المسجد حصاة قال فردها
أو اطرحها في مسجد " (4) بعد استظهار لام الجنس من كلمة المسجد

(1) الوسائل باب 26 من أبواب أحكام المساجد حديث 1
(2) الوسائل باب 26 من أبواب أحكام المساجد حديث 2 - 4 - 3
(3) الوسائل باب 26 من أبواب أحكام المساجد حديث 2 - 4 - 3
(4) الوسائل باب 26 من أبواب أحكام المساجد حديث 2 - 4 - 3
294



(1) هناك بيانان لتصحيح السند:
الأول: أن نجري حساب الاحتمالات في مشايخ الحسن بن محمد بن
سماعة وقد ظهر بالاستقراء إن نسبة الذين لم تثبت وثاقتهم إلى مجموع مشايخه
هي (9 / 26) فإذا استظهرنا إن التعبير ب‍ (غير واحد) ظاهر عرفا في
الجماعة وأقلها ثلاثة كان مقدار احتمال كون أحدهم - على الأقل - ثقة
هو (96 %) فيتم سندها إن أوجب هذا الظن القوي الاطمئنان.
الثاني: ألا نأخذ مطلق مشايخ الحسن بن محمد بن سماعة بل نأخذ
خصوص مشايخه الذين هم في الوقت نفسه تلاميذ أبان بن عثمان باعتبار
أن السند هكذا (الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان) فيتم
تحديدهم بلحاظ الراوي والمروي عنه وعلى هذا لا نحتاج إلى حساب
الاحتمالات لأن كون أحدهم ثقة 100 % باعتبار أن من لم يثبت وثاقته منهم
اثنان فقط وهم أحمد بن عديس والحسن بن عديس والبقية وهم تسعة
ثقات ولما كان التعبير ب‍ (غير واحد) ظاهرا في الجماعة وأقلها ثلاثة
كان أحدهم - على الأقل - ثقة جزما ولكن يشكل ذلك بوجود احتمال
أن يكون للحسن شيخ آخر غير من وصلت إلينا روايته عنهم ولعله غير ثقة فلا بد من
ضم حساب الاحتمال لتضعيف ذلك وهذا الاحتمال لا بد من أخذه بعين الاعتبار
في البيان الأول أيضا وطريق التخلص أن نثبت بحساب الاحتمال إن نسبة
الثقاة إلى غيرهم في المشايخ الواصلين محفوظة في غيرهم أيضا فيكون احتمال
وثاقة الشخص الآخر ما لا يقل عن 17 / 26 وبهذا صحح سيدنا الأستاذ
دام ظله مرسلة يونس الطويلة تطبيقا لما أسسه من قواعد حساب الاحتمال
في علم الرجال
295

(مسألة 8) إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره (1)
أو قطع موضع النجس منه إذا كان ذلك أصلح من اخراجه
وتطهيره كما هو الغالب
(مسألة 9) إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع
296

كما إذا كان الجص الذي عمر به نجسا أو كان المباشر للبناء
كافرا فإن وجد متبرع بالتعمير بعد الخراب جاز وإلا فمشكل (1)
(مسألة 10) لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا
وإن لم يصل فيه أحد ويجب تطهيره إذا تنجس (2)
297

(مسألة 11) إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض
المواضع الطاهرة لا مانع منه إن أمكن إزالته بعد ذلك كما إذا
أراد تطهيره بصب الماء واستلزم ما ذكر (1)
(مسألة 12) إذا توقف توقف التطهير على بذل مال وجب (2)
وهل يضمن من صار سببا للتنجيس؟ وجهان لا يخلو ثانيهما
من قوة (3)
298

الأولى أن لا تكون الطهارة بالنسبة إلى ذلك المال دخيلة في ماليته
فلا ضمان كما في تنجيس جذع النخلة مثلا.
الثانية: أن تكون دخيلة ولكن إعادتها ليس فيها مؤونة ولا تسبب
نقصا فلا ضمان أيضا لعدم دخل الوصف في المالية حينئذ.
الثالثة: أن تكون الطهارة دخيلة في ماليته وإعادتها لا تؤدي إلى نقصه
ولكن فيها مؤنة مالية كالبارية يتوقف تطهيرها على حملها إلى النهر مثلا
وفي هذه الصورة يضمن المنجس والضمان بمقدار أجرة التطهير لا أكثر لأن
المضمون قيمة الوصف الفائت ولما كان الوصف الفائت ممكن الإعادة تلك الأجرة
فلا تزيد قيمته على ذلك ولكن قد تقل كما إذا كان دخل وصف الطهارة
في الأغراض النوعية من ذلك المال يمثل نسبة ضئيلة ولكن كلفة التطهير
توقفت صدفة على حمله إلى مكان بعيد وبذل مال كثير فلا موجب للضمان
إلا بمقدار نسبة النقص.
ولكن في هذه الحالة تكون المالية السوقية العقلائية لعلمية التطهير
أقل من كلفتها ولهذا لا تكون هذه الكلفة كلفة سوقية لهذه العملية لأن
مالية التطهير إنما تتحدد وفقا للرغبة النوعية في وصف الطهارة فلا يمكن
أن تكون ماليتها أكبر من مالية هذا الوصف وهكذا نعرف أنه في الحالة
التي تكون فيها عملية التطهير عملية سوقية ولها أجرة المثل تكون أجرتها
متطابقة مع ماليتها وماليتها متطابقة مع مالية الوصف الذي تنجزه ولا يمكن
أن تكون أجرة المثل أقل من مالية الوصف بقدر معتد به كما لا يمكن أن
تكون أكثر كما هو واضح.
الرابعة: أن تكون الطهارة دخيلة في ماليته والتطهير ليس فيه مؤونة في
نفسه ولكن تتضرر به العين كما في بعض أقسام الفراش والمنسج يضمن
هنا النقص الحاصل في قيمة العين بسبب فعله وحيث إن العين يدور أمرها
299

بسبب فعله بين نقصين أما النجاسة وأما التأثر الحاصل بعملية الغسل بالماء
فالمضمون على المنجس أقل النقصين لأنه الذي لا بد منه بسببه فإن كان
النقص الذي يحصل بالتطهير ينقص قيمة المال بدرجة أكبر مما ينقص قيمته
نفس التنجيس لم يضمن إلا بمقدار ما يفوت من المالية بالتنجيس.
الخامسة: نفس الصورة السابقة مع افتراض المؤونة في نفس عملية
التطهير أيضا والحكم كما في الصورة السابقة إلا أن نفقات التطهير وأجرته
تدخل هنا في الحساب في تحديد أقل النقصين.
وعلى هذا الأساس إذا لا حظنا المسجد نجد أن المسجد نسبته إلى حيطانه
وعمارته نسبة المالك إلى مملوكه كما تقدم فالنقص الحاصل بسبب شخص في
عمارة المسجد وممتلكاته مضمون عليه ولما كان زوال الطهارة نقصا عرفا
بالنسبة إلى المسجد فيكون مضمونا فإذا كانت لعملية التطهير أجرة سوقية فهي
تمثل دائما درجة مالية الوصف الفائت كما تقدم فإن أريد بعدم الضمان عدم ضمان
ما يزيد على ذلك فهو صحيح لما تقدم من أن المنجس في الصورتين الرابعة
والخامسة لا يضمن أشد النقصين بل أقلهما وإن أريد أنه لا يضمن أجرة التطهير
حتى لو كانت متطابقة مع مالية الوصف الفائت فهو غير صحيح وإذا ثبت
الضمان وجب الخروج عن عهدته وإن امتنع الضامن عن ذلك جاز إجباره
وإن قام شخص آخر بالصرف بإذنه أو بإذن وليه مع امتناعه رجع عليه
وإلا فلا موجب للرجوع ولكن يمكن أن يقال في مورد المسجد أن المنجس
يضمن سنخ الوصف لا قيمته وذلك لأن هذا هو الأصل في الضمان وإنما
يرفع اليد عنه في القيميات باعتبار تعلق الغرض النوعي العقلائي فيها بالمالية
إلا أن هذا إنما يكون في غير مثل المسجد الذي يكون الغرض النوعي
في طهارة بنائه قائما بشخص الوصف لا بماليته وأما في مثل ذلك فالمضمون
300

سنخ الوصف الفائت لا ماليته فلو توقف تسليم الوصف الفائت وإعادته على
بذل أجرة أكبر من المقدار المتعارف وجب ذلك خروجا عن عهدة الضمان
والحاصل أن وصف الطهارة في مثل المسجد مثلي لا قيمي فلا بد من تسليم
المثل وذلك بإعادة الطهارة ولو كلف ذلك أجرة كبيرة كما لا بد أن تكون
إعادتها بنحو لا يساوق نقصا من ناحية أخرى في بناء المسجد وإلا كان
القص الآخر مضمونا أيضا لا هذا هو مقتضى ضمان الشخص أن يعود
المسجد كما كان وبهذا ظهر الفرق بين الضمان في حالة تنجيس مال الغير
والضمان في حالة تنجيس المسجد فتدبر جيدا. ثم إن هذا كله تصوير
لضمان المنجس على نحو يكون المضمون له هو المسجد وهناك تصوير آخر
بقطع النظر عما تقدم يكون الضمان فيه من قبل المنجس للمطهر ابتداء
بحيث يكون المطهر الذي خسر مالا في مقام التطهير هو المضمون له
ابتداء وذلك بالتمسك بقاعدة التسبيب مع كون السبب أقوى من المباشر
فإن شخصا لو حفر حفرة وسترها فجاء آخر وبيده قدح من لبن فسقط
في الحفرة وأريق اللبن وانكسر الإناء كان الضامن هو الحافر والمقصود في
المقام تعميم نفس هذه الفكرة بدعوى أن وجوب التطهير يجعل المطهر
مسلوب الاختيار تشريعا بحيث يرى صدور العمل منه أمرا حتميا وليس
من قبيل من يأمر شخصا آخر باتلاف مال فيمتثله باختياره مع تمكنه عرفا
وعقلا من عدم الامتثال فإذا تمت السببية بهذا اللحاظ وكانت ارارة المطهر
مضمحلة باعتبار القهر التسريعي فكأن المنجس هو الذي أوقع المطهر في
الخسارة فيضمن ولا يفرق الحال حينئذ بين أن يكون هذا المطهر قد طهر
المسجد في طول امتناع المنجس عن التطهير والاستئذان من وليه أو ابتداء
وبدون مراجعة له ولوليه وقد ينقض على ذلك ويقال إنه لو التزم بصدق
301

(مسألة 13) إذا تغير عنوان المسجد بأن غصب وجعل
دارا أو صار خرابا بحيث لا يمكن تعميره ولا الصلاة فيه
وقلنا بجواز جعله مكانا للزرع ففي جواز تنجيسه وعدم

(1) كما في رواية إسماعيل بن الصباح المتقدمة
302

وجوب تطهيره - كما قيل - اشكال والأظهر عدم جواز الأول
بل وجوب الثاني أيضا (1)
303

سائر موارد الشبهة الحكمية وجوابه أن المستصحب في الشبهة الحكمية إن
كان هو المجعول الكلي أي الجعل منظورا إليه بما هو مجعول وله حدوث
وبقاء فالحدوث هنا والبقاء ليس بمعنى حدوث الحرمة لهذا المكلف وبقائها
بل حدوث الحرمة الكلية على موضوعها الكلي وبقائها عليه فيقال إن
البالغ العاقل يحرم عليه تنجيس المسجد في حالة ما قبل الخراب والأصل
بقاء هذه الحرمة إلى ما بعد الخراب وهذا البقاء وإن لم يكن بقاء حقيقيا
بل مرده إلى سعة دائرة المجعول العرضي واتساع الجعل غير أنه بقاء عنائي
بذاك النظر الذي لوحظ فيه المجعول بما هو فإن في الخارج على ما حققناه
في تصوير جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية. وأما إذا لم يبن على
ذلك وقيل باجراء الاستصحاب في نفس الحرمة الفعلية الثابتة في حق
المكلف بنحو يكون المكلف هو المجرى للاستصحاب اتجه الاشكال المذكور
وأمكن التخلص عنه حينئذ باجراء الاستصحاب التعليقي بأن يقول إن هذا
كان حراما على تقدير بلوغي فاستصحب حرمته على تقدير البلوغ إلى ما بعد
وقوع الحادثة الموجبة للشك بناء على جريان الاستصحاب التعليقي وعدم
معارضته بالاستصحاب التنجيزي.
نعم قد يشكل استصحاب حرمة التنجيس ووجوب التطهير في المقام
بعدم احراز بقاء الموضوع إذ بعد إن كان عمدة الدليل على الحكم المذكور
هو الاجماع وغيره من الروايات لا يتحصل منه ما يزيد على مفاد الاجماع
فمن المحتمل يكون الحكم ثابتا بوصفه احتراما شرعيا للمسجد فالتطهير
ليس بعنوانه واجبا بل بما هو احترام شرعي لعنوان المسجد وحيث إن
العنوان العرفي للمسجد زائل جزما وإن بقي العنوان الوقفي له فلا يمكن
اجراء الاستصحاب لاحتمال عدم بقاء الموضوع وإن شئت قلت إن التطهير
304

لو كان واجبا بعنوانه لكان موضوعه نفس الحائط والجدار لا العنوان
وذاك محفوظ وإن زال العنوان فيشار إليه ويقال هذا كان يجب تطهيره
والآن كما كان بالاستصحاب.
ولكن إذا كان التطهير واجبا بوصفه احتراما شرعيا للعنوان واحتمل
كون هذا العنوان هو العنوان العرفي للمسجد فلا يفيد استصحاب بقاء
وجوب ذلك الاحترام للعنوان الذي كان يجب احترامه لعدم احراز بقاء
ذلك العنوان وانطباقه على الخربة فعلا.
يبقى في المقام شئ ذكر هنا استطرادا وهو جعل المسجد مكانا للزرع
ولا اشكال في عدم جوازه مع منافاته للجهة المعد لها المسجد وأما مع عدم
المنافاة بأن كان المسجد معطلا بطبعه ومهجورا لاضمحلال القرية التي حوله
مثلا فقد يقال بالجواز ويفرق بين المسجد وغيره من الأوقاف باعتبار أن
المسجد ليس مملوكا لأحد أو لجهة ليشمله حرمة التصرف في ملك الغير
ولهذا يقال أيضا بعدم جواز إجارته لذلك لأن الإجارة إنما تكون من مالك
المنافع والمسجد ليس مملوكا لأحد فلا تصح إجارته.
ويرد عليه إن صحة الإجارة لا ينحصر ملاكها بملكية المنافع لوضوح
أن الحر يجوز له أن يملك منافعه بالإجارة مع أنها ليست مملوكة له بالملكية
الاعتبارية وإنما هي مضافة إليه تكوينا وعقلائيا بكونها منافع له وتحت
سلطانه وعلى هذا الأساس فإذا فرض للمسجد بما هو مكان شخصية معنوية
بالارتكاز العقلائي وصححت بذلك ملكيته للحيطان والبناء أمكن أن يقال
إن إضافة المنافع له على حد إضافة منافع الحر له فتكون تحت سلطانه وهذا
السلطان يمارسه ولي المسجد الخاص أو العام في حدود عدم المنافاة مع الجهة
المعد لها المسجد ومع حيثية المسجدية وما تقتضيه من احترام.
305

(مسألة 14) إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد فإن أمكنه
إزالتها بدون المكث في حال المرور وجب المبادرة إليها (1)
وإلا فالظاهر وجوب التأخير إلى ما بعد الغسل لكن يجب
المبادرة إليه حفظا للفورية بقدر الامكان وإن لم يمكن التطهير
إلا بالمكث جنبا فلا يبعد جوازه بل وجوبه وكذا إذا استلزم
التأخير إلى أن يغتسل هتك حرمته (2)

(1) كرواية الحلبي المتقدمة.
306

كتابا (1) وسنة (2) فإنه مطلق وهذا بيان تام
الثاني أنه على تقدير تسليم الاطلاق فالمقام من موارد التزاحم فيقدم
تحريم المكث على وجوب التطهير إذا احتملت الأهمية في التحريم دون
العكس أو كان احتمال الأهمية فيه أكبر ولو بلحاظ اهتمام القرآن الكريم
ببيان شخص هذا الحكم ولكن هذا على فرض التزاحم بين الحكمين في
عالم الامتثال وأما لو فرض إن تقديم وجوب التطهير يستدعي حفظ امتثال
حرمة مكث الجنب أيضا فلا تنتهي النوبة إلى الترجيح المذكور باحتمال
الأهمية وبيانه أنه لو فرض فعلية وجوب التطهير لكان المكلف الجنب من
فاقد الماء بحكم الشارع فيصح منه التيمم فيتيمم ويدخل المسجد طاهرا
وبطهره ما دام التيمم لا يزاحم تطهير المسجد وبهذا يحفظ امتثال كلا
التكليفين وهذا يعني إن المزاحم لوجوب التطهير ليس هو حرمة مكث
الجنب في المسجد بل وجوب الغسل على الجنب وهذا الوجوب يرتفع بنفس
فعلية وجوب التطهير المؤدي إلى امكان امتثال حرمة المكث ووجوب التطهير معا.
وأما الصورة الثانية فالظاهر فيها تعين الغسل ووجوبه حتى لو قيل
في الصورة السابقة بعدم وجوبه وبوجود اطلاق في دليل وجوب التطهير
لأن طرف المزاحمة هنا مع الغسل ليس أصل التطهير بل الفورية ولا دليل
على الفورية إلا بمقدار لا ينافي الاشتغال بمقدمات التطهير والمفروض في

(1) كقوله تعالى " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا (النساء - 43)
(2) من قبيل معتبرة جميل قال " سألت أبا عبد الله (ع) عن الجنب
يجلس في المساجد؟ قال: لا.. " الوسائل باب 15 من أبواب الجنابة
حديث 2
307

(مسألة 15) في جواز تنجيس مساجد اليهود والنصارى
اشكال (1) وأما مساجد المسلمين فلا فرق فيها بين فرقهم.
308

(مسألة 16) إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد
أو سقفه أو جدرانه جزءا من المسجد لا يلحقه الحكم من
وجوب التطهير وحرمة التنجيس (1) بل وكذا لو شك في
ذلك وإن كان الأحوط اللحوق
309

(مسألة 17) إذا علم اجمالا بنجاسة أحد المسجدين
أو أحد المكانين مسجد وجب تطهيرهما (1)
(مسألة 18) لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصا (2)
310

(مسألة 19) هل يجب إعلام الغير إذا لم يتمكن من
الإزالة؟ الظاهر العدم إذا كان مما لا يوجب الهتك (1) وإلا
فهو الأحوط

(1) من قبيل معتبرة أبي عبيدة الحذاء قال " سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول: من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة... " الوسائل باب 8
من أبواب أحكام المساجد حديث 1
311

لإزالة النجس فما دام الاعلام المؤدي للإزالة ممكنة فلا يكون التكليف
الأولى ساقطا (1)
ويرد عليه أن متعلق التكليف هو الإزالة الصادرة من المكلف
بالمباشرة أو التسبيب ولهذا تشمل الإزالة بالإجارة لأنها تسبيب بحيث يصدق
معها أن المستأجر أزال النجاسة كما يصدق على المستأجر لبناء داره أنه بنى
داره وأما مجرد الاعلام فلا يحقق نسبة الإزالة الصادرة من الغير إلى المعلم
فلا يقال إنه أزال النجاسة بذلك بل هو محاولة لا يجاد الداعي لدى الآخر
فلا يكون مصداقا للواجب الأولى فيحتاج وجوبه إلى دليل آخر.
وقد يقرب وجوب الاعلام تارة أخرى بما عن السيد الأستاذ من أن
المتفاهم عرفا من أدلة وجوب التطهير إن المقصود هو حصول النتيجة
لا خصوصية الصدور من المكلف ولهذا يسقط الواجب بحصول الطهارة
ولو بفعل صبي أو نزول مطر (2)
وهذا المقدار لا اشكال فيه وإنما الاشكال في أن الغرض له أنحاء
من الحفظ ولا يلزم أن تكون كل أنحائه لزومية فلا محذور عقلا أو عرفا
في أن تكون المراتب اللازمة من حفظ هذا الغرض لا تشمل مرتبة الاعلام
ألا ترى إن هناك غرضا لزوميا في أن يصلي المكلف مع الطهارة من الحدث
ولكن لا يجب على الآخر اعلامه ببطلان طهارته لو رآه يصلي بغسل أو وضوء
باطل فالتفكيك بين مراتب الحفظ معقول ومحتمل فلا يحكم إلا بما دل الدليل
على وجوبه من تلك المراتب وليس الاعلام منها اللهم إلا في حالة ترتب
الهتك على بقاء النجاسة للعلم من الخارج حينئذ بأن الشارع لا يرضى بحال
بهتك تلك الشعائر ويوجب الحيلولة دون ذلك بأي وجه ممكن.

(1) المستمسك الجزء الأول ص 514 - 515 من الطبعة الرابعة
(2) التنقيح الجزء الثاني ص 367 - 370
312

(مسألة 20) المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس
بل وجوب الإزالة إذا كان تركها هتكا بل مطلقا على الأحوط
لكن الأقوى عدم وجوبها مع عدمه ولا فرق فيها بين الضرائح
وما عليها من الثياب وسائر مواضعها إلا في التأكد وعدمه (1)

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 371
313

للدفن وبذلك تصبح ملكا للميت بما هو ميت لا للمحيي ولا تنتقل إلى
ورثة المحيي بعد وفاته فأين الدليل على وجود واقف ليجب التقيد بنظره
الوقفي.
وثالثا: إنا لو سلمنا الوقف المذكور فمجرد كون الطهارة وصفا مرغوبا
فيه للمتشرعة لا يكفي دليلا على ملاحظة الواقف له عنوانا لوقفه بحيث
كما يقف العرصة بما هي دار فيجب الحفاظ على عنوان الدار فيها كذلك
يقف المشهد بما هو طاهر فإن الرغبة في الوصف شئ وأخذه قيدا مقوما
للوقف شئ آخر خصوصا مع الجهل بحال الواقف وأعرافه.
الثاني: إن المشاهد المشرفة مضافة إلى الأئمة تكوينا باعتبارها قبورا
لهم وهم مضافون إلى الله تعالى وبذلك ينطبق عليها عنوان شعار الله بلا
حاجة إلى جعل خاص كما هو الحال فيما ليس له تلك الإضافة التكوينية
كالصفا والمروة وشعائر الله يجب تعظيمها ومن تعظيمها الحفاظ على طهارتها
وفيه أن المدعى إن كان وجوب تمام مراتب التعظيم فالكبرى غير
ثابتة بل بعض المراتب يعلم بعدم وجوبها وإن كان المدعى وجوب بعض
المراتب فهو صحيح إلا أن اثبات كون التطهير والحفاظ على الطهارة من
المراتب الواجبة يحتاج إلى دليل.
الثالث: وهو مركب من مقدمتين إحداهما إن المستفاد من أدلة حرمة التنجيس
ووجوب التطهير في المساجد إن هذا الحكم لأجل احترام المسجد ومكانته
عند الله تعالى لا لمجرد كونه معدا للصلاة والأخرى إن المستفاد من مجموع
ما دل على الحث على زيارة المشاهد المشرفة مما لم يرد مثله في عموم المساجد
وعلى فضيلة الصلاة فيها مما يثبت أنها أفضل من الصلاة في جل المساجد
حتى جاء في بعض الروايات إن الصلاة في بيت فاطمة أفضل من الصلاة
314

(مسألة 21) تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف (1)
وخطه بل عن جلده وغلافه مع الهتك كما أنه معه يحرم مس
خطه أو ورقه بالعضو المتنجس وإن كان متطهرا من الحدث
وأما إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا اشكال في حرمته

(1) من قبيل معتبرة يونس بن يعقوب قال " قلت لأبي عبد الله (ع)
الصلاة في بيت فاطمة أفضل أو في الروضة؟ قال: في بيت فاطمة "
الوسائل باب 59 من أبواب أحكام المساجد حديث 1
(2) من قبيل معتبرة أبي بصير قال " سألت أبا عبد الله (ع) عمن قرأ في
المصحف وهو على غير وضوء قال: لا بأس ولا يمس الكتاب " الوسائل
باب 12 من أبواب الوضوء حديث 1
315

وهي تتوقف على أن يكون الحدث في نظر العرف مصداقا للقذارة والنجاسة
غير أن مصبها ليس هو البدن بل الانسان بما هو وأما إذا كانت اعتبارا
مستقلا فالتعدي منه إلى اعتبار آخر متعذر خصوصا مع عدم عرفية ذلك
الاعتبار على نحو لا يكون للعرف طريق إلى تمييز الأشد محذورا منهما.
ومنها التمسك برواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (ع) قال
" سألته أقرأ المصحف ثم يأخذني البول فأقوم فأبول وأستنجي وأغسل يدي
وأعود إلى المصحف فأقرأ فيه قال لا حتى تتوضأ للصلاة " (1)
بدعوى أن قول السائل " وأغسل يدي وأعود إلى المصحف " دال
على المفروغية عن لزوم تطهير اليد عند امساك المصحف الشريف بها وليس
ذلك إلا حفاظا على طهارته ويرد على ذلك أن كلام السائل هذا لا يدل
على الفراغ عن وجوب ذلك وغاية ما يستفاد منه الايماء إلى حسنه ورجحانه
ومنها التمسك بقوله تعالى " لا يمسه إلا المطهرون " (2)
بدعوى شمول ذلك لغير المتطهر من الحدث أو من الخبث ولما كان
عدم التطهر من الخبث يساوق نجاسة ذلك الموضع خاص لاتمام البدن
فيستفاد بمناسبات الحكم والموضوع المنع من المس به خاصة ويرد على ذلك
أن الطهارة هنا بمعنى الطهارة المعنوية سواء رجع الضمير المفعول إلى القرآن
أو الكتاب المكنون إذ على الأول يراد مس القرآن بما هو كلام الله تعالى
لا بما هو نقوش وعلى الثاني يراد السجل الغيبي للقرآن الذي يعبر عنه
بالكتاب المكنون لا هذه الأوراق الاعتيادية وعلى كلا التقديرين لا يكون المس
ولا الطهارة بالمعنى المبحوث عنه هنا ومما يؤيد ذلك مجيئ العبارة بصيغة

(1) الوسائل باب 13 من أبواب القراءة القرآن حديث 1
(2) الواقعة (79)
316

المفعول لا الفاعل مع أن التطهر من الخبث والحدث فعل للانسان لا أنه
شئ يفعل به بخلاف الطهارة المعنوية من الأدناس والعصمة من الخطأ
وسياق الآية سياق الحديث مع الكفار الذين لا يؤمنون بالتشريع
القرآن وهو ويناسب بيان الخصائص التكوينية للقرآن الكريم لا شرفه
المنتزع من التشريعات المجعولة من قبله.
ومنها الاستدلال بما ورد في تفسير الآية الكريمة وهو رواية إبراهيم
ابن عبد الحميد عن أبي الحسن (ع) قال " المصحف لا تمسه على غير
طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه إن الله تعالى يقول بلا يمسه إلا
المطهرون " (1) والاستدلال بذلك إما بلحاظ النهي عن مس المصحف
على غير طهر بتعميم الطهر لما يقابل الحدث والخبث وإما بلحاظ استشهاده
بالآية الكريمة الدال على أن الطهارة فيها بالمعنى الشرعي فيتم الاستدلال
بالآية وهذا الاستدلال غير صحيح لضعف سند الرواية باعتبار وقوع طريق
الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال في سندها (2) وعدم تمامية الدلالة
إذ لو سلم كون الطهارة في الآية الكريمة بالمعنى الشرعي فظاهرها الطهارة
الحدثية لأنها أضيفت إلى نفس الشخص وما يكون قائما بالشخص الحدث
وما يقابله من الطهارة وأما الخبث وما يقابله من الطهارة فهما قائمان
بالموضوع الخاص ومنه يعرف أن قوله (على غير طهر) ظاهر أيضا في

(1) الوسائل باب 12 من أبواب الوضوء حديث 3
(2) في سند هذه الرواية موقعان للضعف: الأول إن الشيخ رواها
بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال وهو ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير
والثاني إن ابن فضال رواها عن إبراهيم بن عبد الحميد بتوسط جعفر بن
محمد بن حكيم وجعفر بن محمد بن أبي الصباح معا وهما لم تثبت وثاقتهما
317

(مسألة 22) يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس ولو
كتب جهلا أو عمدا وجب محوه كما أنه إذا تنجس خطه ولم
يمكن تطهيره يجب محوه
(مسألة 23) لا يجوز اعطاؤه بيد الكافر وإن كان في
يده يجب أخذه منه (2)
318

هذا منع لوقوع المس من غير المتطهر ولا يختص المنع بغير المتطهر فكل
فرد مكلف بأن لا يقع مس للمصحف من غير المتطهر فتدبر جيدا وبهذا
يظهران وجوب أخذ المصحف من الكافر حينئذ ليس بلحاظ
إن الكافر يحرم عليه المس فيؤخذ منه من باب نهيه عن
المنكر ليقال بأن ذلك خلاف اقرار الكافر الذمي على وضعه كما عن
السيد الأستاذ (1) بل باعتباره امتثال لنفس التكليف الأول المتوجه إلى
المكلف وهو بأن يكون المصحف الشريف مصانا من مس غير المتطهر
ثم إن هذا كله في حكم مجرد اعطاء المصحف بيد الكافر من دون
فرض عناية تسليطه عليه لأن مجرد اعطائه له قد يكون لإيصاله إلى مكان
مثلا وأما التسليط فهو حيثية أخرى قد يقع الكلام في جوازها وحرمتها
بقطع النظر عن حرمة التنجيس وحرمة مس الكافر للمصحف إذ قد يستفاد
من دليل عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر (2) عدم جواز بيع
المصحف منه وبالتالي عدم جواز تسليطه عليه ولو بغير بيع وقد أشار إلى
بعض هذه الاستفادة جملة من الفقهاء في ذيل بحث بيع العبد المسلم من
الكافر وأشرنا في محله إلى عدم تمامية الاستفادة المذكورة.

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 376 - 377
(2) من قبيل مفهوم الموافقة لرواية حماد بن عيسى عن أبي
عبد الله (ع) " إن أمير المؤمنين (ع) أتى بعبد ذمي قد أسلم فقال اذهبوا
فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقروه عنده " الوسائل
باب 28 من أبواب عقد البيع حديث 1
319

(مسألة 24) يحرم وضع القرآن على العين النجسة كما
أنه يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه وإن كانت يابسة (1)
(مسألة 25) يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية (2)
بل عن تربة الرسول وسائر الأئمة صلوات الله عليهم المأخوذة
من قبورهم ويحرم تنجيسها ولا فرق في التربة الحسينية بين
المأخوذة من القبر الشريف أو من الخارج إذا وضعت عليه
بقصد التبرك والاستشفاء وكذا السبحة والتربة المأخوذة بقصد
التبرك لأجل الصلاة
320

(مسألة 26) إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات
في بيت الخلاء أو بالوعة وجب اخراجه ولو بأجرة (1) وإن
لم يمكن فالأحوط والأولى سد بابه وترك التخلي إلى أن
يضمحل (2)
(مسألة 27) تنجيس مصحف الغير موجب لضمان

(1) راجع الوسائل باب 16 من أبواب ما يسجد عليه وغيرها.
321

نقصه الحاصل بتطهيره (1)
322

مع الامكان ومع التعذر ينتقل إلى قيمة هذه الإعادة.
والكلام في تقدير القيمة المضمونة تارة يقع بناء على عدم القول
بوجوب التطهير والاقتصار على الالتزام بحرمة التنجيس وأخرى بناء على
الالتزام بوجوب التطهير:
أما على القول بعدم وجوب التطهير فقد عرفت إن ضمان الوصف
قيميا معناه ضمان قيمة الوصف وحيث إن الوصف ليست له قيمة مستقلة
فمرجع ذلك إلى ضمان ما خسرته العين من قيمة نتيجة لفقدان الوصف لأن
الأوصاف حيثيات تعليلية لزيادة قيمة العين وعليه فيكون المتلف لوصف
الطهارة في المصحف الشريف ضامنا للتفاوت السوقي بين قيمة المصحف
النجس وقيمة المصحف الطاهر وهذا التفاوت يحدد في السوق قهرا بأقل
النقصين وأقصد بهما نقص بقاء المصحف نجسا ونقص مؤونة التطهير التي
تشتمل على نفقة نفس عملية التطهير أو على ما تسببه من نقص آخر في
المصحف كزوال الصفرة الذهبية مثلا أو على كلا الأمرين فإنه لا وجه لأن
يتنزل السعر السوقي النوعي للسلعة بأكثر من أقل الضررين والنقصين فيما
إذا كان الأمر مرددا بينهما ولم يكن أحدهما متعينا كما لو تعين نقص زوال
وصف الطهارة لعدم امكان التطهير مثلا فإن ذلك يعني أن النقص الوارد
إنما هو بمقدار الجامع بين الضررين الأقل والأكثر فيتعين في الأقل لا محالة
فلو كانت مؤونة التطهير أو خسارة وصف الصفرة الحاصلة به أو مجموعهما
أقل من خسارة وصف الطهارة تعين الضمان بمقدارها لا محالة لأن العين
تتنزل قيمتها السوقية في تلك الحالة بمقدار ذلك لا أكثر فمثلا إذا كانت
قيمة المصحف الطاهر دينارا وقيمة المصحف المتنجس الذي لا يمكن تطهيره
نصف دينار وكانت كلفة تطهير المصحف الذي يمكن تطهيره ربع دينار
مع أخذ مؤونة نفس التطهير وما يخلفه من نقص في اللون والخصوصيات
323

وفرضنا أن شخصا نجس المصحف الشريف مع امكان التطهير ففي هذه
الحالة سوف تنقص قيمته عن الدينار ويكون النقص بقدر ربع دينار
لا أكثر نعم قد يفرض أن عملية التطهير بما تستتبع من مقدمات وتجفيف
ونحو ذلك تتطلب زمانا فهذا نقص آخر تتضمنه مؤونة التطهير ومن أجله
قد يكون نقصان القيمة في الحالة المذكورة أزيد من أجرة نفس التطهير
وقيمة الصفرة الزائلة بالتطهير وهذه الزياد تمثل ذلك النقص الذي يدخل
في مؤونة التطهير.
وقد يفرض مثال على العكس كما إذا فرضنا أن قيمة المصحف
المتنجس الذي لا يمكن تطهيره ثلاثة أرباع الدينار وأن مؤونة التطهير بما
فيها النقص الطارئ على العين بسببه كانت نصف دينار ففي هذه الحالة
إذا نجس شخص المصحف الشريف ضمن بمقدار ربع دينار لأنه هو الذي
يمثل نقص بقاء المصحف نجسا بحسب الفرض وهو أقل النقصين الذين
يدور الأمر بينها بسبب فعل المنجس فلا موجب لتضمينه أزيد من ذلك
نعم لو قيل بأن الوصف مضمون ضمانا مثليا لرجع الضمان المثلي للوصف
إلى شغل الذمة بإعادة الوصف إلى العين على نحو تعود العين كما كانت إذ
لا معنى لضمان المثل في باب الأوصاف - لو تعقلناه - إلا ذلك وينتقل مع
التعذر إلى قيمة إعادة العين كذلك.
فيكون المنجس في هذا المثال مشغول الذمة بما تساوي ماليته نصف
دينار ولكن الصحيح إن ضمان الأوصاف قيمي لا مثلي بل الالتزام بمثليته
على خلاف الارتكاز العقلائي من جهات شتى إذ قد يتفق مثلا أن تكون
كلفة الإعادة أكبر من قيمة العين رأسا.
وأما على القول بوجوب تطهير المصحف فيرد كل ما تقدم بإضافة
324

مطلب آخر وهو أن تحديد أقل النقصين يتدخل فيه في المقام الوجوب
الشرعي في سوق المتشرعة لأنه لا يمكن ابقاء المصحف نجسا بل لا بد من
تطهيره بنحو يفقد صفرته الذهبية مثلا وهذا يعني أن الصفرة الذهبية واجبة
الاعدام ففي حالة عدم وجوب التطهير كنا نقارن بين بقاء المصحف فاقدا
للطهارة وواجدا للصفرة الذهبية وبين استرجاعه للطهارة مع فقده للصفرة
الذهبية وكانت قيمة للصفرة الذهبية تخفف من النقص الأول ولكن في
حالة البناء على وجوب التطهير تقل قيمة هذه الصفرة لأنها صفرة واجبة
الاعدام شرعا كما هو واضح.
ثم إن ضمان هذا النقص أعني نقص زوال الصفرة الذهبية على تقدير
القول بوجوب التطهير يثبت حتى لو فرض عدم المالية لوصف الطهارة
وعدم المؤونة في نفس عملية التطهير لأن التنجيس يؤدي إلى كون الصفرة
واجبة الاعدام فهو بمثابة اتلاف مباشر لها بمرتبة من المراتب فيضمن
بمقدار الفارق بين قيمة مصحف ذهبي قابل لابقاء لونه شرعا وقيمة
مصحف ذهبي يجب إزالة صفرته الذهبية شرعا.
وأيضا كنا نفترض بناء على عدم وجوب التطهير إن المضمون
بالتنجيس قد يكون أقل قيمة من كلفة عملية التطهير بأن يفرض أن المصحف
بالتنجس يباع بثلاث أرباع قيمته الاعتيادية وأما نفقات تطهيره فتساوي
نصف قيمته الاعتيادية فالمضمون ربع القيمة لا نصفها إلا أن الحساب قد
يتغير في سوق المتشرعة المبني على وجوب التطهير لأن شراء المصحف
المتنجس حينئذ يتيح للمشتري أن يطهره فيتنجز عليه وجوب التطهير
المستدعى لبذل ما يساوي نصف قيمته الاعتيادية بحسب الفرض وهذا يوجب
عدم الاقدام نوعا من المتشرعة بشرائه بأكثر من النصف فقد يتصور
325

(مسألة 28) وجوب تطهير المصحف كفائي لا يختص
بمن نجسه ولو استلزم صرف المال وجب ولا يضمنه من
نجسه إذا لم يكن لغيره وإن صار هو للسبب للتكليف بصرف
المال وكذا لو ألقاه في البالوعة فإن مؤونة الاخراج الواجب
على كل أحد ليس عليه لأن الضرر إنما جاء من قبل التكليف
الشرعي ويحتمل ضمان المسبب - كما قيل - بل قيل باختصاص
الوجوب به ويجبره الحاكم عليه لو امتنع أو يستأجر آخر
ولكن يأخذ الأجرة منه (1)
326

الثالث: أنه إذا قيل بوجوب صرف المال للتطهير فطهر المصحف
غير المنجس وبذل المال فهل يضمن له المنجس ما بذل من مال بلحاظ
كونه هو المسبب لذلك والمعروف عند السيد الماتن والمعلقين على المتن عدم
الضمان بمثل هذا التسبيب.
وقد أفيد في تقريب ذلك أن الضمان له ملاكان أحدهما اليد والآخر
الاتلاف والضمان بالتسبيب إنما يثبت إذا أدى التسبيب إلى صدق إسناد
الاتلاف إلى المسبب وهذا إنما يكون فيما إذا لم يتوسط بين التسبيب وتلف
المال إرادة الفاعل المختار إما بأن لا تكون هناك إرادة في الوسط أصلا كمن
يحفر حفيرة فيعثر بها الآخر فيقع أو أن تكون هناك إرادة متوسطة ولكنها
بحكم العدم كإرادة الدابة المرسلة لاتلاف الزرع أو الصبي المرسل لاتلاف
المال وأما مع توسط إرادة الفاعل المختار فلا يستند الاتلاف إلى المسبب فلا
موجب لضمانه.
والتحقيق: إن موجب ضمان المال لا ينحصر بأحد الأمرين من إليه
والاتلاف بل التسبيب بعنوانه ولو في الجملة ملاك ثالث للضمان وذلك
ما يستفاد من مما دل على الضمان بالتسبيب في موارد تتوسط فيها إرادة
الفاعل المختار بين التسبيب وتلف المال خارجا من قبيل معتبرة أبي بصير
وغيره (1) عن أبي عبد الله (ع) " في امرأة شهد عندها شاهدان بأن زوجها
مات فتزوجت ثم جاء زوجها الأول، قال: لهما المهر بما استحل من

(1) كمعتبرة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (ع) في شاهدين
شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها فتزوجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق
قال: يضربان الحد ويضمنان الصداق للزوج... " الوسائل باب 13 من
أبواب الشهادات حديث 1.
327

فرجها ويضرب الشاهدان ويضمنان المهر لها " بما غرا الرجل " (1)
فإن بين تسبيب الشاهدين وتلف المهر على الزوج توسطت إرادة
الفاعل المختار ومن قبيل معتبرة جميل عن أبي عبد الله (ع) " في شاهد
الزور قال إن كان الشئ قائما بعينه رد على صاحبه وإن لم يكن قائما
ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل " (2) فقد حكم هنا بضمان الشاهد
وأسند الاتلاف إليه مع أنه يتوسط بين الشهادة وتلف المال إرادة فاعل
مختار وهو القاضي الذي حكم على طبق الشهادة غير أن القاضي مغرر به
كما أن الزوج هناك كان مغررا به وقوله في الرواية الأولى (بما غرا)
ظاهر عرفا في التعليل بنحو يتعدى عن مورده كما أن قوله " بقدر ما أتلف
من مال الرجل " لا يبعد أن يكون في قوة التعليل ومرجعه حينئذ إلى أنه
يضمن لأنه أتلف ويراد بالاتلاف هذا النحو من الاستناد الذي لا يضر به
توسط إرادة الفاعل المختار فيتعدى عن مورده أيضا وعلى أي حال يستفاد
من هذه الروايات وغيرها ملاك ثالث للضمان وهو التسبيب ولكنه يختص
بالتسبيب بالتغرير لأنه مورد تلك الروايات فكأن إرادة الفاعل المختار
المتوسطة في البين لما كانت مغررا بها فهي بحكم العدم فغاية ما تقتضيه تلك
الروايات تعميم الضمان بالتسبيب لموارد توسط الإرادة المغرر بها وأما موارد
توسط إرادة غير مغرر بها غير أنها ملزم بها بأمر شرعي كإرادة التطهير في المقام
فالتعدي إليها مشكل ومتوقف إما على دعوى صدق اسناد الاتلاف عرفا
إلى المسبب بعد تنزيل الإدارة المقهورة تشريعا منزلة الإرادة الواقعة تحت
الجبر حقيقة أو على التعدي من التغرير إلى مثل ذلك بأن يقال إن عنوان

(1) الوسائل باب 13 من أبواب الشهادات حديث 2
(2) الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات حديث 2.
328

الاتلاف وإن لم يسند عرفا إلى المسبب مع توسط إرادة الفاعل المختار
ولكن اسناده إلى المسبب في موارد التغرير مع توسط إرادة الفاعل المختار
كما في الروايات يكشف عن توسعة في دائرة الاتلاف الموجب للضمان.
وقد يورد على الالتزام بالضمان بالتسبيب مع توسط إرادة الفاعل
المختار الملزم بها تشريعا ببعض النقوض كما أشرنا إلى ذلك سابقا مع كيفية
التخلص منها.
أو على الالتزام بأن التسبيب في حالات توسط الإرادة المقهورة تشريعا
يوجب بعنوانه الضمان بالسيرة العقلائية وإن لم يفرض صدق عنوان الاتلاف
وكما ثبت ضمان اليد بالسيرة كذلك يثبت ضمان التسبيب في مثل هذه الحالات
بها فإن مطالبة المسبب بتدارك الخسارة فيها عرفية ومطابقة للمرتكزات
العقلائية فالظاهر هو الضمان.
ثم إن السيد الماتن - قدس سره - قال (ولا يضمنه من نجسه إذا لم يكن
لغيره) وكان ظاهره التفصيل بين أن يكون المصحف للمنجس أو لغيره
فعلى الأول لا يضمن للمطهر أجرة التطهير وكذلك إذا كان من المباحات
وعلى الثاني يضمن الأجرة المذكورة وقد استشكل في ذلك بأن التسبيب في
الحالتين على نحو واحد فأي موجب للتفصيل وحمل السيد الأستاذ عبارة
الماتن على أن المقصود نفي طبيعي الضمان منوطا بما إذا لم يكن المصحف
للغير إذ مع كونه للغير يكون المنجس ضامنا للنقص الحاصل بالتنجيس
لا لكلفة التطهير فالتفصيل إنما هو بلحاظ طبيعي الضمان لا بلحاظ ضمان
كلفة التطهير خاصة المنفي على أي حال (1)
وهذا تأويل على خلاف ظاهر العبارة لأن ظاهر الضمير في قوله

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 385.
329

(ولا يضمنه) رجوعه إلى صرف المال من أجل التطهير فيكون التفصيل
بهذا اللحاظ لا بلحاظ ضمان آخر غير منظور إليه في العبارة ويمكن توجيهه
بأن المصحف إذا كان للغير فالمنجس يضمن النقص الحاصل بالتنجيس
كما هو معلوم وقد عرفت سابقا إن قيمة هذا النقص في سوق المتشرعة
بناء على وجوب التطهير لا تقل عن مؤونة التطهير وإن كانت قد تقل عنها
لو لم نقل بوجوب التطهير وهذا يعني أن المنجس يضمن لمالك المصحف
مؤونة التطهير فإن قام المالك بالتطهير رجع على المنجس بالمؤنة وإن قام به
شخص آخر لا بعنوان الوفاء عن المنجس فالضمان على حاله وللمالك مطالبة
المنجس بقيمة الوصف الفائت التي لا تقل عن كلفة التطهير وإن قام به
شخص آخر بعنوان الوفاء عن المنجس مع قبول المالك بمثل هذا الوفاء
فلا يبقى حق للمالك في الرجوع على المنجس وأما من قام بالوفاء عن
المنجس فإن كان متبرعا فلا حق له في الرجوع عليه وإن كان بأمره وإذنه
رجع عليه. هذا كله إذا كانت عبارة الماتن كما ذكرناه أما إذا كانت عبارته
" ولا يضمنه من نجسه إذا كان لغيره " فهي تعني أن المنجس لا يضمن
للمطهر أجرة التطهير إذا كان المصحف لغيره ويضمنها إذا كان المصحف
له وعدم الضمان في الأول مبني على أن التسبيب لا يوجب الضمان والضمان
في الثاني مبني على الاستيفاء لأن المنجس هو صاحب المصحف وقد استوفى
منفعة عمل المطهر إذ حصل على طهارة مصحفه فيضمن قيمة ما استوفاه
من منفعة الآخر بينما لا استيفاء كذلك في فرض كون المصحف للغير
ولكن الاستيفاء إنما يوجب الضمان فيما إذا كان باستدعاء من المستوفى ولم
يفرض في المقام استدعاء من المالك للتطهير نعم هناك استدعاء من قبل
الشارع ومن هنا قد يتوهم كونه بمثابة الاستدعاء من قبله لأنه استدعاء
330

(مسألة 29) إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره
بغير إذنه اشكال إلا إذا كان تركه هتكا ولم يمكن الاستئذان
منه فإنه حينئذ لا يبعد وجوبه (1)
331

وأما إذا تعذر الاستئذان وتحصيل الإذن فتارة يفرض عدم ترتب
الهتك والمهانة على ترك التطهير وأخرى يفرض ترتب ذلك على الترك.
فعلى الأول يقع التنافي بين دليل وجوب التطهير ودليل حرمة التصرف
في مال الغير وقد قيل إن هذا التنافي يدخل في باب التزاحم ويقدم الحكم
بحرمة التصرف في مال الغير لاحتمال أهميته ولكن إذا فرض أن متعلق
الوجوب نفس التطهير بما هو فعل المكلف لا الأثر الحاصل منه فالمقام
يدخل في باب التعارض فدخوله في مسألة اجتماع الأمر والنهي لأن التطهير
والتصرف في مال الغير ينطبقان على شئ واحد فلا بد من تطبيق قواعد
باب التعارض اللهم إلا أن يدعى كون ملاك كل من الحكمين محرزا في
مادة الاجتماع فيدخل في التزاحم الملاكي وفي التزاحم الملاكي يقدم معلوم الأهمية
ولا يكفي احتمال الأهمية للتقديم كما حققناه في محله من الأصول.
هذا كله إذا سلمنا بوجود اطلاق في دليل وجوب التطهير على فرض
وجوده وأما إذا لم نسلم باطلاقه لأن مهم ما يفترض دليلا عليه هو الارتكاز
أو الاشتهار والمتيقن منه غير هذه الحالة فلا اشكال حينئذ في الأخذ باطلاق
دليل الحرمة.
وأما على الثاني فحيث إن بقاء النجاسة يساوق هتك المصحف
الشريف وإهانته يقع التزاحم بين حرمة التصرف في مال الغير ووجوب
صيانة المصحف من الهتك والإهانة المتوقفة على التصرف المذكور ويقدم
هذا الوجوب للعلم بأهميته هذا فيما إذا لم يكن امتناع المالك عن الإذن
بداعي إهانة المصحف الشريف وعداوة له وإلا كان ممن ينصب العداء
للقرآن الكريم وهو كالناصب لأهل البيت لا حرمة لماله.
وليعلم أنه في كل حالة حكمنا فيها بعدم وجوب التطير تقديما لحرمة
332

(مسألة 30) يجب إزالة النجاسة عن المأكول وعن
ظروف الأكل والشرب إذا استلزم استعمالها تنجس المأكول
والمشروب (1)

(1) كما في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه (ع) " أن عليا " ع "
سئل عن قدر طبخت وإذا في القدرة فأرة قال: يهرق مرقها.. "
الوسائل باب 5 من أبواب الماء المضاف حديث 3
(3) كما في معتبرة أبي بصير عنهم (ع) قال " إذا أدخلت يدك
في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة
فإن أدخلت يدك في الماء وفيها شئ من ذلك فأهرق ذلك الماء " الوسائل
باب 8 من أبواب الماء المطلق حديث 4
333

(مسألة 31) الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة
خصوصا الميتة بل والمتنجسة إذا لم تقبل التطهير إلا ما جرت
السيرة عليه من الانتفاع بالعذرات وغيرها للتسميد والاستصباح

(1) كما في معتبرة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) قال
" قلت: جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل فقال: أما السمن والعسل
فيؤخذ الجرذ وما حوله والزيت يستصبح به " الوسائل باب 6 من أبواب
ما يكتسب به حديث. 1
(2) كمعتبرة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) " سألته عن أنيه أهل
الكتاب فقال: لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم
الخنزير " الوسائل باب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 6.
334

بالدهن المتنجس لكن الأقوى جواز الانتفاع بالجميع حتى
الميتة مطلقا في غير ما يشترط فيه الطهارة نعم لا يجوز بيعها
للاستعمال المحرم وفي بعضها لا يجوز بيعه مطلقا كالميتة
العذرات (1)

(1) حيث جاء فيها ".. أو البيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير
أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير أو جلودها أو الخمر أو شئ
من وجوه النجس فهذا كله حرام محرم لأن ذلك كله منهي عن أكله
وشربه ولبسه وملكه وامساكه والتقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام "
الوسائل باب 2 من أبواب ما يكتسب به حديث 1
(2) باعتبار الارسال.
(3) الوسائل باب 21 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 5.
335

تدل على أن الحرمة لا تختص بالشرب لشمولها للاكتحال ولكن الاكتحال
لما لم يكن أجنبيا عن الشرب بالمرة لأنه نحو استدخال للمسكر إلى الباطن
فتحريمه لا يستلزم تحريم مطلق الانتفاع حتى تدهين الأخشاب به مثلا لأن
احتمال الفرق موجود.
الثاني: ما دل على حرمة انتاج المسكر وصنعه (1) فإنه دال عرفا على
حرمة الانتفاع به إذ لو كانت له منافع محلله لما حرم صنعه بلحاظها.
الثالث: ما دل على الأمر بإراقة المسكر وإن النبي (ص) كان يأمر
بإراقته (2) فإنه يدل على سقوط عن قابلية الانتفاع من سائر الوجوه
وكلا هذين الوجهين مخدوش فيهما لأن الأمر بالإراقة أو النهي عن
صنع الخمر إنما يدل على سقوط الانتفاعات بالشئ فيما إذا لم تكن هناك
مفسدة معينة فيه تغرى الناس على الاقدام عليها وممارستها وأما في هذه
الحالة فقد يكون الأمر بالإراقة وتحريم الصنع تحفظا من تلك المفسدة وهي
مفسدة الشرب في المقام.
الرابع: ما دل على تحريم تمام مراتب ومقدمات اعداد الخمر واستعماله
كما في رواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال " لعن رسول الله (ص) في

(1) من قبيل معتبرة زيد بن علي عن آبائه (ع) قال " لعن
رسول الله (ص) الخمر وعاصرها ومعتصرها.. " الوسائل باب 55 من
أبواب ما يكتسب به حديث 3
(2) من قبيل معتبرة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) "... إن
رجلا من ثقيف أهدى إلى رسول الله (ص) راويتين من خمر فأمر بهما
رسول الله (ص) فأهريقتا.. " الوسائل باب 55 من أبواب ما يكتسب به
حديث 1.
336

الخمر عشرة غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة
إليه وبائعها ومشتريها وآجل ثمنها " (1) فإن اطلاق لعن الحامل والمحمول
إليه يدل على حرمة مطلق الانتفاع وإلا فلماذا يحرم الحمل لأجل المنفعة
المحللة وفيه أن الظاهر من الرواية والعناوين المأخوذة فيها أن النظر إلى تلك
العناوين بوصفها استطراقا إلى الشرب لا في نفسها ولو لم تكن في طريق
منفعة الشرب المحرمة ويشهد لذلك عنوان (غارسها) فإن الخمر لا تغرس
وإنما يغرس العنب وهو ليس بمحرم قطعا إذا لم يكن من أجل الشرب
فلا بد أن يكون النظر في الرواية إلى تحريم الانتفاعات الاستطراقية إلى
الشرب وهكذا يظهر عدم الدليل على حرمة تدهين الأخشاب بالمسكر مثلا
ونحو ذلك من الانتفاعات.
وأما حرمة الانتفاع بالميتة فقد وردت فيها روايات عديدة تدل
بظاهرها على ذلك من قبيل رواية علي بن أبي مغيرة قال: " قلت لأبي
عبد الله (ع) جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشئ فقال لا.. " (2) ومثل
معتبرة سماعة قال: " سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال إذا رميت
وسميت فانتفع بجلده وأما الميتة فلا " (3) وغيرها وفي مقابل ذلك ما يدل
على الجواز كمعتبرة سماعة قال: " سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت
فرخص فيه وقال: إن لم تمسه فهو أفضل " (4)
ومقتضى الجمع العرفي حمل المنع على الكراهة.

(1) الوسائل باب 55 ما يكتسب به حديث 4.
(2) الوسائل باب 61 من أبواب النجاسات حديث 2.
(3) الوسائل باب 49 من أبواب النجاسات حديث 2.
(4) الوسائل باب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 8.
337

النقطة الثانية في سقوط العين النجسة عن المالية الذي يترتب عليه عدم
الضمان بالاتلاف وعدم جواز البيع بناء على اشتراط المالية فيه وهذا السقوط
تارة يدعى بلحاظ دليل تحريم تمام المنافع باعتبار أن المالية تنتزع من المنافع
فإذا جرد المال منها تشريعا وفي عالم الزجر المولوي فكأنه لا منفعة له بالنظر
المولوي التشريعي ويتوقف هذا على تمامية النقطة السابقة.
وأخرى يدعى بلحاظ دليل وجوب الاتلاف (1) ويرد عليه أن لزوم
الاتلاف لا يساوق الاخراج من المالية إذ قد يجب اتلاف المال كالعبد الجاني
في مقام القصاص مثلا مع كونه ما لا تجوز المعاوضة عليه قبل القصاص.
وثالثة يدعى بلحاظ دليل عدم جواز البيع (2) فإنه وإن كان أعم
من اسقاط المالية ولكن قد يستفاد من لسانه ذلك كما إذا عبر بأن الثمن
سحت واستظهر منه أن هذا النجس مما لا يليق أن يكون له ثمن ويرتبط
هذا بالنقطة الآتية:
النقطة الثالثة في جواز بيع الأعيان النجسة وعدمه والظاهر أنه لم يرد
دليل على عدم جواز ذلك بعنوانه إلا رواية تحف العقول الساقطة سندا
ومقتضى القاعدة هو الجواز مع فرض وجود منفعة محللة عقلائية مصححة
للمالية وعدمه مع عدم وجود منفعة كذلك لكن خرجنا عن هذه القاعدة
في الكلب غير الصيود وفي الخنزير وفي الخمر بوصفه مسكرا لا بوصفه

(1) من قبيل معتبرة محمد بن مسلم المتقدمة
(2) من قبيل معتبرة سماعة قال " السحت أنواع كثيرة منها كسب
الحجام وأجر الزانية وثمن الخمر، الوسائل باب 5 من أبواب ما يكتسب
به حديث 6.
338

نجسا حيث دلت الروايات الخاصة على عدم جواز بيع هذه الأشياء (1)
وأما الميتة ففيها ثلاث طوائف من الروايات: إحداها ما يدل على
أن ثمنها سحت (2) والأخرى ما ورد في مقام النهي عن بيع جلود الميتة
وشحومها التي ينتفع بها في الاستصباح (3) والثالثة روايات بيع الميتة ممن

(1) أما في الكلب غير الصيود فكمعتبرة محمد بن مسلم وعبد الرحمن
ابن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت.. "
الوسائل باب 14 من أبواب ما يكتسب به حديث 3 وأما في الخمر فكمعتبرة
زيد بن علي عن آبائه (ع) قال " لعن رسول الله (ص) الخمر وعاصرها
ومعتصرها وبايعها ومشتريها وساقيها وأكل ثمنها... " الوسائل باب 55
من أبواب ما يكتسب به حديث 3 وأما في الخنزير فكمعتبرة محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (ع) " في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمرا وخنازير
وهو ينظر فقضاه فقال: لا بأس به أما للمقتضي فحلال وأما للبايع فحرام "
الوسائل باب 60 من أبواب ما يكتسب به حديث 2.
(2) وهي رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: السحت ثمن
الميتة.. " ومرسلة الصدوق ".. وثمن الميتة سحت.. " ورواية حماد
ابن عمرو محمد أبي أنس ".. من السحت ثمن الميتة.. "
الوسائل باب 5 من أبواب ما يكتسب به حديث 5 - 8 - 9
(3) وهي رواية البزنطي صاحب الرضا (ع) وعلي بن جعفر " سألته
عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي احياء أيصلح له أن ينتفع
بما قطع قال: نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها " الوسائل
باب 6 من أبواب ما يكتسب به حديث 6 رواية علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر (ع)
339

يستحلها الواردة في موارد اختلاط المذكى بالميتة (1) وهي وإن كانت واردة
في فرض الاختلاط ولكن يستفاد منها عرفا أن نكتة الجواز كون المشتري
مستحلا للميتة ولا خصوصية لتمييز الميتة أو اختلاطها مع المذكى وإنما الاختلاط
مورد الرواية ويلغى دخله في حكمها بمناسبات الحكم والموضوع وهذه
الطائفة تدل أيضا على عدم جواز بيع الميتة من غير المستحل غير أن الظاهر
منها عرفا كون عدم الجواز باعتبار اعتراف المشتري بعدم حلية المنافع
وهذا الظهور يكون قرينة على اختصاص الحرمة فيها بما ليس له منفعة
محللة كلحم الميتة فلا تشمل بيع الجلد ونحوه مما ثبت جواز الانتفاع به
وبهذا يظهر أن هذه الطائفة يتطابق مفادها من هذه الناحية مع ما هو مقتضى
القاعدة ولا يستفاد منها أزيد من عدم جواز البيع في فرض عدم المالية
الناشئ من عدم استحلال المنافع.
وأما الطائفة الأولى فظاهرة في نفسها في عدم جواز بيع الميتة مطلقا
حتى مع فرض وجود الانتفاع المحلل والطائفة الثانية أوضح في ذلك لورودها
في مثل الجلود ولكنا لم نجد في روايات الطائفتين الأولى والثانية ما يتم
سندا (2) فالمعول على الطائفة الثالثة المطابقة لمقتضى القاعدة.

(1) من قبيل معتبرة الحلبي قال " سمعت أبا عبد الله (ع) يقول:
إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممن يستحل الميتة وأكل ثمنه " الوسائل باب
7 من أبواب ما يكتسب به حديث 1
(2) أما الطائفة الأولى فرواية السكوني رواها الكليني والشيخ بسند
ضعيف بالنوفلي ورواها الصدوق بسند ضعيف بموسى بن عمر ومرسلة
الصدوق ضعيفة بالارسال ورواية حماد بن عمرو ومحمد أبي أنس ضعيفة بعدة
من المجاهيل وأما الطائفة الثانية فرواية البزنطي وعلي بن جعفر لهما طريقان
الأول ضعيف بالارسال والثاني بعبد الله بن الحسن.
340

(مسألة 32) كما يحرم الأكل والشرب للشئ النجس
كذلك يحرم التسبب لأكل الغير أو شربه وكذا التسبب
لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة فلو باع أو أعار شيئا نجسا
قابلا للتطهير يجب الاعلام بنجاسته وأما إذا لم يكن هو السبب
في استعماله بأن رأى أن ما يأكله شخص أو يشربه أو يصلي
فيه نجس فلا يجب إعلامه (1)
341

نلحظ الخطاب الواقعي الموجه نحو المسبب - خطاب لا تشرب النجس مثلا -
لنرى أنه هل يقتضي تحريم التسبيب منه إلى شرب الغير للنجس أيضا وأخرى
نلحظ الخطاب الموجه نحو المباشر لنرى أن توجه خطاب لا تشرب النجس
نحو شخص هل يقتضي تحريم التسبيب من الغير إلى شربه.
أما خطاب لا تشرب النجس الموجه نحو المسبب فالظاهر من كلمات
السيد الأستاذ دام ظله أنه يمكن أن نستفيد منه حرمة التسبب أيضا كما نستفيد حرمة
المباشرة لأن النهي عن الفعل أعم من النهي عن ارتكابه المباشري والتسبيبي
كما لو قال يا زيد لا تضرب أحدا فإنه يستفاد منه حرمة مباشرة الضرب
من زيد والتسبيب إليه معا لأن الفعل التسبيبي مستند إلى المسبب فيشمله
اطلاق الخطاب (1)
وهذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه وذلك باعتبار أن الأفعال التي
تؤخذ متعلقات للأحكام على قسمين فتارة تكون إضافتها إلى المكلف إضافة
صدورية فحسب من قبيل الضرب الذي نسبته إلى الضارب نسبة الصدور
منه وأخرى تكون إضافتها حلولية أيضا كما لو حرم لبس الأسود على زيد
فلو سلم في القسم الأول دلالة الخطاب على حرمة إصدار الفعل ولو بالتسبيب
لأنه مضاف إليه بالإضافة الصدورية فلا اشكال في أن الخطاب في القسم
الثاني لا يكون دالا على حرمة تسبيب زيد للبس عمرو للسواد لأن الخطاب
قد حرم الفعل المضاف إلى زيد إضافة الصدور والحلول فالحرام هو اللبس
الحال في زيد لا الحال في عمرو وإن كان بتسبيب من زيد لأن التسبيب
المذكور إنما يحفظ الإضافة الصدورية دون الإضافة الحلولية وحرمة الشرب
من الماء النجس وأمثالها في محل الكلام قبيل الثاني - أعني لبس السواد -

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 395.
342

فإذا قيل يا زيد لا تشرب النجس فلا يكون شرب عمرو الواقع بتسبيب زيد
مصداقا للحرام بهذا الخطاب لأن إضافة الشرب إلى الشارب ليست إضافة
صدورية فقط بل هي متقومة بكونه محلا للشرب والتسبيب لا يجعل المسبب
محلا للشرب كما هو واضح.
وأما الخطاب الثاني الموجه نحو المباشر فيمكن تقريب دلالته على حرمة
التسبيب من الغير له بأحد وجهين:
الأول: أنه كاشف عن وجود غرض لزومي في اجتناب المباشر عن
النجس فيجب على غيره أيضا حفظ هذا الغرض اللزومي المولوي بحكم
العقل.
وفيه أن الغرض المولوي القائم بفعل مع كونه غرضا واحدا يتصور
له أنحاء من التفويت.
وقد يكون بعض هذه الأنحاء مما لا يرضى المولى بها دون بعضها
الآخر تبعا لدرجة اهتمام المولى بذلك الغرض وكل خطاب لا يكشف عن
عدم رضا المولى إلا بالتفويت الذي تستلزمه مخالفة ذلك الخطاب لا بالأنحاء
الأخرى من التفويت فغاية ما يدل عليه خطاب المباشر عدم جواز التفويت
المباشري من قبله لا لزوم عدم التفويت من قبل غيره.
الثاني: أن يقال إن التفكيك بين التفويت المباشري والتسبيبي وإن كان
معقولا لكنه ليس بعرفي بل المتفاهم عرفا التلازم بينهما في عدم الرضا
وبذلك ينعقد للخطاب دلالة التزامية عرفية على حرمة التسبيب.
وهذا الوجه صحيح وعلى أساسه نبني على حرمة التسبيب إلى الحرام
هذا هو الكلام على مقتضى القاعدة.
وأما على مستوى الروايات الخاصة الواردة في بيع الدهن المتنجس
343

والآمرة باعلام المشتري لكي يستصبح به (1) فهي دالة على حرمة التسبيب
أيضا باعتبار أن لزوم الاعلام ليس إلا دفعا للتسبيب في وقوع المشتري في
الانتفاع المحرم وبذلك تكون مؤكدة لمقتضى القاعدة أيضا نعم في خصوص
التسبيب إلى وقوع المستعمل في الحرام الواقعي كما في موارد بيع الميتة من
المستحل يلتزم بعدم حرمة التسبيب لما عرفت من مذاق الشارع على معاملته
وفق مذهبه ودينه.
ثم إن السيد الحكيم - قدس سره - في المستمسك ذكر أن النسبة بين
حرمة التسبيب على القاعدة وحرمة التسبيب بالروايات الخاصة عموم من وجه
لشمول الأولى فقط لغير النجس من المحرمات وشمول الثانية فقط لما إذا
علم بعدم استعمال المشتري - المباشر - للشئ في الانتفاع المحرم (2).
وهذا الكلام غير تام لوضوح ظهور الروايات في أن الحرمة بملاك
التسبيب إلى الانتفاع المحرم حيث ورد فيها تعليل الاعلام بأنه ليستصبح به
وواضح أن الاستصباح ليس واجبا وإنما هو كناية عن التجنب عن الانتفاع المحرم فلا
يستفاد منها الوجوب التعبدي للاعلام بل الاستطراقي لصيانة غرض المولى
وأما قصر الروايات على موردها وهو المتنجس خاصة فهو مبني على عدم
الغاء خصوصية المورد بمناسبات الحكم والموضوع وانصراف الروايات إلى
الإشارة إلى حرمة التسبيب إلى الحرام التي هي أمر عقلائي مركوز.
وأما الفرع الثاني وهو فيما إذا لم يكن المباشر مكلفا فالكلام فيه

(1) من قبيل معتبرة معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله (ع)
" في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه وبينه لمن
اشتراه ليستصبح به " الوسائل باب 6 من أبواب ما يكتسب به حديث 4
(2) المستمسك الجزء الأول ص 523 - 524 من الطبعة الرابعة.
344

يبتني على الكلام في الفرع السابق فإذا قيل هناك بعدم حرمة التسبيب كان
الجواز هنا أوضح وإن قلنا هناك بالحرمة استنادا إلى الخطاب الأول أعني
خطاب لا تشرب النجس المتوجه إلى المسبب كما قرره السيد الأستاذ فلا
خطاب لا تشرب النجس المتوجه إلى المسبب كما قرره السيد الأستاذ فلا
ينبغي التفريق بين تسبيب المسبب للمكلف أو لغيره لفعلية الخطاب بالنسبة
إلى المسبب على أي حال والغريب أنه - دام ظله - التزم في المقام بعدم
الحرمة (1) مع بنائه على الحرمة في الفرع السابق بلحاظ الخطاب الأول
وإن قيل بالحرمة في الفرع السابق بلحاظ الخطاب المتوجه إلى المباشر نفسه
فمن الواضح عدم الحرمة هنا لعدم ثبوت ذلك الخطاب في حق المباشر
بحسب الفرض وإن قيل هناك بالحرمة للروايات الخاصة فالجزم باطلاقها
مشكل لورودها في سوق المسلمين الذي يكون البيع فيه عادة من البالغين
ويؤيده قوله (وبينه لمن اشتراه ليستصبح به).
فإنه ظاهر في أن المشتري يجب إعلامه ممن يتأثر بالاعلام وينحصر
أمره بعد الاعلام بالاستصباح وليس ذلك إلا المكلف.
نعم قد يستفاد حرمة اعطاء الطعام النجس إلى الأطفال في الجملة من
روايات الأمر بالإراقة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وأما البحث في صغرى التسبيب وأنه بماذا يتحقق فتحديد ذلك يرتبط
بالمدرك الذي يستند إليه في حرمة التسبيب لأن كلمة التسبيب بعنوانها لم
ترد في دليل حتى يقع الكلام في مفادها لغة أو عرفا وإنما استفدنا الحكم
من المدارك المتقدمة فلا بد من ملاحظة مقدار ما يستفاد منها فإن كان
المدرك هو الخطاب المتوجه للمسبب ببيان تقدم عن السيد الأستاذ فلا بد
من الاقتصار في الحرمة على مورد يسند فيه الفعل إلى المسبب عرفا ليكون

(1) التنقيح الجزء الثاني ص 398
345

(مسألة 33) لا يجوز سقي المسكرات للأطفال بل يجب
ردعهم وكذا سائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرة لهم بل
مطلقا وأما المتنجسات فإن كل التنجس من جهة كون أيديهم
نجسة فالظاهر عدم البأس به وإن كان من جهة تنجس سابق
فالأقوى جواز التسبب لأكلهم وإن كان الأحوط تركه وأما
346

ردعهم عن الأكل أو الشرب مع عدم التسبب فلا يجب من
غير اشكال (1)

(1) تقدم في الجزء الثاني من البحوث ص 135.
(2) الوسائل باب 10 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 1
347

حتى لو أمكن رفع الضعف بلحاظ خالد بن جريد (1)
اللهم إلا أن يقال بتوثيقه باعتبار رواية البزنطي عن أبي الربيع (2)
الذي ينصرف إلى أبي الربيع الشامي ومثلها رواية عجلان أبي صالح قال:
قلت لأبي عبد الله (ع): المولود يولد فنسقيه الخمر. فقال: لا من
سقى مولوا مسكرا سقاه الله من الحميم وإن غفر له " (3).
وهي ضعيفة بأبي صالح العجلان (4) ومثلها الرواية الأخرى لعجلان
أبي صالح (5) أيضا وهو ممن لم يثبت توثيقه وشهادة علي بن الحسن بن
علي بن فضال بوثاقة عجلان أبي صالح كما في كتاب الكشي (6) لا ينفع
لتعدد هذا العنوان وعدم تعيين مصب الشهادة كما يظهر بمراجعة رجال
الشيخ (7) ومنها أيضا رواية الخصال بإسناده عن علي (ع) في حديث

(1) خالد بن جرير لم يوثقه الشيخ والنجاشي إلا أن الكشي روى
في رجاله (حديث 191) عن محمد بن مسعود قال: " سألت علي بن
الحسن عن خالد بن جرير الذي يروي عنه الحسن بن محبوب فقال: كان
من بجيلة وكان صالحا ".
(2) روى عنه في علل الشرائع الجزء الأول باب 77 حديث 7.
(3) الوسائل باب 10 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 2.
(4) مضافا إلى ضعفها ببشير الهذلي.
(5) الوسائل باب، 1 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 3.
(6) روى في رجاله (حديث 378) عن محمد بن مسعود قال:
" سمعت علي بن الحسن بن علي بن فضال يقول: عجلان أبو صالح ثقة
قال: قال له أبو عبد الله (ع): يا عجلان كأني أنظر إليك إلى جنبي
والناس يعرضون علي ".
(7) ذكر الشيخ في رجاله ثلاثة من أصحاب الصادق (ع) وهم
عجلان أبو صالح السكوني الأزرق الكوفي وعجلان أبو صالح المدائني وعجلان
أبو صالح الخباز الواسطي مولى بني تيم الله ولم يوثق أحدهم.
348

الأربعمائة أنه قال: " من سقى صيبا مسكرا وهو لا يعقل حبسه الله عز وجل
في طينة خبال حتى يأتي مما صنع بمخرج " (1) وهي أيضا ضعيفة السند
لوجود مثل قاسم بن يحيى فيه.
التقريب الثالث: التمسك باطلاق دليل حرمة سقى الخمر للناس
بدعوى شموله للطفل أيضا لأنه من الناس أيضا خصوصا الطفل المميز المقارب
للبلوغ من قبيل رواية عقاب الأعمال باسناده إلى النبي (ص) في حديث
" ومن شرب الخمر سقاه الله من السم الأساود ومن سم العقارب " إلى
أن قال: " ومن سقاها يهوديا أو نصرانيا أو صابئا أو من كان من الناس
فعليه كوزر من شربها " (2).
وهذا الاستدلال ساقط أيضا لضعف الرواية سندا ودلالة فهي منقولة
عن النبي (ص) بسند يشتمل على وسائط مجهولة (3).
كما أن دلالتها يمكن المناقشة فيها بأنه لا أطلاق فيها بالنسبة إلى سقي
الطفل بقرينة قوله: فيها (فعليه كوزر من شربها) فإنه دال على النظر
إلى سقي المكلف الذي يحرم عليه الشرب ويكون وزرا عليه اللهم إلا أن
يقال بأن المقصود إن على الساقي وزر الشارب المكلف ولو كان في واقعة
أخرى من الشرب غير التي وقع فيها السقي فيبقى الاطلاق على حاله.

(1) الوسائل باب 10 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 6.
(2) الوسائل باب 10 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 7.
(3) رواها الصدوق عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة بسند جميع
رجاله لم يثبت توثيقهم.
349

التقريب الرابع: التمسك بروايات حرمة حمل الخمر من أجل الشرب
بدعوى اطلاقه للحمل من أجل مطلق الشرب ولو من الصبي فإن مزاولة
ذلك من الصبيان وبالأخص المقاربين للبلوغ كما في أولاد السلاطين المترفين
أمر معروف لا بأس بدعوى تمامية أطلاق الحمل في الروايات له أيضا.
غير أن هذه الروايات لا تخلو من تشويش سندي فإن من جملتها رواية
جابر عن أبي جعفر (ع) قال " لعن رسول الله في الخمر عشرة غارسها
وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه... " (1)
وهي ضعيفة بعمرو بن شمر الذي ضعف واتهم بالكذب (2) ومن
جملتها رواية زيد بن علي (3) عن آباءه (ع) بنفس المضمون تقريبا وهي
قد تكون ضعيفة بالحسين بن علوان الواقع في السند حيث لا يخلو توثيقه
عن تأمل وإن كان الظاهر وثاقته ورجوع. توثيق النجاشي إليه (4).
وعليه فتدل على حرمة سقي الصبي لأن حمل الخمر إليه إذا كان محرما فسقيه
إياها أوضح حرمة عرفا.
التقريب الخامس: الاستدلال بأدلة حرمة الجلوس على موائد شرب

(1) الوسائل باب 55 من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
(2) قال النجاشي في ترجمته " ضعيف جدا زيد أحاديث في كتب
جابر الجعفي ينسب بعضها إليه والأمر ملتبس " وقال في ترجمة جابر
" روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا منهم عمرو بن شمر.. ".
(3) الوسائل باب 55 من أبواب ما يكتسب به حديث 3.
(4) قال النجاشي " الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي
وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة رويا عن أبي عبد الله عليه السلام "
والظاهر أن التوثيق يرجع إلى الحسين لا إلى أخيه الحسن.
350

الخمر ومداولتها. من قبيل معتبرة عمار عن أبي عبد الله (ع) قال:
سئل عن المائدة إذا شرب عليها الخمر أو مسكر قال: حرمت المائدة.. " (1)
وهي مطلقة من حيث الدلالة شاملة لما إذا كان على المائدة طفل غير
مكلف كما في أطفال الملوك والسلاطين. فإذا حرم الجلوس معهم على المائدة
كان سقيهم بذلك أولى بالتحريم عرفا كما أن الرواية تامة من حيث السند
أيضا ويسند ذلك ويعززه ما يستفاد من مجموع روايات الباب من شدة
اهتمام الشارع باجتناب الخمر وقمع مادتها الفاسدة عن المجتمع فإنها تكشف
عن ذوق حاسم يأبى عن سقيها للأطفال بدون شك.
الفرع الثاني: في وجوب ردع الطفل عن شرب المسكر وهذا الحكم
أخفى من الحكم في الفرع السابق فإن جملة من التقريبات السابقة لا ترد هنا
وغاية ما يمكن أن يقرب به الحكم في هذا الفرع وجوه ثلاثة:
الأول: ويتركب من مقدمتين:
إحداهما: استكشاف مبغوضية شرب الصبي للمسكر من دليل حرمة
السقي في الفرع السابق باعتبارها حرمة طريقية أي أنه حرم السقي بملاك
مبغوضية أن يشرب الصبي المسكر لا أن هناك ملاكا نفسيا في عنوان السقي
كما لو قيل لا تعط الصبي الكتاب فيثبت بدليل الفرع السابق مبغوضية شرب
الصبي للمسكر وإن لم يكن هنالك خطاب بالنسبة إليه.
الثانية: أنه إذا ثبت مبغوضية الفعل وجب عقلا على المكلفين الحيلولة
دون وقوع ذلك المبغوض ومن أنحاء ذلك رع الطفل عن شرب المسكر.
وهذا الوجه تقدمت المناقشة سابقا في المقدمة الثانية منه حيث تقدم
أن مبغوض المولى لا يجب الحيلولة دون وقوعه من جميع الجهات والأشخاص

(1) الوسائل باب 33 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 1.
351

لأن المبغوضية على درجات عديدة وليست كلها تستلزم الاهتمام بحيث يقتضي
أمر الشارع بسد أبواب عدمه جميعا.
الوجه الثاني: الاستدلال بفحوى معتبرة عمار المتقدمة في الفرع السابق
أيضا التي دلت على حرمة الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر حيث
كانت شاملة باطلاقها لمائدة شرب الصبي المسكر فإذا كانت مغادرة المائدة
التي يشرب عليها الصبي المكسر واجبة كان ردعه عنه أيضا واجبا ولو بضم
عناية عرفية واعمال فهم عقلائي حاصله أن مثل هذا الحكم يفهم من مناسباته
أنه بملاك التأديب والتأنيب والمقاطعة والردع. لأن مغادرة المائدة والاجتناب
عن الجلوس عليها يعتبر بحسب العرف والعادة أسلوبا من أساليب الردع
فيثبت بعد اعمال هذه العناية العرفية لزوم ردع الصبي عن تناول المسكر
أيضا إن أمكن.
الوجه الثالث: الاستفادة الاجمالية من مجموع ما ورد في الباب من
الأدلة المختلفة والتشريعات العديدة التي تشرف الفقيه على الجزم بأن مرام
الشارع ومذاقه هو قطع مادة هذا الفساد عن المجتمعات وسد منافذ
تسربها إليها.
وهذه الوجوه الثلاثة وبالأخص الأخيرين منها إن لم تستوجب الفتوى
بوجوب الردع فلا أقل من ايجابها الاحتياط فيه.
الفرع الثالث: في اعطاء العين النجسة من غير المسكر إلى الصبي
وينبغي أن نفترض فيه من أجل أن لا تختلط الجهات بعضها مع بعض أنه
لا يترتب ضرر بمرتبة محرمة من ذلك كما لو افترضنا اعطاءه ذبيحة لم يذكر
اسم الله عليها الذي لا يترتب عليه ضرر مادي محرم فهل يحرم ذلك أم لا؟
وجهان:
أما وجه عدم جواز الاعطاء فأحسن ما يمكن أن يقرب به امكان
352

استفادة ذلك من روايات الأمر بإراقة المرق الذي وقع فيه النجس (1)
- إن تم سندها - (2) باستظهار دلالتها على سقوط المرق المتنجس مثلا
عن الانتفاع المستلزم عدم جواز اعطاءه حتى للصبي، وإلا كان الانتفاع
به ممكنا.
إلا أن هذا الوجه لا يقتضي أكثر من الاحتياط في المسألة وفي خصوص
عين النجس أو المتنجس به مباشرة أما كونه لا يقتضي الحرمة الجزم فلامكان دعوى
إن غاية ما يستفيده العرف أن الأمر بالإراقة كناية عن سقوط انتفاع السائل
المكلف بذلك المرق أي لبيان سقوط الانتفاع المباشر بذلك المرق دون
الانتفاع غير المباشر القائم على أساس أمور ثانوية أخرى كالتسبيب إلى انتفاع

(1) وهي روايتان السكوني عن جعفر عن أبيه (ع) " أن عليا (ع)
سئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فأرة، قال: يهرق مرقها ويغسل
اللحم ويؤكل " الوسائل باب 5 من أبواب الماء المضاف حديث 3.
ورواية زكريا بن آدم قال " سألت أبا الحسن (ع) عن قطرة خمر
أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال: يهراق المرق
أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب واللحم اغسله وكله.. " الوسائل باب
38 من أبواب النجاسات حديث 8 مضافا إلى ما قد يدعى شموله للمرق
بالعموم وهي رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال " سألت أبا الحسن (ع)
عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة قال: يكفي الإناء " الوسائل
باب 8 من أبواب الماء المطلق حديث 7.
(2) الظاهر عدم تمامية سندها أما رواية السكوني فضعيفة بالنوفلي
وأما رواية زكريا بن آدم فضعيفة بالحسن بن مبارك وأما رواية أحمد بن
محمد بن أبي نصر فضعيفة بالحسين بن الحسن بن أبان.
353

الغير، وبعبارة أخرى يكفي في تمامية الكناية في الأمر بالإراقة أن تكون
العين ساقطة عن الانتفاع المباشر من قبل المكلف فلا يمكن استفادة السقوط
المطلق حتى عن طريق الانتفاعات الثانوية كاعطائه للغير الذي لا يحرم عليه
في نفسه الانتفاع المباشر به.
وأما اختصاص الحكم المذكور بالمتنجس بيعن النجس، أو عين النجس
فلأنه مورد تلك الروايات.
ولا يمكن الحاق مطلق المتنجس ولو لم يكن بعين النجس به لاحتمال
الفرق.
وأما وجه الجواز فقد يبين بلحاظ الأصل العملي الذي يكون محكوما
لدليل عدم الجواز وهو الاستظهار من روايات الإراقة.
ولكن يمكن أن يبين وجه للجواز لا يكون محكوما لدليل عدم الجواز
وذلك بأحد تقريبين:
الأول: دعوى انعقاد السيرة المتشرعية جيلا بعد جيل على عدم
الاهتمام بتطهير الصبيان وعدم المبالاة بمطعمهم وشؤونهم من حيث الملاقاة
مع النجاسة التي غالبا ما يكون الصبي في معرض التلوث بها مما يكشف
عن جواز ذلك وعدم حرمته.
وهذه السيرة لو كانت منعقدة وتامة - وسوف نتعرض لذلك فيما
بعد - فلا اشكال في أنها غير منعقدة علي اعطاء الطفل عين النجس أو
المتنجس بها وإنما يمكن دعوى انعقادها بالنسبة إلى المتنجسات الطولية أعني
المتنجس بالمتنجس.
الثاني: التمسك بروايات جواز استرضاع الكافرة (1) وهي نجسة

(1) من قبيل معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال " لبن
اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلي من ولد الزنا.. " الوسائل باب
76 من أبواب أحكام الأولاد حديث 2.
354

فيكون حليبها عين النجاسة أيضا لو اعتبر جزءا منها أو متنجسا بعين النجاسة
لو لم نقل بجزئية الحليب ونحوه والاستدلال بهذه الروايات موقوف على
تتميم أمور:
الأول: أن يبنى على نجاسة الكافر وهذا الأمر وإن كان غير ثابت لدينا
في النصراني واليهودي بل المجوسي أيضا ولكنه مع ذلك يمكن تتميمه برواية
عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سئلت أبا عبد الله (ع) هل يصلح
للرجل أن ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة قال لا بأس.. " (1)
فإنها واردة في المشركة التي لا نقول بطهارتها فهي تامة من حيث الدلالة
وأما من حيث السند فتتميمها موقوف على دعوى أن من ينقل عنه الحسن
ابن محمد بن سماعة أعني قوله عن غير واحد يكون فيهم ثقة وذلك بتطبق
الفائدة العامة الموقوفة على استعراض تاريخ هذا الراوي الجليل وملاحظة
نسبة الثقات في مشايخه.
وثانيا: على أن لا نحتمل خصوصية في مورد لبن المرضعة الكافرة
فلو احتمل الفرق بينه وبين غيره من النجاسات ولو بملاك الحاجة إلى
اللبن بخلاف غيره من النجاسات أو بملاك الفرق بين النجاسة بملاك غير
القذارة الحسية والخبث الخارجي الثابت في القذارات العرفية فلا يتم الاستدلال
بالرواية المذكورة ليعمم الحكم إلى كل النجاسات.
وثالثا: أن لا يوجد ما يصلح للتقيد بصورة الاضطرار وإلا فلا يثبت
الحكم المذكور في غير تلك الحالة وما يمكن دعوى كونه مقيدا.

(1) الوسائل باب 76 من أبواب أحكام الأولاد حديث 5.
355

ما رواه الصدوق بسنده عن ابن مسكان عن الحلي قال: " سألته عن
رجل دفع ولده إلى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها
أو ترضعه في بيته قال: ترضعه لك اليهودية والنصرانية وتمنعها من شرب
الخمر وما لا يحل مثل لحم الخنزير ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهن والزانية
لا ترضع ولدك فإنه لا يحل لك والمجوسية لا ترضع لك ولدك إلا أن تضطر
إليها " (1).
وهي معتبرة سندا فتقع المعارضة بينها وبين رواية عبد الرحمن المجوزة
فإذا لم يمكن تقييد رواية عبد الرحمن بصورة الاضطرار لكونها ظاهرة في
النظر إلى صورة الاختيار أو باعتبار كون صورة الاضطرار فردا نادرا في
بلاد المسلمين لندرة المشركين في بلاد المسلمين في عصر الرواية فيتعين أن
تحمل معتبرة الحلبي على الكراهة لمكان صراحة الأخرى في نفي البأس كما
هو مقتضى القاعدة في كل مقام من هذا القبيل ولكن تبقى على كل حال
دعوى التعدي من الارضاع بالحليب النجس إلى غيره على عهدة مدعيها.
وعليه فبناء على تمامية رواية الاسترضاع في الدلالة على جواز اعطاء الصبي
حليب المشركة النجسة إن قلنا بنجاسة الحليب وأنه جزء من المرأة النجسة
كانت الرواية دالة على جواز اعطاء عين النجاسة للطفل فضلا عن المتنجس
بها وإن قلنا بأن حليب المشركة متنجس بعين النجس.
دلت الرواية على جواز اعطاء المتنجس بعين النجس ولا يبقى معها
ما يدل على المنع من اعطاء النجس لأن المنع كان بلحاظ روايات الأمر
بالإراقة الدالة بالمطابقة على المنع من اعطاء المتنجس وبالالتزام والأولوية
على المنع من اعطاء النجس فإذا سقط المدلول المطابقي عن الظهور في
اللزوم لا يبقى مجال للأخذ باللزوم في المدلول الالتزامي.

(1) الوسائل باب 76 من أبواب أحكام الأولاد حديث 6.
356

وهكذا يثبت أنه لو تمت رواية استرضاع المشركة كانت نعم الدليل
على تقييد اطلاق الأمر بالإراقة في رواية المنع.
ثم إنه ربما يفصل بين ما إذا كان الطعام المعطى للطفل متنجسا من
ناحيته وما إذا كان متنجسا من غير ناحيته فالأول يجوز اعطاؤه له
دون الثاني.
ويمكن أن يستدل لذلك بتقريبين.
الأول: دعوى قصور دليل المنع عن صورة تنجس الطعام من ناحية
الطفل نفسه لأن المدرك إنما هو روايات الأمر بالإراقة وهي لا اطلاق فيها
لهذه الصورة لأن موردها المتنجس من غير ناحية الطفل فلا اطلاق للمقام.
ولكن بعد أن أوضحنا فيما سبق أن مورد الروايات المذكورة هو
المتنجس بعين النجس فلا مجال لهذا الاستدلال لأن المتنجس من ناحية
الطفل إن كان بعين النجس فالظاهر شمول الروايات للقطع بعدم الفرق
وإن كان متنجسا بالمتنجس فلا دلالة للروايات المذكورة على المنع فيه حتى
لو كان من غير ناحية الطفل.
الثاني: دعوى السيرة على عدم الاهتمام بالمتنجس من ناحية الطفل
نفسه فتكون مخصصة لدليل المنع لو كان عاما.
وفيه أيضا عدم تمامية مثل هذه السيرة بناء على انقطاع السراية وعدم
انتقال النجاسة في تمام المراتب لأن الغالب في يده أنها ليست من المتنجس
الأول كي تكون منجسة فلعل انعقاد السيرة كان بلحاظ عدم سراية
النجاسة غالبا.
الفرع الرابع: في وجوب ردع الطفل عن النجس، والصحيح
أنه لا دليل على وجوبه لأن غاية ما رجعنا إليه في اثبات حرمة التسبيب إلى
تناوله النجس إنما هو روايات الأمر بالإراقة بالاستظهار السابق ومن
357

الواضح إن ذلك الاستظهار غاية ما يثبته هو سقوط الانتفاع بالنجس حتى
بلحاظ الأطفال أما عدم ردع الطفل عن تناوله فليس انتفاعا كي يستفاد
من سقوط كل الانتفاعات بالمتنجس حرمته ووجوب الردع.
الفرع الخامس: في اعطاء النجس إلى الطفل إذا كان مضرا بحاله
وصحته والأولى جعل العنوان اعطاء ما يضر به وإن لم يكن نجسا، فحيثية
البحث في هذا الفرع إنما هي الاضرار ولا اشكال في عدم الجواز باعتبار
أدلة حرمة الاضرار بالنفس المحترمة والتي منها " حديث لا ضرر ولا ضرار " (1)
بناء على ما اخترناه من تفسيره على ما حققناه في محله من علم الأصول.
وهذا الحكم لا يختلف فيه الولي وغيره لأن حرمة الاضرار لا يختص
بالولي خاصة.
الفرع السادس: في لزوم حفظ الطفل عما يضره وردعه عنه،
وهنا يصح التفصيل المذكور بين الولي وغيره فيجب على الولي حفظه عما
يضره وردعه عنه لأنه مقتضى قاعدة ولايته عليه وجعله متمما لنقصان رشده
نعم لا يجب عليه أن يحفظه عما لا يكون ضررا عرفا ككونه كثير
الأكل مثلا ونحو ذلك.
وأما غير الولي فإن كان الضرر المترتب موجبا للخطر على حياة الطفل
بأن يفقده الحياة أو جزء مهما في وجوده كأن يوجب شلله مثلا فيجب
عليه الحفظ والردع أيضا لأنه مما علمنا من ذوق الشارع وأحكامه من
كتاب الديات والقصاص أنه لا يرضى بوقوعه ويريد حيلولة المكلفين دونه
مهما أمكن.
وأما ما لا يكون ضررا بهذه المرتبة فلا يجب الردع فيه إلا إذا صار

(1) الوسائل باب 12 من أبواب احياء الموات حديث 3
358

(مسألة 34) إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا
فورد عليه ضيف وباشره بالرطوبة المسرية ففي وجوب
اعلامه اشكال وإن كان أحوط بل لا يخلو عن قوة وكذا إذا
أحضر عنده طعاما ثم علم بنجاسته بل وكذا إذا كان الطعام
للغير وجماعة مشغولون بالأكل فرأى واحد منهم فيه نجاسة
وإن كان عدم وجوب في هذه الصورة لا يخلو عن قوة لعدم
كونه سببا لأكل الغير بخلاف الصورة السابقة (1)
359

عن صدقه وعدمه وإنما الدليل على لزوم الاعلام هو روايات الاستصباح (1)
فلا بد من ملاحظة دلالتها على المقام ومن هنا قد يقال بأنها شاملة لمحل
الكلام أيضا لأنها تأمر بالاعلام في فرض تسليط الغير على النجس بالبيع
ومن المعلوم عدم خصوصية في البيع بعنوانه بل المتفاهم منها عرفا إن
موضوع الحكم المذكور مطلق التسليط على النجس سواء كان بالبيع أو الهبة
أو إباحة التصرف كما في محل الكلام ولكن الصحيح عدم تمامية هذا
الاستدلال أيضا لأن المستفاد من روايات الاستصباح وإن كان هو حرمة
التسليط من دون اعلام ولكن التسليط تارة يكون في مورد يكون معرضا
لابتلاء المسلط بالنجاسة بترتيب أثر الطهارة عليه في مقام الأكل والشرب
وأخرى لا يكون التسليط مؤديا إلى ابتلائه بالنجاسة في مقام الأكل والشرب
ومورد روايات الاستصباح هو الدهن المتنجس الواضح ابتلاء المكلف
بالنجاسة فيه لو لم يعلم لأنه يستعمله عادة في الطعام فلا يمكن أن يستفاد
منها لزوم الاعلام فيما إذا لم يكن عدم الاعلام موجبا لذلك. ومن هنا
ينبغي التفصيل بين ما يكون في معرض ابتلاء الضيف بأكله أو شربه أو نحو
ذلك من الاستعمالات المشروطة بالطهارة واقعا لو لم يعلمه فيجب فيه الاعلام
وبين غيره فلا يجب.
الفرع الثاني: أن يعلم بنجاسته بعد تقديم الطعام إليه فهل يجب
الاعلام أيضا فقد يدعى بعدم وجوبه وإن قيل بحرمة التسبيب لأنه لم يكن
يعلم حين تقديم الطعام والتسبيب فهو معذور وحينما علم بعد ذلك كان

(1) من قبيل معتبرة معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله (ع)
" في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه وبينه لمن
اشتراه ليستصبح بها " الوسائل باب 6 من أبواب ما يكتسب به حديث 4
360

(مسألة 35) إذا استعار ظرفا أو فرشا أو غيرهما من
جاره فتنجس عنده هل يجب عليه اعلامه عند الرد؟ فيه
اشكال والأحوط الاعلام بل لا يخلو عن قوة إذا كان مما
361

يستعمله المالك فيما يشترط فيه الطهارة (1)
362