الكتاب: خاتمة المستدرك
المؤلف: الميرزا النوري
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٢٠
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: رجب ١٤١٥
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم - ايران
ردمك: ٩٦٤-٥٥٠٣-٨٥-X
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٨٤-١ / ٩ VOLS.

خاتمة
مستدرك الوسائل
تأليف
المحدث الجليل
الميرزا الشيخ حسين النوري الطبرسي
المتوفى سنة 1320 ه‍
الجزء الأول
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تعريف الكتاب 1

BM النوري، حسين بن محمد تقي، 1254 - 1320 ه‍.
136 خاتمة مستدرك الوسائل / تأليف الميرزا الشيخ حسين النوري
504 و 4 ح / الطبرسي، تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - قم:
9 ن / مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج. نموذج
المصادر بالهامش.
1. أحاديث الشيعة - القرن الثاني عشر. 2. الحديث - علم الرجال.
أ. مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - المحقق. ب.
العنوان. ج. العنوان: مستدرك الوسائل.
ردمك (شابك) 1 - 84 - 5503 - 964 احتمالا 9 اجزاء
. VOLS 9 / 1 - 84 - 5503 - ISBN 964
ردمك) شابك X - 85 - 5503 - 964 / ج 1
1. VOL / X - 85 5503 - ISBN 964
الكتاب: خاتمة مستدرك الوسائل / ج 1
المؤلف: المحدث النوري
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم اللام) لإحياء التراث - قم
الطبعة: الأولى رجب 1415 ه‍
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): نور - قم
المطبعة: ستاره - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 2400 ريال
ساعدت وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي على طبعه
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دورشهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
تعريف الكتاب 4

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء
والمرسلين وعلى أهل بيته المطهرين، وصحبه الأوفياء المخلصين، والرحمة
على أرواح علمائنا الأبرار الذين نشروا علوم آل محمد عليهم السلام الذين
من تمسك بحبلهم اهتدى، وتمسك بالعروة الوثقى، وبلغ السعادة
القصوى، ونال الدرجات العلى، ومن تخلف عنهم هوى وغوى.
وبعد:
عمد الأوائل من رجال الشيعة الإمامية إلى جمع كل ما
روي من حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وحديث أهل البيت
عليهم السلام ابتداء من صدر الاسلام وحتى أواسط القرن الثالث الهجري،
ولم تثن طلائعهم أزمة منع التدوين المعروفة التي عاشها الحديث الشريف
عند غيرهم قرنا من الزمان، ولم توقف همتهم تلك العواصف الكثيفة التي
حاولت بمكرها ودهائها أن تحجب نور الشمس عن العالمين (ومكروا ومكر
الله والله خير الماكرين) بل ازداد إيمانا بأن الحظر المفروض على التدوين
سيلبس هذا الدين لباسا لا يمت بصلة إلى الاسلام -، وربما يطمس معالمه
مقدمة التحقيق 5

بمرور الأيام فيضيع الحق أو يخفى ويلتبس على كثير من العامة، كما
حصل.
ونتيجة لهذا الادراك تجمع لديهم - في أقل من ثلاثة قرون - ما يزيد
على ستة آلاف وستمائة كتاب حفظت بأسمائها وأسماء مؤلفيها. وقد
اشتهرت من بينها مجموعة من الكتب عرفت باسم (الأصول الأربعمائة " وهي
أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف من أصحاب الإمامين الباقر محمد بن
علي (ت / 114 ه‍) والصادق جعفر بن محمد (ت / 148 ه‍) عليهما
السلام، ومن أصحاب سائر الأئمة عليهم السلام على رأي البعض.
وقد تميزت هذه الأصول الأربعمائة عن سائر مؤلفات الشيعة في
القرون الثلاثة الأولى من عمر الاسلام بمميزات كثيرة لعل من أهمها حصول
الاجماع على اعتبارها حاكية لكلام المعصوم، ما اشتمل على نص
كلامه عليه السلام سماعا بلا واسطة في النقل والتدوين.
ولما كانت مؤلفات الشيعة ليست كلها بمثابة الأصول الأربعمائة في
قوة الحجية، لهذا قام اللاحقون من أقطاب علماء الشيعة - بعد انتهاء ذلك
العصر الزاهر بحياة الأئمة عليهم السلام - بإعمال دورهم في التسابق إلى
دراسة هذا التراث الضخم والنظر فيه وتدقيقه وتحقيقه بحسب ما لديهم من
القرائن الكثيرة، فاجتهدوا في الوصول إلى الحق ما استطاعوا إليه سبيلا،
وكان فيهم من هو في مرتبة عالية من مراتب النظر والتحقيق، وعلى درجة راقية
من التعمق والتدقيق.
وقد كان لعملهم هذا أثره الملموس، إذ تركوا لغيرهم كتبا كثيرة،
مادتها: الأصول الأربعمائة، وغيرها من الكتب الأخرى التي بلغت من
الاعتبار عند هؤلاء الاعلام درجة من الوثوق بها ما يوجب الركون إليها
واعتمادها.
مقدمة التحقيق 6

وقد اتصفت كتب المرحلة اللاحقة بجودة التصنيف وتوزيع المطالب
الحديثية على أبوابها الفقهية، ومن أشهرها كتب المحمدين الثلاثة - قدس
سرهم الشريف -: وهي:
1 - الكافي: لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، المعروف
بثقة الاسلام (ت / - 329 ه‍).
2 - كتاب من لا يحضره الفقيه: لأبي جعفر محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه القمي، المشتهر بالصدوق (ت / 380 ه‍).
3 - تهذيب الأحكام: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي،
المشتهر بشيخ الطائفة (ت / 460 ه‍).
4 - الاستبصار: لشيخ الطائفة أيضا.
وتمييزا لهذه الكتب عن غيرها أطلق عليها اسم (الأصول الأربعة)
باعتبار أنها أضبط وأجمع كتب الحديث الشريف، وامتازت عن غيرها
باحتوائها الشامل على أحاديث الأحكام الشرعية الفرعية، وإن كان الكافي
منها مشتملا على كثير من أحاديث الأصول والمواعظ، وكتاب من لا يحضره
الفقيه منها يحتوي على مجموعة من المواعظ، مع ما لمؤلفيها من مقام عال،
ومنزلة رفيعة، وشأن جليل، حيث انتهى كل منهم إلى رئاسة محدثي
المذهب الامامي في عصره، وهذا ما يسر لكتبهم هذه أن تحتل موقع
الصدارة بين كتب الحديث الأخرى التي قد لا تقل عنها اعتبارا بالإضافة إلى
وثاقة مؤلفيها وشهرتهم أيضا.
وهكذا بقيت كتب هذه المرحلة وعلى رأسها الكتب الأربعة مدار
الدرس لقرون متعاقبة، فكانت - ولا تزال - معول الفقهاء ومرجع العلماء،
حتى دفعت الهمة إلى جمع شتات الاخبار المتفرقة في الكتب المعروفة
الانتساب إلى أهلها، المعتبرة في مادتها، وضمها إلى ما في هذه الكتب
مقدمة التحقيق 7

الأربعة ونظائرها، وجعل الكل في كتاب واحد، سهل الطريقة، حسن
التبويب، جيد الترتيب، ليلبي حاجة الفقيه من حيث الاستدلال بالحديث
على مسائل الفقه كافة لون الرجوع إلى عشرات بل مئات الكتب الأخرى
للغرض المذكور نفسه.
وممن يسر الله تعالى - وله الحمد - لهذه المهمة الشاقة المضنية - التي
لا يقتصر أمرها على الجمع والتدوين، وإنما على التدقيق والتحقيق - رجل
عالم مشهور، وفقيه متضلع، ومحدث ثقة أمين، اجتمعت في شخصه
خصال الورع، والزهد، والتقوى، والعبادة، مع نفاذ البصيرة، وصفاء
السريرة، والولاء التام لآل خير الأنام عليهم الصلاة والسلام ذلك هو العبقري
الشيخ الحر العاملي (ت / 1104 ه‍) - قدس سره الشريف -.
أدرك الشيخ الحر - رضي الله تعالى عنه - أهمية هذا العمل الجبار
وقيمته العلمية، فاسترخص لأجله ما يقرب من عشرين عاما من عمره
الشريف، جمع خلالها الكثير من كتب الحديث عند الشيعة التي كانت تدور
عليها رحى الاستدلال والاستنباط، فجمعها ضمن منهج سليم، استعرض
خطواته في مقدمة كتابه الذي أعده لهذه الغاية، ذلك الكتاب هو (تفصيل
وسائل الشيعة) الذي تشرفت مؤسستنا بإعادة تحقيقه وطبعه وفق أحدث
الأساليب العلمية، فظهر بحلته الجديدة في ثلاثين مجلدا.
وما ان أتم الشيخ الحر كتابه هذا حتى تلقفته الحواضر العلمية الشيعية
في كل مكان، ورزق فضيلة الشهرة بين الفقهاء والعلماء، وطلبة العلوم
الشرعية، إذ يسر لهم الوقوف على خمسة وثلاثين ألفا وثمانمائة وثمانية وستين
حديثا، فلا غرو إذا أن يكون (وسائل الشيعة) جامعا مأمونا للكتب الحديثية
الكثيرة، التي طالما استنزفت من جهود رواد الحركة الفقهية الشئ الكثير،
وأن يكون من أكثر كتب الحديث فائدة عند الشيعة الإمامية.
مقدمة التحقيق 8

ولا يخفى أن (وسائل الشيعة) وإن كان فريدا في بابه، إلا أن مصنفه
- قدس سره - لم. يسجل كل ما وصل إلى عصره من حديث العترة الطاهرة
عليهم السلام بل ترك الكثير من الأحاديث لأسباب سيأتي بيانها عند الحديث
عن الفائدة الأولى من فوائد هذه الخاتمة.
ومن هنا برزت الحاجة من جديد إلى كتاب آخر يكمل الشوط الذي
انتهى إليه صاحب (الوسائل) فيلم شتات الاخبار الأخرى، ويجمع
الأحاديث التي لم يسجلها الشيخ الحر - قدس سره الشريف - ويجعلها دررا
منسقة، طالما اشتاق العلماء أن يروها مجتمعة.
وقد قيض الله نعالى لهذا العمل الضخم رجلا عبقري التتبع،
بصيرا، ناقدا، واسع المعرفة، مفرط النباهة، حاد الذكاء، هو فارس ميدان
الحديث في عصره حيث انتهت إليه رئاسة الحديث وأهله، لا عن تقليد
وانكار للجديد، وإنما من نظر وجد، فأحيا من خلال ما شيده من معارف
رسوما وأطلالا أوشكت الأيام أن تجعلها ركاما مسلوب الجمال ألا وهو:
خاتمة المحدثين الشيخ ميرزا حسين النوري النجفي، المتوفى بها.
سنة 1320 ه‍.
لقد وقف المحدث النوري على جملة وافرة من الاخبار التي لم يحوها
كتاب الوسائل، وذلك في بضع سنين من التصفح الطويل في كتب الشيعة الإمامية
، والتتبع الفريد لكل ما لم يورده الشيخ الحر، ومن هنا كانت انطلاقة
(مستدرك الوسائل) إكمالا لما استهدفه الأصل نفسه، وجمعا لكل ما ربما
يستفاد منه في باب الأحكام الشرعية، ولو بوجه، أو في نظر بعض.
قال الشيخ البحاثة الامام آقا بزرك الطهراني (ت / 1389 ه‍) وهو
يصف عمل أستاذه النوري في مكتبته العظيمة المشتملة على ألوف من
الكتب والآثار النادرة العزيزة الوجود، أو الفريدة، ما نصه:
مقدمة التحقيق 9

(فلا يخرج منها إلا للضرورة وفي الصباح يأتيه من كان يعينه على
مقابلة ما يحتاج إلى تصحيحه ومقابلته مما صنفه أو استنسخه من كتب
الحديث وغيرها.. وكان إذا دخل عليه أحد في حال المقابلة اعتذر منه، أو
قضى حاجته باستعجال، لئلا يزاحم وروده أشغاله العلمية ومقابلته.
أما في الأيام الأخيرة وحينما كان مشغولا بتكميل (المستدرك) فقد
قاطع الناس على الاطلاق، حتى أنه لو سئل عن شرح حديث، أو ذكر خبر،
أو تفصيل قضية، أو تاريخ شئ، أو حال راو، أو غير ذلك من مسائل الفقه
والأصول. لم يجب بالتفصيل بل يذكر للسائل مواضع الجواب ومصادره فيما
إذا كان في الخارج، وأما إذا كان في مكتبته فيخرج الموضوع من أحد الكتب
ويعطيه للسائل ليتأمله، كل ذلك خوف مزاحمة الإجابة الشغل الأهم من
القراءة والكتابة).
وقد شهد بمكانة المستدرك وأهميته فحول العلماء، وأقطاب الفقهاء،
وكبار المحققين، وأعاظم المجتهدين في عصره كالشيخ الأعظم الميرزا
محمد تقي الشيرازي (ت / 1338 ه‍).
وشيخ الشريعة الأصفهاني (ت / 1339 ه‍).
والشيخ المحقق محمد كاظم الخراساني (ت / 1329 ه‍).
- صاحب الكفاية - الذي نقل عنه أنه كان يقول. ان الحجة للمجتهد في
عصرنا هذا لا تتم قبل الرجوع إلى المستدرك.
وهذه شهادة تكشف عن أهمية المستدرك في نظر الفقهاء، وتجعله
كتابا متحدا مع الوسائل في أهدافه وغاياته، أو كما يقول النوري، قدس
سره -: صار الوسائل ومستدركه كتابين كأنهما نجمان مقترنان يهتدى بهما
على مرور الدهور والأزمان، أو بحران ملتقيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان.
مقدمة التحقيق 10

خاتمة المستدرك
إذا كانت أحاديث المستدرك تعرب عن سعة اطلاع الشيخ النوري
- قدس سره - في عالم الرواية، وتكشف عن تتبعه النادر لكل شاردة وواردة
من روايات أهل البيت عليهم السلام فان خاتمة المستدرك هي المرآة
العاكسة لنبوغه في علوم الحديث الشريف، ولوحة فنية معبرة بصدق عن
شخصيته العلمية بكل أبعادها.
إذ نجد في فوائد هذه الخاتمة الاثنتي عشرة، تعرضه إلى الكثير من
المطالب الرجالية العالية، والمباحث العويصة المرتبطة بعلم الحديث، مع
العناية الفائقة في دراسة التوثيقات الرجالية العامة، واختلاف المشارب
والمسارب فيها، وكشف النقاب عن اختلاف المباني العلمية في هذا
الاتجاه، ومن ثم مناقشتها نقاشا طويلا هادئا متزنا، بيد أنه قد يثور قلمه
أحيانا، ويغضب في مناقشة ما يراه تهافتا، وعندها يترك العنان ليراعه ليدبج
ملحمة من الأدلة - إن صح التعبير - على إبطال رأي من الآراء.
لقد ركز المصنف في فوائد هذه الخاتمة على مناقشة المباني العلمية
في التوثيقات الرجالية العامة، خصوصا تلك التي تخالف مبناه، ولا تتفق مع
وجهة نظره بوجه من الوجوه.
ولقد كان حريصا على نتبع الأقوال في كل مسألة يريد بحثها في هذا
المضمار، ومن ثم استعراض مهارة في الدفاع عن وجهة نظره وإبطال ما
خالف مبناه، وبسط ذلك على وفق منهج ثابت على الرغم من كثرة الآراء
والأقوال التي حشدها في هذه الخاتمة. كل ذلك بهدف إنشاء هيكل جديد
بالمعارف الحديثية.
وبغض النظر عن المباني التي شيدت صروحها في فوائد هذه
مقدمة التحقيق 11

الخاتمة، نجد رعيلا من الفقهاء قد وقفوا إزاءها موقف الاعجاب، لما فيها
من تحقيق ينم عن قابلية فذة ونادرة؟ ولهذا لم يكتم بعض الأصوليين إعجابه
الشديد بهذه الفوائد، فصرح على رؤوس الاشهاد بأنهم - في بحوثهم
الرجالية - كلهم عيال على النوري، مشيرا بذلك إلى ما في فوائد هذه
الخاتمة من إبداع فل نظيره في فوائد كتب الحديث والرجال عند الشيعة الإمامية
.
فالخاتمة إذا معرض فكري حافل بمختلف وجوه الآراء، إلى جنب
الكثير من المخالفات والمنافرات في عويصات المسائل الحديثية، وهذا ما
أملى على الشيخ النوري نوعا من الاسهاب في كشف غياهب تلكم
المطالب عن موضوع ما رسم لها من فائدة في هذه الخاتمة.
والحق.. انها روضة رائعة من رياض علم الحديث، فيها من آيات
الجمال ما يثبر إعجاب الناظر، ومن أفانين الورد وأريج الزهر ما ينعش
المتنزه، ولكن تلك الروضة الغناء لم تخل من أشواك، وعلى الخبير المنقب
أن يتحاشاها.
ومن آيات حسنها وجمالها انك واجد فيها مجموعة هائلة من رواة
الحديث الشريف، مع دراسة تفصيلية لبعض المجهولين منهم، ممن لا
دليل - في الظاهر - على كونه من المعروفين.
وما ان تحث الخطى مع المصنف في روضته حق يكشف لك عن
أحوالهم بقرائن قد لا تخطر على بال أهل هذا الفن، وقد يريك أمورا لم ترد
في كتاب رجالي قط تشهد على حسن حالهم فضلا عن وثاقتهم، وما أكثر ما
يوقفك على أشياء لها دخل كبير في معرفة أحوال الغابرين، ولكن لم يلتفت
إليها إلا القليل من النابغين في هذا الحقل المهم من الدراسة والتحقيق،
وعندها ينتزع منك الاعتراف - شئت أم أبيت - بأن في هذه الخاتمة إحياء
مقدمة التحقيق 12

لرواة كثيرين لفهم النسيان بغشائه السميك عبر الأزمان، حتى لم يعد لهم
ذلك الدور المهم في نقل الحديث وروايته، والتفاني العظيم من أجل
الحفاظ على رواية حديث أهل البيت عليهم السلام من التلف والاندثار.
ومن مهارته العجيبة أنك تراه يعمد أحيانا إلى الغوص في تفاصيل حياة
المهجورين، ثم لا يلبث أن يثبت لك أنهم من العلماء الاجلاء، أما برواية
صريحة صحيحة اقتنصها من كتاب بعد موضوعه عن هذا الفن فلم يلتفت
إليه أربابه، وإما باعتماده القرائن الكثيرة التي برهن عليها قبل إدخالها ميزان
الجرح والتعديل.
انه دفاع عجيب لم يتصد إليه أحد قبله ولا بعده، مع قوة الأسلوب،
وروعة البيان حتى يخيل إليك ان التدقيق والتحقيق في علم الرجال ما هو إلا
من السحر الحلال.
ولم يقتصر بدفاعه هذا على أولئك الرواة، بل اعتنى عناية فائقة بكثير
من الكتب والأصول الدارسة، وبين أنها كانت في الاعتبار والاشتهار
كالشمس في رائعة النهار، مع البرهان على أنها عند أشهر العلماء المعول،
إذ لا غناء لهم عنها ولا متحول.
وهذا هو ما نص عليه المصنف - قدس سره - في الفائدة الأولى من
فوائد هذه الخاتمة.
ولما كان الشيخ النوري لم يترك مقدمة لهذه الخاتمة يبين فيها منهجه،
ويكشف من خلالها عما في هذه الفوائد من الخرائد والفرائد، اكتفاء منه
بمقدمة المستدرك! لذا ارتأينا أن نخص كل فائدة من فوائد هذه الخاتمة
بشئ من التعريف بمحتواها العام، مع التركيز على أهم ما يمكن أن يقال
في هذا المقام، ممهدين لذلك بما يوضح للقارئ الكريم جوانب الاتفاق
والافتراق بين فوائد هذه الخاتمة وبين فوائد خاتمة الوسائل، لما في ذلك من
مقدمة التحقيق 13

أهمية بالغة في بيان حقيقة الاستدراك على فوائد خاتمة الوسائل. ومن ثم
الرجوع إلى ما وعدنا به آنفا، فنقول:
أفردت لكل من خاتمة المستدرك وخاتمة الوسائل اثنتا عشرة فائدة،
وقد امتازت فوائد الوسائل - تبعا لمنهج الشيخ الحر في الاختصار وتحاشي
ضخامة الكتاب - إلى اختصار شديد بحيث لم تزد بتمامها على جزء واحد
كما في الطبعة الأخيرة من الوسائل، بينما امتازت فوائد المستدرك بسعتها
لضخامة المطالب المبحوثة فيها، هذا على الرغم من وجود التماثل البين بين
عناوين فوائد الخاتمتين، وان افترقت كل منهما بفوائد لم تعنون في
الأخرى، كما يتضح من الجدول التالي:
اسم الفائدة مختصرا ترتيبها في خاتمة المستدرك ترتيبها في خاتمة الوسائل
1 حول الكتب المعتمدة الأولى الرابعة
2 صحة الكتب المعتمدة ووثاقة مؤلفيها الثانية السادسة، والتاسعة
3 طرق المؤلف إلى مشايخه الثالثة الخامسة
4 فيما يتعلق بكتاب الكافي الرابعة الثالثة
5 طرق الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه الخامسة الأولى
6 طرق الشيخ الطوسي في التهذيب السادسة الثانية
7 حول أصحاب الاجماع السابعة السابعة
8 أمارة عامة لوثاقة المجاهيل من أصحاب - -
الإمام الصادق عليه السلام الثامنة -
9 في إرجاع الأحاديث الحسنة إلى الصحيحة التاسعة -
10 الرواة الثقات والممدوحين العاشرة الثانية عشرة
مقدمة التحقيق 14

11 موقف الأخباريين من حجية القطع الحادية عشرة -
12 في شرف علم الحديث الشريف الثانية عشرة -
13 القرائن الدالة على ثبوت الخبر - الثامنة
14 في جواب الاعتراضات المحتملة - العاشرة
15 حول الأحاديث المضمرة - الحادية عشرة
ومن الجدير بالإشارة أن فوائد خاتمة الوسائل (الثامنة، والعاشرة،
والحادية عشرة) قد بحثها صاحب المستدرك ضمنا وفي أكثر من
فائدة، لا سيما في الفائدتين الرابعة والخامسة.
وقد وجدنا الشيخ الحر - قدس سره - قد اقتصر في الفائدة الأولى على
ترتيب طرق الصدوق فقط، بينما بحثت هذه الطرق تفصيلا في خاتمة
المستدرك في الفائدة الخامسة، مع اعطاء دراسة تامة لكل رجل من رجال هذه
الطرق، بل وتعيين من روى عنه من الثقات المشهورين مع تعيين رواياتهم
في الكتب الأربعة وغيرها من كتب الحديث عن الشيعة الإمامية، ولم يستثن
- من هذه الدراسة - أحد من الرواة إلا الثقات المشهورين شهرة واسعة جدا
مع الاجماع على وثاقتهم.
ومثل هذا الفارق نجده أيضا فيما تخصص من فوائد الخاتمتين
لمشيخة التهذيب والاستبصار، حيث الاكتفاء بنقلها كما هي من غير ترتيب
في خاتمة الوسائل تلافيا للتكرار الذي ينجم من الترتيب، لاعتماد الشيخ
الطوسي - قدس سره - على شطر من طرقه في بيان طرقه الأخرى، في حين
أضيفت لدراسة هذه الطرق في خاتمة المستدرك جميع طرق الشيخ إلى
كتب الشيعة في الفهرست، مع بيان الحكم - بالصحة أو الضعف - على كل
طريق، ولا شك ان هذا الحكم على كل طريق من طرق الشيخ في
مقدمة التحقيق 15

الفهرست بالصحة أو الضعف، هو نتيجة لدراسة رجالية موسعة شملت جميع
من ذكر في الفهرست، ولم يشذ عن ذلك إلا من كان معاصرا للشيخ وله كتاب
رواه عنه مباشرة، إذ لا طريق.
إلى غير ذلك من المميزات التي انفردت بها إحداهما عن الأخرى،
إلا أن القاسم المشترك بينهما هو الاعتماد على المباني الاخبارية التي
تختلف عن مباني الأصوليين إزاء بعض النتائج المقررة في هاتين
الخاتمتين، اختلافا يضيق في بعض الأحيان فيعود لفظيا لا تفاوت فيما يرتبه
المبنيان عليه من آثار، ولكنه قد يتسع أحيانا أخرى اتساعا بحيث لا يمكن
الجمع بين آثارهما بحال.
إلا أن ما نجده في البحوث الرجالية والدرائية والكتب المعدة لهذا
الغرض - بعد عصر الشيخ النوري - يؤكد على أن لثمرات (خاتمة
المستدرك " أهمية لا يسع أرباب أي مبنى - في هذا الحقل - تركها أو
الاعراض عنها بحال من الأحوال على الرغم من اعتماد المباني الخاصة
فيها.
وقد اضطرنا هذا الاختلاف المبنوي - أحيانا - إلى الإشارة السريعة
إلى أهمه خصوصا فيما يتعلق بالتوثيقات العامة المتركزة في الفوائد:
(الرابعة، والخامسة، والسادسة) وأعرضنا عن بيان الاختلافات الأخرى،
التزاما باظهار نص المؤلف بصورة واضحة خالية من التعقيد والتصحيف
والتحريف كما هو منهجنا في التحقيق.
وبهذا المقدار من الحديث عن خاتمة المستدرك قد آن الأوان لان
تحظى فوائده بما وعدنا به من تعريف فنقول:
مقدمة التحقيق 16

الفائدة الأولى
خصصت هذه الفائدة لبيان مصادر المستدرك، وهي أقصر فائدة في
فوائد هذه الخاتمة، إذ لم يذكر المصنف فيها سوى مقدمة يسيرة تعرب عن
جهده في صياغة ما أنشأه من معارف مهمة ذات صلة بالحديث الشريف ومن
ثم تعداد الكتب التي اعتمدها في تسجيل ما استدركه على الشيخ الحر من
الأحاديث.
ولقد كان الابتداء بها في هذه الخاتمة موفقا من حيث الترتيب الفني
لهذه الفوائد وتسلسلها على خلاف ما هو عليه في ترتيب فوائد خاتمة الوسائل
إذ ابتدأت بنقل مشيخة الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه.
وعلى أية حال، فإن تنظيم فوائد خاتمة المستدرك ابتداء بمصادره
وانتهاء بترجمة مؤلفه قد أضفى على هذه الخاتمة نوعا من الجمال، لانسجام
العرض مع الترتيب.
ولما كان الشيخ الحر العاملي - قدس سره - قد أشار إلى كتب أهملها
حين تدوين (الوسائل) لذا قد يكون (المستدرك) موحيا بالاعتماد على هذه
الكتب ونظائرها.
ومن هنا يظهر اهتمام المصنف بهذه الفائدة وتقديمها على ما سواها،
لأنها الأساس الذي شيد عليه صرح المستدرك.
وما كان الشيخ النوري مغامرا ليختار أرضا رخوة يقيم عليها مثل هذا
البناء، لينهار قبل تمامه، كما سنوضحه في هذه السطور، فنقول:
صرح الشيخ الحر العاملي - قدس سره - في الفائدة الرابعة من
مقدمة التحقيق 17

خاتمة الوسائل بأسماء الكتب التي نقل منها أحاديث (الوسائل) فكانت على
نحوين وهما:
الأول: كتب نقل منها مباشرة، وهي اثنان وثمانون كتابا.
الثاني: كتب نقل منها بالواسطة، وهي ستة وتسعون كتابا.
وبهذا يكون مجموع الكتب التي صرح الشيخ الحر باعتمادها في
الوسائل - سواه بالواسطة أو غيرها - مائة وثمانية وسبعين كتابا.
وهذا العدد لا يمثل جميع ما وصل إلى عصر الشيخ الحر من كتب
الشيعة قطعا.
وأيضا صرح الشيخ الحر في هامش له على بداية الفائدة المذكورة
(30: 159 - 160) بأنه قد ترك النقل من كتب أخرى غير معتمدة عنده
لسببين وهما:
الأول: عدم العلم بثقة بعض مؤلفي هذه الكتب.
الثاني: ثبوت ضعف بعضهم عنده.
ثم عدد من هذه الكتب ثلاثة عشر كتابا.
والشيخ النوري - قدس سره - لم يعتمد على هذه الكتب الثلاثة عشر
كلها، بل ترك سبعة منها لعدم اعتمادها عنده أيضا، ولعل من ألفها هم
(البعض) الذي ثبت ضعفه عند الشيخ الحر - طاب ثراه -.
أما (البعض) الاخر من هذه الكتب التي لم يكن لدى الشيخ الحر
علم بثقة مؤلفيها، فلا يبعد أن تكون هي الستة المعتمدة في أحاديث
المستدرك، وهي:
1 - كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام.
2 - كتاب الفقه الرضوي المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام.
3 - كتاب غوالي اللآلئ لابن أبي جمهور الأحسائي.
مقدمة التحقيق 18

4 - كتاب الشهاب لابن سلامة القضاعي.
5 - كتاب جامع الأخبار لمحمد بن محمد السبزواري.
6 - كتاب الدرر والغرر للآمدي.
وهذه الكتب الستة لا تمثل إلا جزا يسيرا جدا من أحاديث المستدرك
التي اقتنصها المصنف - بعد تصفح طويل في تراث الشيعة - من كتب كثيرة،
لم يصرح بها الشيخ الحر لا سلبا ولا إيجابا. وقد ذكر المصنف منها في هذه.
الفائدة اثنين وسبعين كتابا، كانت سبعة منها هي من مصادر بحار الأنوار، ولو
أردنا تصنيف هذه الكتب لوجدناها مشتملة على بعض الأصول الأربعمائة،
ونوادر قدماء الأصحاب، ورسائلهم، ومسائلهم، وصحائفهم، وتفاسيرهم
وغيرها مما لم يكن عند الشيخ الحر العاملي وقت تأليف الوسائل.
ومن الملفت للنظر هو أن بعض مؤلفي الكتب المذكورة في هذه
الفائدة هم من مؤلفي الكتب المعتمدة في الوسائل، كالصدوق الأول علي،
ابن الحسين بن بابويه القمي (ت / 329 ه‍) والشيخ الصدوق محمد
ابن علي بن الحسين بن - بابويه القمي (ت / 381 ه‍) والشيخ المفيد (ت /
413 ه‍)، والطبرسي صاحب مجمع البيان (ت / 558 ه‍)، والسيد ابن
طاووس (ت / 664 ه‍)، والشهيد الأول (ت / 786 ه‍)، - قدس الله تعالى
أرواحهم -.
وهذا يعني استقصاء المصنف لمؤلفات الاعلام الذين لا شك ولا
شبهة في وثاقتهم، ومن ثم فرز ما لم يعتمد الحر منها في الوسائل، إما لعدم
الوقوف عليها، أو لعدم وصول نسخة صحيحة منها إلى الشيخ الحر وقت
التأليف. -
ومثاله اعتماد الشيخ الحر على عشرة كتب من كتب السيد ابن طاووس
(ت / 664 ه‍) إلا أن الشيخ النوري استدرك عليه ما فاته من أحاديث في
مقدمة التحقيق 19

(فلاح السائل) و (سعد السعود) حيث لم ينقل عنهما في الوسائل، ولا يشك
أحد بصحة انتساب هذين الكتابين لهذا الفقيه الجليل، ومن هنا كانت أهمية
هذه الفائدة إذ رسمت صورة واضحة لجهد المصنف في تتبع ما لم يورده
الشيخ الحر من مؤلفات أعاظم الشيعة المعلومة النسبة إليهم.
ومما يلحظ في هذه الفائدة أنها لم تسجل جميع مصادر المستدرك،
وما ترك ذكر فيها أكثر مما ذكر، لا عن غفلة من المصنف بل لنكتة مهمة وهي
أن ما اعتمده النوري من الكتب ولم يشر إليه في هذه الفائدة إنما هو لاعتماده
من قبل الشيخ الحر نفسه، وهذه ميزة مهمة للمستدرك تكشف عن تتبع
مصنفه لما في مصادر الوسائل من أحاديث تركها الشيخ الحر، مع أنها
تنطوي على أحكام فقهية بنظر النوري، ومروية بالأسانيد التي احتج بها
الشيخ الحر، وهذه الكتب كثيرة نذكر منها:
كتاب المحاسن للبرقي، كامل الزيارات لابن قولويه، رجال الكشي،
قرب الإسناد للحميري، تفسير علي بن إبراهيم القمي، تفسير العياشي،
الكافي لثقة لاسلام الكليني، وكتاب من لا يحضره الفقيه، وعيون أخبار الرضا
عليه السلام، والخصال، وإكمال الدين، وثواب الاعمال، ومعاني الأخبار
لشيخ الصدوق، وأمالي الشيخ المفيد، والاختصاص له أيضا، وأمالي
الطوسي، وكتاب الغيبة، ومصباح المتهجد له أيضا، ونهج البلاغة جمع
السيد الشريف الرضي، وكنز الفوائد للكراجكي، والاحتجاج للطبرسي،
وغيرها.
نعم، ذكر النوري في هذه الفائدة أربعة من الكتب المشتركة
الاعتماد عليها بينه وبين صاحب الوسائل وهي:
1 - صحيفة الإمام الرضا عليه السلام.
2 - كتاب علاء بن رزين.
مقدمة التحقيق 20

3 - تفسير النعماني.
4 - كتاب المزار لابن المشهدي.
ولعل السبب في ذلك هو أن الأول منها قد اعتمده الشيخ الحر برواية
الشيخ أبي علي الطبرسي، بينما اعتماده في المستدرك برواية غيره، وهي
نسخة معتبرة فيها ما لم يتوفر بنسخة الشيخ الحر.
أما الثلاثة الأخرى فباعتبار الوقوت المباشر عليها من غير واسطة
- دون ما في الوسائل - ولا يخفى ما في هذا الفرق من مبررات الاستدراك.
وخلاصة المقام: أن الفائدة الأولى من فوائد المستدرك جديرة بأن
تنال اهتمام الباحثين، وأن تحظى بدراسة مقارنة مع الفائدة الرابعة من فوائد
خاتمة الوسائل، لكي تتضح جهود الشيخ النوري في تتبع ما لم يقع في
متناول الشيخ الحر من تراث الشيعة، ذلك التراث الذي أوشك أن يضمحل
دوره في الفقه الشيعي بعد عصر الوسائل.
مقدمة التحقيق 21

الفائدة الثانية
بعد أن فرغ المصنف - رحمه الله تعالى - من تعداد أسماء الكتب التي
اعتمدها في المستدرك في الفائدة الأولى، انتقل إلى هذه الفائدة لدراسة
ما ذكره هناك من الكتب دراسة تفصيلية، مع شرح دقيق ومستوعب لمكانة
مؤلفيها، وبيان منزلتهم العلمية، ودرجة وثاقتهم، ومدى الاعتماد عليهم في
عالم الرواية.
ولقد وجدنا المصنف - رحمه الله تعالى - في هذه الفائدة حريصا جدا
على اعطاء صورة واضحة لكل كتاب اعتمده وكان محط تأمل البعض من
العلماء، إما للشك في صحة نسبته إلى مؤلفه، أو لجهالة حال مصنفه، أو
لحكم البعض على عدم وثاقته، أو لعدم وصول نسخة صحيحة - من هذا
الكتاب أو ذاك - إلى المتأخرين مما أدى إلى إهماله، أو لغير هذا وذاك من
الدواعي الأخرى التي حملت الاعلام على الاعراض عن الكتب المتصفة
بهذه الأسباب أو بعضها. كل ذلك فرض على صاحب المستدرك - قدس
سره - أن يدخل في هذا الباب من البحث الذي لم يطرقه أحد غيره، لا قبله
- كما صرح به في آخر المطاف - ولا بعده فيما نعلم.
وحيث كانت الإحاطة بما في هذه الفائدة متعذرة عبر هذه السطور،
لذا سيكون الحديث عنها مقتصرا على ما يضمن الوصول إلى تلك الإحاطة
الموكول أمرها إلى القارئ الكريم نفسه، فنقول:
يمكن حصر الحديث عما في هذه الفائدة بالمحاور الثلاثة التالية.
المحور الأول: ما يتعلق بالكتب المذكورة في هذه الفائدة.
المحور الثاني: ما يتعلق بمؤلفي هذه الكتب.
مقدمة التحقيق 22

المحور الثالث: ما له ارتباط ما بأحد المحورين أو بهما معا.
وسوف نذكر بيانا ملخصا لما جاء في كل محور من هذه المحاور وعلى
النحو التالي.
المحور الأول: (ما يتعلق بالكتب المذكورة في هذه الفائدة).
لقد اشتمل هذا المحور على أمرين مهمين في بيان حقيقة الكتب
المذكورة في هذه الفائدة وهما:
أحدهما: في وصف هذه الكتب.
والاخر: في اثبات اعتبارها.
أما الأول: فيتلخص بالنقاط التالية:
1 - العناية في تحديد اسم الكتاب - موضع بحث الفائدة - بالضبط،
مع عرض سائر الاختلافات في ضبطه إن وجدت لدى العلماء، ثم انتخاب
ما يمثل الواقع اعتمادا على أدلة كثيرة، قد يرتبط بعضها بعصر المؤلف أو
تلامذته.
2 - التأكيد على ما في أول الكتاب وآخره من كلام مصنفه، ولا يخفى
ما في هذا العمل من أهمية كبيرة بالنسبة إلى الكتاب.
3 - الاهتمام الملحوظ في بيان تاريخ تأليف الكتاب المبحوث عنه،
وتاريخ الفراغ من تأليفه، ولما كان هذا الامر غير متيسر بالنسبة إلى كثير من
الكتب، صار معول الشيخ النوري - قدس سره - على ما في نسخه منها من
حيث بيانه لتاريخ نسخها ووقت الفراغ منه، مع بيان اسم الناسخ، وقد وجدنا
بعض نسخه الخطية يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الهجري، كما في
نسخته من كتاب درست بن منصور ونوادر علي بن أسباط وغيرهما.
4 - لغة جميع كتب هذه الفائدة هي اللغة العربية، حيث لم يعتمد
فيها إلا على النص العربي للحديث الشريف لما في الاعتماد على النص
مقدمة التحقيق 23

المترجم من مضيعة لبلاغة الحديث الشريف وروعة نظمه، وقد نبه المصنف
على هذا في كتاب روض الجنان لأبي الفتوح الرازي الآتي في هذه الفائدة.
5 - الإشارة إلى ما في هذه الكتب من أحاديث الاحكام، فبعضها
غزير المادة الفقهية، وبعضها الاخر لا شئ فيه من ذلك بل موضوعه السنن
والأخلاق والآداب العامة، وبعضها قد جمع بين الامرين.
واما الثاني. فغالبا ما يبتدئ بعرض اختلاف العلماء في الكتاب
المبحوث عنه، من حيث طعنهم بالكتاب، أو شكهم بصحة نسبته إلى
مؤلفه، مع بيان سائر الوجوه التي اعتمدها من قال بعدم اعتباره، ومن ثم
الانتقال إلى الدفاع عن هذا الكتاب، وبيان قيمته العلمية، وذلك بالاعتماد
على كثير من الشواهد والأدلة، نذكر أبرزها وهي:
1 - استقصاء ما كتبه أعلام الشيعة من شروح لهذا الكتاب المطعون
فيه، وبيان ما في عملهم هذا من دليل عنايتهم به، وإلا في ثمرة تترتب على
تظافر جهود العلماء في شرحه لو كان الكتاب غير جدير بالاهتمام والاعتبار؟!
كما نلحظه في كتاب الشهاب للقاضي القضاعي محمد بن سلامة المالكي
المصري المتوفى بها ليلة الخميس 16 ذي القعدة / 454.
2 - بيان الطرق الموصلة إلى الكتاب تفصيلا، وقد يتوسع النوري
- قدس سره - في كثير من الأحيان في تفصيل هذه الطرق فيذكر العديد منها،
لاثبات صحة نسبة الكتاب إلى مصنفه بشكل لا يدع مجالا للشك في صحة
هذه النسبة.
3 - ذكر أسماء العلماء الذين اعتمدوا الكتاب وصرحوا باعتباره، وقد
يسجل النوري - قدس سره - العشرات من أسماء العلماء القدامى
والمعاصرين له في هذا المضمار.
4 - تفصيل من روى عن هذا الكتاب من قدامي الأصحاب في كتبهم
مقدمة التحقيق 24

الحديثية المعتبرة، كما هو الحال في كتاب عاصم بن حميد المعتمد من
قبل المحمدين الثلاثة - رضي الله عنهم - في كتبهم الأربعة.
5 - الغوص في بحر الإجازات العلمية التي منحها المشايخ العظام
إلى فضلاء عصرهم وتلامذتهم، لاستخراج ما فيها من تقريظ ومدح لهذا
الكتاب أو ذاك مع الإجازة بروايته، كما أن في تبيين هؤلاء المشايخ لطرقهم
إلى هذه الكتب واتصالها بمؤلفيها ما يؤكد صحة نسبتها إليهم، هذا فضلا عن
طرق النوري - قدس سره - إلى هذه المصنفات كما مز آنفا.
6 - اهتمام الشيخ النوري - قدس سره - باجراء المقارنة بين محتوى
كتبه تلك مع ما في الكتب الأربعة، وغيرها من كتب الشيعة المهمة في مجال
التعرف على أحاديث أهل البيت عليهم السلام لا سيما كتب الشيخ الصدوق
والطوسي وأضرابهما، كل ذلك بهدف التأكيد على أن الاختلاف بين الاثنين
نادر وقليل جدا.
7 - اقتناص أدلة الاحكام الفقهية المقررة لدى بعض الفقهاء
والمأخوذة من روايات هذه الكتب، أو الموافقة لها من حيث المضمون.
8 - إثبات ان بعض الكتب التي تركها صاحب الوسائل - قدس سره -
قد اعتمد عليها من حيث لا يعلم، كما هو الحال في كتاب الجعفريات الذي
لم يذكره الشيخ الحر - رحمه الله - ضمن مصادر الوسائل، إلا أن خبر
الوسائل (10: 2 32 / 135) قد أخذ من كتاب الاقبال للسيد ابن طاووس
- رضي الله - مع أن الأخير نقله من كتاب الجعفريات نصا، وهذا تتبع
نادر يستحق الثناء. على أن فيه ما يدل على اعتماد أكابر الفقهاء العباد على
كتاب الجعفريات.
9 - الإطالة في الدفاع عن بعض الكتب، مع عرض عشرات الأدلة
على اعتبارها واعتمادها وشهرتها لدى العلماء، كما هو الحال في كتاب
مقدمة التحقيق 25

دعائم الاسلام، ومصباح الشريعة، وكتاب الفقه الرضوي وغيرها.
أما الكتب المعلومة الانتساب إلى أعاظم رجالات الشيعة، فيجدها غير
محتاجة إلى الدعم - وهو الصواب - لذا لم يتحدث عنها إلا قليلا، وربما ترك
الحديث عنها لعدم أهميته قياسا إلى أهمية الحديث عن غيرها من الكتب
الأخرى، وقد اختص هذا بكتب المشاهير كالشيخ المفيد وشيخ الطائفة
- قدس سرهما الشريف - وغيرهما.
إلى غير ذلك من الأمور الأخرى المتصلة بهذا المحور والتي لا مجال
لايضاحها في هذه العجالة.
المحور الثاني: ما يتعلق بمؤلفي هذه الكتب.
توسع المصنف في حديثه عن مؤلفي هذه الكتب، وقد أبدى مهارة في
إجلالهم، وبيان منزلتهم العلمية، ومكانتهم عند أرباب النظر، مع
فضلهم في الحفاظ على السنة بشقيها - النبوية والامامية - وصيانتها من
التلف أو الضياع.
هذا ويمكن إجمال ما في هذا المحور بالنقاط التالية:
1 - ضبط أسماء المؤلفين كاملة، مع مناقشة جميع الاختلافات الواردة
في ذلك.
2 - الاعتناء البالغ بالتضعيفات الموجهة إلى أي مؤلف كان من مؤلفي
كتب هذه الفائدة. وهذه التضعيفات على نحوين:
أحدهما: تضعيفات أهل السنة.
والاخر: تضعيفات علماء الشيعة.
أما الأول: فلا يكلف النوري نفسه - قدس سره - بالرد عليه، ويهمله
تماما، بل ويعد الرد عليه من تضييع العمر، وقد وجدناه - رحمه الله - في غير
هذه الفائدة يعد قدح أهل السنة برجال الشيعة ورواتهم من حسن الراوي، وهو
مقدمة التحقيق 26

كذلك، إذ يكفي في التضعيف عندهم أن يكون الرجل شيعيا حتى ولو كان
من عباد هذه الأمة وزهادها!! حتى لكأن اجتماع النقيضين أهون عند
متعصبيهم من اجتماع التشيع والوثاقة في فرد مسلم!!! ناهيك عن كثرة
امتداحهم وتوثيقاتهم بكتب الرجال لكلاب أهل النار من أحفاد ذي الثدية
فيما نصت عليه صحاحهم.
وأما الثاني: فهو موضع اهتمام النوري - رحمه الله - إذ نراه يستعرض
جميع الأقوال المضعفة لأي من أولئك المؤلفين، ثم ينتقل بعد ذلك إلى
مناقشة هذه التضعيفات منتهيا إلى الحكم بجلالته وعلو قدرة ومنزلته، وله في
إثبات ذلك منها:
أ - النص الصريح - من أحد العلماء المتضلعين في فن الرجال - على
وثاقته.
ب - إيراد الكثير من أسانيد الكتب الأربعة المتصلة بقدامى مؤلفي
بعض هذه الكتب خصوصا ما كان داخلا منهم في عداد أصحاب الأصول
الأربعمائة المعروفة عند الشيعة، وذلك للدلالة على كونه معتمدا في الرواية
من قبل رواة الشيعة الأوائل.
ج‍ - رواية أجلاء الشيعة وأصحاب الاجماع: كابن أبي عمير،
وصفوان، والبزنطي - الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة -
عن قدامي هؤلاء المؤلفين.
د - بيان موقف العلماء إزاء من ضعف، وتصريحهم بخلافه.
ه‍ - الاكثار من توظيف استدلالات الفقهاء في مجال الأحكام الفرعية
لخدمة التوثيق حين يكون الاستدلال برواية رواها المؤلف أو وقع في
اسنادها.
3 - إثبات تشيع من يدعى تسننه من أولئك المؤلفين، وله في إثبات
مقدمة التحقيق 27

ذلك طرق طريفة، لعل من أهمها كون المدعى تسننه هو (من دعاة الرفض)
عند أهل السنة.
4 - المسكوت عنهم في كتب الرجال من أولئك المؤلفين قد نالوا حظا
وافرا من البحث والتمحيص في هذه الفائدة، كما في شرحه لأصل زيد
الزراد. ولقد كان المصنف آية عجيبة في توثيق من لم يذكر منهم في كتب
الرجال بمدح أو قدح كأبي محمد جعفر بن أحمد القمي صاحب كتاب
المسلسلات وغيرها من الكتب، إذ أكد جلالته بمختلف الطرق.
المحور الثالث: ما له ارتباط بموضوع الفائدة.
فرض هذا الباب من البحث على الشيخ النوري - قدس سره - التطرق
إلى الكثير من الأمور الأخرى التي لم تذكر في أي من المحورين السابقين
وكان لبعضها ارتباط جانبي بأحد المحورين، ولبعضها الاخر صلة وطيدة
بموضوع هذه الفائدة.
وفيما يلي أهم تلكم الأمور التي تكرر ذكر بعضها بين فترة وأخرى،
مجملة بالنقاط التالية:
1 - تنبيه المصنف - قدس سره - على طريقة حصوله على بعض
مصادر المستدرك الفريدة، وقد يجزم أحيانا بافتقار مكتبات الشيعة في العراق العراق
إليها، لحصوله عليها من بلاد الهند، أو إيران أو غيرها من البلدان النائية
عن مكان تأليف خاتمة المستدرك، مما يكشف هذا عن اتصاله الوثيق برجال
الفكر وعشاق التراث الشيعي ومكتبات الشيعة في مختلف بقاع العالم
الاسلامي.
2 - إشارة المصنف إلى أخطائه - رحمه الله - إزاء ما ذكر عن بعض
هذه الكتب أو بعض المؤلفين ني مؤلفاته السابقة كدار السلام، والنجم
الثاقب وغيرهما. كما هو الحال في كتاب الدعوات للقطب الراوندي الآتي
مقدمة التحقيق 28

في هذه الفائدة برقم / 34، حيث سبق وان نسبه إلى غير مؤلفه في كتبه
السابقة.
3 - التصريح باعتماده على مؤلفاته السابقة في شرح حال بعض الكتب
المذكورة في هذه الفائدة كما يظهر ذلك من كتاب جامع الأخبار الآتي
برقم / 51 والذي لم يقطع المصنف بنسبته إلى شخص معين، بل جعله
مرددا بين اثنين، والصحيح انه لمحمد بن محمد السبزواري كما أثبته
المحقق الأستاذ علاء آل جعفر في مقدمة تحقيقه للكتاب المذكور.
4 - الإحالة إلى الفوائد الأخرى في هذه الخاتمة لا سيما الفائدة الثالثة
فيما له علاقة بمؤلفي هذه الكتب في الفائدتين.
5 - تعرضه إلى بيان بعض الطرق إلى الكتب التي اعتمدها الشيخ
الحر العاملي ولم يعتمدها هو في المستدرك من هذه الطرق بل من طرق
أخرى، لاختلاف النسخ تبعا لاختلاف طرقها، كما نجده في نسختيهما من
صحيفة الإمام الرضا عليه السلام.
6 - تعرضه إلى بيان التصحيفات الحاصلة في أسماء الرواة الذين
وقعوا في الأسانيد التي استفاد منها النوري في مجال التوثيقات العامة أو
لأغراض أخرى في هذه الفائدة.
7 - تناوله لبعض الأمور المهمة المرتبطة بعلم الحديث الشريف،
كبحثه عن الصحابة وحجية الحديث المرسل وغير ذلك من الأمور الأخرى
ذات الصلة بدراية الحديث وروايته.
هذا وقد تسجل بعض المؤاخذات على المصنف - رحمه الله - لعل
أهمها ما يأتي:
1 - اعتماده على كتاب واحد مجهول المؤلف وإن اعتذر عن
الاستدراك به على الشيخ الحر باعتبار ان ما سجله منه ليس محتجا به وإنما
مقدمة التحقيق 29

هو كشاهد ومؤيد.
2 - تصريحه باعتماده على بعض الكتب التي افتقرت إلى المادة
الفقهية تماما معللا ذلك بالحرص على حفظ مآثر الشيعة الإمامية من
الضياع كما في كتاب مصباح الشريعة مما يجب - لو صح الاستدراك بهذا -
ان تطرد العلة لتشمل سائر كتب الشيعة الأخرى التي هي من قبيل مصباح
الشريعة.
3 - اعتماده - كما صرح هو - قدس سره - على كتاب واحد غير شيعي
مع أن الاستدراك هو على (تفصيل وسائل الشيعة)!.
4 - لم يعر الاهتمام بالدفاع عن التوثيقات الرجالية العامة التي
اعتمدها في مجال التوثيق في هذه الفائدة، بل ولم يشر إلى مواضع دفاعه
عنها في الفوائد الأخرى من هذه الخاتمة كالرابعة والخامسة والسابعة
وغيرها، حتى لكأنها مسلمة عند الجميع وليس الامر كذلك.
مقدمة التحقيق 30

الفائدة الثالثة
في ذكر المشايخ العظام
خصصت هذه الفائدة - التي هي أكبر الفوائد بعد الخامسة - لبيان طريق
المصنف إلى أصحاب الكتب التي تقدمت الإشارة إليها في الفائدتين الأولى
والثانية، منضمة إليها مئات الطرق الأخرى إلى من الف وصنف - من السلف
الصالح - في علوم الشريعة الغراء من فقه وحديث وتفسير وأصول ونحو
ذلك، ابتداء من عصر المصنف المتوفى سنة - 1320 ه‍ - قدس سره -،
وانتهاء بأصحاب الكتب الأربعة المشهورة، وما تلاها في الاعتبار.
وقد استهل هذه الفائدة ببحث ممتاز عن الإجازات العلمية ودورها
المهم في رواية الحديث باعتبارها من أهم طرق تحمل الحديث وآداب
نقله، مستعرضا لكثير من الإجازات التي استجازها المشايخ العظام، أو
منحوها لمن استجازهم، ذاكرا نتفا من استجازة علماء الشيعة وفقهائهم عن
فقهاء أهل السنة ومحدثيهم وأرباب العلوم الأدبية، لرواية جميع مؤلفاتهم
ومصنفاتهم التي يحتاجون إلى النقل منها، كما حدث ذلك لهم بالشام ومصر
ومكة وفلسطين. كما بين في هذا البحث الكيفية التي تتم بها معرفة مشايخ
الإجازات بعيدا عن كتب الرجال ونصوصهم - كما بحث أيضا عن أصناف
التحمل الأخرى -، إلا أنه لم يولها ما أولى الإجازة من اهتمام.
ومن مظاهر اعتداده الفائق بالإجازة انه خصص مساحة واسعة في هذا
البحث للرد على دعوى انحصار الإجازة في التيمن إلا أن يكون متعلقها كتابا
خاصا. فتفيد الضمان وتعهد صحته وحفظه من الغلط والتصحيف، حيث
أثبت حاجة الفقهاء الأوائل إليها مطلقا حتى في الكتب المتواترة عن
مقدمة التحقيق 31

أصحابها، ثم ساق كثيرا من الأدلة التي تضاد هذه الدعوى، مشيرا إلى
احتياط بعضهم في إتيان أمور بلا دليل وإنما لمواظبة بعض من سبق من
الفقهاء عليها، متسائلا كيف لا تكون الإجازة كذلك بعد أن دأب عليها
جميع الفقهاء؟
ولهذا نجد. لا يرى حجية فتوى الفقيه الذي لم يستجز أحدا في
الرواية؟ لان الإجازة في نظره هي طريق الاحتياط الوحيد الذي لا ينبغي
للفقيه مجانبته.
وبعد أن فرغ المصنف - قدس سره - من بحث الا جازت العلمية في
عالم الرواية والتحديث، انتقل إلى موضوع هذه الفائدة، ألا وهو بيان طرقه
مفصلة إلى المشايخ العظام.
ابتدأ المصنف بمشايخه الخمسة، وهم:
الأول: الشيخ مرتضى الأنصاري.
الثاني: الشيخ عبد الحسين الطهراني.
الثالث: السيد مهدي القزويني.
الرابع. المولى علي بن ميرزا خليل الطهراني.
الخامس: الميرزا محمد هاشم الخوانساري.
وهؤلاء الخمسة - قدس سرهم - قد أجازوا المصنف برواية جميع
مصنفاتهم ومؤلفاتهم وما سمعوه أو قرأوه على مشايخهم، وهم بدورهم
استجازوا مشايخهم الذين هم استجازوا أيضا ممن تقدم على طبقتهم،
وهكذا الحال بالنسبة إلى الطبقات الأخرى الممتدة على ما يقرب من ألف
عام.
إن القارئ الكريم ليجد في هذه الفائدة جهدا فريدا في تفصيل مشايخ
هذه الطبقات التي تزداد تعقيدا كلما ابتعد عن عصر المصنف لكون كل
مقدمة التحقيق 32

مجيز منهم - مع كثرتهم - مستجيزا من غيره.
فالشيخ الأنصاري - مثلا - الذي ابتدأ به المصنف، له طريقان إلى
المشايخ العظام.
أحدهما: عن الشيخ النراقي.
والاخر: عن السيد صدر الدين محمد بن صالح الموسوي.
ولكل من هذين الطريقين طرق أخرى، تتفرع منها طرق كثرة،
وتتشعب من فروعها طرق أكثر.
فالشيخ النراقي مثلا يروي عن المشايخ العظام - بالإجازة - من أربعة
طرق.
الأول: من طريق السيد بحر العلوم.
الثاني: من طريق والده. الشيخ مهدي النراقي.
الثالث: من طريق السيد محمد مهدي الشهرستاني.
الرابع. من طريق الشيخ جعفر كاشف الغطاء.
والسيد بحر العلوم يروي - بالإجازة أيضا - عن المشايخ العظام من
ثمانية طرق، والأول من هذه الثمانية له طريق، والثاني طريقان، والثالث
طريق، والرابع طريق، والخامس طريقان، والسادس طريق، والسابع ثلاثة
طرق، والثامن أربعة طرق. وهكذا الحال فيما يتفرع ويتشعب من طرق
جديدة أخرى. هذا كله في الطريق الأول للشيخ الأنصاري - قدس سره -
وقس عليه طريقه الثاني بل وطرق مشايخ النوري الأربعة - رحمهم الله
تعالى -.
والشيخ النوري - قدس سره - لم يكن بعمله هذا مجدولا لسلسلة
الإجازات بهذا النمط، ولا رابطا لحلقاتها بعضها ببعض ابتداء من نفسه
الشريفة وانتهاء بأصحاب الكتب الأربعة الذين انتهت إليهم إجازات
مقدمة التحقيق 33

المشايخ كالكليني والصدوق والطوسي واضرابهم ممن تصلوا بأهل البيت
عليهم السلام عبر سلسلة من الرواة فحسب، بل نجاوز هذا النمط من
الترتيب، ولو لم يكن عمله في هذه الفائدة إلا هو لكان جديرا بأن يحظى
باهتمام العلماء الأعلام خصوصا المشتغلين منهم بفن الحديث الشريف
رواية ودراية، لما فيه من فوائد وعوائد تكشف للعيان مبلغ اهتمام الشيعة
البالغ في الحفاظ على طريقة التحدث المثلى في سائر العصور.
نعم لم يكتف المصنف - قدس سره - بذلك، حيث أطال الوقوف
على عدد غفير من المشايخ العظام، مبينا منزلتهم العلمية، وما أحاطت
بحياتهم من حوادث وقصص طريفة لم يلتفت إليها العلماء، ولم تعتن بها
كتب الرجال.
فهو يذكر أسمائهم، وكناهم، وأنسابهم، وأحسابهم، وألقابهم، ومناطق
سكناهم، ورحلاتهم، وأسفارهم، وإجاراتهم، وعلاقات بعضهم ببعض، ودرجة
القربى فيما بينهم سببا أو نسبا، مع شئ من أقوالهم، وأشعارهم، ومناظراتهم،
ونوادرهم، وتهانيهم بأفراحهم، وتعازيهم بأحزانهم، وتراحمهم، وتوادهم وتعاطفهم
مع تفصيل مصنفاتهم ومؤلفاتهم، وبيان تقواهم وتمسكهم بحبل الولاء وعرى
الايمان، وما قيل بشأنهم، بل لم ينس حتى منامات بعضهم في حق بعض،
ومن ضاعت منه كتبه، أو تلفت، أو سرقت، أو ظهرت بعد وفاته ونسبت لغيره
اشتباها، وكثير ما يؤكد على تاريخ ولاداتهم، ووفياتهم، ومن صلى على
جنائزهم، ومكان قبورهم، بما يعد تاريخا عظيما وسجلا حافلا لكل ما اتصل
بمشايخ الإجازات - تغمدهم الله تعالى برحمته الواسعة وأجزل الثواب لهم -
وعلى امتداد عشرة قرون تقريبا.
وقد انتهى به المطاف - على هذا النهج - إلى الشيخ أبي علي الحسن
ابن شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - أعلى الله تعالى
مقدمة التحقيق 34

مقامه - لانتهاء أكثر إجازات مشايخ الشيعة إليه، وبه تمم المصنف - رحمه الله
تعالى - الطرق إلى أرباب المؤلفين والمشايخ من الخلف والسلف
الصالحين، واتصال السند إلى أصحاب المجاميع التي تدور عليها رحى
مذهب الشيعة كالكتب الأربعة وما يتلوها في الاعتبار.
وأما عن شرح طرق هؤلاء الأصحاب - قدس سرهم - إلى مصنفات
الرواة من الكتب والأصول المعروفة فلم يبحثها في هذه الفائدة، واكتفى
بالإحالة إلى فهارسهم وكتبهم المسندة التي ضمت مشيختهم تفصيلا.
ثم عرج بعد هذا على بيان نبذة من أحوال جملة من هؤلاء المشايخ
الذين انتهت إليهم سلسلة الإجازات، وقد خص بالذكر منهم اثني عشر شيخا
وهم:
الشيخ الكراجكي، الشيخ النجاشي، شيخ الطائفة الطوسي،
الشريف الرضي، السيد المرتضى علم الهدى، الشيخ المفيد، الشيخ ابن
قولويه، الشيخ الصدوق، الشيخ النعماني، ثقة الاسلام الكليني، الشيخ
علي بن بابويه، الشيخ الكشي.
وقد تحدث عن كل واحد منهم - قدس سرهم - بما لا مزيد عليه
إذ ذكر أنسابهم، وأحسابهم، وفضائلهم، ومآثرهم، مع شئ من قصصهم،
وأخبارهم، وما يتصل بهم، مؤكدا على اعتراف أهل السنة بفضلهم وتعظيمهم
وتبجيلهم.
أما عن الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني - طاب ثراه - فقد
أحال المصنف إلى ما كتبه عنه وعن كتابه الكافي في الفائدة الرابعة.
وقبل أن نعرف القارئ الكريم بما في الفائدة الرابعة من فوائد هذه
الخاتمة، نود أن نبين له بأن الشيخ النوري - قدس سره - قد رسم لسلسلة
الإجازات بسائر الطبقات ابتداء من نفسه، وانتهاء بالسفير الرابع لمولانا
مقدمة التحقيق 35

ومقتدانا الإمام الحجة أرواحنا فداه، مشجرة رائعة مفصلة تضمنت أسماء
المشايخ العظام، وقد كان المصنف حريصا جدا على كل ما رسمه فيها من
حيث سعة الدوائر فيها وضيقها مع تلوينها، زيادة على ما رسمه من خطوط
لها دلالتها في اتصال المشايخ بعضهم ببعض، وقد وجدنا في مشجرته
اختلافا يسيرا مع ما أثبته في هذه. الفائدة، أشرنا إلى محله في هامش المتن
وقد ارتأت مؤسستنا إعالة ترتيب هذه. المشجرة بشكل واضح
ينسجم مع سهولة تتبع القارئ لسلسلة المشايخ عبر طبقاتهم أجمع لما في
مشجرة المصنف من صعوبة بالغة حيث أودع فيها - وبمساحة ضيقة - من
الدوائر الصغيرة والكبيرة والمتوسطة ما يقرب من عدد المشايخ المذكورين في
متن هذه الفائدة، كل هذا مع تشابك خطوطها طولا وعرضا، مما يصعب معه
تتبع أسماء مشايخ الإجازات عبر طبقاتهم.
وسوف يكون لنا حديث آخر عن هذه المشجرة في محله من هذا
الكتاب لغرض التعريف بها وإزالة ما يكتنفها من غموض نسبي إن شاء الله
تعالى.
مقدمة التحقيق 36

الفائدة الرابعة
في شرح حال كتاب الكافي لثقة الاسلام الكليني
افتتح المصنف - قدس سره - هذه. الفائدة بنبذة من أقوال علماء الإمامية
في مدح كتاب الكافي، كالشيخ المفيد، والمحقق الكركي،
والشهيد الثاني وأضرابهم.
ثم تعرض بعد ذلك إلى بيان معنى الحديث الصحيح عند القدماء،
مؤكدا ان اتصاف الحديث عندهم بالصحة هو أعم منه عند المتأخرين الذين
اصطلحوا عليه بما لم يكن معروفا لدى القد ماء الذين اكتفوا باطلاقه على ما
اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون
إليه.
كوجوده في أكثر الأصول الأربعمائة.
أو تكرره في أصل أو أصلين.
أو كثرة طرقه.
أو لوجوده في أصل معروف الانتساب إلى من أجمعت الشيعة على
تصديقه.
أو لاخذه من الكتب التي شاع بين القدماء الوثوق بها والاعتماد
عليها.
أو لاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمة عليهم
السلام.
أو لاشتهاره ومطابقته لدليل قطعي.
أو لغير هذا وذاك من الأمور الخارجية الأخرى.
مقدمة التحقيق 37

ثم بين المصنف أن هذه القرائن لم تراع في اصطلاح المتأخرين
للحديث الصحيح لفقدانها كلا أو جلا، وإنما كانت عنايتهم بالأمور
الداخلية للخبر، والإحالات النفسية للراوي كالوثاقة والتثبت والضبط.
ومن هنا يرى المصنف ان الحكم بصحة حديث أحد من قدماء
الأصحاب، من دون الإضافة إلى كتابه - كأن يقال عنه في كتب الرجال:
صحيح الحديث - لا يصح أن يكون ذلك الحكم لأجل الأمور الخارجية
المتوقفة على كل ما رواه ودونه وعرضه عليها فحسب، بل لابد وأن يكون
ناظرا لما علم من حال ذلك الشخص، وما عرف من سيرته وطريقته من الوثاقة
والتثبت والضبط، والبناء على نقل الصحيح من هذه الجهة.
وعليه فقول النجاشي - مثلا - في حق ثقة الاسلام الكليني: (كان أوثق
الناس في الحديث وأثبتهم) رجال النجاشي (ص 377 رقم 26 10) يثبت
هذا المعنى، ويبعد من احتمال تلقي الكليني عن الضعيف والمجهول، لأنه
ينافي كونه: أوثق الناس.. وأثبتهم.
وقد تنبه المصنف إلى ما قد يرد عليه من نفي الملازمة بين قول
النجاشي، ورواية ثقة الاسلام عن ضعيف أو مجهول عند من يقول باجتهاد
الكليني في تقييم رواة الكافي، لا سيما وان النجاشي نفسه قد ضعف رجالا
وقعوا في أسانيد الكافي، وحكم بجهالة بعضهم، ورمى آخرين بالغلو بل
ووضع الحديث أيضا، مما يدل على أن اجتهاد ثقة الاسلام إزاء بعض الرواة
لم يكن مسلما عند الجميع!
لذا بين المصنف ما قاله العلماء قبله بشأن اختلاف القدماء
مع المتأخرين في معنى الحديث الصحيح، حيث كان الأوائل ينظرون إلى
الحديث من زاوية القرائن المتقدمة وباعتبار ما وثقوا بكونه صادرا عن
المعصوم عليه السلام فهو أعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من
مقدمة التحقيق 38

الثقات أو أمارات أخر؟ ولهذا صرح بعض المتأخرين بأن بين صحيحهم
وصحيح القدماء: العموم المطلق.
. وبناء عليه فان حكم الكليني بصحة حديث لا يستلزم صحته
باصطلاح المتأخرين، لاحتمال كون منشأ الحكم غير وثاقة الراوي.
هذا بناء على اختلاف صحيح القدماء عن صحيح المتأخرين عند
بعض العلماء، لكن المصنف يرى أن شهادة الكليني بصحة اخبار الكافي
تفيد الوثوق برواتها، لأنها بحكم توثيق الجميع بالمعنى الأعم.
ثم تعرض بعد ذلك لنقد الخبر الذي شاع مؤخرا بشأن الكافي، من
أنه عرض على الإمام الحجة عليه السلام وانه قال عنه: (ان هذا كاف
لشيعتنا) فبين انه لا أصل له ولا أثر في مؤلفات أصحابنا، ولم تأت به رواية
قط لا صحيحة ولا ضعيفة، بل صرح المحدث الاسترآبادي - وهو شيخ
الأخباريين في عصره - بأنه لا أصل له ولا حقيقة، مع أن الاسترآبادي - رحمه
الله تعالى - رام أن يجعل تمام أحاديث الكافي قطعية الصدور لما عنده من
القرائن التي لا تنهض بذلك كما صرح به المصنف.
الا ان المصنف - قدس سره - وان نفى صحة هذا الخبر الا انه احتمل
وقوع ما يصحح معناه، وهو عرض كتاب الكافي على أحد نواب الإمام عليه السلام
حيث استبعد أن يكون هذا الكتاب في طول مدة تأليفه البالغة عشرين
عاما لم يعرض على أحد الوكلاء - رضي الله تعالى عنهم - ولم يطلبه أحد
منهم مع اهتمامهم البالغ بمصنفات ذلك العصر وتأكدهم من سلامة رواياتها
ومطابقتها مع الواقع!
لقد بين المصنف وجوها عديدة في تقريب هذا الاحتمال، والحق انها
كلها حدسية استحسانية لا تفيد القطع، وإلا لشاع ذلك واشتهر. أما من
الوثوق المترتب على الظن المتاخم للعلم بكونهم عليهم السلام راضين
مقدمة التحقيق 39

بفعل الكليني -. قدس سره - ومجوزين للعمل بأخبار كتابه، فهو ليس بحجة
عند من يرى أن طريق الوثوق الوحيد - كما هو عليه أكثر علماء الشيعة من
المحققين والأصوليين - هو ما اكتشف من القرائن الرجالية المعول عليها في
تقييم كل خبر من أخبار الكافي.
ثم ناقش المصنف ما أثير من لدن البعض حول حجية أخبار الكافي،
ولعل أهم ما في هذه الفائدة هو هذا لما فيه من ثمرة الوقوف على آراء العلماء
الآخرين بشأن الكافي وإن لم يستقصها المصنف بل اقتصر على قدر ضئيل
منها.
ويمكن تحديد مناقشة المصنف بالجوانب التالية:
- الرد على من ناقش في حكم القدماء بصحة أخبارهم.
2 - مناقشة من ذهب إلى عدم شهادة الكليني ملى صحة أخبار
الكافي، وقد نقل في مقام الرد مقاطع من خطبة كتاب الكافي للتدليل على
صحة ما اختاره من حصول هذه الشهادة.
3 - ناقش من تمسك بعدم حجية أخبار الكافي بتضعيف القدماء
كالشيخ المفيد - قدس سره - وغيره لبعض هذه الأخبار، وحملها على وجود
المعارض لتلك الأخبار مع كونه أقوى منها.
4 - ناقش التصنيف الجديد للحديث الذي ظهر على يد ابن إدريس
والعلامة الحليين - قدس سرهما -.
5 - رد تصنيف أحاديث الكافي وفق المصطلح الجديد.
6 - وجه رواية الكليني عن غير الأئمة عليهم السلام مع التصريح في
خطبة الكافي بما يشبه التقييد برواية الآثار الصحيحة الواردة عن الصادقين
عليهما السلام.
7 - ناقش شبهة صاحب رياض العلماء في فصل الروضة عن الكافي وان
مقدمة التحقيق 40

أخباره كلها مروية عن الامام بلا واسطة، وانه لا تقية في أخباره، ولم يطل
الكلام حول هذه الشبهة لعدم وجود ما يدل عليها، وعدم وجود الموافق
لصاحبها أصلا، مع قيام الأدلة القطعية على خلافها.
8 - أكد في مناقشاته بعدم تصريح الأخباريين - حتى من قال منهم
بقطعية أخبار الكافي - بأن ما رواه ثقة الاسلام صحيح بالمصطلح الجديد،
أي. لا قائل منهم بأن رجال أسانيد الكافي كلهم من عدول الامامية وفي
جميع الطبقات.
وانه لم يدع أحد منهم ان ما في الكافي مقدم على ما يوجد في غيره
في جميع الحالات حتى عند التعارض، بل قد يقدم عليه غيره، إذا اشتمل
على مزايا توجب تقديمه.
9 - العدة المجهولة في الكافي، لم يعتن بشأنها كثيرا، مع أن بعضهم
قد ردها مطلقا، لأنه - قدس سره - يرى رجال هذه العدد - المعلومة
والمجهولة - من مشايخ الإجازة وقد كان رأيه في الفائدة الثالثة في مشايخ
الإجازات بأنهم فوق مستوى التوثيق.
وأخيرا لا بد من الإشارة السريعة إلى ما حققه المصنف - رحمه الله -
في هذه الفائدة بشأن عدة الكافي التي يروى ثقة الاسلام بتوسطها عن سهل
ابن زياد، وهل ان محمد بن الحسن المذكور فيها هو الصفار الثقة الجليل
كما صرح به جميع من سبق المصنف؟ أو هو شخص آخر.
لقد في النوري - قدس سره - أن يكون المراد هو الصفار وذلك لوجوه
سبعة، قد لا يخلو بعضها من مناقشة، إلا أن الوجه الرابع منها هو من أقوى
الوجوه السبعة على الاطلاق.
على أن المصنف لم يكتف بهذا، بل ناقش الآراء التي شخصت
الصفار في رجال هذه العدة.
مقدمة التحقيق 41

الفائدة الخامسة
في شرح مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه
وهي أكبر الفوائد حجما، إطلاقا
في هذه الفائدة دراسة رجالية قيمة لحشد هائل من رواة الشيعة الإمامية
من حملة حديث العترة عليهم السلام. إذ يجد القارئ الكريم فيها جهدا
رجاليا رائعا، وعبقرية فذة في تحقيق الاخبار الرجالية المتعارضة، حيث أزاح
مؤلفها النوري - قدس سره - الستار عن رجال كثيرين لفهم الزمان بغشاء
النسيان، وأودعهم تأمل البعض في وثاقتهم في زاوية الاهمال، حيث أسفر
بحثه عن جلالتهم وتبديد الشك والريب عنهم.
إنها فائدة كاسمها ولكن ليس ككل الفوائد، إذ اشتملت على موارد
للظماء ومناهل عذبة ارتوى من فيضها قلم كل من تأخر عنه من أساطين
الفن أجمع، لما فيها من تراجم لاعلام مشيخة الفقيه ورواته بما ليس له نظير
في كتاب رجالي قط.
ابتدأ المصنف في هذه الفائدة بنقل ما قيل عن مكانة الشيخ الصدوق
وأهمية كتابه - من لا يحضره الفقيه - وما امتاز به هذا الكتاب عن غيره
بمميزات أهلته لان يحتل موقعا متقدما بين الكتب الموثوق بها جدا عند
الشيعة الإمامية.
ثم بين بعد ذلك مسلك الشيخ الصدوق - رضي الله تعالى عنه - في
هذا الكتاب ومنهجه في الأسانيد، الذي اختلف عن منهج ثقة الاسلام
الكليني - رحمه الله تعالى -.
حيث كان الكليني يذكر تمام سلسلة السند في كل حديث يرويه في
مقدمة التحقيق 42

جميع أبواب وكتب الكافي - أصولا، وفروعا، وروضة - بينما سلك الصدوق
طريقة أخرى، وهي اختصار الأسانيد فيما يرويه من الأحاديث وذلك بحذف
أوائل السند والرواية مباشرة عن المعصوم عليه السلام بواسطة من رواه عنه
من أصحابه، وهكذا سار في أغلب أحاديث الفقه، ثم وضح طريقه إلى من
روى عنه من أصحاب الأئمة عليهم السلام في آخر الكتاب، وذلك بتفصيل
طرقه إليهم عبر مشايخه، وهو ما يعرف: بمشيخة الفقيه - التي خصصت لها
هذه الفائدة - وهذه المشيخة هي المرجع في اتصال أسانيد الكتاب.
ثم بين المصنف اهتمام العلماء بهذه المشيخة، وشرحهم لها، وعدد
جملة من تلك الشروح، منبها إلى ما سيذكره في هذه الفائدة من تنبيهات
هامة، مصرحا بأنها بمثابة الشرح والايضاح لما ذكره الشيخ الحر العاملي
- قدس سره - في الفائدة الأولى من فوائد خاتمة وسائل الشيعة، ولهذا نرى
المصنف قد اعتمد ترتيب خاتمة الوسائل في ذكر طرق الصدوق - رضي الله
تعالى عنه - فابتدأها - كما ابتدأ الشيخ الحر فائدته الأولى - بطريق الصدوق
إلى أبان بن تغلب، ومنتهيا بما كان من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لابنه
محمد بن الحنفية، فكان عدد الطرق ثلاثمائة وخمسة وثمانين طريقا،
تشعبت منها وتفرعت طرق كثيرة جدا، واشتملت هذه الطرق - بشعبها
وفروعها - على الجم الغفير من رواة الشيعة. وربما لا نجد طريقا واحدا من
بين هذه الطرق إلا وقد ضم من رجالات الشيعة من كان قطبا للرواية ومحورا
لرواة الحديث الشريف في ذلك العصر البهي المستضئ بنور أهل البيت
عليهم السلام.
فلا بدع إذا في أن نجد المصنف قد شغف بأولئك العظام حبا بعد أن
تأكد من نزاهتهم وسلامتهم من كل شين، وبعد أن برهن على صدقهم ودل
على وثاقتهم، وعرف ولاءهم لأئمتهم عليهم السلام ووفاءهم لهم، والنصح
مقدمة التحقيق 43

لامة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ووقف على ورعهم وتقواهم عن كثب،
حيث استفرغ الجهد في البحث عنهم بشكل منقطع النظير.
على أن هذا الكلام لا يعني أن رجال مشيخة الفقيه كلهم بهذه
المثابة، وهذا لا شك فيه أصلا عند أحد من علماء الشيعة من الأصوليين
والأخباريين جميعا، إذ وجد في طرق الصدوق بعض الرواة الضعفاء أو
المجاهيل الذين لم تذكرهم كتب الرجال.
ومن هنا يأتي دور المصنف - قدس سره - في بيان ما يراه من أحوال
هؤلاء بدراسة تفصيلية يكشف من خلالها إمكانية الاعتماد على روايتهم
وقبولها.
كان يكون أحدهم من مشايخ الإجازة، وقد فصل المصنف القول في
مشايخ الإجازة وعلو مقامهم بحيث يراهم في غني عن التوثيق لأنهم فوق
مستوى التوثيق.
أو لرواية الأجلة المعروفين بصدقهم ووثاقتهم عنهم.
ومن أمارات التوثيق بالمعنى العام المعتمدة في هذا الحقل، أن يكون
المضعف هو ممن ذكره الشيخ الطوسي - قدس سره الشريف - في أصحاب
الصادق عليه السلام لتصريح العلماء بما قام به ابن عقدة من تأليف كتاب
في الرجال جمع فيه أربعة آلاف رجل كلهم من الثقات من أصحاب الإمام
الصادق عليه السلام، ومن البداهة أن كتب الرجال الشيعية - بما فيها رجال
الشيخ - لم يبلغ أصحاب الإمام الصادق عليه السلام فيها هذا العدد، فيكون
ذلك قرينة على التوثيق فيما يراه المصنف.
ومنها: تصحيح العلماء القدامى والمتأخرين - لا سيما العلامة الحلي
- قدس سره الشريف - لطرق وقع فيها أمثال هؤلاء الذين ضعفوا أو حكي
تضعيفهم في كتب الرجال.
مقدمة التحقيق 44

ومنها: اعتماد المصنف على تصريح علماء الشيعة الأوائل بالأخذ
بمرويات بعضهم، لا سيما الشيخ المفيد، والطوسي وأضرابهما.
ومنها: ترجيح الاخبار الرجالية التي تفيد التوثيق على غيرها لمسوغات
كثيرة وأسباب علمية بسط الكلام عنها في محله.
ومنها أيضا: رواية أصحاب الاجماع عن شخص تعد من أمارات
الوثاقة له بالمعنى العام.
أو رواية من صرحت كتب الرجال بأنه لا يروي إلا عن ثقة، عنه.
وقد يجد المصنف - أحيانا - في تضعيفات بعض من عرف بالتعصب
من أهل السنة لرجال الشيعة قرينة على التوثيق لا سيما وأن المعروف عن
بعضهم تضعيف من اشتهر بولائه وانقطاعه لائمة أهل البيت عليهم السلام،
وعده من الضعفاء لا لشئ البتة وإنما لكونه داعية إلى الحق الذي يسمونه
(الرفض) كما هو الحال في علم الشيعة جابر الجعفي - رضوان الله تعالى
عليه - ومؤمن الطاق الذي أطلق عليه رجالهم: شيطان الطاق!!.
ولهذا يعد المصنف مدحهم - النادر - لرجال الشيعة كقدحهم لا نفع
فيه ولا ضرر كما في شرحه للطريق رقم [97].
إلى غير ذلك من الأمور الأخرى الكثيرة التي اعتمدها النوري
- قدس سره - في مقام التوثيق والتي يطول المقام هنا بايضاحها والتعريف
بها! لذا نتركها روما للاختصار.
وتد يضطر المصنف إلى الإطالة في بيان وثاقة بعض هؤلاء الرواة،
لا سيما من حفلت ترجمته بكثرة الأقوال في كتب الرجال مع الاختلاف
الحاصل بينهم في توثيقه واعتبار ما يرويه من الأحاديث، كما هو الحال في
أحمد بن هلال، وسهل بن زياد وغيرهما.
ومن منهج المصنف في دراسته لرجال مشيخة كتاب من لا يحضره
مقدمة التحقيق 45

الفقيه أنه يهتم بتدوين اسم الراوي كاملا، مع بيان نسبه، وولائه، ومذهبه إن
كان ممن ينتسب إلى المذاهب الفاسدة كالواقفية أو الفطحية وغيرهما.
مع التأكيد على من اتفق معه في الاسم والمعاصرة، وكيفية التمييز
بينهما، منبها على السهو أو الغلط الحاصل في ضبط الاسم أحيانا، مع
الإشارة إلى من روى عنهم أو رووا عنه ومن نبغ من أسرته في العلم والرواية،
ولم ينس أيضا ذكر مصنفاته، وربما نبه إلى طرق النجاشي وشيخ الطائفة
- قدس سرهما - إليها، كل ذلك مشفوعا بعدد جم من رواياته في كتب
الحديث المشهورة، وتسمية من روى عنه، فإن كان مقلا من الرواية نبه
عليه، وإن كان مكثرا أطال في بيان مروياته وأكثر من الحديث في ترجمته
وبيان حاله.
ولتمكن المصنف - رحمه الله - في فن الرجال، نراه لا يكاد يدع من
أقوال علماء الرجال قولا واحدا فيمن تناوله بالبحث إلا وناقشه، حيث
يستعرض في مقام خلاصة الرأي في الراوي جميع وجوه الذم فيه، وقد
يستخلص منها - في الغالب - بفطنة وذكاء وجوها تضاد الذم، وقد يحملها على
محامل أخرى جديرة بالعناية والاهتمام لما فيها من موافقة قول القادح للموثق.
ومن جملة ما يلفت نظر القارئ الكريم في هذه الفائدة عناية مصنفها
- قدس سره - بدراسة وتحقيق ما نسبه علماء الرجال من عامية ووقف
- ونحوهما - إلى بعض الرواة.
أما نسبة الغلو إلى البعض الاخر، فقد اهتم بها اهتماما ملحوظا وقد
ردها بحجج قوية مشفوعة بالتحقيق العلمي الرائع في مواضع متعددة من هذه
الفائدة، بما يمكن معه استخلاص رأيه النهائي في بيان الأسباب الداعية إلى
اتهام بعض الرواة بمسألة الغلو، بأنها نتيجة روايتهم لجملة من الأخبار الدالة
على جلالة قدر الأئمة من أهل البيت عليهم السلام مع أن مروياتهم تلك
مقدمة التحقيق 46

ليس فيها من الغلو شيئا كما هو الحق في عدد من الرواة الذين
نزهت ساحتهم من هذه التهمة، هذا فضلا عن إطلاق البعض لهذه النسبة
على ما لا يستلزمها أصلا، كل ذلك بسبب الاحتياط والتشدد والتنفير من
الغلو ورواته.
كما اهتم المصنف في هذه الفائدة ببعض المباحث الدرائية في
مصطلح الحديث التي فرضت عليه لاتصالها بمن ترجم إليه من الرواة.
منها: دراسة بعض ألفاظ الجرح والتعديل ودلالاتها.
ومنها: الاهتمام بدراسة بعض ألفاظ نقل الحديث، لا سيما ما دل
منها على جهالة حال المروي عنهم التي تلحق الحديث بصنف المراسيل.
ومنها: مسألة الاحتجاج بالحديث المرسل، وآراء العلماء في ذلك،
حيث اهتم به كثيرا كما في ترجمة محمد بن أبي عمير - رضي الله تعالى
عنه -.
ومنها: دلالة بعض الألفاظ والعبارات على التوثيق الاجمالي أو المدح
العام، كتكنية الإمام عليه السلام لاحد الأصحاب، أو ترضيه وترحمه عليه،
وقد يتوسع في دلالة ترضي وترحم غير الامام عليه.
ومنها: تصنيف الحديث إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف عند
المتأخرين، والإشارة السريعة إلى كل صنف من أصنافه، إلى غير ذلك من
الأمور المهمة المتفرقة المبثوثة في ثنايا تراجم رجال مشيخة الفقيه.
وبعد أن فرغ المصنف من شرح طرق الصدوق في هذه الفائدة،
شرع - رحمه الله - بتنظيم فهرس تفصيلي - مرتبا على الحروف - لأهم ما ورد
من التراجم الرجالية التي بلغت زهاء مائتين وتسعة عشر ترجمة، علما بأنه قد
ترك ذكر الكثير من الرواة الذين لم يتوسع بتراجمهم.
ثم بين بعد ذلك مشايخ الصدوق مرتبين على الحروف فبلغوا زهاء
مقدمة التحقيق 47

مائتين وأربعة مشايخ.
وأخيرا اختتم هذه الفائدة ببيان عدد أخبار (كتاب من لا يحضره الفقيه)
وعدد مراسيله موزعة على الأبواب، موضحا من أرسل الحديث من رواة
(الفقيه) ورأيه في هذا الارسال.
مقدمة التحقيق 48

الفائدة السادسة
في نبذ مما يتعلق بكتاب التهذيب
في هذه الفائدة تصنيف تام - من حيث الصحة وعدمها - لكل طرق
الشيخ الطوسي (ت / 460 ه‍) - قدس سره الشريف - في كتابه التهذيب.
ولما كانت مشيخة التهذيب - التي سيأتي الحديث عنها لاحقا - هي
نفس مشيخة الاستبصار، كان لا بد من التعرض لطرق الشيخ. التي نص
عليها في الاستبصار، وحيث إن الفهرست قد اشتمل على ما يقرب من
ألف طريق للشيخ إلى أرباب الأصول والمصنفات التي شرج عنها في التهذيب
كان لا بد من الرجوع إلى هذه الطرق بغية الوصول إلى معرفة ما لم يذكره
منها في مشيخة التهذيب. -
ومن هنا جاءت عناية الاعلام بدراسة جميع طرق الشيخ في هذه
الكتب الثلاثة. (التهذيب، والاستبصار، والفهرست، وعدم الفصل بينها إذ
من إلى: كن الحكم بصحة طريق ضعيف في واحد منها بلحاظ ما في الاخر،
لا سيما وان الشيخ - رضي الله تعالى عنه - قد أحال في مشيخة التهذيب
- كما سيأتي - إلى طرقه في الفهرست.
ومن بين هؤلاء الاعلام الذين اهتموا بمثل هذه الدراسة هو المصنف
- قدس سره - كما سيتضح من التعريف لهذه الفائدة.
ابتدأها المصنف - قدس سره - بالإشارة السريعة إلى موقع كتاب
التهذيب بين كتب الحديث الأخرى عند فقهاء الشيعة الإمامية، فهو أعظمها
في الفقه منزلة، وأكثرها منفعة، إذ لا يمكن استغناء الفقيه عنه لما اشتمل
عليه من الفقه والاستدلال، والتنبيه على الأصول والرجال، والتوفيق بين
مقدمة التحقيق 49

الاخبار، والجمع بينها بشاهد النقل والاعتبار، إلى غير ذلك من المميزات
الأخرى لهذا الكتاب التي لم يحوها كتاب غيره في بابه.
وبعد الإشارة إلى أهمية التهذيب ومنزلته، انتقل إلى بيان طريقة شيخ
الطائفة - رضي الله تعالى عنه - في رواية أحاديث العترة الطاهرة عليهم
السلام مبينا عدم جريانها على نسق واحد في كتابيه: التهذيب والاستبصار.
فهو - رضي الله تعالى عنه - قد يعتمد طريقة ثقة الاسلام الكليني تارة
بأن يذكر جميع رجال السند فيهما ابتداء من شيخه وانتهاء بالراوي عن
المعصوم عليه السلام وهذا غالبا ما يكون في أوائل الكتابين، وتارة يعتمد
طريقة الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) فيقتصر على ذكر بعض رجال
السند ممن بعدوا عن عصره، وذلك بحذف صدر السند لغرض الاختصار،
وهذا غالبا ما يكون في أواخر الكتابين، ثم يستدرك - في نهاية المطاف -
على ما حذفه من الاسناد بخاتمة يبين فيها طرقه إلى من روى عنه من
المشايخ بصورة التعليق، لكي يتم من خلال ذلك وصل سلسة السند بينه
وبين الراوي عن المعصوم عليه السلام إلا أن هذه المشيخة لم تكن مستوعبة
لكل الطرق المعلقة، ولم يكن الشيخ غافلا عن هذا وإنما ترك تفصيله إلى
فهارس الشيوخ المصنفة لرواية الأصول والمصنفات التي نقل الشيخ منها
ولم يذكر طرقه إلى أصحابها، ومن بين هذه الفهارس التي أحال إليها كتابه
المعروف بالفهرست.
ولما كان ميرزا محمد الأردبيلي (ت / 1100 ه‍) - قدس سره - قد أعد
رسالة درس فيها طرق الشيخ - رضي الله تعالى عنه - في كتبه الثلاثة، وأطلق
عليها اسم: (رسالة تصحيح الأسانيد) ثم اختصرها في الفائدة الرابعة من
فوائد كتابه المعروف ب‍ (جامع الرواة)، لذا اختار المصنف - قدس سره -
هذه الرسالة من بين نظائرها المعدة لهذا الغرض، نظرا لما امتازت به عن
مقدمة التحقيق 50

غيرها من فوائد مهمة تعرب عن تضلع الميرزا الأردبيلي - رحمه الله تعالى -
بهذا الحقل من البحث والدراسة، فأورد مختصرها كاملا في هذه الفائدة،
مشيرا إلى منهج مؤلفه الأردبيلي - رحمه الله تعالى - بعد اطرائه على ما
قام به من جهد عظيم في معرفة أحوال أحاديث التهذيبين وذلك برجوعه إلى
مشيختهما مع الفهرست.
وقبل بيان جهد المصنف في هذه الفائدة، وما طرحه من آراء فيها،
يحسن بنا أن نبين - باختصار - الهيكل العام لرسالة تصحيح الأسانيد،
فنقول:
اشتملت هذه الرسالة على نحوين من الدراسة، وهما:
الأول: دراسة طرق الشيخ في المشيخة (1) والفهرست.
الثاني: البحث في الطرق المذكورة في كل من التهذيب والاستبصار.
أما الأول: فيتلخص نشاط الأردبيلي فيه بثلاثة أمور وهي:
1 - الحكم بالصحة على الطريق المتفق على صحته.
2 - الحكم بالضعف على الطريق المتفق على ضعفه.
3 - ترك الحكم على الطريق المختلف فيه عند عدم إمكان الترجيح،
مع ذكر اسم الراوي الذي بسببه صار الطريق مختلفا فيه.
وقد شمل هذا النحو جميع طرق الشيخ في المشيخة والفهرست إلا
ما استسيغ تركه (1) كما نبهنا عليه في محله.

(1) تقدم القول بأن مشيخة التهذيب والاستبصار واحدة، وهو كذلك، إلا أنا وجدنا - في سير
التحقيق - اختلافا يسيرا جدا بينهما وذلك بتشعب طريق واحد في أحدهما إلى طرق أكثر مما
تشعب إليه ذلك الطريق في الاخر، وهذا لا يضر بوحدة المشيختين، كما نبهنا عليه في
محله.
(1) كأن يترك فرعا من الطريق لا أصلا، أو يختار - أحيانا نادرة - أصح الطريقين إلى راو،
واحد، ويدع الاخر.
مقدمة التحقيق 51

أما الثاني: فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالطرق الضعيفة، والمرسلة،
والمجهولة إلى المشايخ في المشيخة والفهرست، وإن كان محور البحث
ليس فيها أصلا، لاختصاصه بالمتابعة والاستقصاء التام لكافة ما ذكره الشيخ
إلى هؤلاء المشايخ من طرق متصلة الاسناد (صحيحة، أو حسنة، أو موثقة)
في أصل التهذيب والاستبصار، لكي يقارن هذه بتلك، وحينئذ يخرج
الضعيف من حيزه، ويتصل المرسل، ويعرف المجهول، ولهذا لا يذكر - في
الغالب - في رسالته طريقا صحيحا، أو حسنا، أو موثقا من أصل الكتابين
لمن كان الطريق إليه صحيحا في المشيخة أو الفهرست. وهذا العمل
الممتاز الذي خدم به الأردبيلي - قدس سره - أحاديث الكتابين لم
يسبقه أحد إليه بهذا الشكل المستوعب فيما نعلم.
أما دور المصنف النوري - رحمه الله تعالى - في هذه الفائدة، فقد اختصره
هو بعبارة واحدة قبل شروعه بنقل ما في رسالة تصحيح الأسانيد، فقال:
" وربما نبهت على فائدة في بعض الطرق أدرجتها بقولي: قلت، وفي
آخره: إنتهى ".
ثم شرع بعد ذلك بنقل طرق الشيخ على نحو ما في مختصر رسالة
تصحيح الأسانيد.
هذا ويمكن الوقوف على جهد المؤلف في هذه الفائدة، حيث ضمنها
بكثير من الفوائد المهمة التي حملته على قطع الرسالة بين حين وآخر كما
نبه عليه، وذلك بلحاظ تعليقاته المصدرة بقوله: (قلت)، ولعل أهمها ما
يأتي.
1 - التأكيد - أحيانا كثيرة - على وثاقة من حكم بسببه على الطريق
بالضعف وذلك بالرجوع إلى كتب الرجال.
2 - محاولته في وصل بعض الطرق التي حكم عليها بالارسال.
مقدمة التحقيق 52

3 - الإشارة إلى حكم المشهور على بعض الطرق، وحكمها عنده،
مع بيان السبب الداعي إلى الحكم بخلاف المشهور.
4 - التنبيه على وثاقة أو حسن بعض الرواة في جامع الرواة مع تضعيف
بعض الطرق بسببهم في رسالة تصحيح الأسانيد سهوا.
5 - بيان رأيه في الطرق المرسلة، إذا كان المرسل من أصحاب
الاجماع.
6 - مخالفة صاحب الرسالة في حكمه بالاتحاد بين راويين، وبيان
التعدد بوجوه كما هو الحال في محمد بن جعفر الأسدي الذي حكم
الأردبيلي باتحاده مع محمد بن جعفر الرزاز.
7 - التوسع - أحيانا - في بيان بعض الأمور المتعلقة بالرواة الذين
حكم عليهم بالضعف أو الجهالة، بما يؤكد من خلالها على حسن حالهم.
8 - التنبيه على خلو مشيخة التهذيب من بعض الطرق التي نصت
الرسالة على وجود فيها، وهذه الملاحظة مهمة جدا، إذ صرح الأردبيلي
- رحمه الله تعالى - بوجود بعض الطرق في المشيخة ولا أثر له فيها فعلا، وقد
تكرر ذلك منه بما يقرب من مائة مورد تقريبا، ومن البعيد جدا أن تكون كل
هذه التصريحات من سهو القلم.
هذا، ولم نهتد - بعد طول البحث والتأمل - إلى السر في ذلك، وربما
قد نبحث الموضوع في مقال مستقل بشكل مفصل.
9 - التصريح بأن الحكم بالضعف أو الجهالة على بعض طرق الشيخ
إلى المصنفات والأصول في الفهرست لا يضر بعد وصول هذه الكتب سالمة
إلى عصر المصنف، وقيامه بشرح حالها بما يؤكد الاعتماد عليها كما مر في
الفائدة الثالثة.
10 - الاهتمام ببيان ما في فهارس الشيوخ المصنفة لروايات الأصول
مقدمة التحقيق 53

والمصنفات، حيث أحال إليها الشيخ الطوسي - قدس سره - كما نقدم.
ومن هذه الفهارس التي رجع إليها المصنف لمعرفة تلكم الطرق هي:
مشيخة الصدوق، ومشيخة أبي غالب الزراري المفصلة في رسالته المعروفة
في آل أعين، ومشيخة النجاشي في كتابه المعروف برجال النجاشي.
وقد أكثر المصنف الرجوع إلى هذه الكتب الثلاثة.
11 - بيان سبب حكم الأردبيلي - رحمه الله تعالى - على بعض
بعض الطرق بالضعف أو الارسال أو الجهالة، وابداء الرأي في ذلك أحيانا.
12 - كثرة الإحالة من المصنف إلى ما تقدم في الفوائد السابقة من
تراجم الرواة وشرح حال كتبهم، إذ لا يمكن التعقيب بما ذكره فيها على من
ضعف هنا في منه الفائدة، وبهذا فقد ربط أكثر الطرق الضعيفة أو المجهولة
بما فصله في الفوائد السابقة عن رجال هذه الطرق.
هذا وبعد فراغه من تتبع طرق الشيخ والتعليق عليها نبه على أربعة
أمور - جعلها خاتمة لهذه الفائدة وهي:
التنبيه الأول. الرد على تضعيف الأردبيلي - رحمه الله تعالى -
لبعض الطرق ردا اجماليا، إذ التعرض لكل حكم بالتفصيل يوجب
الاطناب الممل.
التنبيه الثاني: البناء على احراز وثاقة مشايخ الإجازة بحصول الظن من
الامارات على ذلك، مع التصريح بعدم قوله بأن مشيخة الإجازة تعد من
أمارات التوثيق.
ثم نبه إلى متقدم مني أمور في الفوائد السابقة والتي يمكن من خلالها
الحكم بوثاقة مشايخ الإجازة، مشيرا في هذه الفائدة لأهمها لكثرة الحاجة
إليها.
التنبيه الثالث: رأيه فيما يخص أبواب الزيادات في كتاب التهذيب،
مقدمة التحقيق 54

مع نقله لكلام المحدث الجزائري ومناقشته.
التنبيه الرابع. في بيان عدد الأحاديث والأبواب في كتاب التهذيب.
مقدمة التحقيق 55

الفائدة السابعة
في ذكر أصحاب الاجماع وعدتهم
في هذه الفائدة بحث مبسوط عن المصطلح الرجالي المعروف عند
الشيعة الإمامية ب: (أصحاب الاجماع) تناول فيه المصنف الأمور التالية:
الأول: في نقل أصل العبارة: (أصحاب الاجماع) ولبان مصدرها،
وفيه بيان كونهم على ثلاث طبقات وهي:
الأولى: من أصحاب الإمام الباقر (ت / 114 ه‍) عليه السلام.
الثانية: من أصحاب الإمام الصادق (ت / 148 ه‍) عليه السلام.
الثالثة. من أصحاب الإمام الكاظم (ت / 183 ه‍) عليه السلام.
الثاني: في بيان عدد أصحاب الاجماع والاختلاف الحاصل بين
العلماء في عددهم، وقد نقل المصنف في المقام كلمات الكشي، وابن
داود، والمجلسي، والاسترآبادي، والحائري، والداماد، والكني.
الثالث. تفصيل موقف علماء الشيعة من هذا الاجماع، وقد ابتدأ
بموقف الشيخ الطوسي - قدس سره الشريف - مؤكدا على تلقي الشيخ لهذا
الاجماع بالقبول، وقد استدل على ذلك بوجوه نشير إليها اختصارا.
منها: ما ذكره السيد ابن طاووس من أن ما اختاره الشيخ الطوسي من
رجال الكشي - الذي هو الأصل لهذه العبارة - يمثل مختاره ومرضيه ومقبوله،
لأنه اختصر الكثير منه، فلا بد وأن يكون قد أثبت ما يراه صحيحا.
وقد يرد هذا الاستدلال بوجود روايات قدح في رجال الكشي بحق من
وثقهم الشيخ في الرجال والفهرست، ولو كانت مرضية ومقبولة من قبل الشيخ
لما كان لتوثيق من وردت بحقه معني غير التهافت، وهذا ما لا يقوله أحد.
مقدمة التحقيق 56

، ومنها: ما استفاده المصنف من كلام للشيخ الطوسي في عدة الأصول
لدعم تلقي الشيخ لهذا الاجماع بالقبول.
ومنها: ما يخص رأي الشيخ في عبد الله بن بكير - وهو من أصحاب
الاجماع - ودعوى الاجماع على تصحيح ما يصح عنه.
ثم بين المصنف موقف ابن شهرآشوب، والعلامة الحلي، وابن داود،
والشهيدين الأول والثاني، في كلام طويل محيلا إلى كلمات غيرهم من
الاعلام كبهاء الدين العاملي، والمحقق الداماد، والمجلسيين، وصاحب
الذخيرة، والكاظمي، والطريحي، وغيرهم من الاعلام.
الرابع: في بيان وجه حجية هذا الاجماع بعد وضوح عدم كون المراد منه
هو الاجماع المصطلح الكاشف عن رأي الإمام المعصوم عليه السلام بأحد
الوجوه المذكورة في محله.
ثم بين. المصنف - قدس سره - من ذهب من العلماء إلى أن هذا
الاجماع دل - بالدلالة الالتزامية - على أن أصحاب الاجماع هم في أعلى
حرجات الوثاقة، مؤكدا أن هذا القول إنما يتم فيما لو كان مفاد العبارة المنقولة
عن الكشي (وثاقتهم) وأما على ما هو المشهور من كون المراد (صحة
أحاديثهم) بالمعنى المصطلح عند القدماء فلا دلالة التزامية في المقام.
ولهذا اختار - قدس سره - في بيان وجه الحجية لهذا الاجماع هو
اجماع الأصحاب على اقتران أحاديث (أصحاب الاجماع) بما يوجب
الحكم بصحتها.
الخامس: حول تفسير عبارة. (تصحيح ما يصح عنهم) التي أطلقت
في حق جماعة.
حاول المصنف استقصاء أقوال من سبقه من العلماء في مجال
تفسيرها، وحصرها بأربعة أقوال، سنشير إليها في غاية الاختصار وهي:
مقدمة التحقيق 57

القول الأول: ويمثله المحقق الداماد، وخلاصته: عدم الحكم
بصحة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت عليهم السلام من دون
اعتبار العدالة فيمن يروون عنه، فالصحيح إذن هو الرواية لا المروي.
وقد رده المصنف ردا جميلا وذلك بتفسيره (ما) الموصولة في قولهم (ما
يصح عنهم) بما يربطها بمتن الحديث لا سنده حتى تكون بمعنى صحة
الرواية لا المروي.
القول الثاني لا: أنها لا تفيد أكثر من كون الجماعة ثفات، وقد نسب
هذا القول إلى القيل في كلام الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني.
وناقشه المصنف بأن العبارة تختلف عن قولهم ثقة) مع وضوح التغاير
والتباين بين مفاد قولهم والعبارة. ثم نقل كلمات كثير من الاعلام مرجحا ما
قاله صاحب الفصول الغروية في المقام.
القول الثالث: المراد هو صحة ما رووه حيث تصح الرواية إليهم ولا
يلاحظ ما بعدهم إلى المعصوم عليه السلام وهذا هو ما نسب إلى المشهور
كما في الرواشح، وصرح به بهاء الدين العاملي، والوحيد البهبهاني، وحجة
الاسلام الشفتي، وهو مما كان قد بنى عليه العلماء الأعلام كالعلامة وابن داود
والشهيد الثاني والمجلسيين وغيرهم رضي الله تعالى عنهم.
القول الرابع: المراد هو توثيق الجماعة ومن بعدهم، وهذا القول
والقول الثاني هما من فروع القول الثالث وهو قول المشهور الذي اختاره
المصنف واستدل عليه بوجوه كثيرة لا مجال في تفصيلها.
ثم عرج بعد ذلك على توضيح معنى الصحيح عند القدماء مع بيان
أمارات الصحة عندهم بما يستفاد منه الاطمئنان بدعوى انحصار مصطلح
الصحيح في خير الثقة ولو من غير الامامي. وقد استدل بجملة من الأدلة
على إثبات كون المناط في الصحة عندهم حالات نفس السند من غير
مقدمة التحقيق 58

ملاحظة اقترانه بأمر خارجي.
كما بحث المصنف في هذه الفائدة ما يفرق بين عمل القدماء بالحسن
أو الضعيف مع الشهرة، بما يدل على أن هذين الصنفين من الحديث غير
داخلين في الصحيح عندهم، وإنما سبب العمل بالضيف أحيانا هو
لانجباره بالشهرة رواية كانت أو فتوى، إلا أنه اختار دخول الكثير من
الأحاديث الحسان في قسم الصحاح عندهم على ما سيبينه في فوائد لاحقة.
رد المصنف في هذه الفائدة على من ذهب إلى نقد طريقة القدماء في
حكمهم بالصحة على بعض الأحاديث بأسباب لا تقتضي بنظره ذلك.
كما رد أيضا على من تأمل في كون الصحيح بالمعنى المصطلح
الجديد فردا من الصحيح بالمعنى الأعم مع احتماله الفرق بينهما.
وقد بحث المصنف أيضا عن القرائن التي يصير بها خبر الواحد
حجة، وقسم تلك القرائن على قسمين:
القرائن الداخلية: ويعني بها الوثاقة بالمعنى الأعم، أو العدالة
بالمعنى الأعم - أي: عدالة كل راو على مذهبه - ويعبر عنها تارة بالوثاقة
بالمعنى الأعم، وأخرى بالمعنى الأخص، فيدخل فيها الايمان على
اختلاف المذاهب، وغيرها من التثبت والضبط.
والقرائن الخارجية: وهي مطابقة الخبر لأكثر ما في الأصول الثابتة،
أو كثرة رواة الخبر وغير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه في الفوائد السابقة.
ثم فرق بينهما على أساس اتصاف الراوي بالأولى، ودخول خبره في
صنف الحجة بما يمكن الحكم بصحة حديثه من جهتها مطلقا.
بخلاف الثانية التي لا يمكن الحكم بصحة حديث الراوي إلا بعد
الوقوف على اقترانه بها؟ لأنها أوصاف لنفس الخبر ولا يمكن تصحيحه دون
اتصافه بها، وقد جعل بحثه عن تلك القرائن تمهيدا للقول بأنه لو صحت
مقدمة التحقيق 59

أعمية صحيح القدماء فإنه لا يكون من جهة القرائن الخارجية وإنما من جهة
القرائن الداخلية للخبر، وذلك لوجهين.
أحدهما: حكم الأصحاب بصحة كل ما صح عن أصحاب الاجماع
من غير تخصيص بشئ.
الاخر: إن جل الأحاديث تنتهي إلى أصحاب الاجماع، وفي هذا
الوجه مقارنة لطيفة بين ما وصل للشيعة من أحاديث أهل البيت عليهم السلام
وبين ما قاله أصحاب الأئمة عليهم السلام في عدد ما يحفظون من
أحاديثهم. ثم نقل بعضا من كلمات الأوائل - قدس سرهم بما يدعم به هذا
الوجه، حتى انتهى به البحث إلى اختيار دلالة ما ذكر عن أصحاب الاجماع
على وثاقتهم ووثاقة من بعدهم إلى المعصوم عليه السلام مطابقة أو التزاما
على مسلك المشهور، ثم نبه على أمور ثلاثة:
الأول: في بيان المراد من الوثاقة المستفادة من الاجماع، ودلالة
الاجماع عليها.
الثاني: تأكيد كون أعاظم أصحاب الأئمة عليهم السلام لا يفتون ولا
يقولون شيئا ما لم يسمعوه منهم عليهم السلام.
الثالث: في ذكر جماعة من الثقات - دون أصحاب الاجماع - وصف
حديثهم بالصحة، مع بيان دلالة قولهم. صحيح الحديث.
مقدمة التحقيق 60

الفائدة الثامنة
في ذكر أمارة عامة لوثاقة المجهولين
من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام
هذه الامارات العامة التي اعتمدها المصنف كثيرا في توثيق ما لم يوثق
من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في كتب الرجال الواصلة إلى
عصره، وأفرد لها هذه الفائدة، خلاصتها ما قام به الشيخ الثقة الجليل القدر
والعظيم المنزلة أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الكوفي أبو العباس
المعروف بابن عقدة الزيدي الجارودي الحافظ (249 - 333 ه‍) من تأليف
كتاب ضخم في الرجال جمع فيه من ثقات أصحاب الإمام الصادق عليه
السلام أربعة آلاف رجل، مع التنصيص منه على وثاقتهم، وقد وردت
الإشارة إلى كتاب ابن عقدة في سائر كتب التراجم القديمة والحديثة.
بيد أن المذكور من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال
الشيخ (ت / 460 ه‍) - وهو أوسع كتاب رجالي في تسمية أصحاب الأئمة
عليهم السلام بحسب الأبواب - هو أقل مما ذكره ابن عقدة ونص عليه سائر
العلماء، حيث بلغوا في رجال الشيخ (3224) ثلاثة آلاف ومائتين وأربعة
وعشرين راويا، من بينهم أربعة عشر رجلا ممن لم يسم (روى بواسطة عن
الإمام الصادق عليه السلام) وثلاث عشرة امرأة من النساء الراويات عنه عليه
السلام هذا مع عدم مراعاة المكرر ذكره منهم أو المتحد مع غيره.
وهذا العدد يقل عما ذكره ابن عقدة بسبعمائة وستة وسبعين اسما.
إلا أن ما أحصاه المصنف من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام
في رجال الشيخ، يقل عما ذكرناه بمائة وأربعة وسبعين اسما، وقد يؤول هذا
مقدمة التحقيق 61

الفارق إلى إسقاطه من لم يسم منهم، مع حذفه المكرر والمتحد مع غيره.
وإذا علمنا أن الشيخ الطوسي لم ينص على وثاقة كل من ذكره بل
اقتصر على عدد قليل منهم، وترك أغلبهم حتى صاروا بحكم المجهولين في
الظاهر، بل وضعف عددا آخر منهم مع ضياع كتاب ابن عقدة - وهذا مما
يؤسف عليه حقا ويحز في النفوس ألما مع أنه ليس الكتاب الرجالي الأول
المنقود - أصبح الوقوف عند هذه الامارة، وإطالة النظر في مؤداها، وإجالة
الفكر في مفادها من المطالب الرجالية المهمة عند علماء هذا الفن ومنذ أمد
بعيد يكاد يقترب من عصر ابن عقدة نفسه.
حيث وردت الإشارة إليها تلميحا أو تصريحا في كثير من كلمات
الاعلام - رضي الله تعالى عنهم - كالشيخ المفيد، وشيخ الطائفة، ومحققها
وعلامتها الحليين، وابن شهرآشوب، والشيخ محمد بن علي الفتال، والسيد
النيلي، والشهيد الأول، والشيخ حسين والد الشيخ. البهائي، والتقي
المجلسي، والمحقق الداماد وغيرهم مما فصله المصنف في هذه الفائدة،
وقد استفاد من مجموع كلماتهم - زيادة على ما حققه في المقام - وثاقة جميع
من ذكره الشيخ في باب أصحاب الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق
عليهما السلام.
ثم بين المصنف موقف الشيخ النجاشي الرجالي الشهير من كتاب ابن
عقدة، وما ذكره في كتابه - المعروف برجال النجاشي - من أصحاب
الإمام الصادق عليه السلام مع إشارته في تراجم الكثير منهم إلى وثاقتهم عند
ابن عقدة والاخذ بهذا التوثيق.
كما بين أيضا موقف شيخ الطائفة من هذا الكتاب، مشيرا إلى أن ما
ذكره الشيخ قد اخذ من كتاب ابن عقدة حرفيا.
ثم ذكر بعد ذلك اعتماد المحقق الداماد على هذه الامارة وتصريحه
مقدمة التحقيق 62

بوثاقة ما لم يوثقه الشيخ، ناقلا كلامه في مجال معرفة المجاهيل، وطعنه بمن
يضعف الرجال لأوهى الأسباب ومن غير تحصيل، وقد أيده المصنف
غاية التأييد.
ثم نبه على أمور مهمة، نشير إليها باختصار وهي:
الأول. في بيان كيفية استقصاء أصحاب الأئمة عليهم السلام وطريقة
العلماء في ذلك، وقد حقق المصنف سبب النقص الحاصل في عدد
أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال الشيخ عما هو عليه في رجال
ابن عقدة وانتهى إلى نتائج مهمة حرية بوقوف الباحثين - من ذوي
الاختصاص - عليها.
الثاني: في مجال تزكية العدل الامامي لغيره من غير تعرضه أو غيره
لمذهبه، كقوله: (فلان ثقة) مع بيان دلالة هذه الكلمة، وعلاقتها بقول سائر
العلماء بأن ابن عقدة الحافظ جمع أربعة آلاف ثقة من أصحاب أبي عبد الله
الصادق عليه السلام.
كما سلط الأضواء على توثيق المزكي العادل غير الامامي لعلاقة ذلك
بابن عقدة نفسه لكونه زيديا جاروديا، وناقش من يستشكل على هذا التوثيق
أو يتوقف عن الاعتماد عليه، وقد أجاد في مناقشته معتمدا على وجوه في الرد
بسط القول فيها، مع الاستفادة الملحوظة من أقوال العلماء، ومن توثيقات
شيخ الرجاليين النجاشي ذات العلاقة بتوثيقات ابن عقدة بما يستخلص منها
حصول الوثوق والاطمئنان بخبر من وثقه ابن عقدة، وفي هذا - على رأي
المصنف - كفاية لمن اقتصر في الحجة من الاخبار بالموثوق بصدورها من
جهة السند.
الثالث: وهو من أهم ما ذكره من الأمور التي ود التنبيه عليها، لتعلقه
بمسألة تعارض الاخذ بهذه الامارة مع تضعيفات الشيخ الطوسي - قدس سره
مقدمة التحقيق 63

الشريف - لعدد من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في كتابيه: الرجال
والفهرست.
وقد أجاب المصنف عن تضعيفات الشيخ بوجوه ثلاثة هي باختصار:
1 - سلامة المقدمات التي توصل بها إلى هذه الامارة، ولا يضر حينئذ
خروج بعض الافراد منها، ولو لم يصح الاخذ بهذه الامارة لكان شذوذ فرد من
قاعدة يعد نسفا لها، وهذا ما لم يقل به أحد.
2 - حمل معنى الضعف بما لا ينافي الوثاقة عند المتقدمين، أما
ما كان من الضعف منافيا لها بشكل لا يحتمل التأويل كما هو
الحال في أبي الخطاب مثلا فقد فصل جوابه في الوجه الثالث.
3 - اختلاف الموثق مع الجارح تبعا لاختلاف حال الراوي، بمعنى: نظر
الموثق إلى الراوي في أيام استقامته فوثقه، ونظر الجارح إليه في أيام اعوجاجه
وانحرافه عن الحق فضعفه.
مقدمة التحقيق 64

الفائدة التاسعة
في الاخبار الحسنة والألفاظ الدالة على التوثيق
وأمارات الوثاقة
تعرض المحدث النوري - رحمه الله تعالى - في هذه الفائدة إلى بحث
مهم قلنا اعتنت به كتب الدراية قبله، ألا وهو كيفية اقتراب الحديث الحسن
من الحديث الصحيح، مع مراعاة موقف المتأخرين الذين قالوا بعدم حجية
الحسن لاشتراطهم في حجية الخبر عدالة رواته. مع بحثه عما دل من
الألفاظ على التوثيق، وكشف النقاب عن الامارات الدالة على الوثاقة.
وقد مهد المصنف لبيان حقيقة هذه المسائل بأمرين مهمين، وهما:
الأول: اختلاف العلماء في معنى العدالة الشرعية واتفاقهم على
ترتيب آثارها بحق من ثبت حسن ظاهره.
الثاني: اتفاق أهل الدراية على دلالة بعض ألفاظ التعديل وبعض
ألفاظ المدح، وعدهم الحديث من جهة من قيل بحقه لفظ تعديل متفق عليه
صحيحا، وحسنا إن كان اللفظ المتفق عليه لفظ مدح. هذا مع تصريحهم
بأن مثل (شيخ الطائفة) أو (عميدها) أو (رئيسها) ونحو ذلك من الألفاظ إنما
تستعمل للمشاهير من أقطاب المذهب ممن يستغني عن التوثيق.
ثم تعرض بعد ذلك إلى عدهم حديث بعض الأعاظم حسنا، متخذا
من الشيخ إبراهيم بن هاشم القمي مثالا على ذلك، لعدم النص عليه بالوثاقة
بل بالمدح المعتد به. وقد ناقش هذا المدح مبينا عدم تخلفه عن حسن
الظاهر بستر المعاصي واجتناب الكبائر وأداء الفرائض والاستقامة في القول
والفعل مما يعد كاشفا عن الملكة. كما ناقش بعض ألفاظ المدح الأخرى
مقدمة التحقيق 65

مؤكدا عدم صلاحية اطلاقها على غير من حسن ظاهره كقولهم: (صالح)،
(زاهد)، (شيخ جلي) ونحوها.
ثم خلص إلى أن عدم الطعن فيمن وصف بواحد منها مع ذكره في
جملة حملة الشريعة ورواة الشيعة يزيد في حسن حديثه ويكشف عن حسن
سيرته ونقاء سريرته.
ثم بحث بعد ذلك مسألة مهمة للغاية، وهي عدم تفريق بعض العلماء
في مقام العمل وفي موارد الترجيح عند التعارض بين من مدح ومن وثق
صراحة، مؤكدا عدم تقديمهم الصحيح على الحسن عند التعارض، ممثلا
بما دأب عليه الشيخ في التهذيب والاستبصار من الجمع بين المتعارضين
من غير طعن في سند الحديث الحسن أصلا.
ولهذا يرى المصنف - قدس سره - ان توصيفهم لبعض بالوثاقة ولآخر
بالصلاح، ولثالث بالزهد أو الديانة مثلا إنما هو لتفننهم في التعبير.
ولقد ساق أمثلة كثيرة ممن قيل بحقهم مثل هذه الألفاظ في أهم كتب
الرجال الشيعية على الاطلاق، مع اتفاق سائر العلماء على وثاقتهم وجلالتهم
وعلو منزلتهم ومكانتهم في هذه الطائفة، كما هو الحال في زرارة، وأبان بن
تغلب والبزنطي وأضرابهم.
أما عن اكتفاء بعضهم بكلمة (عظيم المنزلة) ونظائرها في مجال
التوثيق ضد استفاد منه - بعد أن نقل كلماتهم - إمكانية اتحاد اصطلاح القدماء
مع اصطلاح المتأخرين في (الصحيح) من جهة، وأعمية صحيح القدماء من
جهة دخول الحديث الموثق فيه أيضا.
ثم أكد بعد ذلك على ضوابط التصحيح والتحسين والتضعيف، والنظر
إلى أصول هذا الفن، والتأمل في ألفاظ المدح، والنظر في مداليلها وما
اقترنت بها من أمور يستشف منها حسن الظاهر الكاشف عن الملكة، وبهذا
مقدمة التحقيق 66

يصير الممدوح ثقة، والخبر الحسن صحيحا.
ثم عطف الكلام إلى تبيين مثل هذه القرائن التي سبق وأن بحثها
تفصيلا فيما سبق من فوائد مشيرا إليها في هذه الفائدة على وجه الاجمال
مبينا من أخذ بها من العلماء.
ثم كشف النقاب عن الرواية عن الضعفاء في عرف القدماء، وكيف
انهم كانوا يعدونها من أعظم المطاعن وذلك بأدلة كثيرة استخرجها من تراجم
العلماء، ثم ضرب أمثلة أخرى على من عدت أحاديثه حسنة ووردت في
حقه من الأوصاف الجليلة التي لا تنفك عن الوثاقة بل حسن الظاهر أيضا.
ومن هنا نعى المصنف - قدس سره - تقسيم الحديث إلى أقسامه
المعروفة، إذ حكموا من خلال هذا التقسيم على حسن أكثر الصحاح
وأخرجوها عن دائرة الحجية مع ثبوت احتجاج من سبقهم بها.
لقد حاول المصنف - قدس سره - في هذه الفائدة أن يفتح نافذة على
تقسيم الحديث عند المتأخرين، ليطل الباحثون من خلالها على هذا
المصطلح الجديد وينظروا ما فيه وعلى ضوء ما طرحه من مفاهيم.
مقدمة التحقيق 67

الفائدة العاشرة
في استدراك ما فات الوسائل
من الثقات والممدوحين
هذا هو العنوان الذي اختاره المصنف - رحمه الله تعالى - لهذه الفائدة
التي سجل فيها ثلاثة آلاف وأربعمائة وتسعة وعشرين اسما لتكون مكملة لما
سجله الشيخ الحر - رحمه الله تعالى - في الفائدة الأخيرة من فوائد خاتمة
الوسائل، وإن لم يجر المصنف فيها على منهج الشيخ الحر كما سترى.
وقبل بيان ما يتعلق بهذه الفائدة من أمور يحسن إذ رجوع بالقارئ العزيز
إلى الفائدة الثانية عشرة والأخيرة من فوائد وسائل الشيعة، ومن ثم تسليط
الضوء على منهج المصنف في هذه الفائدة، لكي يتضح عن كثب طبيعة
الاستدراك المسجلة هنا فنقول:
خصصت الفائدة الثانية عشرة من فوائد خاتمة وسائل الشيعة لذكر
أحوال رجال السند بغض النظر عن وقوعهم في أسانيد الوسائل أولا، وهذا
هو ما صرح به الشيخ الحر في أول الفائدة المذكورة حيث قال: (وإنما
نذكر هنا من يستفاد من وجوده في السند قرينة على صحة النقل وثبوته
واعتماده).
ولم يقصد الشيخ الحر ذكر ما في كتب التراجم الشيعية من الاعلام،
ولا جميع من ذكر في كتب الرجال من الثقات والممدوحين، بل اكتفى
ببعض من ذكر في أسانيد كتب الشيعة دون البعض الاخر، حسبما بينه من قرائن
وأمارات وأسباب التوثيق والاعتماد، التي قد تنطبق على الكثيرين جدا ممن
ليس لهم في فائدة الوسائل عين ولا أثر، فهو قد أعطى ضابطة كلية - إن صح
مقدمة التحقيق 68

التعبير - لمعرفة الرواية المقبولة سندا ولم يرد احصاء الموارد التي تنطبق عليها
هذه الضابطة.
ويدلنا على ذلك ما جاء في الفائدة المذكورة من أمور وهي:
1 - قوله في أول الفائدة المذكورة: (لكني لم أذكر كل أصحاب
الكتب) - وإذا ما علمنا أنه ضبط في آخر الفائدة الرابعة ما يزيد على ستة
آلاف وستمائة كتاب من كتب الشيعة - وان جميع ما ذكره من أسماء في
الفائدة المذكورة من أصحاب الكتب وغيرهم لا يزيد على الف وخمسمائة
اسم، اتضح لنا ان الشيخ الحر ليس بصدد الاحصاء في الفائدة الأخيرة.
2 - ما ذكره عن الشهيد الثاني من وثاقة جميع رواة حديث الشيعة
الذين كانوا في زمن الشيخ. الكليني، والذين من بعده إلى زمن الشهيد
الثاني، وهذا هو اختيار الشيخ الحر ومرضيه إذ لم يتعقبه بشئ، ولا شك أن
عدد رواة الشيعة في تلك الفترة - وهي تزيد على ستة قرون أكثر مما سجله
الشيخ الحر العاملي من أسماء الثقات والممدوحين في الفائدة الأخيرة التي
ضمت بعض أسماء المتأخرين عن عصر ثقة الاسلام لا كلهم.
3 - تصريحه بوثاقة أربعة آلاف رجل من أصحاب الصادق عليه السلام،
والموجود في رجال الشيخ الطوسي - حسبما أحصيناه - ثلاثة آلاف ومائتين
وأربعة وعشرين اسما في باب أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، وما ذكره
الشيخ الحر في الفائدة الأخيرة من الوسائل من أصحاب سائر الأئمة
عليهم السلام وغيرهم ممن لم يدرك ذلك العصر البهي هو أقل من نصف
العدد المذكور في باب أصحاب الإمام الصادق عليه السلام من رجال
الشيخ.
هذا فضلا عن استثناء من ضعف من الرواة مع من لم تنطبق عليه
موجبات الاعتماد والتوثيق.
مقدمة التحقيق 69

ومن خلال قراءتنا التفصيلية لما ورد في هذه الفائدة من أسماء
خرجنا بجملة وافرة من النتائج لعل أولاها بالذكر هنا هو أنا وجدنا الشيخ
النوري أراد بهذه الفائدة تعميم النفع والفائدة، ذلك بإحصاء ما في كتب
الرجال والتراجم وغيرها من أسماء الثقات والممدوحين من الذين لم
يسجلهم الشيخ الحر عن علم مؤكد بأكثرهم إن لم يكن بجميعهم، مع عدم
الالتزام بمنهج الشيخ الحر الذي يجب مراعاته في الاستدراك المصطلح وهو
نظر المتأخر - في استدراك ما فات على المتقدم - إلى منهج صاحب الأصل
والكيفية التي سار عليها في تدوينه.
وقد بينا أن من منهج الشيخ الحر في فائدة الوسائل الأخيرة هو
الاقتصار على ذكر بعض من له رواية ووثق أو مدح في كتب الرجال مع ترك
الأكثر منهم من دون الالتفات إلى ما في كتب التراجم من الاعلام.
ومن هنا نرى ان في عنوان فائدة المستدرك مسامحة ظاهرة، وقد يكون
المصنف - رحمه الله تعالى - ملتفتا إليها إذ لم يذكر مثلا عبارة: (ما غفل عنه
الشيخ الحر) أو: (ما لم يطلع عليه) ونحوهما مما مر في الفائدة الأولى
وغيرها، بل قال في مقدمة هذه الفائدة: " ما لم يذكره " وعدم ذكر الاسم - مع
لحاظ منهج الشيخ الحر - له مسوغات كثيرة لا تدل على الغفلة.
وبعد بيان منهج الشيخ الحر - رضي الله تعالى عنه - في الفائدة
الأخيرة من الوسائل، وعلاقة تلك الفائدة بعنوان ما نحن بصدده، آن الأوان
للحديث عن أهم الأمور التي تضمنتها هذه الفائدة مبتدئين بمنهج النوري
- رحمه الله تعالى - في التوثيق والتحسين وعلى النحو الآتي.
أولا: منهج المصنف في التوثيق والتحسين:
لم يختلف منهج المصنف عن منهج الشيخ الحر كثيرا في مجال
اعتماد القرائن والامارات الكلية في التوثيقات الرجالية العامة، وقد بين
مقدمة التحقيق 70

المصنف جملة منها في أول الفائدة محيلا إلى ما سيذكره منها في تراجم
الرواة في هذه الفائدة ويمكن إجمالها جميعا بما يأتي:
1 - كون الراوي من مشايخ علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في
تفسيره.
2 - كونه من مشايخ ابن قولويه في كامل الزيارات.
3 - كونه من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال الشيخ
الطوسي.
4 - رواية أحد الثلاثة عنه وهم: ابن أبي عمير، والبزنطي، وصفوان.
5 - رواية أحد أصحاب الاجماع عنه على ما هو المشهور.
6 - رواية الاجلاء المتفق على أمانتهم ووثاقتهم عنه.
7 - رواية جعفر بن بشير، أو محمد بن إسماعيل الزعفراني عنه.
8 - كون الراوي من مشايخ النجاشي.
وقد سبق للمصنف وان أفاض بشرح هذه القرائن والامارات وأقام
مختلف الأدلة على اعتمادها، وأفرد لبعضها فوائد مستقلة كما هو الحال في
الفوائد السابعة، والثامنة، والتاسعة.
هذا وقد عثرنا على أمور أخرى استفاد منها المصنف في توثيقاته
الرجالية، سنشير إليها جميعا وندل على مكان واحد من أماكن ورودها،
وعلى النحو الآتي:
1 - اعتماد كتب الرجال في التوثيق كرجال النجاشي كما في الترجمة
(597) وقد يبين مستند العلماء في توثيقاتهم وأخذه بها كما في (150)
وغيره.
2 - اعتماد كتب الحديث في التوثيق والتحسين، إذ استخرج منها
الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام وفيها نوع مدح وثناء بحق
مقدمة التحقيق 71

من ترجم له كما في (317) وكثير غيره.
3 - اعتماده مشيخة الإجازة في التوثيق كثيرا كما في (361) وغيره.
4 - اعتبار رسائل الأئمة عليهم السلام إلى ولاتهم وغيرهم من دلائل
الوثاقة والأمانة كما في (2252).
5 - عده طعن أهل السنة برواة الشيعة دليلا على وثاقتهم، لان من آية
جلالة الراوي الشيعي وأمانته وشدة ملازمته لأهل البيت عليهم السلام
تضعيف العامة إياه وعده من غلاة الشيعة، كما في (479) وكثير غيره.
6 - الاستفادة من اتحاد الراوي مع غيره تعارض التضعيف مع التوثيق،
ومن التعدد الوثاقة كما في (1933).
7 - إثبات الوثاقة من السند والتشيع من المتن، كأن يكون الراوي عنه
من الاجلاء كما تقدم في الامارات المتقدمة، وأن يكون المروي فيه فضيلة
أو منزلة تثقل روايتها على صدور مبغضي الال عليهم السلام كما في
(2025) وكثير غيره.
8 - اهتمام علماء الرجال بذكر أمور دقيقة في ترجمة الراوي كذكرهم
صلاة أحد الاجلاء عليه عند وفاته يكشف - عنده - عن كونه من كبار مشايخ
الإجازة كما في (2458).
9 - التصرف في عبارات التوثيق الواردة في تراجم البعض بكتب
الرجال والتي يمكن إرجاعها إلى غير صاحب الترجمة، وجعلها نصا فيه،
كما في (432).
10 - اعتماد الوكالة وترضي المشايخ على أحد الرواة، وترحمهم عليه
في مجالات التوثيق والتحسين كثيرا.
11 - قولهم في حق أحد الرواة: (صحيح الحديث) أمارة من أمارات
التوثيق عنده كما في (2813) وغيره.
مقدمة التحقيق 72

على أن بعض هذه الأمور لم يعتمدها الشيخ الحر في توثيقاته
الرجالية.
ثانيا. منهجه في التصنيف والاستدراك:
اتبع الشيخ النوري - رحمه الله تعالى - منهجا واضحا في تصنيف هذه
الفائدة وطريقة ثابتة في الاستدراك، ويمكن إجمال هذا المنهج بالأمور
التالية:
1 - عدم ذكر من ذكره الشيخ الحر العاملي - رحمه الله تعالى - في
الفائدة الأخيرة من الوسائل ووثقه.
2 - بيان وثاقة من ذكره الشيخ الحر ولم يذكر من وثقه أو مدحه.
3 - ترتيب الرواة بحسب الأسماء لا الحروف مع عدم العناية بترتيب
الاباء، وجعل أسماء الرواة في أبواب حيث ابتدأ بباب الألف ثم باب الباء
وهكذا إلى باب الياء، ثم أفرد بابا للكنى، ثم بابا لمن صدر بابن، وأخرى
في النسب واللقب.
4 - من ذكرهم من الرواة في باب النسب واللقب لم يبين حالهم من
الوثاقة غالبا لمرور أكثرهم في الأبواب المتقدمة في الأسماء، والظاهر أنه أراد
وقوف القارئ على أسمائهم، إذ بين المصنف أسماء أصحاب الألقاب.
5 - مراعاة الاختصار والايجاز في التراجم غالبا.
6 - الاكتفاء بذكر أمارة واحدة - في الأعم الأغلب - على وثاقة
الراوي.
ثالثا: مصادره في هذه. الفائدة:
أما عن مصادر الشيخ النوري في هذه الفائدة فهي كثيرة ومتنوعة إذ لم
يقتصر فيها على كتب الرجال والحديث، وإنما استفاد من كتب أخرى ككتب
التفسير، والعقائد، والتاريخ، والفضائل وغيرها.
مقدمة التحقيق 73

ويمكن القول بأن أهم الكتب التي اعتمدها في هذه الفائدة على
الاطلاق هو كتاب الرجال للشيخ الطوسي - قدس سره الشريف - إذ اقتبس
منه معظم ما في هذه الفائدة من أسماء.
هذا ولم تنحصر استفادة المصنف من كتب الشيعة فحسب، بل
استفاد أيضا من كتب أهل السنة في كثير من المواضع، لا سيما في تعيين
الوفيات أو بيان الاتحاد والاشتراك في الأسماء، ونحو ذلك.
رابعا: نوعية الاستدراك:
مر أن المصنف لم يراع منهج الأصل المستدرك عليه في هذه الفائدة
وان اتبع سائر القرائن والامارات الكلية في التوثيق المعتمدة في خاتمة
الوسائل، وأضاف لها أمورا أخرى لم تعتمد في توثيقات الشيخ الحر - رحمه
الله تعالى -.
ومن استعراض طوائف الأسماء المستدرك بها في هذه. الفائدة يتضح
لنا أن المراد هو تعميم الفائدة لا أكثر وليس المراد بتسجيلها هو
الاستدراك
المتبادر عرفا كما مر.
وفيما يأتي صورة شاملة لطوائف الأسماء المسجلة في هذه الفائدة،
وعلى النحو الآتي.
1 - الاستدراك بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل العباس
عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخباب بن الأرت وعثمان بن مظعون،
وهند بن أبي هالة ابن خديجة الكبرى عليها السلام - وهو ربيب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم - وغيره هم من الصحاب رضي الله تعالى
مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم من الصحابة - رضي الله تعالى
عنهم -.
2 - الاستدراك بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كأم أيمن
مقدمة التحقيق 74

- رضي الله تعالى عنها -.
3 - الاستدراك بأولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله
وسلامه عليه - كمحمد بن الحنفية - رضي الله تعالى عنه - أو بأصحابه الذين
لازموه وتفانوا فيه أو استشهد بعضهم بين يديه عليه السلام. وهم كثر،
نذكر منهم: جارية بن قدامة، وثعلبة بن عمر، وأبا عمرة الأنصاري، وحذيفة
ابن أسيد وهو من الصحابة أيضا، وأبا الجوشاء وهو صاحب رايته عليه
السلام يوم خرج من الكوفة إلى صفين، وأبا جند بن عمرو وهو الذي عقر
الشيطان (أعني: جمل عائشة) في البصرة، وابن النباح مؤذنه عليه السلام
الذي كان يقول في أذانه: حي على خير العمل.
4 - الاستدراك بليوث العرين، والصفوة من العباد المؤمنين، والخيرة
من أصحاب الأئمة الميامين عليهم السلام من الذين ذبوا عن حرم آل الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم وضحوا بأرواحهم بين يدي خامس أصحاب
الكساء عليه الصلاة والسلام في صبيحة عاشوراء، وضربوا
باستشهادهم يوم الطف أروع أمثلة التضحية والفداء في سبيل العقيلة والمبدأ،
كزاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي الشهيد في الحملة الأولى، وشوذب
مولى شاكر، وعابس بن شبيب، وأبي ثمامة الأنصاري الذي لم ينس الصلاة
في لحظات عمره الأخيرة حتى قال له الحسين عليه السلام. (ذكرت
الصلاة، جعلك الله من المصلين) ومن نصر الحسين عليه السلام حيا وميتا
مسلم بن عوسجة، ومن رفض الذل والهوان، وأبى إلا أن يعيش حرا، يمضي
سعيدا هاني بن عروة صاحب المقام المحمود، ولمقامه الشريف زيارة مأثورة
معروفة لدى الشيعة، وهو من شهداء الحق والفضيلة عند الله سبحانه.
ثم إن المصنف - رحمه الله - قد استدرك بهذه الفائدة بينبوع الوثاقة
ومعدن العلم والحكمة والفضيلة، وجبل الكرامة، حامي بيوتا مطهرة أذن الله
مقدمة التحقيق 75

لها أن ترفع ويذكر فيها اسمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام.
وهل يصح أن يغفل الشيخ الحر مثل مسلم فيستدرك به عليه؟ وهل ترك
ابن عقيل سلام الله فضيلة لغيره أو مكرمة لسواه. من غير أهل البيت
عليهم السلام حتى ينسى؟
ان الأقرب إلى الحق والصواب هوان المصنف رام بتسجيل هذه
الأسماء الزكية الافتخار بأن هكذا عندنا نحن معاشر الشيعة من عيون
ا لرجال.
5 - الاستدراك بأصحاب سائر الأئمة عليهم السلام وأكثر من ذكر منهم
هم أصحاب الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام.
6 - الاستدراك بمن تأخر عن عصر آخر الأئمة عليهم السلام من رواة
الشيعة الإمامية.
7 - الاستدراك بثقات الفرق المنحرفة عن الخط الامامي كثقات
الفطحية والواقفية وغيرهم.
8 - الاستدراك بالنساء الراويات كما في التراجم (235) و (236)
و (237) و (238) و (239) و (871) و (7190) و (2300). وغيرها.
9 - الاستدراك بأعلام أهل السنة كمالك بن أنس، ومحمد بن مسلم
ابن شهاب الزهري، وابن أبي ليلى القاضي المعروف، ومقاتل بن سليمان،
وغيرهم.
10 - الاستدراك ببعض الضعفاء، والدفاع عنهم - مع الأسف -
كاستدراكه بمنخل بن جميل، ويونس بن ظبيان وغيرهما.
ولعل ما سجله من أسماء بما مر في الفقرتين الأخيرتين هو مما لا يؤيده
عليه أحد من أعلام الشيعة.
مقدمة التحقيق 76

خامسا: الردود والمناقشات
رد المصنف في هذه الفائدة على الكثير من علماء الرجال، كما ناقش
البعض منهم مناقشات مطولة أحيانا في تراجم معدودة، وتعجب واستغرب
من طائفة أخرى من العلماء نتيجة لحكمهم بعدم الوثاقة على بعض الاعلام
الذين وثقهم المصنف في هذه الفائدة، ولقد كان الحق معه في أغلب
هذه الردود والمناقشات، لأنه قد اعتمد في أغلبها على أدلة قوية
استخرجها من مصادر شتى رجالية وغيرها، إلا أنه أخفق في بعضها لا سيما
فيما يتعلق بالضعفاء المجمع على ضعفهم تقريبا، وفيما يأتي جملة مختصرة
من هذه الردود والمناقشات.
1 - رد نسبة الغلو إلى بعض الرواة، ومناقشة من اتهمهم بذلك مع
الاضطرار إلى التوسع في تراجم من اتهم بالغلو وبيان حاله وإثبات خلو أقواله
وما رواه من رائحة الغلو، ورجوع من غلا إلى الحق وحسن حاله وصحب
الأئمة من آل البيت عليهم السلام كما في (1363) وغيره.
2 - رد نسبة وضع كتاب سليم بن قيس الهلالي إلى أبان بن أبي عياش
بجملة من الأمور حاول اختصارها كما في (4) لما مر منه في الفائدة الثانية
من تفصيل حال هذا الكتاب وإثبات نسبته إلى مؤلفه.
3 - رد نسبة الوقف إلى بعض الرواة كما في ترجمة إبراهيم بن أبي بكر
برقم (18) وغيره.
4 - الرد على ابن الغضائري كثيرا في التراجم كما في (2510)
و (1363) و (1280) وعلى جميع من وافقه من الرجاليين كما نراه في ترجمة
الفتح بن يزيد، وعده ما جاء في كتبهم من الأوهام.
5 - مناقشته للنجاشي والعلامة في ترجمة صالح بن سهل الهمداني
مقدمة التحقيق 77

مع الإطالة في بيان حاله وتبرئته مما قذف به.
6 - الرد على الكشي في ترجمة الصحابي عبد الله بن مسعود، مع
التعجب ممن اقتصر من الرجال في ترجمته على ما في الكشي.
7 - الرد على الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي كثيرا والتعجب منه
أحيانا كما في ترجمة طرماح بن عدي برقم (1412)، وترجمة عقيل بن أبي
طالب برقم (1824)، وكذلك الحال في التراجم (2491) و (2391)
و (2421) وغيرها.
8 - الرد على العلامة المجلسي والتعجب مما ذكره في الوجيزة بحق
بعض الرواة كما في (2392) و (2328) و (1417) و (1824)، وغيرها.
9 - الرد على الشيخ أبي علي الحائري ردا مشوبا بالتحامل كما في
(2267) و (2608).
10 - مناقشته للسيد صاحب المدارك كما في الترجمة (2391).
11 - الرد على جميع الرجاليين تقريبا في ترجمة يونس بن ظبيان برقم
(3260) والإطالة في ترجمته أكثر من غيره، وفي جميع ما ذكره من أدلة
اختلاف واسع يظهر منه الاتفاق على تضعيفهم ليونس بن ظبيان.
12 - الرد على نسبة التسنن إلى بعض الرواة والتأكيد على تشيعهم
بمختلف الأدلة كما في (973) وغيره.
13 - الرد أحيانا على من ذهب إلى الاتحاد بين راويين مع اختيار
التعدد كما في (2054).
سادسا: التنبيهات في التراجم الرجالية:
من خلال تتبعنا لجميع ما ذكره المصنف - رحمه الله تعالى - في هذه.
الفائدة، وقفنا على جملة من التنبيهات المهمة نعرضها على النحو الآتي:
1 - التنبيه على تعدد الرواة مع اتحادهم في الأسماء كما في (521)
مقدمة التحقيق 78

(843) وغيرهما.
2 - تصحيح الأسماء المصحفة كما في (2726) وغيره.
3 - التنبيه على المشتركات والإطالة فيها أحيانا كما في (721)
و (725).
4 - الإشارة إلى الأخطاء الحاصلة في التراجم لدى بعض العلماء
كما في (3171) وغيره.
5 - التنبيه على بعض النكات المهمة في التراجم، منها ما يتعلق
برواية الأئمة عليهم السلام عن جدهم صلى الله عليه وآله وسلم فإن كان
المخاطب من أهل السنة حدثوه بلغة الاسناد، بخلاف ما لو كان من
شيعتهم، لما بينهما من فارق الاعتقاد بمنزلة أهل البيت عليهم السلام.
6 - التنبيه كثيرا في توثيقاته للرواة على وجود من سبقه في توثيقهم أو
عدهم من الممدوحين.
7 - التنبيه على اختلاف النسخ الرجالية أو الحديثية، وخطأ النساخ
وتحريفاتهم وتصحيفاتهم، وقد أكثر المصنف من هذه التنبيهات المهمة،
نشير إلى بعضها اختصارا.
أ - التنبيه على وجود كلمة (ثقة) في رجال العلامة بحق صاحب
الترجمة (367)، ولا وجود لها في معظم النسخ الأخرى، وقد تكرر ذلك في
تراجم أخرى كما في (1697) و (428) وغيرهما.
ب - التنبيه على عدم وجود كلمة (ثقة) في نسخته من كتاب رجالي
بخط مؤلفه، مع وجودها في النسخ الأخرى لهذا الكتاب ونقل العلماء لها
منه أيضا كما في (745) ولهذا نراه لا يعتمد على هذا التوثيق بل يستظهره
من وجوه أخرى.
ج‍ - التنبيه على جودة ما اعتمده من النسخ الخطية، كنسخته من
مقدمة التحقيق 79

كتاب رجال النجاشي المكتوبة في عهد مؤلفه كما قال في (678)، أو نسخة
من كتاب التهذيب صحيحة جدا كما قال في (1592) وغير ذلك.
د - التنبيه على اختلاف النسخ الرجالية في ضبط ألقاب الرواة كما في
(869) أو الأسماء كما في (2047).
ه‍ - التنبيه على الاختلاف الحاصل بين كتب الحديث وكتب الرجال
في أسماء الرواة كما في (1692) و (3313)
و - التنبيه على تصحيفات النساخ وتحريفاتهم بماله علاقة مباشرة في
التوثيق أو التجريح كما في (728)، أو بماله علاقة في ازدياد طبقات الرواة
كتحريفهم (ابن) إلى (عن) كما في (3374) وغيرها من التحريفات
والتصحيفات.
سابعا: أمور أخرى:
هناك بعض الا مور الأخرى التي وقفنا عليها في هذه الفائدة نذكر
منها
1 - ذكره طرفا من أخبار المترجمين في هذه الفائدة ومدى اتصالهم
بأهل بيت العصمة عليهم السلام كما في جعده بن هبيرة ابن أخت أمير
المؤمنين عليه السلام (398) الذي قال له عتبة بن أبي سفيان: إنما لك هذه
الشدة في الحرب من قبل خالك! فقال له جعدة: لو كان خالك مثل خالي
لنسيت أباك.
كما يذكر الكثير من فضائلهم لا سيما إذا كانوا من صحابة النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كما في (276) و (1191) و (1421) وغيرها.
2 - يذكر ما جرى لبعض الرواة مع الأئمة عليهم السلام بما يدل على
منزلتهم عندهم عليهم السلام وعائهم لهم بظهر الغيب بما يفيد حسن
سيرتهم كما في (26).
مقدمة التحقيق 80

3 - التعرض إلى معاناة أهل البيت عليهم السلام وما جناه الأوغاد
بحقهم حقدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن متفرقة من
هذه الفائدة كما في (2114) و (1447).
4 - التعرض إلى ما قاله بعضهم من الشعر، لا سيما العقائدي الهادف
كشعر سفيان بن مصعب العبدي (1189) وغيره.
5 - التوسع في إيراد بعض القصص والحكايات الطريفة التي تنطوي
على عظة نافعة، كما في (1583).
6 - نقله الروايات من كتب الحديث بلا اسناد في الغالب مع
الإحالة إلى مصدرها اختصارا، ولكنه قد يذكر الاسناد كاملا لنكتة في المقام
كما في (3363)، فراجع.
7 - اتباعه نظام الإحالة في تراجم الرجال إلى الفوائد المتقدمة لا سيما
الفائدة الثانية كما في (416) والسادسة كما في (1931) وغيرهما.
8 - تعرضه إلى مباحث درائية في عدة مواضع من هذه الفائدة،
كمناقشته لقول النجاشي: " ليس بذاك " في الترجمة (2155)، وبيان دلالة
هذه الكلمة. وكذلك قولهم: (وحديثه ليس بذلك النقي) في الترجمة
(83)، أو المناقشة في لفظة: (وجه) ودلالتها بصورة مختصرة كما في
(1921)، أو بيانه معنى قول النجاشي (وكان علوا) في (1931)، أو بيانه
اختلافهم في دلالة بعض الألفاظ على المدح أو التوثيق أو عدم دلالتها على
شئ من ذلك كما في (677).
ثامنا: المؤاخذات على ما في هذه الفائدة.
هناك بعض المؤاخذات التي يمكن ان تسجل على الشيخ النوري في
هذه الفائدة، وهي:
1 - لقد أشار المصنف إلى أن ذم أهل السنة لاحد رواة الشيعة ينبغي
مقدمة التحقيق 81

أن يعد من مدائحه كما في الترجمة (4) وقد مر عنه في الفوائد السابقة
تصريحه بأن مدح أهل السنة وقدحهم سواء، الا أنا وجدناه قد اعتمد توثيق
ابن حجر لصاحب الترجمة (36)، وكان عليه ان يقتصر على ما ذكره من
أمارات الوثاقة، ولا يردفها بتوثيق ابن حجر مراعاة للتصريحات السابقة.
2 - قد يعتمد على إثبات وثاقة شخص ما على رواية رواها ذلك
الشخص بعينه، ولا يخفى بأن هذا الشخص متهم بجر منفعة لنفسه، كما
حصل في الترجمة (1485)، وكذلك في (1512)، هذا مع التفات
المصنف - رحمه الله تعالى - إلى ذلك، وتبريره على أساس وقوع الأجلة في
طريق الرواية، وهو كما ترى!
3 - الاعتداد بعدم الاستثناء من كتاب نوادر الحكمة في مجال التوثيق
كما في (1887)، والرد على الاستثناء الحاصل لبعض الرواة كما في
(1670). وهذا ما يشكل اضطرابا في منهج التوثيق.
4 - الاستدراك بمن لم يذكر له في ترجمته أمارة على التوثيق، سوى أنه
روى عنه فلان أو فلان، وعند تتبعنا لمثل هذه الموارد وجدنا أن الراوي عنه
أيضا غير منصوص على وثاقته، وهي موارد قليلة كما في (1970 وغيره.
5 - اعتماده على أمارات غير متفق عليها في التوثيق، والأكثر على
خلافها.
6 - الخروج عن منهجه في الاختصار كما نص عليه في أول الفائدة،
حيث أطال في تراجم كثيرة كما هو الحال في (13) و (39) و (55) و (61)
(62) و (66) و (91) و (95) و (96) و (120) وكثير غيرها.
7 - توثيقه لمن لم يوثق قط كمقاتل بن سليمان، ومنخل بن
جميل، ويونس بن ظبيان كما أشرنا إليهم فيما تقدم.
8 - الاستدراك بأهل السنة كمالك بن أنس، والزهري وقد تقدمت
مقدمة التحقيق 82

الإشارة إلى ذلك أيضا.
إلى غير ذلك من الهنات الطفيفة الأخرى التي لا تقلل - بنظرنا - من
أهمية هذه الفائدة لما فيها من الايجابيات الكثيرة التي نتركها للقارئ العزيز
نفسه.
مقدمة التحقيق 83

الفائدة الحادية عشرة
حول موقف الأخباريين من حجية القطع
لحجية القطع أكثر من معنى إلا أن المراد منها في المباحث الأصولية
هو التنجيز والتعذير.
ولما كان ثبوت القطع لدى القاطع أمرا وجدانيا لا يمكن إنكاره، وان
من يحصل لديه مثل هذا القطع يكون قطعه حجة ومنجزا عليه عند سائر
الأصوليين، لذا احتدم نقاشهم مع الأخباريين الذين نسب إليهم - كما في
هذه الفائدة - القول بعدم حجية القطع.
وقبل بيان موقف المصنف من هذه النسبة يحسن بنا التأكيد على ثلاثة
أمور، وهي:
الأول: اتفاق الشيعة الإمامية من الأصوليين والأخباريين على عدم
حجية أدلة عقلية ظنية مثل القياس والاستحسان ونحوهما، اقتداء بأهل البيت
عليهم السلام حيث تواتر عنهم عليهم السلام النهي المطلق عن استعمال
مثل هذه الأدلة في استنباط الاحكام الفقهية.
الثاني: اختلافهم في حجية الأدلة العقلية القطعية في مجال استنباط
الأحكام الشرعية. حيث ذهب المشهور منهم إلى صحة ذلك، ومنعه
الأخباريون، بمعنى عدم تحققه كما سيأتي في هذه الفائدة.
الثالث: المراد من حكم العقل هنا هو ما يصدره على نحو الجزم
واليقين، غير مستند بذلك إلى الكتاب والسنة بخصوص الأحكام الشرعية،
وليس المراد منه الحكم العقلي الواقع في مبادئ التصديق بالكتاب والسنة
ولا الحكم الواقع في طولهما في مرحلة معلولات الأحكام الشرعية كحكم
مقدمة التحقيق 84

العقل بوجوب الامتثال فهذا لا إشكال في حجيته عند الجميع.
ثم إن الشيخ النوري - رحمه الله تعالى - قد افتتح هذه الفائدة بإنكار
هذه النسبة إلى الأخباريين، مصرحا بأن ما يظهر من كلماتهم هو على خلاف
ما نسب إليهم من إنكار حجية القطع الحاصل من العقل.
ثم بين أصل اشتهار هذه النسبة إليهم، وهو كلام الشيخ الأنصاري
- قدس سره الشريف - في رسالته: (حجية القطع). حيث نقل عنه ما حكاه
عن المحدث الاسترآبادي - رحمه الله تعالى - من تقسيمه العلوم إلى ما
ينتهي إلى مادة قريبة من الإحساس، وإلى أخرى بعيدة عنه مع وقوع
الاختلاف في الثاني دون الأول على تفصيل بين في محله.
وقد استفاد الشيخ الأعظم - طاب ثراه - من كلام الاسترآبادي - رحمه
الله تعالى - عدم حجية إدراكات العقل - عنده - في غير المحسوسات، مبينا
من استحسن كلام الاسترآبادي من الأخباريين المتأخرين عنه كالمحدث
الجزائري والبحراني - رحمهما الله تعالى - حيث ذهب الأول إلى القول
بحكم العقل في البديهيات، أما في النظريات فان وافقه النقل وحكم بحكمه
فهما متفقان، وان تعارضا قدم النقل عليه.
أما الثاني فقد استحسن هذا الكلام وأيده.
ويرى المحدث النوري ان ما استفاده أستاذه الشيخ الأنصاري من
كلام الاسترآبادي غير تام، وان الاسترآبادي لم يقصد حصر المعرفة البشرية
بأدوات الحس والتجربة: بل غرضه حصر المعرفة بالدليل الشرعي النقلي
والغاء الدليل العقلي النظري في مجال استكشاف الحكم الشرعي، وانه
ليس في كلامه إشارة أو تصريح إلى عدم حجية حكم العقل القطعي. بل
الظاهر. منه نفي حجية الادراك الظني والاستنباطات الظنية في نفس الأحكام الشرعية.
مقدمة التحقيق 85

وقد استدل المحدث النوري على ذلك بأمور كثيرة نذكر منها ما يأتي:
أولا: الاستدلال بالمواضع الساقطة من عبارة الاسترآبادي المنقولة،
والاستفادة من هذه المواضع بأن مقتضى ما افاده الاسترآبادي هو عدم جواز
الاعتماد على الدليل الظني في أحكامه تعالى سواء كان ظني الدلالة أو
الطريق أو كليهما.
مبررا لأستاذه هذا السقط بأنه لم يكن عنده كتاب الفوائد المدنية
للاسترآبادي وإنما نقل النص عن حاشية المعالم، وكذلك الحال في نقله
عن السيد الجزائري بالواسطة.
ثانيا: نقل عن الفوائد ما يفيد الإشارة إلى كون حكم العقل القطعي
حجة عنده ونفي الاستنباطات الظنية، كما نقل نصا آخر صريحا بإفادة هذا
المعنى.
ثالثا: نقل نصا آخر يفيد عدم جواز العمل بالظن المتعلق بنفس
أحكامه تعالى ثم كشف عن ابطال الاسترآبادي التمسك بالاستنباطات الظنية
من الكتاب والسنة والاستصحاب والبراءة والقياس والاجماع في نفس
أحكامه تعالى، بما يفيد انه كان لا يرى للعقل إدراكا قطعيا في استنباط
الأحكام الشرعية، وإلا لعده. من جملة هذه الأمور، بل لقدمه على
الاستصحاب وما يليه.
رابعا: نقل نصا من الفوائد يفيد وجوب أخذ أصول الدين وفروعه من
أصحاب العصمة عليهم السلام وان العقل لا يستقل باثباتها، خاصة الفروع.
خامسا. اهتم ببيان رأي الاسترآبادي في تقسيم الاخبار على نحوين.
أحدهما: أن تكون صحة مضمون الخبر متواترة وهذا لا يجوز
التناقض فيه.
الاخر: وجود قرينة دالة على صحة مضمونه واعتباره ومن جملة هذه
مقدمة التحقيق 86

القرائن مطابقة المضمون للدليل العقلي القطعي.
سادسا: بين سبب رد الاسترآبادي - بنص منه - للترجيحات
الاستحسانية بأمرين.
أحدهما: لم يرد من الشارع إمضاء لها بل ورد النهي عنها.
الاخر: عدم ظهور دلالة عقلية قطعية على حجيتها.
وهكذا نجد المصنف - رحمه الله تعالى - ينقل ما هو صريح بحجية
ادراك العقل إذا كان قطعيا.
وفي آخر ما اقتبسه من نصوص عن الفوائد لرد هذه النسبة نقل عنه
كلاما مهما - وهو عنده بخطه - يؤيد فيه صراحة ما ذكره المصنف آنفا، وانه
على الرغم من حصره لادراك الحكم الشرعي عن طريق الدليل النقلي وإلغاء
ما سواه، فإنه لو فرض وجود الادراك العقلي القطعي لذلك لكان حجة عنده.
أما عن المحدث الجزائري فقد دافع عنه النوري أيضا مبينا انه تبع
أقوال الاسترآبادي وعنون مطالب كتبه على غرار ما ورد في الفوائد ثم نقل
عنه كما نقل عن الاسترآبادي أمورا تبين ان ما أسقطه من أدلة العقل إنما هو
الأدلة الاستحسانية التي يعبر عنها بالاستنباط الظني وأورد تصريحه في وجوب
تأويل الدليل النقلي إذا تعارض مع الدليل العقلي ذي المقدمات البديهية.
وأما عن بيان موقف الشيخ الحر من هذه المسألة فهو لا يحتاج إلى
بيان لتصريح الشيخ الحر - قدس سره - بحجية حكم العقل القطعي إذ قال
في الفائدة الثامنة في بيان القرائن المعتبرة على ثبوت الخبر: (ومنها: موافقته
لدليل عقلي قطعي) (1)، إلا أن المصنف لم يكتف بهذا التصريح بل تابع
- رحمه الله تعالى - أقوال الشيخ الحر وآراءه في كتبه الأخرى حول هذه

(1) خاتمة الوسائل - الفائدة الثامنة 30 / 247.
مقدمة التحقيق 87

المسألة بالذات، وأطال في نقل كلماته بما حاصله عدم وجود دليل عقلي
قطعي في شئ من مسائل الفروع ولو فرض وجوده فهو حجة.
اما عن كلام البحراني - قدس سره - في الحدائق، والدرة النجفية،
فقد بين المصنف عدم اختلافه عن كلام الاسترآبادي ولا كلام الجزائري أو
الشيخ الحر.
واستخلص رأيه بأنه يرى عدم استقلال العقل في معرفة الأحكام الشرعية بالقطع واليقين، لا أنه يستقل ولا يكون - مع ذلك - حجة.
أما عن رأي المصنف في هذه المسألة بالذات والذي أفصح عنه في
آخر هذه الفائدة فخلاصته: عدم تحقق الصغرى في هذه المسألة، أي:
عدم تحقق استقلال العقل في مجال استنباط الأحكام الفرعية على نحو
القطع واليقين.
مقدمة التحقيق 88

الفائدة الثانية عشرة
في نبذ من فضيلة علم الحديث الشريف
في هذه الفائدة بيان لشرف علم الحديث، وأهميته القصوى، ودوره
المتميز في حياة المسلم، ومكانته العظمى من التشريع، مع التأكيد على
ضرورة الجد في دراسته وتدريسه.
لقد نقل المصنف - طاب ثراه - عن الشهيد الثاني - رضي الله تعالى
عنه - كلاما ضافيا في جلالة هذا العلم ورتبته، والمثوبة عليه مع تعريفه، وما
خصت به درايته من اهتمام بالغ، وانها المراد بعلم الحديث عند الاطلاق.
كما أورد عنه - قدس سرهما - بعض الآثار والأخبار الواردة في فضل
علم الحديث الشريف، ثم ساق المصنف ما ورد من عظيم الأثر عن سيدة
نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها بأن حديث المصطفى صلى الله
عليه وآله وسلم كان يعدل عندها سبطي هذه الأمة الحسن والحسين صلوات
الله وسلامه عليهم.
وكفى به دلالة على شرفه وتفاني بضعة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم من أجل الحفاظ على سلامته.
ثم نقل عن صاحب المعالم - قدس سره - ما يؤكد على اعطاء
الحديث حقه رواية ودراية، لأنه مدار أكثر الأحكام الشرعية. مع الثناء على
السلف الصالح الذين بذلوا ما في وسعهم لأجل تحقيق الغاية من وجود
الحديث الشريف.
ثم فصل المصنف دور العلماء في هذا الحقل، وأورد عن كشف
اللثام كلمة رائعة أوصى بها الفاضل الهندي - رحمه الله تعالى - إخوانه
العلماء والمجتهدين بهذا الخصوص.
مقدمة التحقيق 89

كما أورد عن غيره من العلماء ما يشحذ الهمم للتصدي إلى استخراج
الكنوز المودعة في الحديث الشريف.
ثم ختم المصنف الكلام عن شرف الحديث وأهمية ببث حزنه ولوعته
على افتقاره من يذاكره في هذا العلم الجليل وكأني به يقول:
أين الوجوه أحبها وأود لو أني فداها
أمسي لها متفقدا في العائدين ولا أراها
ثم عطف - رحمه الله تعالى - إلى شرح حاله فترجم لنفسه ترجمة
مجملة، ذكر فيها تاريخ ولادته، ودراسته ومشايخه ثم سفراته ورحلاته،
واختتم الكلام بتعداد مؤلفاته.
رحم الله تعالى شيخنا النوري، فقد كان - كما شهد تلامذته - صواما
قواما مخلصا لله في عمله، مجدا في أداء فرائضه، غزير الدمع من خشيته،
متشفعا بالنبي وآل بيته صلى الله عليهم وسلم.
هذا وقد وافق الفراغ من آخر كلمة في هذه الفائدة بقلمه الشريف اليوم
العاشر من ربيع الاخر في السنة التاسعة عشرة بعد الألف والثلاثمائة من
الهجرة الشريفة، ولم يمض طويلا هذا القلم المعطاء - بعد اكمال هذه
الخاتمة - إذ انتقل صاحبه إلى جوار الملك المنان في ليلة الأربعاء لثلاث
بقين من جمادى الآخرة لسنة عشرين بعد الألف والثلاثمائة من الهجرة
الشريفة.
تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
مقدمة التحقيق 90

منهجية التحقيق:
لله در من سمى المحدث النوري، (قده) بخاتمة المحدثين، فان
ما أجادت به يراعه المباركة لهي بحق تعد من أعظم ما سطرته يراع
العظماء من أمثاله. ولذلك كان العمل على خاتمة المستدرك من الصعوبة
بمكان وغير خجلين من الاقرار بذلك، بالإضافة إلى نقص النسخ الخطية
المتوفرة لدينا والتي تم العمل عليها.
وبعد:
فمن مميزات مؤسستنا منهجية العمل الجماعي، ولقد كان هذا المنهج
هو الأصل في عملنا مع ما للطاقات الفردية الضخمة المتوافرة من مساهمة
فعالة في صياغة هذا العمل ليخرج بهذه الحلة الفريدة نظرا لضخامته
وتنوعه.
فخاتمة المستدرك والتي تحتوي على (12) فائدة هي عبارة عن اثني
عشر منهجا مختلفا وكل واحدة منها تحتاج إلى جهد خاص وذوق متميز.
وقد تمت الإشارة إلى بعض الجهد المبذول في مقدمة الفوائد وما
تطلبته من امكانات في سبيل الوصول إلى عرضها ونشرها بما يتناسب مع ما لها من
مقام شامخ في نفوس طلبة العلوم. ولذلك لا يسعنا القول بأن العمل الذي
أنجز، يمكن حصره في لجان معينة وافراد خاصين نتيجة تشعبه وضخامته،
وعليه فقد تمت الاستفادة من كافة الطاقات المتاحة والتي بذلت جهدا مشكورا
. في التعاون معنا لانجاز هذا العمل.
مقدمة التحقيق 91

النسخ المعتمدة في تحقيق الكتاب:
1 - النسخة المحفوظة في مكتبة نصيري بطهران، وهي تشتمل على
الفوائد الأولى والثانية والثالثة فقط، جاء في آخرها. كتبه الحقير مهدي بن أبو
القاسم الحسيني الكاشاني، هذا وعلى هذه النسخة حاشية لصدر الأفاضل
(دانش) نصيري أميني، هكذا ذكر ذلك في أولها حفيده فخر الدين نصيري
أميني، وكذلك حاشية أخرى ليحيى بن محمد شفيع الأصفهاني، وتقع هذه
النسخة في 698 صحيفة من الحجم الوزيري.
2 - مخطوطة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام، وهي تحتوي
على الفوائد السادسة إلى الثانية عشرة، وهي بخط المصنف قدس
سره، وقد جاء في أولها:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لمه وصلى الله على محمد وآله آل الله
الفائدة السادسة.
وفي آخرها:
ووافق الفراغ من هذا المجلد أيضا يوم العاشر من ربيع الاخر يوم ولادة
سيدنا الامام الزكي أبي محمد الحسن بن علي الهادي صلوات الله عليهما
في السنة المباركة التي أخبر أهل الحساب بتوافق الأضحى والجمعة والنيروز
فيها السنة التاسعة عشرة بعد الألف وثلاثمائة بيد العبد المذنب المسئ حسين
ابن محمد تقي النوري الطبرسي حامدا مصليا مستغفرا.
أي قبل سنة واحدة من وفاته كما وانه جاء في الورقة الأولى عبارة هي:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي شرفني بزيارة هذه النسخة النفيسة
التي هي آخر أجزاء مستدرك الوسائل من تصنيف شيخنا العلامة النوري
طاب ثراه وهي بخط يده الشريفة في آخر عمره، فإنه توفي سنة 1320، حرره
مقدمة التحقيق 92

خادمه المجاز منه العبد الفاني الشهير بآقا بزرك الطهراني في (20 - ع 2 -
1380).
3 - المطبوعة الحجرية. وهي نسخة محفوظة في مكتبة العلامة الحجة السيد
عبد العزيز الطباطبائي نقل فيها جميع ما سبق لأستاذه الشيخ آقا بزرك الطهراني
إثباته من حواش وتعليقات على نسخته من خاتمة مستدرك الوسائل، وحيث
كان الطهراني - كما هو معروف - من التلامذة المختصين بالمحدث النوري
(قدس سره) والذي يعد من كبار الأساتذة المختصين والبارعين في هذا المضمار،
فأضفي على هذه النسخة أهمية متميزة عن غيرها من النسخ الحجرية الأخرى
- وقيمة أكبر لا تخفى على ذوي الاختصاص.
هذا ما توفر لدينا من نسخ لنخوض بها غمار العمل على خاتمة
المستدرك، وقد اعتمدنا صيغة تلفيقية في عملنا مع ما توفر بين أيدينا من
مصادر تعد قليلة بالنسبة إلى الكم الهائل الذي استفاد منه المصنف (قده)
في تأليفه لهذا السفر القيم، وإن كنا لم نأل جهدا في سبيل تهيئة كل ما
أمكن تهيئته من مصادر له.
وأخيرا نشكر كافة أصحاب السماحة والاخوة الأفاضل الذين عاضدونا
في إصدار هذا السفر العظيم وبهذه الحلة الجديدة والغي هي بحق مصداق
من مصاديق عمل خاتمة المحدثين قدس سره.
هذا وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
مقدمة التحقيق 93

الصفحة الأولى من نسخة الرضوية والتي هي بقلم الشيخ (قدس سره)
صور النسخ الخطية 94

الصفحة الأخيرة من نسخة الرضوية والتي هي بقلم الشيخ (قدس سره)
صور النسخ الخطية 95

خط الشيخ آغا بزرك الطهراني على ظهر النسخة الرضوية
صور النسخ الخطية 96

الصفحة الأولى من نسخة مكتبة فخر الدين نصيري
صور النسخ الخطية 97

الصفحة الأخيرة من نسخة مكتبة فخر الدين نصيري.
صور النسخ الخطية 98

خاتمة
مستدرك الوسائل
تأليف
المحدث الجليل
الميرزا الشيخ حسين النوري الطبرسي
المتوفى سنة 1320 ه‍
الجزء الأول
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
ما رنحت أعطافها في رياض الطروس عذبات الأقلام، ولا نسجت
ببنان لسانها مطارف تتشح بها غواني الكلام أشرف من حمد الله الذي لا زالت
آحاد الموجودات تشكر تواتر نعمائه، وتخبر بلسان فقر الحدوث عن مستفيض
آلائه، وتروي الرياض كمال قدرته بأصح الأسانيد عن عليل النسيم، وتحدث
مرسلات قطرات المزن عن متون الغمام باتصال فضله العميم، والصلاة على
نبيه ومضمر سره، الذي اجتباه عنوانا لصحيفة أحبائه، وخاتمة لدفتر أنبيائه (2)
وآله الذين جعل مقبول الطاعات موقوفا على محبتهم، ومرفوع الاعمال معلقا
على طاعتهم، صلاة لا تنقطع ما دامت المعضلات بأنامل الأفكار منحلة،
ومجاهيل الاحكام مستفادة من الأدلة.
وبعد: فقد نجز - بحمد الله تعالى وحسن توفيقه - كتاب (مستدرك
الوسائل) الحاوي لما خفي عن الأنام من أدلة الاحكام والمسائل، حتى عرف
صدق القائل:، (ترك للأواخر الأوائل)، وأصبح مصباحا تزاح بأنوار أخباره

(1) ورد هنا بعد البسملة - في الحجرية دون المخطوط -: وبه نستعين.
(2) في المخطوط والحجرية: أبنائه والظاهر هو ما أثبتناه.
3

غياهب الأوهام، ودستورا يرجع إليه في معرفة الحلال والحرام، ودليلا لرائد
الفكر إذا تاه في مجاهل الشبهات، وسبيلا قصدا إلى مستور الاخبار ومخفي
الروايات، وهاديا إلى كنوز من العلم لم تزل عن الابصار مخفية، وناشرا لاعلام
هداية لم تزل من قبل مطوية، وطلع في آفاق المفاخر بدرا كاملا بعد السرار (1)،
وعم نوره سائر الأمصار، وافتخر به هذا العصر على ما تقدمه من سائر الأعصار
، وأصبحت عيون الفضل به قريرة، ومسالك الأفهام به مستنيرة،
ورأي العلماء منه بالعيان، ما زعموا خروجه عن (2) حد الامكان، ونظروا إلى
درر متسقة، طالما اشتاقوا أن يروها ولو متفرقة.
ولما فاح مسك ختامه، ولاح كالبدر ليل تمامه، انتهى ميدان القلم إلى
استدراك للفوائد، وما خفي على الشيخ المصنف (3) رحمه الله من غوالي
الفرائد، فاشتمل - بحمد الله تعالى - كسابقه على فوائد جمة، ونفائس مهمة،
لم تنل لآليها من قبل كف غائص، ولا دنت من آرام (4) كناسها حبالة قانص
فكم من راو مجهول بين أبناء صنفه بينت فيها حاله، ومهجور لضعفه نبأت على
أنه في غاية الجلالة، ومشتبه شخصه وحاله يزول عنه الشك والريب، ومطعون
في دينه يظهر براءته عن وصمة العيب.
وكم من عالم ضاع اسمه في زوايا الخمول، ودرست من أبيات فضائله

(1) السرار: اختفاء القمر آخر ليلة من الشهر، لسان العرب 2: 682 مادة: سرر.
(2) في الحجرية: من.
(3) الشيخ الامام، العلامة المحقق، محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين الحر العاملي
المشغري، كان عالما، فاضلا، أديبا، فقيها، محدثا، بل من أجلة المحدثين، صنف العديد
من الكتب والرسائل وكان من أهمها وأشهرها " وسائل الشيعة ".
ولد في قرية مشغرة ليلة الجمعة ثامن شهر رجب المرجب سنة 11033 ه‍ وتوفى في المشهد
الرضوي على مشرفها السلام في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 1104 ه‍.
(4) الآرام: جمع رئم، وهو الظبي الأبيض الخالص البياض، انظر الصحاح 5: 1927 مادة:
رام.
4

الآثار والطلول، وأخمدت مصابيح فضائله إعصار الاعصار، وعادت رياض
مناقبه ذاوية الأزهار، أظهرت ما خفي من علمه، وجددت ما درس من رسمه،
حتى عاد منارا به يهتدى، وعلما به يقتدى.
وأصل من معظم الأصول، كان عند القدماء عليه المعول، لاغناء لهم
عنه ولا متحول، كان لهم عليه في العمل المدار، وفي اشتهار الصحة كالشمس
في رابعة النهار، أصبح في هذه الاعصار مجهول الانتساب والمقدار، وقابله أهله
بالرد والانكار، أعرصوا عنه مذ لم يعرفوه، وجهلوا حاله - أو حال مصنفه -
فأنكروه، فشيدت - بحمد الله تعالى - فيها أساس صحته، وأثبت علو قدر
مصنفه وجلالة رتبته.
وآخر محت آثاره شبهات الغافلين، وتشكيكات الجاهلين، جددت
معالمه الدارسة، وأحييت آثاره الطامسة، وأجبت عن تلك الشبهات الغثة،
والشكوك الرثة، حتى أضحت بريئة من تلك التهم، وانجاب عنه ذلك لغمام
المدلهم.
وبالجملة فهذه الدرر والفرائد، التي نظمتها في سلك واحد، جديرة بأن
تكون لأجياد غواني المعاني عقودا، ويفصل هذا السابري لأجسادها حللا
وبرودا، إذ كل فائدة منها فريدة عن غيرها ممتازة، وخريدة عن جاراتها منحازة
تستقل كل منها بنفسها، وتفوق على من سواها من جنسها، وكان من حقها أن
نجعل كل فائدة منها كتابا مستقلا، وموردا يروي ظمأ طلابها علا ونهلا،
ولكن صدنا عن ذلك ما عزمنا عليه من اتمام مستدرك الكتاب، وكراهة أن تبقى
مشيدات قصوره ناقصة البيوت والأبواب، والناظر في ذلك بالخيار: إن شاء
أبقاها على ما وقع عليه الاختيار، وان شاء جعلها عقودا مفصلة في نحور
الطروس، ونفائس تتنافس في رؤيتها النفوس، وأسأل الله أن يجعل نفعها عاما
لخصوص أولي الألباب، وأن ينفعني بها يوم الحساب.
5

الفائدة الأولى
7

في ذكر الكتب التي نقلت منها، وجمعت منها هذا المستدرك، مما لم يكن
عند الشيخ الجليل المتبحر صاحب الوسائل رحمه الله، أو كان ولم يعرف صاحبه
في وقت التأليف، وهي كثيرة نذكر عمدتها:
(1) كتاب الجعفريات: ويعرف في كتب الرجال بالأشعثيات، ويأتي وجه
التسمية بها.
(2) كتاب درست بن أبي منصور.
(3) أصل زيد الزراد.
(4) كتاب أبي سعيد عباد العصفري.
(5) كتاب عاصم بن حميد الحناط.
(6) أصل زيد النرسي.
(7) كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي.
(8) كتاب محمد بن المثنى.
(9) كتاب عبد الملك بن حكيم.
(10) كتاب المثنى بن الوليد الحناط.
(11) كتاب خلاد السدي.
(12) كتاب حسين بن عثمان بن شريك.
(13) كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي.
(14) كتاب سلام بن أبي عمرة.
(15) جزء من نوادر علي بن أسباط.
(16) مختصر كتاب العلاء بن رزين.
9

(17) كتاب المؤمن - أو ابتلاء المؤمن - للحسين بن سعيد الأهوازي.
(18) كتاب الديات لظريف بن ناصح.
(19) كتاب المسلسلات للشيخ أبي محمد جعفر بن أحمد القمي.
(20) كتاب المانعات من دخول الجنة له أيضا.
(21) كتاب الغايات له (أيضا).
(22) كتاب العروس في أعمال الجمعة له أيضا.
(23) كتاب القراءات لأحمد بن محمد السياري، ويعرف أيضا بكتاب التنزيل
والتحريف.
(24) كتاب إثبات الوصية للشيخ الجليل علي بن الحسين المسعودي.
(25) كتاب دعائم الاسلام للقاضي نعمان بن أبي عبد الله المصري.
(26) كتاب شرح الاخبار له أيضا.
(27) كتاب الاستغاثة لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي.
(28) كتاب الآداب والاخلاق له أيضا.
(29) كتاب النوادر للسيد الاجل ضياء الدين فضل الله بن علي الراوندي.
(30) كتاب روض الجنان - وهو التفسير الكبير - للشيخ أبي الفتوح الحسين بن
علي الخزاعي الرازي.
(31) رسالة تحريم الفقاع للشيخ أبي جعفر الطوسي.
(32) كتاب معدن الجواهر لأبي الفتح محمد بن علي الكراجكي.
(33) كتاب لب اللباب للشيخ الجليل هبة الله بن سعيد المعروف بالقطب
الراوندي.
(34) كتاب الدعوات له أيضا.
(35) كتاب فقه القرآن له أيضا.
(36) كتاب التمحيص لأبي علي محمد بن همام.
(37) كتاب الهداية للصدوق.
10

(38) كتاب المقنع له أيضا.
(39) كتاب نزهة الناظر لأبي يعلى الجعفري تلميذ الشيخ المفيد رحمه الله.
(40) كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى مولانا الصادق عليه السلام.
(41) صحيفة الرضا عليه السلام.
(42) الرسالة الذهبية لمولانا الرضا عليه السلام.
(43) كتاب الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام أيضا.
(44) كتاب فلاح السائل ونجاح المسائل للسيد رضي الدين علي بن طاووس،
وقد وصل إلينا الجزء الأول منه، وهو من مجلدات التتمات والمهمات.
(45) كتاب مشكاة الأنوار للمحدث الفاضل سبط أمين الاسلام الشيخ
الطبرسي صاحب مجمع البيان.
(46) رسالة في المهر للشيخ المفيد رحمه الله.
(47) المسائل الصاغانية له أيضا، وغيرها من الرسائل وأجوبة المسائل.
(48) كتاب عوالي اللآلي للشيخ الفاضل ابن أبي جمهور الأحسائي.
(49) كتاب درر اللآلي العمادية له أيضا.
(50) تفسير الشيخ الجليل محمد بن إبراهيم النعماني.
(51) كتاب جامع الأخبار المردد مؤلفه بين جماعة يأتي ذكر أساميهم.
(52) كتاب الشهاب للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي.
(53) مزار الشيخ محمد بن المشهدي.
(54) تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل حسن بن محمد بن الحسن القمي،
المعاصر للصدوق رحمه الله.
(55) الخصائص للسيد الرضي، جامع نهج البلاغة.
(56) سعد السعود للسيد رضي الدين علي بن طاووس.
(57) كتاب اليقين - أو كشف اليقين - له أيضا.
(58) كتاب التعازي للشريف الزاهد أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن
11

عبد الرحمن العلوي الحسني.
(59) كتاب المجموع الرائق للسيد الفاضل هبة الله بن أبي محمد الحسن
الموسوي.
(60) طب النبي صلى الله عليه وآله لأبي العباس المستغفري.
(61) مجاميع ثلاثة للشهيد الأول قدس الله روحه الزكية.
(62) كتاب كنوز النجاح للشيخ أبي علي صاحب مجمع البيان.
(63) كتاب عمدة الحضر له أيضا.
(64) كتاب صغير وجدناه في الخزانة الرضوية.
(65) كتاب غرر الحكم ودرر الكلم لعبد الواحد الآمدي.
وعندنا كتب أخرى قلما (1) رجعنا إليها، أشرنا إلى أساميها في محله.
وأما ما نقلنا عنه بتوسط كتاب بحار الأنوار فهو:
(أ) كتاب الإمامة والتبصرة للشيخ الجليل علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
(ب) كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي رحمه الله.
(ج) كتاب أعلام الدين في صفات المؤمنين للشيخ العارف أبي محمد الحسن بن
محمد الديلمي.
(د) كتاب قضاء حقوق المؤمنين للشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر
السوري.
(ه‍) كتاب مقصد الراغب للشيخ الحسين بن محمد بن الحسن المعاصر
للصدوق رحمه الله.
(و) كتاب مصباح الأنوار للشيخ هاشم بن محمد.
(ز) كتاب العدد القوية لدفع المخاوف اليومية، تأليف الشيخ الفقيه رضي الدين
علي بن يوسف بن مطهر الحلي، أخ العلامة رحمهما الله تعالى.

(1) في المخطوط والحجرية: فلما، وقد أثبتنا ما هو أنسب.
12

الفائدة الثانية
13

في شرح حال هذه الكتب ومؤلفيها
1 - أما الجعفريات:
فهو من الكتب القديمة المعروفة المعول عليها، لإسماعيل بن موسى بن
جعفر عليهما السلام.،
قال النجاشي في رجاله: إسماعيل ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي
ابن الحسين عليهم السلام، سكن مصر وولده بها، وله كتب يرويها عن أبيه عن
آبائه، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم،
كتاب الحج، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود،
كتاب الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا.
أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدثنا أبو محمد سهل بن أحمد بن
سهل، قال: حدثنا أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث بن محمد الكوفي بمصر
- قراءة عليه - قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهم
السلام، قال: حدثنا أبي بكتبه (1).
وقال الشيخ رحمه الله في الفهرست: إسماعيل بن موسى بن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سكن مصر

(1) كذا، والمصدر بطبعتيه خال. من التحية وهو الصحيح لوقوع المعصوم في عمود النسب.
(2) رجال النجاشي: 26 / 48.
15

ومولده (1) بها، له كتب عن أبيه عن آبائه مبوبه، منها: كتاب الطهارة، كتاب
الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب الجنائز، كتاب
الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب الدعاء، كتاب
السنن والآداب، كتاب الرؤيا.
أخبرنا (2) الحسين بن عبيد الله، قال. أخبرنا أبو محمد سهل بن أحمد بن
سهل الديباجي، قال: حدثنا أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث بن محمد
الكوفي بمصر - قراءة عليه - من كتابه، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن
موسى بن جعفر عليهم السلام، قال: حدثنا أبي إسماعيل (3).
وقال في رجاله: محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، يكنى أبا علي
ومسكنه بمصر في سقيفة جواد، يروي نسخة عن موسى بن إسماعيل بن موسى
ابن جعفر عليهما السلام، عن أبيه إسماعيل بن موسى، عن أبيه موسى بن
جعفر عليهما السلام، قال التلعكبري: أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ثلاث
عشرة وثلاثمائة (4).
وقال في ترجمة محمد بن داود بن سليمان: يكنى أبا الحسن يروي عنه
التلعكبري، وذكر أن إجازة محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي وصلت إليه على
يد هذا الرجل في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، قال: سمعت منه في هذه السنة

(1) جاء في هامش النسخة الحجرية منه قدس سره (كذا في نسخ الفهرست والظاهر أنه اشتباه.
والصحيح ما في النجاشي من أن ولده بها، وكيف يكون مولده. بمصر وأبوه عليه السلام حي
بالمدينة، وقد جعله في طبقات الناظرين في صدقاته).
نقول: أما في النسخة المطبوعة من الفهرست: " وولده " وهو يطابق ما في النجاشي المتقدم،
فلاحظ.
(2) في النسخة المطبوعة من الفهرست زيادة لفظ: بجميعها.
(3) فهرست الشيخ: 10 / 31. وفيه: عليه بدل عليهما. وتقدم أن لا مورد للتحية.
(4) رجال الشيخ: 500 / 63. وفيه: عليه السلام.
16

من الأشعثيات ما كان إسناده متصلا بالنبي صلى الله عليه وآله، وما كان غير
ذلك لم يروه عن صاحبه، وذكر التلعكبري أن سماعه هذه الأحاديث المتصلة
الأسانيد من هذا الرجل، ورواية جميع النسخة بالإجازة عن محمد بن
الأشعث، وقال ليس لي من هذا الرجل إجازة (1).
وقال النجاشي: سهل بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سهل الديباجي،
أبو محمد لا بأس به، كان يخفى أمره كثيرا، ثم ظاهر بالدين في آخر عمره، له
كتاب إيمان أبي طالب. أخبرني به عدة من أصحابنا، وأحمد بن عبد الواحد (2)
وقال العلامة طاب ثراه في الخلاصة بعد نقل كلام النجاشي إلى قوله:
آخر عمره وقال ابن الغضائري: كان يضع الأحاديث، ويروي عن المجاهيل
ولا بأس بما يروي عن الأشعثيات، وما يجري مجراها مما رواه غيره (3)، انتهى.
وقال الشيخ رحمه الله في رجاله: سهل بن أحمد بن عبد الله بن سهل
الديباجي، بغدادي كان ينزل درب الزعفراني ببغداد، سمع منه التلعكبري
سنة سبعين وثلاثمائة، وله منه إجازة ولابنه، أخبرنا عنه الحسين بن عبيد الله،
يكنى أبا محمد (4)، انتهى.
ولا يخفى أن مدح النجاشي، ورواية العدة والتلعكبري وابنه عنه، وعدم
إشارة الشيخ إلى ذم فيه، واعتماده (5) والنجاشي والحسين بن عبيد الله عليه في
الرواية عن الأشعثيات، وذكره بالكنية في مقام ذكر الطريق.
يوجب (6) الاعتماد، ويوهن كلام ابن الغضائري، وان استثنى روايته عن

(1)، المصدر السابق 504 / 75.
(2) وجال النجاشي: 186 / 493.
(3) رجال العلامة 81 / 4.
(4) رجال الشيخ: 474 / 3.
(5) أي الشيخ الطوسي.
(6) جواب لقوله (لا يخفى...) المتقدم قبل أسطر.
17

الأشعثيات فإن جلالة شأنهم، وعلو مقامهم، وتثبتهم، تأبى عن الرواية عن
الوضاع، وجعله شيخا للإجازة.
ويؤيده كلام جماعه من أصحابنا: كالشيخ محمد في شرح الاستبصار،
والشيخ عبد النبي في الحاوي (2)، وسميه الكاظمي في التكملة، بل نسبه فيها
إلى الأكثر (3)، والمجلسي (4)، وصاحب النقد (5)، وأستاذه خريت هذه الصناعة
المولى عبد الله التستري (6)، من أن المراد من ابن الغضائري صاحب الرجال،
هو أحمد الغير المذكور في الرجال، الذي صرح الجماعة بأنهم لم يقفوا فيه على
جرح ولا تعديل، بل قال في البحار: ورجال ابن الغضائري، وهو إن كان
الحسين فهو من أجلة الثقات، وإن كان أحمد - كما هو الظاهر - فلا اعتمد عليه
كثيرا، وعلى أي حال الاعتماد على هذا الكتاب يوجب رد أكثر أخبار الكتب
المشهورة (7)، انتهى.
وممن روى عن الأشعثيات بتوسط سهل علي بن بابويه (8) قدس سره كما

(1) عنوانه: استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار.
(2) الموسوم ب‍: حاوي الأقوال في معرفة الرجال للشيخ عبد النبي الجزائري المتوفى سنة 1021
هجرية، لا زال مخطوطا.
(3) تكملة الرجال 1: 126 - 131.
(4) بحار الأنوار 1: 41.
(5) نقد الرجال. 20 / 44 و 106 / 75.
(6) أنظر مجمع الرجال 1: 10.
(7) بحار الأنوار 1: 41.
(8) يبدو ان الشيخ المؤلف قدس سره اشتبه عليه الامر، كما اشتبه على الشيخ المجلسي قدس سره
في البحار من قبله.
إذ بعد البحث ثبت ان الروايات المقصودة والمشار إليها هي ما رواه جعفر بن أحمد بن علي
القمي وليس علي بن بابويه القمي.
وذلك لان المشار إليها من الأحاديث أخلاقية في الغالب والإمامة والتبصرة معلوم بحثه
وموضوعه من عنوانه.
18

يظهر من كتاب الإمامة والتبصرة له، وقد نقل عنه في البحار كثيرا، سيما في
كتاب العشرة، ووجدناه مطابقا لما في أصله (1).
ولا بعد في رواية علي بن بابويه عنه (2)، مع رواية الحسين - المتأخر عنه
بطبقتين - عنه أيضا، فإن وفاة علي في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وقد مر أن
التلعكبري سمع منه سنة سبعين وثلاثمائة، فلو كان عمره حينئذ ثمانين مثلا كان
في وقت وفاة علي في حدود الأربعين، وروايته عنه قبله بمدة غير مستبعد.
وممن روى هذا الكتاب عن محمد بن محمد بن الأشعث بتوسط سهل:
أبو عبد الله محمد بن الحسن التميمي البكري، كما يأتي في شرح حال كتاب
النوادر للسيد فضل الله الراوندي (3).
ثم اعلم أن جماعة أخرى رووا هذا الكتاب عنه غير سهل:

أضف ان النسخة التي كانت بيد العلامة المجلسي من الإمامة والتبصرة ملفقة منه وجامع
الأحاديث حيث سقط صفحة عنوان الجامع وبالتالي عزيت أحاديث الجامع إلى الإمامة مما نشأ
عنه ذلك، ولمزيد التوضيح راجع مستدرك الوسائل الجزء الأول صفحة 39 من مقدمة
التحقيق.،
هذا ومما يثير العجب ان العلامة النوري (ره) بنفسه شكك في صحة كون ما ينقل عنه
العلامة المجلسي (ره) بعنوان الإمامة والتبصرة هو نفس هذا الكتاب، ومما استند إليه في هذا
التشكيك وجود الرواية فيه عن سهل بن أحمد الديباجي وأن رواية عل بن بابويه عنه تنافي
طبقته، راجع الجزء الثالث صفحة 529 من الطبعة الحجرية.
(1) وراجع بحار الأنوار علي سبيل المثال 74: 80 / 80 و 400 / 44، وجامع الأحاديث: 11
(2) لكنه في الفائدة الثالثة في ترجمة الحادي عشر من المشايخ العظام الذين تنتهي إليهم السلسلة
في الإجازات، وهو علي بن بابويه القمي (ره): ذكر أن رواية عل ابن بابويه القمي (ره) عن
أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري والحسن بن حمزة العلوي و... وعن سهل بن أحمد
الديباجي تنافي طبقته، وهذا مناف لما أورده. هنا، نعم بعد أن ذكر المنافاة المذكورة قال: (وإن
أمكن التكلف في بعضها) ولعل مراده بالبعض روايته عن سهل أو أنها جزء من مراده، فيمكن
التكلف برفع المنافاة بين ما صدر عنه في المقامين.
(3) يأتي في الصفحة: 173.
19

1 - منهم: شيخ هذه الطائفة ووجهها أبو محمد هارون بن موسى
التلعكبري كما تقدم (1).
2 - ومنهم: الشيخ الجليل أبو المفضل الشيباني، قال رضي الدين علي
ابن طاووس في فلاح السائل: حدث أبو المفضل محمد بن عبد الله رحمه الله
قال: كتب إلي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي من مصر، يقول: حدثنا
موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام، وساق السند (2) (3)
والخبر موجود في أواخر هذا الكتاب.
3 - ومنهم: أبو الحسن علي بن جعفر بن حماد، قال العلامة في إجازته
الكبيرة لبني زهرة: ومن ذلك كتاب الجعفريات، وهي ألف حديث بهذا
الاسناد: عن السيد ضياء الدين فضل الله بإسناد واحد، رواها عن شيخه
عبد الرحيم، عن أبي شجاع صابر بن الحسين بن فضل الله بن مالك، قال:
حدثنا أبو الحسن علي بن جعفر بن حماد بن داين (4) الصياد بالبحرين، قال:
أخبرنا بها أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، عن أبي الحسن موسى
ابن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام.
4 - ومنهم: عبد الله بن المفضل، قال الشيخ رحمه الله في باب البينات
من التهذيب: عنه، عن عبد الله بن المفضل بن محمد بن هلال (4)، عن محمد

(1) تقدم في صفحة: 16، عند نقله كلام الشيخ في رجاله في ترجمة محمد ابن محمد بن
الأشعث الكوفي نقلا عن التلعكبري قال: أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ثلاث عشر
وثلاثمائة.
(2) ورد في الحجرية بعد السند زيادة: والمتن.
(3) فلاح السائل: 284، وانظر الأشعثيات: 248.
(4) كذا وفي بحار الأنوار 107: 132: رائق.
(5) كذا في النسخة المطبوعة من الاستبصار 3: 24 / 78، وفي التهذيب 6: 265 / 710 ورجال
النجاشي: 232 / 616: عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال.
20

ابن محمد بن الأشعث الكندي (1)، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، عن أبيه،
قال: حدثني أبي، (عن أبيه) عن جده، عن علي عليهم السلام... إلى
آخره.
ورواه في الاستبصار أيضا، إلا أن في جملة من نسخه عبد الله بن
المفضل، عن محمد بن هلال، عن محمد بن محمد (2)... إلى آخره.
5 - ومنهم: إبراهيم بن محمد بن عبد الله القرشي، ففي التهذيب: محمد
ابن أحمد بن داود، عن أبي أحمد إسماعيل بن عيسى بن محمد المؤدب، قال:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله القرشي، قال: حدثنا محمد بن محمد بن
الأشعث بمصر، قال: حدثنا أبو الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر
ابن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام (3)... إلى آخره، كذا في نسخة،
وفي نسخة محمد بن محمد بن هيثم بدل الأشعث.
وصرح الفاضل الأردبيلي في جامع الرواة: أنه سهو، لعدم وجوده في
كتب الرجال (4).
والخبر موجود في الكتاب كما رواه (5).
6 - ومنهم: أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد لله (6) - المعروف بابن

(1) جاء في هامش النسخة الحجرية منه قدس سره ما لفظه: كذا في نسخ التهذيب، ولعله
اشتباه، فان أحدا لم ينسب محمدا إلى كندة، وإنما صرحوا بكونه كوفيا، وكأن محمد بن أشعث
الكندي الخبيث المعروف خلج في. خاطره الشريف، فجرى القلم عل ما حضر فيه، وقد وقع
له (رحمه الله) مثل ذلك في إسحاق بن عمار من نسبته إلى الفطحية، بشرح لا يليق بالمقام.
(2) الاستبصار 3: 24 / 78، وما بين المعقوفين لم يرد في الحجرية.
(3) تهذيب الأحكام 6: 3 / 1.
(4) جامع الرواة 2: 187.
(5) الأشعثيات: 76.
(6) في المخطوط والحجري. أبو عبد الله محمد بن عبد الله. وهو خطأ والصحيح المثبت. لما يأتي بعد
21

السقا - كما هو موجود في أول النسخة التي وصلت إلينا، ففيه: أخبرنا القاضي
أمين القضاة أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد - قراءة عليه، وأنا حاضر أسمع.
قيل له: حدثكم والدكم أبو الحسن علي بن محمد بن محمد، والشيخ أبو نعيم
محمد بن إبراهيم بن محمد بن خلف الجمازي، قالا: أخبرنا الشيخ أبو الحسن
أحمد بن المظفر العطار، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن
عثمان - المعروف بابن السقا - قال: أخبرنا أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث
الكوفي من كتابه، سنة أربع عشرة وثلاثمائة، قال: حدثني أبو الحسن موسى بن
إسماعيل... إلي آخره (1).
ثم قد يذكر في أول السند فيقول: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد (2)،
والأغلب أن يبتدئ بمحمد، فيقول: أخبرنا محمد، حدثني موسى... إلى آخره.
7 - ومنهم. أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله (3)، قال العلامة
المجلسي قدس سره في الفصل الرابع من أول البحار: وكل ما كان فيه نوادر
الراوندي بإسناده، فهذا سنده نقلته كما وجدته: أخبرنا... إلى آخر ما يأتي في
شرح حال النوادر (4)، وقال في الحاشية في هذا المقام: أقول أخبار الأشعثيات
كانت مشهورة بين الخاصة والعامة، وقد جمع الشيخ محمد بن (محمد بن) (5)
الجزري الشافعي أربعين حديثا، كلها من تلك الأخبار المذكورة في النوادر بهذا
السند، قال في أوله: أردت جمع أربعين حديثا من رواية أهل البيت الطيبين

أسطر، وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 16: 251 / 252.
(1) الجعفريات: 2.
(2) الجعفريات: 66.
(3) في الحجرية والمخطوط: عبد الله بن أحمد بن عدي وهو خطأ والصحيح المثبت، إذ هو صاحب
الكامل في الضعفاء.
(4) بحار الأنوار 1: 54. ويأتي في صفحة 173، رقم (29).
(5) ما بين الأقواس لم يرد في الجعفريات.
22

الطاهرين عليهم السلام، - حشرنا الله في زمرتهم وأماتنا على محبتهم - من
الصحيفة التي ساقها الحافظ أبو أحمد بن عدي.
ثم قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله المقدسي، عن سليمان بن حمزة
المقدسي، عن محمود بن إبراهيم، عن محمد بن أبي بكر المديني، عن يحيى بن
عبد الوهاب، عن عبد الرحمن بن محمد، عن أحمد بن محمد الهروي، عن أبي
أحمد عبد الله بن أحمد بن عدي (1).
قال: وأخبرني أيضا أحمد بن محمد الشيرازي، عن علي بن أحمد
المقدسي، عن عمر بن معتمر، عن محمد بن عبد الباقي، عن أحمد بن علي
الحافظ، عن الحسن الحسيني الاسترآبادي، عن عبد الله بن أحمد بن عدي (2)،
عن محمد بن محمد بن الأشعث، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر
عليهما السلام، عن أبيه إسماعيل، عن أبيه موسى، عن آبائه عليهم السلام،
ثم ذكر أسانيد الاخبار بهذا السند (3) انتهى.
ومن الغريب بعد ذلك كله، ما ذكره الشيخ الجليل في جواهر الكلام في
كتاب الأمر بالمعروف، ما لفظه: وأغرب من ذلك كله استدلال من حلت
الوسوسة في قلبه، بعد حكم أساطين المذهب بالأصل المقطوع، وإجماع ابني
زهرة وإدريس - اللذين قد عرفت حالهما - وببعض النصوص الدالة على أن
الحدود للإمام عليه السلام خصوصا المروي عن كتاب الأشعثيات، لمحمد بن
محمد بن الأشعث - بإسناده عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم
السلام: (لا يصلح الحكم، ولا الحدود، ولا الجمعة إلا بالامام) (4) - الضعيف
سندا، بل الكتاب المزبور على ما حكي عن بعض الأفاضل، ليس من

(1، 2): تقدم ضبطه.
(3) النص في الجعفريات: 4 - 5
(4) الجعفريات: 22.
23

الأصول المشهورة، بل ولا المعتبرة، ولم يحكم أحد بصحته من أصحابنا، بل لم
تتواتر نسبته إلى مصنفه، بل ولم تصح على وجه تطمئن النفس بها، ولذا لم ينقل
عنه الحر في الوسائل، ولا المجلسي في البحار، مع شدة حرصهما - خصوصا
الثاني - على كتب الحديث، ومن البعيد عدم عثورهما عليه، والشيخ
والنجاشي، وإن ذكرا أن مصنفه من أصحاب الكتب، إلا أنهما لم يذكرا الكتاب
المزبور بعبارة تشعر بتعيينه، ومع ذلك فإن تتبعه وتتبع كتب الأصول يعطيان
أنه ليس جاريا على منوالها، فإن أكثره بخلافها، وإنما تطابق روايته في الا كثر
رواية العامة... إلى آخر (1)، انتهى موضع الحاجة، وفيه مواقع للنظر بل
التعجب.
أما أولا: فقوله رحمه الله: " ضعيف (2) سندا "، فإن الكتاب على ما زعمه
لمحمد بن الأشعث، وهو ثقة من أصحابنا، كما في رجال النجاشي
والخلاصة (3) والطريق إليه صحيح، كما عرفت.
والحق الذي لا مرية فيه أنه لإسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام
كما عرفت سابقا، وإنما وصل إلى محمد بن محمد بن الأشعث بتوسط ابنه
موسى، ومنه انتشر هذا الكتاب، وعرف بالأشعثيات.
ويعرف جلالة قدر إسماعيل وعلو مقامه - مضافا إلى التأمل (فيما) (4) في
ترجمته - ما ذكره الكشي في ترجمة صفوان بن يحيى، أنه مات في سنة عشر ومائتين
بالمدينة، وبعث إليه أبو جعفر عليه السلام بحنوطه وكفنه، وأمر إسماعيل بن
موسى عليه السلام بالصلاة عليه (5).

(1) جواهر الكلام 21: 397 - 398.
(2) كذا في المخطوط والحجرية، ولكن هناك في الحجرية استظهار: الضعيف.
(3) رجال النجاشي: 379 / (1031 ورجال العلامة 161 / 152.
(4) كذا، وفي الحجرية وردت ك‍: نسخة بدل.
(5) رجال الكشي 2: 792 / 961.
24

وفي الكافي: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، وعن
محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان. وعن محمد بن
يحيى، عن محمد بن الحسين جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن
الحجاج، أن أبا الحسن موسى عليه السلام بعث إليه بوصية أبيه، وبصدقته،
وساق الحديث (1).
وفيه: وجعل صدقته هذه إلى علي عليه السلام وإبراهيم، فإذا انقرض
أحدهما دخل القاسم مع الباقي منهما، فإذا انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع
الباقي منهما، فإذا انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما، فإذا انقرض
أحدهما فالأكبر ومن ولدي، فإن لم يبق من ولدي إلا واحد فهو الذي يليه، وزعم
أبو الحسن عليه السلام أن أباه قدم إسماعيل في صدقته عل العباس، وهو أصغر
منه (2).
وقال المفيد رحمه الله في الارشاد - بعد ذكر أولاد موسى عليه السلام -:
ولكل واحد من ولد أبي الحسن موسى عليه السلام فضل ومنقبة مشهورة (3).
وأما ابن إسماعيل أبو الحسن موسى، فقال الشيخ في الفهرست: موسى
ابن إسماعيل له كتاب الصلاة، وكتاب الوضوء رواهما عنه محمد بن محمد بن
الأشعث، وله كتاب جامع التفسير (4).
وقال النجاشي: موسى بن إسماعيل له كتاب جوامع التفسير، وله كتاب
الوضوء روى هذه الكتب محمد بن الأشعث (5).
ويظهر منهما أنه من العلماء المؤلفين، مع أنه في المقام من مشايخ

(1) الكافي 7: 53 / 8، مع بعض الاختلاف في السند.
(2) الكافي 7: 54 / 8.
(3) الارشاد 2: 246.
(4) فهرست الشيخ: 163 / 721.
(5) رجال النجاشي: 41 / 1091.
25

الإجازة، والنسخة معلومة الانتساب إلى أبيه إسماعيل، ولذا تلقاها الأصحاب
بالقبول كما عرفت من حال (1) الرواة والمحدثين، ورووها عن محمد بن الأشعث
من غير تأمل ونكير من أحد منهم، بل روى عنه هذه النسخة أيضا الثقة العين
محمد بن يحيى الخزاز، كما في المجلس الحادي والسبعين من أمالي الصدوق
قدس سره، قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا
أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: أخبرني محمد بن يحيى
الخزاز، قال: حدثني موسى بن إسماعيل، عن أبيه، عن موسى بن جعفر
عليهما السلام (2)، وساق الخبر، ثم قال: وبهذا الاسناد، وساق خبرين
آخرين كلها موجودة فيها (3).
ويروي عنه أيضا إبراهيم بن هاشم، كما في المجلس الرابع والخمسين
منه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا موسى بن إسماعيل
ابن موسى بن جعفر عليهما السلام (4)، وساق النسب والاسناد... إلى آخره.
ويروي عنه أيضا أحمد بن عيسى، ففي المجلس الأربعين منه: حدثنا
الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: حدثنا محمد بن أحمد
القشيري (5)، قال: حدثنا أبو الحريش أحمد بن عيسى الكوفي، قال: حدثنا
موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام (6)، وساق السند والمتن

(1) كذا وفي الحجرية: أحوال.
(2) أمالي الصدوق ة 376 / 6، 7، 8، والجعفريات: 182.
(3) المصدر السابق: 377 / 7 و 8 والجعفريات: 183.
(4) المصدر السابق: 277 / 21.
(5) ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3: 463 تحت رقم 7169 وقال: محمد بن أحمد بن حمدان
ابن المغيرة القشيري، أبو جمزي. وجاء في النسخة الحجرية (القرشي) وعن نسخة (القشيري)
ونحوه في المصدر، وعن نسخة (القشري).
(6) أمالي الصدوق: 189 / 10 والجعفريات: 176.
26

كما في الأصل الموجود، ومثله في المجلس الثالث والخمسين إلا أن فيه أحمد بن
عيسى الكلابي (1).
وفي أمالي أبي علي ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن الصدوق
قدس سرهم، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن حمران بن المغيرة القشيري، إلى آخر السند والمتن (2)
وأنت خبير أن رواية ثلاثة من الاجلاء الثقات، عن موسى - وهم: محمد
ابن الأشعث، وابن يحيى، وإبراهيم بن هاشم الذي صرح علي بن طاووس في
فلاح السائل بأنه من الثقات (3) بالاتفاق - مما يورث الظن القوي بكونه من
الثقات، ولعلنا نشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى، مضافا إلى كونه من
المؤلفين.
ومن الغريب ما في منتهى المقال، فإنه بعد نقل ما في الفهرست
والنجاشي كما نقلنا، قال: أقول: يظهر مما ذكراه أنه من العلماء الامامية
فتأمل (4)، فكأنه لم يعرفه وأنه سبط الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام،
واستظهر منهما كونه إماميا ثم تأمل فيه.
وأما ثانيا: فقوله: (حاكيا عن بعض الأفاضل أنه ليس من الأصول
المشهورة...) إلى آخره ففساده واضح بعد التأمل فيما ذكرناه، وليت شعري
أي كتاب من الرواة الأقدمين أشهر منه، وأي مؤلف لم ينقل منه، بل لم يذكروا
كتابا مخصوصا منه في طي الإجازات سواه.
وقال ابن طاووس في كتاب عمل شهر رمضان - المدرج في الاقبال.
فصل في تعظيم شهر رمضان (5) -: رأيت ورويت من كتاب الجعفريات وهي

(1) أمالي الصدوق: 268 / 2.
(2) أمالي الشيخ 2: 44.
(3) فلاح السائل: 158.
(4) منتهى المقال: 312.
(5) ورد عنوان الفصل في الاقبال باللفظ التالي: فصل في تعظيم التلفظ بشهر رمضان.
27

ألف حديث بإسناد واحد، عظيم الشأن، إلى مولانا موسى بن جعفر، عن
مولانا جعفر بن محمد، عن مولانا محمد بن علي، عن مولانا علي بن الحسين،
عن مولانا الحسين بن علي، عن مولانا علي (بن أبي طالب عليهم السلام، قال.
(لا تقولوا رمضان) الخبر. وهذا الحديث وقف فيه الاسناد في الأصل إلى مولانا
علي عليه السلام (1).
وقد روينا في غير هذا أن كل ما روي عن مولانا علي) (2) عليه السلام
فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله (3)، إنتهى.
ولا يخفى أن في قوله. عظيم الشأن، مدح عظيم لإسماعيل وابنه موسى
ومحمد بن الأشعث يقرب من التوثيق، فإنه في مقام مدح هؤلاء لا الذين فوقهم
صلوات الله عليهم. وقد مر ما ذكره العلامة في إجازته الكبيرة (4).
وقال شمس الفقهاء الشهيد قدس الله سره في البيان - في مسألة عدم
منع الدين من الزكاة - ما لفظه: والدين لا يمنع زكاة التجارة كما مر في
العينية، وإن لم يكن الوفاء من غيره، لأنها وإن تعلقت بالقيمة فالأعيان مرادة،
وكذا لا يمنع من زكاة الفطرة إذا كان مالكا مؤونة السنة، ولا من الخمس إلا
خمس الأرباح. نعم يمكن أن يقال: لا يتأكد اخراج زكاة التجارة للمديون،
لأنه نفل يضر بالفرض، وفي الجعفريات: من كان له مال، وعليه مال،
فليحسب ماله وما عليه، فإن كان له فضل مائتي درهم فليعط خمسه، وهذا
نص في منع الدين الزكاة.

(1) الجعفريات: 59.
(2) ما بين المعقوفين لم يرد في المخطوطة والظاهر أنه سقط لسهو من كاتبها، كما وان هذه. القطعة قد
وردت في الحجرية وكذلك المصدر، وقد أثبتناها في المتن لضرورتها.
(3) إقبال الاعمال: 3.
(4) لاحظ الإجازة الكبيرة في بحار الأنوار 107: 60 - 137،. وتقدم في صفحة 20.
28

والشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم منع الدين إلا بإطلاق الاخبار
الموجبة للزكاة (1)، انتهى.
وظاهره كما نسب إليه في المدارك (2) التوقف في هذا الحكم - الذي ادعى
العلامة عليه الاجماع في المنتهى (3)، كما حكي - لأجل الخبر المذكور، وهذا
ينبئ عن شدة اعتماده عليه، ولا يكون إلا بعد صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه،
وصحة سنده.
وقال في الذكرى: إذا لم نقل بوجوب التحليل فالأولى استحبابه
استظهارا، ولو مع الكثافة، لما رووه أن النبي صلى الله عليه وآله فعله،
وروينا في الجعفريات أنه صل الله عليه وآله قال: (أمرني جبرئيل عليه السلام
عن ربي أن أغسل فنكي عند الوضوء)، وهما جانبا العنفقة، أو طرف اللحيين
عندها، وفي الغريبين: مجمع اللحيين ووسط الذقن، وقيل: هما العظمان
الناشزان من الاذنين، وقيل: هما ما يتحركان من الماضغ، وعنه صلى الله عليه
وآله أنه كان ينضح غابته - وهي الشعر تحت الذقن - وأن عليا عليه السلام كان
يخلل لحيته.
وما مر - مما يدل على نفي التخليل - يحمل على نفي الوجوب، جمعا بين
الاخبار، وحينئذ بطريق الأولى استحباب إفاضة الماء على ظاهر اللحية طولا،
انتهى (4).
فانظر كيف سلك بأخبار الجعفريات سلوكه بما في الكتب الأربعة.

(1) البيان: 191 - 192، الجعفريات: 54، الخلاف 2: 108 (مسألة 125.
(2) مدارك الأحكام 5: 184.
(3) منتهى المطلب 1: 506.
(4) ذكرى الشيعة: 84، وفي النهاية 3: 476 الحديث باللفظ التالي: أمرني جبرئيل أن أتعاهد
فنيكي بالماء عند الوضوء، الغريبين: مخطوط، وأنظر الجعفريات: 18.
29

وقال رحمه الله: في نكت الارشاد في شرح الارشاد - في كتاب الصوم -:
فائدة نهى عن التلفظ بلفظ رمضان، بل يقال " شهر " في أحاديث من أجودها
ما أسنده بعض الأفاضل إلى الكاظم عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم
السلام: (لا تقولوا رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان) (1). ومراده الخبر الموجود
في الجعفريات (2)، كما لا يخفى على من نظر سائر أخباره في الوسائل، في باب
كراهة قول رمضان من غير إضافة إلى الشهر (3).
وعندي مجموعة شريفة كلها بخط الشيخ الجليل صاحب الكرامات
شمس الدين محمد بن علي الجباعي، جد شيخنا البهائي رحمه الله نقلها كلها
من خط شيخنا الشهيد طاب ثراه ومما فيها ما اختصره من هذا الكتاب
الشريف يقرب من ثلث هذا الكتاب، وكتب في آخر الأوراق التي فيها هذه الأخبار
: يقول محمد بن علي الجباعي. إلى هاهنا وجدت من خط الشيخ محمد
ابن مكي قدس سره من الجعفريات، على أني تركت بعض الأحاديث وأولها
ناقص، ولعل آخرها كذلك، وذلك يوم الاثنين سادس شهر ربيع الأول، سنة
اثنتين وسبعين وثمانمائة، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
وأما ثالثا: فقوله رحمه الله: (ولذا لم ينقل عنه الحر في الوسائل) فإن فيه
أنه من أين علم أن الكتاب كان عنده ولم يعتمد عليه؟ ولذا لم ينقل عنه، بل
المعلوم المتيقن أنه كغيره من الكتب المعتبرة لم يكن عنده، ولو كان لنقل عنه قطعا،
فإنه ينقل عن كتب هي دونه. بمراتب من جهة المؤلف، أو لعدم ثبوت النسبة
إليه، أو ضعف الطريق إليه، كفضل الشيعة للصدوق، وتحف العقول،

(1) نكت الارشاد: مخطوط.
(2) الجعفريات 54.
(3) وسائل الشيعة 10: 319.
30

وتفسير فرات، وإرشاد الديلمي، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى،
والاختصاص للمفيد.
بل ذكر في أمل الآمل (1) جملة من الكتب لم يعرف مؤلفها، ولذا لم ينقل
عنها، ولم يذكر هذا الكتاب مع أنه يتشبث في الاعتماد، أو النسبة بوجوه
ضعيفة، وقرائن خفية، ولو كان الكتاب عنده مع اعتماد المشايخ وتصريح
الأجلة، حاشاه أن يهمله ويتجافى عنه.
هذا كتاب جامع الأخبار لم ينقل عنه في الوسائل لجهله بمؤلفه، ثم بعده
عرفه ونسبه إلى صاحب المكارم، وينقل عنه في كتاب الرجعة وغيرها (2)، مع
أن هذه النسبة بمكان من الضعف، كما سنذكره إن شاء الله تعالى. مع أنه نقل
في كتاب الصوم - في (باب كراهة قول رمضان من غير إضافة) - عن السيد في
الاقبال الخبر الذي نقله عن الجعفريات، والمدح الذي ذكره (3) 5 فكيف يعتمد
عليه مع الواسطة، ولم يعتمد عليه بدونها؟ وكأنه رحمه الله تعالى زعم أن
الأشعثيات غير الجعفريات، فوقع في هذا المحذور، مع أن اتحادهما من
الواضحات لمن تأمل فيما نقلناه عنهم، وفي الكتاب، وفي نوادر السيد فضل
الله.
وأما رابعا: فقوله رحمه الله: (ولا المجلسي في البحار).. إلى آخره، فإنه قد
مر (4) كلامه رحمه الله في أمر هذا الكتاب، وقال أيضا في الفصل الثاني من
أول بحاره: (و (أما) (5) كتاب النوادر فمؤلفه من الأفاضل الكرام، قال الشيخ
منتجب الدين (في الفهرست) (6): علامة زمانه - إلى آخر ما يأتي (7)، ثم قال

(1) أمل الآمل 2: 364.
(2) الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: 28.
(3) وسائل الشيعة 10:. 320 / 135.
(4) تقدم في الصفحة: 24.
(5) زيادة من بحار الأنوار.
(6) زيادة من بحار الأنوار.
(7) يأتي في الصفحة: 324.
31

رحمه الله -: وأكثر أحاديث هذا الكتاب مأخوذ من كتاب موسى بن إسماعيل
ابن موسى بن جعفر عليهما السلام، الذي رواه سهل بن أحمد الديباجي، عن
محمد بن محمد بن الأشعث، عنه.
فأما سهل فمدحه النجاشي، وقال ابن الغضائري بعد ذمه: لا بأس بما
يروي عن الأشعثيات، وما يجري مجراها مما رواه غيره.
وابن الأشعث وثقه النجاشي وقال: يروي نسخة عن موسى بن
إسماعيل. وروى الصدوق في المجالس من كتابه بسند آخر هكذا: حدثنا
الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
محمد بن يحيى الخزاز، عن موسى بن إسماعيل، فبتلك القرائن يقوى العمل
بأحاديثه) (1) انتهى.
وأما خامسا: فقوله رحمه الله " ومن البعيد عدم عثورهما عليه " إذ لا بعد
فيه جدا، فإنه كان عند الثاني كتب كثيرة معتبرة لم تكن عند الأول، كما لا يخفى
على من راجع البحار والوسائل، وكان عند ميرلوحي المعاصر للمجلسي،
الساكن معه في أصبهان كتب نفيسة جليلة: ككتاب الرجعة لفضل بن
شاذان، والفرج الكبير في الغيبة لأبي عبد الله محمد بن هبة بن جعفر الوراق
الطرابلسي، وكتاب الغيبة للحسن بن حمزة المرعشي، وغيرها، ولم يطلع عليه
المجلسي رحمه الله مع كثرة احتياجه إليها، فإن لعدم العثور أسبابا كثيرة سوى
عدم الفحص، منها: ضنة صاحب الكتاب، كما في المورد المذكور، وهذا
الكتاب لم نجد من نقل عنه بعد الشهيد، كجملة من كتب أخرى كانت
عنده، وينقل عنها في الذكرى ومجاميعه التي سنشير إليها، ولو من الذين
لا يبالون في مقام النقل بالمآخذ، ويعتمدون على الكتب المجهولة، والمراسيل
الموجودة في ظهر الكتب، وبهذا يقوى الظن بعدم وجوده في تلك البلاد.

(1) بحار الأنوار 1: 36.
32

وأما نحن فعثرنا عليه في الكتب التي جاء بها بعض السادة من أهل
العلم من بلاد الهند، وكان مع قرب الإسناد، ومسائل علي بن جعفر عليه
السلام، وكتاب سليم في مجلد، والحمد لله على هذه النعمة الجليلة.
وأما سادسا: فقوله رحمه الله: " والشيخ والنجاشي.. " إلى آخره، فإن من
نظر إلى ترجمة محمد بن الأشعث، وإسماعيل بن موسى عليه السلام، وسهل
ابن أحمد، لا يشك أن الكتاب المذكور نسخة كان يرويها إسماعيل، عن آبائه،
ووصل إلى ابن الأشعث بتوسط ابنه موسى، ومنه تلقى الأصحاب، ولذا عرف
بالأشعثيات، فراجع ما نقلناه.
وليس لمحمد كتاب إلا كتاب في الحج، فيما روته العامة عن الصادق
عليه السلام، وإنما ذكروا في ترجمته أنه يروي هذه النسخة.
قال الشيخ رحمه الله في الرجال: محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي
يكنى أبا علي، ومسكنه بمصر، يروي نسخة عن موسى بن
إسماعيل... (1) إلى اخر ما تقدم، ولم يذكر له كتابا.
وفي رجال النجاشي - بعد الترجمة -: له كتاب الحج ذكر فيه ما روته
العامة عن جعفر بن محمد عليهما السلام (2). ولم يذكر غيره، وليس في هذا
الكتاب منه خبر فضلا عن توهم كونه هو.
ومما يوضح ما ذكرنا ما في فلاح السائل. للسيد علي بن طاووس قدس
سره، قال. وفي كتاب محمد بن محمد بن الأشعث بإسناده أن مولانا عليا عليه
السلام، قال: " ما رأيت إيمانا مع يقين أشبه منه بشك " (3).. إلى آخر ما في
الجعفريات (4) فلاحظ.

(1) رجال الشيخ الطوسي: 500 / 63.
(2) رجال النجاشي: 379 / 1031.
(3) فلاح السائل: 214.
(4) الجعفريات: 237.
33

وقال في جمال الأسبوع: ومن ذلك من كتاب رواية الأبناء عن الاباء،
رواية أبي علي بن محمد بن الأشعث الكندي الكوفي، من الجزء العاشر،
بإسناده عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: " من قرأ في دبر صلاة الجمعة " (1).. إلى آخر ما فيه.
وأما سابعا: فقوله رحمه الله: " فإن تتبعه وتتبع كتب الأصول).. إلى
آخره، فإنه من الغرابة بمكان إذ هو أحسن كتاب رأيناه من كتب الأصول ترتيبا
ووضعا، وجل متون أخباره موجود في الكتب الأربعة، وكتب الصدوق رحمه
الله، باختلاف يسير في بعضها، كما لا يخفى على من راجع كتابنا هذا،
والوسائل. وليس فيه ما يوافق العامة - ويجب حمله على التقية - إلا نزر يسير.
وفي الكتب الأربعة التي عليها تدور رحى مذهب الإمامية من سنخ هذه الأخبار
ما لا يحصى.
وهذا الكتاب لم يكن موجودا عنده يقينا، فكيف نسب إليه ما نسبه؟
ولعله من تتمة كلام هذا الفاضل الذي نسب إليه ما ينبئ عن غاية بعده عن
هذا الفن، بل الافتراء العظيم على هذا الكتاب الشريف، ولعمري لولا أن
إسماعيل هاجر إلى مصر، البعيدة عن مجمع الرواة، ونقلة الاخبار، لكان هذا
الكتاب من أشهر كتب الشيعة، ومع ذلك رأيت كيف تلقوه منة بالمسافرة،
والرسالة، والمكاتبة. وهذا واضح بحمد الله تعالى، ويزيده. توضيحا إنكار
العامة ذلك الكتاب، ونسبتهم ما فيه إلى الوضع لاشتماله على المناكير.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال: محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي
(أبو الحسن) (2) نزيل مصر، قال ابن عدي: كتبت عنه بها، حمله (شدة تشيعه
أن) (3)، أخرج إلينا نسخة قريبا من ألف حديث، عن موسى بن إسماعيل بن

(1) جمال الأسبوع: 419.
(2) زيادة من المصدر.
(3) في المخطوط والحجري: جملة، وما بين المعقوفين زيادة من المصدر.
34

موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن آبائه عليهم السلام،
بخط طري عامتها مناكير، فذكرنا ذلك للحسين بن علي بن الحسين
العلوي (1)، شيخ أهل البيت بمصر، فقال: كان موسى هذا جاري بالمدينة
أربعين سنة، ما ذكر قط أن عنده رواية، لاعن أبيه، ولا عن غيره.
فمن النسخة: أن النبي صلى الله وآله قال: (نعم الفص البلور)
ومنها (شر البقاع دور الأمراء الذين لا يقضون بالحق) ومنها (ثلاثة ذهبت
منهم الرحمة: الصياد، والقصاب، وبائع الحيوان) ومنها. (لا خيل أبقى من
الدهم، ولا امرأة كابنة العم " ومنها: " اشتد غضب الله من أهرق دمي
وآذاني في عترتي) وساق له ابن عدي عدة موضوعات.
قال السهمي: سألت الدارقطني، فقال. آية من آيات الله وضع ذلك
الكتاب - يعنى العلويات (2) - انتهى زخرف قوله، وصرف الوقت في رده
تضييع للعمر مع خروجه عن وضع الكتاب.
وأما ثامنا: ففي الكتاب المذكور خبر آخر، لعله أدل على المطلوب من
الخبر المذكور، ففيه بالسند المعهود، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
(ثلاثة إن أنتم فعلتموهن لم ينزل بكم بلاء: جهاد عدوكم، وإذا رفعتم إلى
أئمتكم حدودكم فحكموا فيها بالعدل) (3) الخبر.
والخبر الذي ذكره لا ينحصر مأخذه. في الأشعثيات، فقد رواه القاضي
نعمان المصري قدس سره في دعائم الاسلام، ويأتي ما يدل على الاعتماد عليه،
حتى عند ه رحمه الله. وأما حكم أصل المسألة فمحله الفقه.

(1) كذا وفي المصدر: " الحسين بن علي الحسيني العلوي " وفي هامش الصفحة عن بعض نسخ
الميزان: (بن علي بن الحسين العلوي). وذكره ابن حجر في لسان الميزان 5: 362 وقال (ابن
علي بن الحسين بن عمر بن علي بن الحسين بن علي العلوي).
(2) ميزان الاعتدال 4: 27 - 28.
(3) الجعفريات: 245.
35

هذا وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: إن أخبار هذا الكتاب كلها مروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله
، أو عن علي عليه السلام بالسند المتقدم، وقد ينتهي إلى السجاد، والباقر،
والصادق عليهم السلام في موارد قليلة. وفي الكتاب أخبار قليلة متفرقة بغير
طريق أهل البيت عليهم السلام رواها محمد بن الأشعث، بإسناده عن رسول
الله صلى عليه وآله، وفي آخره أيضا عشرون حديثا كذلك، والظاهر أن
طرقها عامية ألحقها بهذا الكتاب، وصرح في عنوان بعضها بأنه من غير طريق
أهل البيت عليهم السلام، وقد نقلناها ووزعناها على الأبواب تأسيا بصاحب
الوسائل، من نقله كل ما وجد في كتب الصدوق، وغيره، وإن كان تمام رجال
سنده. عامية مع أنها مما يتسامح فيه من الاحكام والآداب، أو له شواهد من
أخبار الأصحاب.
الثاني: إن جامع الكتاب ذكر تمام السند في كل خبر، إلا إنه تفنن في
المقامات.
ففي كتاب الطهارة، والصلاة والزكاة، والصوم، وقليل من الحج
هكذا: أخبرنا محمد، حدثني موسى، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر
ابن محمد عليهما السلام.. إلى آخره.
وفي كتاب الحج، والجهاد، والنكاح، والطلاق، والحدود، والديات،
وقليل من السير والآداب هكذا: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى
.. إلى آخره (1).
وفي باقيها: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال:
حدثني موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا أبي.. إلى آخره، وهكذا في كتاب

(1) هنا زيادة في الحجرية لم ترد في المخطوط هي: وفي جملة من أبواب كتاب السير والآداب هكذا:
وبإسناده. عن جعفر بن محمد عليهما السلام.. إلى آخره.
36

الجنائز، وكتاب الدعاء، وكتاب الرؤيا. وفي كتاب غير مترجم مثل كتاب السير
هكذا: وبإسناده.
ونحن أخرجنا الخبر منه كما وجدناه، متبركين بذكر تمام السند كما فيه،
إلا في بعض المواضع، فبعد ذكر خبر بسنده نقول: وبهذا السند.. إلى آخره.
الثالث: إنك تجد - بعد النظر في أبواب الوسائل، وما استدركناه - إن كثيرا مما
نقلناه. من هذا الكتاب مروي في الكتب الأربعة، بطرق المشايخ قدس سرهم
إلى النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، عن
آبائه عليهم السلام كما. فيه، ويظهر من هذا أن السكوني كان حاضرا في
المجلس الذي كان أبو عبد الله عليه السلام يلقي إلى ابنه الكاظم عليه السلام
سنة جده صلى الله عليه وآله بطريق (1) التحديث، فألقاه إلى ابنه إسماعيل على
النحو الذي تلقاه، وهذا مما ينبئ عن علو مقام السكوني عنده. عليه السلام،
ولطفه به، واختصاصه بهذا التشريف، ويضعف جعل أسلوب رواياته قرينة
على عاميته فإنها - عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام - وهذا ظاهر
على المنصف البصير، ولا ينبئك مثل خبير.
* * *

(1) في المخطوطة: بطرق.
37

2 - وكتاب درست:
وأخواته، إلى جزء من نوادر علي بن أسباط، وجدناها مجموعة منقولة
كلها من نسخة عتيقة صحيحة بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي، وهو
نقلها من خط الشيخ الجليل محمد بن الحسن القمي، وكان تأريخ كتابتها سنة
أربع وسبعين وثلاثمائة، وذكر أنه أخذ الأصول المذكورة من خط الشيخ الأجل
هارون بن موسى التلعكبري، وهذه النسخة كانت عند العلامة المجلسي قدس
سره، كما صرح به في أول البحار (1) ومنها انتشرت النسخ، وفي أول جملة منها
وآخرها يذكر صورة النقل (2).
أما كتاب درست: فهو ساقط من أوله، وفي آخره: تم كتاب درست،
وفرغت من نسخه من أصل أبي الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن أيوب
القمي أيده الله سماعا له عن الشيخ أبي محمد هارون بن موسى بن أحمد
التلعكبري أيد الله بالموصل، في يوم الأربعاء، لثلاث ليال بقين من ذي
القعدة، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على
محمد واله وسلم تسليما.
ودرست هذا رمي بالوقف، وفي رجال النجاشي: درست بن أبي منصور
محمد الواسطي، روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن عليهما السلام، ومعنى
درست أي صحيح. له كتاب يرويه جماعة: منهم سعد بن محمد الطاطري عم
علي بن الحسن الطاطري، ومنهم محمد بن أبي عمير.
أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال. حدثنا

(1) بحار الأنوار 1: 43.
(2) هنا زيادة في الحجرية هي: المذكور.
38

حميد بن زياد، قال: حدثنا محمد بن غالب الصيرفي، قال: حدثنا علي بن
الحسن الطاطري، قال: حدثنا عمي سعد بن محمد أبو القاسم، قال: حدثنا
درست بكتابه.
وأخبرنا محمد بن عثمان، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثنا عبيد الله
ابن أحمد بن نهيك، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن درست بكتابه (1).
وقال الشيخ في الفهرست: درست الواسطي له كتاب، وهو ابن أبي منصور،
أخبرنا بكتابه أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير القرشي، عن أحمد
ابن عمر بن كيسبة، عن علي بن الحسن الطاطري، عن درست.
ورواه حميد، عن ابن نهيك، عن درست (2).
وظاهر النجاشي أن علي بن الحسن يروي عنه بتوسط عمه. وصريح
الشيخ رحمه الله أنه يروي عنه بلا واسطة، ويؤيد الأخير ما في الاستبصار، في
باب الطيب من أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه، روايته عنه بعنوان علي
الجرمي (3).
وفي التهذيب في باب ما يجب على المحرم اجتنابه (4)، وفيه في باب
الطواف قريبا من آخره روايته عنه بعنوان الطاطري (5)، وفيه في باب الكفارة
عن خطأ المحرم، روايته عنه مرتين بعنوان علي بن الحسن الجرمي (6).

(1) رجال النجاشي: 162 / 430.
(2) فهرست الشيخ: 69 / 278.
(3) الاستبصار 2: 178 / 592.
(4) التهذيب 5: 298 / 8 100.
(5) التهذيب 5: 139 / 259.
(6) التهذيب 5: 351 / 1220. أما الحديث الثاني الذي أشار إليه المصنف قدس سره في
التهذيب 5: 342 / 1186 (1 في النسخة المطبوعة بواسطة محمد، ولعل المصنف اعتمد نسخة
من التهذيب خالية من هذه الواسطة والله أعلم بالصواب.
39

ثم لا يخفى أنه يروي عنه غير هؤلاء جماعة من أجلاء الرواة، والمشايخ
الثقات.
كنضر بن سويد. في التهذيب في باب ضروب الحج (1)، وفي الكافي في
باب ثواب المرض (2)، وفي باب تعجيل عقوبة الذنب (3)، وفي الاستبصار في
باب أن التمتع فرض من نأى عن الحرم (4)، وفي الكافي في باب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر (5).
والحسن بن علي الوشا: في مشيخة الفقيه (6)، وفي الكافي في باب
التقية (7). وفي التهذيب في باب العتق (8)، وفي الاستبصار في باب الرجل
يعتق عبدا له وعلى العبد دين بعنوان الحسن بن علي (9)، والظاهر أنه الوشا
بقرينة ما في الفقيه (10).
وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي: في الكافي في باب ثواب المرض (11)
وفي التهذيب في باب الصيد والذكاة (12).

(1) التهذيب 5: 26 / 77.
(2) الكافي 3: 114 / 6.
(3) ا المصدر السابق 2: 323 / 11.
(4) الاستبصار 2: 151 / 495.
(5) الكافي 5: 58 / 8.
(6) من لا يحضره الفقيه 4: 78.
(7) الكافي 2: 173 / 8.
(8) التهذيب 8: 248 / 895.
(9) الاستبصار 4: 20 / 629.
(10) من لا يحضره الفقيه 4: 78.
(11) الكافي 3: 114 / 7.
(12) النسخة المطبوعة من التهذيب (في الباب المذكور) خالية من رواية البزنطي عن درست،
ولعله من سهو قلم المصنف، والله أعلم بالصواب. وسبب السهو أنه نقل في جامع الرواة
رواية البزنطي عن درست في الكافي في باب ثواب المرض. ثم قال: أحمد بن محمد بن عيسى
عن محمد بن علي عنه في التهذيب في باب الصيد والذكاة. نسبه المصنف إلى البزنطي.
40

وإسماعيل بن مهران: في الكافي في باب الصبر (1)، وفي باب أن الميت
يزور أهله (2)، وفي باب بعد باب أرواح المؤمنين (3)، وفي التهذيب في باب
القود بين الرجال والنساء (4).
و عبد الله بن بكير: في التهذيب في باب ديات الأعضاء (5)، وفي الكافي
في باب مولد النبي صلى الله عليه وآله (6).
وجعفر بن محمد الأشعري: في الكافي في كتاب العقل والجهل (7).
والحسن بن محبوب: في الكافي في باب مجالسة العلماء (8).
وعلي بن معبد: فيه في باب المشيئة والإرادة (9).
والحسين بن زيد: فيه في باب البيان والتعريف من كتاب التوحيد (10).

(1) الكافي 2: 74 / 13.
(2) الكافي 3: 230 / 4.
(3) الكافي 3: 244 / 3.
(4) التهذيب 10: 186 / 732.
(5) التهذيب 10: 261 / 1031.
(6) النسخة المطبوعة خالية من هذا السند في الباب المذكور والله أعلم بالصواب، هذا وفي
جامع الرواة: رواية عبد الله بن بكير عنه في التهذيب في باب ديات الأعضاء. علي بن المعلى
عن أخيه محمد عنه في الكافي في مولد النبي صلى الله عليه وآله.
والظاهر سقوط (علي بن المعلى عن أخيه محمد) من نسخة المحدث النوري (ره) من جامع،
الرواة التي يعتمد عليها في نقل موارد الرواية.
(7) روى الشيخ الكليني في الكافي في الباب المذكور الحديث عن جعفر بن محمد الأشعري عن،
عبيد الله الدهقان عن درست كما في النسخة المطبوعة، 1: 18 الحديث 17. ولكن الأردبيلي
في جامع الرواة 1 / 311 في ترجمة درست قال عنه جعفر بن محمد الأشعري في الكافي في باب
العقل والجهل.
(8) الكافي 1: 31 / 2.
(9) الكافي 1: 117 / 5.
(10) الكافي 1: 125 الحديث، الأول، وقد وضع في النسخة المطبوعة تحت عنوان (باب اختلاف
الحجة على عباده).
41

وأبو شعيب المحاملي: فيه في باب حجج الله على خلقه (1).
ومحمد بن معلى: فيه في مولد النبي صلى الله عليه وآله (2).
وأمية بن علي القيسي: فيه أيضا (3).
وزياد القندي: في الكافي في باب القنوت في الفريضة (4)، وبعد حديث
نوح عليه السلام من كتاب الروضة (5)
ومحمد بن إسماعيل: في التهذيب في باب الزيادات في فقه الحج (6)، وفي
الاستبصار في باب المرأة الحائض متى تفوت متعتها (7)، وفي الكافي في باب ما
يجب على الحائض من أداء المناسك (8).
وعلي بن أسباط: في التهذيب في باب الزيادات في فقه الحج (9)، وفي
الاستبصار في باب ما يجب على الحائض من أداء المناسك (10).
وسلمة بن الخطاب. في التهذيب في الباب المذكور (11)، وفي الاستبصار
في باب المرأة الحائض متى تفوت متعتها (12) (13)

(1) الكافي 1: 125 الحديث الأول.
(2) الكافي 1: 372 / 27.
(3) الكافي 1: 370 / 18.
(4) الكافي 3: 340 / 15.
(5) روضة الكافي: 272 / 405.
(6) التهذيب 5: 391 / 1368.
(7) الاستبصار 2: 312 / 1109.
(8) الكافي 4: 446 / 2.
(9) التهذيب 5: 394 / 1374.
(10) الاستبصار 2: 314 / 1115، في باب المرأة الحائضة متى تفوت متعتها
(11) التهذيب 5: 392 / 1369.
(12) الاستبصار 2: 312 / 1110.
(13) ورد هنا في الحجرية زيادة: وفي الكافي في باب ما يجب على الحائض من أداء المناسك.
42

وابن رباط: في الكافي في باب ما يجب على الحائض من أداء
المناسك (1).
ويوسف بن علي: فيه في باب شارب الخمر (2).
و إبراهيم بن محمد بن إسماعيل: فيه في باب أن الفرائض لا تقام إلا
بالسيف (3).
وواصل بن سليمان: فيه في باب الشواء من أبواب الأطعمة (4).
وأبو يحيى الواسطي: فيه في باب طبقات الأنبياء والرسل (5).
وأبو عثمان: فيه في باب البصل (6).
وهؤلاء جماعة وجدنا روايتهم عن درست في الكتب الأربعة، وفيهم:
ابن أبي عمير، والبزنطي، اللذان لا يرويان إلا عن ثقة، وفيهم من الذين
أجمعت العصابة على تصحيح أخبارهم، أربعة: هما (7)، والحسن بن محبوب،
و عبد الله بن بكير.
ويأتي في شرح أصل النرسي أن الاجماع المذكور من أمارات الوثاقة.
وفيهم من الثقات الاجلاء غيرهم جماعة: كالوشاء، وابن سويد، وابن
نهيك، وابن مهران، وابن معبد الذي يروي عنه صفوان بن يحيى، والحسين
ابن زيد، وأبو شعيب المحاملي، وابن أسباط، وإبراهيم بن محمد بن إسماعيل،
وسعد بن محمد الذين يروي عنهم علي الطاطري، وقد قال الشيخ قدس سره:

(1) الكافي 4: 446 / 3.
(2) الكافي 6: 398 / 12.
(3) الكافي 7: 77 / 2.
(4) الكافي 6: 319 / 5.
(5) الكافي 1: 133 / 1
(6) الكافي 6: 374 / 4.
(7) أي ابن أبي عمير والبزنطي.
43

إن الطائفة عملت بما رواه الطاطريون (1).
وبعد رواية هؤلاء عنه لا يبقى ريب في أنه في أعلى درجة الوثاقة، ورواياته
مقبولة، وكتابه معتمد، وقد تأمل في التعليقة في وقفيته (2)، ولعله في محله ولا حاجة
لنا إلى شرحه.
* * *

(1) انظر عدة الأصول 1: 381.
(2) تعليقة الوحيد، 138، ضمن منهج المقال.
44

3 - وأما أصل زيد الزراد:
فأوله في النسخة الموجودة هكذا: حدثنا أبو محمد هارون
ابن موسى بن أحمد التلعكبري، قال. حدثنا أبو علي محمد بن همام،
قال: أخبرنا حميد بن زياد بن حماد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن نهيك
أبو العباس، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن زيد الزراد، قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول:... الخبر، ثم ساق الاخبار مصدرة بزيد عنه
عليه السلام.
وفي رجال النجاشي: زيد الزراد كوفي، روى عن أبي عبد الله عليه
السلام، له كتاب.
أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثنا أبي
وعلي بن الحسين بن موسى، قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال. حدثنا
محمد بن عيسى بن عبيد، عن ابن أبي عمير، عن زيد، بكتابه (1).
وفي الفهرست. زيد النرسي، وزيد الزراد، لهما أصلان لم يروهما محمد
ابن علي بن الحسين بن بابويه، وقال في فهرسته: لم يروهما محمد بن الحسن بن
الوليد، وكان يقول: هما موضوعان، وكذلك كتاب خالد بن عبد الله بن سدير،
وكان يقول: وضع هذه الأصول محمد بن موسى الهمداني، وكتاب زيد النرسي
رواه ابن أبي عمير، عنه (2).
وقال العلامة قدس سره في الخلاصة - بعد نقل ما في الفهرست -. وقال
ابن الغضائري: زيد (الزراد) (3) كوفي، وزيد النرسي رويا عن أبي عبد الله

(1) رجال النجاشي: 175 / 461.
(2) فهرست الشيخ الطوسي: 71 برقم 289 و 290.
45

عليه السلام، وقال أبو جعفر ابن بابويه: إن كتابهما موضوع، وضعه محمد بن
موسى السمان، قال: وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإني رأيت كتبهما مسموعة
عن محمد بن أبي عمير.
والذي قاله الشيخ (عن) (1) ابن بابويه رحمه الله، وابن الغضائري قدس
سره لا يدل على طعن في الرجلين، فإن كان توقف ففي رواية الكتابين، ولما لم
أجد لأصحابنا تعديلا لهما، ولا طعنا فيهما توقفت في (2) روايتهما (3)، انتهى.
ولا يخفى أن عطف ابن الغضائري على ابن بابويه في غير محله، فإنه
نسبه إلى الخطأ، وصرح بسلامة (4) الكتاب عن هذه النسبة، وأنه من الأصول
المعتمدة، فكيف يجعل كلامه طعنا في الكتاب؟.
واعلم أن الكلام في حال زيد الزراد وأصله يأتي مفصلا في حال زيد
النرسي وأصله، لاشتراكهما في جملة من الكلمات، غير أنا نذكر بعض ما يختص
به هنا فنقول:
كلام النجاشي صريح في أنه من أصحاب الأصول، لقوله - في
أول الترجمة -: روى عن أبي عبد الله عليه السلام (5) وهذا دأبه في ترجمة
أصحاب الأصول، كما لا يخفى على من تأمل فيه. وسنده إليه صحيح على
الأصح، فإنه ليس فيه من يتوقف فيه إلا إبراهيم بن هاشم (6)، وقد قال السيد

(1) زيادة من الخلاصة.
(2) في المصدر: عن قبول).
(3) الخلاصة: 222 برقم 4.
(4) هنا زيادة في الحجرية هي هذا.
(5) رجال النجاشي: 175 / 461.
(6) يبدوان الكلام عن إبراهيم بن هاشم لا مورد له لعدم وروده في شئ من المصادر المتقدمة
كالنجاشي - ولدينا ثلاث طبعات منه - والفهرست والخلاصة، نعم ورد ذكر لعلي بن إبراهيم
ابن هاشم ولم يتوقف أحد في وثاقته، فلاحظ.
46

علي بن طاووس قدس سره في فلاح السائل - بعد نقل حديث عن أمالي
الصدوق رحمه الله في سنده إبراهيم ما لفظه -: ورواة الحديث ثقات
بالاتفاق (1).
ومحمد بن عيسى يأتي في النرسي أن الأصح توثيقه.
ومما يستغرب أن علي بن بابويه قدس سره، شيخ مشايخ القميين،
يروي الأصل المذكور، وولده الصدوق قدس سره لا يعول عليه في روايته له،
المنبئة عن اعتماده عليه، ويقلد شيخه ابن الوليد فيما نسب إليه. وأغرب من
هذا أنه مع ما نسب إليه يروي من الأصل المذكور بالسند المتقدم.
ففي معاني الأخبار: أبي قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن
محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد الزراد (2)، عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال، قال أبو جعفر عليه السلام: (يا بني اعرف منازل الشيعة
على قدر روايتهم ومعرفتهم، فإن المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات
للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الايمان، إني نظرت في كتاب علي عليه
السلام فوجدت في الكتاب أن قيمة كل امرئ وقدره معرفته، إن لله تبارك
وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا) (3)، وكأنه
رجع عما توهمه تبعا لشيخه.
وروى عنه أيضا ثقة الاسلام في الكافي، بسند صحيح بالاتفاق، في
باب شدة ابتلاء المؤمن، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن ابن محبوب، عن زيد الزراد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال

(1) فلاح السائل: 158.
(2) في النسخة المطبوعة من معاني الأخبار: بريد الرزاز، وفي البحار عن المعاني: يزيد الرزاز،
والظاهر كونهما من سهو النساخ.
(3) معاني الأخبار: 1 - 2 / 2 أصل زيد الزراد: 3.
47

رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء فإذا أحب
الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند الله الرضا، ومن سخط البلاء
فله عند الله السخط) (1).
وأما السند الموجود في أول هذا الأصل، فهو أيضا في غاية القوة
والاعتبار، فإن كلهم من المشايخ العظام وإن رمي حميد بن زياد بالوقف، إلا
أنهم قالوا فيه - مضافا إلى التوثيق -: عالم، جليل، واسع العلم، كثير
التصانيف (2).
وفي رسالة أبي غالب أحمد بن محمد الزراري إلى ولد ولده: وسمعت من
حميد بن زياد، وأبي عبد الله بن ثابت، وأحمد بن رباح، وهؤلاء من رجال الواقفة
إلا أنهم كانوا فقهاء، ثقات، كثيري الدراية (3).
فظهر بما ذكرنا: أن زيد الزراد ثقة، وأن كتابه من الأصول، وأن المشايخ
اعتمدوا عليه، وخلاصته وجوه:
الأول: رواية ابن أبي عمير عنه، ولا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة.
الثاني. رواية الحسن بن محبوب عنه، وهو من أصحاب الاجماع، وعلى
المشهور يحكم بصحة ما رواه وقد صح السند إليه، وعلى الأقوى هو من
أمارات الوثاقة، كما يأتي في النرسي وفاقا للعلامة الطباطبائي قدس سره.
الثالث: رواية المشايخ الأجلة عنه، وعن كتابه: كالكليني، والصدوق،
ووالده، والتلعكبري، وغيرهم ممن روى كتابه، أو نقل حديثه في كتابه الذي
ضمن صحته.
الرابع: عد كتابه من الأصول، ويأتي أنه لا يصير أصلا إلا بعد كونه

(1) الكافي 2: 197 / 8.
(2) قاله الشيخ الطوسي في رجاله: 463 / 16، وانظر الفهرست: 60 / 228 ورجال النجاشي:
132 / 339.
(3) رسالة أبي غالب الزراري: 40.
48

معتمدا معولا عليه عند الأصحاب.
الخامس: إن النجاشي - وهو المقدم في هذا الفن - ذكره ولم يطعن عليه،
وذكر كتابه والطريق إليه، والذي عليه المحققون أن هذا ينبئ عن مدح
عظيم.
قال السيد المحقق الكاظمي قدس سره في عدته - في جملة كلام له -:
وهنا دقيقة غفل عنها أكثر الناس، وهي أنهم إذا أرادوا أن يعرفوا حال راو من
الرواة عمدوا إلى كتب الرجال، فما وثقه أهل الرجال أو مدحوه حكموا بوثاقته
ومدحه، وما ضعفوه أو قدحوه حكموا بضعفه وقدحه، و (ما) (1) لم يتعرضوا له
بمدح ولا قدح حسبوه في عداد المجاهيل، وعدوا الرواية بمكانه مجهولة،
وأسقطوها عن الاعتبار، إلا أن ينضم إليها ما يقومها، وعلى هذا بنى العلامة
المجلسي قدس سره أمره في الوجيزة.
وأصحاب التحقيق: إن عد الرجل في جملة أصحاب الأئمة عليهم
السلام والرواة عنهم وحملة أخبارهم، مما يدل على كونه إماميا، ويفيده نوعا من
المدح.
أما الأول: فلما مر في الفائدة، من جريان عادة أهل الرجال على عدم
التعرض لبيان مذهب الراوي، إذا لم يعرف منه إلا المذهب، إلا أن يكون محل
ريبة، وأنهم متى عثروا منه على وصمة، أو انحراف، نادوا عليه بذلك وشهروه
ليعرف، وخاصة في الأصول الأربع (2).
أتراهم جهلوا حال المسكوت عنه (3)، ونحن نعلم فيما لا يحصى أنهم

(1) لم ترد في المخطوطة.
(2) ورد هنا زيادة في الحجرية وقد أشير إلى زيادتها في المخطوطة وهي: أي رجال الكشي والنجاشي
ورجال الشيخ والفهرست.
(3) (عنه) لم ترد في المخطوطة.
49

إماميون؟!.
وأما الثاني: فلا ريب أن انضمام الرجل إلى حملة الشريعة، وعلمائها
فضلا عن الأئمة عليهم السلام، وتناوله منهم، وروايته عنهم، مما يدل على
حسن حاله، بل ربما جعل ذلك طريقا إلى تعرف العدالة، فما ظنك بأصحاب
الأئمة عليهم السلام، ورواتهم، وخاصة إذا بلغت بهم المحافظة على أحكام
الشريعة، وما يتلقونه عن أربابها إلى تأليف الكتب، وجمع الصحف، حتى
صارت دفاترهم مرجعا للعلماء، يتدارسونها مدى الأيام.
وقد أشار المفيد رحمه الله إلى مثل هذا في الرسالة التي عملها في أمر
شهر رمضان - ردا على الصدوق عند ذكر الرواة ومدحهم - حيث قال: وهم
أصحاب الأصول المدونة (1)، فإن عدهم في العلماء، وتلقي العلماء عنهم سيما
الاجلاء، وبذل الجهد، وتحمل المشاق، ومقاساة مرارات التقية في التحصيل،
وشد الرحال إلى أرباب العلم في أطراف البلاد، وجمع الكتب في أسمائهم
وأحوالهم، وهي كتب المشيخة، كما وقع لداود بن كورة، وغيره، فدلالة ذلك
على حسن الحال، بل علو الطبقة مما لاخفاء فيه.
ثم أني رأيت الأستاذ قدس سره العلامة البهبهاني طاب ثراه يحكي عن
بعضهم أنه كان يعد ذكر أهل الرجال للراوي من دون طعن سببا لقبول
روايته، ويشير بذلك إلى (2) قول الشهيد قدس سره في الذكرى، في مبحث
الجمعة، في الحكم بن مسكين (3) إن ذكره غير قادح، ولا موجب للضعف، لان
الكشي رحمه الله ذكره ولم يطعن عليه (4) ثم تأمل في ذلك، جعل يتأول عليه (5)،

(1) الرسالة العددية: 14.
(2) (إلى) لم ترد في المخطوطة والحجرية.
(3) ذكرى الشيعة: 231، آخر الشرط الثاني.
(4) رجال الكشي 1: 54.
(5) فوائد الوحيد البهبهاني: 12، الفائدة الثانية، المطبوع ضمن منهج المقال.
50

ويقول: لعل مراده أن الكشي ذكره في سند رواية استند إليها ولم يطعن فيه
قلت: لو أراد هذا، لكفى الاستناد إليه ولم يحتج إلى ضميمة عدم الطعن (1)
انتهى ما أردنا نقله بطوله لكثرة فائدته هنا، وفي الكتب الآتية، ويأتي في النرسي
كلام للسيد الطباطبائي قدس سره يقرب من ذلك.
السادس. إنه من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، وسنذكر إن شاء الله
تعالى أن ابن عقدة وثق أربعة آلاف منهم، وألف فيهم كتابا، وأسند إلى كل
واحد منهم خبرا أخرجه فيه، ومن البعيد أن لا يذكره فيه وهو صاحب
الأصل المعروف.
السابع: إن في مجموعة عندي كلها بخط الشيخ الجليل محمد بن علي
الجباعي، نقلها (2) كلها من خط الشيخ الشهيد رحمه الله وفيها أوراق أخرج فيها
أحاديث مختصرة، اختارها من الأصول التي كانت عنده، مثل كتاب الصلاة
للحسين بن سعيد، وكتاب إسحاق بن عمار، وكتاب معاذ بن ثابت، وكتاب
علي بن إسماعيل الميثمي، وكتاب معاوية بن حكيم، وكتاب إبراهيم بن محمد
الأشعري، وكتاب الفضل بن محمد الأشعري، وكتاب زيد الزراد وهو آخر ما
نقله منه، وفي آخره - بخط الجباعي -: قال ابن مكي يعني الشهيد قدس
سره: أكثر هذه مقروءة على الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله. ولولا اعتبار
الكتاب (3)، وعدم اعتنائه بما نسب إليه من الوضع، لما أخرج منه، ولما نسبه
إلى زيد، ولما سلكه في عداد كتب المشايخ، وأعاظم الرواة، ولو دخل في الأكثر
المقروء على الشيخ - رحمه الله كما لعله الظاهر - لزاده قوة واعتبارا.
الثامن: إن أخبار هذا الكتاب كلها سديدة متينة، ليس فيها ما يوهم الجبر،
والغلو، والتفويض، وموافقة العامة، وجملة من متونها ومضمونها موجودة في

(1) إلى هنا إنتهى كلام المحقق الكاظمي رحمه الله في عدته: 27 / أ.
(2) في المخطوط والحجرية. نقل.
(3) هنا وردت زيادة في الحجرية هي: عند الشهيد.
51

سائر كتب الاخبار، فأي داع إلى وضع مثله.
ويأتي بعض ما يتعلق به في حال زيد النرسي إن شاء الله تعالى.
وفي آخر الأصل المذكور: فرغ من نسخه من أصل أبي الحسن محمد بن
الحسن بن الحسين بن أيوب القمي أيده الله تعالى في يوم الخميس لليلتين
بقيتا من ذي القعدة، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، الحمد لله وحده، وصلى الله
على رسوله محمد وآله وسلم تسليما، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
* * *
52

4 - وأما كتاب أبي سعيد عباد العصفري قدس سره:
وهو بعينه عباد بن يعقوب الرواجني (1)، ففيه تسعة عشر حديثا، كلها
نقية، دالة على تشيعه، بل تعصبه فيه.
كالنص على الأئمة الاثني عشر، وأن الله خلقهم من نور عظمته،
وأقامهم أشباحا في ضياء نوره، يعبدونه قبل خلق الخلق، وأنهم أوتاد الأرض،
فإذا ذهبوا ساخت الأرض بأهلها، ومفاخرة أرض الكعبة وكربلا، وأن، الله
أوحى إليها أن كفي وقري، فوعزتي ما فضل ما فضلت به، فيما أعطيت أرض
كربلا، إلا بمنزلة إبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة
كربلا ما فضلت، ولولا ما تضمنت أرض كربلا ما خلقتك، ولا خلقت البيت
الذي به افتخرت (2) الخبر.
وحديث نهي خالد عما أمره به من قتل علي عليه السلام، قبل السلام (3).
وبعث عمر إلى قدامة عامله بمقدار، لا يجوزها أحد من الموالي الا قتل (4).
وعزل أبي بكر في قصة سورة براءة.
وتفسير قول علي عليه السلام - لما سجي أبو بكر -: (ما أحد أحب أن
ألقى الله بمثل صحيفة من هذا المسجى) (5).
وقوله صلى الله عليه وآله: (إذا رأيتم معاوية عل المنبر فاضربوه)
وقصة طرد الحكم بن العاص، وأمره بقتله، وأن عثمان آواه وأجازه

(1) يستفاد مما ذكره الشيخ الطوسي قدس سره انه غير واحد حيث نسب في الفهرست: 119 لعباد
ابن يعقوب الرواجني العامية وذكر الثاني بعد ذكره للأول ولم ينسب له شيئا.
(2) الأصول الستة عشر: 16.
(3) المصدر السابق: 18.
(4) المصدر السابق: 17.
(5) المصدر السابق 18.
53

بمائة ألف درهم من بيت المال (1).
ومن الغريب بعد ذلك رمي الشيخ والعلامة طاب ثراهما إياه بالتسنن،
وأنه عامي المذهب، مع أن علماءهم رموه بالرفض والتشيع، فصار المسكين
مطرود الطرفين، وغرض النصال في البين.
وعن السمعاني في الأنساب: كان رافضيا، داعية إلى الرفض، ومع ذلك
يروي المناكير، عن أقوام مشاهير، فاستحق الترك، وهو الذي يروي عن
شريك، عن عاصم (عن زر) عن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه
وآله: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه).
وروى حديث أبي بكر أنه قال. لا يفعل خالد ما أمرته (2).
وعن ابن الأثير في جامع الأصول: كان أبو بكر محمد بن إسحاق بن
خزيمة يقول: حدثني الصدوق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب (3).
وقال ابن حجر في التقريب: عباد بن يعقوب الرواجيني - بتخفيف
الواو، وبالجيم المكسورة، والنون الخفيفة - أبو سعيد الكوفي، صدوق،
رافضي، حديثه في البخاري مقرون، بالغ ابن حيان فقال. يستحق الترك، من
العاشرة، مات سنة خمسين، أي بعد المائة (4).
والسند إليه على ما في أول الكتاب هكذا. أبو محمد هارون بن موسى بن
أحمد التلعكبري، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام بن سهيل، قال: أخبرنا
أبو جعفر محمد بن أحمد بن خاقان النهدي، قال: حدثني محمد بن علي بن
إبراهيم الصيرفي أبو سمينة، قال: حدثني أبو سعيد العصفري وهو عباد، عن
عمرو بن ثابت وهو ابن المقدام... إلى آخره.

(1) المصدر السابق: 19.
(2) الأنساب 6: 170، وما بين قوسين من المصدر.
(3) جامع الأصول: القسم المخطوط.
(4) تقريب التهذيب 1: 394 / 118.
54

وهذا السند ضعيف على المشهور بأبي سمينة، إلا أن الذي يهون الخطب
أمور:
الأول: إن ابن داود قال في رجاله. حمدان بن أحمد - كش - هو من
خاصة الخاصة، أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والاقرار له بالفقه
في آخرين (1).
وحمدان هذا لقب لمحمد بن أحمد بن خاقان، وليس هو في عداد المجمع
عليهم، الموجودين في (اختيار رجال الكشي، للشيخ، الدائر بين الأصحاب،
ولم ينقل هذا الاجماع في حقه أحد غيره، إلا أن المحتمل القريب نقله من أصل
رجال الكشي، وقد سقط من قلم الشيخ رحمه الله عند اختصاره رجاله، وقد
ذكرنا في بعض تعاليقنا على رجال أبي علي شواهد على وجوده في تلك الاعصار،
وإن لم يكن في أعصارنا منه عين ولا أثر، ومع هذا الاحتمال لا مصحح لنسبة
ابن داود إلى السهو والخطأ، وإن كان في رجاله أغلاط كثيرة، أشار إليها السيد
التفريشي في نقد الرجال (2)، إلا أن نقل مثل هذه العبارة من الكتاب المذكور،
خطأ بعيد في الغاية. وعليه فالسند إليه صحيح، فلا بد من الحكم بصحة ما
في هذا الكتاب.
الثاني: اعتماد المشايخ على النقل منه، ففي كامل الزيارة للشيخ الجليل
جعفر بن محمد بن قولويه: عن أبيه وعلي بن الحسين، عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن محمد بن علي، عن عباد أبي سعيد، عن عمر بن يزيد، عن أبي
عبد الله عليه السلام: (إن أرض الكعبة قالت. من مثلي.. الخبر) (3) وهو
موجود فيه سندا ومتنا.
وعن محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد، عن

(1) رجال ابن داود: 84 / 524
(2) نقد الرجال: 2
(3) كامل الزيارات: 267 الحديث 3. الأصول الستة عشر: 16.
55

رجل، عن أبي الجارود، عن علي بن الحسين عليه السلام، قال: (اتخذ الله
كربلا حرما قبل أن يتخذ مكة حرما بأربعة وعشرين ألف عام.. الخبر) (1)
وهو فيه بالسند والمتن.
ويظهر منه طريق آخر إلى عباد، من غير توسط أبي سمينة، والظاهر أن
الراوي عنه غير محمد بن الحسين، وكيف يروي جعفر بن قولويه عن عباد
بواسطتين؟ ونسخ الكامل كما نقلناه، والظاهر بل المقطوع أنه سقط بينهما
الواسطة.
وفي روضة الكافي محمد بن يحيى والحسين بن محمد جميعا، عن جعفر
ابن محمد، عن عباد بن يعقوب، عن أحمد بن إسماعيل، عن عمرو بن كيسان
.. الخبر (2). فالظاهر أن (الساقط في سند) (3) خبر الكامل هو جعفر بن محمد،
والله العالم.
ويروي عنه الجليل إبراهيم الثقفي أيضا، في كتاب الغارات (4).
واعلم أن الشيخ رحمه الله أخرج عنه في أماليه أخبارا طريفة كلها تنبئ
عن حسن حاله وعقيدته، ففيه:
أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني محمد بن جعفر بن محمد
ابن رباح الأشجعي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، وساق السند عن
زيد بن علي، عن أبيه، عن جده (عن علي بن أبي طالب) (5) عليهم السلام،

(1) كامل الزيارات: 268 الحديث 5. الأصول الستة عشر: 17.
(2) روضة الكافي 8: 381 الحديث 576.
(3) بين القوسين في المخطوط: السند في، والصحيح المثبت.
(4) لدينا من الغارات نسختان الأولى بتحقيق المحدث الأرموي والثانية بتحقيق السيد عبد الزهراء
الحسيني الخطيب، والنسختان خاليتان من ذلك. ثم إن الثقفي توفي سنة 283 ه‍ وعباد توفي
سنة 150 ه‍ فكيف يروي عنه؟ ولعله وقع في طريق روايته. والله العالم.
(5) زيادة من المصدر المطبوع.
56

وذكر وصية النبي صلى الله عليه وآله إليه في مرض وفاته، وتسليم المواريث إليه،
وهو حديث طويل معروف، وفيه: (يا بني هاشم، يا معشر المسلمين، لا
تخالفوا عليا فتضلوا، ولا تحسدوه فتكفروا.. الخبر) (1).
وفيه: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا محمد بن
وهبان، قال: حدثني أبو عيسى محمد بن إسماعيل بن حيان الوراق بدكانه في
سكة الموالي، قال. حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن الحفص الخثعمي
الأسدي، قال: حدثني أبو سعيد عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا خلاد
أبو علي، وساق الخبر، وهو وصية الصادق عليه السلام إلى أصحابه، وفيه:
" فإنكم لن تنالوا ولايتنا إلا بالورع).. (2) إلى آخره. وفيه: أخبرنا أحمد بن محمد
ابن الصلت، قال. أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال. حدثنا أحمد
ابن القاسم أبو جعفر الأكفاني من أصل كتابه، قال. حدثنا عباد بن يعقوب،
وساق السند والمتن، وفيه: نزول عقيل على أمير المؤمنين عليه السلام، ووفوده
بعده على معاوية، والخبر معروف (3).
وفيه: بهذا السند أن عليا عليه السلام قنت في الصبح فلعن معاوية،
وعمرو بن العاص، وأبا موسى، وأبا الأعور، وأصحابهم (4).
وفيه. خبر آخر بهذا السند، وفيه: أنه قال يوم الجمعة على المنبر: (ما
زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله).. الخبر (5).
والتأمل في هذه الأخبار، وأخبار كتابه، يعلم أن من رماه بالعامية فقد
جفاه.

(1) أمالي الشيخ الطوسي 2: 185.
(2) أمالي الشيخ الطوسي 2: 291.
(3) أمالي الشيخ الطوسي 2: 334.
(4) المصدر السابق 2: 335.
(5) المصدر السابق 2: 336.
57

الثالث: إنه ليس فيه من الأحكام الفرعية ما يحتاج إلى النظر في سند
أخبارها.
* * *
58

5 - وأما كتاب عاصم بن حميد:
فقال النجاشي: عاصم بن حميد الحناط الحنفي أبو الفضل، مولى
كوفي، ثقة، عين، صدوق، روى عن أبي عبد الله عليه السلام، له كتاب.
أخبرنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي
ابن الحسن بن فضال، قال: حدثنا محمد بن عبد الحميد، عن عاصم،
بكتابه (1).
وقال الشيخ رحمه الله في الفهرست: عاصم بن حميد الحناط الكوفي له
كتاب. أخبرنا أبو عبد الله، عن محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن
ابن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله، عن محمد بن عبد
الحميد والسندي بن محمد، عن عاصم بن حميد.
وبهذا الاسناد، عن سعد والحميري، عن أحمد بن محمد، عن عبد
الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد (2).
وقال الصدوق قدس سره في مشيخة الفقيه: وما كان فيه عن عاصم بن
حميد، فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم
ابن هاشم، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد (3).
وأما سنده في النسخة الموجودة: حدثني أبو الحسن محمد بن الحسن بن
الحسين بن أيوب القمي - أيده الله تعالى - قال: حدثني أبو محمد هارون بن
موسى بن أحمد التلعكبري - أيده الله - قال: حدثنا) أبو علي محمد بن همام بن
سهيل الكاتب، قال: حدثنا أبو القاسم حميد بن زياد بن هوارا، في سنة تسع
وثلاثمائة، قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد، عن مساور وسلمة، عن عاصم بن

(1) رجال النجاشي: 301 / 821.
(2) الفهرست 120 / 532.
(3) من لا يحضره. الفقيه 4: 77.
59

حميد الحناط.
وذكر أبو محمد قال: حدثني بهذا الكتاب أبو القاسم جعفر بن محمد بن
إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن موسى بن جعفر العلوي الموسائي، بمصر سنة
إحدى وأربعين، قال: حدثني الشيخ الصالح أبو العباس عبيد الله بن أحمد بن
نهيك، عن مساور وسلمة جميعا، عن عاصم بن حميد الحناط (1).
وفي اخر الكتاب: كمل الكتاب، ونسخه منصور بن أبي الحسن
الآبي، من أصل أبي الحسن محمد بن الحسن القمي أيده الله في ذي
الحجة لليلتين مضتا منه، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، يوم الأحد، الحمد لله
وحده، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليما، وحسبي الله ونعم
الوكيل (2).
وروى ثقة الاسلام عن كتابه، في باب التفويض: عن محمد بن يحيى،
عن أحمد بن أبي زاهر، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن
عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النحوي، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه
السلام.. الخبر، كما هو موجود فيه متنا وسندا (3).
ويروي عنه غير هؤلاء جماعة، منهم: يونس بن عبد الرحمن (4)، وأحمد بن
محمد بن أبي نصر (5)، ونضر بن سويد (6)، ومحمد بن الوليد (7)، وابن أبي

(1) أصل عاصم بن حميد، ضمن الأصول الستة عشر: 21.
(2) أصل عاصم بن حميد، ضمن الأصول الستة عشر: 41. وفيه بدل منصور بن أبي الحسن،
منصور بن الحر.
(3) الكافي 1: 207 / 1.
(4) تهذيب الأحكام 9: 349 / 1254.
(5) تهذيب الأحكام 5: 165 / 550.
(6) تهذيب الأحكام 3: 19 / 69.
(7) تهذيب الأحكام 3: 333 / 1043.
60

عمير (1) ويحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد (2)، ومحمد بن علي (3)، وعلي بن
الحسن بن فضال عن أخويه عنه، (4) 1 وعبد الله بن جبلة (5)، والحسن بن علي
الوشا (6)، والحسن بن علي بن يوسف الأزدي (7)، ومحمد بن أسلم الجبلي (8)،
وعلي بن الحكم (9)، والحسن بن محبوب (10)، والحجال (11)، ويوسف بن
عقيل (12)، وابن أخيه سليمان بن سماعة (13)، وموسى بن القاسم (14)، وابن أبي
ليلى (15)، والحسن بن علي بن يقطين (16)، والحسن بن عبد الرحمن (17)
ومن جميع ذلك يظهر علو مقامه، وعظم شأنه، وصحة كتابه، بل هو
قريب من التواتر، وأخباره نقية، سديدة، ومتون أكثرها موجودة في الكتب
الأربعة.

(1) تهذيب الأحكام 5: 105 / 340.
(2) الكافي 2: 49 / 3.
(3) الكافي 1: 391 / 4.
(4) تهذيب الأحكام 8: 80 / 275.
(5) تهذيب الأحكام 6: 310 / 856.
(6) الكافي 1: 43 / 1.
(7) تهذيب الأحكام 7: 370 / 1500.
(8) تهذيب الأحكام 10: 46 / 168.
(9) تهذيب الأحكام 10: 112 / 444.
(10) الكافي 3: 398 / 6.
(11) الكافي 2: 264 / 4.
(12) تهذيب الأحكام 9: 359 / 1283.
(13) الكافي 2: 131 / 5.
(14) تهذيب الأحكام 5: 68 / 221.
(15) الكافي 2: 264 / 4.
(16) الكافي 5: 391 / 7.
(17) الكافي 8: 285 / 431.
61

6 - وأما أصل زيد النرسي:
فقد كفانا مؤونة شرح اعتباره العلامة الطباطبائي طاب ثراه
في رجاله، قال رحمه الله تعالى: زيد النرسي أحد أصحاب الأصول،
صحيح المذهب، منسوب إلى نرس، بفتح الموحدة الفوقانية، وإسكان
الراء المهملة: قرية من قرى الكوفة، تنسب إليها الثياب
النرسية، أو نهر من أنهارها، عليه عدة من القرى، كما قاله السمعاني في كتاب
الأنساب، قال: ونسب إليها جماعة من مشاهير المحدثين بالكوفة (1).
وقال الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي رحمه الله
في كتاب الرجال: إن زيد النرسي من أصحاب الصادق، والكاظم عليهما
السلام، له كتاب يرويه عنه جماعة. أخبرنا أحمد بن علي بن نوح السيرافي،
قال: حدثنا محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، بكتابه (2).
وقد نص شيخ الطائفة طاب ثراه في الفهرست على رواية ابن أبي عمير
كتاب زيد النرسي، كما ذكره النجاشي، ثم ذكر في ترجمة ابن أبي عمير طرقه
التي تنتهي إليه (3).
والذي يناسب وقوعه في إسناد هذا الكتاب، هو ما ذكره فيه وفي
المشيخة، عن المفيد، عن ابن قولويه قدس سرهما، عن أبي القاسم جعفر بن
محمد العلوي الموسوي، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك، عن ابن أبي
عمير (4).

(1) الأنساب 585 / ب.
(2) رجال النجاشي: 174 / 460.
(3) فهرست الشيخ: 71 / 289 و 142 / 607.
(4) تهذيب الأحكام 10 / 79 من المشيخة.
62

وفي البحار طريق آخر إلى كتاب زيد النرسي، ذكر أنه وجده في مفتتح
النسخة التي وقعت إليه، وهي النسخة التي أخرج منها أخبار الكتاب،
والطريق هكذا: حدثنا الشيخ أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري - أيده.
الله - قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا
جعفر بن عبد الله العلوي أبو عبد الله المحمدي، قال: حدثنا محمد بن أبي
عمير، عن زيد النرسي (1).
وإنما أوردنا هذه الطرق، تنبيها على اشتهار الأصل المذكور فيما بين
الأصحاب واعتباره عندهم، كغيره من الأصول المعتمدة المعول عليها، فإن
بعضا حاول اسقاط هذا الأصل، والطعن في من رواه.
واعترض أولا: بجهالة زيد النرسي، إذ لم ينص عليه علماء الرجال
بمدح، ولا قدح.
وثانيا: بأن الكتاب المنسوب إليه مطعون فيه، فإن الشيخ قدس سره
حكى في الفهرست، عن ابن بابويه قدس سره: أنه لم يرو أصل زيد النرسي،
ولا أصل زيد الزراد، وأنه حكى في فهرسته، عن شيخه محمد بن الحسن بن
الوليد: أنه لم يرو هذين الأصلين، بل كان يقول: هما موضوعان، وكذلك
كتاب خالد بن عبد الله بن سدير، وأن واضع هذه الأصول محمد بن موسى
الهمداني (2)، المعروف بالسمان.
والجواب عن ذلك: إن رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدل على
صحته، واعتباره، والوثوق بمن رواه، فإن المستفاد من تتبع الحديث، وكتب
الرجال بلوغه الغاية في الثقة، والعدالة، والورع، والضبط، والتحذر عن
التخليط، والرواية عن الضعفاء والمجاهيل، ولذا ترى أن الأصحاب يسكنون

(1) بحار الأنوار 1: 43.
(2) الفهرست: 71 / 290.
63

إلى روايته، ويعتمدون على مراسيله.
وقد ذكر الشيخ قدس سره في العدة: أنه لا يروي، ولا يرسل إلا عمن
يوثق به (1)، وهذا توثيق عام لمن روى عنه، ولا معارض له هاهنا.
وحكى الكشي في رجاله إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه،
والاقرار له بالفقه والعلم (2)، ومقتضى ذلك صحة الامل المذكور، لكونه مما
قد صح عنه، بل توثيق راويه أيضا، لكونه العلة في التصحيح غالبا، والاستناد
إلى القرائن وإن كان ممكنا، إلا أنه بعيد في جميع روايات الأصل، وعد النرسي
من أصحاب الأصول، وتسمية كتابه أصلا، مما يشهد بحسن حاله واعتبار
كتابه، فإن الأصل في اصطلاح المحدثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد،
الذي لم ينتزع من كتاب آخر، وليس بمعنى مطلق الكتاب، فإنه قد يجعل
مقابلا له، فيقال: له كتاب، وله أصل.
وقد ذكر ابن شهرآشوب في معالم العلماء، نقلا عن المفيد طاب ثراه:
أن الامامية صنفت من عهد أمر المؤمنين عليه السلام، إلى عهد أبي محمد
الحسن بن علي العسكري عليهما السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول، قال:
وهذا معنى قولهم: له أصل (3).
ومعلوم أن مصنفات الامامية فيما ذكر من المدة تزيد على ذلك بكثير، كما
يشهد به تتبع كتب الرجال، فالأصل إذا أخص من الكتاب، ولا يكفي فيه
مجرد عدم انتزاعه من كتاب آخر إن لم يكن معتمدا، فإنه يؤخذ في كلام
الأصحاب مدحا لصاحبه، ووجها للاعتماد على ما تضمنه، وربما ضعفوا
الرواية لعدم وجدان متنها في شئ من الأصول، كما اتفق للمفيد، والشيخ

(1) عدة الأصول 1: 387.
(2) اختيار معرفة الرجال 2: 830 / 1050.
(3) معالم العلماء: 3.
64

قدس سرهما، وغيرهما، فالاعتماد مأخوذ في الأصل بمعنى كون ذلك هو الأصل
فيه، إلى أن يظهر فيه خلافه.
والوصف به في قولهم: له أصل معتمد، للايضاح والبيان، أو لبيان
الزيادة على مطلق الاعتماد المشترك فيما بين الأصول، فلا ينافي ما ذكرناه، على أن
تصنيف الحديث - أصلا كان المصنف أم كتابا - لا ينفك غالبا عن كثرة الرواية
والدلالة على شدة الانقطاع إلى الأئمة عليهم السلام، وقد قالوا: (إعرفوا
منازل الرجال بقدر روايتهم عنا) (1) وورد عنهم في شأن الرواية للحديث ما ورد.
وأما الطعن على هذا الأصل والقدح فيه بما ذكر، فإنما الأصل فيه محمد
ابن الحسن بن الوليد القمي رحمه الله، وتبعه عل ذلك ابن بابويه قدس سره
على ما هو دأبه في الجرح، والتعديل، والتضعيف، والتصحيح، ولا موافق لهما
فيما أعلم.
وفي الاعتماد على تضعيف القميين وقدحهم في الأصول والرجال كلام
معروف، فإن طريقتهم في الانتقاد تخالف ما عليه جماهير النقاد، وتسرعهم إلى
الطعن بلا سبب ظاهر، مما يريب اللبيب الماهر، ولم يلتفت أحد من أئمة
الحديث والرجال إلى ما قاله الشيخان المذكوران في هذا المجال، بل المستفاد
من تصريحاتهم وتلويحاتهم، تخطئتهما في ذلك المقال.
قال الشيخ ابن الغضائري: زيد الزراد وزيد النرسي، رويا عن أبي
عبد الله عليه السلام.
قال أبو جعفر (بن بابويه: إن كتابهما موضوع، وضعه محمد بن موسى
السمان، وغلط أبو جعفر (2) في هذا القول، فإني رأيت كتبهما مسموعة من محمد

(1) لفظ الحديث في المصادر مختلف انظر: رجال الكشي 1: 3 / 1، 1: 6 / 3، 3 والكافي 1:
- 40 / 13 وغيرها.
(2) ما بين القوسين سقط من المخطوطة وأثبت من الحجرية.
65

ابن أبي عمير (1)، وناهيك بهذه المجاهرة في الرد من هذا الشيخ، الذي بلغ الغاية
في تضعيف الروايات، والطعن في الرواة، حتى قيل أن السالم من رجال
الحديث من سلم منه، وأن الاعتماد على كتابه في الجرح طرح لما سواه من
الكتب، ولولا أن هذا الأصل من الأصول المعتمدة المتلقاة (بالقبول) (2) بين
الطائفة، لما سلم من طعنه ومن غمزه، على ما جرت به عادته في كتابه الموضوع
لهذا الغرض، فإنه قد ضعف فيه كثيرا من أجلاء الأصحاب المعروفين
بالتوثيق، نحو: إبراهيم بن سليمان بن حيان، وإبراهيم بن عمر اليماني،
وإدريس بن زياد، إسماعيل بن مهران، وحذيفة بن منصور، وأبي بصير ليث
المرادي، وغيرهم من أعاظم الرواة، وأصحاب الحديث.
واعتمد في الطعن عليهم غالبا بأمور لا توجب قدحا فيهم، بل في
رواياتهم، كاعتماد المراسيل، والرواية عن المجاهيل، والخلط بين الصحيح
والسقيم، وعدم المبالاة في أخذ الروايات، وكون رواياتهم مما تعرف تارة وتنكر
أخرى، وما يقرب من ذلك.
هذا كلامه في مثل هؤلاء المشاهير الأجلة، وأما إذا وجد في أحد ضعفا
بينا أو طعنا ظاهرا، وخصوصا إذا تعلق بصدق الحديث، فإنه يقيم عليه
النوائح، ويبلغ منه كل مبلغ، ويمزقه كل ممزق، فسكوت مثل هذا الشيخ عن
حال زيد النرسي، ومدافعته عن أصله بما سمعت من قوله، أعدل شاهد على
أنه لم يجد فيه مغمزا، ولا للقول (في أصله) (3) سبيلا.
وقال الشيخ في الفهرست: زيد النرسي وزيد الزراد لهما أصلان، لم
يروهما محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، وقال في فهرسته. لم بروما محمد بن

(1) رجال العلامة: 222 / 4.
(2) لم ترد في المخطوطة وأضيفت من المصدر.
(3 أفي المخطوطة: فيه.
66

الحسن بن الوليد، وكان يقول: هما موضوعان، وكذلك كتاب خالد بن
عبد الله بن سدير، وكان يقول: وضع هذه الأصول محمد بن موسى الهمداني.
قال الشيخ طاب ثراه: وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه (1).
وفي هذا الكلام (2) تخطئة ظاهرة للصدوق وشيخه، في حكمهما بأن أصل
زيد النرسي من موضوعات محمد بن موسى الهمداني، فإنه متى صحت رواية
ابن أبي عمير إياه عن صاحبه، امتنع إسناد وضعه إلى الهمداني، المتأخر العصر
عن زمن الراوي والمروي عنه.
وأما النجاشي - وهو أبو عذرة هذا الامر، وسابق حلبته كما يعلم من
كتابه، الذي لا نظير له في فن الرجال - فقد عرفت مما نقلناه عنه روايته لهذا
الأصل - في الحسن كالصحيح، بل الصحيح على الأصح - عن ابن أبي
عمير، عن صاحب الأصل (3).
وقد روى أصل زيد الزراد: عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه وعلي
ابن بابويه، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن ابن أبي
عمير، عن زيد الزراد (4)، ورجال هذا الطريق وجوه الأصحاب ومشايخهم،
وليس فيه من توقف في شأنه، سوى العبيدي والصحيح توثيقه.
وقد اكتفى النجاشي بذكر هذين الطريقين، ولم يتعرض لحكاية الوضع
في شئ من الأصلين، بل أعرض عنها صفحا، وطوى عنها كشحا، تنبيها على
غاية فسادها، مع دلالة الاستناد الصحيح المتصل على بطلانها، وفي كلامه
السابق دلالة على أن أصل زيد النرسي من جملة الأصول المشهورة، المتلقاة

(1) فهرست الشيخ: 71 / 290.
(2) في المخطوط والحجرية: الكتاب، وفي حاشية المخطوط استظهار: الكلام، وكذا المصدر، وهو
الصحيح
(3) رجال النجاشي: 174 / 460.
(4) رجال النجاشي: 175 / 461.
67

بالقبول بين الطائفة، حيث أسند روايته عنه أولا إلى جماعة من الأصحاب، ولم
يخصه بابن أبي عمير، ثم عده في طريقه إليه من مرويات المشايخ (1) الأجلة، وهم:
أحمد بن علي بن نوح السيرافي، ومحمد بن أحمد بن عبد الله الصفواني،
وعلي بن إبراهيم القمي، وأبوه إبراهيم بن هاشم.
وقد قال في السيرافي: إنه كان ثقة في حديثه -، متقنا لما يرويه،
فقيها (2) بصيرا بالحديث والرواية (3).
وفي الصفواني: إنه شيخ، ثقة، فقيه، فاضل (4).
وفي القمي: إنه ثقة في الحديث، ثبت، معتمد (5).
وفي أبيه: إنه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم (6).
ولا ريب أن رواية مثل هؤلاء الفضلاء الاجلاء يقتضي اشتهار الأصل
في زمانهم، وانتشار أخباره فيما بينهم.
وقد علم مما سبق كونه من مرويات الشيخ المفيد، وشيخه أبي القاسم
جعفر بن قولويه، والشيخ الجليل الذي انتهت إليه رواية جميع الأصول
والمصنفات أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، وأبي العباس أحمد بن
محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ المشهور، وأبي عبد الله جعفر بن عبد الله رأس
المذري، الذي قالوا فيه: إنه أوثق الناس في حديثه.
وهؤلاء هم مشايخ الطائفة، ونقدة الأحاديث، وأساطين الجرح
والتعديل، وكلهم ثقات أثبات، ومنهم المعاصر لابن الوليد، والمتقدم عليه،

(1) في الحجرية والمخطوط: (مشايخ)، والصحيح من المصدر.
(2) زيادة من المصدر والحجرية. دون المخطوط.
(3) رجال النجاشي: 860 / 209.
(4) رجال النجاشي: 393 / 1050.
(5) رجال النجاشي: 260 / 680.
(6) رجال النجاشي: 16 / 18.
68

والمتأخر عنه الواقف على دعواه، فلو كان الأصل المذكور موضوعا معروف
الواضع كما ادعاه، لما خفي على هؤلاء الجهابذة النقاد بمقتضى العادة في
ذلك.
وقد أخرج ثقة الاسلام الكليني قدس سره لزيد النرسي في جامعه الكافي
- الذي ذكر أنه قد جمع فيه الآثار الصحيحة، عن الصادقين عليهم السلام -
روايتين:
إحداهما في باب التقبيل من كتاب الايمان والكفر: عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن علي بن مزيد (1) صاحب
السابري، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فتناولت يده فقبلتها،
فقال عليه السلام: (أما إنها لا تصلح إلا لنبي، أو وصي نبي) (2).
والثانية في كتاب الصوم في باب صوم عاشوراء: عن الحسن بن علي
الهاشمي، عن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن زيد
النرسي، قال: سمعت عبيد بن زرارة، يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن صوم
يوم عاشوراء، فقال: (من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن
مرجانة وابن زياد)، قلت: وما حظهما من ذلك اليوم؟ قال: (النار) (3)
والشيخ قدس سره في كتابي الاخبار: أورد هذه الرواية، بإسناده عن
محمد بن يعقوب (4)، وأخرج لزيد النرسي في كتاب الوصايا من التهذيب في
باب وصية الانسان لعبده، حديثا آخر عن علي بن الحسن بن فضال، عن
معاوية بن حكيم ويعقوب الكاتب، عن ابن أبي عمير، عنه (5).

(1) نسخة بدل: زيد، من المخطوط.
(2) الكافي 2: 148 / 3.
(3) الكافي 4: 147 / 6.
(4) تهذيب الأحكام 4: 301 / 912، والاستبصار 2: 135 / 443.
(5) تهذيب الأحكام 9: 228 / 896.
69

والغرض من إيراد هذه الأسانيد، التنبيه على عدم خلو الكتب الأربعة
عن أخبار زيد النرسي، وبيان صحة رواية ابن أبي عمير عنه، والإشارة إلى
تعدد الطرق إليه، واشتمالها على عدة من الرجال الموثوق بهم، سوى من تقدم
ذكره في الطرق السالفة، وفي ذلك كله تنبيه على صحة هذا الأصل، وبطلان
دعوى وضعه كما قلنا.
ويشهد لذلك أيضا أن محمد بن موسى الهمداني، وهو الذي ادعي عليه
وضع هذه. الأصول، لم يتضح ضعفه بعد، فضلا عن كونه وضاعا للحديث،
فإنه من رجال نوادر الحكمة، والرواية عنه في كتب الأحاديث متكررة، ومن
جملة رواياته - حديثه الذي انفرد بنقله في صلاة عيد الغدير، وهو حديث
مشهور، أشار إليه المفيد رحمه الله في مقنعته، وفي مسار الشيعة (1)، ورواه
الشيخ رحمه الله في التهذيب (2)، وأفتى به الأصحاب، وعولوا عليه، ولا راد له
سوى الصدوق (3) وابن الوليد، بناء على أصلهما فيه.
والنجاشي ذكر هذا الرجل في كتابه ولم يضعفه، بل نسب إلى القميين
تضعيفه بالغلو، ثم ذكر له كتبا منها كتاب الرد على الغلاة، وذكر طريقه إلى
تلك الكتب، قال رحمه الله: وكان ابن الوليد رحمه الله يقول: إنه كان يضع
الحديث والله أعلم (4).
وابن الغضائري إن ضعفه، إلا أن كلامه فيه يقتضي أنه لم يكن بتلك
المثابة من الضعف، فإنه قال فيه: إنه ضعيف، يروي عن الضعفاء، ويجوز أن
يخرج شاهدا، تكلم فيه القميون فأكثروا، واستثنوا من نوادر الحكمة ما
رواه (5)، وكلامه ظاهر في أنه لم يذهب فيه مذهب القميين، ولم يرتض ما قالوه

(1) المقنعة: 204، مسار الشيعة: 39 ضمن المجلد السابع من مصنفات الشيخ المفيد.
(2) التهذيب 3: 143 / 317.
(3) الفقيه 2: 55 / ذيل الحديث 241.
(4) رجال النجاشي: 338 / 904.
(5) حكاها عنه العلامة في الخلاصة: 255 / 44.
70

والخطب في تضعيفه هين، خصوصا إذا استهونه.
والعلامة قدس سره في الخلاصة حكى تضعيف القميين وابن الوليد،
حكاية تشعر بتمريضه، واعتمد في التضعيف على ما قاله ابن الغضائري قدس
سره ولم يزد عليه شيئا (1). وفيما سبق عن النجاشي وابن الغضائري في أصلي
الزيدين، وعن الشيخ في أصل النرسي، دلالة على اختلال (2) ما قاله ابن الوليد
في هذا الرجل.
وبالجملة فتضعيف محمد بن موسى يدور على أمور:
أحدها: طعن القميين في مذهبه بالغلو الارتفاع، ويضعفه ما تقدم عن
النجاشي أن له كتابا في الرد على الغلاة.
وثانيها: إسناد وضع الحديث إليه، وهذا مما انفرد به ابن الوليد، ولم
يوافقه في ذلك الا الصدوق قدس سره لشدة وثوقه به، حتى قال رحمه الله في
كتاب من لا يحضره الفقيه: إن كل ما لم يصححه ذلك الشيخ، ولم يحكم
بصحته من الاخبار، فهو عندنا متروك غير صحيح (3).
وسائر علماء الرجال ونقدة الاخبار تحرجوا عن نسبة الوضع إلى محمد بن
موسى، وصححوا أصل زيد النرسي، وهو أحد الأصول التي أسند وضعها
إليه، وكذا أصل زيد الزراد، وسكوتهم عن كتاب خالد بن سدير لا يقتضي
كونه موضوعا، ولا كون محمد بن موسى واضعا، إذ من الجائز أن يكون عدم
تعرضهم له لعدم ثبوت صحته، لا لثبوت وضعه، فلا يوجب تصويب ابن
الوليد لا في الوضع ولا في الواضع، أو لكونه من موضوعات غيره فيقتضي
تصويبه في الأول دون الثاني.
وثالثها: استثناؤه من كتاب نوادر الحكمة، والأصل فيه محمد بن الحسن

(1) انظر الهامش المتقدم.
(2) في المخطوط والحجري: اختلاف، والتصويب من المصدر
(3) من لا يحضره الفقيه 2: 55 / ذيل الحديث 241.
71

ابن الوليد أيضا، وتابعه على ذلك الصدوق، وأبو العباس بن نوح، بل الشيخ،
والنجاشي أيضا.
وهذا الاستثناء لا يختص به، بل المستثنى من ذلك الكتاب جماعة،
وليس جميع المستثنين وضعة للحديث، بل منهم المجهول الحال، والمجهول
الاسم، والضعيف بغير الوضع، بل الثقة على أصح الأقوال: كالعبيدي،
واللؤلؤي، فلعل الوجه في استثناء غير الصدوق وشيخه ابن الوليد جهالة محمد
ابن موسى، أو ضعفه من غير سبب الوضع، والموافقة لهما في الاستثناء لا تقتضي
الاتفاق في التعليل، فلا يلزم من استثناء من وافقهما ضعف محمد بن موسى
عنده، فضلا عن كونه وضاعا، وقد بان لك بما ذكرنا مفصلا اندفاع
الاعتراضين بأبلغ الوجوه (1).
قلت: وروى جعفر بن قولويه رحمه الله في كامل الزيارة، عن أبيه وأخيه علي
ابن محمد وعلي بن الحسين كلهم، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير،
عن زيد النرسي، عن أبي الحسن موسى عليه السلام، قال: (من زار ابني هذا
- وأومى إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام - فله الجنة) (2) والخبر موجود في الأصل.
ومنه يعلم أن علي بن بابويه والد الصدوق، يروي أصل النرسي كما مر
أنه يروي أصل الزراد، ويظهر منه أن أصل نسبة اعتقاد وضعهما إلى الصدوق
تبعا لشيخه ضعيف، أو رجع عنه بعد ما ذكره في فهرسته، فإن والده شيخ
القميين، وفقيههم (3) وثقتهم، والذي خاطبه الإمام العسكري عليه السلام
بقوله - في توقيعه -: " يا شيخي ومعتمدي " (4) يروي الأصل المذكور وولده يعتقد

(1) الفوائد الرجالية (رجال السيد بحر العلوم): 2: 360.
(2) كامل الزيارات: 306 الحديث 10، وأنظر الأصول الستة عشر: 52.
(3) لم ترد في المخطوطة، بل في الحجرية.
(4) انظر مقدمة الإمامة والتبصرة تحقيق السيد الجلالي 58.
72

كونه موضوعا؟! هذا مما لا ينبغي نسبته إليه.
ويؤيد ضعف النسبة، أو يدل على الرجوع، روايته عن الأصلين في
كتبه، أما الزراد فقد تقدم.
وأما عن أصل النرسي ففي ثواب الأعمال: أبي رحمه الله، قال: حدثني
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن
بعض أصحابه، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يغسل رأسه بالسدر) (1) إلى آخر ما في الوسائل منقولا عنه (2)،
وفي كتابنا منقولا عن الأصل المذكور هذا (3).
وقد أخرج الخبر المذكور شيخه جعفر بن أحمد القمي في كتاب العروس،
عن زيد (4) كما في أصله.
وأخرج الصدوق رحمه الله أيضا (5) في الفقيه، في باب ضمان الوصي لما
يغيره عما أوصى به الميت، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن علي
ابن مزيد صاحب السابري، قال: أوصى إلي رجل... وساق الحديث (6)،
وهو طويل ذكره الشيخ في الأصل في كتاب الوصية، مثل ما نقلناه عن أصل
النرسي في الكتاب المذكور فلاحظ (7).

(1) ثواب الأعمال: 36.
(2) وسائل الشيعة 2: 63 / 1491.
(3) مستدرك الوسائل 1: 387 / 937.
(4) النسخة المطبوعة من العروس خالية من هذا الحديث. وقد روى عن زيد النرسي عن أبي
الحسن عليه السلام حديثا في (باب غسل الرأس يوم الجمعة بالخطمي من السنة) وهو يخالف
الحديث المار سندا ومتنا.
(5) لم ترد في المخطوط.
(6) من لا يحضره الفقيه 4: 154 الحديث، 534.
(7) وسائل الشيعة 19: 349 / 24742، وانظر: مستدرك الوسائل 14: 119 / 16252، أصل
زيد الزراد: 55، ضمن الأصول الستة عشر.
73

وأخرج أحمد بن محمد بن فهد في عدة الداعي، عن الأصل المذكور
حديث معاوية بن وهب في الموقف (1)، وهو حديث شريف في الحث على الدعاء
للاخوان.
وأخرج الحسين بن سعيد في كتاب الزهد، عن الأصل المذكور خبر فناء
العالم، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن عبيد بن زرارة، قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول... (2)، إلا أنه اختصره.
وأخرج الخبر المذكور عنه علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن ابن
أبي عمير، عن زيد، وساقه كما هو موجود في الأصل (3).
وقال العلامة المجلسي قدس سره في البحار - بعد نقل كلمات الجماعة في
الأصلين وصاحبيهما -: وأقول: وإن لم يوثقهما أصحاب الرجال، لكن أخذ أكابر
المحدثين من كتابهما، واعتمادهم عليهما حتى الصدوق قدس سره في معاني الأخبار
، وغيره، ورواية ابن أبي عمير عنهما، وعد الشيخ كتابهما من الأصول،
لعلها تكفي لجواز الاعتماد عليهما، مع أنا أخذناهما من نسخة عتيقة مصححة
بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي، وهو نقله من خط الشيخ الجليل محمد
ابن الحسن القمي، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وذكر أنه
أخذهما وسائر الأصول المذكورة بعد ذلك من خط الشيخ الأجل هارون بن
موسى التلعكبري (4)، انتهى.
وأما محمد بن موسى فلعلنا نشير إلى بعض ما يؤيد كلام السيد رحمه الله
فيه، في بعض الفوائد الآتية.

(1) عدة الداعي: 171. وانظر: أصل زيد النرسي (ضمن الأصول الستة عشر): 44.
(2) الزهد: 90 حديث 242. وانظر: أصل زيد النرسي (ضمن الأمور الستة عشر: 47.
(3) تفسير علي بن إبراهيم القمي. 256، الأصول الستة عشر: 47.
(4) بحار الأنوار 1: 431.
74

7 - وأما كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي:
فقال الشيخ قدس سره في الفهرست: جعفر بن محمد بن شريح
الحضرمي له كتاب، رويناه بالاسناد الأول، عن ابن حمام، عن حميد، عن
أحمد بن زيد الأزدي البزاز، عن محمد بن أمية بن القاسم الحضرمي، عن
جعفر بن محمد بن شريح (1).
ومراده بالاسناد الأول - كما ذكره في ترجمة جعفر بن قولويه، وجعفر بن
محمد بن مالك: الشيخ المفيد، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن عبدون،
وغيرهم -: عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي بن
همام (2).
وسنده في النسخة الموجودة، والنسخة المتقدمة للمجلسي طيب الله ثراه
هكذا: الشيخ أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد بن إبراهيم التلعكبري أيده
الله قال: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا حميد بن زياد الدهقان، قال:
حدثنا أبو جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي، قال: حدثنا محمد بن المثنى بن
القاسم الحضرمي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي، عن
حميد بن شعيب السبيعي، عن جابر الجعفي، قال: قال: أبو جعفر عليه
السلام... الخبر (3).
والظاهر أن أمية في سند الشيخ مصحف، والصواب - كما في سند الكتاب -
المثنى، وأشار إلى ذلك في البحار أيضا (4).
ومحمد بن أمية غير مذكور في الرجال، ولا في أسانيد الاخبار. والظاهر

(1) الفهرست: 43 / 137.
(2) الفهرست: 42 / 130 و 43 / 136.
(3، 4) بحار الأنوار 1: 44. أصل جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي (ضمن الأصول الستة
عشر): 60.
75

أن أحمد بن زيد في السندين هو بعينه أحمد بن زيد الخزاعي، الذي ذكر الشيخ
قدس سره في الفهرست أنه يروي كتاب آدم بن المتوكل، عن أحمد بن عبدون،
عن أبي طالب الأنباري، عن حميد بن زياد، عن أحمد بن زيد الخزاعي،
عنه (1). وكتاب أبي جعفر شاه طاق، والظاهر أنه محمد بن علي بن النعمان،
الملقب بمؤمن الطاق، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن حميد، عن أحمد بن
زيد الخزاعي، عنه (2).
ووافقنا على اتحادهما المتبحر النقاد المولى الحاج محمد الأردبيلي، في جامع
الرواة (3) وظهر مما نقلنا أنه من مشايخ الإجازة، وأن حميدا اعتمد عليه في رواية
الكتب المذكورة، وكتاب محمد بن المثنى كما يأتي.
وقد مر في شرح أصل زيد الزراد ما يقتضي الاعتماد على حميد، والسكون
إلى رواياته.
وستعرف أن مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلى التزكية والتوثيق، إما لعدم
الضرر في ضعفهم وجهالتهم، أو لكونهم ثقات أثبات على اختلاف بينهم.
ومنه ومما نقلنا عن السيد الكاظمي، والعلامة الطباطبائي، في مدح
أرباب الكتب وأصحاب التصانيف، يظهر حسن حال الحضرمي، مع أن
رواياته في الكتاب سديدة مقبولة، يوجد متونها أو مضمونها في سائر الكتب
المعتبرة، ومما يشهد على حسن حاله اعتماد محمد بن مثنى عليه، فإن جل
روايات كتابه عنه فراجع وتأمل.
وأبوه محمد بن شريح من ثقات أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، له
كتاب يرويه جماعة عنه، كما في رجال النجاشي والفهرست، وغيرهما (4).

(1) فهرست الشيخ: 16 / 47.
(2) فهرست الشيخ: 191 / 866.
(3) جامع الرواة 2: 158.
(4) رجال النجاشي: 366 / 991، والفهرست. 141 / 605.
76

8 - وأما كتاب محمد بن المثنى بن القاسم الحضرمي قدس سره:
فالسند إليه في النسخة المتقدمة ما تقدم في سند كتاب جعفر.
وقال النجاشي قدس سره: محمد بن المثنى بن القاسم، كوفي ثقة، له
كتاب، أخبرنا الحسين، قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا حميد، قال:
حدثنا أحمد، عن محمد بن المثنى بكتابه (1).
ويروي عنه الثقة سيف بن عميرة، كما في روضة الكافي (2).
وبملاحظة ما ذكرنا لا ريب في اعتبار الكتاب، والاعتماد عليه، وذكر في
آخر الكتاب حديثين من غير توسط محمد، ووصف فيه أحمد هكذا: بالاسناد
عن حميد بن زياد، عن أبي جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي البزاز، ينزل
في طاق (زهير) ولقيه بزيع، قال: حدثني علي بن عبيد الله (3)... إلى آخره.

(1) رجال النجاشي: 371 / 1012.
(2) روضة الكافي 8: 303.
(3) انظر كتاب محمد بن المثنى (ضمن الأصول الستة عشر): 93.
77

9 - وأما كتاب عبد الملك بن حكيم:
ففي رجال النجاشي: عبد الملك بن حكيم الخثعمي، كوفي
ثقة، عين، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، له
كتاب يرويه جماعة: أخبرنا القاضي أبو عبد الله الجعفي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، قال:
حدثنا جعفر بن محمد بن حكيم، قال: حدثنا عبد الملك بن حكيم بكتابه (1).
وفي الفهرست: عبد الملك بن حكيم، له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن
التلعكبري، عن ابن عقدة، وذكر مثله (2).
والسند في أول الكتاب أيضا: التلعكبري، عن ابن عقدة.. (3) إلى آخره.
ويظهر من النجاشي أنه من الأصول، وإن نسبة الكتاب إليه معلومة،
ويرويه عنه جماعة، إنما اقتصر على الطريق الواحد لمجرد الاختصار، على
حسب عادتهم في فهارسهم، فلا يضر إذا ضعف جعفر كما توهم، أو جهالته
كما قيل، بل اعتماد المشايخ الثلاثة - وهم وجوه الطائفة، ونقدة الاخبار في
طريقهم إلى كتاب عمه عليه - قرينة ظاهرة على حسن حاله، بل وثاقته في
الحديث، مع أنه يروي عنه مثل (علي بن) الحسن بن فضال، وهو بمكان من
التثبت والاحتياط في النقل والرواية، وورد فيه وفي سائر بني فضال ما ورد من
الاخذ بما رووا، والثقة الجليل موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب كما في
التهذيب في باب المواقيت من كتاب الحج (4)، والثقة الجليل محمد بن إسماعيل

(1) رجال النجاشي: 239 / 636
(2) الفهرست: 110 / 474.
(3) كتاب عبد الملك بن حكيم (ضمن الأصول الستة عشر: 98
(4) التهذيب 5: 57 / 179.
78

ابن بزيع كما في الكافي في باب بيض الدجاج من كتاب الأطعمة (1) وأحمد بن
محمد بن خالد فيه أيضا (2)، وبعد رواية هؤلاء عنه لا وقع لما توهم أو قيل فيه

(1) الكافي 6: 324 / 1.
(2) الكافي 6: 324 / 1.
79

10 - وأما كتاب مثنى بن الوليد الحناط: ففي رجال النجاشي: مثنى بن الوليد الحناط، مولى، كوفي، روى عن
أبي عبد الله عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة:
أخبرنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال:
حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا الحسن بن علي بن يوسف بن بقاح، قال:
حدثنا مثنى بكتابه (1).
وفي الفهرست: مثنى بن الوليد الحناط له كتاب، رواه الحسن بن علي
الخزاز عنه، وفيه بلا فصل: مثنى بن الحضرمي له كتاب، أخبرنا بهما جماعة،
عن أبي المفضل، عن ابن بطة، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي
عمير، عنهما (2).
وأما طريق التلعكبري في النسخة الموجودة، ففيها قال الشيخ رحمه الله:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال التيملي،
قال: حدثنا العباس بن عامر القصبي، قال: حدثنا مثنى بن الوليد الحناط،
عن ميسر بياع الزطي (3)... إلى آخره.
وقال الشيخ الجليل أبو غالب أحمد بن محمد بن سليمان الزراري في
رسالته إلى ولد ولده، في ذكر طرقه إلى الكتب: كتاب مثنى الحناط، حدثني به
جدي، عن الحسن بن محمد الطيالسي، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس
الخزاز، عن مثنى (4).
وقال أبو عمرو الكشي قدس سره في رجاله: قال أبو النضر محمد بن

(1) رجال النجاشي: 414 / 1106.
(2) الفهرست: 167 / 736 و 737 وفيه بدل بهما: به، وبدل عنهما: عنه.
(3) كتاب مثنى بن الوليد الحناط (ضمن الأصول الستة عشر: 102.
(4) رسالة أبي غالب الزراري: 66 / 59.
80

مسعود: قال علي بن الحسن: سلام، ومثنى بن الوليد، والمثنى بن عبد السلام
كلهم حناطون، كوفيون، لا بأس بهم (1).
وقد قرر في محله أن قولهم: لا بأس به، أي بوجه من الوجوه، فيفيد
التوثيق كما عليه جماعة، مع أنه يكفي في وثاقته رواية ابن أبي عمير عنه كما
عرفت، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي حطا في الكافي في باب بيع الزرع
الأخضر، وباب من زاد على خمس تكبيرات من أبواب الجنائز (2).
وفي التهذيب في باب الأغسال المفروضات، وفي باب الحيض من أبواب
الزيادات، وفي باب أحكام السهو في الصلاة (3). وغيرهما من الاجلاء الثقات
من أصحاب الاجماع وغيرهم، سوى من تقدم ذكرهم مثل:
عبد الرحمن بن أبي نجران كما في التهذيب في باب البينات (4)، وفي
الكافي في باب الصدق والأمانة، وفي باب نادر قبل باب دخول القبر، وفي باب
ما يجب على الحائض في أداء المناسك (5)، وفي التهذيب في باب ميراث ابن
الملاعنة، وفي باب العتق (6).
وعلي بن الحكم في الكافي في مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما
السلام، وفي باب صلاة فاطمة عليها السلام، وفي باب الاهتمام بأمور
المسلمين، وفي باب ما جاء في الهندباء، وفي باب الحمام من كتاب الزي
والتجمل (7)، وفي التهذيب مكررا في باب ميراث الإخوة (8).

(1) اختيار معرفة الرجال 2: 629 / 623.
(2) الكافي 5: 375 / 4 و 3: 186 / 1.
(3) التهذيب 1: 106 / 276، و 1: 399 / 1246، و 2: 190 / 754
(4) التهذيب 6: 265 / 706.
(5) الكافي 2: 85 / 3، و 3: 192 / 2، و 4: 447 / 5.
(6) التهذيب 9: 339 / 1221، و 8: 227 / 821.
(7) الكافي 1: 391 / 3، و 3: 468 / 1، و 2: 131 / 8، و 6: 362 / 1، و 6:
497 5.
(8) التهذيب 9: 320 / 1149 و 1150.
81

والحسن بن علي الوشاء في الكافي في كتاب العقل، وفي باب البدع
والرأي، وفي باب المستضعف، وفي باب الرمي عن العليل (1).
والحسن بن راشد فيه في باب الشكر (2).
وابن فضال فيه في باب اللقيط، وفي باب شدة ابتلاء المؤمن (3)، وفي
التهذيب في باب ابتياع الحيوان (4).
وعلي بن الحسن بن رباط، في الكافي في باب أن النساء لا يرثن من
العقار شيئا (5)، وفي الاستبصار في باب أن المرأة لا ترث من العقار والدور (6).
وعبد الله بن مسكان في التهذيب في باب تلقين المحتضرين من أبواب
الزيادات (7).
والحسن بن محبوب فيه في باب التلقي والحكرة (8)، وفي الكافي في باب
التلقي
ومعاوية بن حكيم في التهذيب في باب أحكام الطلاق (10)، وفي
الاستبصار في باب من طلق امرأته ثلاث تطليقات (11).

(1) الكافي 1: 19 حديث 21، و 1: 46 حديث 11 و 2: 298 حديث 6، و 4: 486 حديث 4.
(2) الكافي 2: 79 / 19.
(3) الكافي 5: 224 / 1، و 2 و 2: 199 / 24.
(4) التهذيب 7: 78 / 332.
(5) الكافي 7: 129 / 10.
(6) الاستبصار 4: 152 / 575.
(7) التهذيب 1: 432 / 1385.
(8) التهذيب 7: 158 / 696.
(9) الكافي 5: 168 / 2.
(10) التهذيب 8: 56 / 181.
(11) الاستبصار 3: 289 / 1020.
82

والحسين بن أبي العلاء في التهذيب في باب التيمم من أبواب
الزيادات (1)، وفي الاستبصار في باب من دخل الصلاة بتيمم ثم وجد
الماء (2).
وهؤلاء كلهم أجلاء ثقات، بل جلهم معدودون في الفقهاء الكبار،
وأساطين حملة الاخبار، وحاشاهم أن يرووا مع اختلاف مشاربهم عمن لا
يثقون به، ولا يعتمدون عليه، وهذا من أجلى القرائن للتزكية والتوثيق عند
أرباب التحقيق، والله تعالى ولي التوفيق.

(1) التهذيب 1: 406 / 1277.
(2) الاستبصار 1: 168 / 581.
83

11 - وأما كتاب خلاد السدي قدس سره:
ففي النجاشي: خلاد السدي البزاز، كوفي، روى عن أبي عبد الله، وقيل:
أنه خلاد بن خلف المقرئ، خال محمد بن علي الصيرفي أبي سمينة، له كتاب
يرويه عدة: منهم ابن أبي عمير، أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا
يحيى بن زكريا بن شيبان محمد بن مفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة
الأشعري، قال حدثنا ابن أبي عمير، عن خلاد بكتابه (1).
وفي الفهرست: خلاد السدي له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن
التلعكبري، عن ابن عقدة، عن يحيى بن زكريا بن شيبان، عن بن أبي عمير،
عن خلاد السدي (2).
وهذا بعينه طريق التلعكبري في النسخة الموجودة (3).
وقد أخرج الكليني عنه في الكافي باب من مات وليس له وارث، عن علي
ابن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن خلاد (4).
والشيخ في التهذيب في باب من مات وليس له وارث من العصبة،
بإسناده عن أ حمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن خلاد (5). وفي الاستبصار
في باب تحريم ما يذبحه المحرم من الصيد (6).
والسدي كما في الايضاح: بضم السين (7)، والموجود المضبوط في نسخ

(1) رجال النجاشي: 154 / 405.
(2) الفهرست: 66 / 261.
(3) كتاب خلاد، (ضمن الأصول الستة عشر،: 106
(4) الكافي 7: 169 / 2
(5) التهذيب 9: 387 / 1382، وفيه عن خلاد عن السري
(6) الاستبصار 2: 215 / 739، وفيه: خلاد السندي.
(7) الايضاح: 35.
84

كتب الرجال والاخبار - ثم الدال، كأنه منسوب إلى سدة، وهي سدة مسجد
الكوفة، وكان السدي المعروف يبيع بها المقانع، وهي ما يبقى من الطاق
المسدود، ولذا نسب إليها.
وقد وقع في كتب الفقهاء والاخبار تحريفات عجيبة، حتى من الشيخ في
التهذيب، فتارة حرفوه بالسري، وأخرى بالسندي، وفي موضع من الجواهر
بالبرقي، بل في التهذيب في الباب المتقدم عن خلاد، عن السري، بل فيه في
باب الكفارة عن خطأ المحرم: عن حماد السري (1)، مع نقله في الاستبصار
خلاد، وكل هذا تحريف غير خفي على الخبير النقاد.
وقد اتضح بما ذكرنا اعتبار الكتاب (2)، وحسن حال خلاد، بل وثاقته
لرواية ابن أبي عمير عنه، واعتماد المشايخ عليه.

(1) التهذيب 5: 378 حديث 1319 وفيه: خلاد السندي، وانظر جامع الرواة 1: 296.
(2) لم يرد في المخطوطة.
85

12 - وأما كتاب الحسين بن عثمان:
ففي النجاشي: الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي
العامري الوحيدي، ثقة، روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن عليهما السلام.
ذكره أصحابنا في رجال أبي عبد الله عليه السلام، له كتاب
تختلف الرواية فيه، فمنها ما رواه ابن أبي عمير، أخبرنا إجازة محمد بن جعفر،
عن أحمد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم سنة خمس وستين
ومائتين، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان (1).
والسند إليه في أول الكتاب هكذا: الشيخ أيده الله تعالى - يعني
التلعكبري - قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا
جعفر بن عبد الله المحمدي، قال حدثنا محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن
عثمان، عن عبد الله بن مسكان... إلى آخره، والطريقان في غاية القوة والاعتبار.
وقد روى عن الحسين غير ابن أبي عمير جماعة من الاجلاء، فمنهم:
الحسين بن سعيد في الكافي في باب حد المرض الذي يجوز للرجل أن
يفطر فيه (2).
وأيوب بن نوح في باب كيفية الصلاة من التهذيب (3).
ومحمد بن الحسين في باب الصلاة في السفر من أبواب الزيادات من
التهذيب، وفي الاستبصار في باب من يجب عليه التمام (4).
وموسى بن القاسم في أواسط باب الزيادات في فقه الحج من

(1) رجال النجاشي: 53 / 119.
(2) الكافي 4: 119 / 7.
(3) التهذيب 2: 137 / 532.
(4) التهذيب 3: 219 / 544، والاستبصار 1: 235 / 839.
86

التهذيب (1).
والقاسم بن محمد في الكافي في باب التعزية (2)، وفي التهذيب في باب
تلقين المحتضرين من أبواب الزيادات (3).
وقد أشرنا غير مرة أن رواية الأجلة عن راو من علائم الوثاقة.
وذكره الشيخ قدس سره في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام،
وقال فيه: أسند عنه (4).
وقد ذكرنا في محله دلالة هذه. الكلمة على التوثيق، وابن عقدة ذكره في
رجاله الذي ذكر فيه أربعة آلاف رجل من ثقات أصحاب الصادق عليه
السلام.
وقال العلامة قدس سره في الخلاصة: قال الكشي، عن حمدويه، عن
أشياخه: إن الحسين بن عثمان خير، فاضل، ثقة (5).
واعترض عليه صاحب التلخيص بأن الكشي قال ذلك في الحسين بن
عثمان بن زياد الرواسي، والاتحاد محل نظر (6).
قلت عبارة اختيار رجال الكشي هكذا: حمدويه: سمعت أشياخي
يذكرون أن حمادا وجعفرا والحسين بنى عثمان بن زياد الرواسي، كلهم

(1) لم نقف على هذا الحديث في الباب المشار إليه في النسخة المطبوعة من التهذيب. نعم في 5:
461 حديث 1606 وفيه... ابن أبي عمير عن الحسين بن عثمان... ولكن ذكر ذلك
الأردبيلي في جامع الرواة: 1 / 247.
(2) الكافي 3: 204 / 5.
(3) التهذيب 1: 463 / 1513.
(4) رجال الشيخ الطوسي: 169 / 63، وانظر في تفسير هذه. الكلمة ما ورد في العدد 3 من السنة
الأولى من نشرة تراثنا التي تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بقلم
العلامة المحقق المتتبع السيد محمد رضا الجلالي.
(5) الخلاصة 51 / 15.
(6) التلخيص (مخطوط): 114.
87

فاضلون خيار ثقات (1).
والعلامة ذكر هذه العبارة في ترجمة حماد بفاصلة قليلة (2).
ومن البعيد أن يكون ما نقله في العامري الوحيدي ملتقطا مما ذكره
الكشي في الرواسي واخوته، وعدم وجود ما نقله في الأول في الكشي الموجود
لا يوجب الحمل على الاشتباه وتوهم الاتحاد لما أشرنا إليه سابقا من وجود
نسخة أصل رجال الكشي في عصره، ولعل ما نقله أولا يوجد فيه، إلا أن الذي
يقرب هذا البعيد أنه لم يذكر الرواسي في الخلاصة، مع أنه مذكور في الكشي
تبعا، وفي الفهرست منفردا، وذكر له كتابا، وذكر طريقه إليه (3)، إن هذا إلا
لتوهم الاتحاد والله العاصم.

(1) رجال الكشي 1: 670 / 694.
(2) انظر الخلاصة: 56 / 3.
(3) الفهرست: 57 / 215.
88

13 - وأما كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي:
ففي النجاشي: عبد الله بن يحيى أبو محمد الكاهلي، عربي
أخو إسحاق، رويا عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، وكان
عبد الله وجيها عند أبي الحسن عليه السلام، ووصى به علي بن يقطين
رحمه الله فقال له: (إضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنة). وقال
محمد بن عقدة الناسب: عبد الله بن يحيى الذي يقال له الكاهلي، هو تميمي
النسب، وله كتاب يرويه جماعة منهم: أحمد بن محمد بن أبي نصر، أخبرنا
القاضي أبو عبد الله الجعفي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال:
حدثنا محمد بن أحمد القطواني، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن
الكاهلي بكتابه (1).
وفي الفهرست: عبد الله بن يحيى الكاهلي له كتاب، أخبرنا به ابن أبي
جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن
عبد الله بن يحيى.
وأخبرنا به أبو عبد الله المفيد قدس سره، عن محمد بن علي بن الحسين،
عن أبيه وحمزة بن محمد ومحمد بن علي، عن علي إبراهيم، عن أبيه، عن
محمد بن أبي عمير، عن الكاهلي (2).
وفي مشيخة الفقيه: وما كان فيه عن عبد الله بن يحيى الكاهلي فقد رويته
عن أبي رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن

(1) رجال النجاشي 221 / 580، وفيه بدل محمد بن عقدة الناسب: محمد بن عبدة
الناسب، هذا وفي المخطوطة والحجرية بدل أحمد بن محمد بن سعيد: محمد بن محمد
ابن سعيد.
(2) الفهرست 102 / 430
89

أحمد بن أبي نصر البزنطي، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي (1).
وطريق التلعكبري في النسخة الموجودة: الشيخ - أيده الله تعالى - قال:
حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن
الحسن بن الحكم القطواني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي،
قال: حدثنا عبد الله بن يحيى الكاهلي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول (2)... الخبر.
ويروي عنه سوى البزنطي وابن أبي عمير جماعة، منهم:
زكريا بن آدم قدس سره في التهذيب في باب اليوم الذي يشك فيه من
شهر رمضان، وفي باب أنه يعق يوم السابع (3)، وفي باب القول على
العقيقة (4).
والحسن بن محبوب فيه في باب الشركة والمضاربة، وفي باب التلقي
والحكرة، وفي باب الذبح (5)، وفي الاستبصار في باب الهدي المضمون، وفي
باب المضارب يكون له الربح (6).
وصفوان بن يحيى في الكافي في باب صفات الذات، وفي باب فضل
الحج والعمرة، وفي باب صفة التيمم (7)، وفي التهذيب في باب الإجازات، وفي
باب صفة التيمم (8).

(1) من لا يحضره الفقيه (المشيخة): 101.
(2) كتاب عبد الله الكاهلي (ضمن الأصول الستة عشر: 114.
(3) التهذيب 4: 181 / 505، و 7: 443 / 1772.
(4) لعل الإشارة إلى التهذيب من سهو النساخ حيث لا يوجد في التهذيب بابا تحت هذا العنوان.
والظاهر أنه الكافي 6: 31 / 6.
(5) التهذيب 7: 188 / 831، و 7: 158 / 698، و 5: 225 / 759.
(6) الاستبصار 2: 273 / 968، و 3: 127 / 454.
(7) الكافي 1: 83 / 3، و 4: 253 / 7 و 3: 62 / 3.
(8) التهذيب 7: 219 / 957، و 1: 207 / 600.
90

وفضالة بن أيوب في الفقيه في باب إحرام الحائض (1)، وفي باب بيع
الماء والمنع منه من التهذيب (2).
والقاسم بن محمد فيه فيه، وفي باب المهور والأجور منه، وفي باب
الذبائح والأطعمة (3).
وعلي بن الحكم الكوفي الثقة فيه في باب الصلاة في السفر، وباب
الشفعة (4) وغيرها، وفي الكافي في باب الماء الذي فيه قلة وغيره (5).
والحسين بن سعيد في التهذيب في باب العقود على الإماء، وفي باب
ضروب الحج (6)، وفي الاستبصار في باب البئر تقع فيها العذرة اليابسة، وفي
باب من لم يجد الهدي ووجد الثمن، وفي باب النهي عن بيع الذهب
بالفضة (7).
والحسن بن محمد الحضرمي في التهذيب في باب المهور والأجور، وفي
باب عقد المرأة على نفسها النكاح (8)، وفي الكافي في باب الرجل يهوى امرأة
وأبوه يهوى غيرها (9).
ومحمد بن خالد فيه في باب الكتمان، وفي باب الشرك، وفي باب

(1) من لا يحضره الفقيه 2: 241 / 1152.
(2) التهذيب 7: 139 / 617.
(3) التهذيب 7: 139 / 617، و 7: 365 / 1479، و 9: 88 / 370.
(4) التهذيب. 3: 207 / 493، و 7: 165 / 732.
(5) الكافي 3: 3 / 1.
(6) التهذيب 7: 350 / 1428، و 5: 38 / 112.
(7) الاستبصار 1: 41 / 116، و 2: 260 / 919 و 3: 93 / 317 وفيه: الحسين بن سعيد
عن عبد الله بن يحيى (بحر).
(8) التهذيب 7: 376 / 1523، و 7: 392 / 1569.
(9) الكافي 5: 401 / 2.
91

التقدم في الدعاء (1).
وعلي بن مهزيار فيه في باب من وصف عدلا وعمل بغيره (5).
وعلي بن الحسن بن رباط في التهذيب في باب الاحداث الموجبة
للطهارة (3)، وفي الاستبصار في باب المذي والودي (4).
ومحمد بن حماد بن زيد الثقة في التهذيب في باب الاحداث الموجبة
للطهارة، وفي باب فضل الصلاة من أبواب الزيادات، ومرتين في باب كيفية
الصلاة منها (5)، وفي الاستبصار في باب الجهر ب‍ (بسم الله الرحمن
الرحيم) (6).
وإسحاق بن عمار في الكافي في باب حق الجوار (7).
وثعلبة بن ميمون الفقيه المقدم في هذه العصابة في التهذيب في باب
صفة الوضوء (8)، وفي الاستبصار في باب كيفية المسح على الرجلين (9).
وعبد الله بن مسكان في التهذيب في باب تلقين المحتضرين (10)، وفي
الاستبصار في باب موضع الكافور من الميت (11).

(1) الكافي 2: 177 حديث 8، و 2: 292 حديث 7، و 2: 343 حديث 5، وفيها عن محمد
ابن خالد عن عبد الله بن يحيى.
(2) الكافي 2: 227 / 4.
(3) التهذيب 1: 19 / 46.
(4) الاستبصار 1: 93 / 299.
(5) التهذيب 1: 34 حديث 92، و 2: 236 حديث 933، و 2: 288 حديث 1155، و 2.
289 / 1159.
(6) الاستبصار 1. 311 / 1157.
(7) الكافي 2: 489 / 4.
(8) التهذيب 1: 90 / 240.
(9) الاستبصار 1: 60 / 179.
(10) التهذيب 1: 307 / 892.
(11) الاستبصار 1: 212 / 747.
92

وحماد بن عثمان في الكافي في باب التسليم وفضل المسلمين (1).
وغيرهم ممن لا حاجة إلى ذكرهم بعد رواية هؤلاء، الذين فيهم الثلاثة
الذين نصوا على عدم روايتهم إلا عن الثقة، وجمع من أصحاب الاجماع
والفقهاء، من الثقات والاجلاء من الرواة، الذين بلغوا الغاية في التثبت
والاتقان، فلا ينبغي التشكيك في توثيق من عكفوا عليه، وأخذوا عنه.
وفي رجال أبي عمرو الكشي: عبد الله بن يحيى الكاهلي: علي بن محمد،
قال: حدثني محمد بن عيسى، قال: زعم ابن أخي الكاهلي أن أبا الحسن
الأول عليه السلام، قال لعلي بن يقطين: (إضمن لي الكاهلي وعياله، أضمن
لك الجنة) (2).
وفي موضع آخر منه: حدثني حمدويه بن نصير (قال: حدثني محمد بن
نصير) (3) قال: حدثني محمد بن عيسى، قال: زعم الكاهلي أن أبا الحسن عليه
السلام، قال لعلي بن يقطين: (إضمن لي الكاهلي وعياله، أضمن لك الجنة)
فزعم ابن أخيه أن عليا رحمه الله لم يزل يجري عليهم الطعام، والدراهم،
وجميع النفقات مستغنين حتى مات الكاهلي، وأن نفقته كانت تعم عيال
الكاهلي وقراباته. والكاهلي يروي عن أبي عبد الله عليه السلام (4).
وجدت بخط جبرئيل بن أحمد: حدثني محمد بن عبد الله بن مهران، عن
الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أخطل الكاهلي، عن عبد الله بن
يحيى الكاهلي، قال: حججت فدخلت على أبي الحسن عليه السلام، فقال لي.
(إعمل خيرا في سنتك هذه، فإن أجلك قد دنا) قال: فبكيت، فقال:
(ما يبكيك) قلت: جعلت فداك نعيت إلي نفسي، قال: (إبشر فإنك من

(1) الكافي 1: 321 / 2.
(2) رجال الكشي 2: 704 / 749.
(3) النسخ المطبوعة خالية من هذا القول.
(4) رجال الكشي 2: 745 / 841.
93

شيعتنا، وأنت إلى خير) قال أخطل: فما لبث عبد الله بعد ذلك إلا يسيرا حتى
مات (1).

(1) رجال الكشي 2: 745 / 842
94

14 - وأما كتاب سلام بن أبي عمرة:
ففي النجاشي: سلام بن أبي عمرة الخراساني، ثقة، روى عن أبي جعفر
وأبي عبد الله عليهما السلام، سكن الكوفة، له كتاب يرويه عنه عبد الله بن
جبلة، أخبرني عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا
القاسم بن محمد بن الحسين بن حازم، قال: قال: حدثنا عبد الله بن جبلة،
قال: حدثنا سلام (1).
والمراد بالعدة هنا كما صرح به العلامة الطباطبائي: رجال ابن عقدة، وهم:
محمد بن جعفر الأديب، وأحمد بن محمد بن هارون، وأحمد بن محمد بن
الصلت، والقاضي أبو عبد الله الجعفي. قال رحمه الله: والظاهر اشتراك الكل
في التوثيق (2).
وفي الفهرست: سلام بن عمرو له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن
التلعكبري، عن ابن عقدة، عن القاسم بن محمد بن الحسين بن حازم، عن
عبد الله بن جبلة، عن سلام بن عمرو (3).
والسند في الكتاب أيضا مثله (4)، إلا أن فيه سلام بن أبي عمرو، فالظاهر
أن ما في الفهرست اشتباه، أو أن عمرو اسم أبي عمرة.
وفي رجال الشيخ رحمه الله في أصحاب الصادق عليه السلام: سلام بن
أبي عمرة الخراساني (5).
واحتمال التعدد من الأوهام.

(1) رجال النجاشي: 189 / 502.
(2) رجال السيد بحر العلوم 2: 103.
(3) الفهرست: 82 / 339.
(4) كتاب سلام بن أبي عمرة (ضمن الأصول الستة عشر): 117 وفيه بن أبي عروة.
(5) رجال الشيخ الطوسي: 210 / 129.
95

والقاسم بن محمد المذكور في طرق المشايخ الثلاثة غير مذكور في
الرجال، ولكن الظاهر أنه من مشايخ الإجازة، ومن اعتماد الشيخ والنجاشي
والتلعكبري في طريقهم إلى الأصل المذكور عليه، يظهر حسن حاله.
وليس فيه من الاخبار الفرعية إلا نزر يسير.
96

15 - وأما نوادر علي بن أسباط:
ففي النجاشي: علي بن أسباط بن سالم، بياع الزطي، أبو الحسين
المقرئ، كوفي، ثقة، وكان فطحيا، جرى بينه وبين علي بن مهزيار
رسائل، رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام، فرجع علي بن
أسباط عن ذلك القول وتركه، وقد روى عن الرضا عليه السلام من
قبل ذلك،
وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجة، له كتاب الدلائل. إلى أن قال:. له كتاب
نوادر مشهور، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الجراح الجندي، قال:
حدثنا محمد بن علي بن همام أبو علي الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
موسى، قال: حدثنا أحمد بن هلال، عن علي بن أسباط (1).
وفي الفهرست: علي بن أسباط الكوفي، له أصل وروايات، أخبرنا به
الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه، عن محمد
ابن أحمد بن أبي قتادة، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن علي بن أسباط.
- وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط (2).
وفي مشيخة الفقيه. وما كان فيه عن علي بن أسباط فقد رويته عن محمد
ابن الحسن رضي الله عنه وساق مثله (3).
والسند في أول النسخة هكذا: الشيخ أيد الله تعالى - يعني
التلعكبري رضي الله عنه - قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد
الهمداني، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن فضال، قال: حدثنا علي بن أسباط،

(1) رجال النجاشي: 252 / 663 وفيه: أخبرنا.... ابن الجراح الجندي.
(2) الفهرست: 90 / 374.
(3) الفقيه 4: 97، من المشيخة.
97

قال: أخبرنا يعقوب بن سالم الأحمر، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام،
قال: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله بات آل محمد عليهم السلام بليلة
أطول ليلة) (1) الخبر.
وفي الكافي: الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن منصور بن
العباس، عن علي بن أسباط، عن يعقوب، وساق مثله (2).
وقد اختلفت كلمات الأصحاب في رجوعه عن الفطحية وعدمه، وفي
زمان رجوعه، ولا حاجة إلى نقلها وتحقيق الحق بعد اعتبار كتابه، واعتماد
المشايخ عليه، وكونه أوثق الناس وأصدقهم، وكثرة الطرق إلى كتبه، وفيها
الصحيح، وإكثار رواية الاجلاء عنه، فقد روى عنه سوى من تقدم:
أحمد بن محمد بن عيسى في الكافي في باب العجب (3)، وفي التهذيب
في باب ميراث من علا من الاباء، وفي باب السنة في عقود النكاح، وفي باب
الاستخارة له (4).
وإبراهيم بن هاشم في الكافي في باب العجب، وفي باب أصول الكفر
وأركانه، وفي باب ذي اللسانين، وفي باب صلاة الاستخارة (5)، وفي التهذيب
في باب من يحرم نكاحهن من الأزواج (6).
ويعقوب بن يزيد فيه في باب تلقين المحتضرين (7)، وفي الكافي في باب
وقت ما يعلم الامام جميع علم الإمام الذي قبله، وفي باب من حثا على

(1) نوادر علي بن أسباط، ضمن الأصول الستة عشر: 121.
(2) الكافي 1: 370 / 19.
(3) الكافي 2: 236 / 1.
(4) التهذب 9: 312 / 1121، و 7: 414 / 1657 و 7: 407 / 1628
(5) الكافي 2: 236 / 3 و 2: 220 / 7 و 2 / 257 / 3 و 3: 471 / 5.
(6) التهذيب 7: 310 / 1285.
(7) التهذيب 1: 319 / 928.
98

ميت (1).
والحسين بن سعيد فيه فيه، وفى باب أن الأئمة عليهم السلام ولاة
أمر الله عز وجل (2).
والحسن بن موسى الخشاب في التهذيب في باب التيمم، وفي باب
فضل المساجد، وغيرها (3).
والحسن بن علي الوشاء فيه في باب أحكام السهو في الصلاة (4).
ومنصور بن حازم في الاستبصار في باب النفر الأول (5).
وموسى بن القاسم البجلي في الكافي في باب صلاة الاستخارات، وفي
باب البخور (6)، وفي التهذيب في باب المدينة وفضلها (7).
وعمران بن موسى في الكافي في باب ماء السماء في كتاب الأشربة (8).
وعلي بن الحسن الطاطري - الذي قالوا فيه: روى عن الرجال الموثوق
بهم وبرواياتهم - في التهذيب في باب أوقات الصلاة (9).
ومحمد بن عيسى بن عبيد في الكافي في باب مولد الحسين عليه
السلام (10).
وعبد العظيم بن عبد الله الحسني في الكافي في باب أن الأئمة عليهم

(1) الكافي 1: 216 / 3، و 3: 199 / 5.
(2) الكافي 1: 216 / 1، و 1: 148 / 2.
(3) التهذيب 1: 202 / 587، و 3: 249 / 682.
(4) التهذيب 2: 197 / 774.
(5) الاستبصار 2: 301 / 1075.
(6) الكافي 3: 471 / 5 و 6: 518 / 3.
(7) التهذيب 6: 16 / 37.
(8) الكافي 6: 388 / 3
(9) التهذيب 2: 23 / 65.
(10) الكافي 1: 387 / 6.
99

السلام نور الله عز وجل، وباب التسليم، وباب معاني الأسماء، وغيرها (1).
وأحمد بن محمد بن خالد فيه في باب النية في كتاب الكفر والايمان (2).
والحجال فيه في باب معرس) النبي صلى الله عليه وآله وسلم (3).
وهؤلاء من أجلاء الثقات، وفقهاء الرواة، يكفي روايتهم عنه في علو
مقامه، وسمو شأنه.
ويروى عنه غيرهم جماعة لا حاجة إلى ذكرهم، فإن الغرض بيان وثاقته،
واعتبار كتابه، لاتمام ما يتعلق به، فإنه موكول إلى كتب الرجال.

(1) الكافي 1: 151 / 4، و 1: 322 / 8، و 1: 92 / 11.
(2) الكافي 2: 69 / 4.
(3) الكافي 4: 565 / 2.
100

16 - مختصر كتاب العلاء:
وجدناه بخط الشيخ الجليل صاحب الكرامات محمد بن
علي الجباعي، نقله من خظ الشيخ الشهيد الأول قدس سرهما، أوله
هكذا: من كتاب العلاء، وساق الاخبار، وكتب في آخره: آخر المختار
نقلا من خط الشيخ العالم محمد بن مكي، وهو نقل من خط الشيخ
الجليل محمد بن إدريس في العشرين من جمادى الأولى، سنة ستين وثمانمائة (1)
وتأريخ الكاتب (2) (للأصل آخر يوم الجمعة) (3) ثامن عشر من شهر رمضان،
سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وذهب هنا (4) نصف السطر في آخر الصفحة،
وبقي منه هذا: سبعين وخمسمائة، قال وهو يسأل من الله التوفيق واللطف،
وذهب سطر آخر أيضا، والظاهر أن هذا تأريخ خط ابن إدريس.
والعلاء كما في النجاشي: ابن رزين القلا، ثقفي، مولى، قاله ابن فضال،
وقال ابن عبدة الناسب: مولى يشكر، كان يقلي السويق، روى عن أبي عبد الله
عليه السلام، وصحب محمد بن مسلم قدس سره وفقه عليه، وكان ثقة وجها،
والهلال بن العلاء روى عنه وعبد الملك بن محمد بن العلاء.
له كتب يرويها جماعة، أخبرنا جماعة، عن الحسن بن حمزة، قال: حدثنا
محمد بن جعفر، عن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا

(1) مختصر أصل علاء بن رزين (ضمن الأصول الستة عشر): 150.
(2) ورد في المخطوطة فوقها: كذا.
(3) وردت. في المخطوطة هكذا: الأصل يوم آخر الجمعة، وورد فوقها: تاريخ خط الجباعي قدس سره.
(4) ورد في المخطوطة فوقها: تاريخ خط الشهيد قدس سره.
101

الحسن، عن العلاء بكتابه (1).
وفي الفهرست: العلاء بن رزين القلا، جليل القدر، ثقة، له كتاب، وهو
أربع نسخ، منها رواية الحسن بن محبوب، وذكر النسخ والطرق وجلها
صحاح، وقال في آخر كلامه: قال ابن بطة: العلاء بن رزين أكثر رواية من
صفوان. بن يحيى (2).
وفي هذا المقدار كفاية لاعتبار كتابه، وعلو مقامه.

(1) رجال النجاشي: 298 / 811.
(2) فهرست الشيخ: 112 / 488.
102

17 - كتاب المؤمن أو ابتلاء المؤمن:
هو للثقة الجليل الحسين بن سعيد الأهوازي، أما جلالة
قدره وبيان حاله فلا يحتاج إلى البيان، وأما الكتاب المذكور فهو
داخل في كتبه الثلاثين. التي يضرب باعتبارها المثل، إلا أن النجاشي
عبر عنه بكتاب حقوق المؤمنين وفضلهم (1)، والشيخ في الفهرست بكتاب
المؤمن، (2). والطرق إليها كثيرة - مذكورة في النجاشي، والفهرست، ومشيخة
الفقيه (3)، - غنية عن التزكية والتصحيح.
وقد ذكر هذا الكتاب بخصوصه الشيخ الجليل أبو غالب الزراري في
رسالته، فقال: كتاب ما يبتلى به المؤمن لابن سعيد، حدثني به عبد الله بن
جعفر الحميري، في أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد (4)
قدس سرهم.

(1) رجال النجاشي: 58 / 136 - 137.
(2) فهرست الشيخ 58 / 220.
(3) الفقيه 4: 90، من المشيخة.
(4) رسالة أبي غالب الزراري: 47.
103

18 - كتاب الديات:
هو من الأصول المشهورة واعتمد عليها المشايخ الثلاثة قدس سرهم في
الكافي، والتهذيب، والفقيه، وذكروا طرقهم إليه، وبين نسخهم اختلاف
يعرفه النظار.
وقال في النجاشي: ظريف بن ناصح أصله كوفي، نشأ ببغداد، وكان
ثقة في حديثه، صدوقا، له كتب منها كتاب الديات، رواه عدة من أصحابنا،
عن أبي غالب أحمد بن محمد، قال: قرئ على عبد الله بن جعفر وأنا أسمع،
قال: حدثنا الحسن بن ظريف، عن أبيه به (1).
وفي الرسالة المذكورة نسب الكتاب إلى الحسن، فقال: كتاب الديات
للحسن بن ظريف، حدثني به عبد الله بن جعفر، عن الحسن بن ظريف (2).
وقد نقل العالم الفقيه يحيى بن سعيد، ابن عم المحقق تمام الكتاب، في
آخر جامعه، وذكر طريقه إليه فقال: فصل، ولما انتهيت إلى هنا وهو المقصود
بالكتاب، سأل من وجب حقه إثبات كتاب الديات لظريف بن ناصح رحمه
الله، وبإسناده وأجبته إلى ذلك وها أنا ذاكره على وجهه إن شاء الله تعالى:
أخبرني السيد الفقيه العالم الصالح محيي الدين أبو حامد محمد بن عبد الله
ابن علي بن زهرة الحسيني الحلبي رحمة الله عليه قال: أخبرني الشيخ الفقيه
محمد بن علي بن شهرآشوب، عن أبي الفضل الداعي وأبي الرضا فضل الله
ابن، علي الحسيني وأبي الفتوح أحمد بن علي الرازي وأبي علي محمد بن الفضل
الطبرسي ومحمد وعلي ابني علي بن عبد الصمد النيشابوري ومحمد بن الحسن
الشوهاني وجماعة، وكلهم عن أبي علي وعبد الجبار المقرئ، عن الشيخ أبي

(1) رجال النجاشي: 209 / 553. وفيه زيادة: أخبرنا عدة من أصحابنا عن أبي غالب...
(2) رسالة أبي غالب الزراري: 49.
104

جعفر الطوسي قدس سره.
وأخبرني الشيخ محمد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني، في شهر
رجب سنة ست وثلاثين وستمائة، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن هبة الله
ابن رطبة السوراوي، عن أبي علي، عن والده الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس
سره.
وأخبرني السيد المذكور، عن الفقيه عز الدين أبي الحارث محمد بن
الحسن بن علي الحسيني، البغدادي، عن الفقيه قطب الدين أبي الحسين
الراوندي، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الحلبي، عن الشيخ أبي
جعفر الطوسي قدس سره.
قال: أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي، عن
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (1)، عن محمد بن الحسن
ابن الوليد، عن أحمد بن. إدريس، عن محمد بن حسان الرازي، عن إسماعيل
ابن جعفر الكندي، في ظريف بن ناصح، قال: حدثني رجل يقال له:
عبد الله بن أيوب، قال: حدثني أبو عمرو المتطبب، قال: عرضت هذه الرواية
على أبي عبد الله عليه السلام.
وعن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن الشيخ أبي عبد الله، عن أبي القاسم
جعفر بن محمد بن قولويه، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم
ابن هاشم.
وعنه، عن الشيخ أبي عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون،
عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي الطبري، عن علي بن إبراهيم بن هاشم.
وعنه، عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري

(1) في المصدر زيادة: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ظريف بن ناصح.
105

وأبي عند هارون بن موسى التلعكبري وأبي القاسم بن قولويه وأبي عبد الله أحمد
ابن أبي رافع الصيمري (1) وأبي المفضل الشيباني وغيرهم، كلهم عن محمد بن
يعقوب، عن علي بن إبراهبم قدس سرهم.
وعنه، عن أحمد بن عبدون، عن أحمد بن أبي رافع وأبي الحسين
عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز بتنيس وبغداد، عن محمد بن يعقوب،
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ظريف بن ناصح.
وسهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف.
وعن ابن فضال ومحمد بن عيسى، عن يونس، قالا (2): عرضنا عليه هذا
الكتاب فقال: نعم هو حق وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر عماله
بذلك (3).
وبالجملة فهذا الكتاب معروف مشهور، معتمد عليه، وقد نقله في
الوسائل عن الكافي، والتهذيب، والفقيه، وفرق أجزاءه على الأبواب، ونحن
نقلناه عن الأصل، وبينهما اختلاف في بعض المواضع لا يخفى عل الناظر
البصير.

(1) في المخطوط والحجرية: أحمد بن محمد الصيمري. ولم نعرف له وجه، انظر جامع الرواة
1: 39، رجال النجاشي: 84 / 203، الفهرست: 32 / 86، تنقيح المقال 1: 46 و 3 40
من الكنى.
(2) ورد في حاشية المخطوطة: أي ابن فضال ويونس.
(3) الجامع للشرائع: 605.
106

19 - كتاب المسلسلات 20 - وكتاب المانعات من دخول الجنة
21 - وكتاب الغايات 22 - وكتاب العروس:
كلها لأبي محمد جعفر بن أحمد القمي، وهذا الشيخ غير مذكور فيما
وصل إلينا من كتب الرجال، إلا في رجال ابن داود (1) كما ستعرف، مع أنه من
المؤلفين المعروفين وأجلة المحدثين، ومؤلفاته دائرة بين الأصحاب.
قال السيد الاجل علي بن طاووس في كتاب الدروع الواقية - وهو الجزء
الرابع من تتمات المصباح -: ولقد ذكر أبو محمد جعفر بن أحمد القمي في كتاب
زهد النبي صلى الله عليه وآله، من الله عز وجل ما فيه بلاغ (2).
وهذا جعفر بن أحمد عظيم الشأن، من الأعيان، ذكر الكراجكي في
كتاب الفهرست أنه صنف مائتين وعشرين كتابا بقم والري، فقال حدثنا
الشريف أبو جعفر محمد بن أحمد القمي... إلى آخره (3).
وقد نقل عن هذا الكتاب الشيخ الجليل ورام في تنبيه الخاطر (4).
وقال أحمد بن محمد بن فهد الحلي في كتاب التحصين: روى الشيخ
أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي قدس سره نزيل الري، في كتاب المنبئ
عن زهد النبي صلى الله عليه وآله، قال: حدثنا أحمد بن علي بن
بلال (5)... إلى آخره.
وقال السيد ابن طاووس في كتاب المضمار في أعمال شهر رمضان: ورأيت

(1) رجال ابن داود: 64 / 316.
(2) الدروع الواقية: 58.
(3) راجع الذريعة 16: 393.
(4) تنبيه الخاطر: لم نعثر عليه فيه.
(5) التحصين: 20، ضمن كتاب مشير الأحزان.
107

في كتاب اعتقادي (1) أنه تأليف أبى محمد جعفر بن أحمد القمي، عن الصادق
عليه السلام (2)، الخبر.
وقال أيضا في فلاح السائل - بعد رواية التكبيرات الثلاث عقيب الصلاة -:
روى ذلك الشيخ الفقيه السعيد أبو محمد جعفر بن أحمد القمي قدس سره
في كتاب آداب الإمام والمأموم، وساق السند (3) إلى آخره.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان: وروى الشيخ أبو محمد
جعفر بن أحمد القمي نزيل الري في كتاب الإمام والمأموم، باسناده إلى أبي
سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4)... الخبر.
وفي أول تفسير الامام الهمام أبي محمد العسكري عليه السلام على ما في
نسختي، وجملة من النسخ، وأشار إليها في أول البحار أيضا: قال محمد بن علي
ابن محمد بن جعفر بن الدقاق: حدثني الشيخان الفقيهان أبو الحسن محمد بن
أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان وأبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي
رحمهما الله تعالى قالا. حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين
ابن موسى بن بابويه القمي - رحمه الله -... إلى آخره (5).
ومنه يعرف طبقته وأنه في طبقة المفيد، وابن الغضائري وأضرابهما، بل
وطبقة الصدوق، نجل يروي عنه كما يروي هو عنه، ويأتي (6) ذكره في الفائدة
الخامسة في مشايخه، ويظهر من مسلسلاته أنه يروي عن الصاحب بن عباد.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر أنه كان من العلماء المعروفين الذين لا يحتاجون

(1) لم في المخطوطة: اعتقاد، وفي الحاشية: ظاهرا اعتقادي، كذا في النسخ.
(2) الاقبال 14.
(3) فلاح السائل... وعنه في البحار 86: 22 حديث 22.
(4) روض الجنان: 363.
(5) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 9، بحار الأنوار 1: 73.
(6) يأتي في آخر الفائدة الخامسة غد عده لمشايخ الصدوق برقم: 45 ورمز: مه
108

إلى التزكية والتوثيق، وداخل في الجمع الذين أشار إليهم الشهيد الثاني قدس
سره في شرح - الدراية بقوله: تعرف عدالة الراوي بتنصيص عدلين عليها، أو
بالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل، وغيرهم من أهل العلم،
كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ الكليني وما بعده إلى زماننا هذا، ولا يحتاج
أحد من هؤلاء المشهورين إلى تنصيص على تزكيته، ولا تنبيه على عدالته لما
اشتهر في كل عصر من ثقتهم، وضبطهم وورعهم، زيادة على العدالة، وإنما
يتوقف على التزكية غير هؤلاء (1)، إنتهى.
وقال ابن داود في رجاله: جعفر بن علي بن أحمد القمي المعروف بابن
الرازي، وفي باب من لم يرو عنهم عليهم السلام من رجال الشيخ. أبو محمد
ثقة مصنف (2).
قال السيد في منهج المقال: ولم أجده ي غيره (3).
وقال السيد مصطفى أيضا في رجاله - بعد نقل ما في رجال ابن داود -.
ولم أجده في الرجال وغيرة (4).
قال الشيخ عبد النبي الكافي في تكملة الرجال، وهو كالتعليقة عليه:
هذا أحد شيوخ الصدوق رحمه الله كما يظهر من كتاب معاني الأخبار، وكأن
ابن داود أخذ توثيقه من وصف الصدوق إياه بأنه فقيه، قال في الكتاب
المذكور: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي
رضي الله عنه (5) انتهى.
واحتمال رجوع الصفة والترضي إلى جده أحمد غير بعيد، إلا أن الظاهر

(1) الدراية: 69.
(2) برجال ابن داود: 64 / 316، رجال الشيخ 457 / 1.
(3) منهج المقال: 83.
(4) نقد الرجال: 71 / 47.
(5) معاني الأخبار 6 / 3.
109

رجوعه إلى جعفر لأنه هو المسوق له الكلام، وأن رعاية تعظيم الشيوخ أولى،
وتعرضه لتعظيم أواسط السند قليل، إلا أن هذا غايته الحسن لا الوثاقة، ولعل
النسخة التي وقعت لديه فيها بدل الفقيه بالثقة (1)، إنتهى.
قلت: ظاهر الميرزا والسيد التفرشي أنهما لم يجدا أصل الترجمة في رجال
الشيخ، وفيه أن الشيخ أبا علي صرح في رجاله بوجودها فيه، قال في منتهى
المقال:. وفي نسختين عندي من رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم عليهم
السلام: جعفر بن علي بن أحمد القمي المعروف بابن الرازي، يكنى أبا محمد
صاحب المصنفات، وليس فيه التوثيق، لكن نقله في المجمع (2) عن من لم يرو
عنهم عليهم السلام كما ذكره ابن داود (3).
ويظهر من جميع ذلك اختلاف نسخ رجال الشيخ بالزيادة والنقيصة،
وكل من الواجد والعادم صادق في دعوى الوجدان وعدمه، وعليه فنقل ابن
داود التوثيق من رجال الشيخ لا ينافي عدم وجوده في بعض النسخ، لاحتمال
وجوده في نسخته، فلا سبيل إلى تكذيبه أو تخطئته، هذا بناء عل كون التوثيق
من تتمة ما نقله من رجال الشيخ، وإن كان من كلام نفسه، كما يظهر من
الكاظمي، فتصديقه أولى، ولا حاجة إلى ما تمحل له في التكملة من أخذه
الوثاقة من الفقاهة، التي وصفه بها الصدوق في معاني الأخبار، حتى يستشكل
بعدم دلالتها عليها، لجواز أخذها من كلام أخي أستاذه السيد الاجل علي بن
طاووس في الدروع الواقية كما نقلناه، فإنه يدل على الوثاقة وفوقها، مع أن في
عدم الدلالة نظر، كما صرح به الأستاذ الأكبر في فوائده (4)، فراجع وتبصر.

(1) تكملة الرجال 1: 248.
(2) مجمع الرجال 2: 31.
(3) منتهى المقال: 78.
(4) انظر فوائد البهبهاني (رجال الخاقاني): 50.
110

23 - كتاب القراءات للسياري.
ويعبر عنه أيضا بالتنزيل والتحريف، وقد غمز عليه مشايخ الرجال، إلا
أنه يظهر من بعض القرائن اعتبار الكتاب واعتماد الأصحاب عليه، بل والنظر
فيما ذكروا، فنقول:
قال الشيخ في الفهرست: أحمد بن محمد بن سيار أبو عبد الله الكاتب،
بصري كان من كتاب آل طاهر في زمن أبي محمد عليه السلام، ويعرف
بالسياري، ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفو الرواية، كثير المراسيل،
وصنف كتبا منها. كتاب ثواب القرآن، كتاب الطب، كتاب القراءات، كتاب
النوادر، أخبرنا بالنوادر خاصة الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن
يحيى، قال. حدثنا أبي، قال: حدثنا السياري، إلا بما كان فيه من غلو أو
تخليط.
وأخبرنا بالنوادر وغيره جماعة من أصحابنا، منهم الثلاثة الذين ذكرناهم،
عن محمد بن أحمد بن داود، قال. حدثنا سلامة بن محمد، قال: حدثنا علي
ابن محمد الحنائي، قال: حدثنا السياري (1).
وقال النجاشي: أحمد بن محمد بن سيار أبو عبد الله الكاتب، بصري كان
من كتاب آل طاهر في زمن أبي محمد عليه السلام، ويعرف بالسياري، ضعيف
الحديث، فاسد المذهب، ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد الله، مجفو الرواية، كثير
المراسيل، له كتب وقع الينا منها. كتاب ثواب القرآن، كتاب الطب، كتاب
القراءات، كتاب النوادر، كتاب الغارات، أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، وأخبرنا أبو عبد الله القزويني، قال: حدثنا أحمد
ابن محمد بن يحيى، عن أبيه، قال: حدثنا السياري، إلا ما كان من غلو

(1) الفهرست: 23 / 60.
111

وتخليط (1).
وظاهرهما بعد كون مستند التضعيف الغضائري، بل وعدم قبول الثاني
للضعف والفساد، وإلا لما نسبه إليه، ولذكره مع ما رماه به الاعتماد على
رواياته الخالية عن الغلو والتخليط، كما يظهر من ذكر الطريق والاستثناء.
وقد أكثر ثقة الاسلام في الكافي من الرواية عنه، وقد تعهد أن يجمع فيه
الآثار الصحيحة، عن الصادقين عليهم السلام، والسنن القائمة التي عليها
العمل من جملة الاخبار المختلفة، مع قرب عهده به، وقلة الواسطة بينهما.
فروى عنه في باب كراهية التوقيت، عن محمد بن يحيى وأحمد بن
إدريس، عن محمد بن أحمد، عنه (2).
وفي مولد أمير المؤمنين عليه السلام، عن علي بن محمد بن عبد الله،
عنه (3).
وفي باب الدعاء في طلب الولد، في كتاب العقيقة، عن الحسين بن
محمد بن عامر الأشعري الثقة، عنه. وكذا في كتاب العقل والجهل، وباب من
يشتري الرقيق فيظهر به عيب (4).
وفي باب فضل القران، عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، وهو
الشيخ الجليل الحميري، عنه. وكذا في باب دهن الزنبق، وباب صفة الشراب
الحلال (5).
وفي باب سويق الحنطة، عن محمد بن يحيى، عن موسى بن الحسن
- وهو الأشعري الثقة الجليل - عنه. وكذا في باب صفة الشراب الحلال (6).

(1) رجال النجاشي: 80 / 192.
(2) الكافي 1: 301 حديث 6.
(3) الكافي 1: 377 / 2.
(4) الكافي 6: 8 / 5 و 1: 18 / 20 و 5: 125 / 12.
(5) الكافي 2: 457 / 21 و 6: 523 / 1 و 6: 426 / 4.
(6) الكافي 6: 307 / 13 و 6: 426 / 3.
112

وفي باب أن الرجل إذا دخل بلدة فهو ضعيف، عن أبي علي الأشعري
- وهو شيخ القميين - عنه (1).
ويروى عنه في الكافي سهل بن زياد (2)، والمعلى بن محمد (3)، وعلي بن
محمد بن بندار (4) في أبواب متفرقة.
وقال في باب الفئ والأنفال: علي بن محمد بن عبد الله، عن بعض
أصحابنا - أظنه السياري (5) -.
وظاهره - كرواية هؤلاء الأجلة عنه - عدم الاعتناء بما قيل فيه، بناء على
ظهور أصحابنا في مشايخ الامامية،. أو مشايخ أرباب الرواية والحديث، المعتبرة
رواياتهم، وكيف يجتمع هذا مع فساد المذهب؟ إلا أن يريد به بعض المسائل
الأصولية الكلامية التي ساقه - وجماعة من الأجلة -، إليه بعض الأدلة، مما لا
يوجب الكفر والارتداد، ولم يكن ضروريا في تلك الاعصار، وأظن أن مأخذ
جميع ما قيل فيه استثناؤه ابن الوليد عن رواة نوادر الحكمة (6).
ويروي عنه الصفار في بصائر الدرجات، منه في باب ما لا يحجب عن
الأئمة عليهم السلام من علم السماء (7)... إلى آخره.
وقال ابن إدريس في آخر السرائر (باب الزيادات) (8) وهو آخر أبواب
هذا الكتاب: مما استنزعته واستطرفته من كتب المشيخة المصنفين، والرواة

(1) الكافي 6: 282 / 2 وفيه: أبو عبد الله الأشعري.
(2) الكافي 6: 531 / 1.
(3) الكافي 1: 342 / 10.
(4) الكافي 6: 506 / 13.
(5) الكافي 1: 456 / 5.
(6) انظر رجال النجاشي: 348 / 939 وفهرست الشيخ: 145 / 612.
(7) بصائر الدرجات 145 / 4.
(8) لم ترد في المخطوطة.
113

المحصلين، وستقف على أسمائهم.. إلى أن قال: ومن ذلك ما استطرفته من
كتاب السياري، واسمه أبو عبد الله، صاحب موسى والرضا عليهما
السلام (1). ثم أخرج جملة من الاخبار من كتابه.
وفي قوله صاحب موسى عليه السلام نظر لا يخفى على البصير بطبقته.
وقد أكثر من الرواية عنه الثقة الجليل محمد بن العباس بن ماهيار في
تفسيره بتوسط أحمد بن القاسم.
ثم إن الكتاب المذكور ليس فيه حديث يشعر بالغلو، حتى على ما
اعتقده القميون نفيه فيهم، وأكثر رواياته موجودة في تفسير العياشي، بل لا
يبعد أخذه منه، إلا أنه لم يصل إلينا سند الاخبار المودعة في تفسيره لحذف بعض
النساخ.
ونقل عنه الشيخ الجليل الحسن بن سليمان الحلي في مختصر بصائر سعد
ابن عبد الله، وعبر عنه بالتنزيل والتحريف (2).
ونقل عنه الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك في بحث القراءة، وأخرج منه
حديثين (3).
وبالجملة فبعد رواية المشايخ العظام: كالحميري، والصفار، وأبي علي
الأشعري، وموسى بن الحسن الأشعري، والحسين بن محمد بن عامر، عنه،
وهم من أجلة الثقات. و اعتماد ثقة الاسلام عليه، وخلو كتابه عن الغلو
والتخليط، ونقل الأساطين عنه، لا ينبغي الاصغاء إلى ما قيل فيه، أو الريبة
في كتابه المذكور.

(1) السرائر 3: 549 و 568.
(2) مختصر بصائر الدرجات: 204.
(3) حاشية المدارك، لم نعثر عل الروايتين في بحث القراءة.
114

24 - إثبات الوصية.
للعالم الجليل شيخ المؤرخين وعمادهم علي بن الحسين بن علي المسعودي،
أبو الحسن الهذلي.
قال النجاشي: علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن الهذلي،
له كتاب المقالات في أصول الديانات، كتاب الزلف، كتاب الاستبصار،
كتاب نشر (1) الحياة، كتاب نشر الاسرار، كتاب الصفوة في الإمامة، كتاب
الهداية في تحقيق الولاية، كتاب المعالي في الدرجات، والإبانة في
أصول (2) الديانات، رسالة إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب عليه السلام،
رسالة إلى ابن صفوة المصيصي، أخبار الزمان من الأمم الماضية والأحوال
الخالية، كتاب مروج الذهب ومعادن الجواهر، كتاب الفهرست.
هذا رجل زعم أبو المفضل الشيباني أنه لقيه واستجازه وقال: لقيته، وبقي
هذا الرجل إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة (3).
وقال العلامة في القسم الأول من الخلاصة: علي بن الحسين بن علي
المسعودي، أبو الحسن الهذلي، له كتب في الإمامة وغيرها، منها كتب في إثبات
الوصية لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وهو صاحب مروج الذهب (4).
وقال الشهيد الثاني قدس سره في حواشيه عليها: ذكر المسعودي في مروج
الذهب أن له كتابا اسمه الانتصار، وعدد كتبا منها حدائق الأذهان في أخبار

(1) في المصدر: كتاب سر الحياة.
(2) في المخطوط والحجرية. كتاب المعالي والدرجات والإمامة في أصول الديانات، والذي أثبتناه
عن النجاشي وعن نسخة معلمة بخط الشيخ آغا بزرك الطهراني، فلاحظ.
(3) رجال النجاشي: 254 / 665.
(4) رجال العلامة: 100 / 40.
115

آل محمد عليهم السلام (1).
وقال السيد علي بن طاووس قدس سره في كتاب فرج المهموم - عند ذكر
العلماء العاملين بالنجوم -: ومنهم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن
علي المسعودي مصنف كتاب مروج الذهب (2).
وفي رياض العلماء: قال: قال السيد الداماد (3) في حاشيته عل اختيار
رجال الكشي للشيخ الطوسي قدس سره: قال الشيخ الجليل الثقة الثبت
المأمون الحديث عند العامة والخاصة، علي بن الحسين المسعودي أبو الحسن
الهذلي في كتاب مروج الذهب (4).
وقال ابن إدريس في السرائر في كتاب الحج: قال أبو الحسن علي بن
الحسين في كتابه المترجم بمروج الذهب ومعادن الجواهر في التاريخ وغيره، وهو
كتاب حسن كبير كثير الفوائد، وهذا الرجل من مصنفي أصحابنا، معتقد
للحق، له كتاب المقالات (5)... إلى آخره.
إلى غير ذلك من العبارات الصريحة في كونه من علماء الإمامية، ولم يتأمل
أحد فيه حتى أن طريقة الشهيد قدس سره في حواشي الخلاصة أن يتعرض في
كل موضع لا ينبغي ذكر الرجل في القسم الأول لقدح في نفسه أو مذهبه، ولم
يتعرض في هذا المقام، بل استدرك ما فات من الكتاب من كتب هذا الشيخ.
وذكره ابن داود أيضا في القسم الأول (6).

(1) حاشية الشهيد على الخلاصة: 48، وانظر كذلك مروج الذهب 3: 193 و 2: 54، وفي
حاشية الشهيد والمروج: كتاب الانتصار وكتاب الاستبصار.
(2) فرج المهموم: 126.
(3، تعليقة الداماد عل رجال الكشي 1: 100.
(4) رياض العلماء 3: 432.
(5) السرائر 1: 615.
(6) رجال ابن داود: 137 / 1038.
116

بل في رجال أبي علي: ولم أقف إلى الآن على (1) من توقف في تشيع هذا
الشيخ، سوى ولد الأستاذ العلامة - أعلى الله في الدارين مقامه ومقامه - فإنه
أصر على الخلاف وادعى كونه من أهل الخلاف (2)، انتهى.
قلت: مراده من ولد الأستاذ: العالم النحرير آغا محمد علي صاحب
المقامع، ورأيت بخطه الشريف على ظهر كتاب نقد الرجال - وعليه حواشي
كثيرة منه بخطه - قال: علي بن الحسين بن علي المسعودي أبو الحسن الهذلي، له
كتاب في الإمامة، وغيرها، منها كتاب في إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب عليه
السلام، وهو صاحب كتاب مروج الذهب، عنه أبو المفضل الشيباني إجازة،
بقي إلى سنة 333، أو سنة 345 - النجاشي -.
وقال السيد ابن طاووس قدس سره في كتاب النجوم - عند ذكر العلماء
العاملين بالنجوم -: إن منهم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين
المسعودي صاحب مروج الذهب. انتهى (3).
وعده الخال المفضال في الوجيزة من الحسان (4)، ونقل عن كتابيه: كتاب
الوصية، وكتاب مروج الذهب في البحار.
أقول (5): ظاهر كلامه في مروج الذهب أنه كان من العامة، حيث
نسج (6) على منوالهم، واعتمد على أخبارهم وآثارهم وأقوالهم، من ذكر أيام
الخلفاء الأربعة وخلفاء بني أمية وبني العباس، من غير تعرض لمطاعنهم
ومساويهم ومظالمهم، ومذهب المتقدمين إنما يثبت من كلماتهم، أو تصريح

(1) لم ترد في المخطوطة والحجرية، بل هي زيادة مناسبة للشيخ آغا بزرك عل نسخته.
(2) منتهى المقال: 213.
(3) ورد هنا في حاشية المخطوط: كلام السيد.
(4) الوجيزة: 41.
(5) ورد هنا في حاشية المخطوط: من كلام ولد الأستاذ قدس سره.
(6) نسج - ينسج: أي ضمم الشئ إلى الشئ، لسان العرب 2: 376.
117

العلماء بمذاهبهم، وكلامه في ذلك الكتاب كما لا يخفى على المطلع ظاهر، بل
صريح فيما ذكرنا.
وكتاب إثبات الوصية ليس بنص في خلافه، لأنه مما اتفق عليه
الفريقان، وحمل الجمهور حكاية الغدير عليها، وأرادوا بالوصية: الوصية في
الأموال والديون، لا الخلافة المختلف فيها، ورووا مخاصمة علي عليه السلام
في تركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحكم الشيخين بها لعلي عليه
السلام.
وكذا ذكره لبعض علمائنا ورواتنا فيه، ليس بنص ولا ظاهر فيه، فإنه
ديدن أكثر المخالفين في كتبهم الرجالية والاخبارية، كوفيات الأعيان،
والتقريب، والتهذيب، والأنسابيين، وغيرها.
وكذا ما ذكره ابن عقدة الزيدي في رجال الصادق عليه السلام.
ففي ميزان الاعتدال للذهبي - ذهب الله بنوره - في ترجمة أبان هكذا.
أبان بن تغلب كوفي، شيعي جلد [لكنه] (1) صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته،
وكان غاليا في التشيع.
فلقائل أن يقول. كيف ساغ توثيق مبتدع؟ وحد الثقة: العدالة
والاتقان، وكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟.
وجوابه: إن البدعة على ضربين. فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو
التشيع بلا غلو ولا تحرف،. فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع
والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة
بينة، ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر،
والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج به ولا كرامة (2)، إنتهى.

(1) زيادة من المصدر.
(2) ميزان الاعتدال 1: 5 / 2.
118

ولو سلم لجاز أن يكون قد رجع عن العامية إلى التشيع، الذي هو أعم
من الامامية - أي الاثنا عشرية - الذي هو المراد الآن من الشيعة، فلا يكون
هذا دالا على حسنه وإماميته، بل يصير من قياس صاحب كتاب إخوان
الصفا، وهو الفاضل أبو سلمة أحمد المجريطي، على ما قيل في اسمه ولقبه
وكنيته.
فقد صرح الفاضل العارف الكاشاني في الفصل الاخر من كتاب
الأصول الأصيلة: أنه من حكماء الشيعة (1).
وقال المدقق الاسترآبادي في أواخر الفوائد المدنية: إنه أفضل الحكماء
الاسلاميين، ومن الواقفين على موسى بن جعفر عليهما السلام، يستفاد ذلك
من صريح كلامه، وكان في دولة العباسية (2).. إلى آخر ما قال، وهو كما قال.
ولو سلم فلا ينافي تسننه في كتاب المروج وإن كان في غيره إماميا،
فليتدبر.
ثم ذكر تعجب صاحب رياض العلماء من الشيخ الطوسي أنه لم يذكر له
ترجمة في الفهرست، مع أنه جده، أو جد ولده أبي علي، وأطال الكلام في رده
بما لا فائدة لنا في نقله، إنما المهم رفع هذا التوهم، وبيان اعتبار الكتاب،
وجلالة شأن صاحبه.
فنقول: ما ذكره من أن مذهب المتقدمين... إلى آخره، حق لو لم
يعارضه كلام مثل النجاشي، الخبير بمذاهبهم مع قرب عهده بهم، واطلاعه
على ما خفي علينا من أحوالهم، فإنه لم يتعرض لمذهبه من التسنن دائما، أو
رجوعه، أو وقفه، أو غيره من سائر المذاهب، مع استقرار ديدنه عليه، وعدم

(1) الأصول الأصيلة: لم نعثر عليه فيه.
(2) الفوائد المدنية:، لم نعثر عليه فيه.
119

التعرض للامامية لبناء كتابه على ذكر علمائها ورواتها ومصنفيها، ولم
يكن ليخفى حاله أو كتبه عليه، وعلى الأساطين الذين أشرنا إلى
أساميهم.
وكتاب المروج من الكتب المعروفة المشهورة، وهو بمرأى منهم ومسمع،
وهو كما ذكره على منوال العامة وطريقتهم، إلا أن المتأمل في خبايا كلماته،
خصوصا فيما ذكره من خلافة عثمان وسيرته (وفى خلافة أمير المؤمنين عليه السلام،
لعله يستخرج ما كان مكتوما في سريرته) (1) وكفاك شاهدا في هذا المقام آخر
كلامه بعد ذكر جملة من مناقبه المقتضية لأحقيته بالخلافة، كحديث المنزلة،
والطير، والغدير، والاخوة ما لفظه. فلما قبض الرسول صلى الله عليه وآله
وارتفع الوحي، حدثت أمور تنازع الناس في صحتها، ولا يقطع عليهم بها،
واليقين من أمورهم ما تقدم، وما روي مما كان في إحداثهم بعد نبيهم صلى الله
عليه وآله فغير متيقن، بل هو ممكن، ونحن نعتقد فيهم ما تقدم، والله أعلم بما
حدث (2).
(وأصرح (3) منه ما ذكره في أوائل الكتاب، في ذكر المبدأ وشأن الخليقة ما
لفظه. وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
(إن الله حين شاء تقدير الخليقة، وذرء البرية، وإبداع المبدعات، نصب
الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض، ورفع السماء وهو في انفراد ملكوته،
وتوحد جبروته، فأتاح نورا من نوره فلمع، ونزع قبسا من ضيائه فسطع.

(1) زيادة لم ترد في المخطوطة.
(2) مروج الذهب 2: 426.
وقوله: وما روى مما كان في إحداثهم... فغير متيقن، كلام صريح في دفاعه عن الذين
أحدثوا بعد النبي صل الله عليه وآله وتنزيههم عن الجرائم التي ارتكبوها بحق أهل البيت
عليهم السلام.
(3) من هنا تبدأ زيادة لم ترد في النسخة الخطية.
120

ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية، فوافق ذلك صورة نبينا
محمد صلى الله عليه وآله، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب،
وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأموج
الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب، والجنة والنار، وأنصب أهل
بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق، ولا
يعييهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي.
ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية، والاخلاص بالوحدانية.
فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمدا وآله
عليهم السلام، وأراهم أن الهداية معه، والنور له، والإمامة في آله، تقديما
لسنة العدل، وليكون الاعذار متقدما.
ثم أخفى الله الخليقة في غيبه، وغيبها في مكنون علمه، ثم نصب العوالم،
وبسط الزمان، وموج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفى عرشه على
الماء، فسطح الأرض على ظهر الماء، ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا
بالاستجابة.
ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن توحيده
بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض.
فلا خلق الله آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق
العلم، حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء، فجعل الله آدم محرابا وكعبة
وقبلة، أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار.
ثم نبه آدم عل مستودعه، وكشف له عن خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما
سماه إماما عند الملائكة، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا.
ولم يزل الله تعالى يخبئ النور تحت الزمان، إلى أن وصل محمدا صلى الله
عليه وآله، في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهرا وباطنا، ونبههم سرا
وإعلانا، واستدعى صلى الله عليه وآله التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر
121

قبل النسل، فمن وافقه واقتبس من مصباح النور المقدم اهتدى إلى سيره،
واستبان واضح أمره، ومن ألبسته الغفلة استحق السخط.
ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع ي أئمتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار
الأرض، فبنا النجاة، ومنا مكنون العلم، وإلينا يصير الأمور، وبمهدينا تنقطع
الحجج، خاتمة الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن
أفضل المخلوقين، وأشرف الموحدين، وحجج رب العالمين، فليهنأ بالنعمة من
تمسك بولايتنا وقبض عروتنا.
فهذا ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي،
عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليهم السلام (1)، انتهى. ولا أظن أحدا يروي هذا الخبر من غير
إنكار ولا يكون إماميا) (2).
وقوله (رحمه الله). وكتاب إثبات الوصية ليس بنص... إلى آخره،
كلام من لا عهد له بهذا الكتاب، ولم يظفر بنسخته، وإنما استظهر من اسمه
أنه موضوع لاثبات وصايته عليه السلام في بعض تركته، وقضاء ديونه،
وإنجاز عداته (3)، وتجهيز جسده المبارك صلى الله عليه وآله، مما تلقاه الأمة على
اختلاف مشاربهم بالقبول، ولو كان عثر عليه لعلم أنه أحسن كتاب صنف في
هذا الباب، وفي إثبات وصاية علي عليه السلام وإمامته، وأولاده الأطياب
عليهم السلام، فشرع في شرح خلقة صفي الله آدم، ومجمل أحواله، وذكر
أسامي أوصيائه، مرتبا إلى نوح عليه السلام، ثم منه إلى إبراهيم عليه السلام،
ثم منه إلى موسى عليه السلام، ثم منه إلى داود عليه السلام، ثم منه إلى

(1) مروج الذهب 1: 42 باختلاف في الألفاظ.
(2) إلى هنا تنتهي الزيادة التي لم ترد في النسخة الخطية.
(3) العدات. جمع عدة، وهي الوعد. لسان العرب 3: 462.
122

المسيح عليه السلام، ثم منه إلى نبينا صلى الله عليه وآله وعليهم، ومختصر من
سيرتهم، والغالب أنهم في كل طبقة اثنا عشر، ويذكر في آخر حال كل واحد
منهم أن الله تعالى أوحى إليه أن يستودع التابوت، ومواريث الأنبياء إلى فلان.
ثم شرع في الجزء الثاني في حال خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله من
ولادته إلى وفاته صلى الله عليه وآله مختصرا.
ثم شرع في خلافة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وذكر قصة المتقدمين
عليه على طريقة الامامية، ومن جملة كلامه.
فأقام أمير المؤمنين عليه السلام ومن معه من شيعته في منازلهم، بما عهد
إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا
بابه، واستخرجوه منه كرها، وضغطوا سيدة النساء عليها السلام بالباب، حتى
أسقطت محسنا، وأخذوه بالبيعة فامتنع، فقال. (لا أفعل) فقالوا: نقتلك،
فقال: (إن تقتلوني فإني عبد الله وأخو رسوله) وبسطوا يده فقبضها وعسر
عليهم فتحها، فمسحوا عليها وهي مضمومة.
ثم لقي أمير المؤمنين عليه السلام بعد هذا أحد القوم، فناشده الله وذكره
بأيام الله، وقال له: (هل لك أن اجمع بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وآله
حتى يأمرك وينهاك) فخرجا إلى قبا... إلى آخر القصة.
قال: وهموا بقتل أمير المؤمنين عليه السلام، وتواصوا وتواعدوا بذلك،
وأن يتولى قتله خالد بن الوليد - إلى أن قال - وكان الموعد في قتله أنه يسلم
إمامهم، فيقوم خالد إليه بسيفه، فأحسوا بأسه، فقال الامام قبل أن يسلم:
لا يفعلن خالد ما أمرته به، ثم كان من أقاصيصهم ما رواه الناس (1).
ثم ساق حالاته، وبعض معاجزه، ووفاته، ونصه عل ابنه أبي محمد
عليه السلام، وهكذا إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، وذكر في حال كل

(1) إثبات الوصية: 123 و 124.
123

إمام ولادته، وسيرته، ومعاجزه، ووفاته، عل أحسن نظم وترتيب.
ومن طريف ما رواه في حال أبي جعفر الثاني عليه السلام قوله. وروي أنه
عليه السلام كان يتكلم في المهد.
وروي عن زكريا بن آدم قال: إني لعند الرضا عليه السلام، إذ جئ
بأبي جعفر عليه السلام وسنه نحو أربع سنين، فضرب بيده الأرض، ورفع
رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضا عليه السلام: (بنفسي أنت فيم
تفكر طويلا (منذ قعدت) (1).
فقال: فيما صنع بأمي فاطمة عليها السلام، أما والله لأخرجنهما، ثم
لأحرقنهما، ثم لأذرينهما، ثم لأنسفنهما في اليم نسفا، فاستدناه وقبل بين عينيه،
ثم قال: أنت لها - يعني الإمامة -) (2).
وذكر في أحوال الحجة عليه السلام النصوص على الأئمة الاثني عشر،
وقال في آخرها وهو آخر الكتاب: فلما أفضي الامر إلى أبي محمد عليه السلام،
كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر، إلا في الأوقات التي يركب
فيها إلى دار السلطان، وإن ذلك إنما كان منه ومن أبيه قبله، مقدمة لغيبة
صاحب الزمان عليه السلام، لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة، وتجري
العادة بالاحتجاب والاستتار.
وفي تسع عشرة سنة من الوقت - أي وقت إمامته عجل الله تعالى فرجه -
توفي المعتمد، وبويع لأحمد بن الموثق - وهو المعتضد - وذلك في رجب سنة
تسع وسبعين ومائتين، ثم ذكر الخلفاء إلى عصره، ثم قال: وللصاحب عليه
السلام منذ ولد إلى هذا الوقت، وهو شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وثلاثين
وثلاثمائة، خمس وسبعون سنة وثمانية أشهر (3)، أقام مع أبيه أبي محمد عليه

(1) في المخطوطة والحجرية: فقعد، وما أثبتناه في المتن نقلناه عن المصدر.
(2) اثبات الوصية: 184.
(3) في المصدر: ست وسبعون سنة وأحد عشر شهرا ونصف شهر.
124

السلام أربع سنين وثمانية أشهر، ومنها منفردا بالإمامة إحدى وسبعون سنة (1)،
وقد تركنا بياضا لمن يأتي بعد والسلام، وهو آخر الكتاب (2).
وقال في مروج الذهب: وفي أيام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة
الضياع والدور، منهم الزبير بن العوام بنى داره بالبصرة، وهي المعروفة في هذا
الوقت، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، تنزلها التجار وأرباب الأموال (3)
إلى آخره. ويعلم من هذا أنه صنف كتاب إثبات الوصية في خلال أيام تأليفه
المروج، ومنه يعلم فساد احتمال كونه منهم في أيام تأليفه، ورجوعه بعد ذلك
بملاحظة الكتاب المذكور.
هذا وقال الثقة الجليل محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة، في باب
- ما نزل من القرآن في القائم عليه السلام: أخبرنا علي بن الحسين المسعودي،
قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار القمي، قال: حدثنا محمد بن حسان (4)
الرازي، قال: حدثنا محمد بن علي الكوفي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي
نجران، عن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله
- عز وجل.: (اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله عل نصرهم لقدير) (5)
هي في القائم عليه السلام وأصحابه (6).

(1) في المصدر: اثنتان وسبعون سنة وشهورا.
(2) اثبات الوصية: 231.
(3) مروج الذهب 2: 332.
(4) في المخطوطة والحجرية. الحسن، والذي أثبتناه هو ما اتفقت عليه كتب الرجال، أنظر على
سبيل المثال لا الحصر: رجال النجاشي 338 / 903 وفهرست الشيخ 147 / 617 ورجال
العلامة: 255 / 43 وتنقيح المقال 3: 99 / 10528 وكذلك المصدر.
(5) الحج: 22: 39.
(6) الغيبة للنعماني. 241.
125

وروي عنه في الكتاب المذكور - بهذا السند إلى الكوفي - في الأبواب
المختصة مضامين أخبارها بالامامية أخبارا كثيرة:
ففي باب ما جاء في الإمامة والوصية، وأنهما من الله عز وجل باختياره
وأمانته، لا باختيار خلقه، بالسند المذكور، عن الكوفي، بإسناده عن زيد
الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:؟ أيما أفضل الحسن أو الحسين
عليهما السلام؟ قال. (إن فضل أولنا يلحق فضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق
فضل أولنا، فكل له فضل) قال، فقلت له: جعلت فداك وسع علي في
الجواب، فإني والله. ما أسألك إلا مرتادا، فقال عليه السلام: " نحن من شجرة
برأنا الله تعالى من طينة واحدة، فضلنا من الله، وعلمنا من عند الله، ونحن
أمناء الله عل خلقه، والدعاة إلى دينه، والحجاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك
يا زيد؟ قال: نعم، فقال. خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلنا
واحد عند الله عز وجل، فقلت: أخبرني بعدتكم؟ فقال: نحن اثنا عشر،
هكذا حول عرش ربنا عز وجل وفي مبتدأ خلقنا، أولنا محمد صلى الله عليه
وآله، وأوسطنا محمد صلى الله عليه وآله وآخرنا محمد (1)).
وبالسند عن الكوفي، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي
جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ذات يوم، فلما تفرق من كان عنده قال:
(يا أبا حمزة من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شك فيما
أقول لقي الله وهو به كافر وله جاحد، ثم قال: بأبي وأمي المسمي باسمي،
والمكنى بكنيتي، والسابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض قسطا وعدلا كما
ملئت ظلما وجورا (2)...) الخبر.
وقس على الخبر سائر ما رواه عنه فيه، وإن لم يصفه بالمسعودي في كثير

(1) الغيبة للنعماني: 85 والحديث في باب: ما روي في أن الأئمة اثنا عثر اماما.
(2) الغيبة للنعماني: 86.
126

من المواضع، إلا أن اتحاد السند، وتوصيفه به في بعض المواضع، كاف
للمستأنس بالطريقة، في ثبوت كونه المقصود في جميع المواضع، وفي بعضها:
حدثنا محمد بن يحيى العطار بقم، ولا يناسب صدور هذا الكلام عن علي بن
الحسين بن بابويه الساكن فيه كما لا يخفى، ومن هنا ظهر أن ما فعله في الرياض
- في مقام جمع مشايخ النعماني من عد المسعودي منهم دون ابن بابويه - في
محله (1).

(1) رياض العلماء 5: 13، ولم نقف في ترجمة النعماني على ذكر مشايخه في النسخة المطبوعة.
127

25 - كتاب دعائم الاسلام:
تأليف نعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان، قاضي مصر.
قال في البحار: قد كان أكثر أهل عصرنا (1) يتوهمون أنه تأليف الصدوق - رحمه
الله - وقد ظهر لنا أنه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر
في أيام الدولة الإسماعيلية، وكان مالكيا أولا، ثم اهتدى وصار إماميا، وأخبار
هذا الكتاب أكثرها موافقة لما في كتبنا المشهورة، لكن لم يرو عن الأئمة بعد
الصادق عليه السلام، خوفا من الخلفاء الإسماعيلية، وتحت ستر التقية أظهر
الحق لمن نظر فيه متعمقا، وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد.
قال ابن خلكان: هو أحد الفضلاء المشار إليهم، ذكره الأمير المختار
المسبحي في تاريخه، فقال: كان من العلم، والفقه، والدين، والنبل، على ما
لا مزيد عليه، وله عدة تصانيف، منها كتاب اختلاف أصول المذاهب،
وغيره، انتهى (2).
وكان مالكي المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الإمامية.
وقال ابن زولاق في ترجمة ولده علي بن النعمان. وكان أبوه النعمان بن
محمد القاضي في غاية الفضل، من أهل القرآن والعلم بمعانيه، وعالما بوجوه
الفقه، وعلم اختلاف الفقهاء، واللغة والشعر الفحل، والمعرفة بأيام الناس،
مع عقل وإنصاف، وألف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق، بأحسن
تأليف، وأملح سجع، وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا، وله ردود على
المخالفين. له رد على أبي حنيفة، وعلى مالك والشافعي، وعلى ابن سريج،
وكتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيت عليهم السلام (3).

(1) كذا في المصدر والحجرية، وفي المخطوطة: أهلنا.
(2) أي كلام المختار المسبحي في تاريخه (تاريخ مصر)
(3) وفيات الأعيان 5: 415.
128

أقول: تتم ذكر كثيرا من فضائله وأحواله، ونحوه ذكر اليافعي وغيره.
وقال ابن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء: القاضي النعمان بن محمد
ليس بإمامي، وكتبه حسان، منها شرح الاخبار في فضائل الأئمة الأطهار
عليهم السلام، ذكر المناقب إلى الصادق عليه السلام، الانفاق والافتراق،
المناقب والمثالب (الإمامة) أصول المذاهب، الدولة، الايضاح، انتهى ما
في البحار (1).
وقال العلامة الطباطبائي في رجاله: نعمان بن محمد بن منصور، قاضي
مصر، وقد كان بدو أمره مالكيا، ثم انتقل إلى مذهب الإمامية، وصنف على
طريق الشيعة كتبا، منها كتاب دعائم الاسلام، وله فيه وفي غيره ردود على
فقهاء العامة، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وغيرهم.
وذكر صاحب تاريخ مصر: عن القاضي نعمان: إنه كان من العلم والفقه،
والدين والنبل، عل ما لا مزيد عليه.
وكتاب الدعائم كتاب حسن جيد، يصدق ما قيل فيه، إلا أنه لم يرو فيه
عمن بعد الصادق من الأئمة عليهم السلام، خوفا من الخلفاء الإسماعيلية،
حيث كان قاضيا منصوبا من قبلهم بمصر، لكنه قد أبدى من وراء ستر التقية
مذهبه، بما لا يخفى عل اللبيب (2).
وقال العالم المتبحر الجليل السيد حسين القزويني، في المبحث الخامس -
من كتاب جامع الشرايع - في شرح حال المشايخ، وهو كرسالة لطيفة قال:
النعمان بن محمد عالم فاضل، له كتاب دعائم الاسلام.
قال في البحار - وساق بعض ما نقلناه. - وقال (3): وأخباره صالحة

(1) بحار الأنوار 1: 38، معالم العلماء: 126 / 853
(2) رجال السيد بحر العلوم 4: 5 - 14.
(3) أي القزويني.
129

للتأييد والتأكيد، ولما اشتهر [من] الفتوى بين العلماء الثقات ولم يوجد له مستند
منسوب إلى الأئمة الأطهار عليهم السلام (1).
وقال المحقق النحرير الكاظمي في المقابس، في ذكر القائلين بعدم
نجاسة الماء القليل بالملاقاة: وذهب إليه من القدماء صاحب دعائم الاسلام،
كما يظهر من كلامه في هذا الكتاب - وساق بعض ما رواه فيه وبينه وشرحه -
ثم قال: وهذا الرجل كما يلوح في كتابه من أفاضل الشيعة، بل الامامية، وإن
لم يرو في كتابه إلا عن الصادق ومن قبله من الأئمة عليهم السلام، وقد ظهر
للعلامة المجلسي قدس سره أن اسمه أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور،
قاضي مصر (2)، وذكر بعض ما مر (3).
وقال: وما في معالم السروي من نفي كونه إماميا منظور فيه، وقد ذكر
السروي أن له كتبا حسانا في الإمامة، وفضائل الأئمة عليهم السلام، وغيرها،
وعد منها كتابا في المناقب إلى الصادق عليه السلام، ولعل الوجه في اقتصاره
عليه عليه السلام ما سبق (4)، مع احتمال كون [مراد] (5) من نسبه من العامة إلى
الامامية أنه من الشيعة، لكنه خلاف الظاهر والله يعلم.
وأكثر الاخبار التي أوردها في الدعائم موافقة لما في كتب أصحابنا
المشهورة، وقال في أوله: إنه اقتصر فيه على الثابت الصحيح مما جاء عن
الأئمة، من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله، من جملة ما اختلف فيه
الرواة عنهم، وإنه إنما أسقط الأسانيد طلبا للاختصار، إلا أنه مع ذلك خالف

(1) انتهى كلام القزويني والزيادة التي بين المعقوفتين أثبتناها لمقتضى السياق.
(2) مقابس الأنوار: 65 - 66.
(3) من كلام العلامة المجلسي رحمه الله.
(4) أي كونه قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيلية.
(5) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
130

فيه الأصحاب في جملة من الاحكام المعلومة عندهم، بل بعض ضروريات
مذهبهم كحلية المتعة، فربما كان مخالفته لهم هنا، وبقاؤه على مذهب مالك من
هذا الباب، ولعله لبعض ما ذكر، ولعدم اشتهاره بين الأصحاب، وعدم
توثيقهم له، وعدم تصحيحهم لحديثه أو كتابه، لم يورد صاحب الوسائل شيئا
من أخباره، ولم يعد الدعائم من الكتب التي يعتمد عليها.
وقال صاحب البحار: (إن أخباره تصلح للتأييد والتأكيد) مع أن أخبار
كثير من الأصول والمصنفات يعتمد عليها وإن كان مؤلفوها فاسدي المذهب
كابن فضال وغيره، فليعرف ذلك (1)، إنتهى.
وفي أمل الآمل: نعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن
حيوان، أحد الأئمة الفضلاء المشار إليهم (2) ثم ساق بعض ما مر عن ابن خلكان.
وذكره الشهيد الثالث القاضي نور الله في مجالسه في عداد علمائنا
الاعلام، ورواة أخبارنا الكرام (3).
ولنرجع إلى توضيح بعض ما ذكره هؤلاء المشايخ العظام، بما فيه قوة
اعتبار كتاب دعائم الاسلام، ويتم ذلك برسم أمور:
الأول في قول المجلسي قدس سره: قد كان أكثر أهل عصرنا... آخره.
والظاهر أن سبب التوهم عد الشيخ في الفهرست من كتب الصدوق
كتاب دعائم الاسلام (4)، فظنوا أنه الموجود بأيدينا، ويرتفع ذلك بعد كثرة
الاشتراك في أسامي الكتب، وبعد طريقة الصدوق عن تأليف مثله، بأنه يظهر
من مواضع (5) منه أنه كان في مصر، و (6) مختلطا مع المنصور بالله، والمهدي بالله

(1) مقابس الأنوار: 66.
(2) أمل الآمل 2: 335 / 1034.
(3) مجالس المؤمنين 1: 538.
(4) الفهرست: 157 / 695.
(5) لم ترد في المخطوطة.
(6) في الحجرية زيادة: أنه كان.
131

من ملوك الفاطميين (1)، فراجع.
الثاني في قوله، وقول الجماعة: إنه لم يرو عن الأئمة بعد الصادق عليهم
السلام... إلى آخره، والامر كما قالوا إلا أني رأيت فيه الرواية عن أبي جعفر الثاني
عليه السلام، وعن الرضا عليه السلام، ففي كتاب الوصايا: عن ابن أبي
عمير (2) أنه قال: كنت جالسا على باب أبي جعفر عليه السلام، إذ أقبلت امرأة،
فقالت: استأذن لي على أبي جعفر عليه السلام، قيل لها: وما تريدين منه،
قالت: أردت أن أسأله عن مسألة، قيل لها: هذا الحكم، فقيه أهل العراق
فاسأليه، قالت: إن زوجي هلك وترك ألف درهم، وكان لي عليه من صداقي
خمسمائة درهم (فأخذت صداقي وأخذت ميراثي، ثم جاء رجل فقال: لي عليه
ألف درهم) (3) وكنت أعرف له ذلك فشهدت بها، فقال الحكم: اصبري حتى
أتدبر في مسألتك وأحسبها، وجعل يحسب، فخرج إليه أبو جعفر عليه السلام
وهو على ذلك، فقال: (ما هذا الذي تحرك به أصابعك يا حكم) فأخبره، فما
أتم الكلام حتى قال أبو جعفر عليه السلام: (أقرت له بثلثي ما في يديها، ولا
ميراث لها حتى تقضيه (4)).
والمراد به أبو جعفر الثاني عليه السلام قطعا، لان ابن أبي عمير لم يدرك
الصادق عليه السلام فضلا عن الباقر عليه السلام، بل أدرك الكاظم عليه

(1) دعائم الاسلام 1: 54 - 55.
(2) روى القاضي النعمان في دعائمه الحديث المذكور عن الحكم بن عيينة، بدلا من ابن أبي عمير،
ورواه الشيخ الكليني في الكافي 7: 24 حديت 1 و 167 حديث 1، والشيخ الطوسي في
التهذيب 9: 164 حديث 671، والاستبصار 4: 114 حديث 436 كلها عن الحكم بن
عتيبة، والشيخ الصدوق في الفقيه 4: 166 حديث 579 عن الحكم بن عيينة، فعليه يكون
استنتاج المصنف (قده) من أن المقصود بأبي جعفر في هذه الرواية هو الجواد عليه السلام،
وليس الباقر عليه السلام لرواية ابن أبي عمير عنه فيه تأمل، فلا حظ،
(3) ما بين القوسين زيادة من الحجرية لم ترد في المخطوطة.
(4) نسخة بدل: يقبضه (مخطوط). دعائم الاسلام 2: 360 / 1309.
132

السلام ولم يرو عنه، وإنما هو من أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام، وهو
من مشاهير الرواة، بل الفقهاء العظام الذين لا يخفى عصرهم، وزمانهم
وطبقتهم، عل مثله من أهل العلم والفضل، وهذا ظاهر عل الخبير
المنصف.
وفي كتاب الوقوف: عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، أن
بعض أصحابه كتب إليه: إن فلانا ابتاع ضيعة وجعل لك في الوقف الخمس (1)
... إلى آخر الخبر المروي في الكافي، والتهذيب، والفقيه، مسندا عن علي
ابن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام (2)... إلى آخره، وعلي من
أصحاب الجواد والرضا عليهما السلام، لم يدرك قبلهما من الأئمة عليهم السلام
أحدا فلاحظ.
وفي كتاب الميراث: عن حذيفة بن منصور، قال: مات أخ لي وترك
ابنته، فأمرت إسماعيل بن جابر أن يسأل أبا الحسن عليا صلوات الله عليه عن
ذلك، فسأله فقال: (المال كله لابنته) (3).
الثالث في تصريح الجماعة بأنه أظهر الحق تحت أستار التقية لمن
نظر فيه متعمقا. وهو حق لا مرية فيه، بل لا يحتاج إلى التعمق في
النظر.
أما أولا: فلان الإسماعيلية الخالصة كما صرح به الشيخ الجليل الحسن
ابن موسى النوبختي في كتاب الفرق، هم الذين أنكروا موت إسماعيل في حياة

(1) دعائم الاسلام 2: 344 / 1290 كتاب العطايا، فصل: ذكر ما يجوز من الصدقة وما لا
يجوز.
(2) الكافي 7: 36 حديث 30، والتهذيب 9: 130 حديث 557، والفقيه 4: 178 حديث
628.
(3) لم نعثر على هذه الرواية في النسخة المطبوعة من الدعائم، ولم نعثر عليها في الكتب الحديثية
ولعلها مذكورة في نسخته.
133

أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأنه خاف فغيبه
عنهم، وزعموا أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض يقوم بأمر الناس،
وأنه هو القائم (1).
وأما الباطنية منهم فلهم ألقاب كثيرة، ومقالات شنيعة، وزعموا كما في
الكتاب المذكور أن الله عز وجل بدا له في إمامة جعفر عليه السلام وإسماعيل،
فصيرها في محمد بن إسماعيل.
وزعموا أنه حي لم يمت، وأنه يبعث بالرسالة، وبشريعة جديدة
ينسخ بها شريعة محمد النبي صلى الله عليه وآله، وأنه من أولي
العزم.
وأولو العزم عندهم سبعة. نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد،
وعلي - صلوات الله عليهما وآلهما - ومحمد بن إسماعيل، على أن السماوات سبع،
وأن الأرضين سبع، وأن الانسان بدنه سبع: يداه، ورجلاه، وظهره، وبطنه،
وقلبه، وأن رأسه سبع: عيناه، وأذناه، ومنخراه وفمه، وفيه لسانه - كصدره
الذي فيه قلبه - وأن الأئمة كذلك، وقلبهم محمد بن إسماعيل، وأن الله تبارك
وتعالى جعل له جنة آدم، ومعناها عندهم الإباحة للمحارم، وجميع ما خلق في
الدنيا، وهو قول الله عز وجل: (وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة) (2): [أي] (3) موسى بن جعفر بن محمد، وولده عليهم السلام من
بعده من ادعى الإمامة منهم.
وزعموا أنه خاتم النبيين الذي حكاه الله عز وجل في كتابه.
وزعموا أن جميع الأشياء التي فرضها الله عز وجل على عباده، وسنها نبيه

(1) فرق الشيعة: 79.
(2) البقرة 2: 35.
(3) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.
134

وأمر بها، لها ظاهر وباطن، وأن جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من
الكتاب والسنة، فأمثال مضروبة، وتحتها معاني هي بطونها، وعليها العمل،
وفيها النجاة، وأن ما ظهر منها ففي استعمالها الهلاك والشقاء، وهي
جزء من العذاب الأدنى، عذب الله به قوما إذ لم يعرفوا الحق، ولم يقولوا
به.
إلى غير ذلك من مقالاتهم الشنيعة، التي نسبها إليهم في الكتاب
المذكور (1)، وغيره في تصانيفهم في هذا الباب.
وأنت خبير بأنه ليس في كتاب الدعائم ذكر لإسماعيل، ولا لمحمد
أصلا في موضع منه، حتى في مقام إثبات الإمامة، ورد مقالات العامة وأئمتهم
الأربعة، فكيف يرضى المنصف أن ينسب إليه هذا المذهب؟! ولا يذكر في
كتابه اسم إمامه أو نبيه، مع أن خلفاء عصره الذين كان هو في قاعدة
سلطنتهم، ومنصوبا للقضاوة من قبلهم، المدعين انتهاء نسبهم إلى محمد بن
إسماعيل، المستولين على بلاد المغاربة، ومصر الإسكندرية، وغيرها، كانوا في
الباطن من الباطنية - كما صرح به العالم الخبير البصير السيد المرتضى الرازي، في
كتاب تبصرة العوام (2) - وكان دعاتهم متفرقين في البلاد، ومنهم الحسن الصباح
المعروف في خلافة المستنصر منهم، ومع ذلك ليس فيه إشارة إلى هذا المذهب،
وفي مواضع لا بد من الإشارة إليه لو كان ممن يميل إليه.
وأما ثانيا: فلانه صرح في كتابه بكفر الباطنية وضلالتهم، وخروجهم
عن الدين، فإنه قال في باب ذكر منازل الأئمة عليهم السلام، وتنزيههم ممن
وضعهم بغير مواضعهم، وتكفيرهم من ألحد فيهم ما لفظه.
أئمة الهدى صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته، خلق مكرمون من خلق

(1) فرق الشيعة: 84 - 85.
(2) تبصرة العوام: 181.
135

الله جل جلاله، وعباد مصطفون من عباده، افترض طاعة كل إمام منهم على
أهل عصره، وأوجب عليهم التسليم لامره، وجعلهم هداة خلقه إليه، وأدلاء
عباده عليه، وقرن طاعتهم في كتابه بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله،
وهم حجج الله على خلقه، وخلفاؤه في أرضه.
ليس كما زعم الضالون المفترون بآلهة غير مربوبين، ولا بأنبياء مرسلين - إلى
أن قال - ولما كان أولياء الله الأئمة الطاهرين، حجج الله التي احتج بها على
خلقه، وأبواب رحمته التي فتح لعباده، وأسباب النجاة التي سبب لأوليائه وأهل
طاعته، ومن لا يقبل العمل إلا بطاعتهم، ولا يجازى بالطاعة إلا من تولاهم
وصدقهم، كان الشيطان أشد عداوة لأوليائهم وأهل طاعتهم، ليستزلهم كما
استزل أبويهم من قبلهم، فاستزل كثيرا منهم واستغواهم (1)، واستهواهم،
فصاروا إلى الحور بعد الكور (2)، والى الشقوة بعد السعادة، والى المعصية بعد
الطاعة.
وقصد الشيطان كل امرئ منهم من حيث يجد السبيل إليه، والى
الاجلاب بخيله ورجله عليه، فمن كان منهم قصير العلم، متخلف الفهم ممن
تابع هواه، استفزه واستغواه، واستزله فمال إلى الجحد لهم والنفاق عليهم،
والخروج عن طاعتهم والكفر بهم، والانسلاخ من معرفتهم.
ومن كان قد برع في العلم وبلغ حدود الفهم، فاستزله وخدعه ودخل
إليه، من باب محبوبه، وموضع رغبته، ومكان طلبته، فبين (3) له زخرف
التأويل، ونمق له قول الأباطيل، فأغراه بالفكرة في تعظيم شأنهم، ورفع

(1) ورد هنا في الحجرية والمصدر زيادة. وسول لهم.
(2) في الدعاء: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، أي نعوذ بالله من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة
والتمام، انظر مجمع البحرين 4: 279.
(3) نسخة بدل: فزين (مخطوطة)، وكذا في المصدر.
136

مكانهم، وقرب منه الوسائل، وأكد له الدلائل على أنهم آلهة غير مربوبين، أو
أنبياء مرسلون، أمكنه من ذلك ما أمكنه فيه، وتهيأ له منه ما تجرأ به عليه،
ودخل إلى طبقة ثالثة من مدخل الشبهات، واستثقال الفرائض الواجبات،
وأباح لهم - المحارم، وسهل عليهم العظائم، في رفض فرائض الدين، والخروج
من جملة المسلمين، بفاسد أقام لهم من التأويل، ودلهم عليه بأسوء دليل،
فصاروا إلى الشقوة والخسران، وانسلخوا من جملة الايمان.
نسأل الله العصمة من الزيغ، والخروج من الدنيا سالمين، غير ناكثين
ولا مارقين، ولا مبدلين، ولا مغضوب علينا ولا ضالين (1).
ثم ذكر قصة الغلاة في عصر أمير المؤمنين عليه السلام، وإحراقه إياهم
بالنار، ثم قال: وكان في أعصار الأئمة من ولده عليهم السلام من مثل ذلك،
ما يطول الخبر بذكرهم، كالمغيرة بن سعيد وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي
عليهما السلام ودعاته، فاستزله الشيطان - إلى أن قال -: واستحل المغيرة
وأصحابه المحارم كلها وأباحوها، وعطلوا الشرائع وتركوها، وانسلخوا من
الاسلام جملة، وبانوا من جميع شيعة الحق، وأتباع الأئمة عليهم السلام،
وأشهر أبو جعفر عليه السلام لعنهم، والبراءة منهم.
ثم كان أبو الخطاب في عصر جعفر بن محمد عليهما السلام من أجل
دعاته، ثم أصابه ما أصاب المغيرة فكفر وادعى أيضا النبوة، وزعم أن جعفرا
عليه السلام إلها، تعالى الله كل عز وجل عن قوله، واستحل المحارم كلها،
ورخص لأصحابه فيها، وكانوا كلما ثقل عليهم أداء فرض أتوه، فقالوا: يا
أبا الخطاب خفف عنا، فيأمرهم بتركه، حتى تركوا جميع الفرائض، واستحلوا
جميع المحارم، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور، وقال: من عرف
الامام حل له كل شئ كان حرم عليه، فبلغ أمره جعفر بن محمد عليهما

(9) دعائم الاسلام 1: 45 - 47.
137

السلام، فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرأ منه، وجمع أصحابه فعرفهم
ذلك، وكتب إلى البلدان بالبراءة منه وباللعنة عليه، وعظم أمره على أبي عبد الله
عليه السلام، واستفظعه واستهاله.
ثم ساق بعض الأخبار في ذلك، قال: وروينا عن أبي عبد الله عليه
السلام أنه كتب إلى بعض أوليائه، وقد كتب إليه بحال قوم قبله، ممن انتحل
الدعوة: تعدوا الحدود، واستحلوا المحارم، واطرحوا الظاهر.
فكتب إليه أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، بعد أن وصف
حال القوم: (وذكرت أنه بلغك أنهم يزعمون أن الصلاة، والزكاة، وصوم شهر
رمضان، والحج والعمرة، والمسجد الحرام، والبيت الحرام، والمشاعر، والشهر
الحرام، إنما هو رجل، والاغتسال من الجنابة رجل، وكل فريضة فرضها الله
تبارك وتعالى على عباده هو رجل، وإنهم ذكروا أن من عرف ذلك الرجل فقد
اكتفى بعلمه من غير عمل، وقد صلى، وأدى الزكاة، وصام وحج البيت
واعتمر، واغتسل من الجنابة وتطهر، وعظم حرمات الله والشهر الحرام،
والمسجد الحرام، وأنهم زعموا أن من عرف ذلك وثبت في قلبه، جاز له أن
يتهاون، وليس عليه أن يجتهد، وأن من عرف ذلك الرجل فقد قبلت منه هذه
الحدود لوقتها، وإن هو لم يعملها.
وأنه بلغك أنهم يزعمون أن الفواحش التي نهى الله تعالى... عنها الخمر،
والميسر، والزنا، والربا، والميتة، والدم، ولحم الخنزير أشخاص، وذكروا أن
الله عز وجل إنما حرم من نكاح الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات،
والخالات، وما حرم على المؤمنين من النساء، إنما عنى بذلك نساء النبي صلى
الله عليه وآله، وما سوى ذلك فمباح، وبلغك أنهم يترادفون نكاح المرأة
الواحدة، ويتشاهدون بعضهم لبعض بالزور، ويزعمون أن لهذا ظهرا وبطنا
يعرفونه، وأن الباطن هو الذي يطالبون به، وبه أمروا.
وكتبت تسألني عن ذلك، وعن حالهم وما يقولون، فأخبرك أنه من كان
138

يدين الله بهذه الصفة التي كتبت تسأل عنها، فهو عندي مشرك بين الشرك
ولا يسع لاحد أن يشك فيه) (1)... إلى آخر الخبر الشريف الطويل، الذي
رواه سعد بن عبد الله في بصائره، ومحمد بن الحسن الصفار في أواخر بصائر
الدرجات، وفيهما: إن الذي كتب إليه عليه السلام هو المفضل بن عمر (2)،
ولا يخفى أن صاحب هذه المقالات الشنيعة هو أبو الخطاب وأصحابه.
وقال الشيخ المقدم الحسن بن موسى النوبختي في كتاب المقالات: فأما
الإسماعيلية فهم الخطابية، أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي
الأجدع، وقد دخلت منهم فرقة في فرقة محمد بن إسماعيل، وأقروا بموت
إسماعيل بن جعفر عليه السلام في حياة أبيه، وهم الذين خرجوا في حياة أبى
عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، فحاربوا عيسى بن موسى بن علي بن
عبد الله بن العباس، فبلغه عنهم أنهم أظهروا الإباحات، ثم ساق قصة
مقاتلتهم وهلاكهم (3).
ثم إن الظاهر من كتب المقالات أن الإسماعيلية كلهم منكرون
للشرائع، تاركون للفرائض، مستبيحون للمحارم، ولذا يذكرون - إذا بلغوا إلى
شرح حالهم - أنهم لقبوا بسبعة ألقاب، منها الباطنية بالمعنى الذي أثرنا إليه،
صرح بذلك السيد المرتضى الرازي في تبصرة العوام، وغيره.
ووافقنا على ذلك السيد الفاضل المعاصر رحمه الله في الروضات، في
ترجمة جلال الرومي حيث قال: الإسماعيلية وإن كانوا في ظاهر دعاويهم
الكاذبة، من جملة فرق الشيعة المنكرين لخلافة غير أمير المؤمنين عليه السلام،
إلا أن الغالب عليهم الالحاد، والزندقة، والمروق عن الدين، والخروج عن

(1) دعائم الاسلام 1: 48 - 52.
(2) بصائر الدرجات: 546، ومختصر بصائر الدرجات: 78.
(3) فرق الشيعة: 80 - 81.
139

دائرة الموحدين، والمليين، وأتباع النبيين، انتهى (1).
ولعله لذلك لم يتعرض شيخ الطائفة رحمه الله في كتاب الغيبة لابطال
مذهبهم، كما تعرض لابطال مذهب الكيسانية، والناووسية، والواقفية،
والفطحية، وغيرها، لظهور فساد مذهبهم عند جميع فرق المسلمين.
ومن ذلك كله ظهر أن نسبة هذا العالم الجليل، صاحب هذا المؤلف
الشريف إلى هذا المذهب السخيف، افتراء عظيم.
وأما ثالثا. فلان لأرباب هذا المذهب ودعاته قواعد واصطلاحات
ورموزا وإشارات، لا أثر لها في هذا الكتاب، ولا إشارة فيه إليها، فعندهم أنه
لابد في كل عصر من سبعة، بهم يقتدون، وبهم يؤمنون، وبهم يهتدون، وهم
متفاوتون في الرتب. إمام يؤدي عن الله وهو غاية الأدلة إلى دين الله. وحجة
يؤدي عن الامام يحمل علمه. وذو مصة يمص العلم من الحجة أي يأخذه
منه، فهذه ثلاثة. وأبواب وهم الدعاة: فداع أكبر هو رابعهم، يرفع درجات
المؤمنين. وداع مأذون يأخذ العهود على الطالبين من أهل الظاهر، فيدخلهم في
ذمة الامام، ويفتح لهم باب العلم والمعرفة وهو خامسهم. ومكلب قد ارتفعت
درجته في الدين، ولكن لم يؤذن له في الدعوة، بل في الاحتجاج على الناس،
فهو يحتج ويرغب إلى الداعي، ككلب الصائد، حتى إذا احتج على أحد من
أهل الظاهر، وكسر عليه مذهبه بحيث رغب عنه، وطلب الحق، أداه المكلب
إلى الداعي المأذون ليأخذ عليه العهود، وإنما سمي مكتبا لان مثله مثل
الجارح يحبس الصيد على الصائد، على ما قاله تعالى: (وما علمتم من
الجوارح مكلبين) (2) وهو سادسهم. ومؤمن يتبع الداعي، وهو الذي أخذ
عليه العهد، وآمن وأيقن بالعهد، ودخل في ذمة الامام وحزبه وهو سابعهم.

(1) روضات الجنات 8: 71.
(2) المائدة: 5: 4.
140

إلى غير ذلك من الزخارف التي برئت ساحة الكتاب المذكور عنها، وما
ألف إلا على طريقة العلماء الامامية، بل هو من أجل ما ألفوا، وأحسن ما
دونوا، من تقديم ما يحتاج إليه الفقه من مسائل الإمامة، على أبدع نظم
وترتيب، كما لا يخفى على الناظر اللبيب.
وأما رابعا: فلأنك تجد في كتب الرجال لكثير من الفرق الباطلة
- كالزيدية التي هم أبعد الفرق عن الامامية. والناووسية، والواقفية، والفطحية -
علماء فقهاء ثقات قد أكثروا من التأليف، والرواية وجمع الأحاديث وتدوينها،
وتلقوها عنهم أصحابنا بالرواية والقبول، ولا تجد في جميع الرواة رجلا إسماعيليا
وإن كان ضعيفا، فضلا عن كونه ثقة، أو فقيها، أو مؤلفا، ومنه يظهر أنهم
كانوا في أول الأمر خارجين عن حدود الشرايع، وحفظ الاخبار وروايتها
وتدوينها، غير معدودين من الرواة العلماء.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد، فقال: ولما مات
إسماعيل رحمة الله عليه انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظن
ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه، وأقام على حياته شرذمة، لم تكن من خاصة
أبيه، ولا من الرواة عنه، وكانوا من الأباعد والأطراف، انتهى (1).
وقال العالم الجليل علي بن يونس العاملي في كتابه الموسوم (بالصراط
المستقيم) بعد ذكر جملة من الفرق الباطلة من الشيعة، ما لفظه: وهذه
الاختلافات لا اعتداد بها لشذوذها، بل أكثرها لا وجود لها، وفي انقراضها
بطلان قولها.
إن قلت هذا لا يتم في الإسماعيلية، قلت سنبين أنهم خارجون عن الملة
الحقيقية بالاعتقادات الردية، ثم ذكر بعضها (2)
ويمكن إرجاع هذا الوجه إلى سابقه.

(1) الارشاد 2: 21.
(2) الصراط المستقيم 2: 272.
141

وأما خامسا: فلما أشار إليه في بعض المواضع، منها ما ذكره في آخر أدعية
التعقيب ما لفظه. وروينا عن الأئمة عليهم السلام أنهم أمروا بعد ذلك
بالتقرب لعقب كل صلاة فريضة، والتقرب أن يبسط المصلي يديه، إلى أن ذكر
الدعاء، وهو:
اللهم إني أتقرب إليك بمحمد رسولك ونبيك، وبعلي - وصيه - وليك،
وبالأئمة من ولده الطاهرين الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي
وجعفر بن محمد، ويسمي الأئمة إماما إماما حتى يسمي إمام عصره عليهم
السلام، ثم يقول... إلى آخره (1).
وغير خفي على المنصف أنه لو كان إسماعيليا لذكر بعده إسماعيل بن
جعفر، ثم محمد بن إسماعيل، إلى إمام عصره المنصور بالله، والمهدي بالله، ولم
يكن له داع إلى الابهام، أما باطنا فلكونه معتقده، وأما ظاهرا فلموافقته لطريقة
خليفة عصره، وإنما الاجمال لكونه إماميا لا يمكنه إظهار إمامة الكاظم ومن
بعده عليهم السلام، بل في ذكره الأسامي الشريفة إلى الصادق عليه السلام،
وعدم إجماله من أول الأمر بعد علي عليه السلام، تصريح بذلك لمن له
دربة (2) بمزايا الكلام.
ومنها روايته عن ابن أبي عمير، عن الجواد عليه السلام كما تقدم (3). وكذا
عن حذيفة بن منصور، عن إسماعيل بن جابر، عن الرضا عليه السلام.
وقال الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد بعد ذكر فرق الإسماعيلية:
والمعروف منهم الآن من يزعم أن الإمامة بعد إسماعيل في ولده، وولد ولده إلى
آخر الزمان (4).

(1) دعائم الاسلام 1: 171 باختلاف.
(2) الدربة: العادة والجرأة (لسان العرب 1: 374).
(3) مر التعليق عليهما في صحيفة: 132.
(24) الارشاد 2: 210.
142

وفيه تأييد لما استظهرناه، وطبقته تقرب من عصر القاضي، فإن موت
القاضي كان في شهر رجب سنة 363 ه‍. ق بمصر.
ومنها ما رواه في ذكر العقايق، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه نهى
عن أربع كنى - إلى أن قال - وأبي القاسم إذا كان الاسم محمدا، نهى عن ذلك
سائر الناس ورخص فيه لعلي عليه السلام، وقال: (المهدي من ولدي،
يضاهي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي) (1).
ومنها مطابقة كثير من متون أخباره لما في الجعفريات، بحيث تطمئن
النفس أخذها منها، وقد عرفت أن سند أخبارها ينتهى إلى موسى بن جعفر
عليهما السلام، وحاله عند الإسماعيلية يعرف مما تقدم، وفي عصرنا هذا يأتون
من هذه الطائفة من بلاد الهند إلى زيارة أمير المؤمنين، وأبي عبد الله عليهما
السلام، وينزلون بغداد، ويسيرون منه إلى كربلاء ولا يمرون إلى بلد الكاظم
عليه السلام، بل تواتر عنهم أن طاغوتهم حرم عليهم النظر إلى قبته المباركة من
بعيد، بل حدثني جماعة أنهم يسبونه نعوذ بالله من الخسران.
ومن ذلك حله ظهر أن ما ذكره صاحب المقابس من النظر فيما ذكره
السروي في محله، وأن احتمال كونه من الإسماعيلية بمكان من الوهن (2).
الرابع: فيما ذكره صاحب المقابس وهو قوله: إلا أنه مع ذلك خالف فيه
الأصحاب في جملة من الاحكام المعلومة عندهم، بل بعض ضروريات
مذهبهم كحلية المتعة... إلى آخره (3).
قلت: ما ذكره حق، فقد خالف القوم في جملة من المواضع في فروع
الاحكام، إلا أنه معذور في ذلك من وجوه:

(1) دعائم الاسلام 2: 188 حديت 683.
(2) مقابس الأنوار: 66.
(3) مقابس الأنوار: 66.
143

الأول. إنه لم يخالف في موضع منها إلا لما ساقه الدليل، من ظاهر كتاب
أو سنة، ولم يتمسك في موضع بالقياس، والاستحسان، والاعتبارات العقلية،
والمناطات الظنية، ولم يبلغ اجتماع الاخبار في عصره إلى حد يقف عليه كل
مؤلف مستنبط، فيسهل عليه معرفة مشهورها، وآحادها، وشواذها، ونوادرها،
وربما كان ما تمسك به أكثر مما ذكره واطلعنا عليه، وذهب فيما ذهب مما لم يصل
إلينا.
وقال هو رحمه البعد مسائل الشك واليقين، في الوضوء والحدث:
فهذا هو الثابت مما روينا في هذا الباب، عن رسول الله صلى الله عليه وآله،
وعن الأئمة الطاهرين من ذريته عليهم السلام دون ما اختلف فيه عنهم عليهم
السلام، وعلى ذلك تجري أبواب كتابنا هذا إن شاء الله لما قصدنا فيه من
الاختصار وإلا فقد كان ينبغي لنا أن نذكر كل ما اختلف الرواة فيه عنهم
عليهم السلام، وندل على الثابت مما اختلفوا بالحجج الواضحة، والبراهين
اللائحة، وقد ذكرنا ذلك في كتاب غير هذا كثير الاجزاء، لكن تعظم المؤونة
فيه، وبثقل أمره على طالبيه، وهذا لبابه ومحضه والثابت منه، ولولا ما وصفناه
أيضا من التطويل بلا فائدة، لذكرنا قول كل قائل من العامة يوافق ما قلنا
وذهبنا إليه، وقول من خالف ذلك والحجة عليه، ولكن هذا يكثر ويطول ولا
فائدة فيه، لان الله بحمده قد أظهر أمر أوليائه وأعز دينه، وجعل الاحكام على
ما حكموا به وذهبوا إليه، والدين على ما عرفوه ودلوا عليه، فهم حجج الله
على الخلق أجمعين (1)، إنتهى.
وما ذكرنا هو الوجه فيما نسب إلى القدماء المقاربين عصره، مما لا ريب
في جلالتهم، من الأقوال النادرة، حتى من مثل يونس بن عبد الرحمن، وفضل

(1) دعائم الاسلام 1: 103.
144

ابن شاذان، فلا تغفل.
الثاني: إنه لم تكن الاحكام في تلك الاعصار بين فقهاء أصحابنا منقحة
متميزة، يتبين لكل أحد المجمع عليه منها من غيره، والمشهور منها عما سواه،
وهذا باب لو دخلنا فيه أخرجنا من وضع الكتاب، ولعله غير خفي على البصير
النقاد، ومعه لا طعن على من ساقه الدليل إلى ما خالف فيه أصحابه.
مع أن الشيخ المفيد قدس سره قال في المقالات: ولم يوحشني من خالف
فيه، إذ بالحجة لي أتم أنس، ولا وحشة من حق (1).
وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في بعض رسائله: لا يوجب أن يوحش
من المذهب قلة الذاهب إليه والعاثر عليه، بل ينبغي أن لا يوحش منه إلا ما
لا دلالة له تعضده، ولا حجة تعمده.
الثالث: إنه ما خالف في فرع غالبا إلا ومعه موافق معروف، ولولا خوف
الإطالة لذكرنا نبذة من ذلك، نعم في مسألة المتعة لا موافق له، إلا أن بعد
التأمل ظهر لي أنه ذكر ذلك على غير وجه الاعتقاد، وإن استند للحرمة إلى
أخبار رواها تقية أو تحببا إلى أهل بلاده، فإنها عندهم من المنكرات
العظيمة، والشاهد على ذلك، مضافا إلى بعد خفاء حليتها عند الإمامية عليه،
أنه ذكر في كتاب الطلاق في باب إحلال المطلقة ثلاثا ما لفظه: وعنه - يعني
جعفر بن محمد عليهما السلام - أنه قال: (من طلق امرأته (أي ثلاثا) (2)
فتزوجت تزويج متعة، لم يحلها ذلك له) (3).
ولولا جوازها وعدم كونها الزنا المحض، لم يكن ليوردها في مقام ما اختاره
من الأحكام الثابتة عنهم، بالأثر الصحيح، وهذا ظاهر والحمد لله.

(1) المقالات: 129، باب القول في الألم للمصلحة دون العوض، الظاهر أن الرواية نقلها عن
جعفر بن محمد عليه السلام كما يظهر من عبارة المصدر.
(2) لم ترد في المخطوطة ولا في المصدر.
(3) دعائم الاسلام 2: 297 / 1119.
145

ومثله ما ذكره في باب ذكر الحد في الزنا ما لفظه: وعن علي صلوات الله
عليه: (ولا يكون الاحصان بنكاح متعة) (1)، ودلالته على ما ادعيناه أوضح.
الرابع: بعد محل إقامته عن مجمع العلماء والمحدثين، والفقهاء الناقدين،
وتعسر اطلاعه على زبرهم وتصانيفهم، وآرائهم وفتاويهم، لطول المسافة
وصعوبة السير، وقلة التردد، خصوصا بعد تعدد الخليفة، فإنه كان في مصر،
وكانت تحت ملوك الفاطميين، والأصحاب في أقطار العراق والعجم، وكانت
في تصرف العباسيين، ومن جميع ذلك ظهر عذره في المخالفة في بعض الفروع.
وظهر الجواب عما أشار إليه بقوله: ولعدم اشتهاره... إلى آخره، فإنه
لعدم اطلاعهم عليه وعدم حاجتهم إليه. فإن جل الفقهاء من بعد زمان
الشيخ، إلى عصر صاحب البحار والوسائل قدس سرهم، عكفوا على الكتب
الأربعة التي عليها تدور رحى الامامية، ولم يتجاوزوا عنها، ولم يستندوا إلى
غيرها، إلا المحقق، والشهيد، في مواضع نادرة، ينقلون عن بعض الأصول
التي كانت عندهما، لا لاعراض منهم عن سائر الكتب وعدم اعتمادهم عليها،
خصوصا مثل العلل، والأمالي، وثواب الاعمال، وغيرها من كتب الصدوق،
وكتاب قرب الإسناد، والمحاسن، وغيرهما من الكتب المعتمدة، التي لا يحتمل
ذو مسكة أن عدم النقل عنها لوهن في الكتاب، أو ضعف في صاحبه، بل هو
لما ذكرناه، أو لعدم العثور عليها.
وأما صاحب الوسائل فلم يعلم أن عدم نقله عن الدعائم لعدم اعتماده
عليه، بل الظاهر أنه لعدم عثوره عليه، فإنه قال في آخر كتاب الهداية - وهو
مختصر الوسائل - في ذكر الكتب التي لم ينقل عنها: إما لقلة ما فيها من
النصوص وعد منها جملة، أو لعدم ثبوت الاعتماد عليه، وعد منها فقه الرضا،
وطبه عليه السلام، أو ثبوت عدم اعتباره، وعد منها مصباح الشريعة (2).

(1) دعائم الاسلام 2: 451 / 1577.
(2) الهداية: مخطوط.
146

وقال في أمل الآمل: وعندنا أيضا كتب لا نعرف مؤلفيها، وعد منها
عشرة (1)، وليس لهذا الكتاب ذكر في الموضعين، ومن البعيد أنه كان عنده ولم
يشر إليه، لأنه إن عرف صاحبه، وأنه هو القاضي نعمان - فقد مدحه في أمله -
فينبغي ذكره فيما اعتمد عليه ونقل عنه. وإن لم يعرفه فذكره في الكتب المجهولة
أولى من ذكر طب الرضا عليه السلام، والكشكول الذي ليس فيه حكم فرعي
أصلا.
ثم إن ابن شهرآشوب وإن صرح بكونه غير إمامي، إلا أنه قال: وكتبه
حسان (2)، وقد نقل في مناقبه عن كتابه شرح الاخبار (3) الذي هو من نفائس
الكتب الدالة عل كثرة فضله، وطول باعه، وخلوص ولائه.
وفي السرائر في باب التيمم: وذهب قوم من أصحابنا إلى المسح (4) من
أصول الأصابع إلى رؤوس الأصابع (5).
قال في الجواهر: وهو محجوج بجميع ما تقدم من الاخبار ومحكي
الاجماع، بل لعله كسابقه لا يقدح في المحصل منه، وإن جهل نسبه عندنا،
لكنه مع عدم اعتبار ذلك في الاجماع عندنا معروف عند ناقله على الظاهر، وإنه
غير الامام... إلى آخره (6).
وظني أن المراد منه صاحب الدعائم فإنه مذهبه فيه (7)، والله العالم.
ومن الغريب من بعد ذلك كله، ما في روضات الجنات للسيد الفاضل

(1) أمل الآمل 2: 364.
(2) معالم العلماء: 126 / 853.
(3) مناقب ابن شهرآشوب 2: 16.
(4) في المصدر هنا زيادة: على اليدين.
(5) السرائر 1: 137.
(6) جواهر الكلام 5: 203.
(7) راجع دعائم الاسلام: 1: 120.
147

المعاصر رحمه الله تعالى فإنه بعد ما نقل في ترجمته ما في أمل الآمل، ومقدمة
البحار، قال: ولكن الظاهر عندي أنه لم يكن من الامامية الحقة، وإن كان في
كتبه يظهر الميل إلى طريقة أهل البيت عليهم السلام، والرواية من أحاديثهم
من جهة مصلحة وقته، والتقرب إلى السلاطين من أولادهم، وذلك لما حققناه
مرارا في ذيل تراجم كثير ممن كان يتوهم في حقهم هذا الامر، بمحض ما يشاهد
في كلماتهم من المناقب والمثالب، اللتين يجريهما الله تعالى على ألسنتهم الناطقة،
لطفا منه بالمستضعفين من البرية.
وأنت تعلم أنه لو كان لهذه النسبة واقعا، لذكره سلفنا الصالحون
وقدماؤنا الحاذقون بأمثال هذه الشؤون، ولم يكن يخفى ذلك إلى زمان صاحب
الامل الذي من فرط صداقته يقول بشيعية أبي الفرج الأصبهاني الخبيث، كما
قدمنا ذلك في ذيل ترجمته، ثم نقل كلام السروي، وما ذكره العلامة
الطباطبائي في رجاله، وقال بعده. وقد وافق في جميع ما ذكر خاله العلامة
المعظم عليه، من نهاية حسن ظنه به وبكلامه، انتهى (1).
وفيه مواضع للنظر:
أما أولا: فلان كتاب الدعائم كله في فقه الإمامية، وفروعها وأحكامها،
مستدلا عليها بأخبار أهل البيت عليهم السلام، على أحسن نظم وترتيب، بل
ليس في أيدينا من علماء تلك الاعصار ما يشبهه في الوضع والتنقيح، مفتتحا
بمسائل في الإمامة وشروطها، وفضائل الأئمة عليهم السلام ووصاياهم،
وشرح عدم جواز أخذ الاحكام الدينية عن غيرهم، كسائر كتب أصحابنا في
هذا الباب، وما ذكره من إظهار الميل في كتبه إنما هو في مثل كتاب الراغب
الأصبهاني وأضرابه، ممن يظهر من بعض كلماتهم وأسلوبهم ميلهم إلى التشيع،
وأين هذا من كتاب بني أساسه على التشيع، وعلى ما ذكره يفتح باب عظيم

(1) روضات الجنات 8: 149.
148

للطعن عل كثير من العلماء، الذين كانوا في عصر السلاطين الفاطمية (في
مصر)، كالعلامة الكراجكي، أو الصفوية وغيرها.
وظني أنه رحمه الله لم يقف عل الدعائم، ولا على شرح الاخبار، فصدر
منه ما صدر، وقاس على ما ليس له أساس.
وأما ثانيا. فلان سبب عدم ذكرهم له لا ينحصر فيما ذكره، بل لوجوه
أشرنا إليها، مع أنهم قد أهملوا جما من الاعلام، أرباب التصانيف الرائقة،
والمؤلفات الرشيقة، كجعفر بن أحمد القمي رحمه الله (المتقدم ذكره) (1) وفرات
ابن إبراهيم الكوفي صاحب التفسير، ومحمد بن علي بن إبراهيم صاحب
العلل، والحسن بن علي بن شعبة صاحب تحف العقول، والسيد علي بن
الحسين بن باقي صاحب اختيار المصباح، والحسن بن أبي الحسن الديلمي
صاحب إرشاد القلوب، وغرر الاخبار، وغيرها، وسبط الطبرسي صاحب
مشكاة الأنوار، وغيرهم ممن تقدم عنهم أو تأخر، وقد وقف على كتبهم وحالاتهم
المتبحرون من المتأخرين، ولا يوجب سقوط قلم السلف عن ذكر أساميهم
الشريفة للغفلة، أو لعدم الاطلاع، أو لا لعجلة طعنا فيهم.
وأما ثالثا: فلان القاضي قد ذكره في مجالسه (2) قبل صاحب الامل.
وفي الرياض، في ترجمة - معين الدين المصري - سالم بن بدران. وعندنا
رسالة في الفرائض من مؤلفات الشيخ معين الدين المصري هذا، قال: وهو
ينقل مرارا من كتب القاضي نعمان المصري، مؤلف كتاب دعائم الاسلام،
وغره فتدبر (3).
وأما رابعا: فلما في رسالة شريفة، في فهرست كتب الشيخ الفقيه أبي

(1) لم ترد في المخطوطة.
(2) مجالس المؤمنين 1: 538.
(3) رياض العلماء 2: 411.
149

الفتح محمد بن عثمان بن علي الكراجكي، عملها بعض معاصريه، فإن فيها
ما لفظه: مختصر كتاب الدعائم للقاضي النعمان، عمله وهو من جملة فقهاء
الحضرة، كتاب الاختيار من الاخبار، وهو اختصار كتاب الاخبار للقاضي
النعمان، يجري مجرى اختصار الدعائم، والظاهر أن المراد منه شرح الاخبار
الآتي، وفيه من الدلالة على جلالة قدره ما لا يخفى، ولم أعرف صاحب
الفهرست، إلا أن في موضع منه هكذا: كتاب غاية الانصاف في مسائل
الخلاف، يتضمن النقض على أبي الصلاح الحلبي - رحمه الله - في مسائل خلف
بينه وبين المرتضى رضي الله عنه، نصر فيها رأي المرتضى، ونصر والدي رحمه
الله.
وفي موضع آخر: جواب رسالة الحازمية في إبطال العدد وتثبيت الرؤية،
وهي الرد على أبي الحسن بن أبي حازم المصري، تلميذ شيخي رحمة الله عليه
عقيب انتقالي من العدد، أربعون ورقة، ومن ذلك يظهر أنه ووالد. من فقهاء
عصرهما، ولعلي أقف عل مؤلفه إن شاء الله تعالى.
وأما خامسا: فقوله في حق صاحب الامل: إنه من فرط صداقته...
إلى آخره، فإنه من غرائب الكلام، فإن أبا الفرج ما ترجمه أحد من الفريقين إلا
وصرح بتشيعه، وإنه كان زيديا، والزيدية من فرق الشيعة، كما صرح به كل
من تعرض لذكر المذاهب في كتاب الوقف، بل الفقهاء وغيره.
وذكره النجاشي (1)، والعلامة في الخلاصة (2)، وابن شهرآشوب في معالم
العلماء (3)، وتبعهم صاحب الامل في ذكره في سلك الرواة والعلماء، ولم يزد في

(1) لم نعثر في رجال النجاشي المطبوع عل ترجمة لأبي الفرج الأصفهاني مستقلة وإنما ذكر في ترجمة
علي بن إبراهيم بن محمد الجواني: 263 / 687.
(2) خلاصة الأقوال: 267.
(3) معالم العلماء: 141 / 986.
150

مقام تعيين مذهبه إلا أن قال: وكان شيعيا (1)، تبعا للعلامة قدس سره في
الخلاصة.
فأي صداقة فيما فعله، وإنما الصداقة فيما فعله هو رحمه الله في كتابه،
فقال ما لفظه: باب ما أوله الطاء والظاء من أسماء فقهاء أصحابنا الأمجاد - رحمة
الله عليهم أجمعين - السيد طالب بن علي... إلى آخره (2) ثم قال:
الشيخ أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، كان من
أهل اليمن، ومن أبناء الفرس، وأحد الاعلام التابعين، سمع من ابن عباس،
وأبي هريرة، وروى عنه مجاهد، وعمرو بن دينار، وهو في طبقة مالك بن دينار،
والمنسلكين على طريقته، ثم نقل شرح حاله ومدائحه من كتاب تلخيص
الآثار، ومن تاريخ ابن خلكان، وذكر بعده حكاية ملاقاته للسجاد عليه
السلام في المسجد الحرام، في الحجر وتحت الميزاب (3)، ولم ينقل من أحد من
العلماء في حقه شيئا، ولم يذكر قرينة ولو ضعيفة تدل على ميله إلى التشيع،
فضلا عن الامامية، فضلا عن كونه من فقهاء أصحابنا الأمجاد، وهذا منه مما
لا ينقضي تعجبه، فإن الرجل من فقهاء العامة ومتصوفيهم، لم يشك فيه أحد،
ولم يذكره أحد من علماء الرجال في كتبهم الرجالية، ولم يسندوا إليه خبرا في
مجاميعهم في الأحاديث، أصولا وفروعا، وكان من التابعين المعروفين،
القاطنين في أرض الحجاز، معاصرا للسجاد والباقر عليهما السلام.
نعم عده الشيخ في رجاله من أصحاب السجاد عليه السلام (4)، ولعله
للحكاية المتقدمة، وإلا فليس في الكتب الأربعة خبر واحد أسند الله، مع أنه

(1) أمل الآمل 2: 181 / 548.
(2) روضات الجنات، 4: 138 / 362.
(3) روضات الجنات 4: 142.
(4) رجال الطوسي: 94 / 3.
151

من الفقهاء الذين يذكرون أقواله في كتب الفروع، مع أن ما ذكره في ترجمته
كاف في الدلالة على تسننه، فإن من كان شيخه أبا هريرة، وراويه مجاهد وعمرو
ابن دينار، لحري بأن يعد من كلاب أصحاب النار، بل في حكاية ملاقاته مع
السجاد عليه السلام التي أوردها - وأورثت في قلبه حسن الظن به - ما يشعر
بانحرافه، ففي أحدها عن طاووس، قال: كنت في الحجر ليلة إذ دخل علي
ابن الحسين صلوات الله عليهما، فقلت: رجل من أهل بيت النبوة ولأسمعن
دعاءه... الخبر.
وأنت خبير بأن قوله. رجل من أهل بيت النبوة كلام من لم يعرفه عليه
السلام إلا بالسيادة، وشطر من العلم والزهادة، ولو عرفه عليه السلام بالولاية
والإمامة، مع ما يعتقدون في حقه من الفقه والنسك، لعبر عنه لا محالة بقوله:
سيدي ومولاي، وما أشبه، أرأيت أحدا من أجلاء أصحاب الأئمة عليهم
السلام يعبر عن واحد منهم بهذا التعبير السخيف.
وفي حكاية أخرى عنه، قال: رأيت رجلا في المسجد الحرام تحت
الميزاب، وهو يدعو ويبكي، فجئته وقد فرغ من الصلاة، فإذا هو علي بن
الحسين عليه السلام، فقلت له. يا بن رسول الله رأيتك على حالة كذا وكذا،
ولك ثلاثة أرجو أن يؤمنك من الخوف: أحدها أنك ابن رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، والثاني شفاعة جدك، والثالث رحمة الله، فقال: يا طاووس...
وأجابه بما هو معروف، وهذا في الدلالة كسابقه، فإن من كان يعتقد فيهم
عليهم السلام أدنى ما يجب اعتقاده في الايمان، فكيف بمثله من أهل الفضل
والعرفان، لا يشافهه بهذا الكلام وإن كان صادقا فيه.
وذكر الشيخ ورام ابن أبي فراس قدس سره في تنبيه الخاطر: أنه دخل
على جعفر بن محمد عليهما السلام، فقال له: (أنت طاووس) قال: نعم،
فقال عليه السلام: (طاووس طير مشوم، ما نزل بساحة قوم إلا آذنهم
152

بالرحيل). ولا يخفى ما فيه من الإشارة إلى نكارته وخباثته (1).
وقريب منه ما رواه الراوندي في قصص الأنبياء، بإسناده عن ابن بابويه
قدس سره، عن محمد بن ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن الحسين
ابن الحسن بن أبان، عن ابن أورمة، عن عمر بن عثمان، عن العبقري (عن
أسباط) (2) عن رجل حدثه علي بن الحسين عليهما السلام: أن طاووسا قال في
المسجد الحرام: أول دم وقع على الأرض دم هابيل حين قتله قابيل، وهو يومئذ
قتل ربع الناس، قال له في زين العابدين عليه السلام: (ليس كما قلت، إن
أول دم وقع على الأرض دم حواء حين حاضت، يومئذ قتل سدس الناس،
كان يومئذ آدم، وحوا، وهابيل، وقابيل، وأختاه)... الخبر (3).
وفي البحار عن اعلام الدين للديلمي: روي أن طاووس اليماني دخل
على جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، وكان يعلم أنه يقول بالقدر، فقال
له: (يا طاووس من أقبل للعذر من الله ممن اعتذر، وهو صادق في اعتذاره)
فقال: لا أحد أقبل للعذر منه، فقال له: (من أصدق ممن قال لا أقدر وهو لا
يقدر) فقال طاووس: لا أجد أصدق منه، فقال الصادق عليه السلام له: (يا
طاووس فما بال من هو أقبل للعذر، لا يقبل عذر من قال لا أقدر وهو لا يقدر)،
فقام طاووس وهو يقول: ليس بيني وبين الحق عداوة، الله أعلم حيث يجعل
رسالته، فقد قبلت نصيحتك (4).
وفيهما من الدلالة - على أنه بمراحل عما نسبه إليه - ما لا يخفى.
وفي منتخب بصائر سعد بن عبد الله للحسن بن سليمان الحلي: عن

(1) مجموعة ورام 1: 15.
(2) لم يرد في المخطوطة.
(3) قصص الأنبياء للراوندي 59 / 36.
(4) بحار الأنوار 5: 58 حديث 105، اعلام الدين: 317.
153

محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن
عبد الكريم بن عمرو (عن محمد بن مسلم، قال: دخلت أنا وأبو جعفر عليه
السلام مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا طاووس اليماني يقول
لأصحابه: أتدرون متى قتل نصف الناس، فسمع أبو جعفر عليه السلام
قوله: نصف الناس، فقال: (إنما هو ربع الناس، إنما هو آدم وحوا وقابيل
وهابيل)، قال: صدقت يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله... الخبر (1).
ورواه الراوندي في القصص: بإسناده عن الصدوق، عن محمد بن
موسى بن المتوكل، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران
النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي
بصير، قال: كان أبو جعفر الباقر عليه السلام جالسا في الحرم، وحوله عصابة
من أوليائه إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة، فقال: من صاحب الحلقة، قيل:
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال. إياه
أردت، فوقف بحياله، وسلم وجلس، ثم قال: أتأذن لي في السؤال، فقال
الباقر عليه السلام: (قد آذناك فاسأل) قال: أخبرني بيوم هلك ثلث الناس،
فقال: (وهمت يا شيخ أردت أن تقول ربع الناس، وذلك يوم قتل هابيل كانوا
أربعة: هابيل، وقابيل، وآدم، وحوا، فهلك ربعهم) قال: أصبت، ووهمت
... الخبر (2).
هذا، ومن راجع الكتب الفقهية، وعد هم قوله في قبال أقوال أصحابنا
مع المخالفة، ومع الموافقة إدخالهم إياه فيمن وافقنا من فقهاء العامة، لا يكاد
يحتاج إلى التجشم في إبداء الامارة على انحرافه، وكأن الفاضل المذكور لم يكن
له عهد بها.

(1) منتخب البصائر: 60.
(2) قصص الأنبياء للراوندي: 66 / 47.
154

ولنشر إلى بعض المواضع، وباقيها موكول على همة المراجع:
فمنها ما في المعتبر: وآخر وقت فضيلة الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله،
ثم يمتد وقت الاجزاء حتى يبقى للغروب قدر أربع ركعات، فيخلص الوقت
للعصر، وبهذا قال علم الهدى قدس سره، وابن الجنيد قدس سره، وهو قول
عطاء، وطاووس، إلى أن قال في رد أبي حنيفة - القائل بأن آخر وقته إذا صار
ظل الشخص مثليه -: ولان الحائض تؤدي الظهر والعصر إذا طهرت قبل أن
تغرب الشمس، ذهب إليه طاووس، ومجاهد، والنخعي، والزهري، وربيعة،
ومالك، والليث، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل، ورواه
الأثرم، وابن المنذر... إلى آخره (1).
ومنها ما في التذكرة في مسألة آخر العشاء: وقال مالك: يمتد وقتها إلى
طلوع الفجر، وبه قال عطاء، وطاووس، كما يقول في الظهر والعصر (2).
وفيها أيضا: لو وجد الماء بعد فراغه من الصلاة لم يعد، وهو قول عامة
العلماء - إلى أن قال - وقال طاووس: يعيد ما صلى بالتيمم فإنه بدل، فإذا وجد
الأصل انتقض حكم البدل، كالحاكم إذا حكم بالقياس، ثم وجد النص
بخلافه، وهو خطأ (3).
وفي المعتبر: واتفق العلماء على أن ميقات أهل العراق العقيق، لكن
اختلفوا في وجه ثبوته، فقال الأصحاب: ثبت نصا، وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة، وقال طاووس وابن سيرين: ثبت قياسا، لما روى عن ابن عمر
قال: لما فتح المصران (4) أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله

(1) المعتبر: 135.
(2) تذكرة الفقهاء 2: 312 مسألة 31.
(3) تذكرة الفقهاء 2: 212 - 213 مسألة 314 - 315.
(4) في هامش المخطوطة والحجرية: يعني الكوفة والبصرة.
155

عليه وآله حد لأهل نجد قرن المنازل، وإنا إذا أردنا قرن المنازل شق علينا
قال: فانظروا حذوها فحد لهم ذات عرق، لنا ما رووه عن ابن عباس - إلى أن
قال - ومن طريق الأصحاب روايات... إلى آخره (1).
وفيه: لو ائتم المسافر بالمقيم لم يتم، واقتصر على فرضه وسلم منفردا،
واتفق الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد على وجوب المتابعة، سواء أدركه في آخر
الصلاة أو أولها، لقوله صلى الله عليه وآله: (لا تخلفوا عن أئمتكم) وقال
الشعبي وطاووس: له القصر... إلى آخره (2) وفي هذا القدر كفاية للناظر
البصير.
وقال النقاد الخبير الا ميرزا عبد الله الأصفهاني في الصحيفة الثالثة: روى
ابن شهرآشوب في مناقبه، عن طاووس اليماني، الفقيه من العامة، أنه قال:
رأيت علي بن الحسين عليهما السلام (3) الخبر.
ثم إنه رحمه الله عكس الامر في ترجمة القطب الرازي، فجعله من علماء
العامة (4)، خلافا لكل من تعرض لحاله، وشرح ذلك يأتي إن شاء الله تعالى.
وأما سادسا: فقوله في حق العلامة الطباطبائي: إنه وافق خاله - يعني
العلامة المجلسي قدس سرهما - لحسن ظنه به. فإنه أجل قدرا، وأعظم شأنا،
وأرفع مقاما من أن يظن في حقه ذلك، كما لا يخفى على من وقف على حاله.
هذا وقال الفاضل الا ميرزا عبد الله قدس سره في رياض العلماء في ترجمته:
واعلم أن من مؤلفات القاضي نعمان هذا كتاب مختصر الآثار، وقد رأيت في

(1) المعتبر: 342.
(2) المعتبر: 255.
(3) الصحيفة السجادية الثالثة: 191.
(4) روضات الجنات 6: 38 / 559.
156

خطة لار مجموعة عتيقة، مشتملة على نسخة صحيفة ابن أشناس البزاز، وفي.
تلك المجموعة أدعية كثيرة، منقولة من كتاب مختصر الآثار المذكور، وعندنا
نسخة من تلك الأدعية، ويظهر من مطاويها أن ذلك الكتاب أيضا على
نهج كتاب دعائم الاسلام، وإنه أيضا في ذكر أحاديث أهل البيت عليهم
السلام، وفقههم إلى آخر أبواب الفقه.
وقد تعرض الكاتب أيضا في تلك الأدعية لاختلاف النسخ، التي كانت
بين ما وقع في كتاب دعائم الاسلام، وفي كتاب مختصر الآثار المذكور.
ثم إن عندنا نسخة عتيقة جدا من النصف الأخير من كتاب دعائم
الاسلام له، وعلى حواشيها فوائد جليلة كثيرة، من كتاب مختصر الآثار له
أيضا.
واعلم أن أصل كتاب الآثار النبوية للقاضي النعمان المذكور أيضا في
الفقه، ثم اختصر منه كتاب مختصر الآثار.
ثم نقل كلام ابن خلكان، وما ذكره أستاذه في أول البحار، ثم تأمل في
كونه من الاثني عشرية لعدم الدليل عليه، قال: من أين علم أنه كان من
أصحابنا، وأنه اتقى الخلفاء الإسماعيلية؟ فهل هذا إلا مجرد دعوى واحتمال.
إذ ما الدليل على أنه لم يكن إسماعيليان حقيقة من بين مذاهب الامامية؟ فتأمل
انتهى (1).
وقد عرفت بحمد الله القرائن على كونه اثنا عشريا، والدليل على أنه لم
يكن إسماعيليان.
تنبيه: ولا بد من ذكر ما صدر به الكتاب، ليعرف أنه ما أخرج فيه إلا
الخبر الثابت الصحيح، عن الأئمة الأطياب عليهم السلام قال: فإنه لما كثرت
الدعاوى والآراء، واختلفت المذاهب والأهواء، واخترعت الأقاويل اختراعا،

(1) رياض العلماء 5: 275.
157

وصارت الأمة شيعا، وافترقوا افتراقا، ودرس أكثر السنن وانقطع، ونجم
حادث البدع فارتفع، واتخذت كل فرقة من فرق الضلال رئيسا لها من الجهال،
فاستحلت بقوله الحرام، وحرمت به الحلال، تقليدا له واتباعا لامره، بغير
برهان من كتاب ولا سنة، ولا بإجماع جاء من الأمة، فذكرنا عند ذلك قول رسول
الله صلى الله عليه وآله: (لتسلكن سبيل الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل،
والقذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، فكانت الأمة - إلا من
عصمه الله منها بطاعته، وطاعة رسوله وأوليائه، الذين افترض الله طاعتهم -
في ذلك كمن حكى الله عز وجل نبأه من الأمم السالفة، بقوله عز وجل:
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) (1).
وروينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام، أنه تلا هذه الآية فقال:
(والله ما صاموا لهم، ولا صلوا إليهم، ولكنهم أحلوا لهم حراما فاستحلوه،
وحرموا عليهم حلالا فحرموه).
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " إذا ظهرت البدع في
أمتي، فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله).
وقد رأينا وبالله التوفيق عند ظهور ما ذكرناه، أن نبسط كتابا جامعا
مختصرا، يسهل حفظه، ويقرب مأخذه، ويغني ما فيه من جمل الأقاويل، عن
الاسهاب والتطويل، نقتصر فيه على الثابت الصحيح، مما رويناه عن الأئمة
من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين، من جملة ما اختلف
فيه الرواة عنهم، في دعائم الاسلام، وذكر الحلال والحرام، والقضايا
والاحكام.
فقد روينا عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، أنه قال: (بني
الاسلام على سبع دعائم: الولاية وهي أفضلها، وبها وبالولي يوصل إلى

(1) التوبة 9: 31.
158

معرفتها، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم [والحج] (1) والجهاد (2).
إلى آخره.
وقال الچلبي في كشف الظنون: دعائم الاسلام: وفي سنة ست عشرة
وأربعمائة أمر الظاهر، فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكين، وأمر الدعاة
الوعاظ أن يعظوا من كتاب دعائم الاسلام، وجعل لمن حفظه مالا، انتهى (3).
فانظر إلى شدة تعصبه، حيث لم يذكر اسم مؤلفه ومذهبه، مع طول باعه
وبنائه عليه، وعلى ذكر تاريخ وفاته.

(1) ما بين معقوفين أثبتناه من المصدر.
(2) دعائم الاسلام 1: 1 - 2.
(3) كشف الظنون 1: 755.
159

26 - كتاب شرح الاخبار:
للقاضي النعمان المذكور أيضا، وهو مقصور في الفضائل
والمناقب، وشطر من المثالب، مشتمل على سبعة (1) أجزاء، ينبئ عن
كثرة اطلاعه، وطول باعه، وفضله وكماله.
عثرنا بحمد الله تعالى على نسخة عتيقة منه، إلا أنه ناقص من أوله
وآخره، أظنه أوراقا يسيرة، قال في آخر الجزء السادس: فهذه نكت قد ذكرناها
كما شرطنا مختصرا، من مثالب معاوية وبني أمية، وقد ذكرنا تمام القول في ذلك
في كتاب المناقب والمثالب، فمن أراد استقصاء ذلك نظر فيه، انتهى.
وفي آخره تم الجزء السادس من كتاب شرح الاخبار، تأليف سيدنا
القاضي الاجل الأوحد الأفضل، النعمان بن محمد - قدس الله روحه -
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خير بريته، وعلى الأئمة
الطاهرين أبرار عترته، وسلم تسليما.
ونقل ابن خلكان، عن ابن زولاق في كتاب أخبار [قضاة] (3) مصر، في
ترجمته: أنه ألف لأهل البيت عليهم السلام، من الكتب آلاف أوراق،

(1) قوله: كتاب شرح الاخبار... مشتمل على سبعة أجزاء، اما أن تكون نسخته ناقصة كثيرا لا
يسيرا كما قال أو أن يكون تقسيم الاجزاء فيها يختلف، إذ أن الكتاب يحتوي على 16 جزء كما
صرح بذلك في فهرس مجذوع 69 - 73، أنظر مقدمة شرح الاخبار - طبع جامعة المدرسين.
72، وذكر فهرست موجز للاجزاء الستة عشر.
وقد خرج القسم الأول منه وهو يحتوي بين دفتيه على أربعة اجزاء من أصل الكتاب،
تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي ونشر مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين،
وطبع منه أيضا منفصلا الجزء الثالث عشر - في من قتل مع الحسين عليه السلام من أهل بيته -
تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي.
(2) زيادة أثبتناها من المصدر.
160

بأحسن تأليف، وأملح سجع، وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا، وله ردود
على المخالفين: له رد على أبي حنيفة، وعلى مالك، والشافعي، وابن سريج،
وغيرهم، وكتاب اختلاف الفقهاء، وينتصر فيه لأهل البيت عليهم السلام (1)،
انتهى.
والظاهر أن كتاب المناقب والمثالب، هو الذي أشار إليه القاضي في
كلامه المتقدم.
وقال ابن شهرآشوب في معالم العلماء: وكتبه حسان، منها شرح الاخبار
في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام (2). وينقل عنه في مناقبه، ففي أحوال
المجتبى عليه السلام: القاضي النعمان في شرح الاخبار، بالاسناد عن عبادة بن
الصامت - ورواه جماعة عن غيره -: أنه سأل أعرابي أبا بكر، فقال: إني أصبت
بيض نعام... الخبر (3).
ومن الغريب بعد ذلك ما في رياض العلماء قال: وقد نسب ابن
شهرآشوب في بعض مواضع المناقب إلى القاضي النعمان كتاب شرح الاخبار، وينقل
عنه فيه، وقد صرح بذلك في معالم العلماء أيضا، ولكن الحق عندي أن ذلك
سهو منه، فإن ابن شهرآشوب قد صرح نفسه في عدة مواضع اخر من مناقبه
المذكور، بأن شرح الاخبار من مؤلفات ابن فياض من أصحابنا، وأغرب منه
أنه عد هو نفسه هذا الكتاب - على ما في بعض نسخ معالم العلماء - في جملة
الكتب التي لم يعلم مؤلفها، فتدبر، انتهى (4).
ولكنه رحمه الله استدرك بخطه في حاشية الكتاب، فقال. ولكن يظهر

(1) وفيات الأعيان 5: 416 / 766.
(2) معالم العلماء: 126 / 853.
(3) مناقب ابن شهرآشوب 4: 10.
(4) رياض العلماء: 5 275.
161

من نسخ المعالم (1) أن ابن فياض هو القاضي النعمان، فتأمل ولاحظ.
وفيه: في الفصل الخامس من القسم الأول بعد نقل ما في آخر معالم
العلماء، من الكتب المجهولة: وأقول: قد يوجد في بعض نسخ المعالم، في هذا
المقام كتاب شرح الاخبار أيضا. وهو غير متوجه، لأنه قد صرح نفسه في المعالم
بأنه تأليف القاضي النعمان، وصرح في غير موضع من المناقب بأنه تأليف ابن
فياض، انتهى (2).
قلت: الموجود في بعض نسخ المعالم - ومنه نسختي - هكذا: ابن فياض
القاضي النعمان بن محمد... إلى آخر الترجمة (3). وبعد التأمل فيما ذكرنا لا مجال
للشبهة في اتحادهما، وكون الكتاب له، إلا أن ما فيه من الاحكام في غاية
الندرة.

(1) معالم العلماء: 126 / 853 علما ان نسخة الرياض المطبوعة خالية منه.
(2) رياض العلماء 6: 41.
(3) معالم العلماء: 126 / 853.
162

27 - كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة:
ويعرف بكتاب البدع أيضا، وتارة بالبدع المحدثة، لأبي القاسم علي بن
أحمد الكوفي، كان إماميا مستقيم الطريقة، ثم غلا في آخر عمره، وصنف كتبا
في حالتي الاستقامة والانحراف، وهذا الكتاب من القسم الأول، ولنذكر ما
ذكروا فيه ثم نتبين ما ادعيناه.
قال الشيخ قدس سره في الفهرست: علي الكوفي، يكن أبا القاسم،
كان إماميا مستقيم الطريقة، وصنف كتبا كثيرة سديدة، منها كتاب الأوصياء،
وكتاب في الفقه على ترتيب كتاب المزني، ثم خلط وأظهر مذهب المخمسة (1)،
وصنف كتبا في الغلو والتخليط، وله مقالة تنسب إليه (2).
وقال النجاشي قدس سره: علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي، رجل من
أهل الكوفة، كان يقول: إنه من آل أبي طالب، غلا في آخر عمره، وصنف
كتبا كثيرة، أكثرها عل الفساد:
كتاب الأنبياء، كتاب الأوصياء، كتاب البدع المحدثة، كتاب التبديل
والتحريف، كتاب تحقيق اللسان في وجوه البيان، كتاب الاستشهاد، كتاب
تحقيق ما ألفه البلخي من المقالات، كتاب منازل النظر والاختيار، كتاب أدب
النظر والتحقيق، كتاب تناقض أحكام المذاهب الفاسدة - تخليط كله - كتاب

(1)، المخمسة: من فرق غلاة الشيعة وهم منهم براء، ملعونون لديهم، إذ يعتقدون ان الله تعالى
أوكل إدارة مصالح العباد إلى خمسة. سلمان - وهو رئيسهم - والمقداد وعمار وأبو ذر وعمرو بن
أمية الضميري.
وهناك مخمسة آخرون ملقبون في كتب الفرق بالخطابية أتباع أبو الخطاب، هم غلاة
ملعونون، تبرأ الشيعة الاثني عشرية منهم يعتقدون ان الله تعالى ظهر بصورة النبي، والنبي ظهر
بخمسة صور هي محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
(2) فهرست الشيخ: 91 / 379.
163

الأصول في تحقيق المقالات، كتاب الابتداء، كتاب معرفة وجوه الحكمة،
كتاب معرفة ترتيب ظواهر الشريعة، كتاب التوحيد، كتاب مختصر في فضل
التوبة، كتاب في تثبيت نبوة الأنبياء، كتاب مختصر في الإمامة، كتاب مختصر
في الأركان الأربعة، كتاب الفقه على ترتيب المزني، كتاب الآداب ومكارم الأخلاق
، كتاب فساد أقاويل الإسماعيلية، كتاب الرد على أرسطا طاليس،
كتاب المسائل والجوابات، كتاب فساد قول البراهمة، كتاب نناقض أقاويل
المعتزلة، كتاب الرد على محمد بن بحر الرهني، كتاب الفحص عن مناهج
الاعتبار، كتاب الاستدلال في طلب الحق، كتاب تثبيت المعجزات، كتاب
الرد على من يقول إن المعرفة من قبل الموجود، كتاب إبطال مذهب داود بن علي
الأصبهاني، كتاب الرد على الزيدية، كتاب تحقيق وجوه المعرفة، كتاب ما تفرد
به أمير المؤمنين عليه السلام من الفضائل، كتاب الصلاة والتسليم على النبي
وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، كتاب الرسالة في تحقيق الدلالة، كتاب
الرد على أصحاب الاجتهاد في الاحكام، كتاب في الإمامة، كتاب فساد
الاختيار، رسالة إلى بعض الرؤساء، الرد على المثبتة، كتاب الراعي والمرعي،
كتاب الدلائل والمعجزات، كتاب ماهية النفس، كتاب ميزان العقل، كتاب
إبان حكم الغيبة، كتاب الرد على الإسماعيلية في المعاد، كتاب تفسير القرآن
- يقال: إنه لم يتمه - كتاب في النفس.
هذه جملة الكتب التي أخرجها ابنه أبو محمد.
توفي أبو القاسم بموضع يقال له: كرمي (1)، من ناحية فسا، وبين هذه
الناحية وبين فسا خمسة فراسخ، وبينها وبين شيراز نيف وعشرون فرسخا، توفي
في جمادى الأولى، سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وقبره بكرمي بقرب الخان

(1) في حاشية المخطوطة منه قدس سره: في رياض العلماء: لعل مراده بكرمي هو آب كرم وهو بقرب
بلدة فسا، فلاحظ.
164

والحمام، أول ما يدخل كرمي من ناحية شيراز، وآخر ما صنف مناهج
الاستدلال.
وهذا الرجل يدعي له الغلاة منازل عظيمة، وذكر الشريف أبو محمد
المحمدي رحمه الله أنه رآه (1).
وقال العلامة في الخلاصة: علي بن أحمد الكوفي، يكن أبا القاسم، قال
الشيخ الطوسي طاب ثراه فيه: إنه كان إماميا مستقيم الطريقة، صنف كتبا
كثيرة سديدة، وصنف كتبا في الغلو والتخليط، وله مقالة تنسب إليه.
قال النجاشي: إنه كان يقول: إنه من آل أبي طالب، وغلا في آخر عمره
وفسد مذهبه، وصنف كتبا كثيرة أكثرها على الفساد، توفي بموضع يقال له
كرمي، بينه وبين شيراز نيف وعشرون فرسخا، في جمادى الأولى، سنة اثنتين
وخمسين وثلاثمائة، وهذا الرجل يدعي له الغلاة منازل عظيمة.
وقال ابن الغضائري: علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي، المدعي العلوية،
كذاب غال، صاحب بدعة ومقالة، ورأيت له كتبا كثيرة، لا يلتفت إليه.
وأقول: وهذا هو المخمس، صاحب البدع المحدثة، وادعى أنه من بني
هارون بن الكاظم عليه السلام، ومعنى التخميس عند الغلاة - لعنهم الله
تعالى - أن سلمان الفارسي، والمقداد، وعمار، وأبا ذر، وعمرو بن أمية
الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم، تعالى الله عن ذلك علو كبير 1 (2)،
انتهى.
وقد تلخص من كلماتهم أنه كان اماميا مستقيما، من أهل العلم
والفضل، والمؤلفات السديدة، ثم غلا وصار من المخمسة في آخر عمره، فلو
كان الكتاب المذكور في حال الاستقامة، ما كان في تخليطه بعده وهن في

(1) رجل النجاشي: 265 / 691.
(2) الخلاصة: 233 / 10.
165

الكتاب، وهذا ظاهر لمن نظر فيه، وليس فيه مما يتعلق بالغلو والتخليط شئ،
بل ومما يخالف الامامية، إلا في مسألة تحديد حد شارب الخمر بالثمانين، وكم
له نظائر من أصحابنا، بل هو في أسلوبه، ووضعه، ومطالبه من الكتب المتقنة
البديعة، الكاشفة عن علو مقام فضل مؤلفه،. ولذا اعتمد عليه علماء أعلام
مثل ابن شهرآشوب في مناقبه (1)، وفي معالمه إشارة إلى ذلك كما لا يخفى على
الناظر اللبيب (2)، والشيخ يونس البياضي في كتاب الصراط المستقيم (3)، بل
وكلام العلامة يشير إلى أنه من الكتب المعروفة بين الامامية، والقاضي في
الصوارم المهرقة (4) وغيرهم.
وفي رياض العلماء: وهذا السيد قد ذكره علماء الرجال، لكن قدحوا فيه
جدا، إلا أنه قد ألف في زمان استقامة أمره كتبا عديدة، عل طريقة الشيعة
الإمامية، منها. كتاب الإغاثة في بدع الثلاثة، ويقال له كتاب الاستغاثة،
وكتاب البدع المحدثة أيضا - إلى أن قال - وبالجملة من مؤلفات هذا السيد
كتاب تثبيت المعجزات في ذكر معجزات الأنبياء جميعا، ولا سيما نبينا صلى الله
عليه وآله، وقد ألف الشيخ حسين بن عبد الوهاب - المعاصر للسيد المرتضى
رحمه الله والرضي رضي الله عنه - تتميما لكتابه هذا كتابه المعروف بكتاب عيون
المعجزات في ذكر معجزات فاطمة والأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم،
وإن ظن الأستاذ (5) الاستناد، وجماعة أيضا كون عيون المعجزات للسيد
المرتضى، وقد سبق وجه بطلان هذا الحسبان في ترجمة الحسين بن عبد الوهاب
المذكور.

(1) المناقب 2: 364.
(2) معالم العلماء: 64 / 436.
(3) منها في 2: 17 من الصراط المستقيم.
(4) الصوارم المهرقة: 20.
(5) حاشية المخطوطة: يعني العلامة المجلسي.
166

قال الشيخ حسين بن عبد الوهاب - المشار إليه - في أواخر كتاب عيون
المعجزات، ما هذا لفظه. وكنت حاولت أن أثبت في صدر هذا الكتاب
البعض من معجزات سيد المرسلين، وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله
الطاهرين الطيبين، فوجدت كتابا ألفه السيد أبو القاسم علي بن أحمد بن موسى
ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليهم السلام، سماه تثبيت المعجزات، وقد أوجب في صدره بطريق
النظر والاختيار، والدليل والاعتبار، كون معجزات الأنبياء والأوصياء صلوات
الله عليهم أجمعين، بكلام بين، وحجج واضحة، ودلائل نيرة، لا يرتاب فيها
إلا ضال غافل غوي، ثم أتبعها المشهور من المعجزات لرسول الله صلى الله
عليه وآله، وذكر في آخرها أن معجزات الأئمة الطاهرة صلوات الله عليهم
أجمعين زيادة تنساق في أثرها، فلم أر شيئا في آخر كتابه هذا، الذي سماه كتاب
تثبيت المعجزات، وتفحصت عن كتبه وتأليفاته التي عندي وعند إخواني
المؤمنين - أحسن الله توفيقهم - فلم أر كتابا اشتمل على معجزات الأئمة
الطاهرة صلوات الله عليهم، وتفرد الكتاب بها، فلما أعياني ذلك استخرت الله
تعالى، واستعنت به في تأليف شطر وافر من براهين الأئمة الطاهرة عليهم
السلام... إلى آخره.
قال رحمه الله: ثم اعلم أن علماء الرجال قد ذموه ذما كثيرا كما سنفصله،
ولذلك لا يليق بنا إيراد ترجمته في القسم الأول من كتابنا هذا، ولكن دعاني إلى
ذلك أمران.
الأول: اعتماد مثل الشيخ حسين بن عبد الوهاب - الذي هو أبصر
بحاله - عليه وعلى كتابه، وتأليف كتاب تتميما لكتابه.
الثاني: أن كتبه جلها، بل كلها معتبرة عند أصحابنا، حيث كان في أول
أمره مستقيما محمود الطريقة، وقد صنف كتبه في تلك الأوقات، ولذلك اعتمد
علماؤنا المتقدمون على كثير منها، إذ كان معدودا من جملة قدماء علماء الشيعة
167

برهة من الزمان (1).
ونقل رحمه الله في موضع آخر عن الحسين بن عبد الوهاب، أنه قال في
موضع من كتاب عيون المعجزات: وقرأت من خط نسب إلى أبي عمران
الكرماني، تلميذ أبي القاسم علي بن أحمد الموسوي الكوفي رضي الله عنه
(سمع أبا القاسم رضي الله عنه (2) يذكر أن التوقيعات تخرج على يد عثمان
أبي (3) عمرو العمري، وكان السفير بين الصاحب عليه السلام والشيعة (4)...
إلى آخره.
وفى موضع آخر، ومن كتاب الاستشهاد. قال أبو القاسم علي بن أحمد
الكوفي - رضي الله عنه - أخبرنا جماعة من مشايخنا الذين خدموا بعض الأئمة
عليهم السلام، عن قوم جلسوا لعلي بن محمد عليهما السلام (5)... إلى آخره،
انتهى ما أردنا نقله من الرياض، وينبغي التنبيه على أمرين:
الأول: في أنه سيد رضوي، ينتهي نسبه إلى موسى بن محمد الجواد عليه
السلام، كما صرح به في عيون المعجزات.
أو موسوي ينتهي نسبه إلى هارون بن الكاظم عليه السلام، كما أشار
إليه في الخلاصة (6).
أوليس بعلوي هاشم، كما يشير إليه كلام ابن الغضائري.
وهذا أمر لا يهمنا تحقيقه، ولا يعود لصرف العمر فيه فائدة لكتابنا هذا،
ولذا أعرضنا عنه.

(1) رياض العلماء 3: 355.
(2) ما بين قوسين لم ترد في المخطوطة.
(3) في المخطوطة والحجرية: ابن.
(4) لم نجده في الرياض وما في كتاب عيون المعجزات: 143 باختلاف،
(5) لم نجده في القسم المطبوع فلاحظ.
(6) رجال العلامة: 233.
168

الثاني: إنك قد عرفت تصريح الجماعة بأن كتاب البدع المحدثة
- المعروف بالاستغاثة - لأبي القاسم الكوفي، كالنجاشي، والعلامة، والسروي،
والبياضي، ويلائم سند بعض أخباره طبقته ففي أول بدع الثاني: وفي مصحف
أمير المؤمنين عليه السلام، برواية الأئمة من ولده صلوات الله عليهم (من المرفق
والى الكعبين)، حدثنا بذلك علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن
ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن جعفر بن محمد عليهما السلام (1)...
الخبر، فهو في طبقة الكليني رحمه الله وأضرابه، ويشير في الكتاب أحيانا إلى
كتابه، كتاب الأوصياء (2) الذي صرح النجاشي بأنه له.
وقال في أواخر الكتاب، في تحقيق أن المقتول في يوم الطف علي بن
الحسين الأكبر أو الأصغر - لمناسبة - ما لفظه: فمن كان من ولد الحسين عليه
السلام قائلا بالإمامة بالنصوص، يقول إنهم من ولد علي الأكبر ابن الحسين
عليه السلام، وهو الباقي بعد أبيه، وإن المقتول الأصغر منهما، وهو قولنا وبه
نأخذ، وعليه نعول ثم نقل القول الآخر ونسبه إلى الزيدية، وطعن عليهم - إلى
أن قال - وإنما أكثر ما بينهم وبينه من الاباء في عصرنا هذا، ما بين ستة آباء أو
سبعة، فذهب عنهم أو عن أكثرهم معرفة من هم من ولده من الأخوين (3)...
إلى آخره، وهذا أيضا لا يلائم إلا الطبقة المذكورة.
فمن الغريب بعد ذلك نسبة هذا الكتاب إلى المحقق ميثم بن علي
البحراني، ففي الفصل الأول من أول البحار: كتاب شرح نهج البلاغة،
وكتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة، للحكيم المدقق العلامة كمال الدين ميثم بن

(1) الاستغاثة: 29 هامش 1، وفيه بدل ما بين القوسين (من المرافق - ومن الكعبين).
(2) الاستغاثة: 8 و 22 و 116، وفي غيرها.
(3) الاستغاثة: 83.
169

علي بن ميثم البحراني (1). وفي الفصل الثاني: والمحقق البحراني من أجلة
العلماء ومشاهيرهم، وكتاباه في غاية الاشتهار، انتهى (2).
ولولا كلامه الأخير لاحتملنا كما في الرياض، أن يكون لابن ميثم أيضا
كتاب سماه بالاستغاثة، فإن الاشتراك في أسامي الكتب غير عزيز، ولكن
الكتاب المتداول المعروف ليس من مؤلفاته قطعا لما عرفت.
قال المحقق المحدث البحراني في اللؤلؤة بعد نقل ترجمة ابن ميثم، عن
رسالة السلافة البهية في الترجمة الميثمية، لشيخه العلامة الشيخ سليمان
البحراني، وعد الكتاب المذكور من مؤلفاته، وتوصيفه بأنه لم يعمل مثله ما
لفظه:
ثم إن ما ذكره شيخنا المذكور من نسبة كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة
للشيخ المشار إليه غلط قد تبع فيه من تقدمه، ولكن رجع عنه أخيرا فيما وقفت
عليه من كلامه، وبذلك صرح تلميذه الصالح الشيخ عبد الله بن صالح
البحراني رحمه الله، وإنما الكتاب المذكور كما صرحا به لبعض قدماء الشيعة من
أهل الكوفة، وهو علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي، والكتاب يسمى كتاب
البدع المحدثة، ذكره النجاشي في جملة كتبه، ولكن اشتهر في ألسنة الناس
تسميته بالاسم الأول، ونسبته للشيخ ميثم، ومن عرف سليقة الشيخ ميثم في
التصنيف، ولهجته وأسلوبه في التأليف، لا يخفى عليه أن الكتاب المذكور ليس
جاريا عل تلك اللهجة، ولا خارجا من تلك اللجة (3)، انتهى.
وبعد الوقوف على ما أشرنا إليه من القرائن والحجة، لا وقع للتشبث
باللهجة، فإنه لغريق صار في غمرات اللجة.
وأغرب من جميع ذلك أن الفاضل المتبحر الشيخ عبد النبي الكاظمي في

(1) بحار الأنوار 1: 19.
(2) بحار الأنوار 1: 37.
(3) لؤلؤة البحرين: 260.
170

تكملة الرجال، في ترجمة علي بن الحسين الأصغر عليه السلام قال: في كتاب
الاستغاثة لبدع الثلاثة للشيخ ميثم البحراني، قال: وكان للحسين عليه
السلام ابنان، ونقل بعض ما في الكتاب إلى قبيل العبارة التي نقلناها، وهي
قوله: وإنما أكثر ما بينهم - يعني السادات - وبينه - يعني الحسين عليه السلام -
من الاباء في عصرنا هذا ما بين ستة آباء أو سبعة... إلى آخره (1).
ولم يلتفت أنه لا يمكن أن يكون بين من في عصر ابن ميثم من السادة
وبينه عليه السلام ستة أو سبعة بحسب العادة، فإن بينهما قريبا من ستمائة
سنة، ولنذكر نسب واحد من السادة المعاصرين لابن ميثم، وهو رضي الدين
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس بن إسحاق بن محمد
ابن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى عليه السلام،
والله الهادي.

(1) تكملة الكاظمي 2: 159.
171

28 - كتاب الآداب ومكارم الأخلاق:
له أيضا، وهو كتاب لطيف، بديع في فنه، ذكر فيه الأخلاق الحسنة،
والصفات الذميمة، يبتدئ في كل خصلة بالاخبار المأثورة عن النبي والأئمة
عليهم السلام، ثم يذكر كلمات الحكماء، ويختم بأبيات رائقة أنشدت فيها،
وهو كسابقه في الخلو عما يوهم التخليط والغلو، وقد عثرنا على نسخة عتيقة
منه، إلا أنها ناقصة في مواضع منها.
وفي الرياض. ومن مؤلفاته أيضا كتاب في الآداب ومكارم الأخلاق،
وهو كتاب جيد حسن، رأيت نسخة عتيقة منه بقطيف بحرين، وقد قال في
أوله: إنه ألف كتبا كثيرة في العلوم والآداب والرسوم، وعندنا أيضا منه
نسخة (1).
وقال في موضع آخر: وعندنا من كتبه كتاب الأخلاق حسنة الفوائد (2).

(1) رياض العلماء 3: 359.
(2) رياض العلماء 3: 340.
172

29 - كتاب النوادر:
هو تأليف السيد الإمام الكبير ضياء الدين أبي الرضا، فضل
الله بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن محمد بن أبي الفضل
عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد السيلق بن الحسن بن جعفر بن الحسن
المثنى بن الحسن المجتبى عليه السلام - الراوندي الكاشاني -.
وصفه العلامة في إجازة بني زهرة، بالسيد الامام (1).
وفي فهرست الشيخ منتجب الدين: علامة زمانه، جمع مع علو النسب
كمال الفضل والحسب، وكان أستاذ أئمة عصره (2).
قال أبو سعد السمعاني في كتاب الأنساب: لما وصلت إلى كاشان
قصدت زيارة السيد أبي الرضا المذكور، فلما انتهيت إلى داره (وقفت على
الباب هنيئة) (3) انتظر خروجه، فرأيت مكتوبا على طراز الباب هذه الآية المشعرة
بطهارته وتقواه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) (4) فلما اجتمعت به، رأيت منه فوق ما كنت. أسمعه عنه، وسمعت
منه جملة من الأحاديث، وكتبت عنه مقاطيع من شعره، ومن جملة أشعاره التي
كتبها لي بخطه الشريف هذه الأبيات:
هل لك يا مغرور من زاجر * أو حاجز عن جهلك الغامر
أمس تقضى وغدا لم يجئ * واليوم يمضي لمحة الباصر

(1) بحار الأنوار 107: 135.
(2) فهرست منتخب الدين: 143 / 335.
(3) في حاشية المخطوطة نسخة بدل عنها: قرعت الحلقة وقعدت على الدكة.
(4) الأحزاب 33: 33.
173

فذلك العمر كذا ينقضي * ما أشبه الماضي بالغابر (1)
انتهى.
وبالجملة هو من المشايخ العظام الذي تنتهي كثير من أسانيد الإجازات
إليه، وهو تلميذ الشيخ أبي علي بن شيخ الطائفة قدس سره، ويروي عن جماعة
كثيرة من سدنة الدين، وحملة الاخبار، وله تصانيف تشهد بفضله وأدبه، وجمعه
بين موروث المجد ومكتسبه، ومنه انتشرت الأدعية الجليلة المعروفة بأدعية
السر، وهو صاحب ضوء الشهاب في شرح الشهاب، الذي أكثر عنه النقل في
البحار، ويظهر منه كثرة تبحره في اللغة والأدب، وعلو مقامه في فهم معاني الأخبار
، وطول باعه في استخراج مأخذها.
وشرح حاله، وعد مؤلفاته، وذكر مشايخه ورواته، يطلب من رياض
العلماء (2)، وغيره وما يأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته، في الفائدة
الآتية (3) وغيره.
قال الفاضل السيد علي خان في الدرجات الرفيعة: وقد وقفت على ديوان
هذا السيد الشريف، فرأيت فيه ما هو أبهى من زهرات الربيع، وأشهى من
ثمرات الخريف، فاخترت منه ما يروق سماعه لأولي الألباب، ويدخل إلى
المحاسن من كل باب (4)، ثم ساق جملة منها.
ثم لا يخفى انا قد ذكرنا شطرا مما يتعلق بكتاب النوادر في شرح حال
الجعفريات، ولنذكر بعض ما يتعلق بسند أوله، فنقول: قال في صدر
الكتاب، كما في نسختي وكذا نقله في البحار: أخبرني السيد الإمام ضياء

(1) أنساب السمعاني 10: 18 باختلاف.
(2) رياض العلماء، 4: 364.
(3) يأتي في الفائدة الثالثة عند ذكر مشايخ ابن شهرآشوب.
(4) الدرجات الرفيعة: 507.
174

الدين، سيد الأئمة، شمس الاسلام، تاج الطالبية، ذو الفخرين، جمال آل
رسول الله صلى الله عليه وآله، أبو الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسنى
الراوندي - حرس الله جماله وأدام فضله - قال: أخبرنا الامام الشهيد أبو المحاسن
عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني - إجازة وسماعا - أخبرني الشيخ أبو
عبد الله محمد بن الحسن التميمي البكري - إجازة، أو سماعا - حدثنا أبو محمد
سهل بن أحمد الديباجي، قال: حدثنا أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث
الكوفي... إلى آخر ما تقدم (1).
وقد مر أيضا شرح حال جملة من رجال هذا السند.
وأما أبو المحاسن. ففي رياض العلماء: الشيخ الإمام أبو المحاسن.
القاضي فخر الاسلام، الشهيد عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد
الطبري الروياني، كان من أجلة علماء حلب، ولكن كان يتقي، وإن ظن أنه
من علماء الشافعية، وكان في ابتداء أمر الباطنية، وكان يطعن فيهم ولذلك
قتلوه، وكان من مشايخ السيد فضل الله الراوندي ونظرائه، فكان من المتأخرين
عن المفيد قدس سره بدرجتين، بل درجات، إلا أنه قد يظهر من بعض
المواضع أنه كان من مشايخ المفيد، وهو غريب فلاحظ.
ويروي عن جماعة كثيرة، منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن
التميمي البكري، عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن
الأشعث، كما يظهر من كتاب نوادر الراوندي.
ثم إنه وقع في بعض أحاديث كتاب الأربعين للشيخ منتجب الدين
صاحب الفهرس، هكذا: أخبرنا أبو النجيب سعيد بن محمد بن أبي بكر الحمامي
- بقراءتي عليه - أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حازم الركاب، حدثنا أبو

(1) بحار الأنوار 1: 54.
175

معمر جعفر بن علي الوزان (1).
(حيلولة): وأخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن أبي القاسم الحصيري - قراءة
عليه - - أخبرنا أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، قالا: أخبرنا
أبو الحسن علي بن شجاع بن محمد المصقلي الحافظ... إلى آخره.
وفي موضع آخر منه. أخبرنا أبو الفتوح محمود بن محمد بن عبد الجبار
المذكر الهرمز دياري السروي، ثم الجرجاني - قدم علينا الري قراءة عليه -
أخبرنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني (2)... إلى
آخره.
قال: وقد نقل بعض الأفاضل أن الشيخ أبا المحاسن هذا أول من أفتي
بإلحاد الطائفة الباطنية، حيث كانوا يقولون بأنه لا بد من معلم يعلم الناس
الطريق إلى الله تعالى، وكان ذلك المعلم يقول لا يجب عليكم إلا طاعتي، وما
سوى ذلك إن شئتم فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا، ولما جاء هذا الشيخ إلى
قزوين أفتى بإلحادهم، ووصى لأهل قزوين التجنب عنهم حين كان بينهم
و [بين] (3) الباطنية اختلاط، وقال: إن وقع بينكم وبينهم اختلاط ففيهم قوم
عندهم حيل يخدعون بعضكم، وإذا خدعوا بعضكم وقع الاختلاف والفتنة،
والامر كان على ما أشار إليه هذا الشيخ، وقال:. إن جاء من ذلك الجانب طائر
فاقتلوه فلما عاد هذا الشيخ إلى بلدة رويان (4)، بعث الباطنية بعض الفدائية

(1) في المخطوطة: الوازن، وقد أثبتنا ما في الحجرية والمصدر.
(2) الأربعون حديثا عن الأربعين: 24 / 5، 20 / 2.
(3) أثبتناه من المصدر.
(4) قال السيد الداماد في حواشي اختيار الكشي (1: 40) الروياني: نسبة إلى رويان - بضم الراء
قبل الواو الساكنة، والياء المثناة من تحت قبل الألف، والنون بعدها - بلد بطبرستان. قال
الفاضل البيرجندي بينه وبين قزوين ستة عشر فرسخا. وفي القاموس [4: 230، مادة:
الرين). علة بالري، وقرية بحلب، وبلد بطبرستان منه الإمام أبو المحاسن عبد الواحد بن
إسماعيل، إنتهى (منه مد ظله العالي).
176

كما هو دأب هؤلاء الملاعين، فقتله غيلة بالخفية، وقد عاش سعيدا ومات حميدا.
وقال ابن الأثير الجزري في الكامل: إن القاضي الامام فخر الاسلام
أبو المحاسن، عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني الطبري،
الفقيه الشافعي، كان مولده سنة خمس عشرة وأربعمائة، وقتل في محرم سنة
اثنتين وخمسمائة، وكان حافظا للمذهب، ويقول: لو أحرقت كتب الشافعي
لأمليتها من قلبي، انتهى (1).
وأقول: والحق أن الروياني كان يعمل بالتقية، فلذلك قد ظن به العامة
كونه من الشافعية انتهى ما أردنا نقله من الرياض (1).
وصرح ابن شهرآشوب في المناقب: أن جده شهرآشوب يروى عن
القاضي أبي المحاسن الروياني (3).
وأما الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن التميمي البكري، فلم أجد له
ترجمة، والظاهر أنه من مشايخ الإجازة، ذكروه لمجرد اتصال السند إلى كتاب
علم انتسابه إلى مؤلفه، فلا يضر الجهل بحاله، أو هو من علائم الوثاقة إن
اعتمدوا عليه في الانتساب، والله العالم.

(1) الكامل لابن الأثير 1: 473.
(2) رياض العلماء 3: 276 - 278.
(3) مناقب ابن شهرآشوب 1: 10.
177

30 - كتاب روض الجنان:
وهو التفسير الكبير، للشيخ الجليل أبي الفتوح الحسين بن علي بن محمد
ابن أحمد الخزاعي، الرازي، النيشابوري، قدوة المفسرين، من مشايخ الشيخ
منتجب الدين وابن شهرآشوب.
ذكراه في الفهرست (1) والمعالم، وفي الثاني: إن تفسيره فارسي (2)، إلا أنه
عجيب.
قال في الرياض: وأما تفسيره الفارسي فهو من أجل الكتب، وأفيدها
وأنفعها، وقد رأيته فرأيت بحرا طمطاما، قال: وكان هو، وولده الشيخ الامام
تاج الدين محمد، ووالده، وجده القريب، وجده الأعلى الشيخ أبو بكر أحمد،
وعمه الأعلى وهو الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر أحمد المذكور، كلهم من
مشاهير العلماء.
وبالجملة هؤلاء سلسلة معروفة من علماء الإمامية، ولكل واحد منهم
تأليفات جياد، وتصنيفات عديدة حسان (3)، انتهى.
وهذا التفسير العجيب في عشرين مجلدا، وفيه أخبار كثيرة تناسب أبواب
كتابنا هذا، إلا أنه لكونه بالفارسية،، يحتاج نقله إلى الترجمة ثانيا بالعربية،
ويخاف منها فوات بعض مزايا الاخبار، لم نرجع إليه إلا قليلا، وقد ينقل الخبر
بمتنه ثم يترجمه، فأخرجناه سالما والحمد لله.

(1) فهرست منتجب الدين: 173 / 424.
(2) معالم العلماء: 141 / 987.
(3) رياض العلماء 2: 158.
178

31 - رسالة - تحريم الفقاع:
للشيخ الاجل الأعظم أبي جعفر الطوسي قدس سره، وجلالة قدر
صاحبها تغني عن التعرض لحاله.
179

32 - كتاب معدن الجواهر:
للشيخ الجليل أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان بن علي الكراجكي،
الفقيه المتكلم، الذي يعتبر عنه الشهيد قدس سره في الدروس بالعلامة (1)،
تلميذ شيخنا المفيد والسيد المرتضى قدس سرهما، صاحب كتاب كنز الفوائد
الذي طابق اسمه معناه، وهذا الكتاب على حذو كتاب القرائن من كتب
المحاسن، وكتاب الخصال، إلا أنه لم يتجاوز فيه من أبواب العشرة، وزاد بعد
نقل الاخبار ما يناسبها من كلمات العلماء الأخيار.

(1) الدروس 1: 152.
180

33 - كتاب لب اللباب أو اللباب:
للشيخ الفقيه، المحدث النبيه، سعيد بن هبة الله، المدعو بالقطب
الراوندي صاحب الخرائج، وشارح النهج، اختصره من كتاب فصول نور
الدين عبد الوهاب الشعراني العامي، لخصه وألقى ما فيه من الزخارف
والأباطيل. وقد رأيت المجلد الثاني من الفصول في المشهد الرضوي عليه
السلام يقرب من تمام كتاب اللباب، وهذا كتاب حسن كثير الفوائد، مشتمل
على مائة وخمسة وخمسين مجلسا، في تفسير مثلها من الآيات على ترتيب القرآن.
وفي الرياض: وله كتاب تلخيص فصول عبد الوهاب في تفسير الآيات
والروايات، مع ضم الفوائد والاخبار من طرق الامامية، قد رأيته في بلدة
أردبيل، وهو كتاب حسن، انتهى (1).
وهو داخل في فهرست البحار، قال قدس سره: وكتاب اللباب المشتمل
على بعض الفوائد (2). لكنه رحمه الله غفل عنه فلم ينقل عنه في البحار،
والظاهر أنه لم يكن عنده وقت تأليفه، كما يظهر من المكتوب الذي أرسله إليه
بعض تلامذته، وأدرجه في آخر إجازات البحار، في استدراك ما فاته من الكتب
الموجودة وغير ذلك، ثم استدرك رحمه الله بعضا وترك بعضا. وفي المكتوب:
وشرحا النهج للراونديين قد نقلتم عنهما في كتاب الفتن وغيره، من كتب
البحار، وكتاب اللباب للأول عند الأمير زين العابدين بن سيد المبتدعين عبد
الحسيب، حشره الله مع جده القمقام يوم الدين (3)... إلى آخره.
وبالجملة فاعتبار الكتاب يعرف من اعتبار مؤلفه، الذي هو في المقام
فوق ما يصفه مثلي بالقلم، أو اللسان.

(1) رياض العلماء 2: 421.
(2) بحار الأنوار 1: 31.
(3) بحار الأنوار 110: 168.
181

34 - كتاب الدعوات:
له أيضا سماه سلوة الحزين، قال في البحار: وجدنا منه نسخة عتيقة،
وفيه دعوات موجزة شريفة، مأخوذة من الأصول المعتبرة، على أن الامر في سند
الدعاء هين (1)، انتهى.
قلت: ليس هو مقصورا على الأدعية، بل فيه مما يتعلق بحالتي الصحة
والمرض، وآداب الاحتضار، وما يتعلق بما بعد الموت، وفوائد كثيرة، ونوادر
عزي.
ومما يجب التنبيه عليه في هذا المقام، انني كنت معتقدا في سالف الزمان،
أن هذا الكتاب من تأليف السيد فضل الله الراوندي المتقدم ذكره، ونسبته إليه
في كل مقام نقلت منه فيما برز مني، كدار السلام، والنجم الثاقب وغيرهما،
وقد ظهر لي من بعد ذلك أنه للقطب الراوندي وهذا اشتباه لا يترتب عليه أثر،
ولا يضعف به خبر، لان كلاهما من أجلة المشايخ وأساتيذ العصر، إلا أنه يوجد
في النفس بعد التنبيه انكسار لا بد من جبره، ولا جابر إلا الالتفات إلى ما وقع
لمولانا العلامة المجلسي رحمه الله في هذا المقام من الاشتباه، واختلاط كتب
هذين العالمين الراونديين عليه، ونسبته تأليف أحدهما إلى الاخر.
ولحسن الظن به اعتمدنا عليه ولم نراجع المأخذ، فوقعنا فيما وقعنا مع إنه
رحمه الله جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. فقال في الفصل الأول: وكتاب
الخرائج والجرائح، للشيخ الامام قطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله بن
الحسن الراوندي، وكتاب قصص الأنبياء له أيضا، على ما يظهر من أسانيد
الكتاب واشتهر أيضا، ولا يبعد أن يكون تأليف فضل الله بن علي بن عبيد الله
الحسني الراوندي، كما يظهر من بعض أسانيد السيد ابن طاووس قدس سره.

(1) بحار الأنوار 1: 31.
182

وقد صرح بكونه منه في رسالة النجوم، وكتاب فلاح السائل، والامر فيه
هين لكونه مقصورا على القصص، وأخباره جلها مأخوذة من كتب الصدوق.
وكتاب فقه القرآن للأول أيضا. وكتاب ضوء الشهاب، شرح شهاب الاخبار
للثاني فضل الله - رحمه الله - وكتاب الدعوات، وكتاب اللباب، وكتاب شرح
نهج البلاغة، وكتاب أسباب النزول له أيضا، إنتهى (1).
وظاهر العبارة بل صريحها أن الكتب الأربعة الأخيرة للسيد الراوندي لا
لقطبها، إذ عود ضمير (له) ا إليه مستهجن جدا، إذ لا وجه لتوسيط ذكر كتاب
ضوء الشهاب الذي هو من مؤلفات السيد.
وقد تفطن صاحب الرياض إلى هذا الاشتباه، وأشار إليه في ترجمتهما،
وصرح هو وغيره بأن الكتب الأربعة للقطب لا له (2).
والعجب أن العلامة المذكور قال في الفصل الثاني في شرح حال الكتب
المذكورة: وكتاب ضوء الشهاب كتاب شريف، مشتمل على فوائد جمة، خلت
عنها كتب الخاصة والعامة، وكتاب اللباب المشتمل على بعض الفوائد، وشرح
النهج مشهور معروف، رجع إليه أكثر الشراح، وكتاب أسباب النزول فيه
فوائد، إنتهى (3).
وفيه أيضا تأكيد لما ذكرنا، مع أن شرح النهج المتداول غير خفي أنه
للقطب، فراجع.

(1) بحار الأنوار 1: 12.
، 2) رياض العلماء 2: 429، و 4: 365.
(3) بحار الأنوار 1: 31.
183

35 - كتاب فقه القرآن:
وهو بعينه كتاب آيات الاحكام له أيضا، وهو من نفائس
الكتب النافعة الجامعة، الكاشفة عن جلالة قدر مؤلفها، وعلو مقامه في العلوم
الدينية، وقد عثرنا - بحمد الله تعالى - على نسخة عتيقة منه، كتب في
آخره: كتبه سعيد بن هبة الله بن الحسن، في محرم سنة اثنتين وستين وخمسمائة
حامدا لربه، ومصليا على محمد وآله - إلى هنا كلام المصنف رحمه الله - وتم
الكتاب عل يد العبد الفقير إلى الله تعالى، الحسن بن الحسين بن الحسن
(السد السوي) (1) ناقلا عن خط المصنف إلا قليلا، أواسط صفر، ختم بالخير
والظفر، شهور سنة أربعين وسبعمائة هجرية، بمدينة قاشان... إلى آخره.
قال في الرياض: ثم إن القطب الراوندي قدس سره هو أول من شرح
نهج البلاغة، وأول من ألف تفسير آيات الاحكام، فلاحظ (2).
قلت: أما الثاني فالظاهر أنه كما ذكره، وأما النهج فأول من شرحه
أبو الحسن البيهقي (3) وهو حجة الدين، فريد خراسان، أبو الحسن بن أبي
القاسم زيد - صاحب لباب الألباب، وحدائق الحدائق، وغيرها - ابن محمد
ابن علي البيهقي، من أولاد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين.
قال في أول شرحه: قرأت كتاب نهج البلاغة على الإمام الزاهد الحسن
ابن يعقوب بن أحمد القارئ، وهو وأبوه في فلك الأدب قمران، وفي حدائق

(1) هكذا في الحجرية، وفي المخطوطة غير مقروءة وقد علم فيهما عليها ب‍:
كذا.
(2) رياض العلماء 2: 421.
(3) فيه تأمل، إذ الظاهر أن أول من شرحه هو علي بن الناصر - المعاصر للسيد الرضي - وهو من
أخصر وأتقن الشروح، سماه أعلام نهج البلاغة، راجع الذريعة 2: 240.
184

الورع ثمران، في شهور سنة ست عشرة وخمسمائة، وخطه شاهد لي بذلك - إلى
أن قال - ولم يشرح قبلي من كان من الفضلاء السابقين هذا الكتاب بسبب
موانع (1)... إلى آخره.

(1) معارج نهج البلاغة: 2 - 4.
185

360 - كتاب التمحيص:
قال في البحار: هو لبعض قدماء أصحابنا، ويظهر من القرائن، الجلية
أنه من مؤلفات الثقة الجليل أبي علي محمد بن همام (1).
وقال في موضع آخر: وكتاب التمحيص، ومتانته تدل على فضل مؤلفه،
وإن كان مؤلفه أبا علي كما هو الظاهر، ففضله وتوثيقه مشهوران (2).
قلت. ولم يشر إلى القرائن، والذي يظهر منها من الكتاب، قوله في أول
الكتاب بعد الديباجة، باب سرعة البلاء إلى المؤمنين: حدثنا أبو علي محمد بن
همام، قال: حدثني عبد الله بن جعفر (3)... إلى آخره، وهذا هو المرسوم في
غالب كتب المحدثين من القدماء، أن الرواة عنهم من تلاميذهم يخبرون عن
روايتهم عنه في صدر كتبهم، فراجع الكافي، وكتب الصدوق، وغيرها، تجدها
على ما وصفناه.
وبهذا يظن أن التمحيص له، ولكن الشيخ الجليل النبيل، الشيخ
إبراهيم القطيفي، قال في خاتمة كتاب الفرقة الناجية، الحديث الأول: ما رواه
الشيخ العالم، الفاضل العامل، الفقيه النبيه، أبو محمد الحسن بن علي بن
الحسين بن شعبة الحراني قدس الله روحه الزكية في كتابه المسمى
بالتمحيص، ثم أخرج منه خمسة أحاديث، وهو صاحب كتاب تحف العقول
المتداول المعروف.
وفي الرياض: وأما قول الأستاذ الاستناد بأن كتاب التمحيص من
مؤلفات غيره - أي غير الحسن المذكور - فهو عندي محل تأمل، لان الشيخ

(1) بحار الأنوار 1: 17.
(2) بحار الأنوار 1: 34.
(3) التمحيص: 30.
186

إبراهيم أقرب وأعرف، مع أن عدم ذكر كتاب التمحيص في جملة مؤلفاته، التي
أوردها أصحاب الرجال في كتبهم مع قربهم إليه، يدل على أنه ليس منه،
فتأمل (1).
ووافقهما على ذلك الشيخ الجليل في أمل الآمل، إلا أنه نسبه إلى القاضي
في المجالس (2)، وفيه سهو ظاهر، فإن القاضي نقل في ترجمة القطيفي (3) ما
أخرجه من كتاب التمحيص بعبارته (4)، ولا يظهر منه اختياره ما اختاره من
النسبة.
ثم إني إلى الآن ما تحققت طبقة صاحب تحف العقول (5)، حتى أستظهر
منها ملاءمتها للرواية عن أبي علي محمد بن همام وعدمها.
والقطيفي من العلماء المتبحرين، إلا أنه لم يعلم أعرفيته في هذه الأمور
من العلامة المجلسي رحمه الله، وهو في طبقة المحقق الكركي، وهذا المقدار من
التقدم غير نافع في المقام.
نعم ما ذكره صاحب الرياض أخيرا يورث الشك في النسبة، إلا أنه
يرتفع بملاحظة ما ذكرنا.
ومع الغض عنه فالكتاب مردد بين العالمين الجليلين الثقتين، فلا يضر
الترديد في اعتباره، والاعتماد عليه.

1) رياض العلماء 1: 245.
(2) أمل الآمل 2: 74 / 198.
(3) بل في ترجمة أبو بكر الحضرمي.
(4) مجالس المؤمنين 1: 383.
(5) ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في طبقات اعلام الشيعة القرن الرابع: 93 ان الحسن. بن علي
ابن شعبة صاحب تحف العقول معاصر للصدوق المتوفى سنة 381، ويروي عن أبي علي محمد
ابن همام بن سهيل الإسكافي المتوفى سنة 336، ويري عنه المفيد المتوفى سنة 413 كما ذكره حسين
ابن علي بن صادق البحراني في رسالته في الأخلاق، ولعل كتاب التمحيص للحسن بن علي بن
شعبة البحراني كما استظهره إبراهيم القطيفي والحر وصاحب الرياض، والاحتمال الاخر
للمجلسي.
187

37 - كتاب الهداية:
هو للصدوق قدس سره، صرح به النجاشي (1) وغيره (2).

(1) رجال النجاشي: 390 / 1049.
(2) بحار الأنوار: 1 / 6 وروضات الجنات 6: 136.
188

38 - كتاب المقنع:
له أيضا، وهو داخل في فهرست مآخذ الوسائل (1)، إلا أن المؤلف
رحمه الله لم ينقل منه إلا ما صرح فيه بالرواية، وترك باقيه لزعمه انه من
كلامه، والحق إن ما فيه عين متون الأخبار الصحيحة، بالمعنى الأخص الذي
عليه المتأخرون، لا لما اشتهر من أن فتاوى القدماء في كتبهم متون الاخبار،
وإن كان حقا، ولذا كانوا يرجعون إلى شرائع أبيه - وهو رسالته إليه - عند
اعوزاز النصوص، بل لامرين آخرين:
الأول: تصريحه بذلك في أول الكتاب، قال رحمه الله بعد الخطبة: قال
محمد بن علي: ثم إني صنفت كتابي هذا، وسميته كتاب المقنع لقنوع من يقرؤه
بما فيه، وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله، ولا يصعب حفظه، ولا يمله
قارئه، إذ كان ما أبينه فيه في الكتب الأصولية موجودا، مبينا عن المشايخ
العلماء، الفقهاء الثقات رحمهم الله أرجو بذلك ثواب الله، وأبتغي به
مرضاته، وأطلب الاجر عنده (2)، وهذه العبارة كما ترى متضمنة لمطالب:
الأول: إن ما في الكتاب خبر كله، إلا ما يشير إليه.
الثاني: إن ما فيه من الاخبار مسند كله، وعدم ذكر السند فيه
للاختصار، لا لكونها من المراسيل.
الثالث: إن ما فيه من الاخبار مأخوذ من أصول الأصحاب، التي هي
مرجعهم، وعليها معولهم، وإليها مستندهم، وفيها مباني فتاويهم.
الرابع: إن أرباب تلك الأصول ورجال طرقه إليها، من ثقات العلماء،

(1) وسائل الشيعة 30: 154 / 17، في ذكر الكتب المعتمدة.
(2) المقنع: 2.
189

وبذلك فاق قدره عن كتابه الفقيه، الذي عد من مآخذه كتاب نوادر الحكمة
وكتب المحاسن، وفيهما من ضعاف الاخبار بزعمه وزعم المتأخرين ما لا
يحصى، فإذا لا فرق فيما أدرجه فيه بين أن يقول: روي عن فلان وما أشبهه،
أو يذكر حكم المسألة من غير استناد في الاعتبار والتعويل عليه.
الثاني: ما يظهر من مواضع من الكتاب أن ما يذكره متن الحديث.
ففي أحكام البئر: وإن وقعت في البئر فأرة، أو غيرها من الدواب
فماتت، فعجن من مائها، فلا بأس بأكل ذلك الخبر إذا أصابته النار، وفي حديث
آخر. أكلت النار ما فيه (1). فلولا أن الكلام الأول متن الخبر، لما كان لقوله:
وفي حديث آخر محل.
ومثله في غسل الجنابة. وإن اغتسلت من الجنابة ووجدت بللا، فإن
كنت بلت قبل الغسل فلا تعد الغسل، وإن كنت لم تبل قبل الغسل فأعد
الغسل وفي حديث آخر: إن لم تكن بلت فتوضأ (3).
ومثله في الخلل. وإن لم تدر اثنتين صليت أو خمسا، أو زدت أو نقصت،
فتشهد وسلم، وصل ركعتين وأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي
حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع، ولا قراءة (3).
ومثله في آخر الباب، وفي باب الصوم: إعلم أن الصوم على أربعين
وجها، وساق الخبر المروي عن الزهري، عن السجاد عليه السلام - إلى أن قال -
قال الزهري: وكيف يجزي صوم تطوع عن صوم فريضة (4)، مع أنه ما تعرض
للراوي، ولا المروي عنه في صدر الخبر.

(1) المقنع: 10.
(2) المقنع: 13
(3) المقنع: 31.
(4) المقنع: 55 - 57.
190

وفي كتاب النكاح: وإذا تزوج الرجل المرأة فزنى قبل أن يدخل بها، لم
تحل له لأنه زان، ويفرق بينهما، ويعطيها نصف الصداق، وفي حديث آخر:
يجلد الحد، ويحلق رأسه... إلى آخره (1).
وفيه: ولا تحل القابلة للمولود ولا ابنتها، وهي كبعض أمهاته، وفي
حديث آخر: إن قتلت ومرت فالقوابل أكثر من ذلك، وإن قبلت وربت حرمت
عليه (2).
وهذا المقدار يكفي لاثبات ما أردناه، ومن هنا ظهر وجه نقل المجلسي
رحمه الله ما فيه كنقله عن سائر كتب الاخبار، لكنه رحمه الله فعل بكتاب الهداية
ما فعل به، لظنه أنه أيضا مثله، والظاهر أنه كذلك، ولكنا ما اعتمدنا عليه،
لعدم ما يدل على اعتباره، فاقتصرنا في النقل عنه بما أسنده إلى المعصوم عليه
السلام.

(1) المقنع: 109.
(2) المقنع: 109.
191

39 - كتاب نزهة الناظر وتنبيه الخاطر:
في كلمات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام. للشيخ الاجل
الشريف أبي يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري الطالبي (1)، تلميذ الشيخ
المفيد قدس سره، والجالس مجلسه، وهو متكلم فقيه، قائم بالامرين جميعا،
قاله النجاشي (2)، والعلامة (3).
وقال الأول في ترجمة السيد المرتضى: توليت غسله ومعي الشريف أبي
يعلى محمد بن الحسن الجعفري، وسلار بن عبد العزيز (4).
وهذا كتاب لطيف، صغير الحجم، عظيم القدر، أسقط أسانيد جميع
ما فيه، إلا خبرا واحدا ذكره في آخر الكتاب، وهو الخبر المعروف في ذكر جماعة
زهاد ثلاثين، كانوا عند المستجار، وشاهدوا الصاحب عليه السلام من غير أن
يعرفوه، وعلمهم بعض الدعوات، فقال: لمع مما روي عن مولانا صاحب
الزمان عليه السلام: أخبرني الشيخ أبو القاسم علي بن محمد بن محمد المفيد

(1) لم نجد من صرح بأن الكتاب له، حتى أن النجاشي المعاصر له لم يصرح بأن كتاب النزهة من
مصنفاته.
هذا، والاعتقاد ان مؤلفه هو الحسين بن الحسن بن نصر الحلواني المعاصر لأبي يعلى الجعفري
كما هو مصرح به في صحيفة: 76 من الكتاب إذ قال: قال الحسين بن محمد بن الحسن لما
انتهى إلى هذا الفصل من كتابه...
كما وانه ويروي من أبي يعلى الجعفري في ذات الكتاب في صحيفة 47.
وقد نسب ابن شهرآشوب في معالمه 42 / 273 الكتاب إليه حيث قال. الحسين بن
محمد بن الحسن له كتاب نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، فلاحظ.
(2) رجال النجاشي:، 404 / 1070.
(3) رجال العلامة:، 164 / 179.
(4) رجال النجاشي: 271 / 708.
192

رضي الله عنه قال: حدث أبو محمد هارون بن موسى (1)... إلى آخره. وما
رأينا ترجمة وذكرا لولد - المفيد هذا (2)، إلا في هذا المقام.

(1) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 74.
(2) نقول: ان الشيخ في فهرسته: 158 / 706 في ترجمته للشيخ المفيد عند ذكر مصنفاته قال:
ورسالة في الفقه إلى ولده لم يتمها.
كما وان الحسين بن محمد الحلواني في كتابه الآخر الموسوم بنهج النجاة في فضايل أمير
المؤمنين والأئمة الطاهرين من ذريته صلوات الله عليهم أجمعين روى عنه بقوله: حدثنا أبو
القاسم بن المفيد، أنظر كتاب اليقين في إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
140 فإنه نقل ذلك عن النهج. وعليه فللمفيد ولد يكنى أبا القاسم وإن لم يذكر. علماء
الرجال، فلاحظ.
193

40 - كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة:
المنسوب إلى أبي عبد الله الصادق عليه السلام، على ما صرح به
جماعة من العلماء الأعلام، أولهم فيما أعلم السيد الاجل رضي الدين علي بن
طاووس، في الفصل السابع من الباب السادس، من كتاب أمان الاخطار
قال: ويصحب - أي المسافر - معه كتاب الإهليلجة، وهو كتاب مناظرة مولانا
الصادق عليه السلام للهندي، في معرفة جل جلاله، بطرق غريبة عجيبة
ضرورية، حتى أقر الهندي بالإلهية والوحدانية، ويصحب معه كتاب مفضل
ابن عمر، الذي رواه عن الصادق عليه السلام، في معرفة وجوه الحكمة في
انشاء العالم السفلي، وإظهار أسراره، فإنه عجيب في معناه، ويصحب معه كتاب
مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، عن الصادق عليه السلام، فإنه كتاب لطيف
شريف، في التعريف بالتسليك إلى الله جل جلاله، والاقبال عليه، والظفر
بالاسرار التي اشتملت عليه، فإن هذه الثلاثة كتب تكون مقدار مجلد واحد،
وهي كثيرة الفوائد (1).
والفاضل المتبحر الشيخ إبراهيم الكفعمي قدس سره - صاحب الجنة -
في كتاب مجموع الغرائب، قال: ومن كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة:
قال الصادق عليه السلام: (إعراب القلوب أربعة...) إلى آخره. وقال
الصادق عليه السلام: (سمي المستراح مستراحا...) إلى آخره. وقال الصادق
عليه السلام: (السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام...) إلى آخره، ثم
نقل شيئا من فضل الحلم والتقوى (2).
وشيخ الفقهاء الشهيد الثاني قدس الله روحه، فإنه اعتمد عليه غاية
الاعتماد، ونسب ما فيه إلى الصادق عليه السلام من غير تردد وارتياب، فقال

(1) الأمان: 91 - 92.
(2) مجموع الغرائب: 49.
194

في كشف الريبة، في مقام ذكر علاج الغيبة ما لفظه: جملة ما ذكروه من
الأسباب الباعثة عل الغيبة عشرة أشياء، قد نبه الصادق عليه السلام عليها
بقوله: (أصل الغيبة عشرة) وذكر ما فيه، ثم قال: ونحن نشير إليها مفصلة،
ثم شرح الأصول العشرة المذكورة، ثم شرع في ذكر علاجها (1).
وقال رحمه الله في منية المريد: وقال الصادق عليه السلام: (المراء داء
دوي، وليس في الانسان خصلة شر منه) إلى آخر ما في المصباح. وقال في
آخره: هذا كله من كلام الصادق عليه السلام (2).
وقال رحمه الله في مسكن الفؤاد: فصل، قال الصادق عليه السلام:
(البلاء زين المؤمن، وكرامة لمن عقل) إلى آخر ما في الباب التسعين من
الكتاب. وقال في آخر الفصل: وهذا الفصل كله من كلام الصادق عليه
السلام (3)، ثم قال: فصل، قال الصادق عليه السلام: (الصبر يظهر ما في
بواطن العباد من النور) إلى آخر ما في الباب الذي بعده، ولم يذكر في هذا
الفصل أيضا من غيره (4).
وفي كتاب أسرار الصلاة أخرج منه جميع ما له تعلق بالصلاة، من
مقدماتها، وآدابها، وأفعالها إلى التسليم، مبتدئا في جميع المواضع بقوله: قال
الصادق عليه السلام، من دون أن يذكر اسم الكتاب، ودأبه في نقل سائر الأخبار
أن يقول: روى فلان، أو عن فلان، وبذلك يظهر ما أشرنا إليه من
شدة اعتماده، لأنه رحمه الله تعالى قال في شرح درايته. وإذا نقل من نسخة
موثوق بها في الصحة، بأن قابلها هو، أو ثقة، على وجه وثق به، لمصنف من

(() كشف الريبة: 69، ومصباح الشريعة: 277.
(2) منية المريد 69، مصباح الشريعة: 267.
(3) مسكن الفؤاد: 52 - 53، ومصباح الشريعة: 486.
(،) مسكن الفؤاد: 53، ومصباح الشريعة: 498.
195

العلماء، قال فيه - أي في نقله من تلك النسخة: - قال فلان - يعني ذلك
المصنف - وألا يثق بالنسخة، قال: بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا، أو
وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه ذلك من العبارات.
وقد تسامح أكثر الناس في هذا الزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك،
من غير تجوز وتثبت، فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين، وينقل
منه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا: قال فلان كذا، وذكر فلان كذا.
وليس بجيد، بل الصواب ما فصلناه (1). وهذا الكلام منه رحمه الله وإن كان
في مقام علم انتساب النسخة إلى المؤلف، ولم يطمئن بصحة ما فيها، ولكنه
يدل فيما لم يعلم أصل النسبة بطريق أولى.
وقال المحقق الله الداماد قدس سره في الرواشح، في رد من استدل على
حجية المراسيل مطلقا: بأنه لو لم يكن الوسط الساقط عدلا عند المرسل، لما
ساغ له إسناد الحديث إلى المعصوم سلام الله عليه، وكان جزمه بالاسناد الموهم
لسماعه إياه من عدل تدليسا في الرواية، وهو بعيد من أئمة النقل، قال. وإنما
يتم إذا كان الارسال بالاسقاط رأسا والاسناد جزما، كما لو قال المرسل: قال
النبي صلى الله عليه وآله، أو قال الإمام عليه السلام ذلك، وذلك مثل قول
الصدوق، عروة الاسلام رضي الله عنه في الفقيه، قال عليه السلام: (الماء
يطهر ولا يطهر (2)) إذ مفاده الجزم، أو الظن بصدور الحديث عن المعصوم،
فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنه، وإلا كان الحكم الجازم بالاسناد
هادما لجلالته وعدالته، بخلاف ما لو التزم العنعنة وأبهم الواسطة، كقوله: عن
رجل، أو عن صاحب لي، أو عن بعض أصحابه مثلا، انتهى (3).

(1) الدراية: 109.
(2) الفقيه: 1: 6 / 2.
(3) الرواشح السماوية: 174.
196

ومن هنا قيل: إن هذا الصنف من مراسيل الفقيه، إن لم يكن أقوى مما
عرف إسناده، فلا يقصر عنه.
وبالجملة فهو - رحمه الله - أحق بأن يعمل بما قرره، ومن سبر مؤلفاته
عرف شدة إتقانه وضبطه في نقل الاخبار والآثار، ورعاية الأقانين المودعة في
كتب الدراية.
والسيد الجليل، العالم المتبحر النبيل، السيد حسين القزويني، قال في
المبحث الخامس من كتاب جامع الشرائع، في بيان الاعتماد على مؤلفي الكتب
المنتزعة منها، قال: ومصباح الشريعة المنسوب إليه - يعني الصادق عليه السلام
بشهادة الشارح الفاضل - يعني الشهيد الثاني رحمه الله - والسيد ابن طاووس،
والفاضل العارف مولانا محسن القاساني، وغيرهم، فلا وجه لتشكيك بعض
المتأخرين بعد ذلك، انتهى.
وقال العلامة المجلسي في البحار: وكتاب مصباح الشريعة فيه بعض
ما يريب اللبيب الماهر، وأسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمة عليهم السلام
وآثارهم، وروى الشيخ في مجالسه بعض أخباره هكذا: أخبرنا جماعة، عن أبي
المفضل الشيباني، بإسناده عن شقيق البلخي، عمن أخبره من أهل العلم.
وهذا يدل على أنه كان عند الشيخ - رحمه الله - وفي عصره، وكان يأخذ منه،
ولكن لا يثق به كل الوثوق، ولم يثبت عنده كونه مرويا عن الصادق عليه
السلام، وإن سنده ينتهى إلى الصوفية، ولذا اشتمل على كثير من
اصطلاحاتهم، وعلى الرواية من مشايخهم، ومن يعتمدون عليه في رواياتهم،
والله يعلم، انتهى (1).
قلت: أما مغايرة الأسلوب فغير مضر، وسنشير إن شاء الله إلى وجهه.
وأما قوله. وروى الشيخ بعض أخباره... إلى آخره، ثم فرع عليه

(1) بحار الأنوار 1: 32.
197

وجود الكتاب عنده، وعدم اعتماده عليه، فهو في غاية الغرابة سيما من مثله،
إذ ليس فيه إلا حديث واحد غير مأخوذ عن هذا الكتاب يقينا، ونحن نذكر
الخبرين حتى يتبين للناظر صدق ما ادعيناه.
ففي الباب الثامن والسبعين من المصباح وهو في تبجيل الاخوان، بعد
التصدير بكلام الصادق عليه السلام، على ما هو رسم الكتاب وظهور اختتام
كلامه عليه السلام: قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: كيف أصبحت؟ قال:
(لا أملك نفع ما أرجوه، ولا أستطيع دفع ما أحذره، مأمورا بالطاعة، منهيا
عن المعصية، فلا أرى فقيرا أفقر مني).
وقيل لأويس القرني: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح رجل إذا
أصبح لا يدري أيسمي وإذا أمسى لا يدري أيصبح؟!
قال أبو ذر - رضي الله عنه -: أصبحت أشكر ربى، وأشكو نفسي.
قال النبي صلى الله عليه وآله: (من أصبح وهمته غير الله فقد أصبح من
الخاسرين المعتدين) انتهى (1).
وفي مجالس الشيخ، في مجلس يوم الجمعة، الثاني من رجب سنة 457:
أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا غياث بن مصعب بن عبدة
أبو العباس الخجندي الرياطي، قال: حدثنا محمد بن حماد الشاسي (2)، عن
حاتم الأصم، عن شقيق بن إبراهيم البلخي، عمن أخبره من أهل العلم،
قال: قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: كيف أصبحت يا روح الله؟ قال:
(أصبحت وربي تبارك وتعالى من فوقي، والنار أمامي، والموت في طلبي، لا
أملك ما أرجو، ولا أطيق دفع ما أكره، فأي فقير أفقر مني؟!).
وقيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: كيف أصبحت؟ قال: (بخير من

(1) مصباح الشريعة: 429.
(2) في المصدر: الشاشي.
198

رجل لم يصبح صائما، ولم يعد مريضا، ولم يشهد جنازة).
قال: وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: لقيت علي بن أبي طالب عليه
السلام ذات يوم صباحا، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: (بنعمة
من الله، وفضل من رجل لم يزر أخا، ولم يدخل على مؤمن سرورا) قلت: وما
ذلك السرور؟ قال: (يفرج عنه كربا، أو يقضي عنه دينا، أو يكشف عنه
فاقة).
قال جابر: ولقيت عليا عليه السلام يوما، فقلت: كيف أصبحت يا
أمير المؤمنين؟ قال: (أصبحنا وبنا من نعم الله وفضله ما لا نحصيه مع كثير ما
نحصيه، فما ندري أي نعمة نشكر، أجميل ما ينشر، أم قبيح ما يستر؟).
وقيل لأبي ذر - رضي الله عنه -: كيف أصبحت يا صاحب رسول الله؟
قال: أصبحت بين نعمتين، بين ذنب مستور، وثناء من اغتر به فهو مغرور.
وقيل للربيع بن خيثم: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: أصبحت في
أجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من وراثنا، ثم لا ندري
ما يفعل بنا.
وقيل لأويس بن عامر القرني. كيف أصبحت يا أبا عامر؟ قال: ما
ظنكم بمن يرحل إلى الآخرة كل يوم مرحلة، لا يدري إذا انقضى سفره، أعلى
جنة يرد أم على نار؟!
قال. وقال عبد الله بن جعفر الطيار: دخلت على عمي علي بن أبي
طالب عليه السلام صباحا، وكان مريضا، فقلت: كيف أصبحت يا
أمير المؤمنين؟ قال: (يا بني كيف أصبح من يفنى ببقائه، ويسقم بدوائه، ويؤتى
من مأمنه).
وقيل لعلي بن الحسين عليهما السلام: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟
قال. (أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالى يطلبني الفرائض، والنبي صلى الله
عليه وآله بالسنة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتباعه،
199

والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه
الخصال مطلوب).
وقيل لابنه محمد بن علي عليهما السلام: كيف أصحبت؟ قال: (أصبحنا
غرقى في النعمة، موفور بن بالذنوب، يتحبب إلينا إلهنا بالنعم، ونتمقت إليه
بالمعاصي، ونحن نفتقر إليه، وهو غني عنا).
وقيل لبكر بن عبد الله المزني: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت قريبا
أجلي، بعيدا أملي، سيئا عملي، ولو كان لذنوبي ريح ما جالستموني.
قال: وقيل لرجل من المعمرين: كيف أصبحت؟ قال:
أصبحت لا رجلا يغدو لحاجته * ولا قعيدة بيت تحسن العملا
وقيل لأبي الرجاء العطاردي، وقد بلغ عشرين ومائة سنة: كيف
أصبحت؟ قال:
أصبحت لا يحمل بعضي بعضا * كأنما كان شبابي قرضا (1)
وأنت خبير بما بين الخبرين من الطول والاختصار، ولو كان ما في الأول
أطول لأمكن احتمال أن يكون الثاني مختصرا منه، وأما العكس فغير متصور،
مع أن في المقدار المتفق منهما من الاختلاف ما لا يحتمل أن يكون أحدهما مأخوذا
من الاخر.
ثم من أين علم أن الشيخ أخرج الخبر عنه؟ فلعله أخرجه من كتب
بعض من ذكر في رجال السند كحاتم الأصم، وشقيق البلخي، وغيرهما،
والتعبير عنه عليه السلام بقوله: عمن أخبره من أهل العلم منه كما هو الظاهر
لا من الشيخ، بل هذا غير معهود منه ومن غيره من المصنفين، فإنهم إذا أخرجوا
خبرا من كتاب، ما كانوا ليغيروا بعض ما في سنده أو متنه، إلا أن يقع منهم

(1) أمالي الشيخ الطوسي 2: 253.
200

سهو فيهما.
ثم إن الذي يستظهر من العلماء من التأمل في الكتاب، أن ما نسب إليه
هو ما صدر به الأبواب بقوله: قال الصادق عليه السلام، وما فيه من الرواية
ونقل الآثار من الجامع الذي كان يملي عليه، فلو أغمضنا من جميع ما ذكرنا،
فالذي أخرجه الشيخ من كلام الجامع، والتعبير (عنه) بما عبره لا يدل على
عدم الوثوق الذي استظهره، ولكن الظاهر من الشهيد في مسكن الفؤاد بل
صريحه، كون كله منه عليه السلام، فلاحظ.
وقال الشيخ ابن أبي جمهور الاحساني، في آخر مقدمة كتاب درر اللآلئ
العمادية ما لفظه: وسأختم هذه المقدمة بذكر أحاديث تتعلق ببعض حقائق
الدين، وشئ من حقائق العبادات، أكثر اسنادها عن الصادق الامام أبي
عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، محذوفة الأسانيد كما رويتها.
واعلم أني قد التزمت في هذه الأحاديث المروية في هذه الخاتمة - وفي جميع
الأحاديث الواردة في الأقسام الثلاثة الآتية بعدها - أن أذكر بعض ما يتعلق بها
من الأحكام الشرعية، وما استدل بها عليه، وكيفية الاستدلال بها عليها،
وبعض الفروع المأخوذة منها على سبيل الاختصار، تما نقلته عن مشايخنا
السابقين، وعلمائنا الماضين - قدس الله أرواحهم - ليكون الكتاب المشتمل على
هذه الأحاديث المتعلقة بالاحكام الفقهية تام النفع، مغنيا عن مطالعة غيره من
الكتب، والله الموفق.
قال الصادق عليه السلام: (بحر المعرفة يدور على، ثلاثة: الخوف،
والرجاء، والمحبة... إلى آخره) (1).
ثم نقل كثيرا من مطالب هذا الكتاب، وفي جملة من المواضع ينقل كلامه
عليه السلام بقوله: قال الصادق عليه السلام، ثم يشرحه بقوله. قال العارف

(1) درر اللآلي 1: 39، ومصباح الشريعة: 8.
201

كذا، ولم أتحقق أن المراد منه نفسه، أو شرح هذا الكتاب أحد قبله، وهذه
المقدمة طويلة نافعة، جامعة لفوائد شريفة.
وفي رياض العلماء، في ذكر الكتب المجهولة: فمن ذلك كتاب مصباح
الشريعة في الاخبار والمواعظ، كتاب معروف متداول، وقد ينسب إلى هشام
ابن الحكم (1) على ما رأيت بخط بعض الأفاضل، وهو خطأ. أما أولا: فلانه
قد اشتمل على الرواية عن جماعة، هم متأخرون عن هشام. وأما ثانيا: فلانه
يحتوي على مضامين تنادي عل أنه ليس من مؤلفاته، بل هو من مؤلفات بعض
الصوفية كما لا يخفى. لكن وصى به ابن طاووس، انتهى (2).
وقال شيخنا الحر رحمه الله في آخر كتاب الهداية: تتمة، قد وصل إلينا
أيضا كتب كثيرة، قد ألفت وجمعت في زمانهم عليهم السلام، نذكرها هاهنا،
وهي ثلاثة أقسام - إلى أن قال رحمه الله - الثالث: ما ثبت عندنا كونه غير
معتمد، فلذا لم ننقل منه، فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى
الصادق عليه السلام، فان سنده لم يثبت، وفيه أشياء منكرة مخالفة للمتواترات،
وربما نسب تأليفه إلى الشيخ زين الدين، وهذه النسبة باطلة لأنه مذكور في أمان
الاخطار لابن طاووس قدس سره (3). إنتهى.
قلت: للصوفية مقصدان، أحدهما مقدمة الأخرى.
الأول: تهذيب النفس، وتصفيتها عن الكدورات والظلمات، وتخليتها
عن الرذائل والصفات القبيحة، وحفظها عما يظلمها ويفرقها ويقسيها، وتحليتها

(1) نسخة بدل: سالم.
(2) رياض العلماء 6: 45. ولعله أراد به وصية ابن طاووس المتقدمة في أول التعريف بكتاب
مصباح الشريعة فلاحظ.
(3) هداية الأمة: مخطوط. الأمان. 91 - 92.
202

بالأوصاف الجميلة، والكمالات المعنوية، وهذا يحتاج إلى معرفة النفس والقلب
إجمالا، ومعرفة الصفات الحسنة والقبيحة، ومبادئها وآثارها، وما به يتوسل إلى
التطهير والتزكية، والتنوير والتحلية.
وهذا مقصد عظيم يشاركهم أهل الشرع، وكافة العلماء على اختلاف
مشاربهم وآرائهم، وكيف لا يشاركون فيما وضعت العبادات والآداب لأجله،
وبعث الأنبياء لإكماله!
وكفى بما في الكتاب المجيد من الاهتمام بأمر القلب وتهذيبه، بما وصفه
به من الرين والطبع، والغشاوة، والكبر، والضيق، والتحجر، وإرادة العلو،
والصرف، والزيغ، والمرض، والقسوة، والظلمة، والغلف، والقفل،
والجهل، والعمى، والموت، وأمثالها.
ومدحه الذين اتصفوا بما يضادها من الخشوع، واللين، والرقة،
والعلم، والهداية، والسلامة، والاطمئنان، والربط، والحياة، والمحبة،
والصبر، والرضا، والتوكل، والتقوى، واليقين، وأمثالها شاهدا في المقام.
وللقوم في هذا المقصد العظيم كتب ومؤلفات فيها مطالب حسنة نافعة،
وإن أدرجوا فيها من الأكاذيب والبدع خصوصا بعض الرياضات المحرمة ما لا
يحصى، ومن هنا فارقوا أهل الشرع المتمسكين بالكتاب والسنة، والمتشبثين
بأذيال سادات الأمة، فحصول هذا المقصد عندهم منحصر بالعمل، بتمام ما
قرروه لهم، والاجتناب عما نهوا عنه، دون ما أبدعوه في هذا المقام من
الرياضات، ومتابعة الشيخ والمرشد على النحو الذي عندهم، وهذا هو مراد
الشهيد قدس سره في الدروس، في بحث المكاسب، حيث قال: وتحرم الكهانة
- إلى أن قال - وتصفية النفس، أي بالطرق الغير الشرعية (1).
الثاني: ما يدعون من نتيجة تهذيب النفس، وثمرة الرياضات من المعرفة

(1) الدروس 3: 163 - 164.
203

وفوقها، من الوصول والاتحاد والفناء، ومقامات لم يدعيها نبي من الأنبياء
ووصي من الأوصياء، فكيف بأتباعهم من أهل العلم والتقى! مع ما فيها مما لا
يليق نسبته إلى مقدس حضرته جل وعلا، ويجب تنزيهه عنه سبحانه وتعالى عما
يقوله الظالمون.
وأما المقصد الثاني فحاشا أهل الشرع والدين، فضلا عن العلماء
الراسخين، أن يميلوا إليه أو يأملونه، أو يتفوهون به، وأغلب ما ورد في ذم
الجماعة ناظر إلى هذه الدعوى ومدعيها.
وأما الأول فقد عرفت مشاركتهم فيه، وإن فارقوا القوم في بعض
الطرق، وحيث أنهم بلغوا الغاية فيما ألقوه في هذا المقام، والحكمة ضالة المؤمن
حيث وجدها أخذها، ترى مشايخنا العظام، والفقهاء الكرام كثيرا ما يراجعون
إليه، وينقلون عنه، ويشهدون بحقيته، ويأمرون بالأخذ به، فصار ذلك سببا
للطعن عليهم، ونسبتهم إلى الصوفية، أو ميلهم إلى المتصوفة، ظنا منهم
الملازمة بين المقصدين، وإن من يحض على تهذيب النفس، وتطهير القلب،
ويستشهد في بعض المقامات، أو تفسير بعض الآيات بكلمات بعضهم، مما
يؤيده أخبار كثيرة، فهو منهم ومعهم في جميع دعاويهم.
وهذا من قصور الباع، وجمود النظر، وقلة التدبر في مزايا الكتاب
والسنة.
وآل أمرهم إلى أن نسبوا مثل الشيخ الجليل، ترجمان المفسرين أبي الفتوح
الرازي، وصاحب الكرامات علي بن طاووس، وشيخ الفقهاء الشهيد الثاني
- قدس الله أرواحهم - إلى الميل إلى التصوف كما رأيناه، وهذه رزية جليلة،
ومصيبة عظيمة لا بد من الاسترجاع عندها.
نعم يمكن أن يقال لهم تأدبا لا إيرادا، إن فيما ورد عن أهل بيت
العصمة سلام الله عليهم غنى ومندوحة عن الرجوع إلى زبرهم وملفقاتهم
ومواعظهم، فإنك إن غمرت في تيار بحار الاخبار، لا تجد حقا صدر منهم إلا
204

وفيها ما يشير إليه، بل رأينا كثيرا من الكلمات التي تنسب إليهم، هي مما
سرقوها من معادن الحكمة، ونسبوها إلى أنفسهم، أو مشايخهم.
قال تلميذ المفيد قدس سره، أبو يعلى الجعفري، في أول كتاب
النزهة (1): إن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج: إذا سمعت كلمة حكمة
فاعزها إلى أمير المؤمنين - يعني نفسه - فإنه أحق بها، وأولى من قائلها (2)،
انتهى.
ولولا خوف الإطالة لذكرت شطرا من هذا الباب، بل قد ورد النهي عن
الاستعانة بهم. فروى سبط الطبرسي في مشكاة الأنوار، عن الباقر عليه السلام
أنه قال لجابر: (يا جابر ولا تستعن بعدو لنا [في] حاجة، ولا تستطعمه، ولا
تسأله شربة، أما إنه ليخلد في النار، فيمر به المؤمن، فيقول: يا مؤمن ألست
فعلت بك كذا وكذا؟ فيستحيي منه، فيستنقذه من النار) (3).
الحجة. هذا حال طعام الأجساد، فكيف بقوت الأرواح؟.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما في كلمات هؤلاء المشايخ العظام فنقول:
أما أولا: فما في البحار، والرياض، من أنه لا يشبه سائر كلمات الأئمة
عليهم السلام، وأنه على أسلوب الصوفية، ومشتمل على مصطلحاتهم (4).
ففيه. إن كلماتهم عليهم السلام وعباراتهم عليهم السلام في كشف المطالب
المتعلقة بالمعارف والاخلاق، مختلفة بحسب الألفاظ والتأدية، وإن لم تختلف
بحسب المعنى والحقيقة، وهذا ظاهر لمن أجال الطرف في أكناف كلمات أمير
المؤمنين عليه السلام، وسائر الأئمة عليهم السلام في هذه المقامات، وليس لمن

(1) تقدم في صحيفة (192) كلام حول مؤلف الكتاب فراجع.
(2) لم نعثر على هذا الكلام في النسخة المطبوعة من النزهة.
(3) مشكاة الأنوار: 99.
(4) بحار الأنوار 1: 32، ورياض العلماء 6: 45.
205

تقدم الصادق عليه السلام من الصوفية، كطاووس اليماني، ومالك بن دينار،
وثابت البناني، وأيوب السجستاني، وحبيب الفارسي، وصالح المري،
وأمثالهم، كتاب يعرف منه أن المصباح على أسلوبه، ومن الجائز أن يكون الامر
بالعكس، فيكون الذين عاصروه عليه السلام منهم، أو تأخروا عنه، سلكوا
سبيله عليه السلام في هذا المقصد، وأخذوا ضغثا من كلماته الحقة، ومزجوها
بضغث من أباطيلهم، كما هو طريقة كل مبدع مضل، ويؤيده اتصال جماعة
منهم إليه، والى الأئمة من ولده، كشقيق البلخي، ومعروف الكرخي، وأبي
يزيد البسطامي طيفور السقا، كما يظهر من تراجمهم في كتب الفريقين، فيكون
ما ألف بعده على أسلوبه ووتيرته.
ثم نقول. ليس في هذا الكتاب من عناوين أبوابه شئ لا يوجد في كثير
من الاخبار مثله، سوى عناوين ثلاثة أبواب من أول الكتاب، ولكن ما شرحه
وفصله فيها كلها مما عليه الكتاب والسنة، مع أنه يوجد في جملة من أدعيتهم،
ومناجاتهم، وخطبهم عليهم السلام من العبارات الخاصة، والكلمات
المختصة، ما لا يوجد في سائر كلماتهم، فارجع البصر إلى المناجاة الإنجيلية
الكبرى والوسطى، وآخر دعاء كميل، والمناجاة الخمسة عشر، التي عدها
صاحب الوسائل في الصحيفة الثانية من أدعية السجاد عليه السلام، ونسبها
إليه من غير تردد، مع أنه لا يوجد لها سند، ولم يحتو عليها كتاب معتمد، وليس
في تمام المصباح ما يوجد فيها من الألفاظ الدائرة في ألسنة القوم.
ثم نقول: إنك بعد التأمل في ملفقات القوم في هذا الباب، تجد المصباح
خاليا عن مصطلحاتهم الخاصة، التي عليها تدور رحى تمويهاتهم، كلفظ
العشق، والخمر، والسكر، والصحو، والمحو، والفناء، والوصل، والقطب،
والشيخ، والطرب، والسماع، والجذبة، والآنية، والوجد، والمشاهدة، وغير
ذلك مما ليس فيه شئ منه.
- ثم نقول: وفي كتبهم أيضا أخبار معروفة متداولة، لا توجد فيه.
206

وأما ثانيا: فما في الأول من أنه يروي فيه عن مشايخهم - أي الصوفية -
ففيه، بعد تسليم كون ما فيه من الرواية والحكاية، من تتمة كلام الصادق عليه
السلام - كما يظهر من الشهيد رحمه الله في مسكن الفؤاد - لا لمن كان يملي عليه
فيجمعه، ويردفه بلا، أن تمام ما فيه من حكاية أقوالهم، والاستشهاد
بكلامهم، لا يزيد عل ستة عشر موضعا (1)، خمسة منها عن الربيع بن خثيم،
وحكايتان عن أويس القرني، وهرم بن حيان، وهؤلاء الثلاثة من الزهاد الثمانية
الذين كانوا مع أمير المؤمنين عليه السلام.
روى الكشي، عن علي بن محمد بن قتيبة، قال: سئل أبو محمد الفضل
ابن شاذان عن الزهاد الثمانية، فقال: الربيع بن خثيم، وهرم بن حيان،
وأويس القرني، وعامر بن عبد قيس، وكانوا مع علي عليه السلام ومن
أصحابه، وكانوا زهادا أتقياء - إلى أن قال - وأويس القرني مفضل عليهم كلهم (2).
وثلاثة عن أبي ذر رضي الله عنه، وحكاية عن عبد الله بن مسعود، وأخرى
عن أبي بن كعب، وحالهم غير خفي، وحكاية عن وهب بن منبه، وأخرى عن زيد
ابن ثابت، وأخرى عن سفيان بن عيينة في ذم القراء، والفتيا لمن ليس من أهلها.
فإن كان المراد من قول المجلسي رحمه الله أنه اشتمل على الرواية من
مشايخهم، ومن يعتمدون عليه في رواياتهم، ما حكاه عن زيد بن ثابت،
وسفيان في المقامين.
فلعمري إنه طعن في غير محل، فإن الاستشهاد بكلامهما في المقامين،
كالاستشهاد بمدائح الأعداء في إثبات فضائل الخلفاء عليهم السلام، فإنهما
من رؤساء القراء، وأرباب الفتيا.

(1) مصباح الشريعة: على التوالي 106، 175، 445، 507، 431، 480، 181، 432،
462، 244، 464، 180، 497، 373، 354.
(2) اختيار معرفة الرجال: 313 / 154.
207

وأما الذين سبق ذكرهم غير وهب، فقد سبقت لهم من الله، ورسوله،
ووصيه صلوات الله عليهما وآلهما الحسنى، وإن كان في ضعف معرفة الربيع
كلام، لا يضر في المقام، وفي غير واحد من أخبارهم عليهم السلام الاستشهاد
بكلمات سلمان وحكمه ونصائح أبي ذر وموعظته، فلاحظ.
وأما ثالثا: فما في الرياض من أنه قد اشتمل على الرواية عن جماعة هم
متأخرون عن هشام (1)، قد ظهر بما ذكرنا ضعفه وبطلانه، فإن الذين عددناهم
غير سفيان متقدمون على هشام بطبقات، وأما هو ففي طبقته، وهذا منه رحمه
الله مع طول باعه عجيب.
وأما رابعا: فما في الهداية من أن سنده لم يثبت، ففيه إن المراد من السند
إن كان هو المعنى المصطلح، والمراد من الثبوت هو أحد الأقسام الثلاثة منه،
من الصحيح، أو الحسن أو الموثق، ففيه مع أنه غير معترف به، وخارج من
طريقته إنه لم يدعه أحد، ولا حاجة إليه خصوصا على مسلكه.
وإن كان المراد مطلق الاطمئنان بثبوته، والوثوق بصدوره ففيه إنه يكفي
شهادة هؤلاء المشايخ العظام، الذين أشرنا إليهم في الوثوق به، وقد اكتفى هو
بأقل من ذلك في إثبات اعتبار تمام ما اعتمد عليه من الكتب، ونقل عنه.
هذا كتاب تحف العقول، للحسن بن علي بن شعبة، قد اكتفى بمدحه
ومدح الكتاب، ونسبته إليه في الامل (2) بما في مجالس المؤمنين (3)، وليس له ولا
لكتابه ذكر في مؤلفات أصحابنا قبله، إلا ما نقلناه عن الشيخ إبراهيم القطيفي
في رسالته، في الفرقة الناجية، وقد أكثر من النقل عن التحف في الوسائل.
ومثله في عدم الذكر والجهالة الحسن بن أبي الحسن الديلمي وكتبه، سيما

(1) رياض العلماء 6: 45.
(2) أمل الآمل 2: 74.
(3) مجالس المؤمنين 1: 383.
208

إرشاد القلوب، الذي قد أكثر من النقل عنه، وعده من الكتب المعتمدة، التي
نقل منها، وشهد بصحتها مؤلفوها، وليس له أيضا ذكر فيما وصل إليه وإلينا
من مؤلفات أصحابنا، سوى ما نقله عنه الشيخ ابن فهد في عدة الداعي، في
بعض المواضع، بعنوان الحسن بن أبي الحسن الديلمي (1)، فمن أين عرفه،
وعرف وثاقته، وعرف نسبة الكتاب إليه وشهادته بصحته؟ فهل هذا إلا تهافت
في المذاق، وتناقض في المسلك! وإن كانت المسامحة فيهما لعدم اشتمالهما على
فروع الاحكام، واقتصار ما غالبا على ما يتعلق بالأخلاق والفضائل والمواعظ،
فهلا كانت شهادة هؤلاء الأجلة عل صحة المصباح، كافية في عده ثالثا لهما!
فإنه أيضا مثلهما. وكذا الكلام في صحة نسبة كتاب الاختصاص إلى المفيد رحمه
الله، وقد تسامح فيه بما لا يخفى على الناقد البصير.
وأما خامسا: فما في الهداية أيضا، إن فيه أشياء منكرة، مخالفة
للمتواترات قلت: ليته رحمه الله أشار إلى بعضها، فإنا لم نجد فيه ما يخالف
المشهور، فضلا عن المتواتر، نعم فيه باب في معرفة الصحابة (2)، وذكر فيه ما

(1) علة الداعي: 237 و 241 و 269 و....
(2) جاء في هامش النسخة الحجرية من المستدرك ص 332 ما نصه: (الباب في معرفة الصحابة،
قال الصادق (عليه اللام): لا تدع اليقين بالشك، والمكشوف بالخفي ولا تحكم على
ما لم تره بما تروى عنه، قد عظم الله عز وجل أمر الغيبة، وسوء الظن بإخوانك من المؤمنين،
فكيف بالجرأة على إطلاق قول، واعتقاد، وزور، وبهتان، في أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وآله قال الله عز وجل: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم
وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) وما دمت تجد إلى تحسين القول والفعل في غيبتك
وحفرتك سبيلا، فلا تتخذ غيره، قال الله تعالى: (وقولوا للناس حسنا) واعلم إن الله
تبارك وتعالى اختار لنبيه صلى الله عليه وآله من أصحابه طائفة أكرمهم بأجل الكرامة،
وحلاهم بحلية التأييد والنصر والاستقامة، لصحبته على المحبوب والمكروه، وأنطق لسان
نبيه محمد صلى الله عليه وآله بفضائلهم ومناقبهم وكراماتهم، واعتقد محبتهم، وذكر
فضلهم. وأحذر مجالسة أهل البدع، فإنها تنبت في القلب كفرا وضلالا مبينا، وإن اشتبه
عيك فضيلة بعضهم فكلهم إلى عالم الغيب، وقل: اللهم إني محب لمن أحببته أنت
ورسولك، ومبغض لمن أبغضت أنت ورسولك، لم يكلفك فوق ذلك) إنتهى. وفي قوله.
من أصحابه طائفة... إلى آخره تصريح بها تقوله الامامية فتأمل. (منه قده).
209

يوهم أن الأصل فيهم الحسن، والفضل، والعدالة، عل طريقة أهل السنة.
فأول ما يقال: إن هذا الباب من دسيس بعضهم في هذا الكتاب،
ويشهد له أنه بني علي مائة باب على ما يظهر من النسخ، وما لها من الفهرست،
والباب السبعون الذي يوجد فيها أنه في معرفة الصحابة، هو في الفهرست في
حرمة المؤمنين، وعليه يتم الأبواب، وليس في الفهرست عنوان لمعرفة
الصحابة، وفي النسخة جعل الباب السبعين في معرفة الصحابة، والحادي
بعده في حرمة المؤمنين، والثاني والسبعين في بر الوالدين، ثم كرر وقال: الباب
الثاني والسبعون في الموعظة، فإن جعلناه من غلط النساخ يزيد باب على المائة،
وهو خلاف ما في الفهرست والنسخ، وإلا فهو أيضا من تدليس المدسس
ويكشف عن أن الباب المذكور خارج عن الأصل، لاحق به، فلاحظ.
ولو سلمنا كونه في أبوابه، فمن المحتمل أنه عليه السلام لما كان في مقام
تهذيب الأخلاق، ونشر الآداب والسنن، وشرح حقيقتها وحكمتها، وقد شاع
في عصره عليه السلام من صوفيتهم، الذين أضلوا الناس بمموهات كلماتهم،
ألحقه في هذا المقام، وإن أرادوا بها جلب العوام، وكانوا يفتخرون بهم،
ويعجبون من كلماتهم، وينقلونها في محافلهم وناديهم، ويذكرونها في زبرهم
ومؤلفاتهم، بل كان خلفاء عصرهم يشدون أركانهم إطفاء لهذا النور، الذي
كان من الله جل جلاله في أهل بيت نبيهم، وصرف القلوب التي كانت تهوى
وتحن إليهم، بما شاهدوا من المقامات العالية من صفات قلوبهم عنهم عليهم
السلام، أراد صلوات الله عليه أن يريهم أنهم حيث ما كانوا، وأينما بلغوا
بفهمهم القاصر، وفكرهم الفاتر، فهم دون رتبته ومقامه، ومحتاجون إلى
210

التوسل بكلامه، والتمسك بمرامه، فذكر في مقام حال الصحابة ما يصير سببا
لاستئناسهم وإلفتهم، ورغبتهم في النظر إليه والتدبر فيه، الموجب لولوج علو
شأنه عليه السلام وعظم مقامه في صدورهم وقلوبهم، ويهون عليهم مقام
البصري، واليماني، ويصغر في أعينهم البلخي، والبناني.
ثم نقول بعد ذلك: إن ما فيه في مدح الصحابة دون ما في الصحيفة
الكاملة، من الصلاة على أتباع الرسل، قال عليه السلام: (اللهم وأصحاب
محمد صلى الله عليه وآله، خاصة الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء
الحسن في نصره، وكانفوه (1)، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته،
واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا (الأزواج والأولاد في إظهار
كلمته، وقاتلوا) (2) الاباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا
منطوين عل محبته، يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر
وتعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات، إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم
اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك، وبما حاشوا (3) الخلق عليك،
وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم،
وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثرت في إعزاز دينك من
مظلومهم (4).
بل مدحهم أمير المؤمنين عليه السلام بها فوق ذلك، ففي حديث أبي
أراكة، الذي رواه جماعة من المشايخ بطرق متعددة، ومتون مختلفة، بالزيادة
والنقيصة، وهو على لفظ السيد في النهج: (لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله

(1) كانفوه: عاونوه، والمكانفة: المعاونة. (لسان العرب 9: 308).
(2) لم ترد في المخطوطة.
(3) حاشوا الخلق عليك: أي جمعوا الخلق على طاعتك. (لسان العرب 6: 209).
(4) الصحيفة السجادية الكاملة: الدعاء الرابع.
211

عليه وآله، فما أرى أحدا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، قد باتوا
سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من
ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله
هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، مادوا كما تميد الشجر يوم الريح العاصف،
خوفا من العقاب، ورجاء للثواب) (1).
والتحقيق: أن يقال في أمثال هذه الأخبار: إن أصحابه صلى الله عليه
وكانوا على هذه الصفات، فمن كان ممن لقيه صلى الله عليه وآله حاويا لها
كان من أصحابه، ومن فقدها كان في زمرة المنافقين، خارجا عن اسم
الصحابة، كما يشهد لذلك قوله تعالى: (والذين معه أشداء على
الكفار) (2) الآية، على ما حقق في محله.
وما في المصباح أيضا إيماء إلى ذلك حيث قال: واعلم أن الله تعالى اختار
لنبيه من أصحابه طائفة أكرمهم بأجل الكرامة، إلى آخر ما ذكره، فلا حظ) (3).
أو يقال: إن هذه المدائح للذين كانوا في عصره، لا لمن بقي بعده
وأحدث، ولعل الأصل فيهم الصحة والسلامة، إلا من عرف بالنفاق
والخيانة.
ففي الخصال: بالسند الصحيح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله اثنا عثر ألف رجل، ثمانية آلاف رجل
من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري، ولا
مرجئ، ولا حروري، ولا معتزلي، ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل
والنهار، ويقولون: إقبض أرواحنا قبل أن نأكل خبز الخمير (4). ولعل فيه

(1) نهج البلاغة 1: 190 / 93.
(2) الفتح 48: 29.
(3) مصباح الشريعة: 388.
(4) الخصال: 640.
212

إشارة، أو دلالة عل الاحتمال الأول.
وفي دعائم الاسلام. عن علي بن الحسين، ومحمد بن علي عليهم
السلام أنهما ذكرا وصية علي عليه السلام عند وفاته وفيها: (وأوصيكم
بأصحاب محمد الذين لم يحدثوا حدثا، ولم يؤوا محدثا، ولم يمنعوا حقا، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله قد أوصانا بهم، ولعن المحدث منهم، ومن غيرهم) (1).
هذا وفي رجال النجاشي: محمد بن ميمون، أبو نصر الزعفراني، عامي،
غير أنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام نسخة، روى ذلك عبد الله بن أحمد
ابن يعقوب بن البواب المقرئ، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن الحفص
الخثعمي، قال: حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال. حدثنا محمد بن ميمون،
عن جعفر بن محمد عليهما السلام (2).
وفيه: الفضيل بن عياض، بصري، ثقة، عامي، روى عن أبي عبد الله
عليه السلام نسخة، أخبرنا علي بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن سعد،
عن القاسم بن محمد الأصبهاني، قال: حدثنا سليمان بن داود، عن فضيل،
بكتابه (3).
وفيه: عبد الله بن أبي أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، حليف
بني تيم بن مرة، أبو أويس له نسخة عن جعفر بن محمد عليهما السلام، أخبرنا
القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عبيد الله،
قال: حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الكسائي الرازي، قال: حدثنا
إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني أبي أبو أويس، عن جعفر بن محمد عليهما
السلام، بكتابه (4).

(1) دعائم الاسلام 2: 350.
(2) رجال النجاشي: 355 / 950.
(3) رجال النجاشي: 310 / 847.
(4) رجال النجاشي: 224 / 586.
213

وفيه: سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، كان جده أبو عمران
عاملا من عمال خالد القسري، له نسخة عن جعفر بن محمد عليهما السلام،
أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال. حدثنا الحيري.
وأخبرنا أحمد بن علي بن العباس، عن أحمد بن محمد بن يحيى، قال:
حدثنا الحميري، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن، عنه (1).
وفيه: إبراهيم بن رجاء الشيباني أبو إسحاق، المعروف بابن أبي هراسة
- وهراسة أمه - عامي روى عن الحسين بن علي بن الحسين عليهما السلام،
وعبد الله بن محمد بن عمر بن علي عليه السلام، وجعفر بن محمد عليهما
السلام، وله عن جعفر عليه السلام نسخة، أخبرنا علي بن أحمد، عن محمد
ابن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن هارون بن مسلم،
عن إبراهيم (2).
وفي فهرست الشيخ. جعفر بن بشير البجلي ثقة جليل القدر - إلى أن
قال - وله كتاب ينسب إلى جعفر بن محمد عليهما السلام، رواية علي بن موسى
الرضا عليهما السلام (3).
فهذه ستة نسخ منسوبة إلى الصادق عليه السلام، غير الرسالة
الأهوازية، والرسالة إلى أصحابه، المروية في أول روضة الكافي (4)، فمن الجائز أن
تكون إحداها المصباح، خصوصا ما نسب إلى الفضيل بن عياض، وهو من
مشاهير الصوفية، وزهادهم حقيقة، كما يظهر من توثيق النجاشي، ومدحه
الشيخ بالزهد (5).

(1) رجال النجاشي: 190 / 506.
(2) رجال النجاشي: 23 / 34.
(3) الفهرست: 43 / 131.
(4) الكافي 8: 2.
(5) رجال النجاشي: 310 / 847، رجال الشيخ: 271 / 18.
214

وفي أمالي الصدوق قدس سره: بإسناده عن الفضيل بن عياض، قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أشياء من المكاسب، فنهاني عنها، وقال: (يا
فضيل والله لضرر هؤلاء على هذه الأمة أشد من ضرر الترك والديلم)، وسألته
عن الورع من الناس، قال. (الذي يتورع عن محارم الله، ويتجنب هؤلاء،
وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه، وإذا رأى منكرا فلم ينكره
وهو يقدر عليه، فقد أحب أن يعصى الله [ومن أحب أن يعصى الله] فقد بارز
الله بالعداوة، ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصى الله، إن الله تبارك
وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين، فقال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا
والحمد لله رب العالمين)، (1)) (2).
وقال الأستاذ الأكبر في التعليقة: وفي هذه الرواية ربما يكون إشعار بأن
فضيلا ليس عاميا، فتأمل. ثم ذكر خبرا من العيون فيه إشعار بعاميته (3).
وقد أخرج الكليني قدس سره عنه خبرا، في باب الحسد (4)، وآخر في آخر
باب الايمان والكفر (5)، وآخر في باب الكفالة والحوالة (6).
وبالجملة فلا أستبعد أن يكون المصباح هو النسخة التي رواها الفضيل،
وهو على مذاقه ومسلكه، والذي اعتقده أنه جمعه من ملتقطات كلماته عليه
السلام، في مجالس وعظه ونصيحته، ولو فرض فيه شئ يخالف مضمونه بعض

(1) الانعام 6 آية 45.
(2) لم يقف عل هذا الحديث في النسخ المطبوعة من الأمالي. ورواة الشيخ) الكليني في الكافي 5:
108 حديث 11.
(3) تعليقة الوحيد عل منهج المقال: 261، وانظر عيون أخبار الرضا 1: 81 قطعة من حديث 9.
(4) الكافي 2: 232 حديث 7.
(5) الكافي 2. 334 حديث 2.
(6) لم نعثر على حديث للفضيل في الباب المذكور. وإنما في الباب الذي يليه وهو باب (عمل
السلطان وجوائزهم) الكافي 5: 108 حديث 11.
215

ما في غيره وتعذر تأويله فهو منه على حسب مذهبه، لا من فريته وكذبه، فإنه
ينافي وثاقته.
وقد أطنبنا الكلام في شرح حال المصباح مع قلة ما فيه من الاحكام،
حرصا عل نشر المآثر الجعفرية، والآداب الصادقية، وحفظا لابن طاووس،
والشهيد، والكفعمي - رحمهم الله تعالى - عن نسبة الوهم والاشتباه إليهم،
والله العاصم.
216

41 - صحيفة الرضا عليه السلام:
ويعبر عنه أيضا بمسند الرضا عليه السلام، كما في
مجمع البيان (1)، وبالرضويات كما في كشف الغمة (2)، وهو من الكتب
المعروفة المعتمدة، الذي لا يدانيه في الاعتبار والاعتماد كتاب صنف
قبله، أو بعده، وهو داخل في فهرست كتاب الوسائل، إلا أن له نسخا
متعددة، وأسانيد مختلفة، ويزيد متن بعضها على بعض، واقتصر صاحب
الوسائل على نسخة الشيخ الطبرسي قدس سره وروايته، وكأنه لم يلتفت إلى
اختلافها، أولم يعثر على باقيها، وقد عثرنا على بعضها، وأخرجنا منها ما ليس
في نسخة الطبرسي، فرأيت أن أشير إلى الاختلاف، وأذكر الطرق، فربما وقف
الناظر عل خبر نقلته، أو نقل منها، ولا يوجد في النسخة المعروفة، فلا يبادر إلى
التخطئة.
وقد جمعها الفاضل الا ميرزا عبد الله في رياض العلماء، ونحن نسوقها
بألفاظه قال:
فمن ذلك ما رأيته في بلدة أردبيل، في نسخة من هذه الصحيفة، وكان
صدر سندها هكذا:
قال الشيخ الامام الاجل العالم نور الملة والدين، ظهير الاسلام
والمسلمين، أبو أحمد أناليك العادل المروزي: قرأ علينا الشيخ القاضي الامام
الاجل الأعز الأمجد الأزهد، مفتى الشرق والغرب، بقية السلف، أستاذ
الخلف، صفي الملة والدين، ضياء الاسلام والمسلمين، وارث الأنبياء والمرسلين
أبو بكر محمود بن علي بن محمد السرخسي، في المسجد الصلاحي بشاذياخ

(1) مجمع البيان. لم نعثر عليه فيه.
(2) كشف الغمة 1: 89.
217

نيسابور - عمرها الله - غداة يوم الخميس، الرابع من ربيع الأول من شهور
سنة عشر وستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الامام الاجل السيد الزاهد، ضياء
الدين حجة الله على خلقه، أبو محمد الفضل بن محمد بن إبراهيم الحسيني
- تغمده الله بغفرانه، وأسكنه أعلى جنانه - في شهور سنة سبع وأربعين وخمسمائة
قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو المحاسن أحمد بن عبد الرحمن اللبيدي، قال:
أخبرنا أبو لبيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن لبيد، قال: حدثنا الأستاذ
الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب - رضي الله عنه - سنة خمس
وأربعمائة، بنيسابور في داره، قال. حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد
- حافد العباس بن حمزة - سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدثنا أبو القاسم
عبد الله... بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدثني أبي في سنة ستين
ومائتين، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليهما السلام، إمام المتقين، وقدوة
أسباط سيد المرسلين، مما أورده في مؤلفه المعنون بصحيفة أهل البيت عليهم
السلام، سنة أربع وتسعين ومائة، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما
السلام، قال... إلى آخره.
وبسند آخر: وبعد فيقول الفقير إلى الله تعالى الكريم الغني، طاهر بن
محمد الراونبزي - غفر له ولوالديه وأحسن في الدارين إليهما واليه -: أخبرني
بالصحيفة المباركة الميمونة، الموسومة بصحيفة الرضا عليه السلام - إجازة
بإجازته العامة - شيخي ومخدومي، قدوة أرباب الهدى، أسوة أصحاب التقى،
بقية كرام الأولياء، قطب دوائر المحققين، الشيخ سعد الحق والملة والدين،
يوسف بن الشيخ الكبير، والبدر المنير، خلف الأقطاب، الشيخ فخر الحق
والملة والدين، عبد الواحد الحموي - قدس سرهما، وأكثر برهما - قال: أخبرني
إجازة شيخي ومخدومي، وعمي وأستاذي، ومن عليه في أمور الدنيا اعتمادي،
الشيخ غياث الحق والدين، هبة الله الحموي - تغمده الله بغفرانه، بالإجازة
العامة - عن سيد، وجده، شيخ الاسلام والمسلمين، سلطان المحدثين، الشيخ
218

صدر الحق والملة والدين، إبراهيم، الحموي - قدس سره - قال: أخبرني الشيخ
السند، شرف الدين أبو الفضل أحمد بن هبة الله الدمشقي قراءة بها وأنا أسمع،
يوم الأربعاء، الحادي عشر من ربيع الأول، سنة خمس وتسعين وستمائة،
بالخانقاه الشمياطي، قيل له: أخبرك الشيخ أبو روح عبد العزيز بن محمد
الهروي، بروايته عن الشيخ أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي إجازة، قال:
أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكاكي، قال: أخبرني الإمام أبو القاسم
حبيب، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري الحفيد،
قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدثني
أبي سنة ستين ومائتين، قال: حدثني الإمام علي بن موسى عليهما السلام سنة
أربع وتسعين ومائة قال: حدثني أبي... إلى آخره.
وبسند آخر. حدث القاضي مرشد الأزكياء، أبو منصور عبد الرحيم بن
أبي سعيد المظفر بن عبد الرحيم الحمدوني، قال: حدثني القاضي الامام فخر
الاسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني قراءة عليه، قال: أخبرنا
الشيخ العالم أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن محمد العريضي النيسابوري
- بالري قدم حاجا - قال: أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن
حبيب المفسر (1)، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد - حفدة العباس
ابن حمزة، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة - قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد
ابن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدثني أبي سنة ستين ومائتين، قال: حدثني علي
ابن موسى الرضا عليهما السلام سنة أربع وتسعين ومائة.
وبسند آخر: أخبرني الشيخ الفقيه أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب
الفزاري (2) - المعروف بخابوسة، سنة سبع وعشرين وخمسمائة - قال: أخبرني

(1) في نسخة: المفتي.
(2) نسخة بدل: الفزري.
219

القاضي الزكي الكبير، أبو الفضل عبد الجبار بن الحسين بن محمد الزبربري،
قال: أخبرنا الشيخ الجليل علي بن أحمد بن علي بن أميرك الطريقي، قال:
أخبرنا الشريف أبو علي الحسن بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد الله
ابن موسى (1) بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام - نزله في المسجد
الحرام، في قبة الشراب، يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي الحجة، سنة
أربع وتسعين وثلاثمائة - قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن حمدونة، أبو نصر
البغدادي - بمرو الرود - قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي
- بالبصرة - قال. حدثني أبي - سنة ستين ومائتين - قال: حدثني أبو الحسن علي
ابن موسى الرضا عليهما السلام قال: حدثني أبي... إلى آخره.
وبسند آخر: قال الشيخ الامام الاجل العالم، عماد الدين، جمال
الاسلام، أبو المعالي، محمد بن محمد بن الحسين المرزباني القمي - مد الله في
عمره -: أخبرني بهذه الصحيفة - من أولها إلى آخرها، وبالزيادة في آخرها -
الشيخ الامام نجم الدين، شيخ الاسلام، أبو المعالي، الحسن بن عبد الله بن
أحمد البزاز، قال. أخبرني بها الشيخ الامام ركن الدين، علي بن الحسن بن
العباس الصندلي، قال: أخبرني أبو القاسم يعقوب بن أحمد، قال: حدثنا
أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد - حفدة العباس بن حمزة - قال: حدثنا
أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي - بالبصرة - قال. حدثني أبي - في
سنة ستين ومائتين - قال: حدثني علي بن موسى الرضا عليه السلام - سنة أربع
وتسعين ومائة - قال: حدثني... إلى آخره.
وبسند آخر: أخبرنا الشيخ الفاضل، العالم الكامل، قطب السالكين،
مؤيد الاسلام والمسلمين، عبد العلي بن عبد الحميد (2) بن محمد السبزواري،

(1) جاء في حاشية المخطوطة والحجرية: كذا والظاهر أنه هنا سقط بعض الأسامي.
(2) هامش الحجرية نسخة بدل: عبد المجيد.
220

وهو يرويه (1) عن الشيخ المعظم، والمفخر المكرم، جلال الدين محمد بن عبد الله
القائني، وهو يروي عن تاج الدين إبراهيم بن قصاع الطبسي الكيلكي، وهو
يروي عن شيخه الكامل مولانا تاج الدين علي تركه الكرماني، وهو
عن شيخه غياث الدين هبة الله بن يوسف، عن جده صدر الدين إبراهيم بن
محمد بن مؤيد الحموي، عن ابن العساكر، عن أبي (2) الروح الصوفي الهروي،
عن زاهر بن طاهر، قال. أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكاكي، قال.
أخبرنا أبو القاسم حبيب، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري،
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي - بالبصرة - قال: حدثنا
أبي، قال: حدثني علي بن موسى الرضا عليهما السلام - سنة أربع وتسعين
ومائة (3).
قلت: قد عثرنا (4) على هذه النسخة - بحمد الله تعالى - وفيها ما ليس في
مسند الشيخ الطبرسي قدس سره، وفي أولها: هذا إسنادنا في رواية هذه
الصحيفة، المنسوبة إلى حضرة الرضا عليه السلام، أخبرني الشيخ... إلى
آخره.
ويأتي في الفائدة الثالثة، في ذكر مشايخ عماد الدين الطبري سند آخر
إليها، ذكره في كتابه بشارة المصطفى.

(1) نسخة بدل: يروى.
(2) نسخة بدل: ابن.
(3) رياض العلماء 4: 350.
(4) هنا حاشية لآغا بزرك على نسخته هي: رأيت تلك النسخة عند صدر الدين بن الشيخ أحمد
الناهضي. كتب شيخنا النوري على ظهرها بخطه: ان هذا الاسناد غير طريق الطبرسي،
وتاريخ كتابتها سنة خمس وتسعمائة سنة 905.
وفي النجف عند السيد محمد مفتي الشيعة نسخة بهذا السند كتبها إبراهيم بن حسن
الكوهزرى بخطه النسخ الجيد تاريخها 1044 لعله من آذربيجان مثل كوهكمري.
221

ولنذكر طريق الطبرسي قدس سره، فإن شيخنا الحر أهمل ذكرها، وكان
عليه أن يذكرها، ففي نسخته: أخبرنا الشيخ الامام العالم الراشد، أمين
الدين، ثقة الاسلام، أمين الرؤساء، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي
- أطال الله بقاءه، في يوم الخميس غرة شهر الله الأصم رجب، سنة تسع
وعشرين وخمسمائة - قال: أخبرنا الشيخ الامام، السعيد الزاهد، أبو الفتح
عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري - أدام الله عزه، قراءة عليه، داخل
القبة التي فيها قبر الرضا عليه السلام، غرة شهر الله المبارك، سنة إحدى
وخمسمائة - قال: حدثني الشيخ الجليل العالم، أبو الحسن علي بن محمد الحاتمي
الزوزني - قراءة عليه، سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة - قال: أخبرنا أبو الحسن
أحمد بن عبد الله بن محمد بن هارون الزوزني - بها - قال: أخبرني الشيح أبو بكر
محمد بن عبد الله بن محمد - حفدة العباس بن حمزة النيشابوري سنة سبع وفي
نسخة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة - قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد...
إلى آخر ما تقدم.
ولا يخفى أن من راجع كتب الصدوق، سيما عيون أخبار الرضا عليه
السلام، وأمالي المفيد، وترجمة عبد الله، وأبيه أحمد الطائي، وغيرها، علم أن
هذه الصحيفة المباركة من الأصول المشهورة، المتداولة بين الأصحاب.
ثم لنذكر ما ذكره النجاشي تبركا، ففيه الكفاية، قال: أحمد بن عامر بن
سليمان بن صالح بن وهب بن عامر - وهو الذي قتل مع الحسين بن علي عليهما
السلام بكربلاء - ابن حسان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام بن عمرو
ابن طريف بن عمرو بن تمامة بن ذهل بن جذعان بن سعد بن قطرة بن طي،
ويكنى أحمد بن عامر أبا الجعد. قال عبد الله ابنه - فيما أجازنا الحسن بن أحمد
ابن إبراهيم، حدثنا أبي، قال. حدثنا عبد الله قال ولد أبي سنة سبع وخمسين
ومائة، ولقي الرضا عليه السلام سنة أربع وسبعين ومائة، ومات الرضا عليه
السلام بطوس، سنة اثنتين ومائتين، يوم الثلاثاء، لثمان عشر خلون من جمادى
222

الأولى، وشاهدت أبا الحسن، وأبا محمد عليهما السلام، وكان أبي مؤذنهما
ومات علي بن محمد عليهما السلام سنة أربع وأربعين ومائتين، ومات الحسن
عليه السلام سنة ستين ومائتين، يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من المحرم،
وصلى عليه المعتمد أبو عيسى بن المتوكل.
دفع إلي هذه النسخة - نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي -
أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الجندي شيخنا رحمه الله - قرأتها عليه -
حدثكم أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عامر، قال: حدثنا أبي، قال. حدثنا
الرضا علي بن موسى عليهما السلام، والنسخة حسنة (1)، انتهى.
وساق النسب في ترجمة ابنه عبد الله، وزاد بعد قوله حسان: المقتول
بصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام (2).

(1) رجال النجاشي 100 / 250.
(2) رجال النجاشي 229 / 606.
223

42 - الرسالة الذهبية.
ويعرف بالذهبية، وكتاب طب الرضا عليه السلام.
قال في البحار:، هو من الكتب المعروفة.
وذكر الشيخ منتجب الدين في الفهرست: إن السيد فضل الله بن علي
الراوندي كتب عليه شرحا، سماه ترجمة العلوي للطب الرضوي (1).
وقال ابن شهرآشوب في المعالم، في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور
العمي: له الملاحم والفتن، الواحدة، الرسالة المذهبة عن الرضا صلوات الله
عليه في الطب (2).
وقال في المجلد الرابع عشر من البحار: وجدت بخط الشيخ الأجل
الأفضل، العلامة الكامل في فنون العلوم والأدب، مروج الملة والمذهب، نور
الدين علي بن عبد العالي الكركي - جزاه الله سبحانه عن الايمان وعن أهله
الجزاء السني - ما هذا لفظه: الرسالة الذهبية في الطب، التي بعث بها الإمام علي
بن موسى الرضا عليهما السلام إلى المأمون العباسي، في حفظ صحة
المزاج، وتدبيره بالأغذية والأشربة والأدوية، قال إمام الأنام، غرة وجه
الاسلام، مظهر الغموض بالرؤية اللامعة، كاشف الرموز بالجفر والجامعة،
أقضى من قضى بعد جده المصطفى، وأغزا من غزا بعد أبيه علي المرتضى،
إمام الجن والإنس، أبو الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه، وعلى
آبائه النجباء النقباء، الكرام الأتقياء: إعلم يا أمير المؤمنين... إلى آخره.
ووجدت في تأليف بعض الأفاضل بهذين السندين: قال موسى بن علي
ابن جابر السلامي: أخبرني الشيخ الأجل، العالم الأوحد، سديد الدين يحيى

(1) فهرست منتخب الدين. 144 / 344.
(2) معالم العلماء 103 / 689، بحار الأنوار 1: 30.
224

ابن محمد بن عليان الخازن - أدام الله توفيقه - قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن
محمد بن جمهور.
وقال هارون بن موسى التلعكبري - رضي الله عنه -: حدثنا محمد بن
هشام بن سهل - رحمه الله - قال: حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور، قال:
حدثني أبي - وكان عالما بأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام خاصة
به، ملازما لخدمته، وكان معه حين حمل من المدينة، إلى أن سار إلى خراسان،
واستشهد عليه السلام بطوس، وهو ابن تسع وأربعين سنة - قال: وكان المأمون
في نيشابور، وفي مجلسه سيدي أبو الحسن الرضا عليه السلام، وجماعة من
المتطببين والفلاسفة، مثل يوحنا بن ماسويه، وجبرئيل بن بختيشوع، وصالح
ابن سلهمة (1) الهندي، وغيرهم من منتحلي العلوم، وذوي البحث والنظر.
فجرى ذكر الطب وما فيه صلاح الأجسام وقوامها، فأغرق المأمون ومن
بحضرته في الكلام،. وتغلغلوا في علم ذلك، وكيف ركب الله تعالى هذا
الجسد، وجميع ما فيه من هذه الأشياء المتضادة من الطبائع الأربع، ومضار
الأغذية ومنافعها، وما يلحق الأجسام من مضارها من العلل.
قال: وأبو الحسن عليه السلام ساكت لا يتكلم في شئ من ذلك، فقال
له المأمون: ما تقول يا أبا الحسن في هذا الامر الذي نحن فيه هذا اليوم، والذي
لا بد منه من معرفة هذه الأشياء، والأغذية النافع منها والضار، وتدبير
الجسد؟.
فقال أبو الحسن عليه السلام: (عندي من ذلك ما جربته، وعرفت
صحته بالاختبار ومرور الأيام، مع ما وقفني (2) عليه من مضى من السلف، مما
لا يسع الانسان جهله، ولا يعذر في تركه، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج

(1) نسخة بدل: ملهمة.
(2) التوقيف: الاطلاع، يقال وقفته على ذنبه: أي أطلعته عليه، وقال: وقفته على الكلمة توقيفا
أي بينتها. (لسان العرب 9: 361).
225

إلى معرفته).
قال: وعاجل المأمون الخروج إلى بلخ، وتخلف عنه أبو الحسن عليه
السلام، وكتب - إليه عليه السلام - المأمون كتابا يتنجزه ما كان ذكره، مما يحتاج إلى
معرفته من جهته، على ما سمعه منه، وجربه من الأطعمة والأشربة، وأخذ
الأدوية، والفصد والحجامة، والسواك، والحمام، والنورة، والتدبير في ذلك،
فكتب إليه الرضا عليه السلام كتابا، نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم، اعتصمت بالله، أما بعد فإنه وصل إلي كتاب
أمير المؤمنين، فيما أمرني من توقيفه على ما يحتاج إليه، مما جربته وسمعته، في
الأطعمة والأشربة، وأخذ الأدوية، والفصد، والحجامة، والحمام، والنورة،
والباه، وغير ذلك مما يدبر استقامة أمر الجسد، وقد فسرت له ما يحتاج إليه،
وشرحت له ما يعمل عليه، من تدبر مطعمه ومشربه، وأخذه الدواء، وفصده،
وحجامته، وباهه، وغير ذلك، مما يحتاج إليه من سياسة جسمه، وبالله
التوفيق. إعلم أن الله عز وجل لم يبتل الجسد بداء حتى جعل له دواء... إلى
آخره).
أقول: وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي - قدس الله روحه القدسي - في
الفهرست، في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي البصري، له كتب منها
كتاب الملاحم، وكتاب الواحدة، وكتاب صاحب الزمان عليه السلام، وله
الرسالة المذهبة عن الرضا عليه السلام، أخبرنا برواياته كلها - إلا ما كان فيها
من غلو أو تخليط - جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد
ابن عبد الله عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمد بن جمهور.
ورواها محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن
الحسن بن متيل، عن محمد بن أحمد العلوي، عن العمركي بن علي، عن
محمد بن جمهور (1).

(1) الفهرست: 146 / 615.
226

وذكر النجاشي أيضا طريقه إليه هكذا: أخبرنا محمد بن علي الكاتب،
عن محمد بن عبد الله، عن علي بن الحسين الهذلي، قال: لقيت الحسن بن
محمد بن جمهور، فقال لي: حدثني أبي محمد بن جمهور وهو ابن مائة وعشر
سنين.
وأخبرنا ابن شاذان، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن سعد، عن أحمد
ابن الحسين بن سعيد، عن محمد بن جمهور، بجميع كتبه (1).
ثم نقل ما تقدم عن المعالم، وفهرست ابن بابويه، وقال: فظهر أن هذه
الرسالة كانت من المشهورات بين علمائنا، ولهم إليها طرق وأسانيد، انتهى ما
في البحار (2).
قلت: الرسالة كما ذكره من المشهورات، وكفى في ذلك شرح السيد
الراوندي عليها، وتصريح المحقق الثاني بأنها منه عليه السلام. وأما تضعيف
النجاشي، وابن الغضائري، والعلامة، وابن طاووس، تبعا لهما لمحمد بن
جمهور، فيمكن تضعيفه ولو بوجه لا يضر باعتبارها، وذلك من وجوه.
الأول. ما ذكره النجاشي في ترجمة ابنه، قال. الحسن بن محمد بن جمهور
العمى، أبو محمد، بصري ثقة في نفسه، ينسب إلى بني العم من تميم، يروي
عن الضعفاء، ويعتمد على المراسيل، ذكر أصحابنا ذلك وقالوا: كان أوثق من
أبيه وأصلح (3).
الثاني: إنه يروي عن جعفر بن بشير، كما في الفهرست في ترجمة أبان بن
عثمان (4)، وقد قال النجاشي في حقه. وكان يعرف بقفة (5) العلم، لأنه كان

(1) رجال النجاشي: 338 / 901.
(2) البحار 62: 306 - 309.
(3) رجال النجاشي: 62 / 144.
(4) الفهرست: 19 / 52.
(5) الفقه. وعاء من خوص شبه الزبيل (لسان العرب 9: 287).
227

كثير العلم، ثقة روى عن الثقات، ورووا عنه (5).
الثالث: رواية الاجلاء عنه، منهم الثقة الجليل شيخ أصحابنا العمركي
ا بن علي كما تقدم، والثقة الصدوق يعقوب بن يزيد كما في الكافي، في باب فضل
الخبز من كتاب الأطعمة (2)، وابنه الصالح الثقة الحسن (3)، وشيخ الكليني علي
ابن محمد (4)، في مواضع عديدة.
الرابع: إكثار الكليني قدس سره في الرواية عنه (5)، في كتابه الذي عهد
فيه ما عهد.
الخامس. اعتماد الصدوق عليه، في طريقه إلى ميمون بن مهران، كما
يظهر من مشيخة الفقيه (6).
السادس: إن له كتاب صاحب الزمان عليه السلام، وكتاب خروج
القائم عليه السلام، قال في التعليقة: فما ندري ما معنى الغلو الذي يرمونه به
وهو في محله، فإن الغالي - الذي مرق عن الدين، ويكفر صاحبه - لا يعتقد له
عليه السلام الإمامة، والبقاء، والخروج (7).
السابع: ما يظهر من الشيخ من الاعتماد على رواياته، الخالية عن الغلو
والتخليط، وهذه الرسالة منها، مضافا إلى اعتماد السيد الراوندي مع قرب
عهده عليها، إذ لولاه لما تصدى لشرحها، ولعله وقف على طرق أخرى لم نعثر
عليها.
ومن الغريب بعد ذلك، ما ذكره شيخنا الحر رحمه الله في آخر الامل،

(1) رجال النجاشي: 119 / 304.
(2) الكافي 6: 304 حديث 13.
(3) الكافي 2: 416 / 9.
(4) الكافي 2: 449 / 4.
(5) كثيرة انظرها في معجم رجال الحديث 15: 177 رقم 10412 و 365.
(6) الفقيه: 93 (المشيخة).
(7) تعليقة الوحيد:....، وهذه العبارة ذكرت في منتهى المقال: 271.
228

قال: وعندنا أيضا كتب لا نعرف صاحبها.
كتاب إلزام النواصب بإمامة علي بن أبي طالب عليه السلام.
الفقه الرضوي لا يعرف جامعه وروايته.
الطب الرضوي كذلك (1).
وقال في كتاب الهداية: الثاني، ما لم يثبت عندنا كونه معتمدا، فلذلك
لم ننقل عنه، فمن ذلك كتاب الفقه الرضوي، كتاب طب الرضا عليه
السلام (2)، انتهى.
وقد عرفت أن الشيخ صرح في الفهرست بأنه لمحمد بن جمهور (3).
وذكر هو في ترجمة السيد فضل الله أن له شرحا عليه. فعدم نقله عنه،
إن كان للجهالة كما يظهر من الامل، فرافعها ما في الفهرست، ومعالم العلماء،
وإن كان لضعف الراوي، فهو مع بعده عن مذاقه، ومخالفته لطريقته، لا
يجتمع مع تصريحه في الهداية قبيل هذا، بأن توحيد المفضل من الكتب
المعتمدة، وكذا الرسالة الإهليلجية فلاحظ، فإنهما أسوأ حالا في هذا المقام
منه، فما دعاه إلى التفريق، ثم التقديم هذا. ورأيت للسيد الجليل، والعالم
النبيل السيد عبد الله الشبر شرحا على هذه الرسالة الشريفة (4).

(1) أمل الآمل 2: 364.
(2) هداية الأمة: مخطوط.
(3) الفهرست: 146 / 615.
(4) راجع الذريعة 13: 364.
229

43 - فقه الرضا عليه السلام:
وقف عليه الأصحاب في عصر المجلسيين، واختلفوا في صحته،
واعتباره، وحجيته غاية الاختلاف، وصار معركة لآراء الناظرين، وإنكار
المتبحرين النقادين: فبين من صححه وجعله حجة، ومن عده من الضعاف
المفتقرة إلى جابر ذي قوة، وثالث أخرجه من صنوف الاخبار، وأدرجه في
مؤلفات أصحابنا الأخيار.
ولهم في تحقيق الحق كلمات في رسائل منفردة، وغير منفردة، ونحن
نلخص ما ذكروه، ونذكر ما عندنا مما يؤيده أو يشينه، فنقول للأصحاب: فيه
أقوال:
الأول: القول بالحجية والاعتماد.
ذهب إليه العلامة المجلسي، ووالده المعظم قدس سرهما.
قال الأول في البحار: كتاب فقه الرضا عليه السلام، أخبرني به السيد
الفاضل، المحدث القاضي، أمير حسين - طاب ثراه - بعدما ورد أصفهان،
قال. قد اتفق في بعض سني مجاورة بيت الله الحرام، أن أتاني جماعة من أهل
قم حاجين، وكان معهم كتاب قديم يوافق تأريخ عصر الرضا عليه السلام،
وسمعت الوالد رحمه الله أنه قال. سمعت السيد يقول: كان عليه خطه
صلوات الله عليه، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء، وقال السيد.
حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف الإمام عليه السلام، فأخذت
الكتاب، وكتبته وصححته، فأخذ والدي - قدس الله روحه - هذا الكتاب من
السيد، واستنسخه وصححته، وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر
محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير مستند، وما يذكره والده
في رسالته إليه، وكثير من الاحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها
230

مذكورة فيه، كما ستعرف في أبواب العبادات، انتهى (1).
وقال الثاني - كما في فوائد العلامة الطباطبائي، ومفاتيح الأصول -: من
فضل الله علينا أنه كان السيد الفاضل، الثقة المحدث، القاضي أمير حسين
- رحمه الله - مجاورا عند بيت الله الحرام سنين كثيرة، وبعد ذلك جاء إلى هذا البلد
- يعني أصفهان - ولما تشرفت بخدمته وزيارته، قال: إني جئتكم بهدية نفيسة،
وهي الفقه الرضوي، قال: لما كنت في مكة المعظمة، جاءني جماعة من أهل
قم مع كتاب قديم، كتب في زمان أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه
السلام، وكان في مواضع منه بخطه صلوات الله وسلامه عليه، وكان على ذلك
إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء، بحيث حصل لي العلم العادي بأنه تأليفه
عليه السلام، فاستنسخت منه وقابلته مع النسخة.
ثم أعطاني الكتاب، واستنسخت منه نسخة أخذها بعض الفضلاء
ليكتب عليها، ونسيت الاخذ، ثم جاءني [بها] بعد إتمام الشرح العربي على
الفقيه، المسمى بروضة المتقين، وقليل من الشرح الفارسي.
ثم لما تفكرت فيه ظهر لي أن هذا الكتاب كان عند الصدوق وأبيه، وكل
ما ذكره علي بن بابويه، في رسالته إلى ابنه، فهو عبارته إلا نادرا، وكل ما ذكره
الصدوق في هذا الكتاب بدون السند، فهو أيضا عبارته، فرأيت أن أذكر في
مواضعه أنه منه، لتندفع اعتراضات الأصحاب وشبهاتهم، والظاهر أن هذا
الكتاب كان موجودا عند المفيد أيضا، وكان معلوما عندهم أنه من تأليفه عليه
السلام ولذا قال الصدوق: ما أفتي به، وأحكم بصحته. والحمد لله رب
العالمين، والصلاة على محمد وآله الأقدمين، انتهى (2).
وقال في شرحه الفارسي على الفقيه، في مسألة الحدث الأصغر في أثناء

(1) بحار الأنوار 1: 11.
(2) فوائد السيد بحر العلوم: 147، ومفاتيح الأصول: 351.
231

غسل الجنابة، بعد ذكر ما نقل الصدوق من رسالة أبيه إليه، فيها ما ترجمته.
الظاهر أن علي بن بابويه أخذ هذه العبارات، وسائر عباراته في رسالته إلى ولده
من كتاب الفقه الرضوي، بل أكثر عبارات الصدوق التي يفتي بمضمونها، ولم
يسندها إلى الرواية كأنها من هذا الكتاب، وهذا الكتاب ظهر ففي قم، وهو
عندنا.
والثقة العدل القاضي أمير حسين - طاب ثراه - استنسخ هذا الكتاب قبل
هذا بنحو من عشر سنين، وكان في عدة مواضع منه خط الإمام الرضا عليه
السلام، وإني أشرت إليه، ورسمت صورة خطه عليه السلام عل ما رسمه
القاضي.
ومن موافقة الكتاب لكتاب الفقيه، يحصل الظن القوي بأن علي بن
بابويه، ومحمد بن علي كانا عالمين بأن هذا الكتاب تصنيف الإمام عليه السلام
، وقد جعله الصدوق حجة بينه وبين ربه.
ولما وقع لي السهو عنه، لم يتفق لي من ملاحظته إلى هذا الموضع،
وسأنقل منه من هنا إلى آخر الكتاب.
وقال أيضا في كتاب الحج، من الشرح المذكور، في شرح رواية إسحاق
ابن عمار، فيمن ذكر في أثناء السعي أنه ترك بعض الطواف: إن المشهور بين
الأصحاب صحة الطواف والسعي، إذا كان المنسي من الطواف أقل من
النصف، وهو موافق لما في الفقه الرضوي، والمظنون أن الصدوق كان على يقين
من كونه من تأليف الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام، وإنه كان يعمل به،
وإن القدماء منهم كان عندهم ذلك، ومنهم من كان يعتمد على فتاوى
الصدوق المأخوذة منه، لجلالة قدره عندهم.
ثم حكى عن شيخين فاضلين، صالحين ثقتين، أنهما قالا: إن هذه
النسخة قد اتي بها من قم إلى مكة المشرفة، وعليها خطوط العلماء، وإجازاتهم،
232

وخط الإمام عليه السلام في عدة مواضع، قال: والقاضي أمير حسين قد أخذ
من تلك النسخة، وأتى بها إلى بلدنا، وإني استنسخت. نسخته من كتابه.
والعمدة في الاعتماد عل هذا الكتاب: مطابقة فتاوى علي بن بابويه في
رسالته، وفتاوى ولده الصدوق لما فيه من دون تغيير، أو تغيير يسير في بعض
المواضع، ومن هذا الكتاب تبين عذر قدماء الأصحاب فيما أفتوا به.
والسيد الاجل بحر العلوم والنهى العلامة الطباطبائي عقد لتحقيق
حاله، وقرائن اعتباره فائدة في آخر فوائده (1).
والعالم الفقيه النبيه، محمد بن الحسن المعروف بالفاضل الهندي
- جعله بحر العلوم، ثالث المجلسيين في الاعتماد عليه - قال: فقد سلكه في كتابه
كشف اللثام في شرح قواعد الأحكام في جملة الاخبار، وعده رواية عن الرضا
عليه السلام، وعلى ذلك جرى جماعة من مشايخنا الاعلام - عطر الله مراقدهم
انتهى (2).
وكذا نسبه إليه المولى النراقي في العوائد (3).
ولكن بعض السادة من العلماء المعاصرين - أيده الله - جعله من
المتوقفين، قال: وثالثها: التوقف في أمره، كما يستفاد من الشيخ الفقيه الأوحد،
بهاء الدين محمد الأصفهاني - الشهير بالفاضل الهندي - حيث يعبر عن رواياته
بقوله. وروي عن الرضا عليه السلام، أو في رواية عن الرضا عليه السلام،
من غير أن يعتمد عليها، أو يركن إليها، وظاهره في المناهج السوية أيضا ذلك (4).
وفيه ما لا يخفى.
والشيخ المحدث المحقق البحراني: قال المولى الجليل النراقي في

(1) وهي الفائدة: 45.
(2) فوائد السيد بحر العلوم: 145.
(3) عوائد الأيام: 250.
(4) رسالة الخوانساري في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام): 4.
233

العوائد، في مقام ذكر من عده حجة بنفسه: ومنهم شيخنا يوسف البحراني
صاحب الحدائق الناضرة، وهو من المصرين على ذلك، ويجعله حجة بنفسه.
ومنهم شيخنا الفاضل السيد علي الطباطبائي، صاحب رياض المسائل
شرح المختصر النافع.
ومنهم الوالد الماجد المحقق، صاحب اللوامع برد الله مضاجعهم
الشريفة.
وبعض من تقدم عليهم، كالفاضل الكاشاني شارح المفاتيح قد سلكوه
في مسلك الاخبار، وأدرجوه في كتب أحاديث الأئمة الأطهار، ونقلوه في
مؤلفاتهم بطريق الروايات (1).
والأستاذ الأكبر البهبهاني - طاب ثراه -، قال السيد الاجل السيد حسين
القزويني، في مقدمات شرحه على الشرائع، في كلام له في فقه الرضا عليه
السلام ما لفظه: واحتمل المولى الجليل الماهر الألمعي، مولانا محمد باقر
البهبهاني - دام ظله العالي - أن يكون تأليفه صادرا من بعض أولاد الأئمة
عليهم السلام بأمر الرضا عليه السلام، واعتنى به، واعتمده غاية الاعتماد،
وكذا شيخنا الجليل الشيخ يوسف البحراني، انتهى.
هذا، وقال الفقيه النبيل الشيخ موسى النجفي، في شرح الرسالة في
أحكام السجود: سادس عشرها استقبال القبلة بالأصابع حال السجود، على
ما ذكره كثير من الأصحاب. ولعل مستنده ما في الفقه الرضوي، من الامر
بوضعها مستقبل القبلة، وعموم التشبيه في خبر سماعة، في قوله: فإنهما
يسجدان كما يسجد الوجه.
الثاني: عدم الاعتبار، لعدم كونه منه عليه السلام، وجهالة مؤلفه.

(1) عوائد الأيام: 251.
234

ذهب إليه صاحب الوسائل، وتقدم أنه عده من الكتب المجهولة،
وجماعة من الفقهاء، كالسيد السند الجليل صاحب تحفة الأبرار.
والمحقق صاحب الفصول، قال في آخر كلامه فيه: فالتحقيق أنه لا
تعويل على الفتاوى المذكورة فيه، نعم ما فيه من الروايات فهي من الروايات
المرسلة، لا يجوز التعويل على شئ مما اشتمل عليه، إلا بعد الانجبار بما يصلح
جابرا لها (1)... إلى آخره.
وبعض السادة الاجلاء من العلماء المعاصرين - دام علاه - وقد كتب في
عدم حجيته ما هو كرسالة مستقلة (2).
الثالث: انه مندرج تحت الاخبار القوية، التي يحتاج التمسك بها إلى عدم
وجود معارض أقوى منها، أو انجبارها بالشهرة ونحوها، حسب اختلاف
الانظار في مراتب القوة الحاصلة له بملاحظة القرائن التي ذكروها، من الشدة
إلى ما يقرب الاطمئنان بصدوره، والضعف إلى حد يدخله في سلك الضعفاء.
قال السيد السند في المفاتيح: وفي الاعتماد عليه بمجرده إشكال، لعدم
ثبوت كونه من مولانا الرضا عليه السلام بطريق صحيح، ولكن لا بأس بأن
تعد رواياته من الروايات القوية، التي ينجبر قصورها بنحو الشهرة، إلى أن
شرح أسباب قوته، وقال: ولكن في بلوغه درجة الحجية إشكال، ولكن لا أقل من
عده قويا، وعليه يمكن جعله مرجحا لاحد الخبرين المتعارضين على الاخر (3).
وفي الفوائد، بعد إثبات اندراجه في جملة الاخبار والأحاديث. وأما
الكلام في حجيته وعدمها، فهذا أمر يختلف باختلاف المذاهب، والمسالك
والآراء، في الحجة من الاخبار الآحاد.

(1) الفصول الغروية: 313.
(2) الخونساري في رسالة تحقيق حال فقه الرضا عليه السلام.
(3) مفاتيح الأصول: 351.
235

فإن منهم من يقول باختصاص الحجية بالأسانيد من الاخبار الصحاح،
أو مع الحسان والموثقات، ولا شك أن ذلك ليس منها لعدم ثبوت الكتاب من
الامام، من جهة العلم واليقين، ولا بالنقل المتصل بالثقات المحدثين.
ومنهم من يقول باختصاص الحجية بأخبار الكتب الأربعة الدائرة،
وهذا أيضا كسابقه.
ومنهم من يقول بحجية كل خبر مظنون الصدق أو الصدور، وبعبارة
أخرى كل خبر مفيد للظن، واللازم على ذلك ملاحظة ما نقلنا من الشواهد
والامارات، فإن حصل له منه الظن فليقل بحجيته، وإلا فلا.
ومنهم من يقول بحجية كل خبر غير معلوم الكذب، أو مظنونه، ولا
شك أن هذا الكتاب منه، فيكون حجة معمولا به، انتهى (1).
وظاهر شيخنا الأعظم المحقق الأنصاري - قدس الله روحه - في مصنفاته
الشريفة، وسلوكه مع الرضوي أنه يراه من الاخبار القوية، ويتمسك به حيث
يتمسك بها.
الرابع. انه بعينه رسالة علي بن بابويه إلى ولده الصدوق، وهو المعروف
بشرائعه.
قال الا ميرزا عبد الله الأفندي، في الفصل الخامس من القسم الأول،
من رياضه: وأما الفقه الرضوي، فقد مر في ترجمة السيد أمر حسين، الحق
انه بعينه كتاب الرسالة المعروفة لعين بن موسى بن بابويه القمي إلى ولده
الصدوق محمد بن علي، وان الاشتباه قد نشأ من اشتراك اسم الرضا عليه
السلام معه في كونهما أبا الحسن علي موسى، فتأمل (2).
وقال في ترجمة السيد، بعد نقل ما في أول البحار: ثم إنه قد يقال: إن

(1) فوائد السيد العلوم: لم نعثر عليه في مظانها.
رياض العلماء 6: 43.
236

هذا الكتاب بعينه رسالة علي بن بابويه إلى ولده الشيخ الصدوق، وانتسابه إلى
الرضا عليه السلام غلط نشأ من اشتراك اسمه واسم والده، فظن أنه لعلي
ابن موسى الرضا عليه السلام، حتى لقب تلك الرسالة بفقه الرضا عليه
السلام، وكان الأستاذ العلامة - قدس سره - يميل إلى ذلك، وقد يؤيد ذلك
بعد توافقهما في كثير من المسائل، باشتماله على غريب من المسائل، ومن ذلك
توقيت وقت قضاء غسل الجمعة من الجمعة (إلى الجمعة) (1) وهو تمام أيام
الأسبوع الأخرى، والمروي المشهور هو اختصاصه بيوم السبت، ونحو ذلك
من المطالب، لكن لو لم يشتبه الحال عل هذا السيد، لتم له الدست (2)، وثبت
ما اختاره الأستاذ الاستناد - سلمه الله تعالى - انتهى (3).
ومراده بالأستاذ: العلامة العالم المدقق، النحرير الخبير، الا ميرزا محمد
ابن الحسن الشيرواني الشهير بملأ ميرزا، وبالأستاذ الاستناد: العلامة
المجلسي رحمه الله ولا يخفى أن هذا الاحتمال بمكان من الضعف، كما تأتي
الإشارة إلى أسبابه إن شاء الله تعالى.
والظاهر أن هذا منه قبل اطلاعه عل النسخة، التي كانت عند السيد
علي خان، شارح الصحيفة، كما سنذكره إن شاء الله، وظاهره هنا، وما ذكره
في ترجمة ناصر خسرو هو الأول كما سيأتي.
وقال السيد الجليل، السيد حسين القزويني في شرح الشرائع: كان
الوالد العلامة يرجح كونه رسالة والد الصدوق، محتملا كون عنوان الكتاب
أولا هكذا: يقول عبد الله علي بن موسى، وزيد لفظ " الرضا " بعد ذلك من
النساخ، لانصراف المطلق إلى الفرد الكامل الشائع المتعارف.
وهذا كلام جيد، لكن يبعده بعض ما اتفق في تضاعيف هذا الكتاب،

(1) لم ترد في المخطوطة.
(2) أي نال ما كان يروم. (انظر المعجم الوسيط 1: 283).
(3) رياض العلماء 2: 30، وانظر. بحار الأنوار 1: 11.
237

انتهى (1).
وملخص هذه الأقوال: إن هذا الكتاب للرضا عليه السلام تأليفا، أو
إملاء، أم لا؟ وعلى الثاني هل هو داخل في جملة الاخبار القوية أو الضعاف، أو
لا؟ وعلى الثاني هل يعرف مؤلفه أم لا؟ ذهب إلى كل واحد منها ذاهب، على
حسب اختلافهم في الكثرة والقلة، والذي أعتقده أن إملاء بعض الكتاب منه
عليه السلام، والباقي لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وهو داخل في نوادره.
وللسيد السند المحقق، السيد محسن الأعرجي الكاظمي كلام فيه يؤيد
ما اعتقدنا، وإن لم يكن للوجه الذي دعانا إليه، قال رحمه الله في شرح مقدمات
الحدائق، عند تعرض صاحبه للفقه الرضوي ما لفظه: وأما الكتاب الشريف،
المشرف بهذه النسبة العليا، فالذي يقضي به التصفح والاستقراء أنه لبعض
أصحابه عليه السلام، يحكي في الغالب كلامه عليه السلام ويجعله هو
الأصل، حتى كأنه عليه السلام هو المتكلم الحاكي، فيقول: قال أبي، وربما
حكى عن غيره من الأصحاب مثل صفوان، ويونس، وابن أبي عمير،
وغيرهم، ويقول بهذا الاعتبار: قال العالم عليه السلام، ويعنيه عليه السلام.
وأما أن جمعه له فبمكان من البعد، فكيف كان فأقصاه أن يكون وجادة،
وأين هو من الرواية! وكذا الحال فيما نقله المجلسي في البحار، من الكتب
القديمة التي ظفر بها، فإن أقصاه الوجادة، وليس من الرواية في شئ، وإنما
يصلح مؤيدا، انتهى (2).
وفي بعض ما ذكره تأمل يأتي وجهه.
وكيف كان فليس في المقام إجماع ولا شهرة، ولو ادعاها أحد فهي غير
نافعة، فإن المستند هي القرائن التي ذكروها، وضعفها المنكرون.

(1) شرح الشرايع: مخطوط.
(2) شرح مقدمات الحدائق: مخطوط.
238

فالمهم في المقام شرح تلك القرائن، ثم شرح ما يضعفها، فنقول،
معتصما بالله تعالى، ورسوله، وخلفائه عليهم السلام: إن ما يمكن أن يقال أو
قيل للأولين وجوه:
الأول: إن السيد الثقة، الفاضل القاضي أمير حسين، أخبر بأن هذا
الكتاب له عليه السلام، وأخبره بذلك أيضا ثقتان عدلان من أهل قم وهذا
خبر صحيح، داخل في عموم ما دل على حجية خبر العدل، وقد أشار إلى ذلك
العلامة الطباطبائي في فوائده، قال رحمه الله: ونحن نروي عن هذا السيد
الأمجد، والسند الأوحد، ما صحت له روايته، واتضحت لديه درايته، بطرقنا
المتكثرة من شيخنا العلامة المجلسي - طاب ثراه - عن والده المقدس المجلسي
- قدس سره - وقد دخل في ذلك هذا الكتاب - وهو كتاب الفقه الرضوي - حيث
ثبت برواية الثقات عنه، كونه عنده من قول الرضا عليه السلام، وهو ثقة وقد
أخبر بشئ ممكن، وادعى العلم فيصدق، ويعضده حكاية الثقة المجلسي رحمه
الله فيما تقدم من كلامه، عن الشيخين الذين مدحهما ووثقهما، ما يطابق تلك
الدعوى ويصدقها، انتهى (1).
قلت: أما بناء على طريقة المشهور بين المتأخرين عن العلامة، في معنى
الصحيح من الأحاديث، فلا نقض في المقدمات المذكورة، التي لازمها دخول
أخبار السيد فيها، إلا ما يتوهم من عدم كون مستند علمه - بأن الكتاب
المذكور منه عليه السلام - الأمور الحسية، كالسماع منه عليه السلام، أو ممن
يتصل سنده بوصفه المعتبر في المقام إليه عليه السلام، وغيره من أنواع التحمل،
وإنما هو الحدس الناشئ عن ملاحظة الخطوط المنسوبة إليه، التي كانت على
هوامش الكتاب المعهود، والإجازات التي كانت عليها من الأفاضل، وعليه فلا
يشمله أدلة حجية الخبر الصحيح، لاختصاصها على ما حقق في محله بالطائفة

(1) فوائد السيد بحر العلوم: 149.
239

الأولى، ولذا أنكروا حجية الاجماع المنقول على من ادعى دخوله فيها، بناء على
أن الذي يدعيه جزما بخبر عن المعصوم جزما ناشئا عن الحدس.
ويمكن رفعه بأن المتيقن من الخارج، هو ما لم يكن له مبادئ محسوسة،
وأمور حسية يلزم من العلم بها، العلم بالمخبر عنه الغير المحسوس. ولذا لم
يعدوا الاخبار عن الشجاعة، والسخاء، والعدالة، بناء على تفسيرها
بالملكة من الاخبار الحدسية، بل وجميع الصفات النفسانية حسنة كانت، أو قبيحة.
وكذا الاخبار عن الولادة، والنسب، وأمثالها، مما يكون الاخبار عن
نفس المخبر عنه بالحدس، وإنما كان سبب علمه ما سمعه أو رآه، وعلى ذلك
فلا بأس بعد الخبر المذكور من قبيل الأخبار المذكورة، ويشهد لذلك أنهم كثيرا
ما يعتمدون في نقل الفتاوى عل كتب الأصحاب، ويرتبون عليها آثارها من
غير أن يعلم استناد الموجود منها عنده إلى صاحبه، إلا بأمور حدسية، كذكر هذا
الكتاب في ترجمته، ومطابقة ما نقل عنه بما وجده فيه، أو وجود خط بعض
العلماء على هوامشه، أو إجازاتهم في آخره أو ظهره، وغير ذلك من الامارات
التي أغلبها حدسية، ولا يقتصرون في النقل على الكتب المعروفة، التي تلقاها
الأصحاب خلفا عن السلف بالقراءة، والسماع، والمناولة، كجملة من كتب
الشيخ الطوسي، والفاضلين، وأضرابهم، وهذا من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى
نقل الشواهد، وذكر الأمثال، نعم ليس بناؤهم على الاعتماد على كل امارة
وقرينة، بل على ما يوجب للناظر القطع، أو الاطمئنان التام، والوثوق المعتد
به، وإن كان تمامها أو بعضها حدسية.
وأما على ما نراه من عدم انحصار الحجية من الاخبار في الصحيح
المصطلح، بل دليل الحجية يشمله وكل خبر حصل من الامارات الداخلية أو
الخارجية الوثوق بصدوره، والاطمئنان بوروده، ولعله هو الصحيح عند
القدماء، فالأمر سهل كما لا يخفى.
ثم نقول: ومن الممكن أن يكون الثقتان الصالحان، اللذان أتيا بالكتاب
240

من قم إلى مكة المشرفة، تلقياه عن آبائهما يدا بيد، إلى الإمام عليه السلام،
فيخرج بذلك عن حدود الاخبار الحدسية، وهذا أمر غير عزيز.
هذا ابن شهرآشوب ذكر في مناقبه. إن العهد الذي كتبه رسول الله صلى
الله عليه وآله لحي سلمان بكازرون، موجود فيه إلى هذا العصر، ويعملون به (1).
وذكر القطب الراوندي في دعواته: إن المكتوب الذي كتبه مولانا الرضا
عليه السلام لجماله، الذي حمله إلى طوس لما استدعاه منه ليتبرك به، - وكان من
أهل كرمند (2) - هو موجود إلى الآن. ونقل رحمه الله ما في المكتوب (3)، وهو خبر
شريف، ولعل الجماعة، لضنتهم به ما أفشوه، خوفا من خروجه من أيديهم،
خصوصا من أهل قم فإنهم الذين سلبوا دعبل، وأخذوا جبة الرضا عليه
السلام منه قهرا، للتبرك والاستشفاء بها، فكيف لو اطلعوا على مثل هذا
الكتاب، الذي عليه خطه عليه السلام في جملة من المواضع!؟
ثم إن خطه عليه السلام أيضا في ذلك العصر لم يكن بذلك العزيز،
الذي لا يعرفه أحد، وقد كان بأيدي الناس كتاب الله المجيد بخطه عليه
السلام، وهو موجود الآن في خزانة كتبه الشريفة، فمن الممكن أنهم عرفوا أنه
خطه عليه السلام لمعرفتهم بخطه عليه السلام، والله العالم.
الثاني: إن الفاضل الخبير، الا ميرزا عبد الله الأصفهاني قال في رياض
العلماء: السيد السند الفاضل، صدر الدين علي خان المدني، ثم الهندي
الحسيني الحسني، ابن الأمير نظام الدين أميرزا أحمد بن محمد معصوم (4) ابن

(1) المناقب لابن شهرآشوب 1. 111.
(2) كذا، ولعل الصحيح كرند، إذ لم نعثر على كرمند، ولا گرمند علما للمكان في المعاجم الفارسية
وغيرها.
(3) الدعوات المطبوع خال منه وكذا النوادر.
(4) في المخطوطة والحجرية. محمد بن معصوم، والظاهر كون الابن زيادة، فلاحظ.
241

السيد نظام الدين أحمد بن إبراهيم بن سلام الله بن عماد الدين مسعود بن صدر
الدين محمد بن السيد الأمير غياث الدين منصور بن الأمير صدر الدين محمد
الشيرازي - إلى أن قال - هو ابن إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن علي بن
عربشاه بن أمير انبه بن أميري بن الحسن بن الحسين بن علي بن زيد الأعثم
ابن علي بن محمد بن علي - أبي الحسن نقيب نصيبين - ابن جعفر بن أحمد
السكين بن جعفر بن محمد بن محمد بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب عليهم السلام.
إلى أن قال. ثم اعلم أن السكين، وقد يقال أحمد بن السكين،
هذا الذي قد كان في عهد مولانا الرضا صلوات الله عليه، وكان مقربا عنده في
الغاية، وقد كتب الرضا عليه السلام لأجله كتاب فقه الرضا عليه السلام،
وهذا الكتاب بخط الرضا عليه السلام موجود في الطائف بمكة المعظمة، في
جملة كتب السيد علي خان المذكور، التي قد بقيت في بلاد مكة، وهذه النسخة
بالخط الكوفي، وتأريخها سنة مائتين من الهجرة وعليها إجازات العلماء
وخطوطهم، وقد ذكر الامر غياث الدين - المذكور نفسه - أيضا في بعض
إجازاته بخطه هذه النسخة، ثم أجاز هذا الكتاب لبعض الأفاضل، وتلك
الإجازة بخطه أيضا، موجودة في جملة كتب السيد علي خان، عند أولاده
بشيراز، انتهى (1).
وفيما ذكره فوائد:
الأولى: إن هذه النسخة التي صرح بأنها كانت بخطه عليه السلام، غير
النسخة التي كانت في قم، كما لا يخفى.
الثانية: إنها أيضا كانت معلمة بإجازات العلماء وخطوطهم، وليس في
علمائنا من القديم إلى الآن من هو أعرف بأحوال العلماء وخطوطهم، من

(1) رياض العلماء 3: 363.
242

الفاضل المذكور، فتراه يذكر في أكثر التراجم أنه رأى كتابه الفلاني، وإجازته
لفلان، في البلد الفلاني، عند فلان، ويصف خطه بالجودة أو الرداءة، فما كان
يخفى عليه حال المجيز وخطه.
والثالثة: إن النسخة كانت عند جده الأعلى، الأمير غياث الدين
منصور، الذي يعبر عنه بغوث العلماء، وغياث الحكماء، صاحب التصانيف
المعروفة المتداولة، المعاصر للمحقق الثاني - رحمه الله - المتوفى سنة ثمان وأربعين
وتسعمائة.
فقول بعض السادة من العلماء المعاصرين: إن أول من ذهب إلى ذلك
- أي في كون الكتاب من تأليفه - وأصر في ترويجه، رجل فاضل محدث، كان
يقال له: القاضي أمير حسين، وهو الذي أظهر أمر هذا الكتاب، وجاء به من
مكة المشرفة إلى أصبهان، في عصر الفاضلين المجلسيين، وأراهما إياه، وقبل
ذلك لم يوجد منه عين ولا أثر، بين محققي أصحابنا، انتهى (1).
ناشئ من عدم الاطلاع، وقلة التجسس، وهذا غير غريب، إنما
الغرب أن أخاه السيد الجليل، صاحب روضات الجنات - طاب ثراه - الذي
هو من المنكرين - حتى قال في ترجمة السيد الكركي الآتي ذكره. إن المجلسي
الأول هو الباعث على إيقاظ هذه الفتنة النائمة (2)،... إلى آخره - نقل العبارة
السابقة عن الرياض كما نقلناه، ولم يزد في رده، إلا أن قال: وهو غريب.
ولعمري لو كان له سبيل إلى رده، بتكذيب صاحب الرياض، أو غياث الحكماء
لفعل.
ثم لا يخفى أن أحمد السكين المذكور، داخل في سلسلة الأسانيد، فقال
السيد الفاضل المذكور: السيد علي خان فيما جمعه من أخبار المسلسلة بالاباء:

(1) رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام): 3.
(2) روضات الجنات 2: 336.
243

حدثني والدي السيد الاجل أحمد نظام الدين، عن والده السيد الجليل محمد
معصوم، عن شيخه المحقق المولى محمد أمين الاسترآبادي، عن شيخه طراز
المحدثين الميرزا محمد الاسترآبادي، عن السيد أبي محمد محسن، قال: حدثني
أبي علي شرف الاباء، عن أبيه منصور غياث الدين أستاذ البشر، عن أبيه محمد
صدر الحقيقة (1)، عن أبيه إبراهيم شرف الملة، عن أبيه محمد صدر الدين، عن
أبيه إسحاق عز الدين، عن أبيه علي ضياء الدين، عن أبيه عربشاه زين
الدين، عن أبيه أبي الحسن أميران به نجيب الدين، عن أبيه أميري خطير
الدين، عن أبيه أبي علي الحسن جمال الدين، عن أبيه أبي جعفر الحسين
العزيزي، عن أبيه أبي سعيد علي، عن أبيه أبي إبراهيم زيد الأعشم، عن أبيه
أبي شجاع علي، عن أبيه أبي عبد الله محمد، عن أبيه علي، عن أبيه أبي عبد الله
جعفر، عن أبيه أحمد السكين، عن أبيه جعفر، عن أبيه السيد محمد المحروق،
عن أبيه أبي جعفر محمد، عن أبيه زيد الشهيد، عن أبيه علي زين العابدين
عليه السلام، عن أبيه الحسين سيد الشهداء عليه السلام، عن أبيه أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول، وقد سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج، قال: خاطبني بلسان علي
عليه السلام) الخبر (2).
ثم شرح الحديث، وساق تمام خمسة (3) أحاديث مسلسلة بالاباء، بسبعة

(1) نسخة بدل: الدين.
(2) ورد في هامش المطبعة الحجرية ما نصه: تمامه: فألهمني أن قلت: يا رب خاطبني أم على؟ فقال: يا
أحمد أنا شئ ليس كالأشياء، لا أقاس بالناس، ولا أو صف بالشبهات، خلقتك من نوري،
وخلقت عليا من نورك، اطلعت على سرائر قلبك، فلم أجد في قلبك أحب من علي بن أبي
طالب، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك. (منه قده).
(3) جاء في حاشية المخطوطة: اختصاص السيد الجليل السيد علي خان شارح الصحيفة بمزية
خمسة أحاديث مسلسلة بالاباء بسبعة وعشرين أبا وهو من خصائصه وليس في أخبار الخاصة
ولا العامة له نظير فطوبى له.
244

وعشرين أبا، وهو من خصائصه، وليس في أخبار الخاصة، ولا العامة، له
نظير.
إذا عرفت ذلك، فاسمع لما نتلوه عليك، مني كلام العلامة الطباطبائي
قدس سره في فوائده، قال: وقد اتفق لي في سني مجاورتي المشهد المقدس
الرضوي، على مشرفه سلام الله العلي، إني وجدت في نسخة من هذا الكتاب،
من الكتب الموقوفة على الخزانة الرضوية، أن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما
السلام، صنف هذا الكتاب لمحمد بن السكين، وإن أصل النسخة وجدت
في مكة المشرفة، بخط الإمام عليه السلام، وكان بالخط الكوفي، فنقله المولى
المحدث الا ميرزا محمد - وكان صاحب الرجال - إلى الخط المعروف، ومحمد بن
السكين في رجال الحديث رجل واحد، وهو محمد بن السكين بن عمار النخعي
الجمال، ثقة له كتاب، روى أبوه، عن أبي عبد الله عليه السلام قاله النجاشي
في كتابه (1). وفيه، وفي الفهرست (2). إن الطريق إليه إبراهيم بن سليمان، وهو
إبراهيم بن سليمان بن عبد الله بن حيان.
والطبقة تلائم كونه من أصحاب الرضا عليه السلام. قيل: وروى عنه
ابن أبي عمير، وهو من أصحاب الرضا عليه السلام والجواد عليه السلام،
فيكون محمد بن سكين من كبار أصحاب الرضا عليه السلام، وهذا النقل وإن
لم نجده لاحد من المعتبرين، إلا أنه تلوح عليه آثار الصدق فيصلح لتأييد ما
تقدم، انتهى (2).
وأنت بعد التأمل في كلام صاحب الرياض، وما نقله - طاب ثراه - عن

(1) رجال النجاشي: 361 / 969.
(2) الفهرست: 151 / 644.
(3) فوائد السيد بحر العلوم: 150.
245

النسخة الرضوية، لا تكاد تشك أن هذه النسخة الرضوية استنسخت من
النسخة التي كانت عند شارح الصحيفة، وآبائه الاجلاء الكرام.
والظاهر بل المقطوع أن محمدا تصحيف أحمد، إما ممن نقلها من الخط
الكوفي إلى العربي، أو من الناسخ، وعليه فما تكلفه من تحصيل وثاقته،
وملائمة طبقته، في غير محله. وأما أحمد السكين، فهو في طبقته عليه السلام،
لان بينه وبين السجاد عليه السلام ثلاثة من الاباء، بعدد ما بينهما عليهما
السلام منها.
وعندي مجموعة شريفة، فيها الايضاح، والخلاصة، وابن داود،
والفهرست، ومعالم العلماء، والمنتخب، وجملة من الإجازات كانت لبعض
العلماء، من أولاد الأمير سلام الله، المذكور في آباء السيد المذكور، وجملة منها
بخطه وقد صححها، وعليها حواش منه، وفي آخرها إجازة له من بعض
العلماء، ومدحه فيها بقوله: وقد استجاز من الفقير الحقير: السيد السند،
الحسيب النسيب النقيب، ذو المجدين، وصاحب الرئاستين، خيرة نجل سيد
المرسلين، صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين، وخلاصة سلالة أمير المؤمنين عليه
السلام، الأمير معين الدين محمد بن المغفور المبرور شاه أبو تراب بن أمير سلام
الله... إلى آخره.
وفي ظهر الإجازة كتب الأمير معين الدين المذكور نسبه بخطه، وساقه
كما ذكرنا، إلا أنه قال: معين الدين محمد بن عماد الدين محمود - الشهير بأبي
تراب - إلى آخره، وبالغ في مدح أحمد السكين، ولم يتعرض لمدح غيره، قال:
زيد الأعشم بن علي بن محمد بن علي بن جعفر بن قدوة المتقين، برهان ذوي
اليقين، الشاهر سيفه في نصر الدين، أبي جعفر أحمد السكين، إلى اخره.
وتاريخ الإجازة المذكورة سنة 994.
وفي رياض العلماء، في ترجمة شارح الصحيفة، بعد أن ساق نسبه كما
تقدم، قال في الحاشية. ويظهر من طي بعض المواضع نسبه، كما رأيته بخط
246

بعض (1) أفاضل هذه السلسلة المباركة، وكان تأريخ ذلك الخط سنة 982 (2)،
هكذا: وهو الأمير معين الدين محمد بن محمود، وساق إلى قوله. علي بن جعفر
ابن قدوة المتقين، برهان ذوي اليقين، نصير الدين أبي جعفر أحمد السكين...
إلى آخره (3).
ونقل في إجازات البحار صورة لخط إجازة الأمير صدر الدين محمد بن
الأمير غياث الدين منصور الحسيني الشيرازي الدشتكي (4)، للسيد الفاضل
علي بن القاسم الحسيني اليزدي، وهي إجازة لطيفة حسنة، وفيها بعد ذكر
سنده المعنعن بالاباء كما تقدم، قال: ثم إن أحمد السكين جدي صحب الإمام الرضا
عليه السلام، من لدن كان بالمدينة إلى أن أشخص تلقاء خراسان، عشر
سنين، فأخذ منه العلم، وإجازته عليه السلام عندي، فأحمد يروي عن الإمام الرضا
عليه السلام، عن آبائه،. عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا
الاسناد أيضا مما أنفرد به لا يشركني فيه أحد، وقد خصني الله تعالى بذلك،
والحمد لله (5).
ومن جميع ذلك ظهر أن أمارات الوثوق والاعتماد بهذه النسخة المكية
أزيد من النسخة القمية، فلاحظ وتأمل.
الثالث: ما في فوائد العلامة المذكور، قال: ومما يؤيده ويؤكده، أن
الشيخ الجليل منتجب الدين، وهو الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن
ابن، الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه القمي، قال في رجاله
الموضوع لذكر العلماء المتأخرين عن الشيخ الطوسي قدس سره - ما هذا لفظه:

(1) لم ترد في المخطوطة.
(2) في المخطوطة: سنة 983.
(3) رياض العلماء 3: 364.
(4) في المخطوطة: الأشتكي.
(5) بحار الأنوار 108: 124 - 128.
247

السيد الجليل محمد بن أحمد بن محمد الحسيني، صاحب كتاب الرضا عليه
السلام، فاضل، ثقة. كذا في عدة نسخ مصححة من رجال المنتجب (1). وفي
كتاب أمل الآمل، نقلا عنه (2).
والظاهر أن المراد بكتاب الرضا عليه السلام هو هذا الكتاب، وأما
الرسالة المذهبة، المعروفة بالذهبية، وطب الرضا عليه السلام، في عدة
أوراق في الطب، صنفها الرضا عليه السلام للمأمون وإرادتها من هذه العبارة
في غاية البعد، والمراد بكونه صاحب كتاب الرضا عليه السلام، وجود نسخة
الأصل عنده، أو انتهاء إجازة الكتاب إليه، لا أنه روى هذا الكاب عنه بلا
واسطة، أو أنه صنفه له، فإنه من العلماء المتأخرين، الذين لم يدركوا أعصار
الأئمة عليهم السلام، فهذا بناء ما عندي، وبناء من قبلي في هذا الكتاب،
انتهى (3).
وردة في الفصول بقوله: وأما ما ذكره البعض في محمد بن
أحمد، من أنه صاحب كتاب الرضا عليه السلام فلا دلالة فيه على أن إجازة
هذا الكتاب منتهية إليه، لجواز أن يكون المراد به بعض رسائله عليه السلام،
مما رواه الصدوق في العيون، ولو سلم أن المراد به الكتاب المذكور، فلا دلالة
في كونه صاحبه على إنه كان يرويه بطريق معتبر لجواز أن يكون واجدا له، أو
راويا بطريق غير معتبر، انتهى (4).
وقال بعض العلماء المعاصرين، بعد ذكر كلام السيد في جملة
القرائن ما لفظه: وأما ما مر من أن الشيخ منتجب الدين... إلى

(1) فهرست منتجب الدين 171 / 412.
(2) أمل الآمل 2: 242 / 714.
(3) فوائد السيد بحر العلوم: 150.
(4) الفصول الغروية: 313.
248

آخره فلا يظهر منه غير أن له مصنفا له تعلق بمولانا الرضا عليه
السلام، كعيون اخبار الرضا عليه السلام، وصحيفة الرضا عليه السلام، التي
رواها (الطبرسي، وفيها أخبار جميلة، كما أن الظاهر من قولهم فلان صاحب
كذا أنه مصنفه) (1) مع أنه يحتمل قويا أن يكون المراد بالرضا معناه اللغوي، فإنه
كثيرا ما يسمي المصنفون كتبهم بنظائر ذلك، لكنه لا يخلو عن تأمل، فما ذكره
بعضهم من أن كونه صاحب كتاب الرضا عليه السلام، باعتبار أنه ممن وجدت
عنده نسخته، أو انتهت إليه إجازة الكتاب، ففي غاية البعد، انتهى.
قلت: وفيهما مواقع للنظر:
أما أولا: فإن السيد - رحمه الله - لم يتمسك بكلام المنتجب دليلا
على... فيرد بابداء الاحتمالات المذكورة فيه، وإنما ذكر تأييدا وأمارة على ما هو
المرسوم عند المشايخ، في أمثال هذا المقام، من ذكر القرائن والامارات التي
تورث الوثوق والاطمئنان من تراكمها، وإن تطرق في كل واحدة احتمال
يضعف الظن الحاصل منها، ولا يكترثون به بعد وجود ما يحصل بانضمامه قوته،
وعليه مدار الظنون الرجالية في مقام التعديل، والمدح، والجرح، وتمييز
المشتركات، وتشخيص الطبقات، مع إمكان إبداء جملة من الاحتمالات في
آحاد ما ساقوه من الامارات، والقرائن.
وأما ثانيا: فلان الظاهر من الكلام المذكور، مع قطع النظر عن كل
شبهة، أن للرضا عليه السلام كتابا والسيد المذكور صاحبه، وتوصيف الرجل
بأنه صاحب كتاب الغير لا يكون إلا بما ذكره رحمه الله من وجود نسخة الأصل
عنده، وعدم وجودها عند غيره أو انتهاء السند إليه، وكل ما ذكراه خلاف
الظاهر.
وأما ثالثا: فما ذكر من جواز كونه بعض رسائله.. إلى آخره، ففيه إنه ليس

(1) ما بين قوسين لم يرد في المخطوطة.
249

في العيون مما أخرج مفردا، إلا الاخبار المنثورة، التي أخذها من صحيفة الرضا
عليه السلام، وقد مر في حالها ما يمكن به القطع بكونه غير مراد هنا.
وأما رابعا: فما ذكره السيد المعاصر - سلمه الله - بقوله: فلا يظهر منه
غير أن له مصنفا له تعلق، إلى آخره، كلام صدر من غير تأمل، فإنه ليس في
المنتجب أن له كذا وكذا، كما هو رسمه في سائر التراجم، وإنما قال. محمد بن
أحمد بن محمد الحسيني، صاحب كتاب الرضا عليه السلام (1)، ولا دلالة له على
أنه مؤلفه، وإلا لقال. له كتاب الرضا عليه السلام.
نعم قد يعبرون عن المؤلف بالصاحب إذا اشتهر الكتاب، وأرادوا
تشخيص صاحبه، إذ ليس له معرف غيره، لا في كتاب لم يكن معروفا عندهم،
ولا في مقام أضافوا الكتاب إلى الغير الظاهر كونه من تأليفه، أو إملائه، ثم إن
ما قواه من الاحتمال، ثم تأمل فيه كان حريا بأن يمحى من الرسالة، خصوصا
في مقام رد من هو فوق ما يحرم الخيال حوله من الجلالة.
وأما خامسا. فما في الأول من أنه لا دلالة في كونه صاحبه على أنه يرويه،
إلى آخره ففيه إن كلام السيد الاجل، خال عن دعواه، وتسليم كون الكتاب
له عليه السلام رواه عنه عليه السلام السيد المتقدم، ولو بطريق غير معتبر كاف
للتأييد، والتقوية، وحصول الظن بكون الموجود له عليه السلام، وهذا هو ما
ادعاه. مع أن بعد فرض التسليم، ظهور كلام صاحب المنتجب، في معهودية
وجود كتاب له عليه السلام يصير السيد ومشايخه من مشايخ الإجازة،
وللأصحاب فيها كلام معروف من أنهم لا يحتاجون إلى التزكية والتوثيق، أو
كون الرجل من مشايخ الإجازة من امارات الوثاقة، أو تفصيل بين المشايخ
ليس هنا مقام ذكره، فراجع.
الرابع. ما ذكره السيد المحدث، السيد نعمة الله الجزائري، في المطلب

(1) فهرست منتجب الدين. 171 / 412.
250

السادس من مطالب مقدمات شرح التهذيب، قال في جملة كلام له: وكم قد
رأينا جماعة من العلماء، ردوا عل الفاضلين بعض فتاويهما بعدم الدليل، فرأينا
دلائل تلك الفتاوى في غير الأصول الأربعة، خصوصا كتاب الفقه الرضوي،
الذي أتي به من بلاد الهند في هذه الاعصار إلى أصفهان، وهو الآن في خزانة
شيخنا المجلسي - أدام الله أيامه - فإنه قد اشتمل على مدارك كثيرة للاحكام،
وقد خلت منها هذه الأصول الأربعة وغيرها، انتهى.
وظاهره أن هذه نسخة أخرى غير التي كانت في قم، وهذا مما يؤيد الوثوق
والاطمئنان.
واعترض السيد العالم المعاصر، فقال: وأيضا فإن الظاهر أن مرجع كل
ما حكاه المولى الفاضل المجلسي، عن الشيخين المذكورين، وما قاله السيد
الفاضل الجزائري، وما نبه عليه سيدنا بحر العلوم، إلى النسخة التي ظفر عليها
القاضي أمير حسين بمكة المشرفة، وكأنها ظهرت في قم، وذهب بها بعض أهلها
إلى جانب البيت المعظم والهند، ثم انتشر المنتسخ منها بأصبهان، والمشهد
المقدس الرضوي.
إلى أن قال: وأيضا لو كانت النسخة التي أشار إليها المحدث الجزائري،
وذكر أنها في خزانة المولى المجلسي - رحمه الله - غير ما جاء السيد المتقدم بها إليه،
لكان المولى المذكور أولى بأن يذكر ذلك في مقدمات بحاره، حيث تصدى
لتنقيحه وتأييده، ونحن قد لا حظنا مظان ذلك في البحار، ولم نقتصر على
المقدمات خاصة، ولم نجد لذلك عينا ولا أثرا، ولا يخفى أن المولى المجلسي
- رحمه الله - قد ذكر جملة مما ظفر عليه في أواخر عمره، في المجلد الأخير من
البحار، ونحن كل ما تأملناه لم نجد ذلك فيه أيضا، إنتهى (1).
قلت: استظهار اتحاد النسخ الثلاث مما يكذبه الوجدان.

(() رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 29.
251

أما أولا: فلان النسخة المكية كانت عند السيد علي خان بالطائف،
وكانت عند جده الأعلى مير غياث الدين، كما صرح به صاحب الرياض،
وكانت داخلة في مروياته، والظاهر أنها وصلت إليه بالوراثة، ولا أستبعد أن
يكون السيد محمد - الذي ذكر في المنتجب أنه كان صاحب الرضا عليه السلام -
من هذه السلسلة الشريفة، فإنه أيضا كان حسينيا كشارح الصحيفة، وكان
عالمها في عصره، المناسب لكون النسخة عنده، والله العالم.
وأما النسخة القمية فجاء بها الحجاج من قم إلى مكة، ولو كان بدل بلد
قم شيراز لكان للاستظهار وجه.
وأما ثانيا: فلان المكية كانت بخطه عليه السلام، والقمية بخط غيره، وقد
رسم في بعض مواضعها بخطه عليه السلام، كما صرح به التقي المجلسي
- رحمه الله -.
وأما ثالثا: فلما مر من أنه كان في المكية مرسوما، إنه عليه السلام كتبه
لأحمد السكين المقرب عنده، ولو كان في القمية ذلك، لأشار إليه مولانا التقي
في شرح الفقيه، لشدة حرصه على نقل كل ما كان له ربط وتعلق بالكتاب،
ولذكر تأريخه، وإنه كان بالخط الكوفي، كما ذكر في المكية.
وأما رابعا: فلان السيد الجزائري كان تلميذ العلامة المجلسي رحمه الله -،
وصرح سبطه السيد عبد الله - شارح النخبة - في إجازته الكبيرة، في طي
أحوال جده: إنه أحله منه محل الولد البار من الوالد المشفق الرؤوف، والتزمه
بضع سنين لا يفارقه ليلا ولا نهارا.. إلى آخره (1).
أتراه يخفى عليه ما كتبه أستاذه في أول البحار، وقبله والده في موضعين
من شرح الفقيه، من حال هذه النسخة فيعرض عنه، ويذكر النسخة التي
جاؤوا بها من الهند، وهي فرعها، أو فرع فرعها، ويترك ذكر ما شهد مشايخه

(1) الإجازة الكبيرة للسيد عبد الله الجزائري: 16.
252

بأنه ينتهي إلى الأصل بواسطة واحدة!؟ هذا بعيد في الغاية.
وأما خامسا: فلان عدم ذكر المجلسي له في المقدمات، لعدم عثوره
عليها في وقت تأليف المجلد الأول، ولم يكن كتاب آخر يحتاج إلى الذكر
والتثبت، وإنما هي هي، مع اختلاف ينبئ عن عدم اتحاد أصلهما، ولم يعهد
من المجلسي - رحمه الله - الإشارة إلى اختلاف النسخ، مع أنه كان عنده من
الكتب نسخ مختلفة بالزيادة والنقصان وغيرها، من كتاب وأصل، ولم يتعرض
له في المقدمات، وإنما أشار إليه في محله.
وأما سادسا: فقوله: ونحن قد لاحظنا مظان ذلك، ولم نقتصر على
المقدمات خاصة إلى آخره، فإنه - سلمه الله - لو استقصى النظر ما صدر عنه
ما ذكر، ونحن نذكر ما صرح به في البحار، الكاشف عن بطلان الاستظهار.
قال - رحمه الله - في المجلد الحادي والعشرين من البحار، وهو كتاب
الحج والجهاد، بعد ما فرغ من أبواب أعمال الحج، وفرق ما في النسخة
المشهورة من الرضوي في الأبواب المناسبة له، قال: باب سياق مناسك الحج،
أقول: وجدت في بعض نسخ الفقه الرضوي فصولا في بيان أفعال الحج
وأحكامه، ولم يكن فيما وصل إلينا من النسخة المصححة، التي أوردنا ذكرها
في صدر الكتاب، فأوردناه في باب مفرد، ليتميز عما فرقناه على الأبواب.
فصل: إذا أردت الخروج إلى الحج، إلى آخره، انتهى (1).
ولا يخفى على الناظر البصير أن هذه النسخة هي النسخة الهندية، ولو
فرض أنها أخذت من المكية، وصارت الثلاثة اثنتان، لكان كافيا في بطلان
استظهار الاتحاد.
وقال في أوائل مجلد المزار: وجدت في بعض نسخ الفقه الرضوي على
من نسب إليه السلام.: روي عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال:

(1) بحار الأنوار 99. 333.
253

(يستحب إذا قدم المدينة، مدينة الرسول صلى الله عليه وآله) (1)، إلى آخر ما تقدم
في أبواب المزار من كتاب الحج، ولا يوجد في النسخ المعروفة، وإنما هو موجود
في النسخة الأخرى في الباب المذكور، فلاحظ.
وأما سابعا: فقوله: ولا يخفى أن المولى المجلسي - رحمه الله - إلى آخره،
غريب، فإنه - رحمه الله - كلما عثر عليه من الكتب في طول تأليف البحار،
استدركه في المقدمات، ولذا اختلفت المقدمات بالزيادة والنقصان، وشرحنا
ذلك في رسالتنا الموسومة بالفيض القدسي في أحواله، ولم يذكر في المجلد الأخير
من ذلك قليلا ولا كثيرا، نعم أورد فيه كتابا كتبه إليه بعض تلاميذه، فيه
فهرست الكتب التي ينبغي أن تلحق بالبحار، وهذه الكتب جملة منها موجودة
في مقدمات البحار، ونسي - رحمه الله - أن ينقل منها، أو نقل منها قليلا، وجملة
كانت عنده ثم ألحقها، وأخرى عند غيره من فضلاء عصره، وكيف كان فلم
يقتصر فيه عل ما عثر عليه في آخر عمره.
وقد عرفت الجواب عن وجه عدم ذكر النسخة الهندية فيه.
الخامس: ما في رياض العلماء، وتذكرة الشعراء، في ترجمة ناصر
خسرو، الحكيم الشاعر المعروف، المدعي انتهاء نسبه إلى الرضا عليه السلام،
هكذا: ناصر بن خسرو بن حارث بن علي بن حسن بن محمد بن علي بن
موسى الرضا عليهما السلام - المرمي بالتسنن، والزيدية، والزندقة،
والإسماعيلية، والالحاد - الأصفهاني البلخي، قال في رسالته التي ألفها في شرح
حاله، من أول عمره إلى أيام وفاته، من كيفية تحصيله، ورياضاته، ووزارته،
وغير ذلك، قال ما حاصل ترجمته: ومن حد سبعة عشر سنة من عمري إلى
خمسة عشر سنة أخرى اشتغلت بعلم الفقه، والتفسير، ومعرفة الناسخ
والمنسوخ، ووجوه القراءات، والجامع الكبير والسير الكبير الذي صنفه

(1) بحار الأنوار 100: 159.
254

الامام الأعلم، الزكي الأقدم، محمد بن الحسن الشيباني الحنفي، وكتاب
الشامل، الذي صنفه جدي علي بن موسى الرضا عليهما السلام، أخذته
مصاحبا لنفسي، ووجدت التفاوت بينهما - يعني تصنيف الإمام علي بن موسى
الرضا عليهما السلام، وتصنيف محمد الشيباني - وقرأت نسخا كثيرة من كتب
الفقه، والاخبار المتداولة، انتهى.
قال في الرياض - بعد نقل تمام الرسالة - ثم أقول: مراده من الكتاب
الشامل - الذي نسبه نفسه إلى جده الرضا عليه السلام - على الظاهر في
الفقه، ليس إلا كتاب الفقه الرضوي المشهور كما قيل (1).
قلت: ليس الغرض من نقل كلام الناصر، الذي لاحظ له في الدين
الاعتماد على كلامه، والاستناد بنقله، فإنه بمعزل عن ذلك، وإنما الغرض مجرد
ذكر هذا الكتاب في تلك الاعصار.، ووجوده في كلام بعيد عن الحمل على
الكذب والافتراء، وكانت وفاة ناصر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
السادس: إن هذا الكتاب إما للإمام عليه السلام تأليفا أو إملاء، أو
موضوع اختلقه بعض الواضعين، ولا ثالث لهما، فإن بطل الثاني تعين الأول.
بيان ذلك: إن فيه ما لا ينبغي صدوره إلا من الحجج عليهم السلام، وما
هو كالصريح في أنه منه عليه السلام، وهو أمور:
الأول. ما في أول الكتاب، ففيه: يقول عبد الله علي بن موسى الرضا
عليه السلام: أما بعد...، إلى آخره.
- الثاني: ما في أواخره: مما نداوم به نحن معاشر أهل البيت، إلى آخره (2).
الثالث: ما في باب الخمس: وقال جل وعلا: (واعلموا إنما غنمتم من
شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) (3) إلى آخر الآية، فتطول علينا

(1) رياض العلماء - القسم الثاني: 268.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 402.
(3) الأنفال 8: 41.
255

بذلك، امتنانا منه ورحمة، إلى آخره (1).
الرابع: ما في باب النوادر: - أروي عن العالم عليه السلام، أن رجلا
سأله فقال: يا بن رسول الله علمني ما يجمع لي خير الدنيا والآخرة، ولا تطول
علي، فقال عليه السلام: (لا تغضب).
وأروي أن رجلا سأله عما يجمع به خير الدنيا والآخرة قال: لا تكذب.
وسألني رجل عن ذلك، فقلت: خالف نفسك (2).
الخامس: في باب الأغسال. ليلة تسعة عشر من شهر رمضان، هي التي
ضرب فيها جدنا أمير المؤمنين عليه السلام (3).
السادس: في كتاب الزكاة: روي عن أبي العالم عليه السلام في تقديم
الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر (4).
السابع. في باب الربا، والعينة: روى حديث اللؤلؤة، ثم قال: وقد
أمرني أبي، ففعلت (5).
الثامن: في كتاب الحج: وقال أبي: إن أسماء بنت عميس، إلى آخره (6).
وفيه: وليس الموقف هو الجبل، وكان أبي يقف حيث يبيت (7).
وفيه. أبي، عن جدي، عن أبيه (عليه السلام) قال: (رأيت علي بن
الحسين عليهما السلام يمشي ولا يرمل) (8).

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 293.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 390.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 83.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): 197.
(5) فقه الرضا (عليه السلام): 258.
(6) فقه الرضا (عليه السلام): 72 من الطبعة الحجرية.
(7) فقه الرضا (عليه السلام): 72 من الطبعة الحجرية.
(8) فقه الرضا (عليه السلام): 73 من الطبعة الحجرية.
256

وفيه: وقال أبي (عليه السلام): (من قبل امرأته قبل طواف النساء) إلى
آخره (1).
وساق بعده أحكاما كثيرة.
وفيه: أبي (عليه السلام) وكان بالخروج إلى مكة: (إياكم والأطعمة التي
يجعل فيها الزعفران) إلى آخره (2).
وفيه: قال أبي: رجل أفاض من عرفات، إلى آخره، وذكر بعده أحكاما
مصدرة بقوله: قال أبي (عليه السلام) (3).
وفيه: أبي العالم عليه السلام، أنا سمعته يقول عند غروب
الشمس: (اللهم أعتق رقبتي من النار) (4).
التاسع: في باب غسل الميت: وأروي أن علي بن الحسين عليهما السلام
لما مات، قال أبو جعفر عليه السلام. (لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في
حياتك، فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك) فأدخل يده وغسل جسده، ثم
دعا بأم ولد له، فأدخلت يدها فغسلت مراقه وعورته، وكذلك فعلت أنا
بأبي (5).
قال في الفوائد: وظاهر أنه لولا هو المعصوم، الذي فعله حجة، لم تكن
فائدة في قوله، بل ذكره بعد نقل فعل أبي جعفر عليه السلام بأبيه أول شاهد
على أنه أيضا من أقرانه، وأمثاله (6).
العاشر: في باب الصوم. وأما صوم السفر والمرض، فإن العامة اختلفت
في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم - إلى أن قال - ونحن نفطر في

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 74 من الطبعة الحجرية.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 74 من الطبعة الحجرية.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 74 من الطبعة الحجرية.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): 74 من الطبعة الحجرية.
(5) فقه الرضا (عليه السلام): 188.
(6) فوائد السيد بحر العلوم: لم نعثر عليه فيه.
257

الحالتين جميعا (1).
فإن قوله: ونحن نفطر، دال على أنه ممن هو قوله حجة.
الحادي عشر: في باب البدع والرئاسة: أروى أنه قرئ بين يدي العالم
عليه السلام قوله تعالى: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) (2) فقال:
إنما عنى أبصار القلوب، وهي الأوهام، فقال تعالى: لا تدرك الأوهام كيفيته،
وهو يدرك كل وهم، وأما عيون البشر فلا تلحقه، لأنه لا يحد ولا يوصف، هذا
ما نحن عليه كلنا (3).
الثاني عشر: في باب حديث النفس: وأروي إن الله تبارك وتعالى أسقط
عن المؤمن ما لا يعلم، وما لا يتعمد، والنسيان، والسهو، والغلط، وما استكره
عليه، وما اتقى فيه، وما لا يطيق (4). أقول: ذلك خطه عليه السلام.
إلى غير ذلك مما هو صريح في كونه للرضا عليه السلام، أو للامام
الحجة، أو ظاهر فيه، وأما ما فيه مما يدل صريحا على أنه من أصحاب الكاظم
عليه السلام والراوي عنه فكثير، سنشير إليه إن شاء الله تعالى، في رد من زعم
أنه بعينه رسالة والد الصدوق إليه، ونوضح أن العالم من ألقاب الكاظم عليه
السلام في ألسنة المحدثين والرواة، قبل وقوع الغيبة الصغرى، وفيها،
وبعدها.
هذا وقد تصدى صاحب الفصول لاسقاط دلالة العبائر المذكورة على
المطلوب، فقال: وقوله في أول الكتاب. يقول علي بن موسى الرضا عليه
السلام: أما بعد، إلى آخر الحديث غير صريح فيما ظن. لجواز أن يكون مؤلف

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 202.
(2) الانعام 6: 103.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 384.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): 386.
258

الكتاب قد سمع الحديث المذكور منه (عليه السلام)، أو وجده بخطه عليه
السلام فنقله عنه، محافظا عل كلمة (أما بعد) الموجودة في كلامه عليه السلام
لمناسبتها لأول الكتاب، ولا يلزم التدليس، لذكره بعد ذلك ما يصلح قرينة على
عدوله بعد ذلك الحديث إلى نقل أحاديث اخر، بقوله: ويروى عن بعض
العلماء، وقوله بعد ذلك: وأروي، ونحو ذلك، مما يدل على أن الاسناد المذكور
مقصور على الحديث الأول.
وقوله: ضرب جدنا يحتمل أن يكون من تتمة قول أبي عبد الله عليه
السلام المتقدم ذكره، ولو سلم كونه من كلام المؤلف، فاللازم منه كونه علويا
لا إماما.
وقوله. روى أبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام. لا دلالة على كونه موسى
ابن جعفر عليهما السلام، إذ لا تختص الرواية عنه به.
وقوله: أروي عن أبي العالم يحتمل أن يكون بزيادة الياء من أبي، أو
بحذف (عن) عن العالم، ومثل هذا التصحيف غير بعيد فيما تتحد فيه النسخة،
ويحتمل أيضا حمل الأب، أو العالم على خلاف ظاهره.
وحديث اللؤلؤة غير واضح فيما ذكر، لأنه قال بعد ذكره: وروي في خبر
آخر بمثله: لا بأس، وقد أمرني أبي ففعلت مثل هذا. ولا يبعد أن يكون قوله.
وقد أمرني أبي، من تتمة الرواية، مع أنه لا بعد في تعويل راو على قول أبيه، كما
يشهد به تعويل الصدوق على رسالة أبيه إليه.
ومما مر يظهر ضعف الاستشهاد بقوله: ومما نداوم به نحن معاشر أهل
البيت.
وقوله: فتطول يمكن أن يكون من تتمة الرواية السابقة عليه، وليس في
سوق العبارة ما ينافيه، وأن يكون من كلام صاحب الكتاب فلا يدل إلا على

(1) لم ترد في المخطوطة.
259

كونه هاشميا، لتحقق التطول والامتنان في حقه أيضا، بالنسبة إلى ما يستحقه
من الخمس، مع احتمال أن يكون التطول، والامتنان باعتبار الامر بالاعطاء
أيضا، فلا يدل على ذلك أيضا، انتهى (1).
وأنت خبير بأن كل ما ارتكبه من المحامل خلاف الظاهر، لا يصار إليه
إلا بعد لزوم رفع اليد عنه بقرائن ذكرها المنكرون، فلو تمت فلا مناص عما ذكره
أو مثله، وإلا فلا بد من التمسك بظاهره المؤيد بما مر من الشواهد، مع أنه ترك
ذكر الوجه لما هو أصرح في الدلالة مما ذكره، كما لا يخفى على من تأمل فيما نقلناه
عنه، بل لا سبيل إلى ارتكاب بعض ما ارتكبه، كاحتمال أن يكون قوله: ومما
نداوم به نحن معاشر أهل البيت، من تتمة الرواية السابقة، ولا يخفى أن
الرواية السابقة من أخبار باب الآداب وآخرها وهي هكذا: وأحسن مجاورة من
جاورك فإن الله تبارك وتعالى يسألك عن الجار، وقد نروي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله: (إن الله تبارك وتعالى أوصاني في الجار حتى ظننت أنه
يرث)، وبالله التوفيق.
ومما نداوم به نحن معاشر أهل البيت باب دعاء الوتر، وما يقال فيه: لا إله إلا الله
الحليم الكريم، إلى آخره (2).
فقوله (عليه السلام): وبالله التوفيق علامة إتمام الباب السابق، ونظيره
كثير في أبواب الكتاب، بل وجعله من تتمة الرواية السابقة لازمه نسبة هذا
الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يخفى ما فيها من الحزازة، بل
ويلزم أن يكون قوله: باب دعاء الوتر، إلى آخره مستهجنا.
وظني أن قوله: ومما نداوم، إلى آخره كان بعد قوله. وما يقال فيه، ووقع

(1) الفصول الغروية: 312.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 401 - 402.
260

التقديم والتأخير من الناسخ سهوا، وإن كان للموجود وجه أيضا. وكذا احتمال
التصحيف فيما ذكره، فإن فتح هذا الباب يرفع الوثوق عن كثير من الظواهر،
مع أن التعبير عن الصادق عليه السلام بأب العالم غير معهود عن جاهل، غبي،
فضلا عن العالم المؤلف، بل ولم يعهد رواية صاحب الكتاب عن أبي عبد الله
عليه السلام.
ثم إنه بعد ظهور ما نقلناه - أو صراحته في كون الكتاب من تأليفه أو
إملائه عليه السلام - يدور الامر بين كونه منه فهو المطلوب، أو كونه موضوعا
واحتمال الوضع فيه بعيد، لما يلوح عليه من حقيقة الصدق والحق، ولان ما
اشتمل عليه من الأصول والفروع والاخلاق أكثرها مطابق لمذهب الامامية،
وما صح عن الأئمة عليهم السلام، ولا يخفى أنه لا داعي للوضع في مثل
ذلك، فإن غرض الواضعين تزييف الحق وترويج الباطل، والغالب وقوعه من
الغلاة والمفوضة، والكتاب خال عما يوهم ذلك.
وقد وافقنا على ذلك السيد العالم المعاصر، مع إنكاره كون الكتاب منه
عليه السلام أشد الانكار، فقال في جملة كلماته. فإن التأمل في الأحكام المذكورة
فيه، له وإمعان النظر في تضاعيف أبوابه، وسياق عباراته وفتاويه
يكشف أنه ليس من المجعولات، ومن قبيل كتب الكذابة والغالين، الذين
يصنفون الكتب لتخريب المذهب، بل يظهر مما ذكرنا أنه من مؤلفات بعض
أعاظم فقهاء قدماء أصحابنا، الذين كانوا لا يعملون إلا بالاخبار المعتبرة
لديهم، وإن ما ذكر فيه مأخوذ من متون الاخبار، وإن أكثر ما ذكر فيه يوافق
أصول المذهب على طريقة سائر كتب قدماء أصحابنا، العاملين بأخبار
الآحاد (1).
قال: ومما يؤيد ما ذكرناه من عدم كونه من المجعولات، أن السيد المذكور

(1) رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 38.
261

ذكر أن النسخة التي رآها كانت نسخة قديمة مصححة، يوافق تأريخها عصر
الرضا عليه السلام، ولا يخفى إن من يصنف كتابا لتخريب الدين، ويصرف
أياما من عمره في تأليف كتاب مجعول، إنما يصر في ترويجه واشتهاره، ويدعو
الناس إليه، ويأمرهم بالاعتماد عليه، كما هو المشاهد من الكذابة والغلاة،
الذين ظهروا في أعصار الحضور، وأوائل الغيبة، ووردت في شأنهم أخبار،
وخرجت في ردهم توقيعات مشهورة بين الأصحاب، فلو كان هذا الكتاب من
المجعولات، لكان يظهر منه عين أو أثر بين قدماء الأصحاب والمتوسطين،
ولكان أهل الرجال يذكرون كلمات في رده أو قبوله (1).
وقال في الفصول:... مع احتمال أن يكون موضوعا، ولا يقدح فيه
موافقة أكثر أحكامه للمذهب، إذ قد يتعلق غرض الواضع بدس القليل، بل
هذا أقرب إلى حصول مطلوبه، لكونه أقرب إلى القبول (2).
وفيه: إن القليل المدسوس إن كان من الأباطيل المتعلقة بالعقائد، التي
هي الغرض الأهم لهم، فلا يبعد ما احتمله، وإلا فهو من البعد بمكان لا
يجوز ذو دربة.
السابع من القرائن: ما ذكره بعضهم من مناسبته لما ورد في مواضع
عديدة من كتب الرجال، من كون الراوي ممن له مسائل عن الرضا عليه
السلام، أو ممن له كتاب عن الرضا عليه السلام، أو صاحب كتاب الرضا عليه
السلام، وقد تقدم كلام الشيخ منتجب الدين.
ونقول هنا: قال النجاشي: محمد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، له نسخة يرويها عن الرضا عليه
السلام، أخبرنا أبو الفرج محمد بن علي بن أبي قرة، قال: حدثنا محمد بن

(1) رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 41
(2) الفصول الغروية: 313.
262

عبد الله، قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسيني، قال: حدثنا محمد بن علي بن
الحسين بن زيد، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليهما السلام بالنسخة (1).
وقال: علي بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
بديل بن ورقاء الخزاعي، أبو الحسن، أخو دعبل بن علي ما عرف حديثه إلا
من قبل ابنه إسماعيل، له كتاب كبير عن الرضا عليه السلام، قال عثمان بن
أحمد الواسطي وأبو محمد بن عبد الله بن محمد الدعجلي: حدثنا أحمد بن علي،
قال: حدثنا إسماعيل بن علي (بن علي) بن رزين، أبو القاسم، قال: حدثنا
أبي أبو الحسن علي بن علي - ببغداد سنة اثنين وسبعين ومائتين - قال. حدثنا
أبو الحسن الرضا عليه السلام - بطوس سنة ثمان وتسعين ومائة - إلى آخره (2).
وقال: وريزة بن محمد الغساني، له كتاب عن الرضا عليه السلام،
أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران، قال: حدثني أحمد بن علي القمي، عن أبيه،
قال. حدثنا وريزة بن محمد بكتابه. قال شيخنا أبو الحسن الجندي: حدثنا
وريزة بن محمد بن وريزة - بالبصرة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وله ثمانون
سنة - قال: ولدت سنة خمس وأربعين ومائتين، قال: حدثني جدي، قال:
حدثنا الرضا عليه السلام - سنة تسعين ومائة - (3).
وقال: موسى بن سلمة، كوفي له كتاب عن الرضا عليه السلام، أخبرنا
أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن
سالم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا موسى بن سلمة عن الرضا عليه
السلام (4).

(1) رجال النجاشي: 366 / 992.
(2) رجال النجاشي: 276 / 727، وما بين القوسين لم يرد في المخطوطة.
(3) رجال النجاشي: 432 / 1163.
(4) رجال النجاشي: 409 / 1090.
263

وقال: الحسن بن محمد بن الفضل بن يعقوب بن سعيد بن نوفل بن
الحارث بن عبد المطلب، أبو محمد، ثقة جليل، روى عن الرضا عليه السلام
نسخة... إلى آخره (1).
وذكر في ترجمة عيسى بن عبد الله سعد بن مالك الأشعري، أن له
مسائل للرضا عليه السلام (2).
وقال: علي بن مهدي بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمد بن علي
الرقي الأنصاري، أبو الحسن له كتاب عن الرضا عليه السلام، أخبرنا محمد
ابن عثمان، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن علي بن مهدي - بالرملة قراءة عليه -
قال حدثنا أبي: قال: حدثنا الرضا عليه السلام (3).
وذكر الشيخ في الفهرست، في ترجمة محمد بن سهل بن اليسع، أن له
مسائل عن الرضا عليه السلام (4)..
ومثله في ترجمة ياسر الخادم (5).
وقال في ترجمة جعفر بن بشير: له كتاب ينسب إلى جعفر بن محمد، رواية
علي بن موسى الرضا عليهم السلام (6).
وأما ما ذكره في ترجمة أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن
عامر - الذي قتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء - أبي الجعد أن له نسخة
عن الرضا عليه السلام (7). فالمراد بها صحيفته المعروفة، كما شرحناه فيما تقدم.

(1) رجال النجاشي: 51 / 112.
(2) رجال النجاشي: 296 / 805.
(3) رجال النجاشي: 277 / 728.
(4) الفهرست: 147 / 620.
(5) الفهرست: 183 / 797.
(6) الفهرست: 43 / 131.
(7) رجال النجاشي: 100 / 250.
264

الثامن: ما ذكره بعضهم من موافقة أكثر فتاويه لفتاوي الصدوقين،
والمفيد، في رسالة الشرائع، والمقنع، والمقنعة، وشدة قربه من الرسالة، فإن
أكثر عباراته عباراتها، بل ظن بعضهم أنه هو بعينه رسالة الشرائع.
قال في الفصول: ويدل على ذلك أيضا أن كثيرا من فتاوي الصدوقين
مطابقة له في اللفظ، وموافقة له في العبارة، لا سيما عبارة الشرائع، وإن جملة
من روايات الفقيه، التي ترك فيها الاسناد موجودة في الكتاب، ومثله مقنعة
المفيد، فيظن بذلك أن الكتاب المذكور كان عندهم، وأنهم كانوا يعولون عليه
ويستندون إليه، مع ما استبان من طريقة الصدوقين، من الاقتصار على متون
الاخبار، وإيراد لفظها في مقام بيان الفتوى، ولذا عد الصدوق رسالة والده إليه
من الكتب التي عليها المعول، وإليها المراجع وكان جماعة من الأصحاب
يعملون بشرائع الصدوق عند إعواز النص، فإن الوجه في ذلك ما ذكرناه (1).
ثم اعترض عليه بأن مطابقة جملة من عبارات المفيد والصدوقين لم فيه
لا دلالة فيها على أخذها من الكتاب المذكور؟ لجواز العكس، أو كونهما
مأخوذين من ثالث.
وفيه: إن النسخة القديمة التي كان عليها خطوط العلماء وإجازاتهم على
ما تقدم، كانت مكتوبة في عصر الرضا عليه السلام، فاحتمال العكس منفي
بتأخر زمان الصدوقين، والاخذ من ثالث مع بعده لا ينافي الاستظهار المذكور،
وظن كونه من مأخذهم، خصوصا على ما نراه من كونه من إملائه، وإن تأليفه
من أحمد بن محمد بن عيسى، وداخل في نوادره المعدود في الفهارس من
الكتب المعتمدة ويأتي لهذا الكلام تتمة في التنبيه الأول.
التاسع: ما ذكره في الفصول، أيضا قال: وأيضا مأخذ جملة من فتاوي
القدماء، التي لا دليل عليها ظاهر موجود فيه، فيظهر أنه كان مرجعهم في

(1) الفصول الغروية: 311.
265

تلك الفتاوى، ومستندهم فيها، فيسقط عنهم ما أورده المتأخرون عليهم من
عدم الدليل عليها (1).
ورده بما احتمله سابقا في عبائر الصدوقين، الغير المنافي للظهور المذكور.
هذا، واحتج أرباب القول الثاني بوجوه من الاستبعاد، وقرائن تدل على
عدم كونه من تأليفاته عليه السلام.
الأول. ما ذكره في الفصول قال: ومما يبعد كونه تأليفه عليه السلام،
عدم إشارة أحد من علمائنا السلف إليه، في شئ من المصنفات التي بلغت إلينا
مع ما يرى من خوضهم في جمع الاخبار، وتوغلهم في ضبط الآثار المروية عن
الأئمة الأطهار عليهم السلام، بل العادة قاضية بأنه لو ثبت عندهم مثل هذا
الكتاب، لاشتهر بينهم غاية الاشتهار، ولرجحوا العمل به على العمل بسائر
الأصول والاخبار، لما يتطرق إليها من احتمال سهو الراوي، أو نسيانه، أو
قصوره في فهم المراد، أو في تأدية المفهوم، أو تقصيره، أو تعمد الكذب،
لا سيما مع تعدد الوسائط، وسلامة الكتاب المذكور عن ذلك، ولبعد ما فيه
عن التقية بخلاف غيره (2).
وقال السيد العالم المعاصر - سلمه الله -: إن هذا الكتاب لو كان من
تصنيف الإمام عليه السلام، لكان يشتهر بين أصحابنا غاية الاشتهار، ولكان
يطلع عليه كثير من قدماء أصحابنا، الذين جمعوا الاخبار، وبالغوا في إظهار
آثار الأئمة الأطهار عليهم السلام، وبذلوا جهدهم في حفظ ما صدر منهم من
الاحكام، كجملة من أكابر محدثي فقهائنا، الذين أدركوا عصره، أو كانوا قريبا
من عصره عليه السلام، كالفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد
ابن محمد بن عيسى، وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وإبراهيم بن هاشم، ومحمد

(1) الفصول الغروية: 312.
(2) الفصول الغروية: 312.
266

ابن أحمد بن يحيى - صاحب نوادر الحكمة - وسعد بن عبد الله، ومحمد بن
الحسن الصفار، وعبد الله بن جعفر الحميري، وأضرابهم من أجلاء الفقهاء
والمحدثين.
ومن الواضح أن هذا الكتاب لو كان معروفا بين هؤلاء الاعلام، أو كان
يعرفه بعضهم، لما كانوا يسكتون عنه، ولما كانوا يتركون روايته لمن تأخر عنهم
من نقاد الآثار وأصحاب الكتب المصنفة في تفصيل الاخبار، ولما كان يخفى على
مشايخنا المحمدين الثلاثة، المصنفين للكتب الأربعة، المشتملة على أكثر ما ورد
عنهم في الاحكام، لا سيما على مثل شيخنا الاجل الأكرم، رئيس المحدثين، فإنه
قد بلغ في جمع الأخبار الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة الغاية، وتجاوز
النهاية، وقد صنف في ذلك الباب نحوا من ثلاثمائة مصنف، كما صرح به شيخ
الطائفة في فهرسته. ومن جملة مصنفاته كتابه الذي عمله لبيان كل ما يتعلق
بمولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام، وسماه بعيون اخبار الرضا عليه
السلام، وهو مشتمل على أخبار كثيرة، محيطة بأكثر ما وصل إليه من الاخبار
الصادرة عنه (عليه السلام) في الاحكام وغيرها.
ولا يخفى أنه لو كان مطلعا على هذا الكتاب، لكان يذكر بعضه، أو
أكثره في كتابه المذكور، ولكان يشير إليه، ويذكر أن له كتابا في الفقه، ونحن
كلما تأملنا في كتابه المذكور، لم نجد إشارة إلى أمر هذا الكتاب، فضلا عن أن
نطلع على شئ من أخباره، وأيضا لو كان هذا من الكتب المعروفة لديه في
زمانه، لكان يذكره في كتاب من لا يحضره الفقيه، الذي قد تصدى فيه لذكر
الاحكام المستخرجة من الكتب المشهورة، التي عليها المعول، واليها المرجع،
وأنت خبير بأنه مما لم يوجد له عين ولا أثر، في هذا الكتاب.
وبالجملة فالعادة قاضية بأن هذا الكتاب لو كان من رشحات عيون
إفادات هذا المولى لكان يطلع عليه جملة من قدماء فقهاء الشيعة، وما كان يبقى في
زاوية الخمول، في مدة تقرب من ألف سنة، كما لم يخف على كثير منهم نظائره
267

من الكتب المشتملة على الاحكام وغيرها، كفرائض مولانا أمير المؤمنين عليه
السلام، والجعفريات المروية عن سيدنا موسى بن جعفر عليه السلام، ورسالة
علي بن جعفر، وتفسير ينسب إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، برواية
النعماني، ولا يخلو عن اعتبار.
ومن ذلك القبيل الصحيفة السجادية، فإنها أيضا مما اتصل سندها إلى
الامام، وظفر عليه جماعة من القدماء، كما يظهر من الشيخ (1) والنجاشي (2)
حيث ذكرا أن متوكل بن عمير ممن روى دعاء الصحيفة، ومن جمع آخر، حيث
نقلوا بعض أدعيتها في كتبهم. وأيضا لو كان هذا الكتاب من تأليف الإمام عليه السلام
لما كان يخفى على ولده الأئمة الطاهرين عليهم السلام، الأنوار
الأربعة. سيدنا أبي جعفر الجواد، ومولانا أبي الحسن الهادي، وسيدنا أبي
محمد العسكري، وإمامنا الحجة عجل الله تعالى فرجهم.
ومن الظاهر أنهم ما كانوا يخفون أمثال ذلك عن شيعتهم ومواليهم،
ولا سيما عن خواصهم ومعتمديهم، كما أخبروهم بكتاب علي، وصحيفة
فاطمة صلوات الله عليهما، ولو كانوا مطلعين عليه لكانوا يصرحون به في كثير
من أخبارهم، ولكانوا يأمرون الشيعة بالرجوع إليه، والاخذ عنه، كما أمروهم
بالرجوع إلى جملة من كتب الرواة، في عدة من الروايات.
والظاهر أن هذا لو كان واقعا لكان يشتهر بين القدماء، ولكان يصل
إليهم أثر منه، كما وقع في نظائره، ومن جملتها الرسالة المذهبة، المنسوبة إلى أن
الحسن الرضا عليه السلام، المعروفة في هذه الاعصار بالذهبية، باعتبار أن
المأمون العباسي أمر أن تكتب بالذهب، وأن تترجم بذلك، فإنها كانت مشهورة
بين القدماء، وقد اتصل سندها بالامام، وقد تعرض لذكرها وبيان سندها جملة

(1) الفهرست: 170 / 747.
(2) رجال النجاشي: 426 / 1144.
268

من أكابر أصحابنا. قم ذكر شطرا مما قدمناه في ترجمة هذه الرسالة - إلى أن قال
وأنت إذا أحطت بما ذكرنا في أمر هذه الرسالة، ووقفت عليها ولاحظتها
أيضا اتضح لك أن الفقه الرضوي لو كان من تأليف الامام، لكان أولى
بالاشتهار بين الخاص والعام، وذلك لان الرسالة المذكورة لا تزيد على وريقات
قليلة، ألفها الإمام عليه السلام في الطب والفقه الرضوي كتاب مبسوط
مشتمل على أكثر أمهات أحكام الفقه، ولا يخفى على المتتبع الماهر، البصير
بأحوال الرجال، أن اهتمام أصحابنا في حفظ مثله، كان أشد من اهتمامهم في
أمر مختصر، لا مدخلية له في الاحكام.
إن قيل: أن الامر منعكس، والأولوية ممنوعة، لان الرسالة المذكورة
مقصورة على جملة من أحكام الطب: وتدبير الأبدان. وليس فيها شئ مما يتعلق
بالأديان وأحكام الايمان، ومثله ما كان يخفى على الطائفة الحقة الامامية،
لعدم مانع عن إظهارها، والتزام اخفائها من تقية وغيرها، بخلاف الكتاب
المذكور، فإن التقية التي كانت من أشد الموانع في أعصار الظهور، منعت من
ظهورها ووصولها إلى الأصحاب.
قلت: لا يخفى على من اطلع على تفصيل ما من الله تعالى على الامام
الثامن، وشيعة الحق من الاعزاز والاحترام في دولة المأمون العباسي، ولاحظ ما
مر بينه وبين علماء المخالفين من المناظرات والمباحثات، في أمر الإمامة،
وغصب حقوق أهل البيت، وسائر بدع الخلفاء، أن التقية كانت مرفوعة في
مدة مديدة، من أواخر عصره في العراق وما والاها، وكانت الطائفة الحقة
الامامية لا يتقون من المخالفين في أصول عقائدهم، فضلا عن فروع مذهبهم
وأحكامهم، لا سيما أهل بلدة قم، فإنها كانت في عصره مملوءة من علماء
الشيعة، وكانوا يعلنون كلمة الحق غاية الاعلان، ولا يتقون في أمر دينهم من
أحد من أولياء الشيطان.
269

وهذا هو الذي بعثني على ما قوي في نفسي، ولم يسبقني إليه من قبلي،
من أن المسائل المتكثرة التي صدرت عنه في أرض خراسان والعراق، مما لا ينبغي
حملها على التقية، وهي من أبعد احتمالاتها، بخلاف ما صدر عن سائر الأئمة
عليهم السلام في عصر الدولة الأموية، وجملة من أعصار العباسية، كالاخبار
الصادرة عن الحسنين، والسجاد، وسيدنا أبي جعفر، وموسى بن جعفر عليهم
السلام، فإن الأصل في احتمالات تلك الأخبار احتمال التقية، وهي من
أظهر وجوهها.
وكيف كان فاحتمال التقية في أمر مثل هذا الكتاب من أبعد الوجوه، ولو
كان من تأليفه (عليه السلام) لكان يظهره أيام ظهور أمره، وكان يأمر الطائفة
بالرجوع إليه، وباعتبار ذلك كان يشتهر غاية الاشتهار بين العلماء (1).
إن قلت: لعله كان معروفا في عصره، وإنما خفي بعده باعتبار اشتداد
التقية في أعصار مولانا الجواد والعسكريين عليهم السلام، ولا سيما في خلافة
المتوكل لعنه الله.
قلت: إن عروض التقية بعد الاشتهار بين علماء الطائفة ورواة
الاخبار المعاصرين له عليه السلام، لا يقتضي عدم وصوله إلى المتأخرين
عنهم من أصحابنا، الذين أخذوا منهم ورووا عنهم، وذلك لان التقية مانعة
عن إظهار الامر لدى المخالفين، ولا يخفى أنه لا يستلزم عدم اشتهاره بين
أهل المذهب أيضا. ألا ترى أن أكثر الأمور التي تختص بأهل مذهبنا لم يخف
على أصحابنا؟ وشاع بينهم بحيث بلغ حد ضرورة المذهب، وكذا الاخبار

(1) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 9.
270

المشتملة على طعن الخلفاء، وتزييف مذاهبهم الردية، وإظهار بدعهم
المحدثة. ومنه يظهر أن التقية لا تمنع من شيوع الحق لدى أهله في أول الأمر
أيضا (1).
قال: ثم لا يذهبن عليك إنا لا نريد بما فضلناه في المقام ما قيل: إن
الكتاب المذكور لو كان منه لتواتر؟ لتوفر الدواعي على نقله. واللازم باطل،
فالمقدم مثله. لينتقض بما يشاهد من عدم تواتر جملة كثيرة من نظائره،
كالصحيفة السجادية، والفقرات المسقطة من كتاب الله بالنصوص المعتبرة
البالغة حد التواتر المعنوي، وكثير من معجزات النبي والأئمة صلوات الله
عليهم أجمعين وأفعالهم، وليقال: إن مجرد اقتضاء توفر الدواعي لا يكفي في
تحقق التواتر، بل لا بد فيه من فقد المانع منه أيضا، على طريقة سائر المحدثات
المسببة عن أشياء تقتضيها، وهو مما تخلف في كثير من أمثال المقام، فلا يبعد أن
يكون ما نحن فيه أيضا من هذا القبيل.
والذي ندعيه إنما هو قضاء العادة، بأنه لو كان من الإمام عليه السلام،
لكان يوجد منه أثر بين أصحابنا في الاعصار السابقة، والقرون الخالية، كما هو
المشاهد في نظائره.
والقول: بأن تحقق هذا أيضا موقوف على عدم المانع وهو
غير معلوم في غاية السقوط، وذلك لأنا لا نريد أن نثبت بذلك عدم كونه منه
على سبيل القطع واليقين، بل المقصود أن هذا مما يوجب الظن القوي بعدم
صدوره منه، وأقل ما يقتضيه ذلك أنه يمنع مؤيدات طرف الثبوت عن إفادتها
الظن به، وهو أيضا كاف في عدم الحجية، ولا يخفى أن الظن بعدم المانع قائم
في المقام، فإن من لاحظ أمثال ذلك، تبين له أنه قل أن يوجد فيها شئ لم يكن

(1) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 13.
271

منه أثر ولا عين في القدماء. إنتهى كلامه الذي هو غاية ما يقال في توضيح هذا
الوجه (1).
والظاهر أن مراده بالقيل، هو السيد السند صاحب المفاتيح، فإنه
- رحمه الله - بعد ما ذكر بعض قرائن الاعتبار، قال: لا يقال: لو كان الكتاب
المذكور من الإمام عليه السلام لتواتر، أو نقل بطريق صحيح واللازم باطل،
فالملزوم مثله.
اما الملازمة فلان العادة قاضية بأن تصنيف الإمام عليه السلام لا بد أن
يكون كذلك! لتوفر الدواعي عليه، كيف وهو أجل من مصنفات المصنفين!
فإذا تواترت فينبغي أن يتواتر تصنيفه عليه السلام.
وأما بطلان اللازم فواضح! لأنا نقول: لا نسلم تواتر كل ما كان من
الإمام عليه السلام ولو كان تصنيفا، ولا نقله بطريق صحيح إذ لا برهان عليه،
وتوفر الدواعي إنما يؤثر حيث لا يكون هناك مانع، وأما معه فلا.
ومما يكسر صولة الاستبعاد، النصوص الواردة بوقوع النقيصة في القرآن،
وقال به أيضا جملة من العلماء الأعيان، إذ لو كان توفر الدواعي بنفسه موجبا
لذلك لتواتر ما حذف منه، وكذلك عدم تواتر الصحيفة السجادية، وكثير من
المعجزات النبوية وخلفاء خير البرية.
فإن قلت: لم نجد مانعا من ذلك.
قلت: عدم وجدان المانع لا يكفي، بل لا بد من عدمه في الواقع، على
أنه لا بعد في أن المانع هو التقية. ثم إنا لو سلمنا تواتر تصنيفه عليه السلام فإنما

(1) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام): 14.
272

نسلمه لو كان كتابا دونه بنفسه كالكتب المصنفة، وأما لو كان المدون غيره
- كنهج البلاغة - فلا نسلمه، ولعل فقه الرضا عليه السلام من هذا القبيل،
انتهى (1).
وما استدركه أخيرا بقوله: والذي ندعيه، إلى آخره أخذه منه أيضا،
حيث قال فيه: ولا يقال. وجوه القدح المذكورة تندفع بما ذكر، لو كان المقصود
إثبات القطع بعدم كونه منه، وليس كذلك، بل المقصود استفادة الظن منها
بذلك، وهي تنهض له.
لأنا نقول: هي معارضة بما ذكره الفاضلان المشار إليهما، إلى آخره،
وعنى بهما المجلسيين. فإذا انضم إلى ما ذكراه ما تقدم من القرائن، لا يكاد
يوجد من الوجه المذكور ظن ولا قابلية لمنع المؤيدات والقرائن لإفادة الظن، مع
أن لما ذكره من قضاء العادة نقوضا لا تحصى.
هذا ثقة الاسلام، ذكر في أول الروضة بأسانيد عن أبي عبد الله عليه
السلام، أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه، وأمرهم بمدارستها والنظر فيها،
وتعاهدها (2) والعمل بها، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فإذا فرغوا من
الصلاة نظروا فيها، إلى آخره.
وعلى ما ذكره من قضاء العادة، كان اللازم وصول هذه الرسالة إلينا
بأزيد من ألف طريق، ووجودها في أغلب المصنفات والجوامع المناسبة لها، مع
أنه ليس لها في غير الروضة عين ولا أثر، فكيف بالفقه الرضوي بناء على ما

(1) مفاتيح الأصول: 351.
(2) في نسخة في هامش المخطوطة: تعاهد العمل بما فيها، وفي نسخة في هامش الحجرية: تعاهد
العمل.
273

سبق من أنه عليه السلام كتبه لأبي جعفر أحمد السكين، وكان هو حامله ولا
يعلم مقره! هل كان في مجمع الرواة من الشيعة، كالكوفة وقم، أو أبعد البلاد
منهم كأصفهان؟ كما ذكر النجاشي في ترجمة إبراهيم بن محمد الثقفي، أنه كان
سبب خروجه من الكوفة أنه عمل كتاب المعرفة، وفيه المناقب المشهورة
والمثالب، فاستعظمه الكوفيون وأشاروا إليه، بأن يتركه ولا يخرجه، فقال: أي
البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا: أصفهان، فحلف لا أروي هذا الكتاب إلا بها،
فانتقل إليها ورواه بها، ثقة منه بصحة ما رواه فيه، انتهى (1).
فلو فرض أنه كان ساكنا فيه أو فيما شاكله، لم تكن عادة هنا تقضي
بنشره. مع أن المانع لا ينحصر في التقية التي نفاها في عصره (عليه السلام)
فقد يكون ضنة صاحب الكتاب وحرصه عليه أوجب اختصاصه به، أو
سكونه في بلد لا يجد من يلقيه إليه كما عرفت، أو أمره (عليه السلام) بكتمانه
وستره إلى مدة لبعض الحكم المخفية علينا، ولو كان الكتاب من إملائه (عليه
السلام) كما ذكره السيد المحقق البغدادي في عدته، واحتمله صاحب
المفاتيح، وقويناه، فهو كسائر الاخبار المتكثرة التي لم تصل إلينا، أو وصلت بعد
برهة من الزمان.
قال الشيخ الطوسي قدس سره في ترجمة ابن عقدة: سمعت جماعة
يحكون عنه أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها وأذاكر
بثلاثمائة ألف حديث (2). فلعله كان له ذكر فيها خفي فيما خفي منها.
وأما ما ذكره من أنه لو كان منه عليه السلام لما خفي على الأئمة من ولده
عليهم السلام، ولما أخفوه عن شيعتهم، إلى آخره، ففيه أنه ما كان من دأبهم
وطريقتهم عليهم السلام إرجاع شيعتهم - خصوصا السائلين منهم - في صنوف

(1) رجال النجاشي: 16 / 19.
(2) رجال الشيخ الطوسي: 441، 442 / 30.
274

الحوائج، من المعارف والاخلاق والآداب، وما يتوسلون به إلى مأربهم، وصرف
بلاياهم ورفعها، من الأدعية والأوراد، إلى ما دون فيها قبلهم من آبائهم عليهم
السلام، أو أصحابهم الذين أخذوا منهم، وتلقوه من أفواههم.
هذا كتاب ديات أمير المؤمنين عليه السلام من الأصول المعروفة،
المعروضة على الصادق عليه السلام، أرأيت خبرا فيه أنه سئل إمام عن شئ منها
فأحاله إليها!؟.
وهذه الصحيفة المباركة، التي فيها من الأدعية ما يستغني قارئها عن كل
دعاء لأي حاجة، وقد كانوا يسألون الأئمة عليهم السلام ما يقضون به
حوائجهم، فيعلمونهم ذلك، أرأيت موضعا أحال أحدهم السائل إليها؟!
وهكذا الكلام بالنسبة إلى جميع الأدعية المأثورة عن الأئمة الذين هم قبل
الامام المسؤول، فما رأينا أحدا منهم أمر برجوع السائل إليها، مع أن في
الأدعية المأثورة عن مولانا أمير المؤمنين، والسجاد عليهما السلام ما فيه غنى
عن كل ورد ودعاء، ولعل السر في ذلك أن كل إمام حاو لجميع ما كان عند
الماضي، مما يحتاج إليه العباد في مآرب دينهم ودنياهم، على اختلاف أحوالهم
وأزمانهم، ومعرفتهم ذلك - خصوصا الضعفاء منهم في المعرفة - تتوقف على
إجابتهم (عليهم السلام) مسائلهم من عند أنفسهم، وفي الارجاع إيهام إلى
عدم بلوغهم ذلك المقام، وإلقائهم إياهم إلى التهلكة، كما لا يخفى على النفاد
البصير.
وكذا الكلام بالنسبة إلى جميع الأصول المدونة في عهد الصادقين عليهما
السلام، خصوصا ما جمعه محمد بن مسلم، وزرارة، وأضرابهما، وهذا ظاهر
على المنصف الخبير.
الثاني: ما في الرسالة من أن كثيرا من أحكام هذا الكتاب، بل أكثرها
من مرويات صاحبه، وليست مستندة إليه صادرة عنه من غير رواية وإسناد،
275

وجملة كثيرة من رواياته ليست مروية عن شخص معلوم وإمام مشخص، بل
غالبها من المراسيل التي عبر عنها بألفاظ تبعدها عن درجة المراسيل المعتبرة،
كألفاظ: روي، ويروى، وأروي، ونروي، وقيل، ونظائرها مما في معناها، ولا
يخفى على من تتبع الاخبار، ولاحظ سياق كلمات الأئمة الأطهار، وخصوص ما
صدر عن مولانا الرضا عليه السلام ومن تقدمه أن أمثال ذلك لا تكون صادرة
عنهم وما ينبغي لهم، من وجهين:
أحدهما: إن هذا مما لم يعهد عنهم، ولم يوجد في شئ من أخبارهم التي
بين أيدينا، وكتب أخبارنا مملوءة منها، وحيث لم يوجد ذلك في سائر رواياتهم،
ولم يشاهد إلا في نادر من الاخبار، حصل الظن القوي بأن ما كان غالبه من
ذلك القبيل لا يكون صادرا عنهم، بل قد يحصل القطع للمتتبع الماهر بأن مثل
ذلك ليس من إفاداتهم، ولم يظهر من معدن العلم والمعرفة، وبيان ذلك: أن من
تتبع عبائر شخص، وتصفح كلماته، بحيث عرف أن ديدن هذا الشخص قد
استقر على أن يتكلم على نهج خاص، وطريقة معهودة، ثم وقف على كتاب
منسوب إليه، أو جاءه أحد يخبر منه، وكانت عبائر هذا الكتاب أو ذاك الخبر
على منهج آخر، وأسلوب مخالف لطريقته في سائر كلماته، اتضح له أن هذا لم
يصدر عن هذا الشخص، ورده أشد الرد، وهذا أمر معروف بين العقلاء،
وقاطبة أولي العرف، ويعبر عنه بالاستقراء، ونظيره آت في أصل المطالب
والمعاني أيضا، انتهى (1).
وأنت خبير بأن مراده من أخبارهم التي بأيدينا، إن كان هو الاخبار
المختصرة المتشتتة في الأصول والفروع، فليس فيها مقام ذكر ما ذكره من
الموهنات، وإن كان المراد مؤلفاتهم وكتبهم عليهم السلام، فليس بأيدينا كتاب
منها يستكشف منه ديدنهم وطريقتهم في التأليف، فلم يبق لما ذكر من الاستقراء

(1) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 24.
276

فرد يقاس عليه غيره.
هذا إذا كان الكتاب الرضوي من تأليفه عليه السلام وعلى أن يكون
من إملائه، فجميع ما ذكره صادر من جامعه إن كان وهنا حقيقة، وكيف يكون
وهنا وقد صدر منهم ما ذكره - كما اعترف به - وإن كان نادرا، ففي رسالة أبي الحسن
الهادي عليه السلام إلى شيعته، في الرد على أهل، الجبر والتفويض، المروية في
تحف العقول، بعد ذكر مقدمة: ونبدأ من ذلك بقول الصادق عليه السلام:
(لا جبر ولا تفويض، ولكن منزلة بين المنزلتين) إلى أن قال: وخبر آخر عنه
عليه السلام موافق لهذا: أن الصادق عليه السلام سئل: هل أجبر الله العباد
على المعاصي؟ فقال الصادق عليه السلام: (هو أعدل من ذلك) فقيل له:
فهل فوض إليهم؟ فقال: (هو أعز وأقهر لهم من ذلك).
وروي عنه عليه السلام أنه قال. (الناس في القدر على ثلاثة.. إلى
آخره.
وفيها: وبذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السلام عباية بن ربعي الأسدي،
حين سأله عن... إلى أن قال عليه السلام. - وروي عن أمير المؤمنين
عليه السلام حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله - إلى أن قال عليه السلام: -
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من
الشام، الخبر (1).
وفي غيبة الشيخ الطوسي - رحمه الله - بالسند المعتبر، في مسائل محمد بن
عبد الله بن جعفر، عن الحجة صلوات الله عليه، عن المصلي إذا قام من
التشهد الأول للركعة الثالثة، هل يجب عليه أن يكبر؟ فإن بعض أصحابنا
قال: لا يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد.
الجواب، قال: (إن فيه حديثي: أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى

(1) تحف العقول: 343 - 349.
277

حالة أخرى فعليه تكبير، وأما الآخر فإنه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية
فكبر، ثم جلس ثم قام، فليس عليه للقيام بعد القعود تكبير، وكذلك التشهد
الأول يجري هذا المجرى، وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا).
وعن الفص الحديد (1) هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟.
الجواب: (فيه كراهة أن تصلي فيه، وفيه أيضا إطلاق، والعمل على
الكراهية) (2).
ورواه الطبرسي في الاحتجاج (3).
وفيه. في مسائل أخرى للحميري. وسئل: هل يجوز للرجل أن يتزوج
بنت امرأته؟ فأجاب عليه السلام: (إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز، وإن
لم تكن ربيت في حجره وكانت أمها في غير حباله (4) فقد روى أنه جائزا)
انتهى (5).
ولا مناص لاحد من سدنة علومهم عليهم السلام من ذكر الوجه لما ذكره
عليه السلام، فيكون هو الوجه أيضا لما في الرضوي، ولا فرق بين القلة
والكثرة، مع أنه لا كثرة بعد ملاحظة النسبة بينه وبين ما في الرسالة الشريفة
والتوقيع المبارك.
الثالث. ما قاله أيضا: إن كثيرا من مطالبه وأحكامه رواها مؤلفه عن
غيره، مما عبر فيها عن قائلها ببعض العلماء، أو العالم المطلق.
ففي أوله بعد سطيرات ثلاثة: ونروي عن بعض العلماء أنه قال في تفسير

(1) في المصدر: الخماهن.
(2) كتاب الغيبة: 232.
(3) الاحتجاج: 483.
(4) في المصدر: عياله.
(5) الاحتجاج: 389.
278

هذه الآية (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) (1) قال: ما جزاء من أنعم الله
عليه بالمعرفة إلا الجنة.
وبعده بسطرين: إن بعض العلماء سئل عن المعرفة، وهل للخلق فيه
صنع؟ فقال: لا.
وفي موضع آخر منه: روي عن العالم، أو أروي عن العالم، أو سئل
العالم، أو سألت العالم، أو شكا رجل إلى العالم، أو كنت عند العالم، أو رجل
سأله، إلى غير ذلك، مما في معناها.
والظاهر أن مراده من العالم أحد المعصومين، نظرا إلى ما يعطيه تعقيبه
بالتسليم عليه، وذكر كلامه على سبيل الاستناد إليه، وأيضا الظاهر أن يكون
المراد به إماما خاصا، ويكون ذلك اصطلاحا منه في مقام التعبير عن إمام خاص قد
أدركه صاحب الكتاب، فإنه كثيرا ما يعبر عن جملة من الأئمة من أمير المؤمنين،
والحسنين، والسجاد، والصادقين، وأبي الحسن عليهم السلام بأساميهم
الشريفة، وظاهر هذه التعبيرات يعطي أن ديدنه لم يستقر على التعبير عن مطلق
المعصوم بلفظ العالم، ووجه منافاة هذه الكلمات لكلمات المعصومين، وكلمات
خصوص مولانا الرضا عليه السلام عين ما مر آنفا من أن هذه الطريقة طريقة
لم توجد في شئ من أخبارهم، ولم يعهد عن أحد منهم في الآثار المعروفة،
والروايات المشهورة، المدونة في كتب أخبارنا المتداولة بين الطائفة.
نعم قد يوجد في بعض التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة نظير
ذلك، ففي الاحتجاج لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، شيخنا المتقدم،
عند ذكر جوابات مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، الخارجة عن
سيدنا الحجة عليه السلام: وسئل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيهما
الروايات، فبعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل، وبعض قراءة الحمد وحدها

(1) الرحمن 55: 60.
279

أفضل، فالفضل لأيهما لنستعمله؟.
فأجاب عليه السلام: (قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين
التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام. كل صلاة لا قراءة
فيها فهي خداج (1)، إلا للعليل،، أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان
الصلاة عليه) (2).
وفيها أيضا. وسئل عن الرجل ينوي اخراج شئ من ماله، وأن يدفعه
إلى رجل من إخوانه، ثم يجد في أقربائه محتاجا، أيصرف ذلك عمن نواه له إلى
قرابته؟.
فأجاب عليه السلام: (يصرفه إلى أدناهما وأقربهما إلى مذهبه، فإن ذهب
إلى قول العالم عليه السلام: لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج، فليقسم بين
القرابة وبين الذي نوى، حتى يكون قد أخذ بالفضل كله) (3).
وفيها أيضا: وسئل عن الرجل تعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها
أم لا، فيأخذ خاتمين، فيكتب في أحدهما نعم إفعل، وفي الآخر لا تفعل،
فيستخير الله تعالى مرارا، ثم يرى فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل
يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له، أهو يجوز مثل الاستخارة أم هو سوى
ذلك؟.
فأجاب عليه السلام: (الذي سنه العالم عليه السلام في هذه الاستخارة
بالرقاع والصلاة) (4).
وفيها أيضا. أدام الله بقاك، وأدام عزك وكرامتك، وسعادتك

(1) الخداج: النقصان. (لسان العرب - خدج - 2: 248).
(2) الاحتجاج: 491.
(3) الاحتجاج: 491.
(4) الاحتجاج: 491.
280

وسلامتك، وأتم نعمته عليك، وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء فداك
وقدمني قبلك، إن قبلنا مشايخ وعجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر،
ويصلون شعبان بشهر رمضان، وروى لهم بعض أصحابنا أن صومه معصية.
فأجاب عليه السلام: (قال الفقيه: يصوم منه أياما إلى خمسة عشر يوما،
ثم يقطعه إلا (1) أن يصوم عن الثلاثة الأيام الفائتة، للحديث المنقول عن واحد
من الصادقين، إن نعم شهر القضاء رجب وشعبان) (2).
وفيها: وسئل، فقال: روي لنا عن صاحب العسكر عليه السلام أنه
سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب، فوقع: (يجوز)، وروي
عنه عليه السلام أيضا أنه لا يجوز، فأي الخبرين يعمل به؟.
فأجاب عليه السلام: (إنما حرم في هذه الأوبار والجلود، فأما الأوبار
وحدها فكل حلال).
وقد سئل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه السلام: (لا يصلى
في الثعلب، ولا في الثوب الذي يليه) فقال. إنما عنى الجلود دون غيرها. (3)
وفيها أيضا حيث سأله عليه السلام الحميري عن التوجه للصلاة وما
يقال فيه.
فأجاب عليه السلام: (التوجه كله ليس بفريضة، والسنة المؤكدة فيه
التي كالاجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض، حنيفا مسلما على ملة إبراهيم، ودين محمد، وهدى علي أمير المؤمنين،
وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا
شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ

(1) في المخطوطة والحجرية عن نسخة بدل:. إلى.
(2) الاحتجاج: 488.
(3) الاحتجاج: 492.
281

بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم تقرأ
الحمد. قال الفقيه الذي لا شك في علمه. إن الدين لمحمد صلى الله عليه
وآله، والهداية لعلي أمير المؤمنين عليه السلام، لأنها له صلى الله عليه وفي عقبه
باقية إلى يوم القيامة، فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شك فلا دين
له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى) (1) انتهى.
والتحقيق في دفع ذلك أن يقال: إن هذه الفقرات الواقعة في التوقيعات
المذكورة، وإن كانت صريحة في أنه (عليه السلام) عبر عن بعض آبائه بالعالم،
وعن بعضهم ببعض العلماء، وعن بعض بالفقيه، إلا أن التتبع في الاخبار،
والتأمل التام في موارد الآثار فيها يكشف عن أن التعبير عن بعض الأئمة
بالعالم، والفقيه، ونحوهما، إنما هو شئ شاع في أصحابنا في زمن الغيبة
الصغرى وانقطاع أوان الحضور، وقبله لم يعهد عن أصحابنا ذلك، ولم يكونوا
يعبرون بمثل هذا إلا نادرا، وكان المعروف بينهم التعبير عنهم عليهم السلام
بكناهم وألقابهم المشهورة، والظاهر أن ما وقع لمولانا القائم عليه السلام - أقام
الله به أركان الشريعة، وأقر بظهوره عيون الشيعة - في جملة توقيعاته مما مر،
وغيره من أمثال ذلك التعبير، إنما نشأ من جهة ما شاع في أوائل الغيبة في ألسنة
الرواة، وعلماء الأصحاب، وما كان معهودا بين السفراء وغيرهم، واستقر عليه
ديدنهم في مكاتباتهم إياه، ومخاطباتهم له (عليه السلام) من تعبيرهم عن بعض
آبائه عليهم السلام بذلك اللقب.
والوجه في ذلك أن من المشاهد المعروف بين أهالي العرف والعادات أن
من يجب أحدا في مسألة من المسائل، ويتكلم معه في أمر من الأمور، يوافقه
كثيرا في اصطلاحاته، ويتكلم معه على وفق ما هو المعهود لديه، فبعد التأمل في
هذه الطريقة، وثبوت أن هذا الاصطلاح كان شائعا بين الشيعة في زمان الغيبة

(1) الاحتجاج: 486.
282

الصغرى، يظهر وجه تعبير القائم عليه السلام بأمثال ذلك اللقب، ولا يخفى
أن هذا لا يقتضي تعميم الاصطلاح والقول بجريانه في زمن الحضور، فإن
المعهود من أئمتنا عليهم السلام خلافه كما نبهنا عليه، ولا يبعد أن يكون المراد
بالعالم، والفقيه، في خصوص هذه التوقيعات أحد العسكريين عليهما السلام،
فإنهما مما عدا من ألقاب أحدهما عليهما السلام كما يستفاد من جملة من كتب
المناقب والسير، ولعل مراد السفراء والمكاتبين أيضا ذلك، وهذا الاحتمال جار
في كلام الكليني قدس سره في خطبة الكافي أيضا حيث قال:
فاعلم يا أخي - أرشدك الله - أنه لا يسع أحدا تمييز شئ مما اختلفت
الرواية فيه عن العلماء برأيه، إلا ما أطلقه العالم عليه السلام بقوله: (أعرضوها
على كتاب الله، فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه).
وقوله عليه السلام: (دعوا ما وافق القوم، فإن الرشد في خلافهم).
وقوله عليه السلام: (خذوا بالمجمع عليه، فإن المجمع عليه لا ريب.
فيه).
ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع
من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام، وقبول ما وسع من الامر فيه، بقوله
عليه السلام: (بأيهما أخذتم) من باب التسليم (وسعكم) (1) انتهى.
وبالجملة فتعبير مولانا الرضا عليه السلام في خصوص كتاب من كتبه
- دون سائر ما وصل إلينا من أخبارنا - عن بعض آبائه عليهم السلام ببعض
العلماء أو العالم في غاية البعد، ويؤيده ما وقع في هذا الكتاب كثيرا من التعبير
عن آبائه، من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سيدنا موسى بن جعفر عليهم
السلام بأساميهم وكناهم الشريفة.
ومما فصلناه سابقا يظهر لك أن احتمال وقوع ذلك اللقب في ذلك

(1) الكافي 1: 7 المقدمة.
283

الكتاب على سبيل التقية في غاية البعد، انتهى (1).
أقول: وفي كلامه مواقع للنظر، وقبل الإشارة إليها لا بد من الإشارة إلى
مقدمة، هي. أن كل ما وقع التعبير به في أسانيد الاخبار بالنسبة إلى الحجج
الطاهرين عليهم السلام من الأسامي، والألقاب، والكنى، فهو ممن وقع في
آخر السند من رجاله، الذي يتلقى متن الخبر منه، وهو صاحب التعبير عن
الامام بما اقتضاه المقام من أساميهم وألقابهم الشريفة، لا من صاحب الكتاب
الذي أخرج الخبر في كتابه، بل ولا من بعض من وقع في وسط السند، لو فرض
أن صاحب الكتاب أخرج الخبر من كتابه، ومنه علم الناس جملة من ألقابهم
وأدرجها الأصحاب في طي أحوالهم.
قال شيخنا الكشي في رجاله، في ترجمة إبراهيم بن عبد الحميد
الصنعاني (2) قال نصر بن الصباح: إبراهيم يروي عن أبي الحسن موسى، وعن
الرضا، وعن أبي جعفر عليهم السلام، وهو واقف على أبي الحسن عليه
السلام، وكان يجلس في المسجد ويقول. أخبرني أبو إسحاق كذا، وفعل أبو
إسحاق كذا - يعني أبا عبد الله عليه السلام - كما كان غيره يقول: حدثني
الصادق عليه السلام، وحدثني العالم، وحدثني الشيخ، وحدثني أبو عبد الله
عليه السلام، وكان في مسجد الكوفة خلق كثير من أصحابنا، فكل واحد منهم
يكني عن أبي عبد الله عليه السلام باسم (3).
ولمعرفة صاحب هذه الألقاب والكنى، وتمييز المشترك منها، عقد كثير من
مصنفي الرجال مقدمة في أوائل كتبهم أو أواخرها وذكروا فيها المراد منها،
ومستند تمييزهم بعض الأخبار الخاصة، الذي يستكشف منه المراد، ومن عبر

(1) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 17.
(2) في النسخة الخطية: إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي.
(3) اختيار معرفة الرجال 2: 744 / 839.
284

عنهم عليهم السلام بلقب أو كنية من المؤلفين، في الغيبة صغراها وكبراها، فإنما
أخذوه من أصحابهم عليهم السلام، وتلقوه من رواياتهم، وهذه الألقاب
والكنى بعضها كأساميهم الشريفة إلهي (1) تلقوه منهم عليهم السلام، وبعضها
من أصحابهم - على ما يظهر من مطاوي الاخبار - عبروا به عنهم لبعض
الحكم، منها التقية في أيام اشتدادها، كالتعبير عن أمير المؤمنين عليه السلام
بأبي زينب (2) في أيام بني أمية، وولاية زياد والحجاج، وعن الحجة عليه السلام
بالغريم (3)، كما صرح به الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد، ومنه التعبير عن
الكاظم عليه السلام بالعالم (4)، كما يأتي.
إذا عرف ذلك فلنرجع إلى ما عده من الأمور الموهنة من التعبير عن
الكاظم عليه السلام فيه بالعالم عليه السلام، فنقول: فيما نقله من التوقيع
المبارك كفاية في رفع هذا الاستبعاد، وما ذكره في التحقيق من أنه من
مصطلحات رواة الشيعة في أوائل الغيبة، وأنه عليه السلام كلمهم على
طريقتهم، دعوى لم يأت لها ببينة ولا شاهد من كلام أحد قبله من العلماء الأعلام
. والعجب أنه قال: فبعد التأمل في هذه الطريقة، وثبوت أن هذا
الاصطلاح كان، إلى آخره.
ونحن تأملنا فلم نجد في كلامه أدنى شاهد لصدق ما ادعاه، فهل يثبت
دعوى بلا شاهد ولا برهان؟! نعم يظهر للمراجع في كلمات الأصحاب في مقام
تمييز الروايات، وتشخيص الألقاب: أن العالم كان من ألقاب الكاظم عليه
السلام كما هو من ألقاب الصادق عليه السلام أيضا، كما مر في خبر الكشي،

(1) في النسخة الخطية: التي.
(2) الاختصاص: 128.
(3) الارشاد: 2: 362.
(4) الاختصاص: 142 و 251 و 252.
285

وصرح به جماعة.
قال الشيخ فرج الله الحويزاوي في رجاله: إذا أطلق في الروايات، قال
صلى الله عليه وآله: أو: وعنه صلى الله عليه وآله، فالمراد الرسول صلى الله
عليه وآله - إلى أن قال - وإذا أطلق أبو الحسن عليه السلام، فالمراد به الكاظم
عليه السلام، وكذا إذا قيد بالماضي، وكذا إذا أطلق أبو إبراهيم، والعالم،
والشيخ، والفقيه، والعبد الصالح، وعبد صالح، فهو المراد عليه السلام - إلى
أن قال - وقال بعض الأصحاب: إذا ورد في كتب أصحابنا أبو عبد الله مطلقا،
كان المراد به الصادق عليه السلام، وكذا الفقيه مطلقا، وكذا العالم مطلقا.
وقال المولى الحاج محمد الأردبيلي في جامع الرواة: قال مولانا خدا وردي
الأفشار في رجاله: اعلم، أن الأئمة صلوات الله عليهم يذكرون كثيرا بالكنى،
فينبغي للمحدث أن يبين كناهم، ويميز الاشتراك - إلى أن قال - وأبو الحسن
مشترك بين زين العابدين، والكاظم، والرضا، والنقي عليهم السلام، لكن
المطلق هو الكاظم عليه السلام، وكذا الأول، والماضي، والعالم، والفقيه،
والعبد الصالح (1).
وقال شيخنا في الفائدة الثالثة من خاتمة الوسائل: إذا أطلق في الرواية
قال صلى الله عليه وآله، فالمراد به النبي صلى الله عليه وآله.
قال. وإذا أطلق أبو الحسن، فالمراد به موسى الكاظم عليه السلام،
وكذا أبو إبراهيم، والعالم، والفقيه، إلى آخره (2).
ونقل الشيخ أبو علي الحائري في رجاله، عن رجال المولى عناية الله أنه
ذكر كنى الأئمة عليهم السلام، وألقابهم - إلى أن قال - وأبو عبد الله للحسين
والصادق عليهما السلام، لكن المراد في كتب الاخبار الثاني، كالعالم، والشيخ،

(1) جامع الرواة 2: 462.
(2) وسائل الشيعة 30: 150 (الفائدة الثالثة).
286

وكذا الفقيه، والعبد الصالح، وقد يراد بهما، وبالعالم الكاظم عليه السلام.
قال أبو علي. أقول: في الأكثر يراد بالعالم، والشيخ، والفقيه، والعبد الصالح
الكاظم، لنهاية شدة التقية في زمانه صلوات الله عليه، وخوف الشيعة من
تسميته، وذكره بألقابه الشريفة، وكناه المعروفة (1).
وفي جمال الأسبوع للسيد علي بن طاووس قدس سره: حدث أبو عبد الله
أحمد بن محمد الجوهري، قال: كتب إلي محمد بن أحمد بن سنان أبو عيسى
- رحمة الله عليه - يقول: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده محمد بن سنان، قال:
قال العالم صلوات الله عليه: (هل دعوت في هذا اليوم بالواجب من الدعاء)
وكان يوم الجمعة، الخبر (2).
وفي كتاب عمل شهر رمضان له، في دعاء الليلة السابعة عشر: رويناه
بإسنادنا إلى العالم عليه السلام، أنه قال: (هذه الليلة هي الليلة التي التقى
فيها الجمعان يوم بدر) الخبر (3).
وفي مكارم الأخلاق: روي عن العالم عليه السلام أنه قال: (ثلاثة لا
يحاسب عليها المؤمن: طعام يأكله، وثوب يلبسه، وزوجة صالحة تعاونه ويحرز
بها دينه) (4).
وفيه: وقال العالم عليه السلام: (في القرآن شفاء من كل داء) (5).
وفيه: وروي عن العالم عليه السلام أنه قال: (من نالته علة...)
الخبر (6).

(1) منتهى المقال: 6 (كنى الأئمة، المقدمة) وانظر مجمع الرجال 7: 192.
(2) جمال الأسبوع: 229.
(3) الاقبال: 159.
(4) مكارم الأخلاق: 197.
(5) مكارم الأخلاق: 363.
(6) مكارم الأخلاق: 363.
287

وفي علل الشرائع للصدوق قدس سره: حدثنا علي بن أحمد - رحمه الله -
قال: حدثنا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن إسحاق بن إسماعيل
النيسابوري أن العالم كتب إليه - يعني الحسن بن علي عليهما السلام - (إن الله
عز وجل...) الخبر (1). وإنما فسره بالعسكري عليه السلام لعدم انصراف الاطلاق
إليه.
وفي توحيده: عن علي بن أحمد الدقاق، عن الكليني، عن الحسين بن
محمد بن عامر، عن المعلى قال: سئل العالم عليه السلام كيف علم الله...؟
الخبر (2).
ولعل في هذا المقدار كفاية لمن أراد معرفة ثبوت ما ادعيناه، من كون
العالم من ألقابهما عليهما السلام، الدائرة على ألسنة أصحابهم عليهم السلام
في أيام حضورهم.
ولا يبعد أن يكون الأصل فيه ما رواه ثقة الاسلام في الكافي، والصفار
في بصائر الدرجات، بأسانيد متكثرة، وغيرهما في غيرها، عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: (يغدو الناس على ثلاثة صنوف: عالم، ومتعلم،
وغثاء، فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء) (3) بل فيه، وفي
تأويل الآيات مسندا أن المراد من العلماء، في قوله تعالى: (إنما يخشى الله من
عباده العلماء) (4) هو أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام (5).
الرابع: ما ذكره في الفصول من اشتماله على نقل أخبار متعارضة في موارد
عديدة، من غير إشارة إلى طريق الجمع بينها، ولا إلى ما هو الحق منها

(1) علل الشرايع: 249 حديث 6.
(2) التوحيد: 334 حديث 9.
(3) الكافي 1: 26 حديث 4 بصائر الدرجات: 28 الأحاديث 1، 3، 4، 5.
(4) فاطر 35: 28.
(5) بصائر الدرجات: 29 - 31 باب 6 و 7، وتأويل الآيات: 172.
288

والصواب، ولا إلى أنه مما يجوز الاخذ بكل منهما من باب التسليم، فيستفاد منه
قاعدة كلية أفيد من بيان ما هو المعتبر في خصوص الواقعة، ثم عد بعض الأمثلة
لذلك (1).
ويمكن أن يقال بعد الغض عن احتمال كون الكتاب من إملائه
الجائز على هذا الفرض كون ذكر المعارض من الجامع لا المملي عليه السلام،
وتسليم كونه من تأليفه عليه السلام: إن هذا الاعتراض يأتي في كل خبر صادر
عن إمام وعند الراوي عمن قبله من الأئمة عليهم السلام ما يعارضه، لعلمه
عليه السلام بذلك، وبابتلاء الراوي والسائل بالمعارض، واحتياجه إلى رفعه
بما أشار إليه، وهذا أمر غير عزيز في الاخبار.
وحله في المقامين: أنهم عليهم السلام ألقوا إلى أصحابهم طريق العلاج
في موارد ابتلائهم بالاخبار المتعارضة، من التخيير والتسليم، ووجوه
الترجيح، وأكثر ما ورد في هذا الباب مروي عن الصادق عليه السلام، وكانت
دائرة بين الأصحاب خصوصا أخبار التسليم منها، وبعد رفع تحيرهم ومعرفتهم
طريق العلاج، ما كانوا محتاجين إلى التنبيه والإشارة في كل واقعة ومورد، وربما
كان في عدم الإشارة مع ذكر المعارض للراوي، أو علمه بوجوده عنده، أو
بعثوره عليه، تقرير لما في أيديهم من طرق العلاج، وتمرين لهم بإعمال ما
عندهم منها في موارد التعارض التي لا تحصى، مع أن فيه ما أشار إليه من
الإشارة إلى طريق العلاج.
ففي باب النفاس قال: والنفساء تدع الصلاة. أكثره، مثل أيام حيضها
وهي عشرة - إلى أن قال - وقد روي ثمانية عشر يوما، وروي ثلاثة وعشرين
يوما. وبأي هذه الأحاديث أخذ من جهة التسليم جاز (2) فالايراد ساقط من

(1) الفصول الغروية: 312.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 191.
289

أصله، والله العالم.
الخامس: ما فيه أيضا من أنه قال في باب القدر: سألت العالم عليه
السلام: أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال: (الله أعز من ذلك) فقلت له:
ففوض إليهم؟ فقال: (هو أعز من ذلك) فقلت له: فصف لنا المنزلة بين
المنزلتين، إلى آخره (1)، ولا خفاء في أن مثل هذا السؤال، مما يبعد صدوره عن
الإمام عليه السلام، انتهى (2).
ولا يخفى أن علمهم عليهم السلام بما يحتاجون إليه من الأصول
والفروع، وما يحتاج إليه العباد كان معهم في صغرهم، علمهم الله تعالى
بالطرق التي اختصهم بها، وفي الظاهر كانوا يتعلمون بعضهم من بعض،
ويتلقونه منهم كما يتلقى غيرهم منهم أو من غيرهم بالسؤال الظاهر في جهالة
صاحبه، أو بالالقاء من غير مسألة.
وفي الاخبار في المقامين ما لا يحصى من سؤال بعضهم عليهم السلام
من بعض، أو تعليم بعضهم عليهم السلام بعضا، فيما يتعلق بالأصول
والفروع، ولا بد في جميعها من ذكر وجه، أو وجوه لرفع البعد عن ظاهرها، من
الدلالة على جهلهم، الذي ينبغي تنزيههم عنه.
ولنتبرك بذكر خبر واحد:
روى القطب الراوندي في لب اللباب: ونزل فيه - يعني عليا عليه
السلام - (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) (3) ولم يعمل
بها غير علي عليه السلام، كان معه دينار فباعه بعشرة دراهم، وأعطاها
المساكين، وسأل النبي صلى الله عليه وآله عشر مسائل:
أولها: قال: (يا رسول الله كيف ادعوا الله؟) قال صلى الله عليه وآله:

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 348.
(2) الفصول الغروية: 312.
(3) المجادلة 58: 12.
290

(بالصدق والوفاء).
الثاني: قال: (ما أسأل الله؟) قال صلى الله عليه وآله: (العافية).
الثالث: قال: (ما أصنع لنجاتي؟) قال صلى الله عليه وآله: (كل
حلالا، وقل صدقا).
قال: (فما النور؟) قال صلى الله عليه وآله: (القرآن).
قال: (فما الفساد؟) قال صلى الله عليه وآله: (ظهور الكفر والبدع
والفسق).
قال: (فما علي؟) قال صلى الله عليه وآله. (أمر الله وأمر رسوله) (1).
قال. (فما الحيلة؟) قال صلى الله عليه وآله: (ترك الحيلة).
قال عليه السلام: (فما الحق؟) قال صلى الله عليه وآله: (الاسلام
والقرآن والخلافة).
قال عليه السلام: (فما الوفاء؟) قال صلى الله عليه وآله: (شهادة
أن لا إله إلا الله).
قال عليه السلام: (فما الراحة؟) قال صلى الله عليه وآله:
(الجنة).
السادس: ما في الرسالة السابقة أيضا من أن كثيرا من أحكام ذلك
الكتاب، مما خالف جملة من ضروريات المذهب وقطعياته، وجملة منها مما لا
يناسب شيئا من قواعد مذهبنا، ولا شيئا من قواعد المخالفين، وكثيرا منها مما لا
يساعده ما عليه معظم أصحابنا، ولا ما انعقد عليه إجماعهم في سائر الأعصار
والأمصار، ثم شرع في التفصيل ولم يذكر من موارد الطوائف الثلاثة، إلا مسائل
معدودة:
منها: ما في باب المواقيت من قوله: وإن غسلت قدميك ونسيت المسح

(1) في الحجرية: أمر الله ورسوله.
291

عليهما فان فلك يجزيك؟ لأنك تد أتيت بأكثر تما عليك، وقد ذكر الله الجميع
في القرآن المسح والغسل في قوله: وأرجلكم إلى الكعبين، (1) أراد به النسل،
بنصب اللام، وتوله: أو أرجلكم إلى الكعبين " بكسر اللام (2)، وكلاهما
جائزان، الغسل والمسح (3).
ومنها: ما وقع فيه من تحديد مقدار الكر، وهو قوله: والعلامة في ذلك
أن تأخذ الحجر وترمي به في وسطه فان بلفت أمواجه من الحجر جنبي الغدير
فهو دون الكر، وإن لم تبلغ فهو كر، ولا ينجسه شئ (،).
ومنها: ما وقع في باب لباس المصلي منه، من جواز الصلاة في جلد الميتة
بتعليل أن دباغته طهارته ().
ومنها: ما وقع فيه من نفي كون المعوذتين من القران، وعدهما من
الرقي (6).
ومنها: ما فيه في باب الشكوك، من فروع بعضها موافق للعامة،
وبعضها لم يذهب إليه أحد من أصحابنا، إلا علي بن بابويه، والإسكافي،
وبعض نادر منهم.
ومنها: ما وقع فيه في باب النكاح، من اشتراط حضور الشاهدين في
النكاح الدائم (7).
(ا) سورة المائدة 5: 6.
(2) في المصدر زيادة: أراد به المح.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 79، وفي نسختنا في باب التخلي والوضوء وليس في باب المواقيت
الذي هو قبل هذا الباب علما أن عبارة باب التخلي والوضوء ساقطة من بعض النسخ فتأمل.
(4) فقه الرضا (عليه السلام) 910.
(،) فقه الرضا (عليه السلام): 352.
(6) فقه الرضا (عليه السلام) 30 (1.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 2 كي.
292

ومنها: ما في أواخر الكتاب، من التفصيل في أمر المتعة، وهو قوله: وفلي
عن المتعة في الحضر، ولمن كان له مقدرة على الأزواج والسراري (1)، وإنما المتعة
نكاح الضرورة للمضطر الذي لا يقدر على النكاح، منقطع عن أهله
وولده، 1 نتهى (2)
قلت: أما بناء على كون الكتاب من إملائه عليه السلام، فقد أشار
المجلسي إلى دفع هذا الايراد، بقوله في أبواب الشكوك من بحاره: ولعل جامع
الكتاب جمع بين ما سمع منه عليه السلام في مقامات التقية وغيرها، وأوردها
جميعا (3).
وعلى الاحتمال الآخر، فيمكن أن يقال: إنه لا يشترط في الحمل عل
التقية حضور من يخاف منه، فيكون وجود ما ينافي التقية في جملة
الكلام مما يبعد الحمل المذكور، سواء في ذلك أقوالهم ومكاتيبهم عليهم
السلام، فإن علمهم عليهم السلام بابتلاء المكتوب إليه ي بعض المقامات بما
يوجب التقية، كاف في تعليمه بما يدفعها في محل الحاجة، وإن لم يحتج إليه %،
غيره، فلا يلزم أن يكون كل ما في الكتاب جاريا على طريقة المخالف، ل!
يمنع وجرد ما ينافي التقية فيه عن حمل ما يلائمها عليها، فلعله عليه السلام
كان يعلم بابتلاء أحمد السكين الذي كتب الكتاب لأجله في هذه المقامات بما
يلزمه العمل بما يخالف الحق ويوافق القوم أو بعضهم.
مع أن جملة نما ذكر قابل للتوجيه، فإن ما نقله في أمر المتعة ليس في
النسخة الصحيحة القمية، بل ذكر فيها أحكام المتعة كما هر موجود في الاخبار
* (الهامش) * (1) السرية: الجارية المتخذة للملك والجماع. (لسان العرب - سرر): 358).
(2) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه اللام): 20 - 25.
(3) بحار الأنوار 88: 7 1 2.
293

المعتبرة، ودائر في السمة الفقهاء، وإثما هو في النسخة الأخرى التي ألحقت بها
نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، والرج فيها ما يظن كونه أيضا من إملائه عليه
السلام.
ومنه ما نقله في أمر المتعة فلاحظ.
والاشهاد في الدائم يحمل على الاستحباب، كما حمل 9) عليه ما دل على
الاشهاد في بعض الأخبار.
ومر في كتاب الطهارة وجه لما فيه من تحديد الكز 2).
وأما ما نقله من لباس المصلي، ففي الكتاب في الباب المذكور في كتاب
الصلاة: ولا تصل في جلد الميتة على كل حالي للا. نعم في باب اخر منه بعد باب
الصناعات ذكر جواز اللبس فيه معللا بما ذكر، ولا يظهر منه جواز الصلاة فيه
إلا بملاحظة سابقه ولاحقه (4)، ولمجد التسليم فلا مناص من الحمل على التقية
بعد النص المتقدم.
إلى غير ذلك من الوجوه القريبة أو البعيدة، التي يرتكبون مثلها في سائر الأخبار
، حتى في الواحد منها، المنافي صدره لذيله، وقد أشار إلى جملة من تلك
الوجوه في الرضوي، العالم الفاضل، المولى الجليل محمد، المعروف بشاه قاضي
اليزدي، صاحب المؤلفات الرائقة (.) في ترجمته للفقه الرضوي.
السابع: ما فيها أيضا: أن من جملة الأمور المذكورة، ما وقع في أوائله من
الرواية عن أبي بصير وبعض آخر من الرواة على طريقة المحدثين، وما يوجد
في الخمس الأخير منه من الرواية عن بعض الأئمة عليهم السلام بوسائط
(1) في الحجرية: يحمل.
(2) مستدرك الوسائل 1: 991 ذيل الحديث 345.
(3) فقه الرضا: 157.
(4) فقه الرضا: 302.
(،) منها رسالة في شرح حديث: ان الله لا يجمعهم - أي أمته صلى الله عليه وآله - على ضلالة،
صنفها في سنة 301 ا ه. وترجمة آيات الاحكام صنفها للسلطان محمد قطب شاه. (منه).
294

متعددة.
ففي باب فضل صوم شعبان وصلته برمضان منه: أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن
مهران (1)، إلى آخره، ثم أطال الكلام في نقل أمثاله.
والاعراض فاسد لفساد أصله، من كون ما نقله من أجزاء كتاب فقه
الرضا عليه السلام، بل هومن أجزاء نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، أدخل
هو أو بعض الرواة أرخ الرضوي فيه، وقد التفت - سلمه الله - إلى ذلك
بعد مدة، فاستدرك ما ذكره في الحاشية.
فقال: من جملة ما عثرت عليه بعد مضي سنين عديدة من تأليف هذا
الكتاب، إني وقفت على كتاب نوادر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري
القمي، فوجدته مطابقا لهذه الاخبار المسندة المذكورة في الكتاب، وقد حصل
لي الظن القوي، بل المتاخم للعلم بان هذه الأخبار مأخوذة عن النوادر، ويؤيده
أن الحديث الأول المذكور في الكتاب أول رواته أحمد بن محمد بن عيسى،
وهذا موافق لطريقة قدماء أهل الحديث، حيث يذكرون في أول كتبهم المصنفة
أساميهم، انتهى.
ولا يخفى أن الموجود مق النوادر ليس إلا المنضم بالرضوي، ولم يكن عند
العلامة المجلسي، وشيخنا الحر أزيد من ذلك، كما لا يخفى على من راجع
البحار والوسائل، وراجع الرضوي، فلا يجد فيهما خبرا منقولا عن النوادر إلا
وهو موجود فيه، هذا على ما في بعض نسخ الرضوي، وما أكثرها، فآخره هو
باب القضاء والقدر، وباب الاستطاعة، الذي يتبعه باب فضل صوم شعبان
في النسخة الأخرى، وهو أول النوادر، وليس فيها خبر مسند أصلا. بي في
النوادر أيضا أبواب ومقالات يظن أنها من أصل الرضوي، اختلطت به حتى
(1) رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 25 نوادر أحمد بن محمد بن
عيسى: 1.
295

صار سببا للاشتباه، ويحتاج الناظر في تمييز أحدهما من الآخر إلى بصيرة
ألمعية (1)، ورأينا في بعض مواضع الوسائل نقل عن النوادر، والمنقول رضوي لا
يعتني هو به كما تقدم.
الثامن: ما م شار إليه والى جوابه السيد السند في المفاتيح، قال: لا يقال
لو كان من الإمام عليه السلام لكانت عباراته فصيحة سلسة، واللازم باطل،
أما الملازمة فلأنه اللائق بحالهم، وأما بطلان اللازم فلأنك إذا تتبعت عباراته
لتحققت ذلك.
لأنا نقول: لا نسلم أن ذلك لائق بحالهم، بل اللائق بحالهم التعبير بما
تقتضيه الحكمة، وقد تقتضي الحكمة التعبير بما ا يخالف القواعد العربية، حيث
يتوقف فهم المسائل عليه، ولعل التعبير في ذلك الكتاب مستند إلى حكمة
خفية، انتهى (2).
قلت: روى ع بن الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصنة، عن
الكلابي، عن أبي الحسن علي بن بلال وأبي يحص النعماني، قالا: ورد كتاب من
أله محمد عليه السلام ونحن حضور عنا. أبي طاهر بن بلال، فنظرنا فيه، فقال
النعماني: فيه لحن، أو يكون النحو باطلا، وكان هذا بسر من رآى، فنحن في
ذلك حتى جاء توقيعه عليه السلام: " ما بال قوم يلحنوننا، وإن الكلمة نتكلم
بها تنصرف على سبعين وجها، فيها كلها المخرج منها والمحجة (3).
هذا، وما يوجد في بعض مواضعه تما هو على خلاف العربية، فالظاهر
أنه من الناقلين له من الخط الكوفي، وعدم مهارتهم في قراءته وفي القواعد
العربية، فلاحظ.
(1) في النسخة الخطبة. تامة.
(2) مفاتيح الأصول: 351.
(3) اثبات الوصية: 214.
296

خاتمة تتعلق بالمقام: إعلم أن الراوي إذا كان عدلا إماميا فالخبر من
جهته صحيح، ولا يحتاج في مقام الحجة بعد احراز الايمان والعدالة فيه إلى
فضيلة أخرى، كالفقاهة، والزهادة، والتصنيف، وغرها، فان وجدت فيه فهو
كمال لا يضر فقده، وقد نقل في المفاتيح اتفاق الأصحاب على عدم اشتراط
الفقاهة. نعم قد يحتاج إليه ي مقام الترجيح المؤخر عن مقام الحجية.
وقد تقدم عن العلامة الطباطبائي في فوائده أنه تمسك في كلامه في
حجتي الكتاب: بان القاضي السيد مير حسين أخبر بأنه من الإمام عليه السلام
، إلى آخره. وقد وثقه المجلسي كما تقدم (1)، وقال خريت هذه الصناعة
الا ميرزا عبد الله في رباض العلماء: السيد القاضي الأمير حسين، فاضل
عالم، جليل نبيل، هو من مشايخ إجازة الأستاذ الاستناد - أدام الله تعالى فيضه -
وعليه اعتمد في صحة كتاب فقه الرضا عليه السلام، وتصحيح انتسابه إلى
مولانا الرضا عليه السلام، انتهى (2).
وهذا المقدار يكفي في الحكم بصحة خبره وحجته لو فرض خلوصه عن
بعض الاعتراضات، كما أشرنا إليه في صدر كلامنا، والعلامة الطباطبائي ظن
أن القاضي أمير حسين المذكور، هو بعينه السيد حسين الكركي، فذكر شطرا
من مناقبه، وفضائله، ومؤلفاته.
وهذا اشتباه لم يصدر منه - رحمه الله - إلا لما قيل من أن الجواد قد يكبو،
وهذا الاشتباه غير مضر بأصل المقصود من وثاقة حامل الكتاب، بل عده
صاحب الرياض - المعاصر له - من العلماء كما عرفت، إلا أن السيد الميرزا محمد
المتقدم - صاحب الرسالة - وأخاه الفاضل في الروضات (3) لما وقفا على هذا

(1) انظر للأول صحيفة: 239. وللثاني: 230.
(2) رياض العلماء 2: 30.
(3) روضات الجنات 2: 331.
297

الاشتباه، جعلا يطعنان على هذا السيد الجليل، خصوصا الأخير منهما أشد
الطعن، وأساء الأدب إليه وأطال في الروضات الكلام بما لا ينبغي صدوره منه
إليه، ولا فيه منفعة سوى الإطالة.
قال العلامة المذكور: والقاضي أمير حسين الذي حكى عنه الفاضلان
المجلسيان ذلك هو السيد أمير حسين بن حيدر العاملي الكركي، ابن بنت المحقق
الشيخ علي بن عبد العالي الكركي - طاب ثراه - وكان قاضي أصبهان والمفتي بها
في الدولة الصفوية، أيام السلطان العادل الشاه طهماسب الصفوي، وهو أحد
الفقهاء المحققين، والفضلاء المدققين، مصنف مجيد، طويل الباع، كثير
الاطلاع، وجدت له رسالة مبسوطة في نفى وجوب الجمعة عينا في زمن الغيبة،
وكتاب النفحات القدسية في أجوبة المسائل الطبرسية، وكتاب دفع المناواة عن
التفضيل والمساواة، وضعه لبيان أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام على جميع
الأنبياء، ومساواته لنبينا صلى الله عليه وآله إلا في النبوة، وهو كتاب جليل ينبئ
عن فضل مؤلفه النبيل، وله كتاب الإجازات فيه إجازة جم غفير من العلماء
المشاهير، منهم خاله المحقق المدقق الشيخ عبد العالي ابن المدقق الشيخ علي
الكركي، وابن خالته السيد العماد الأمير محمد باقر الداماد، والشيخ الفقيه
الأوحد الشيخ بهاء الدين محمد، وقد وصفه جميعهم بالعلم، والفضل،
والتفقه، والنبالة.
ثم ذكر بعض ما في إجازة الشيخ البهائي - إلى أن قال - ونحن نروي
عن هذا السيد الأمجد، والسند الأوحد، ما صحت له روايته، واتضحت لديه
درايته، بطرقنا المتكثرة، عن شيخنا العلامة المجلسي، عن والده المقدس
المجلسي، عنه، إلى آخره (1). وفيه اشتباه من جهتين:
الأولى: حكمه باتحاد القاضي أمير حسين المذكور، مع السيد حسين

(1) فوائد السيد بحر العلوم: 149.
298

ابن السيد حيدر العاملي الكركي.
الثانية: حكمه بأن السيد حسين الكركي المذكور، هو بعينه ابن بنت
المحقق الثاني، وابن خالة المحقق الداماد والمفتي في الدولة الصفوية، وصاحب
كتاب دفع المناواة، وكلاهما فاسدتان.
أما الأولى: فلان صاحب الرياض - الذي هو أستاد أهل هذه
الصناعة، وكان في عصرهم - جعل القاضي أمير حسين - صاحب الرضوي -
عنوانا مستقلا في الرياض، ولم يذكر له نسبا، ولا شيخا في الإجازة، ولا شغلا
من الافتاء في الدولة الصفوية، ولا تأليفا (1). وذكر السيد الكركي المذكور بعد
ذلك، وذكر نسبه، وبلده، ومشايخه، وبعض ما يتعلق به (1). فلو كانا متحدين
لأشار في إحدى الترجمتين إلى ذلك! لشدة حرصه على ضبط أمثال هذه الأمور،
ونهاية اطلاعه عليها، وأما الطبقة فغير مضر، فإنه يروي عن المحقق الداماد،
والشيخ البهائي، والشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد، وتاريخ إجازته
له في سنة تسع وعشرين وألف، فيكون في طبقة المجلسي الأول، فلا يبعد
روايته وولده العلامة عنه.
وأما الثانية: فلان العالم المفتي، الملقب بخاتمة المجتهدين، صاحب
كتاب دفع المناواة، هو سيد المحققين، السيد حسين بن السيد ضياء الدين أبي
تراب حسن بن صاحب الكرامات الباهرة، والمقامات الزاهرة، شمس الدين
السيد أبي جعفر محمد الموسوي الكركي، المعروف بالأمير سيد حسين المجتهد،
والأمير حسين المفتى، وهو ابن بنت المحقق الثاني، وكان نازلا منزلته عند
الأمراء والسلاطين، توفي بالطاعون سنة إحدى وألف بقزوين، وعندي نسخة
صحيحة من كتاب دفع المناواة، على ظهرها خط المجلسي، وفي آخرها: وفرغ

(1) رياض العلماء 2: 30.
(2) رياض العلماء 2: 91.
299

من تسويدها مؤلفها المذنب الجاني الحسين بن الحسن، في رابع ربيع الأول من
سنة تسع وخمسين وتسعمائة، فهو في طبقة الشهيد الثاني، فلا يمكن رواية
المجلسي الأول عنه، وقد تولد بعد وفاة السيد بسنتين، وهذا من الظهور بمكان
لا يخفى على من راجع الرياض وغيره، ولكن هذا الاشتباه الغير المضر بشئ من
الأمور المتعلقة بالدين، لا يقتضي هذا الحد من الجسارة وسوء الأدب إلى مثل
هذا النحرير، الذي هو آية الله عند نواميس الدين، وحملة الشريعة.
فقال الأول في الرسالة: وأما ما تقدم من اتحاد القاضي أمير حسين
المذكور، مع السيد الاجل الأكمل، السيد حسين بن حيدر العاملي المجتهد،
كما توهمه سيدنا صاحب الدرة، فهو أيضا كلام عار عن التحقيق، وناشئ عن
قلة التتبع والتدقيق، ثم ذكر ما شرحنا خلاصته (1).
وقال الثاني في الروضات: ثم من عجب العجاب كل العجاب في هذا
الباب، هو ما اتفق لأفضل متأخرينا البارع المتتبع، الذي هو بحر العلوم في
نواظر أصحاب الرسوم، من أن الأمير سيد حسين القاضي الأصبهاني، الذي
قد جاء بنسخة كتاب (الفقه الرضوي) في هذه الأواخر معه من سفر الحج إلى
أصفهان، وأخذ منه تلك النسخة، ورواها عنه، وأسندها إليه من بعد ذلك
المجلسيان، لما رأياه يدعي القطع بصدوره عن مولانا الرضا عليه السلام، وهو
من الثقات لديهما، هو بعينه نفس هذا السيد الاجل الأفخر، حسين بن السيد
حيدر الكركي العاملي، وإنه أيضا المتولي لمنصبي القضاء والافتاء بأصفهان،
في دولة الشاه طهماسب الصفوي الموسوي، وأحد الفقهاء المحققين، إلى آخر
ما تقدم عن الفوائد، قال. قصدا إلى تأييد ما هو بصدده من إثبات حجية هذا
الكتاب: بكون الراوي له، الواجد إياه، الحاكم بقطعية صدوره هو مثل هذا
الجناب المستطاب، مع كل ما قد عرفته فيه من المراتب العالية، وجميل

(1) رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 31.
300

الألقاب، دون رجل مجهول الحال، ليس يعرف قدره ومنزلته إلى الآن من كتب
الرجال، إلا من جهة استفادة مصداق ما من التوثيق له، الخارج مرة على سبيل
الاتفاق، دون التعمد في الاطلاق، الذي هو بعد التأمل في الأعماق، من فم
مولانا المجلسي بل قلمه المسامح فيه فحسب.
وكان السبب في مثل صدور هذا الخبط العظيم، والخلط الجسيم، من
مثل هذا الرجل العليم، والحبر الحكيم - بناء على أن الصارم قد ينبو، والجواد
قد يكبو، بل الفاضل من تعد أغلاطه - هو ما ورد في الاخبار من أن: حب الشئ
يعمي ويصم (1).
فإذن المهم كل المهم، أن نعطف عنان الهمة إلى صوب كشف هذا
الملم، بتذنيب من الكلام هو لجدوى هذه الترجمة متم، ويتوجه منه النظر إلى
جواب هذه المغلطة العظمى، مدعى ودليلا، بأربعة وجوه.
ذكر في أولها شرح البون البعيد بين الرجلين، وذكر جملة من اللوازم
الباطلة للقول باتحادهما، مما أخرج الكتاب عن الكتب العلمية، وأطال الطعن
والتشنيع على السيد الجليل، معبرا عنه في خلال كلماته بالموحد، فكأنه أبدع في
الدين، وزاد أو نقص في شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله.
وذكر في ثانيها كلام صاحب الرياض، واحتج بما صنعه فيه من ذكره
القاضي الأمير حسين، الخالي عن النسبة إلى أبيه، في ترجمة له بالخصوص
مختصرة عقيب (2) ترجمة السيدين المقدمين بأكمل التفضيل، من غير إشارة إلى
منزلة فيه، أو قابلية دخوله في زمرة المصنفين من الأصحاب، أو نسبة شئ إليه
سوى محض النقل لما ذكره أستاذه المعظم إليه في حقه، قال: ويظهر منه كون
الرجل في ذلك العصر غير معروف بنسب أو حسب عند أحد من غير
الخواص، كأحد من المريدين لهم، بحيث لم يكن عنده في زمان التصنيف

(9) عوالي اللآلي 1: 290 / 149.
(2) كذا والصحيح: قبل. انظر الترجمة في الرياض 2: 30 والسيدين فيه صحيفة 62 و 88 و 91.
301

- من شدة خمول اسم الرجل عليه - بسمة أبيه... (1)
إلى آخر ما ذكره مما يقضي منه العجب، فكأنه ظن أن أحدا لا يطلع على
الرياض فاشتبه الامر على الناظرين، فإنه قال فيه. السيد القاضي الأمير حسين:
فاضل، عالم، جليل، نبيل، هو من مشايخ إجازة الأستاذ الاستناد - أدام الله
فيضه - إلى آخره (2). أليس كلامه صريحا في كونه عنده من العلماء الاجلاء؟!
أيشترط في عد الرجل منهم ذكر أبيه، أو كونه من المؤلفين؟ فلو اخرج الرجل
- للجهل باسم أبيه، وعدم تأليف له - من زمرة العلماء لخرج منهم جم غفير من
الذين ترجمهم في الكتاب المذكور، الذي يطعن فيه على معاصره شيخنا الحر
- رحمه الله - من ذكر بعض الرجال في أمل الآمل، الموضوع لذكر العلماء مع أنه
ليس منهم.
ففي ترجمة الامر سيد حسين المفتي المتقدم ما لفظه: ولقد أغرب شيخنا
المعاصر في أمل الآمل حيث قال: إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الحسن
الموسوي العاملي الكركي، عالم، فاضل، جليل القدر، شيخ الاسلام في
طهران، من المعاصرين، وهو ابن أخي ميرزا حبيب الله، أو ابن عمه،
انتهى.
إذ عد مثل هذا الرجل من العلماء، وإيراده في هذا الرجال المخصوص
بالفضلاء يورث الوهن في سائر من أوردها، ولذلك قد نسبنا إليه كل من لا
نعرفه، وانفرد هو بنقله، سيما في شأن معاصريه، كي تكون العهدة عليه.
ونظير ذلك بل أغرب منه، إيراده - رحمه الله - أميرزا حبيب الله المذكور أيضا في
هذا الرجال كما سيأتي، وكذا قوله: السيد ميرزا علي رضا بن ميرزا حبيب الله
الموسوي العاملي الكركي، كان عالما، فاضلا، محققا، مدققا، فقيها، متكلما،

(1) روضات الجنات 2: 331 - 334.
(2) رياض العلماء 2: 30.
302

جليل القدر، عظيم الشأن، شيخ الاسلام في أصفهان، توفي سنة إحدى
وتسعين والف، انتهى.
ونحوه قوله: السيد ميرزا محمد معصوم بن ميرزا محمد مهدي بن ميرزا
حبيب الله الموسوي العاملي الكركي، كان عالما، فاضلا (1)، جليل القدر،
عظيم الشأن، اعتماد الدولة في أصفهان، انتهى.
فإن عد هؤلاء من أجلة العلماء، وإدخاله في رجال هؤلاء الكبراء في
وقاحة شنعاء، لا سيما مع غاية المدح والاطراء، كما لا يخفى، انتهى ما في
الرياض (2).
فليتأمل المنصف في كلامه هذا، وفيما نسبه إليه في الروضات، من أنه
ذكر في عداد العلماء النبلاء الاجلاء، رجلا مجهولا لا يعرف إلا بحمله كتاب
فقه الرضا عليه السلام من مكة المعظمة إلى أصفهان، وإن ما نسبه إليه من
العلم، والفضل، والجلالة، والنبالة، في أصل الترجمة كأنه افتراء، مع أنه
احتمل في كلامه أن صاحب الرياض لاقاه.
وليت شعري ما الداعي لذكره فيه لولا أنه من العلماء، وكيف صار حمل
الكتاب - وإن كان الحامل ثقة، صالحا، ورعا - مقتضيا للضبط والترجمة،
والتوصيف بالعلم والجلالة؟! لولا معرفته به، واعتقاده بما وصفه به، مع كونه
في عصره، مع أن جميعهم وصفوه بالقضاوة.
وأنت خبير بأن حال القاضي وصفاته غير خفية على أهل عصره،
لابتلائهم به، إما: بعلو الدرجة في العلم، والفضل، والتقوى كما هو الغالب في

(1) في المصدر زيادة: محققا، جليل القدر، عظيم الشأن، شيخ الاسلام في أصفهان. انتهي،
ومثله قوله: السيد ميرزا محمد مهدي بن ميرزا حبيب الله الموسوي العاملي الكركي، كان عالما
فاضلا...
(2) الرياض 2: 63، 64.
303

قضاة أعصار الصفوية، الذين كانوا غير متمكنين من القضاوة والحكم إلا بعد
تصديق شيخ الاسلام المعاصر له، كالمحقق الكركي، والسيد المتقدم، والشيخ
علي المنشار، والشيخ البهائي، والمحقق السبزواري، وأضرابهم من أعاظم
العلماء، أو بالجهل، والحرص، والحيف، والطمع، وغيرها كما هو الغالب في طبقات من
بعدهم، فكيف يصير قاضيا، ويوصف بالقضاوة، ولا يعرف علمه، وجهله،
وعدالته وفسقه؟!.
وأعجب من ذلك نسبة المجلسي الأول إلى المسامحة في التوثيق، في قوله
كما تقدم. إن من فضل الله علينا، إنه كان السيد الفاضل، الثقة، المحدث،
القاضي أمير حسين - رحمه الهه - إلى آخره، ومثله كلام الثاني في البحار،
فلينصف الناظر.
إن حت ب التأييد والحجية أعمى وأصم السيد المؤيد بحر العلوم، أو حب
عدم الحجية أعمى من يتشبث له بهذه الأمور، التي هي أوهن من الحشيش،
من إنكار العلم والوثاقة في السيد بعد أزيد من مائي سنة، مع تصريح هؤلاء
الاعلام المعاصرين له بهما، وبالجلالة والنبالة، مع عدم وجود ما يعارض
كلامهم في حقه، ولو من جاهل غبي في عصره وبعده.
وأغرب منه أيضا إنه في هذا المقام نقل كلام صاحب الرياض في ترجمة
الفاضل السيد علي خان المدني، كما ذكرناه سابقا، وقال في آخره: وهو غريب،
ولم يذكر وجه الغرابة، ولم يتمكن من رده بتكذيب صاحب الرياض، أو تسامحه
وغفلته، أو تجهيله، فإنه عنده وعند كل من وقف على حاله فوق ما يحوم حول
الخيال، من البصيرة والاطلاع، والخبرة والمعرفة والضبط، مع شدة الوثاقة في
النقل، مع أن في هذا المنقول تكذيب جملة من دعاويه مع قطع النظر عن
الحجية وعدمها، كانحصار النسخة فيما أتى به القاضي، وإن المجلسي الأول
هو مروجها، وإنه لم يكن لها ذكر قبله، وغير ذلك مما مر.
قال: وثالثها: إن الرجل لو كان بمثابة من الفضل تتطرق هذه الشبهة
304

ساحتها، لما تطرق ريب ساحة حجية كتابه المأتي به، الموصوف أيضا من لدن
تحدثه عنه، مع ادعائه القطع بصدوره، والمفروض خلافه، ضرورة كون من
تقدم على هذا الموحد، وبعض مشايخه الاجلاء، المستفيد غاية جلالة الرجل
ومنزلته في العلم والدين من كلام المجلسيين، بين شاك في الامر، وسكت عن
الرد والاعتماد، ومشير إلى فتاواه على سبيل الارسال، وعاد إياه من جملة الكتب
المجهولة المصنف، أو منكر مل حجيته أشد الانكار مثل صاحبي الامل
والرياض، في ذيل ترجمته المذكورة، تبعا لسائر أفاضل محققينا المقدمين،
المطلعين على وجوه بين أظهرنا في الجملة يقينا، كما استفيد من كلمات من
ادعى بعد ذلك الظفر بنسخ الكتاب الموصوف، في خزانة مولانا الرضا عليه
السلام وغيره، اللازم منه حصول الاطلاع عليها من جملة من العلماء المتقدمين
والمتأخرين، فضلا عن الذين كتبوه ووقفوه، وأودعوه في تلك المواضع لما هو
الظاهر المعتضد بما قيل: كل سر جاوز الاثنين شاع، مع عدم ظهور إشارة
منهم إليه في شئ من المواضع، فضلا عن الاعتداد به، فليتأمل.
بيان الملازمة. أن الكتاب يصير بذلك من مصاديق ما أخبر بقطعية
صدوره عن المعصوم، رجل عدل مطلع على علوم الاخبار، بصير بدقائق
الأمور، فيصير بمنزلة الخبر الواحد العدل الكذائي المحدث عن الامام، المتفق
عل حجيته في هذه الاعصار، أولا أقل من الاجماعات المنقولة عنهم، المعتبرة
أيضا عند سائر أولي البصائر والابصار، ويدل على وجوب التعبد به بمحض
ذلك - أو بعد تعلق ظنون للاشخاص أيضا بموجبه - ما يدل على حجية أخبار
الآحاد، لعدم فهمهم. الفرق بين المقامين من جهة حسية المخبر عنه في الأول
دون غيره، فليتدبر.
فظهر من كل ذلك أن تركهم الاعتداد به كذلك، بل ترك سائر من
تأخر عن هذا الموحد المصر عل حجيته ليس إلا من جهة اعتقادهم عدم كون
الرجل بصيرا بشرائط مثل هذه الأخبار، لعدم ذكر له بمنزلة من منازل الرجال
305

في شئ من المواضع، يظن على مطابقة ما يذكر فيه لمتن الواقع، أو اعتقادهم
أنه لو كان يناقش في وجوه قطعه الناشئة عن قلة المعرفة بدقائق أنظار المجتهدين
حين ادعائه إياه، أو يقرأ عليه شرائط الرواية، أو يأنس بكلمات أهل بيت
العصمة، أو يطلع على قرائن الصدور، لتزلزل فيه، أو ردع عنه، أم تاب منه
إلى الله تعالى، كسائر قطعيات العوام الغير المأمونة عن الجهل المركب التي لا
حجية فيها لغيرهم بالاجماع، بخلاف الأولين اللذين هما بعد التأمل في
الأطراف يخبران عن الحس واليقين (1).
انتهى كلامه الذي فيه مواقع للنظر والتعجب، بل الاغفال والتعمية
التي لا ينبغي صدورها من أهل العلم:
أما أولا: فقوله: ضرورة كون من تقدم على هذا الموحد، إلى آخره.
وفيه: إن من تقدم عليه. المجلسيان، والفاضل الهندي، والسيد
المحدث الجزائري، والأستاذ الأكبر البهبهاني، والشيخ يوسف البحراني.
ومن عاصره: السيد صاحب الرياض، والمحقق المولى مهدي النراقي.
ومن تأخر عنه: المحقق الكاظمي، وغيرهم ممن أشرنا إلى أساميهم
الشريفة.
وهم أساطين الشريعة، ونواميس المذهب والملة، ولم يصل إلينا وإليه
كلام جملة ممن تقدم عليه يستظهر منه الرد والقبول، ومع ذلك استقلهم
واستحقرهم، وجعلهم شرذمة قليلة، ثم في تعبيره عن العلامة الطباطبائي
بالموحد مرة بعد أخرى ما لا يخفى من الركاكة.
وأما ثانيا: فقوله: بين شاك، إلى قوله: مثل صاحبي الامل والرياض.
فإنه لو كان بين من تقدمه من الأساتيذ من صرح بالشك أو الرد لذكره،
ولم نعثر إلى الآن عليه ولا نقله أحد، أليس هذه النسبة محض التخرص

(1) روضات الجنات 2: 335، 336.
306

والتخمين؟! وإنما ذكر صاحبي الامل والرياض لما وقف عليهما، أرأيت فقيها
متبحرا يذكرهما في قبال هؤلاء الاعلام؟ مع أن صاحب الرياض لم يكن من
أهل القوة والاستنباط، المحتاج إليهما في أمثال هذه الموارد، كما صرح به جمال
المحققين الخوانساري، في مجلس الشاه سلطان حسين الصفوي، في يوم
الأحد، تاسع ذي القعدة، سنة خمس عشرة بعد المائة والألف، لما طلب منه
السلطان تعيين أحد لاعطاء منصب الشيخ الاسلامي لما رده هو والسيد
الاجل مير محمد باقر الخواتون آبادي.
فقال المحقق: هنا جماعة أنت أعرف بأحوالهم، ليس أحد منهم
بمجتهد، ولا قابل شرعا لاعطاء هذا الشغل، فمن كان منهم أتقى وأرغب في
تحصيل العلم فاختره له.
وبالآخرة صار الامر مرددا بين أربعة، وهم: الشيخ علي المدرس في
مدرسة مريم بيگم، والميرزا عبد الله أفندي، والميرزا علي خان، ومير محمد
صالح الخواتون آبادي، إلى اخر ما ذكره الفاضل الخواتون آبادي المعاصر لهم في
تأريخه.
مع أنا نقلنا سابقا كلام صاحب الرياض في ترجمة السيد علي خان، وهو
ظاهر بل صريح في صحة النسبة عنده، وهذا الكلام منه بعد مدة مديدة عن
كلامه في ترجمة القاضي، فإنه في ترجمة القاضي، قال في حق أستاذه المجلسي:
أدام الله فيضه، وفي ترجمة السيد علي خان لما ذكره في جملة شراح الصحيفة قال:
وشرح الأستاذ الاستناد - قدس سره (1) -.
فظهر من ذلك أن ما كتبه أولا كان قبل عثوره عل النسخة المكية التي
كانت عليها - بتصريحه - خطوط العلماء وإجازتهم، وقبل عثوره على إجازة الأمير
غياث الدين كما تقدم، فلاحظ.

(1) رياض العلماء 3: 367.
307

وأما صاحب الامل، فهو الذي قال هو في حقه، في ترجمة صاحب
الدعائم ما لفظه: وأنت تعلم أنه لو كان لهذه النسبة واقع لذكره سلفنا
الصالحون، وقدماؤنا الحاذقون بأمثال هذه الشؤون، ولم يكن يخفى ذلك إلى
زمان صاحب الامل، الذي من فرط صداقته بقول بشيعية أبي الفرج الأصفهاني
الأموي الخبيث، إلى آخره (1)، فكيف صار في هذا المقام من المتبحرين
النقاد؟! الذي يعارض بقوله كلام هؤلاء الاعلام، مع أن نسبة الانكار بل
شدته إليه افتراء.
أما في الامل، فعد الكتاب من الكتب المجهولة (2).
وأما في الهداية فقال: تتمة: قد وصل إلينا أيضا كتب كثيرة قد ألفت،
وجمعت في زمانهم عليهم السلام نذكرها هنا، وهي ثلاثة أقسام - إلى أن قال -:
الثاني: ما لم يثبت كونه معتمدا، ولذلك لم ننقل عنه، فمن ذلك الفقه
الرضوي كتاب الرضا عليه السلام، وغير ذلك. الثالث: ما ثبت عندنا كونه
غير معتمد فلذلك لم ننقل عنه، فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة، إلى آخره (3).
وظاهر أن عدم العلم غير العلم بالعدم، والانكار من آثار الثاني لا الأول.
وأما ثالثا. فقوله: تبعا لسائر أفاضل محققينا المتقدمين، إلى آخره، لا
يخلو من الجزاف، سواء أراد من المتقدمين ما هو المصطلح بين أصحابنا، وهو
من تقدم على شيخ الطائفة، ولهذا يعدون ابن إدريس ومن بعده من
المتأخرين، أو من تقدم عل المجلسيين، أو على بحر العلوم على ما هو الظاهر
من كلامه، وليته أشار إلى أسامي بعضهم، ولو عثر عليه لنقله يقينا لشدة
حرصه على إثبات عدم حجية الكتاب من جهة عدم اعتناء الأصحاب به. وأما
عدم نقل اعتباره عن جملة منهم فلا يدل على عدم اعتباره، لكونه أعم منه،

(1) روضات الجنات 8: 149.
(2) أمل الآمل 2: 364.
(3) هداية الأمة: مخطوطة.
308

ومن عدم العثور عليه، أو ظن عدم الحاجة إليه لعكوف الأصحاب على أبواب
الكتب الأربعة قديما وحديثا، وبناهم على عدم الحاجة إلى المراجعة إلى غيرها.
وعلى ما ذكره من المقدمات التخمينية تتطرق الشبهة إلى كثير من مآخذ البحار
والوسائل، كما أشرنا إليه سابقا، إذ لم ينقل عنها، ولا اعتمد عليها، ولا أشار
إليها من تقدم على صاحبيهما، من أرباب المؤلفات والتصانيف في الفقه
والاحكام.
وأما رابعا: فقوله: رجل عدل مطلع على علوم الاخبار، بصير بدقائق
الأمور، إلى آخره (1).
فإنا لم نطلع إلى الآن من بين الفقهاء والأصوليين، فضلا عن المحدثين
والأخباريين، على اختلاف مشاربهم في حجية الخبر الواحد من اشترط في
الراوي بعد العدالة، والضبط بالمعنى العدمي - لا الوجودي الذي هو من
شروط الكمال - كونه عالما، مطلعا بعلوم الاخبار، وبصيرا بدقائق الأمور، حتى
على طريقة صاحب المعالم، الذي اشترط في صحة الخبر كون الراوي ممن زكاه
عدلان (2)، فضلا عمن اكتفى في التزكية بالظنون، والامارات الداخلية
والخارجية، فضلا عمن لم يشترط في الحجية عدالة الراوي، ولم يقتصر على
الصحيح من الاخبار، وعمل بالموثق، والحسن، والضعيف المنجبر، كما عليه
الأساطين منهم، وقريب منهم من اقتصر في الحجية على ما اطمأن بصدوره
بالقرائن الداخلية والخارجية، وهو الخبر الصحيح على طريقة القدماء، كما
حقق في محله.
وعلى ما ذكره لا تكاد تجد خبرا صحيحا في الكتب الأربعة، فضلا عن
غيرها، فإن الصحيح على ما ذكره هو ما كان تمام رجال سنده مثل زرارة، ومحمد

(1) روضات الجنات 2: 336.
(2) معالم الدين: 204.
309

ابن مسلم، ممن حاز بعد العدالة والوثاقة، مقام العلم، والاطلاع، والبصيرة
بدقائق الأمور، وهو غير موجود أو نادر، بل الغالب في الصحاح وجود واحد أو
أكثر في سندها ممن اقتصروا في ترجمته بذكر التوثيق، أو أثبتوا وثاقته بالامارات،
ككونه ممن روى عنه صفوان، أو البزنطي، وغير ذلك، وليس في كلامهم إشارة
إلى إحرازه المقامات المذكورة فتخرج هذه الطوائف من الصحاح - وهي جلها - عن
حدود الصحة والحجية، وفيه من اللوازم الباطلة ما لا يخفى عل أحد من أهل العالم.
وأما خامسا: فقوله: فيصير بمنزلة الخبر الواحد العدل الكذائي المحدث
عن الامام، المتفق على حجيته في هذه الاعصار.
فإنه صحيح، غير قوله: الكذائي، المشير به إلى ما اشترطه في الحجية،
مما هو من خصائه، إلا أنهم مختلفون في وجه الحجية، ولا يوجب دخول الخبر
المذكور في حد الصحيح التزام كل طائفة منهم بأخذه.
فمن كان الحجة عنده الخبر الموثوق بصدوره، فرب صحيح لا يعمل به
لعدم الاطمئنان بالصدور؟ لأمور تبعده، ولعل منه الخبر المذكور بالنظر إلى
الموهنات السابقة، وكذا من اقتصر على حصول الظن به! لما ذكر، ومن
المحتمل دخوله في الاخبار الحدسية، بملاحظة بعض مقدماته عند بعضهم،
فلا تشمله أدلة الحجية.
وكذا من جعل الحجة ما يحصل به الظن بالواقع، فلعله لا يحصل له
الظن به بعد النظر إلى الموهنات المذكورة.
مع أن فيمن اعتنى به على أحد الوجهين من كونه من تأليفه أو إملائه غنى
عن تخلف من تخلف، بل يمكن جعل ما ذكر اعتراضا عليهم، من عدم
تمسكهم بما هو جامع لما قرروه من الشرائط.
وأما سادسا: فقوله: أو لا أقل من الاجماعات المنقولة، إلى آخره (1)، ففيه

(1) روضات الجنات 2: 336.
310

أن المحقق الثابت عند أولي البصائر في هذه الاعصار عدم الحجية والاعتبار.
وأما سابعا: فقوله: إن تركهم الاعتداد به، إلى قوله: عدم كون الرجل
بصيرا، إلى آخره (1)، ففيه مضافا إلى ما عرفت - من عدم اشتراط أحد في الخبر
ما اشترطه - أنه كان جامعا لما قرره! لما تقدم من كلام صاحب الرياض من أنه
كان عالما فاضلا، جليلا، فإن أراد ما هو فوق هذا المقام فالمشتكى إلى الله
تعالى، وإن خطأ صاحب الرياض في كلامه، فلا يمكنه ذلك! لاعترافه بأنه
المبرز المقدم في هذا الفن، مع كونه في عصره.
ثم في باقي كلامه من الضعف والوهن ما لا يخفى على النقاد البصير.
وذكر في الوجه الرابع ما خلاصته: إن المجلسي الأول الذي هو الباعث
على إيقاظ هذه الفتنة النائمة، كان سبب اعتماده على هذا الكتاب مطابقة
فتاوى علي بن بابويه في رسالته، وفتاوى ولده الصدوق في الفقيه، لما فيه من
غير تغيير أو تغيير يسير، وعليه لا يمكن تنزيله منزلة خبر الواحد العدل المستدل
على حجيته بمفهوم آية النبأ، أو الأخبار المتواترة، أو عمل الأصحاب، أو غير
ذلك (2).
قلت: إن المجلسي أخبر عن القاضي المذكور - الذي صرح بأنه ثقة عدل -
أن هذا الكتاب من الإمام عليه السلام، وبه يدخل في الاخبار الصحاح،
فيشمله ما دل على حجيتها سواء اطمأن المجلسي بما أخبره به من جهة نفس
اخباره، أو كان سبب اعتماده عليه القرائن الخارجية الدالة على صحة صدور
متنه - كالمطابقة المذكورة - لا على واقعية مضمونه، فاسد (3) إذ لا مدخلية لاعتقاد
الراوي بعد إحراز الشرائط فيه وفي المروي عنه، بل لو كان المروي عنه كذابا

(1) روضات الجنات 2: 336.
(2) روضات الجنات 2: 336.
(3) كذا، ولم نهتد إلى وجها، والصحيح عدمها. وهي موجودة في الأصل الحجري.
311

وضاعا عند الراوي، وثقة ثبتا عند غيره، فروى عنه حديثا فالخبر صحيح، لا
جناح في العمل به فضلا عن مثل المقام، فلعله بملاحظة غرابة الخبر، أو بعض
الموهنات أراد جبر كسره - مع اجتماعه للشرائط - بما ذكره في المؤيدات، والله
العالم.
وحاصل ما ذكره في الوجوه الأربعة، وأتعب نفسه في طول العبارة: أن
القاضي مير حسين لم يكن من العلماء العارفين بدقائق الاخبار، وهو الوجه في
عدم اعتناء العلماء بما أخبر من أمر الكتاب، وإنه لو كان منهم لتلقوه بالقبول.
وقد عرفت ما في جميع تلك الدعاوي من الضعف، وما رأينا أحدا فصل
في شمول أدلة حجية خبر العادل في أمثال المورد، بين كون الراوي العادل عالما
بصيرا، وبين غيره، فإن المخبر به فيها إن كان من الأمور الحسية - كما أشرنا إليه
سابقا، واعترف به في كلامه - تشمله الأدلة، وإن نوقش في ذلك بملاحظة أن
بعض مقدماته حدسية فلا تشمله، وإن كان الراوي في أعلى الدرجة من العلم
والخبرة.
ثم أعلم أن من سنن الله التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا، على ما نطق
به كلام أهل العصمة عليهم السلام، وعاضده الاستقراء والتجربة: إن من عير
مؤمنا بذنب لم يمت حتى يرتكبه، وهذا السيد المعظم صاحب الروضات مع
طول باعه، وكثرة اطلاعه، وتعييره العلامة الطباطبائي بما لا مزيد عليه من
جهة اعتقاده اتحاد السيدين، بل الثلاثة مع اختلاف الطبقة. وقد عرفت
أن اتحاد القاضي مع أحدهما غير مناف للطبقة. وما بينه والاخر لا يزيد على
ثلاثين سنة.
قد صدر منه في الكتاب المذكور في موارد عديدة أعجب من هذا بمراتب
عديدة، نشير إلى بعضها، والباقي موكول إلى تتبع الناظر:
منها: قوله في ترجمة المقدس الأردبيلي: ثم إن من جملة كراماته التي نقلها
صاحب اللؤلؤة، عن تلميذه السيد نعمة الله الجزائري - رحمه الله - هو
312

أنه،... إلى آخره (1).
وولادة السيد بعد وفاة المولى المذكور بأزيد من خمسين سنة، كما يأتي في
الفائدة (2) الآتية.
ومنها. قوله في ترجمة علامة عصره الشيخ أبي الحسن، الشريف العاملي
الغروي، في ضمن ترجمة الا ميرزا محمد الاخباري، المتأخر، المقتول بمناسبة
جزئية، وفي ذلك من إساءة الأدب بالنسبة إلى هذا المولى الجليل ما لا يخفى،
قال: وقد كان من أعاظم فقهائنا المتأخرين، وأفاخم نبلائنا المتبحرين، سكن
ديار العجم. طوالا من السنين، ونكح هناك في بعض حوافد مقدم المجلسيين،
ثم لما هاجر إلى النجف الأشرف نكح في بعض بناته والد شيخنا الفقيه
المعاصر، صاحب كتاب جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن بن المرحوم الشيخ
باقر، انتهى (3).
وعلى ما ذكره. أم صاحب الجواهر بنت الشيخ أبي الحسن، وهو الوجه
في تعبيره عن المولى المذكور في الجواهر بالجد، كما في باب الاستخارة (4)،
والرضاع (5)، وغيرهما.
وأنت خبير بها فيه من الوهم المهين، ولوازمه الباطلة أضعاف ما أوردها
على العلامة السابق، فان وفاة المولى الذي هو من تلامذة المولى المجلسي في سنة
1140، وصاحب الجواهر في سنة 1260، ولم يستند ما ذكره إلى محل.
والذي وجدناه في الوقفنامه التي كان عليها خط جماعة من العلماء
الفقهاء، كفقيه عصره الشيخ راضي، وسبط كاشف الغطاء الشيخ مهدي،

(1) روضات الجنات 1: 81.
(2) الثالثة، وحاصله: ان وفاة المقدس الأردبيلي سنة 993، وولادة السيد الجزائري سنة 1050
ووفاته سنة 1112. ومنشأ هذا توهم عود ضمير تلميذه إلى الأردبيلي بينما هو عائد إلى المجلسي.
(3) روضات الجنات 7: 142.
(4) جواهر الكلام 12: 175.
(5) جواهر الكلام 29: 313.
313

وغيرهم، ما صورة محل الحاجة منها هكذا:
على ذرية ملا أبو الحسن، وهم الشيخ أبو طالب، وأخته فاطمة، ثم لما
توفيا رجع الوقف إلى ولد أبي طالب المذكور، وهو الشيخ علي، والى آمنة بنت
فاطمة المذكورة، ومن بعد وفاة الشيخ علي وآمنة المذكورين، رجع الوقف
المذكور إلى ولد الشيخ علي، وهو الشيخ حسن، والى الشيخ باقر بن آمنة، ثم
لما توفيا رجع الوقف إلى أولاد الشيخ حسن، وهم الشيخ حسين، والشيخ
محمد، وحليمة، وخديجة، والى ولد الشيخ باقر، وهو جناب الشيخ المرحوم
الشيخ محمد حسن - طاب ثراه - انتهى موضع الحاجة منها.
والشيخ الطالب المذكور من العلماء المعروفين، ذكره السيد عبد الله
الجزائري في إجازته الكبيرة، وبالغ في مدحه (1).
ومنها: قوله في ترجمة السيد عبد الكريم بن طاووس: إن من جملة
أساتيذه ومشايخه الامامية والده - إلى أن قال - والشريف أبي الحسن علي بن
محمد بن علي العلوي العمري النسابة، مؤلف كتاب (المجدي في أنساب
الطالبيين) (2) ونسب كل ذلك إلى الرياض أيضا.
وهذه عثرة لا تنجبر، فإنه من معاصري السيد المرتضى، وقد صرح في
المجدي على ما في الرياض (3) أنه دخل على السيد سنة 425، فبينه وبين ابن
طاووس أزيد من مائتي سنة، وما نسبه إلى الرياض افتراء محض، فلاحظ.
إلى غير ذلك مما لا يحصى، ويأتي بعضه في الفائدة الآتية.
وقد وفينا - بحمد الله تعالى - بما وعدناه من ذكر ما قيل، أو يمكن أن
يقال من الوجوه والقرائن، لاعتبار الكتاب المذكور، والشواهد والموهنات (4)

(1) إجازة السيد عبد الله الجزائري الكبرى: 27.
(2) روضات الجنات 4: 223.
(3) انظر: الرياض 4: 231 و 3: 164. والسبب في ذلك هو الاشتباه في عود الضمير في عنه. فلاحظ.
(4) كذا، ولعل الصحيح. والموهنات والشواهد.
314

لعدمه، فعلى الناظر أن يتأمل فيها، وينظر إليها بعين الانصاف، ويختار ما أداه
إليه نظره الثاقب بعد مجانبة الاعتساف، ولنا على ما ادعيناه في صدر كلامنا
شاهد لا حجة فيه لغيرنا، والله على ما نقول وكيل.
بقي التنبيه على أمرين.
الأول: فيما ظنه، أو احتمله بعض الأصحاب من كونه بعينه رسالة علي
ابن بابويه إلى ولده كما تقدم، وليس لهم على ذلك شاهد سوى مطابقة عبارة
كثير من، مواضع الكتاب لها، ويوهنه:
أولا: ما ذكرناه في الوجه السادس مما في (الرضوي) من الكلمات الدالة
على صدورها من المعصوم، أو العلوي من السادة.
وثانيا: ما في أول الخطبة من قوله: يقول عبد الله علي بن موسى الرضا،
واحتمال زيادة كلمة الرضا من النساخ لا يعتنى به، إلا بعد ثبوت الاتحاد المفقود
دليله.
وثالثا: بما تقدم من أن النسخة المكية كان تأريخ كتابتها سنة مائتين،
والقمية كتبت في زمان الرضا عليه السلام على ما ذكره السيد، وهذا أمر
محسوس لا سبيل للخطأ فيه إلا في الندرة، ووفاة علي بن بابويه في سنة ثمان،
أو تسع وعشرين وثلاثمائة، فكيف يحتمل كونه رسالته؟.
ورابعا: ما يوجد في خلال الرسالة على ما في كتب ولده الصدوق من
قوله في صدر بعض المطالب: يا بني افعل كذا وكذا، وليس منه في الرضوي
أثر أصلا.
وخامسا: ما فيهما من المخالفة ما لا يتوهم بينهما الاتحاد، ففي المقنع:
قال والدي في رسالته إلي: إذا لبست يا بني ثوبا جديدا، فقل: الحمد لله الذي
كساني من اللباس ما أتجمل به في الناس، اللهم اجعلها ثياب بركة أسعى فيها
بمرضاتك، وأعمر فيها مساجدك، فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: (من فعل ذلك لم يتقمصه حتى يغفر له)، وإذا أردت لبس السراويل،
315

إلى آخره (1).
وفي الرضوي: وإذا لبست ثوبك الجديد، فقل: الحمد لله الذي كساني
من الرياش ما أواري به عورتي، وأتجمل به عند الناس، اللهم اجعله لباس
التقوى، ولباس العافية، واجعله لباسا أسعى فيها لمرضاتك، وأعمر فيها
مساجدك، وإذا أردت أن تلبس السراويل، إلى آخره (2).
وإن شئت الزيادة فعليك بالمراجعة.
وسادسا: إن الموجود في كتب الأحاديث والرجال التعبير عن والد
الصدوق بقولهم: علي بن الحسين، أو علي بن بابويه، ولم أجد موضعا عبر فيه
عنه بعلي بن موسى، كي يقاس عليه الموجود في خطبة الكتاب.
هذا وللسيد المؤيد صاحب الرسالة هنا كلام لا بأس بنقله، بل جعله
تاسع الموهنات، فتنطبق عدد قرائن الاعتبار، وعدد عدمه، قال:
إن من تتبع ما حكاه الصدوق عن رسالة أبيه إليه في تضاعيف أبواب
الفقه، وشاهد ما نقله في ذلك الكتاب من عبارات الرسالة، والتفت إلى
موافقة أكثر هذه العبارات لعبارات (الفقه الرضوي) حصل له القطع بأن
هذه الموافقة التامة لم تقع من باب الاتفاق، وحصل له العلم بأن الامر دائر بين
أمور خمسة:
أحدها. أن يكون ذلك الكتاب، مأخوذا من الرسالة.
وثانيها: أن تكون الرسالة مأخوذة عنه.
وثالثها: أن يكون كل منهما مأخوذا من ثالث.
ورابعها: أن يكون الرضوي مأخوذا مما اخذ من الرسالة.
وخامسها: عكسه.

(1) المقنع: 194.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 395.
316

وعلى كل من هذه الوجوه يلزم عدم كونه من تأليفه (عليه السلام).
أما على الأول، والثالث، والرابع فهو من أوضح الواضحات.
وأما على الثاني، فلان سياق كلماته - على ما حكى عن رسالته - ينادي
بأعلى صوتها أن ما يذكر فيه من عبارته التي أنشأها، وأنه ليس من كلمات غيره
وهو الذي فهمه منه ولده الصدوق على ما يعطيه سياق نقله عنه في الفقيه.
وأيضا نقول: إن عليا إما لم يعلم أنه من تأليف الإمام عليه السلام، وظنه
تأليف غيره أم لا، وعلى كل منهما يلزم محذور.
أما على الأول، فلانه لا يخفى على ذي فطنة، بصير بأحوال القدماء
الاجلاء، خبير بديدن هؤلاء الاعلام، أن جلالة علي، وعلو قدره، وسمو
مرتبته، مما يأبى عن أن يظن في حقه أنه أخذ رسالته المذكورة من كلمات غير
الامام، وذكر عبارات ذاك الغير في كتابه، ونسبها إلى نفسه، وسكت عن بيان
أصله، فإن هذا أمر قبيح، وتدليس شنيع، وعجز بين، لا ينبغي أن يصدر
ممن شم رائحة العلم، فضلا عن أن يصدر عن علي بن بابويه. وأيضا من
البعيد أن يقال: إن ذلك الكتاب كان من تأليف الامام، وقد خفي على علي،
بحيث ظنه من تأليف غيره، مع أنه - رحمه الله - كان أكثر تتبعا، وأقرب عصرا،
وأشد اهتماما في أمثال هذه الأمور.
ومن الواضح أن أمثال علي بن بابويه ما كانوا يكتفون بمجرد سواد على
بياض، وما كانوا يعتمدون على ما لم يثبت لديهم قائله، أو على كتاب لم يكن
لهم طريق معتبر إلى مؤلفه، كما لا يخفى على من أمعن النظر في تضاعيف
فهرست الشيخ، ورجال النجاشي، ونظائرهما من كتب الرجال.
وأما على الثاني، فيلزم محذور أشد مما ذكرنا، فإن الطبع السليم، والفهم
القويم المستقيم، مما يحكم بأن هذا الكتاب لو كان حاله معلوما لدى علي بن
بابويه، وكان يعلم أنه من تصنيف الإمام عليه السلام لما كان يخفيه عن ولده
الصدوق، الناقد البصير، ولكان يطلعه على ذلك. وقد عرفت مما مر أن من
317

تأمل في كلمات شيخنا الصدوق، ولاحظ مؤلفاته المشهورة، المتداولة بيننا في
هذه الاعصار، وتأمل في تضاعيف كتابه الذي عمله لبيان أحوال مولانا الرضا
عليه السلام وأخباره، وكذا كتاب فقيهه الذي عمله في الفقه، وسعى في تهذيبه
وتنقيحه، وجعله حجة فيما بينه وبين الله، حصل له العلم بأنه لم يكن لديه.
وأما الخامس: فيظهر حاله مما فصلناه سابقا، ولا يخفى أنه من أبعد
الوجوه.
وحيث قد وقفت على ما تلوناه عليك، علمت أن ما مر - من أن كون
كثير من عباراته عبارات (رسالة علي، مما يؤيد اعتباره - خلاف التحقيق، وإن
الامر منعكس.
قال. وما يتوهم من أن بناء الصدوق على الاعتماد على) (1) رسالة أبيه،
يشهد بأنه كان يعلم أنه أخذها من هذا الكتاب، ومنه يظهر عذره في عده
الرسالة في الفقيه من الكتب التي عليها المعول، وإليها المرجع، فإنه لم يكن
يقلد أباه حاشاه عن ذلك.
مدفوع، بأنه يكفي في اعتماده عليه علمه بأن ما يذكره فيه مأخوذ عن
أهل بيت العصمة والطهارة، وإنه ملخص من متون الأخبار المعتبرة المعتمدة،
وليس أمرا صادرا عن اجتهاد، وعن سائر القواعد المستنبطة المعروفة بين
أصحابنا المتأخرين، كما يشهد به ديدن القدماء.
ولذا ذكر شيخنا الشهيد في الذكرى أن الأصحاب كانوا يتمسكون بما
يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه عند إعواز النص، لحسن ظنهم
به، وإن فتواه كروايته (2)، فإن الظاهر أن كتاب الشرائع هو الرسالة إلى ولده

(1) بين القوسين ساقط من المخطوط.
(2) الذكرى: 4 السطر الأخير.
318

كما قال النجاشي (1)، وهو أضبط من شيخ الطائفة في أمثال هذه الأمور، فما
يظهر من الشيخ في فهرسته (2) من تغايرهما، حيث عد كلا منهما من كتب علي،
وعطف أحدهما على الاخر خلاف التحقيق، انتهى كلامه (3).
قلت: ولقد أجاد فيما أفاد، إلا أن نتيجة ما ذكره من المقدمات بعد
التأمل التام عكس المراد.
توضيح ذلك: إن ما في الشرائع كما عرفت متون الأخبار المعتبرة عند
الأصحاب، بل أصح وأتقن مما في مقنع ولده، الذي صرح في أوله بأنه حذف
أسناد ما أودعه فيه، لوجود كله في الأصول الموجودة، المروية عن المشايخ العلماء
الثقات، للاتفاق المذكور في كلام الشهيد - رحمه الله - فيه دونه، وقد عرفت،
واعترف هو بمطابقة عباراته المنقولة لعبارة (الرضوي) بحيث لا يمكن جعلها
من باب الاتفاق.
وظاهر أن سياقها ينادي بأعلى صوته أنها صادرة من واحد، سواء كان
منشئها علي بن بابويه، أو صاحب الكتاب، أو ثالث كان كتابه مأخذا لهما،
فالموجود في (الرضوي) المطابق لما في الشرائع صادر من معدن العصمة، فهو
إما من الرضا عليه السلام إملاء، أو تأليفا، أو ممن أخذه منه، أو من إمام آخر.
ومن تأمل في الرضوي لا يكاد يشك في أنه غير مأخوذ من كتاب آخر، أو مروى
من شخص آخر، وإن صاحبه أنشأه من غير توسل بغيره. فإذا لم يكن موضوعا
ومختلفا - كما اعترف به في مواضع من الرسالة - ولا يحتمل كونه من الأئمة
السابقة عليه عليهم السلام، فينحصر كونه له عليه السلام واحتمال
الانتساب إلى الأئمة اللاحقة بعيد، لعدم ذكر منهم عليهم السلام فيه،

(1) رجال النجاشي: 261 / 684.
(2) الفهرست: 93 / 382.
(3) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 27.
319

وكون تأريخ النسختين في عهده عليه السلام.
وأما اخفاء علي عن ولده ذلك، بقرينة عدم تعرض له (للرضوي) في
كتبه، خصوصا العيون، ففيه بعد النقض بالرسالة الذهبية، التي اعترف هو
باعتبارها وصحتها، وليس له ذكر في كتبه أصلا، فهي شبهة بد من رفعها
على كل الوجوه، ولو قلنا بعدم كونه له عليه السلام، أو لغيره من الأئمة
عليهم السلام، فإن عليا كان يعلم من أي كتاب أخذه، والى أي إمام تنتهي
هذه العبارات، التي هي متون ما صدر منه، التي لا شك في وحدة منشئها،
وأنها لم تكن أخبارا متشتتة، وأحاديث متبددة، بأسانيد مختلفة، وطرق متفرقة،
من أئمة متعددة عليهم السلام، ألقى علي أسانيدها، وانتظمها في سلك
واحد، خصوصا بملاحظة المطابقة المذكورة، الظاهرة على هذا الاحتمال
السخيف، في أن صاحب الكتاب هو الجامع للشتات قبله.
فنقول كما قال: إن عليا [إما] أخفى عن ولده مأخذ هذه العبارات الصادرة
عن الأئمة السادات أو لا، وعلى التقديرين يلزم ما ذكره من المحذورات حرفا
بحرف، فإن الصدوق على ما أسسه من الكلام كان يعلم مأخذ ما في رسالة
أبيه إليه، الذي لا بد وأن يكون معتبرا معتمدا عند الأصحاب، وعليه فلم لم
يشر في موضع إليه، واعتمد في مواضع الحاجة على النقل منها والاتكال
عليها، فهل هذا إلا مجازفة في القول، وتشبث بأوهى من الهشيم؟! وأي فرق
بين كون مأخذ الرسالة (الرضوي) الذي يستوحش منه، أو غيره الذي لابد
وأن يكون من أصول الأصحاب؟ فكيف جاز الاخفاء من الوالد والولد في
أحدهما، ويستبعد في الاخر؟.
الثاني: إنه على القول بعدم كون له عليه السلام، وعدم كونه من
الموضوعات والمجعولات، وعدم كونه رسالة شرائع علي بن بابويه، وإن ما فيه
من الاخبار القوية أو الضعاف القابلة للانجبار، فجامعه ومؤلفه غير معلوم،
وإن علم إجمالا أنه كان في عصر الأئمة عليهم السلام وزمان الحضور، لبعض
320

القرائن الموجود فيه، ولكن يوجد في كلمات بعضهم بعض الاحتمالات، لا
بأس بالإشارة إليها.
فمنها: ما وجدناه منقولا عن خط السيد السند المؤيد صاحب مطالع
الأنوار، على ظهر نسخة من هذا الكتاب ما لفظه - بعد الاصرار على عدم كونه
له عليه السلام -: ويحتمل أن يكون هذا الكتاب لجعفر بن بشير، لما ذكره شيخ
الطائفة في الفهرست: جعفر بن بشير البجلي، ثقة جليل القدر، له كتاب ينسب
إلى جعفر بن محمد عليهما السلام، رواية علي بن موسى الرضا عليهما
السلام (1)، انتهى كلامه.
وجعفر بن بشير لما كان من أصحاب مولانا الرضا عليه السلام، يمكن
أن يكون ما كتبه في أول الكتاب، عن لسانه عليه السلام، فصار منشأ لنسبة
الكتاب إليه عليه السلام وكان الكتاب قبل زمان الشيخ منسوبا إلى جعفر
ابن محمد عليهما السلام، للاشتراك في الاسم، كما أنه في هذه الأزمنة مما ينسب
إلى مولانا الرضا عليه السلام.
قال - رحمه الله -: ويحتمل أن يكون هذا الكتاب لمحمد بن علي بن الحسين
ابن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، لما قال
النجاشي في ترجمته ما هذا لفظه: له نسخة يرويها عن الرضا عليه السلام،
أخبرنا أبو الفرج محمد بن علي بن قرة - إلى أن قال - حدثنا محمد بن علي بن
الحسين بن زيد، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليهما السلام بالنسخة (2).
وقال النجاشي أيضا: وريزة بن محمد الغساني له كتاب عن الرضا عليه
السلام، أخبرنا أحمد بن (3)، إلى آخره.

(1) فهرست الشيخ: 43 / 131.
(2) رجال النجاشي: 366 / 992.
(3) رجال النجاشي: 432 / 1163.
321

ويحتمل أيضا أن يكون لعلي بن مهدي بن صدقة بن هشام بن غالب بن
محمد بن علي الرقي الأنصاري، لما في النجاشي أن له كتابا عن الرضا عليه
السلام، قال: أخبرنا محمد بن عثمان (1)، إلى آخره، انتهى المنقول من خطه
- رحمه الله -.
ومنها:. ما في الرسالة السابقة قال: وبالجملة ففي المقام احتمالات:
أحدها: أن يكون هذا الكتاب من تأليف الامام الثامن عليه السلام،
وقد عرفت ضعفه مفصلا.
وثانيها: (أن يكون كله أو بعضه مجعولا عليه، وقد ظهر ما فيه أيضا.
وثالثها:) (2) أن يكون متحدا مع رسالة علي بن بابويه، وضعفه أيضا
ظاهر.
وقال: ورابعها: أن يكون من مؤلفات بعض أكابر قدماء رواة أخبارنا،
أو فقهائنا العاملين بمتون الاخبار، وهو الذي يقوى في نفسي، ويترجح في
نظري بمقتضى ما حصل لي من القرائن والامارات.
وخامسها: أن يكون عين كتاب المنقبة الذي قد ذكر جماعة من
الأصحاب، منهم الشيخ الجليل ابن شهرآشوب، والشيخ السعيد السديد
علي بن يونس العاملي، في كتاب المناقب (3)، والصراط المستقيم (4)، أنه تصنيف
الامام الهمام مولانا أبي محمد العسكري عليه السلام، ويؤيده ما ذكراه أنه
مشتمل على أكثر الاحكام، ومتضمن أغلب مسائل الحلال والحرام، ثم
استبعده ببعض ما مر في الرضوي (5).

(1) رجال النجاشي: 277 / 728.
(2) ما بين القوسين ساقط من المخطوطة.
(3) ذكر له في المناقب 4: 424، أن له كتاب المقنعة.
(4) الصراط المستقيم،: لم نعثر عليه فيه.
(5) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 41.
322

44 - فلاح السائل:
وهو الجزء الأول من الاجزاء العشرة من كتاب (التتمات والمهمات)
للسيد رضي الدين علي بن طاووس - رحمه الله - وجلالة قدر مؤلفه،
واتقانه وتثبته في كل ما ينقله أشهر - عند كل من عاصره، أو تأخر - من أن
يذكر، جزاه الله تعالى عن الاسلام والمسلمين خير جزاء الصالحين، وقد ذكرنا
شرح حال التتمات، وأسامي أجزائها على الترتيب الذي وضعه في آخر
الصحيفة الرابعة السجادية، من أرادها فليراجعها (1).

(1) كشف المحجة: 137.
323



(1) مطبوع مشهور.
(2) مطبوع أيضا مشهور.
(3) طبع أخيرا ضمن سلسلة مصادر بحار الأنوار من قبل المؤسسة.
(4) مطبوع معروف.
(5) الأمان من الاخطار: 90 - 91.
324



(1) الاقبال: 541.
(2) الاقبال: 726.
(3) الاقبال: 531.
(4) الاقبال: 302.
325



(1) الاقبال: 2.
(2) الجنة الواقية: لم نعثر عليه فيه.
326

45 - كتاب مشكاة الأنوار في غرر الاخبار:
قال في الرياض: الشيخ ثقة الاسلام أبو الفضل علي بن الشيخ رضي
الدين أبي نصر الحسن بن الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل
الطبرسي، الفاضل العالم، الفقيه المحدث الجليل، صاحب مشكاة الأنوار،
روى عن السيد السعيد جلال الدين أبي علي بن حمزة الموسوي وغيره، كما يظهر
من المشكاة المذكور، وله من المؤلفات أيضا كتاب (كنوز النجاح) في الأدعية،
وينقل عن هذا الكتاب ابن طاووس في (المجتنى من الدعاء المجتبى) (1) وغيره،
وكذا الكفعمي في (المصباح) كثيرا، وهذا الشيخ سبط الشيخ أبي علي الطبرسي
صاحب (مجمع البيان)، وقد ألف المشكاة المذكور تتميما لكتاب (مكارم الأخلاق
) لوالده أبي نصر الحسن بن الفضل المذكور، فيكون نسب هذا الشيخ
هو: أبو الفضل علي بن رضي الدين أبي نصر الحسن بن أمين الدين أبي علي
الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، وحمله على غلط الكاتب، وأنه كان
أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، مما لا حاجة إليه.
ومما قلناه وضح اسم سبطه - أعني مؤلف كتاب مشكاة الأنوار - وإن كان
مخفيا عل الأستاذ الاستناد في بحار الأنوار (2).
وقد نقل الشيخ نعمة الله بن خاتون العاملي في الرسالة المعمولة لمعنى
العدالة، بعض، الفتاوى عن الشيخ أبي الفضل الطبرسي.
ونقل الأمير سيد حسين المجتهد أيضا، في أواخر كتاب (دفع المناواة)
عن كتب ثقة الاسلام أبي الفضل الطبرسي بعض الفوائد.
والظاهر أن مرادهما به هو هذا الشيخ، وعلى هذا فله مؤلفات أخرى.

(1) انظر: 84، 86، 87 منه.
(2) بحار الأنوار 1: 9، حيث نسبه إلى السبط من دمون ذكره بالاسم.
327

وقد يستشكل بأن ثقة الاسلام لقب جده صاحب " مجمع البيان " ولكن
الامر فيه سهل لاحتمال الاشتراك، مع أن المشهور في لقب جده هو (أمين الدين).
وقال الأستاذ الاستناد - أيده الله تعالى - في أول البحار: وكتاب مشكاة
الأنوار لسبط الشيخ أبي علي الطبرسي، ألفه تتميما لمكارم الأخلاق تأليف والده
الجليل، ثم قال: وكتاب مشكاة الأنوار كتاب طريف، يشتمل على أخبار
غريبة، انتهى (1).
وأقول: قال نفسه في أول المشكاة المذكور - بعد إيراد حكاية تأليف والده
كتاب (مكارم الأخلاق) وكتاب (الجامع) الذي لم يتمه كما سبق في ترجمته -
بهذه العبارة: ثم سألني جماعة من المؤمنين، الراغبين في أعمال الخير أن أؤلف
هذا الكتاب فتقربت إلى الله عز وجل بتأليفه، وكتبت ما حضرني من ذلك،
ورتبته وبوبته، وتركت في آخر كل باب أوراقا لاحق به ما شذ عني، وسميت
هذا الكتاب بمشكاة الأنوار في غرر الاخبار، انتهى كلام صاحب
الرياض (2).
قلت: ويأتي أن كتاب كنوز النجاح من مؤلفات جده، وصرح به في
الرياض أيضا في ترجمة جده (3)، وأغلب أخبار المشكاة منقولة من كتب
المحاسن، وكان عنده تمامها، أو أغلبها، ويعرف اعتباره من اعتباره، وفي
أواخره حديث عنوان البصري المعروف، عن الصادق عليه السلام (4)، الذي
نقله في البحار (5) عن خط الشيخ البهائي، منقولا عن خط الشهيد
الأول، وغفل عن نقله عنه.

(1) بحار الأنوار 1: 9 و 28.
(2) رياض العلماء 3: 406.
(3) رياض العلماء 4: 356.
(4) مشكاة الأنوار: 325.
(5) بحار الأنوار 1: 224 / 17.
328

46 - رسالة في المهر:
للشيخ الجليل أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد، وغيرها مما
لا حاجة إلى ذكرها.
329

47 - [المسائل الصاغانية].
..... (1)

(1) أثبتنا العنوان حفظا للتسلسل العام الوارد في الفائدة الأولى صحيفة: 20.
330

48 - كتاب عوالي اللآلئ الحديثية على مذهب الإمامية:
تأليف المحقق الفاضل محمد بن الشيخ زين الدين أبي الحسن علي بن
حسام الدين إبراهيم بن حسن بن إبراهيم بن أبي جمهور بن الهجري
الأحسائي.
قال في أمل الآمل: محمد بن أبي جمهور الأحسائي، كان عالما، فاضلا،
راوية، له كتب منها. (عوالي اللآلئ الأحاديثية على مذهب الإمامية) (1)، كتاب
الأحاديث الفقهية، كتاب معين المعين، شرح الباب الحادي عشر، كتاب زاد
المسافرين في أصول الدين، وله مناظرات مع المخالفين، كمناظرة الهروي
وغيرها، ورسالة في العمل بأخبار أصحابنا (2).
وقال في موضع آخر: محمد بن علي بن إبراهبم بن أبي جمهور الأحسائي،
فاضل، محدث، إلى آخره (3).
وفي اللؤلؤة: والشيخ محمد بن أبي جمهور كأنه فاضلا، مجتهدا، متكلما،
له كتاب عوالي اللآلئ، جمع فيه جملة من الأحاديث، إلا أنه خلط فيه الغث
بالسمين، وأكثر فيه من أحاديث العامة، ولهذا إن بعض مشايخنا لم يعتمد
عليه، ثم عد بعض مؤلفاته لم (4).
وذكره، القاضي في مجالس المؤمنين، ومدحه وأطراه، وقال: إنه مذكور في
سلك المجتهدين (5).

(1) ضبط المؤلف اسم كتابه هذا هكذا عوالي اللآلئ العزيزية في أحاديث الدينية انظر: الذريعة
1: 358 ورقم 49 من خاتمة المستدرك صحيفة 168.
(2) أمل الآمل 2: 253.
(3) أمل الآمل 2: 280.
(4) لؤلؤة البحرين: 167 / 64.
(5) مجالس المؤمنين 1: 581.
331

وفي البحار: وكتاب عوالي اللآلئ، وإن كان مشهورا، ومؤلفه في الفضل
معروفا، لكنه لم يميز القشر من اللباب، وأدخل أخبار متعصبي المخالفين بين
روايات الأصحاب، فلذا اقتصرنا منه على نقل بعضها، ومثله نثر اللآلئ (1).
وقال العالم الجليل، الأمير محمد حسين الخاتون آبادي، في مناقب
الفضلاء: وعن السيد حسين المفتي - رحمه الله - عن الشيخ نور الدين محمد
ابن حبيب الله، عن السيد النجيب الحسيب الفاضل السيد مهدي، عن والده
الشريف المنيف، الكريم الباذل، السخي الزكي، السيد محسن الرضوي
المشهدي، عن الشيخ المدقق العلامة محمد بن علي بن إبراهيم الأحساوي
- طيب الله ضرائحهم - إلى آخر أسانيدهم التي أوردها في عوالي اللآلئ،
وإجازته المبسوطة التي رقمها للسيد المذكور.
وفي إجازات البحار، بعد ذكر الإجازة المذكورة قال: ولنتبع هذه
الإجازة بإيراد الطرق السبعة، التي ذكرها الشيخ المحقق محمد بن أبي جمهور
المذكور - قدس الله روحه - في كتابه المسمى بعوالي اللآلئ، فقال قدس سره
فيه: الطريق الأول، إلى آخره (2).
وفيها قال: قال السيد حسين المفتي المذكور: أروي عن الشيخ نور
الدين محمد بن حبيب الله، عن السيد محمد مهدى، عن والده السيد محسن
الرضوي المشهدي، عن الشيخ الفاضل محمد بن علي بن إبراهيم بن جمهور
الأحساوي، بسنده المذكور في عوالي اللآلئ، على ما ذكره في إجازته التي كتبها
للسيد محسن (3).
وقال السيد النبيل، السيد حسين القزويني - طاب ثراه - في مقدمات

(1) بحار الأنوار 1: 31.
(2) بحار الأنوار 108: 7.
(3) بحار الأنوار 109: 173.
332

شرح الشرائع: محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحساوي، فاضل،
جامع بين المعقول والمنقول، راوية للاخبار، ذكره الفاضل الاسترآبادي في
(الفوائد المدنية) (1) والفاضل المجلسي في (إجازات البحار) (2) وشيخنا الحر
في موضعين من (أمل الآمل) (3)، له كتب، منها العوالي اللآلئ، والمجلي،
وشرح الألفية، والأقطاب في الأصول، وغيره، وما وصل إلى النظر القاصر من
نسخة العوالي كان بخط الوالد العلامة مع حواشيه.
وقال المحقق الكاظمي في أول كتاب المقابيس: ومنها: الأحسائي،
للعالم العلم، الفقيه النبيل، المحدث الحكيم، المتكلم الجليل، محمد بن علي
ابن إبراهيم بن أبي جمهور، سقاه الله يوم النشور من الشراب الطهور، وكان من
تلامذة الشيخ الفاضل، شرف الدين حسن بن عبد الكريم الفتال الغروي،
الخادم للروضة الغروية، والشيخ علي بن هلال الجزائري في كرك، في أثناء
مسيره إلى حج بيت الله، وفي رجوعه من الحج، وهو صاحب كتاب عوالي اللآلئ،
ونثر اللآلئ في الاخبار، ورسالة كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال في الأصول،
والجامعية في شرح الألفية الشهيدية، والمجلي في الحكمة والمناظرات مع العامة،
وغيرها، وروى كالكركي عن ابن هلال، عن أبي العباس، وروى أيضا عن
أبيه، وغيره من المشايخ (1).
وقال العالم المتبحر السيد عبد الله، سبط المحدث الجزائري في إجازته
الكبيرة، في ذكر مشايخ المجلسي - رحمه الله -: ومنهم السيد السند، الأمير
فيض الله بن غياث الدين محمد الطباطبائي، عن السيد الحسيب القاضي
حسين - إلى أن قال - عن الشيخ الجليل محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور

(1) الفوائد المدنية: 186.
(2) بحار الأنوار 108: 3 - 20.
(3) أمل الآمل 2: 253، 280.
(4) مقابس الأنوار: 14.
333

الأحسائي (1).
وقال السيد الاجل، الأمير عبد الباقي في إجازته للعلامة الطباطبائي:
وقال الشيخ الجليل المبرور محمد بن أبي جمهور الأحسائي، في كتابه المعروف
بعوالي اللآلئ. روى عنده من المشايخ بطريق صحيح، عن الصادق عليه
السلام أنه قال. (إن الله عز وجل يقول) الخبر.
وقال الفاضل الخبير في الرياض، في باب الكني: أبي جمهور
الأحسائي، وهو الأشهر في ابن أبي جمهور، وقد يقال: ابن أبي جمهور، ويقال
في هذه النسبة: الأحساوي أيضا، ويقال تارة: الأحسائي، والأحسائي - إلى
أن قال - وهو في الأشهر يطلق على الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن
إبراهيم بن الحسن بن أبي جمهور، كذا بخطه رحمه الله على ظهر بعض مؤلفاته،
وهو الفقيه الحكيم المتكلم، المحدث الصوفي، المعاصر للشيخ علي الكركي،
وكان تلميذ علي بن هلال الجزائري، وصاحب كتاب (عوالي اللآلئ) وكتاب
(نثر اللآلئ) وكتاب (المجلي في مرآة المنجي) وغيرها من المؤلفات، ذو
الفضائل الجمة لكن التصوف العالي المفرط قد أبطل حقه (2) إلى غير ذلك من
عبارات الأصحاب على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم في حقه، وذكرهم إياه.
بأوصاف وألقاب يذكرون بها العلماء الأعلام والفقهاء العظام.
فمن الغريب بعد ذلك ما ذكره السيد الأيد المعاصر في الروضات، في
ترجمته بعد ذكر طرقه السبعة حيث قال: وأما نحن فقد قدمنا ذكر شيخه الاجل
الأعظم علي بن هلال الجزائري، الذي هو من جملة مشايخ المحقق الشيخ علي
الكركي، وبقي سائر مشايخه السبعة - المذكورين هنا، وفي مقدمة كتابه العوالي
على سبيل التفصيل - عند هذا العبد، وسائر أصحاب التراجم والإجازات، من
جملة علمائنا المجاهيل، بل الكلام في توثيق نفس الرجل، والتعويل على رواياته

(1) الإجازة الكبيرة للسيد عبد الله الجزائري: 19.
(2) رياض العلماء 6: 13.
334

ومؤلفاته، وخصوصا بعد ما عرفت له من التأليف في إثبات العمل بمطلق
الاخبار، الواردة في كتب أصحابنا الأخيار، وما وقع في أواخر وسائل الشيعة،
من كون كتابي حديثه خارجين عن درجة الاعتماد والاعتبار، مع أن صاحب
الوسائل من جملة مشاهير الاخبارية، والاخبارية لا يعتنون بشئ من التصحيحات
الاجتهادية، والتنويعات الاصطلاحية، انتهى (1).
وأنت خبير بأن كثيرا من العلماء المعروفين، المذكورين في الإجازات
والكتب المعدة لترجمتهم، ما قالوا في حقهم أزيد مما قالوا في ترجمة صاحب
العنوان، ولم يعهد منهم تزكيتهم وتوثيقهم بالألفاظ الشائعة المتداولة في الكتب
الرجالية، التي يستعملونها في مقام تزكية الرواة وتعديلهم، فإنهم أجل قدرا،
وأعظم شأنا من الافتقار إليه.
ولذا قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح الدراية: وقد مر أيضا: تعرف
عدالة الراوي بتنصيص عدلين عليها، أو بالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين
أهل النقل وغيرهم من أهل العلم، كمشايخنا السابقين من عهد الشيخ الكليني
وما بعده إلى زماننا هذا، ولا يحتاج أحد من هؤلاء المشهورين إلى تنصيص على
تزكيته، ولا تنبيه على عدالته، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم، وضبطهم،
وورعهم زيادة على العدالة، وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء (2).
وعلى ما أسسه تتطرق الشبهة في جماعة كثيرة من علمائنا الأخيار، الذين
قالوا في ترجمتهم مثل ما قالوا في حق صاحب العوالي، أو أقل، فتخرج أخبار
هؤلاء، الأعاظم، ورواياتهم، ومنقولاتهم، وأقوالهم عن حدود الصحة
والاعتماد، ولا يخفى ما في ذلك من القبح والفساد، بل قدمنا ذكر جماعة منهم
ليس لهم في كتب التراجم ذكر أصلا، فضلا عن المدح والثناء، والتزكية
والاطراء، ومع ذلك كتبهم شائعة، متداولة، معتمدة.

(1) روضات الجنات 7: 33.
(2) الدراية: 69.
335

والعجب أنه - رحمه الله - ذكره في أول الترجمة بهذا العنوان: الشيخ
الفاضل المحقق، والحبر الكامل المدقق، خلاصة المتأخرين، محمد، إلى
آخره (1)، ثم تأمل في وثاقته، وهي أدنى درجة الكمال.
وقوله: خصوصا بعد ما عرفت، إلى آخره، فيه:
أولا: إنه ليس في اسم الكتاب الذي ألفه فيه دلالة على اعتقاده على
حجية مطلق الاخبار.
ففي الامل: ورسالة في العمل بأخبار أصحابنا (2) ولم أجده في غيره،
ولكنه ذكر في أول الترجمة هكذا. ورسالة في أن على أخبارنا الآحاد في أمثال
هذه الأزمان المعول، كما نسبها إليه صاحب الامل، وهو أعرف بوجه التعبير،
ولا دلالة فيه أيضا على ما نسبه إليه، مع أنه يمكن أن يكون غرضه الموجودة في
الكتب الأربعة، كما عليه جمع من المحققين، أو اشتراط في ضعافها الانجبار،
ولا ينافي ذلك كون المستند هو الخبر الضعيف، فينطبق على ما عليه جماعة من
حجية الأقسام الثلاثة (3): الصحيح والحسن والموثق، والضعيف إذا انجبر.
وثانيا: إن اعتقاد حجية مطلق أخبار أصحابنا - بالنظر إلى ما أداه إليه

(1) روضات الجنات 7: 26 ترجمة 749.
(2) أمل الآمل 2: 253 رقم 749.
(3) في هامش الحجرية ما لفظه: ثم إني بعد ما كتبت هذا الموضوع بأشهر عثرت على هذه الرسالة
الشريفة فوجدتها في غاية المتانة والدقة والتحقيق، وضعها على طريقة الفقهاء - لكيفية استنباط
الاحكام من أدلة الفروع - في ضمن فصول، ذكر في بعضها العلوم التي يحتاج إليها الفقيه وقال
فيه.
- واما الأصول. فهو العلم الذي عليه مدار الشريعة، وأساس الفقه، وجميع أصوله وفروعه
مستفادة منه، فالاحتياج إليه أمس من سائر العلوم، فلا بد من ضبطه غاية الضبط، وكلما
انتهى في معرفته وجود البحث في معانيه، وأكثر من المطالعة في مسائله، وعرف قوانينه، وعلم
مضمون دلائله كان أقرب إلى معرفة الفقه، وأسهل طريقا إلى سلوك الاستدلال على مسائله،
ويكفي منه الاتقان لمثل: مبادئ الوصول، وتهذيب الوصول، وان انتهى إلى منتهى الوصول
ونهاية الوصول كان غاية المراد.
وبالجملة فالاحتياج إلى هذا العلم شديد، والتوصية به جاءت من جميع المشايخ، وباهماله
أهملت الشريعة وضاع الدين؟ لأنه الأصل الحافظ لها، والضابط لأصولها وفروعها، وكيف
يستقيم لطالب ان يعرف الفرع بدون الاطلاع على الأصل، وأنى يحسن لعاقل ان يطلب العلم
بالفقه ويصف نفسه بكونه من أهله مع اهماله للأصل الذي لا يعرف الفرع الا منه.
إلى أن قال: وأما الرجال، فهو علم يحتاج إليه المستدل غاية الحاجة، لان به يعرف صحيح
الأحاديث من فاسدها، وصادقها من كاذبها! لأنه متى عرف الراوي عرف الحديث، ومتى
جهله جهله، فلا بد من معرفة الرجال الناقلين للأحاديث عن الأئمة عليهم السلام من زمان
الإمام الحق أمير المؤمنين عليه السلام إلى زمان العسكري عليه اللام، ومنه إلى زماننا هذا،
اما: بعدالة، أو بفسق، أر بجهل أحدهما، ليكون على بصيرة فيقبل ما رواه العدل بلا
خلاف، ويرد ما رواه الفاسق بلا خلاف، ويتوقف فيمن جهله... إلى أن قال: فما عدلوه
فمعدل وروايته صحيحة، وما مدحوه فممدوح وروايته حسنة، وما وثقوه فثقة وروايته موثقة
وما فسقوه فاسق وروايته مردودة وما جهلوا حاله فمجهول يجب التوقف في روايته. وفي كيفية
العمل بهذه الأحاديث بحث يأتي في فصل كيفية الاستدلال إن شاء الله تعالى.
وقال في الفصل الثالث في الاستدلال. وفي بحثان، الأول. في الأدلة: وهي بالاتفاق من
الأصوليين أربعة: الكتاب، والسنة، والاجماع، وأدلة العقل، ثم شرح حال الأدلة على طريقة
الفقهاء. وقال في موضع بعد ذكر أوصاف المفتى في جملة كلام له: لكن يشترط بقاء المفتي إذ
لو مات بطلت الرواية لفتواه وحكاية أقواله للعمل بها، إذ لا قول للميت، وعليه اجماع
الأصحاب وبه نطقت عباراتهم في أكثر مصنفاتهم، ولا تبطل الرواية لأقواله وحكاية فتاويه
مطلقا بل يصح ان تروى لتعلم وليعرف وفاقه وخلافه لمن يأتي بعده من أهل الاجتهاد
إلى غير ذلك من الكلمات الصريحة في جموده على طريقة الفقهاء والأصوليين والمقام لا يقتضي
نقل أزيد من هذا وفيه الكفاية (منه قدس سره).
لدينا نسخة خطية من هذه الرسالة المسماة كاشفة الحال عن وجه الاستدلال صححنا ما تقدم
عليها.
قال السيد الاجل بحر العلوم في ترجمة السكوني: ووصف فخر المحققين في الايضاح سند
رواية الكليني في باب السحت - الشيخ عنه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن
السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة، الحديث - بالتوثيق، قال:
احتج الشيخ بما رواه عن السكوني في الموثق عن الصادق عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة
الحديث. وتبعه على ذلك ابن أبي جمهور في درر اللآلي. وفيه شهادة بتوثيق السكوني والنوفلي
وإبراهيم بن هاشم، انتهى (منه قدس سره).
336

دليله - ليس بكبيرة ولا صغيرة تضر بالوثاقة والعدالة، ولا ينافي الاعتماد على
منقولاته ومروياته، فيكون بعد التسليم من الذين يقال في حقهم. خذوا ما
337

رووا، وذروا ما رأوا (1).
وثالثا: إن طريقته - كما تظهر من - كتابيه طريقة المجتهدين، كما لا يخفى
على المراجع، فكل ما ذكره في حقه حدس وتخمين، ناشئ من عدم ظفره
بالكتابين.
وقوله: وما وقع في أواخر وسائل الشيعة، إلى آخره (2)، فلم أجدهما
فيها (3)، نعم ذكر في آخر كتاب الهداية الكتب الغير المعتبرة عنده، بأقسامها
الثلاثة التي أشرنا إليها سابقا، وليس منها الكتابان.
قوله: والاخبارية لا يعتنون، إلى آخره (4).
قلت: نعم، ومنه يظهر أن ابن أبي جمهور كان من المجتهدين، فإنه في
الكتابين لم يسلك إلا مسلكهم، ولم يجر إلا على مصطلحاتهم في الاخبار، من
الصحة والحسن، والقوة والضعف، والترجيح بذلك، فراجعهما، ولولا خوف
الإطالة لذكرت شطرا منها:
ومنهما يظهر أن المقصد من الرسالة السابقة ليس إثبات حجية مطلق
الاخبار، كما توهمه فجعله من مطاعنه.
كما يظهر إن كل ما ذكره في هذا المقام ناشئ من عدم العثور عليهما،
والله العاصم.
نعم قد يطعن فيه، وفي كتابه من جهتين:
الأولى: ميله إلى التصوف، بل الغلو فيه، كما أشار إليه في الرياض (5).
وفيه: إن ميله إليه حتى في بعض مقالاتهم الكاسدة، المتعلقة بالعقائد،
لا يضر بما هو المطلوب منه في المقام من الوثاقة، والتثبت، وغير ذلك مما يشترط

(1) غيبة الشيخ: 240، وفيه: خذوا بما رووا.
(2، 4)، روضات الجنات 7: 33.
(3) في هامش المطبوعة من هامش الأصل والمصححة بعنوان منه ما يلي: هذه كتب غير معتمدة،
لعدم العلم بثقة مؤلفيها و... عوالي اللآلي وانظر رسائل الشيعة 30: 159.
(5) رياض العلماء 5: 51.
338

في الناقل، كغيره من العلماء على ما هم عليه من الاختلاف، حتى في أصول
الكلام، ومع ذلك يعتمد بعضهم على بعض في مقام النقل والرواية، ولذا
رأيتهم وصفوه بها هو دائر بينهم في مواضع مدح الأعاظم وشأنهم، وأدخلوه في
إجازاتهم.
وليس هو أسوأ حالا فيما نسب إليه من: المحدث الكاشاني، ولم يطعن
عليه أحد في منقولاته.
ولا من السيد حيدر الآملي المعروف، صاحب الكشكول، الذي ينسب
إليه بعض الأقاويل المنكرة وقد تلمذ على فخر المحققين، وعندي مسائل
السيد مهنا، وأجوبة العلامة بخطه (1)، وقد قرأها على الفخر، وعلى ظهرها
إجازة الفخر له بخطه الشريف، وهذه صورته:
هذه المسائل وأجوبتها صحيحة، سئل والدي عنها فأجاب بجميع ما
ذكره فيها، وقرأتها أنا على والدي - قدس الله سره - ورويتها (2) عنه، وقد أجزت
لمولانا السيد الإمام، العالم العامل، المعظم المكرم، أفضل العلماء، أعلم
الفضلاء، الجامع بين العلم والعمل، شرف آل الرسول، مفخر أولاد البتول،
سيد العترة الطاهرة، ركن الملة والحق والذين، حيدر بن السيد السعيد تاج
الدين علي بن السيد السعيد ركن الدين حيدر العلوي الحسيني - أدام الله
فضائله، وأسبغ فواضله. أن يروي ذلك عني، عن والدي - قدس الله سره -
وأن يعمل بذلك ويفتي به. وكتب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر
الحلي، في أواخر ربيع الاخر، لسنة إحدى وستين وسبعمائة، والحمد لله تعالى،
وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطاهرين.
وما كان يخفى على الفخر مقالاته، وما منعه ذلك عن أن يصفه بما ترى

(1) أي بني السيد حيدر واستنسخت منه نسخة بخط يدي. (كذا في هامش المخطوطة).
(2) في المخطوطة والحجرية: (ورويته) في الموردين.
339

من الأوصاف الجميلة، أرأيت من يعظمه كذلك، يتأمل ويطعن في
منقولاته؟! وهكذا الكلام في جمع ممن تقدم عليه، أو تأخر عنه.
وليس الغرض من الاعتماد والاعتبار صحة كل ما رواه في الكتابين، بل
الصحة من جهته فيكون كسائر مرويات الأصحاب في كتبهم الفقهية،
والمجاميع الحديثية، وعدم الفرق بين الخبر الموجود في العوالي، والموجود في غيره
مما لم يتبين مأخذه، وإن هذا المقدار من التصوف، أو الميل إليه، غير قادح في
المطالب النقلية عند الأصحاب.
الثانية: ما في الكتاب المذكور من اختلاط الغث بالسمين، وروايات
الأصحاب بأخبار المخالفين، كما أشار إليه في اللؤلؤة (1).
وقال في الحدائق، بعد نقل مرفوعة زرارة في الاخبار العلاجية: إن
الرواية المذكورة لم نقف عليها في غير كتاب العوالي، مع ما هي عليها من
الارسال، وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل
الاخبار، والاهمال، وخلط غثها بسمينها، وصحيحها بسقيمها، كما لا يخفى
على من لاحظ الكتاب المذكور (2).
قلت: ما ذكره صحيح في الجملة في بعض الكتاب، وهو أقل القليل
منه، وأما في الباقي فحظه منه نقل مجاميع الأساتيذ، الذين ساحتهم بريئة عن
قذارة هذه الطعون.
توضيح ذلك. إن العوالي مشتمل على مقدمة، وبابين، وخاتمة، وذكر
في المقدمة فصولا، ذكر فيها طرقه، وجملة من الاخبار النبوية في فنون الآداب
والاحكام، واختلط هنا الغث بالسمين كما قالوا.
وأما البابان، فقال. الباب الأول في الأحاديث المتعلقة بأبواب الفقه،

(1) لؤلؤة البحرين: 64، 167.
(2) الحدائق الناضرة 1: 93 - 99.
340

الغير المترتبة بترتيب أبوابه، ولي فيها مسالك كثيرة، إلا أني اقتصر في هذا
المختصر على ذكر أربعة مسالك لا غير، طلبا للإيجاز، حذرا من الملال.
المسلك الأول: في أحاديث ذكرها بعض متقدمي الأصحاب، رويتها عنه
بطرقي إليه، لا يختص إسنادها بالرسول صلى الله عليه وآله، بل بعضها ينتهي
إسنادها إليه، وبعضها إلى ذريته المعصومين، وخلفائه المنصوصين، عليهم
أفضل الصلوات وأكمل التحيات، لان الأصحاب - قدس الله أرواحهم - إنما
يعتبرون من الأحاديث ما صح طريقه إليهم، واتصلت روايته بهم، سواء وقف
على واحد منهم، أو أسنده إلى جده المصطفى صلى الله عليه وآله - إلى أن قال -
روى المنقول عنه هذا المسلك في الأحاديث من طرقه الصحيحة (1)، عمن
رواه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (كل سبب ونسب
منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) ثم ساق الاخبار (2)، إلى أن قال:
المسلك الثاني: في أحاديث تتعلق بمصالح الدين، رواها جمال المحققين
في بعض كتبه بالطريق التي له إلى روايتها، روى في كتابه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: (أكثروا من سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر) الخبر، وساق أخبار كتابه (3)، إلى أن قال:
المسلك الثالث: في أحاديث، رواها الشيخ العالم، شمس الملة والدين،
محمد بن مكي في بعض مصنفاته، يتعلق بأبواب الفقه، رويتها عنه بطرقي
إليه، قال - رحمه الله -: روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال:.... الخبر،

(1) جاء في هامش النسخة الحجرية ما نصه (قال في الحاشية في هذا المقام لا يلزم من عدم ذكر
اسم المنقول عنه في هذا المسلك أن يكون من المرسل، لما تقرأ في الأصول أن الراوي إذا علم
من حاله أنه لا يروي إلا عن الثقات كان إرساله إسنادا) (منه قده).
(2) عوالي اللآلي 1: 299.
(3) عوالي اللآلي 1: 349.
341

وساق أخباره (1)، إلى أن قال:
المسلك الرابع: في أحاديث رواها الشيخ العلامة الفهامة، خاتمة
المجتهدين، شرف الملة والحق والدين، أبو عبد الله المقداد بن عبد الله
السيوري - تغمده الله برضوانه - قال - رحمه الله -: روي في الحديث عنهم
عليهم السلام وساق مروياته المتفرقة في أبواب الفقه (2)، إلى أن قال:
الباب الثاني في الأحاديث المتعلقة بأبواب الفقه بابا بابا، ولنقتصر في هذا
المختصر منها على قسمين:
القسم الأول: في أحاديث تتعلق بذلك، رويتها بطريق فخر المحققين،
ذكرها عنه بعض تلاميذه، على ترتيب والده. جمال المحققين - رضوان الله عليهما -،
باب الطهارة: روى محمد بن مسلم.... وساق إلى باب الديات (3)، ثم
قال:
القسم الثاني: في أحاديث رواها الشيخ الكامل الفاضل، خاتمة
المجتهدين، جمال الدين أبو العباس أحمد بن فهد الحلي - قدس الله روحه - على
ترتيب الشيخ المحقق المدقق، أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلي - رحمه الله -
باب الطهارة... وساق أيضا إلى باب الديات (4).
وذكر في الخاتمة أيضا جملتين، ذكر فيهما الاخبار المتفرقة (5) كما في المقدمة،
إلا أن جلها خاصية، وعمدة أخبار الكتاب ما أودعه في البابين.
وأنت خبير بأن حظه منه النقل عن مجاميع هؤلاء المشايخ، الذين هم
أساطين الشريعة، وأساتيذ علماء الشيعة، لا مسرح للطعن عليهم، ولا سبيل

(1) عوالي اللآلي 1: 380
(2) عوالي اللآلي 2: 5
(3) عوالي اللآلي 2: 165.
(4) عوالي اللآلي 3: 7.
(5) عوالي اللآلي 4: 5.
342

لاحد في نسبة الخلط والمساهلة إليهم، فان اتهم صاحب العوالي في النقل عن
تلك المجاميع، فهو معدود في زمرة الكذابين الوضاعين، فيرجع الامر إلى
الطعن والإساءة إلى سدنة الدين، وحفظة السنة، ونقاد الاخبار، الذين مدحوه
بكل جميل، وأدناه البراءة عن تعمد الكذب ووضع الأحاديث.
وقد عثرت بعد ما كتبت هذا المقام على كلام السيد المحدث الجزائري
في شرحه على الكتاب المذكور يؤيد ما ذكرناه قال: إني لما فرغت من شروحي
- إلى أن قال -: تطلعت إلى الكتاب الجليل، الموسوم بعوالي اللآلئ، من
مصنفات العالم الرباني، والعلامة الثاني، محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي
جمهور الأحسائي - أسكنه الله تعالى غرف الجنان وأفاض على تربته سجال
الرضوان - فطالعته مرارا، وتأملت أحاديثه ليلا ونهارا.
فشوقتني عادتي في شرح كتب الاخبار، وتتبع ما ورد عنهم عليهم السلام
من الآثار، إلى أن أكتب عليه شرحا يكشف عن بعض معانيه، ويوضح ألفاظه
ومبانيه، فشرعت بعد الاستخارة في ترتيب أبوابه وفصوله، واستنباط فروعه من
أصوله، وسميته (الجواهر الغوالي في شرح عوالي اللآلئ)، ثم عن لي أن أسميه
(مدينة الحديث) - إلى أن قال في ذكر ما دعاه إلى شرحه -. إنه وإن كان موجودا
في خزائن الأصحاب إلا أنهم معرضون عن مطالعته، ومدارسته، ونقل
أحاديثه، وشيخنا المعاصر - أبقاه الله تعالى - ربما كان وقتا من الأوقات يرغب
عنه لتكثر مراسيله، ولأنه لم يذكر مأخذ الاخبار من الكتب القديمة، ورجع بعد
ذلك إلى الرغبة فيه، لان جماعة من متأخري أهل الرجال وغيرهم من ثقات
أصحابنا وثقوه، وأطنبوا في الثناء عليه، ونصوا على إحاطة علمه بالمعقول
والمنقول. وله تصانيف فائقة، ومناظرات في الإمامة وغيرها مع علماء
الجمهور، سيما مجالسه في مناظرات الفاضل الهروي في الإمامة، في منزل السيد
محسن في المشهد الرضوي، على ساكنه وآبائه وأبنائه من الصلوات أكملها،
ومن التسليمات أجزلها.
343

ومثله لا يتهم في نقل الاخبار من مواردها، ولو فتحنا هذا الباب على
أجلاء هذه الطائفة، لأفضى بنا الحال إلى الوقوع على أمور لا نحب ذكرها،
على أنا تتبعنا ما تضمنه هذا الكتاب من الاخبار، فحصل الاطلاع على أماكنها
التي انتزعها منه، مثل الأصول الأربعة وغيرها، من كتب الصدوق وغيره
من ثقات أصحابنا أهل الفقه والحديث. قال: وأما اطلاعه وكمال معرفته بعلم
الفلسفة وحكمتها، وعلم التصوف وحقيقته، فغير قادح في جلالة شأنه، فإن
أكثر علمائنا من القدماء والمتأخرين قد حققوا هذين العلمين، ونحوهما من
الرياضي، والنجوم، والمنطق، وهذا غني عن البيان، وتحقيقهم لتلك العلوم
ونحوها ليس للعمل بأحكامها وأصولها، والاعتقاد بها، بل لمعرفتهم بها،
والاطلاع على مذاهب أهلها.
ثم نقل قصصا عن الشهيد الثاني، وابن ميثم، والشيخ البهائي،
تناسب المقام لا حاجة إلى نقلها.
فظهر أن الحق الحقيق أن يعامل الفقيه المستنبط بأخبار البابين، معاملته
بما في كتب أصحاب المجاميع من الأحاديث، وما في طرفي الكتاب خصوصا
أوله، وإن كان مختلطا إلا أن بالنظر الثاقب يمكن تمييز غثه من سمينه،
وصحيحه من سقيمه.
بقي التنبيه على شئ، وهو أن المعروف الدائر في ألسنة أهل العلم،
والكتب العلمية (الغوالي) - بالغين المعجمة - ولكن حدثني بعض العلماء، عن
الفقيه النبيه، المتبحر الماهر، الشيخ محسن خنفر - طاب ثراه، وكان من رجال
علم الرجال - أنه بالعين المهملة، فدعاني ذلك إلى الفحص فتفحصت، فما
رأيت من نسخ الكتاب وشرحه فهو كما قال، وكذا في مواضع كثيرة من
الإجازات التي كانت بخطوط العلماء الأعلام، بحيث اطمأنت النفس بصحة
ما قال، ويؤيده أيضا أن المحدث الجزائري سمى شرحه: الجواهر الغوالي
- بالمعجمة - فلاحظ، والله العالم.
344

49 - كتاب درر اللآلئ العمادية:
للفاضل المتقدم أيضا، ألفه بعد العوالي، وهو أكبر وأنفع منه، قال في
أوله:
فإني لما ألفت الكتاب الموسوم (بعوالي اللآلئ العزيزية في الأحاديث
الدينية) وكان من جملة الحسنات الإلهية، والانعامات الربانية، أحببت أن أتبع
الحسنة بمثلها، والطاعة بطاعة تعضدها، كما جاء في الأحاديث اتباع الطاعة
بالطاعة دليل على قبولها، وعلامة على حصولها، فألفت عقيبه هذا الكتاب
الموسوم (بدرر اللآلئ العمادية في الأحاديث الفقهية) ليكون مؤيدا، لما بين يديه
ناصرا ومقويا، لما تقدمه مذكرا، فأعززت الأول بالثاني لاثبات هذه المباني،
لاعزاز الطاعة بالطاعة، واجتماع الجماعة مع الجماعة، لتقوى بهما الحجة
والاعتصام، ويظهر بمعرفتهما سلوك آثار الأئمة الكرام، عليهم السلام،
والفقهاء القوام، والمجتهدين العظام. وساق الكلام، إلى أن ذكر أنه ألفه
لخزانة السيدين السندين، الأميرين الكبيرين، الأمير الجليل، كمال الملة والحق
والدين، والسيد العضد النبيل، عماد الملة والحق والدين، في كلام طويل - إلى
أن قال: - ورتبته على مقدمة، وأقسام ثلاثة، وخاتمة.
ذكر في المقدمة الاخبار النبوية، التي فيها الترغيب في فعل العبادات،
والحث على فعلها، وفي الخاتمة ما يتعلق بالأخلاق، أخرج كله من الكافي، وفي
الأقسام ذكر أبواب الفقه على الترتيب، وكل ما فيها من الأحاديث أخرجه من
الكتب الأربعة، بتوسط كتب العلامة، والفخر، إلا قليلا من النبويات الموجودة
فيها، مع الإشارة إلى التعارض والترجيح، وبعض أقوالهما على طريقة الفقهاء،
وذكر في آخر الكتاب طرقه وأسانيده، وفي آخر المجلد الأول منه:
هذا آخر المجلد الأول من كتاب (درر اللآلئ العمادية في الأحاديث
الفقهية)، ويتلوه بعون الله وحسن توفيقه المجلد الثاني منه، وبه يتم الكتاب،
345

وأوله: النوع الثاني فيما يتعلق بالايقاعات، وقد وقع الفراغ في هذا المجلد نقلا
عن النسخة المبيضة من المسودة، في أول ليلة الأحد، التاسع من شهر ربيع
الثاني، أحد شهور سنة إحدى وتسعمائة، على يد مؤلفه، الفقير إلى الله العفو
الغفور، محمد بن علي بن أبي جمهور الأحساوي عفا الله عنه، وعن والده،
وعن جميع المؤمنين والمؤمنات، إنه غفور رحيم، ووقع كتابة هذا المجلد بعد
تأليف الكتاب، بولاية إستراباد - حميت من شر الأعداء - في فصل الشتاء، في
قرية كلبان، وسروكلات - حماهما الله من الآفات، وصرف عنهما العاهات
والبليات - وكان تأليف الكتاب بتمامه في ذلك المكان، في أواخر شوال من شهور
سنة تسع وتسعين وثمانمائة.
وبالجملة: فهو كتاب شريف، محتو على فوائد طريفة، ونكات شريفة،
خال عما توهم في أخيه من الطعن، فلاحظ وتبصر.
ثم إن اسم الكتاب كما عرفت (درر اللآلئ العمادية) فما في البحار،
والرياض، والمقابيس (1)، أنه نثر اللآلئ وهم من الأول، وتبعه، من بعده،
واحتمال التعدد بعيد غايته.

(1) بحار الأنوار 1: 13، رياض العلماء 4: 537، مقابس الأنوار: 14.
346

50 - تفسير الشيخ الجليل الأقدم، أبي عبد الله
محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الكاتب:
المعروف بابن زينب، وهو خبر واحد مسند عن أمير المؤمنين عليه
السلام، في أنواع الآيات وأقسامها، وأمثلة الأقسام، اختصره علم الهدى
السيد المرتضى، وقف عليه صاحب الوسائل فأخرج ما فيه من الاحكام، ولم
أجد في الأصل زائدا منه، ولذا قل رجوعنا إليه مع أن الكتاب في غاية الاعتبار،
وصاحبه شيخ من أصحابنا الأبرار.
ولكن يجب التنبيه على شئ لا يخلو من غرابة، وهو أن العلامة المجلسي
قال في مجلد القرآن من بحاره: باب ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في
أصناف آيات القرآن وأنواعها، وتفسير بعض آياتها برواية النعماني، وهي رسالة
مفردة مدونة، كثيرة الفوائد، نذكرها من فاتحتها إلى خاتمتها: بسم الله الرحمن
الرحيم... وساقها إلى آخرها.
ثم قال: أقول: وجدت رسالة قديمة مفتتحها هكذا: حدثنا جعفر بن
محمد بن قولويه القمي - رحمه الله - قال: حدثني سعد الأشعري أبو القاسم
- رحمه الله - وهو مصنفه: الحمد لله ذي النعماء والآلاء، والمجد والعز
والكبرياء، وصلى الله محمد سيد الأنبياء، وعلى آله البررة الأتقياء، روى
مشايخنا، عن أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين
عليه السلام. أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف، أمر، وزجر،
وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، ومثل) وساق الحديث إلى آخره، لكنه
غير الترتيب وفرقه على الأبواب، وزاد فيما بين ذلك بعض الأخبار، انتهى (1).
والظاهر أن المراد من سعد، هو ابن عبد الله الأشعري، الثقة الجليل

(1) بحار الأنوار 93: 1 - 97.
347

المعروف، وعد النجاشي من كتبه كتاب (ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه
ومتشابهه) (1) وعليه فيشكل ما في أول السند، فإن جعفر بن محمد بن قولويه (2)
يروي عن سعد بتوسط أبيه، الذي كان من خيار أصحاب سعد، فيمكن أن
يكون قد سقط من السند قوله: عن أبيه، ثم لا يخفى أن ما في أول تفسير
الجليل علي بن إبراهيم، من أقسام الآيات وأنواعها، هو مختصر هذا الخبر
الشريف، فلاحظ وتأمل.

(1) رجال النجاشي: 177 / 467.
(2) تنبيه:
(1) روايته عن سعد ليست بواسطة أبيه فقط بل وأخيه أيضا، كما نبه على ذلك النجاشي
(123 / 178، 318 / 467) في ترجمة جعفر وسعد.
2 - نقل النجاشي (123 / 318) في ترجمة جعفر عنه أنه روى أربعة أحاديث عن سعد بلا
واسطة.
وحكى عنه في ترجمة سعد (178 / 467) أنه روى عنه بلا واسطة حديثين.
فمن المحتمل كون روايته عن سعد في الرسالة المذكورة أحد الحديثين اللذين لا ريب في
روايته لهما عنه لأنهما القدر المتبقي، فلاحظ.
348

51 - كتاب جامع الأخبار:
قد كتبنا في سالف الزمان، في كتابنا المسمى (بنفس الرحمن) ما قيل فيه،
فنذكره هنا إذ استقصينا فيه الكلام في اختلافهم في مؤلفه، المردد بين جماعة:
منهم: الصدوق، كما يظهر من بعض أسانيده، وصرح به السيد
حسين المفتي الكركي المتقدم ذكره في (دفع المناواة)، وهو ضعيف لا لما قيل:
إنه يروي عنه بوسائط، لأنه كثيرا ما يوجد أسانيد الكتب القديمة أمثال ذلك
من تلامذة المصنف ورواة الكتب، بل لأنه نقل فيه عن سديد الدين محمود
الحمصي (1)، الذي هو متأخر عن الصدوق بطبقات عديدة، وفيه أيضا هكذا:
في أمالي الشيخ أبي جعفر، إلى آخره (2)، مضافا إلى بعد وضع الكتاب عن
طريقة الصدوق في كتبه.
ومنهم: الشيخ أبو الحسن علي بن أبي سعد بن أبي الفرج الخياط،
احتمله المجلسي في البحار، لما قاله الشيخ منتجب الدين في فهرسته: إن له
كتاب جامع الأخبار (3)، وفيه أنه قال بعد هذا الكلام: أخبرنا به الوالد،
عنه (4). مع أن منتجب الدين من تلامذة الحمصي، فلعل هذا كتاب آخر.
وصرح المتبحر صاحب الرياض أن نسخ جامع الأخبار مختلفة، فلاحظ (5).
قلت: وهو كذلك، فإن بعضها مبوبة بأبواب، ولكل باب فصول،
وبعضها أكبر منها لكنها غير مبوبة، وإنما قسمها بالفصول.
ومنهم: محمد بن محمد الشعيري، اختاره الفاضل صاحب الرياض،

(1) جامع الأخبار: 163.
(2) جامع الأخبار: 96.
(3) بحار الأنوار 1: 14.
(4) فهرست منتجب الدين: 121 / 257.
(5) رياض العلماء 5: 121.
349

قال في ترجمة علي بن سعد: إن جامع الأخبار لمحمد بن محد الشعيري، وقد
صرح صاحب الكتاب نفسه في فصل تقليم الأظفار، بأن اسم مؤلفه محمد بن
محمد (1).
وقال في ترجمة صاحب مكارم الأخلاق: إن نسبة جامع الأخبار إليه كما
سيأتي - إن كان المراد منه النسخ المشهورة فهو سهو ظاهر، لأنه يقول في بحث
تقليم الأظفار - أعني في الفصل الرابع والستين -:
قال محمد بن محمد - مؤلف هذا الكتاب -: قال أبي في وصيته إلى: قلم
أظفارك، إلى آخره (2).
ومن الغرائب أن بعضهم توهم من آخر تلك العبارة المنقولة أنه من
مؤلفات الصدوق، وغفل عن أولها، فإن اسم الصدوق محمد بن علي.
وأغرب منه قول بعضهم: إنه من مؤلفات والد هذا الشيخ، أعني الشيخ
أبا علي الطبرسي (3).
قلت: ليس الكلام المنقول في النسخة الأخرى، والموجود في النسخة
الكبيرة، إنما هو في الفصل الثامن والسبعين.
وقال أيضا في ترجمة علي بن أبي سعد، بعد نقل ما في المنتجب، وما ذكره
أستاذه. في أول البحار: الظاهر أن هذا الكتاب غير كتاب جامع الأخبار
المشهور:
أما أولا: فلان في أثناء ذلك الكتاب صرح نفسه بأن مؤلفه محمد بن محمد
وأما ثانيا: فلما سيجئ في ترجمة شمس الدين محمد بن محمد بن حيدر
الشعيري، أنه مؤلف ذلك الكتاب مع الخلاف في ذلك أيضا.

(1) رياض العلماء 4: 99.
(2) جامع الأخبار: 142.
(3) رياض العلماء ج 1: 298.
350

وأما ثالثا: فلما يظهر من مطاوي ذلك الكتاب أنه من مؤلفات المتأخرين
عن الشيخ منتجب الدين وأمثاله، فلاحظ. ثم قال: إن ما يظهر من كلام
الأستاذ الاستناد - أنه من مؤلفات محمد بن محمد الشعيري - ليس بصريح،
لان أصل العبارة في الكتاب ليس إلا محمد بن محمد، وهو مشترك، ولا يختص
بالشعيري وفي كلامه تشويش لا يخفى.
ومنهم: العالم الجليل جعفر بن محمد الدوريستي، نقله الشيخ أحمد بن
زين الدين الأحسائي في رسالة الرجعة، عن المجلسي، وعن بعض مشايخه.
والنقل الأول غريب لأنه قال في البحار: ويظهر من بعض مواضع
الكتاب أن اسم مؤلفه محمد بن محمد الشعيري، ومن بعضها أنه يروي عن
الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي بواسطة، انتهى (2).
وهو كما ذكره، ويظهر ضعف هذه النسبة بما تقدم، إذ جعفر بن محمد
من تلامذة المفيد، والحمصي متأخر عنه جدا.
ومنهم: الحسن بن محمد السبزواري، قال الشيخ المتقدم: قال بعض
المشايخ. وقفت على نسخة صحيحة عتيقة جدا، في دار السلطنة أصفهان،
وفيها تم الكتاب على يد مصنفه الحسن بن محمد السبزواري.
ومنهم. الشيخ المفسر أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن بن أبي
الفضل الطبرسي، نقله صاحب الرياض عن بعضهم كما
عرفت (3)، واستغربه، وهو في محله.
ومنهم. ولده أبو نصر الحسن - صاحب مكارم الأخلاق - نسبه إليه من
غير تردد الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، في كتاب (إيقاظ الهجعة في
إثبات الرجعة) كما رأيته بخطه الشريف، مع أنه كان عنده من الكتب

(1) رياض العلماء 3: 333.
(2) بحار الأنوار 1: 14.
(3) رياض العلماء 1: 298.
351

المجهولة، ولذا لم ينقل عنه في الوسائل.
وقال في ترجمته في أمل الآمل: وينسب إليه أيضا كتاب جامع الأخبار،
وربما ينسب إلى محمد بن محمد الشعيري، لكن بين النسختين تفاوت (1). ولم
أقف على مستنده في الجزم بالنسبة في الايقاظ.
وقال في البحار: وقد يظن كونه تأليف مؤلف مكارم الأخلاق (2). وممن
نسبه إليه السيد الاجل بحر العلوم، على ما وجدته بخطه الشريف في فهرست كتبه.
قلت: في النسختين في فصل فضائل أمير المؤمنين عليه السلام: حدثنا
الحاكم الرئيس الامام، مجد الحكام أبو منصور في بن عبد الواحد الزيادي
- أدام الله جلال وجماله، إملاء في داره يوم الأحد، الثاني من شهر الله الأعظم
رمضان سنة ثمان وخمسمائة - قال: حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الله جعفر بن
محمد الدوريستي - إملاء - أورد القصة مجتازا في أواخر ذي الحجة، سنة أربع
وسبعين وأربعمائة، إلى آخره (3).
ووفاة أمين الاسلام الفضل، والد صاحب المكارم في سنة ثمانية
وأربعين، أو اثنتين وخمسين بعد خمسمائة، فصاحب الجامع تلائم طبقته طبقة الوالد
لا الولد، إلا على تكلف، مع أنه ألفه بعد مضي خمسين من عمره ولم ينقل فيه
عن والده شيئا، ومع اتفاق المكارم وحسن ترتيبه بخلافه، فربما يستبعد من
جميع ذلك كونه له.
والذي يهون الخطب قلة ما فيه من الاخبار المحتاجة إلى النظر في
أسانيدها، مع أن المعلوم من جميع ما مر كونه من مؤلفات علماء المائة الخامسة،
الداخلة في عموم من زكاهم الشهيد - رحمه الله - في درايته (4) والله العالم

(1) أمل الآمل 2: 75 / 203.
(2) بحار الأنوار 1: 14.
(3) جامع الأخبار: 11.
(4) الرعاية: 192، 193.
352

52 - كتاب الشهاب:
للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون
المغربي القضاعي، المحدث المعروف، والمعاصر للشيخ الطوسي رحمه الله
وأضرابه، المتوفى سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وهو مقصور على الكلمات
الوجيزة النبوية.
قال في أوله بعد الحمد: فإن في الألفاظ النبوية، والآداب الشرعية جلاء
لقلوب العارفين، وشفاء لا دواء الخائفين، لصدورها عن المؤيد بالعصمة،
المخصوص بالبيان والحكمة، الذي يدعو إلى الهدى، ويبصر من العمى، ولا
ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وآله أفضل ما صلى على أحد من عباده الذين
اصطفى، وقد جمعت في كتابي هذا مما سمعت من حديث رسول الله صلى الله
عليه وآله ألف كلمة من الحكمة، في الوصايا، والآداب، والمواعظ، والأمثال،
قد سلمت من التكلف مبانيها، وبعدت عن التعسف معانيها، وبانت بالتأييد
عن فصاحة الفصحاء، وتميزت بهدى النبوة عن بلاغة البلغاء، وجعلتها
مسرورة يتلو بعضها بعضا، محذوفة الأسانيد، مبوبة أبوابا على حسب تقارب
الألفاظ، ليقرب تناولها، ويسهل حفظها، ثم زدتها مائتي كلمة، وختمت
الكتاب بأدعية مروية عنه صلى الله عليه وآله وأفردت الأسانيد جميعها كتابا
يرجع في معرفتها إليه، انتهى.
وهذا - الكتاب صار مطبوعا شائعا بين الخاصة والعامة، وقد شرحه جماعة
من علماء الفريقين.
فمن الخاصة: العالم الجليل السيد ضياء الدين فضل الله بن علي بن
عبيد الله الحسني الراوندي، سماه (ضوء الشهاب في شرح الشهاب) ينقل عنه
في البحار كثيرا.
353

ومنهم: أفضل الدين الشيخ حسن بن علي بن أحمد الماهابادي، قال
منتجب الدين: إنه علم في الأدب، فقيه، وعد من كتبه (شرح الشهاب) (1)
ومنهم: برهان الدين أبو الحارث محمد بن أبي الخير علي بن أبي سليمان
ظفر الحمداني، عد في المنتجب من كتبه " شرح الشهاب " (2).
ومنهم: قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي، عد في المنتجب من
كتبه (ضياء الشهاب في شرح الشهاب) (3).
ومنهم: الشيخ أبو الفتوح الحسين بن علي بن محمد الخزاعي، عد في
المنتجب من كتبه (روح الأحباب وروح الألباب في شرح الشهاب) (4) وكذا ابن
شهرآشوب في معالم العلماء (5). وغير هؤلاء الاعلام مما يجده المتتبع.
وأما من العامة: ففي كشف الظنون: لخصه الشيخ نجم الدين الغيطي
محمد بن أحمد الإسكندري، المتوفى سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وأصلحه الامام
حسن بن محمد الصغاني، وسماه (كشف الحجاب عن أحاديث الشهاب)
وضع علامة للصحيح، والضعيف، والمرسل، ورتبه على الأبواب كالمشارق،
وقد أوصى ابن الأثير وفي (المثل السائر) بمطالعته للكاتب الفقيه، وله ضوء
الشهاب.
وشرحه أبو المظفر محمد بن أسعد - المعروف بابن الحكيم الحنفي - المتوفى
سنة سبع وستين وخمسمائة.
وشرحه الشيخ عبد الرؤوف المناوي شرحا ممزوجا، وسماه (رفع النقاب
عن كتاب الشهاب) لكن الأميني الشامي قال في ترجمته: ورتب كتاب

(1) فهرست منتجب الدين: 50 / 93.
(2) فهرست منتجب الدين: 161 / 378.
(3) فهرست منتجب الدين: 87 / 186.
(4) فهرست منتجب الدين: 45 / 78
(5) معالم العلماء: 141 / 987.
354

الشهاب للقضاعي وشرحه، وسماه (إمعان الطلاب بشرح ترتيب الشهاب)
وله ترتيب أحاديثه على ترتيب (جامع الصغير) ورموزه.
ومن شروحه (حل الشهاب) وشرحه بعضهم أوله: الحمد لله الذي
جعل سنة نبيه مشكاة لاقتباس أنوار الرشد والهدى، إلى آخره.
وشرحه ابن وحشي محمد بن الحسين الموصلي.
واختصر هذا الشرح الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن الوادياشي، المتوفى
سنة سبعين وخمسمائة.
وشرحه الأستاذ أبو القاسم بن إبراهيم الوراق العابي شرحا بالقول.
ورتبه السيوطي كترتيب الجامع الصغير له، وسماه (إسعاف الطلاب بترتيب
الشهاب) انتهى. وصرح في أول كلامه بشافعية القاضي (1).
وقال في البحار: كتاب الشهاب، وإن كان من مؤلفات المخالفين،
لكن أكثر فقراته مذكورة في الخطب والاخبار المروية من طرقنا، ولذا اعتمد
عليه علماؤنا، وتصدوا لشرحه.
وقال الشيخ منتجب الدين: السيد فخر الدين شميلة بن محمد بن
هاشم الحسيني، عالم صالح، روى لنا كتاب الشهاب للقاضي أبي عبد الله
محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، عنه (2).
هذا وربما يستأنس لتشيعه بأمور:
منها: توغل الأصحاب على كتابه، والاعتناء به، والاعتماد عليه،
وهذا غير معهود منهم بالنسبة إلى كتبهم الدينية، كما لا يخفى على المطلع
بسيرتهم.
ومنها: إنه قال في خطبة الكتاب بعد ذكر النبي صلى الله عليه وآله:

(1) كشف الظنون 2: 1067، 1068.
(2) بحار الأنوار 1: 42.
355

أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا (1). ولم يعطف عليهم الأزواج
والصحابة، وهذا بعيد عن طريقة مؤلفي العامة غايته.
ومنها: إنه ليس في تمام هذا الكتاب من الاخبار الموضوعة في مدح
الخلفاء، سيما الشيخين، والصحابة، خبر واحد مع كثرتها، وحرصهم في
نشرها ودرجها في كتبهم بأدنى مناسبة، مع أنه روى فيه قوله صلى الله عليه
وآله: (مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف
عنها غرق) (2).
ومنها: إن جل ما فيه من الاخبار موجود في أصول الأصحاب ومجاميعهم،
كما أشار إليه المجلسي أيضا (3)، وليس في باقيه ما ينكر ويستغرب، وما
وجدنا في كتب العامة له نظيرا ومشابها.
وبالجملة: فهذا الكتاب في نظري القاصر في غاية الاعتبار، وإن كان
مؤلفه في الظاهر - أو واقعا - غير معدود من الأخيار.
وقال ابن شهرآشوب في معالم العلماء: القاضي أبو عبد الله محمد بن
سلام القضاعي، عامي، له (دستور الحكم في مأثور معالم الكلم) وهو
مجموع من كلام أمير المؤمنين عليه السلام (4) وفيه أيضا تأييد لما قلنا.
وقال العلامة في الإجازة الكبيرة لبني زهرة: ومن ذلك جميع كتاب
الشهاب للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المغرب، وباقي
مصنفاته ورواياته عني، عن والدي - رحمه الله - عن السيد فخار بن معد
الموسوي، عن القاضي ابن الميداني، عن القاسم بن الحسين، عن القاضي

(1) شهاب الاخبار، المقدمة: ه‍.
(2) شهاب الاخبار (شرح الشهاب): 156 / 849.
(3) بحار الأنوار 1: 42.
(4) معالم العلماء: 118 / 787.
356

أبي عبد الله المصنف (1).
هذا ولعل من يقف على بعض شروحه التي أشرنا إليها، يجد لاعتباره
قرائن خفيت علينا.

(1) بحار الأنوار 107: 78.
357

53 - كتاب المزار:
قال في البحار: كتاب كبير في الزيارات، تأليف محمد بن المشهدي، كما
يظهر من تأليفات السيد ابن طاووس، واعتمد عليه ومدحه، وسميناه بالمزار
الكبير، وقال في الفصل الاخر: والمزار الكبير يعلم من كيفية إسناده أنه كتاب
معتبر، وقد أخذ منه السيدان ابنا طاووس كثيرا من الاخبار والزيارات.
وقال الشيخ منتجب الدين في الفهرست: أبو البركات محمد بن
إسماعيل المشهدي، فقيه، محدث، ثقة، قرأ على الامام محيي الدين الحسين
ابن المظفر الحمداني، (وقال في ترجمة الحمداني:) أخبرنا بكتبه السيد أبو
البركات المشهدي، انتهى (1).
ومراده من ابني طاووس: السيد رضي الدين علي في مزاره، والسيد عبد
الكريم في فرحة الغري.
وما استظهره من أنه الذي ذكره في المنتجب كأنه في غير محله، فإن
المذكور في المنتجب هو السيد ناصح الدين أبو البركات، الذي ينقل عنه أبو
نصر الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الأخلاق بهذا العنوان: من
مسموعات السيد الإمام ناصح الدين أبي البركات المشهدي (2).
وكذا ولده علي في كتاب مشكاة الأنوار كثيرا، تارة بهذا العنوان: من
مجموع السيد ناصح الدين أبي البركات، وأخرى: من كتاب السيد ناصح
الدين أبي البركات، وثالثة: من كتاب السيد الإمام ناصح الدين أبي
البركات (3).

(1) بحار الأنوار 1: 18، 35. وانظر فهرست منتجب الدين: 163 / 387 و 43 / 73.
(2) مكارم الأخلاق: 281.
(3) مشكاة الأنوار: 24، 174، 200، 228.
358

وقال القطب الراوندي في الخرائج: أخبرنا السيد أبو البركات محمد بن
إسماعيل المشهدي، عن الشيخ جعفر الدوريستي، عن المفيد (1).
وبالجملة: فهو مذكور في كتب الأصحاب بكنية أبي البركات، ولقبه
ناصح الدين، وبالإمامة والسيادة معروف بها لا بعنوان المشهدي، بخلاف
صاحب المزار فإنه معروف به لا غير.
ففي فرحة الغري: وذكر محمد بن المشهدي في مزاره، أن الصادق عليه
السلام علم محمد بن مسلم الثقفي هذه الزيارة - إلى أن قال -: وقال ابن
المشهدي أيضا ما صورته... إلى آخره (2).
وصاحب الرياض ذكر السيد المذكور تارة بعنوان السيد ناصح الدين أبو
البركات المشهدي، وأخرى بعنوان السيد أبو البركات المشهدي، وحكم
باتحاد هما، بل واتحادهما مع السيد أبي البركات العلوي، الذي نقل صاحب
تبصرة العوام قصة مناظرته في الإمامة مع أبي بكر بن إسحاق الكرامي (3)، ومع
ذلك لم يحتمل كونه صاحب المزار، وهو من الكتب المعروفة.
وكذا صاحب المنتجب، لم يسند إليه المزار (4)، ولا كتابه الآخر الذي
أشار إليه في آخر آداب المدينة من المزار، قال فيه: ثم تصلي في مسجد المباهلة
ما استطعت، وتدعو فيه بما تحب، وقد ذكرت الدعاء بأسره في كتابي المعروف
(ببغية الطالب وإيضاح المناسك لمن هو راغب في الحج)، فمن أراده أخذه
من هناك ففيه كفاية (5).
ومنه يظهر أنه معدود في زمرة الفقهاء، كما أنه يظهر من صدر كتابه

(1) الخرائج والجرائح 2: 797 / 7.
(2) فرحة الغري: 93 - 94.
(3) رياض العلماء 5: 423، وانظر: تبصرة العوام: 70.
(4) فهرست منتجب الدين: 163 / 387.
(5) المزار الكبير: 119.
359

الاعتماد على كل ما أودعه فيه، وإن ما فيه من الزيارات كلها مأثورة، وإن لم
يستند بعضها إليهم عليهم السلام في محله.
قال بعد الخطبة: فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات
للمشاهد، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات، والأدعية المختارات،
وما يدعى به عقيب الصلوات، وما يناجي به القديم تعالى، من لذيذ
الدعوات في الخلوات، وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمات، مما اتصلت به
من ثقات الرواة إلى، السادات، وحثني إلى ذلك أيضا... إلى آخره (1).
والذي أعتقده أنه من مؤلفات محمد بن جعفر المشهدي، وهو بعينه
محمد بن جعفر الحائري، وإن جعل في أمل الآمل له عنوانين، وظنه اثنين،
قال فيه: الشيخ محمد بن جعفر الحائري فاضل جليل، له كتاب (ما اتفق
من الاخبار في فضل الأئمة الأطهار، عليهم السلام) - إلى أن قال - الشيخ محمد
ابن جعفر المشهدي كان فاضلا محدثا، صدوقا، له كتب، يروي عن شاذان
ابن جبرائيل القمي، انتهى (2).
والذي يبين ما ادعيناه أنا عثرنا على مزار قديم، يظهر من بعض أسانيده
أنه في طبقته، وطبقة الشيخ الطبرسي صاحب الاحتجاج، والنسخة عتيقة،
يظن أنه كتبت في عصر مؤلفه، وفيه فوائد حسنة جميلة (3)، ويظهر منه غاية

(1) المزار الكبير: 3.
(2) أمل الآمل 2: 252، 253 / 744، 747.
(3) منها: أن أعمال مسجد الكوفة، والأدعية المخصوصة بمقاماتها الشريفة - الموجودة في كتب المزار
من غير نسبتها إلى المعصوم عليه السلام - مروية، ليست من مؤلفات الأصحاب كما احتمله
المجلسي رحمه الله، ولذا لم يوردها في كتاب التحفة الذي لم يجمع فيه إلا ما نسب إليهم عليهم
السلام، فإنه من أول الكتاب ساق أعمال المقامات على الترتيب المعهود، وذكر لكل مقام دعاء
طويلا، وبعد الفراغ منها قال: أعمال الكوفة برواية أخرى، ثم ساق الاعمال المعروفة، فيظهر
أن كليهما مرويان.
ومنها: ان السيد علي بن طاووس ذكر في مصباح الزائر (164) في زيارات أبي عبد الله
360

اعتباره واعتبار مؤلفه، وأظنه القطب الراوندي، لملائمة الطبقة، وعد

الحسين عليه السلام ما لفظه: زيارة بألفاظ شافية يذكر فيها بعض مصائب يوم الطف، يزار
بها الحسين صلوات الله عليه، زاره بها المرتضى علم الهدى... إلى آخره، وساق زيارة طويلة
مشتمله على آداب وكيفيات وصلاة مخصوصة وأكثر مضامين الزيارة الناحية القائمة. قال
المجلسي في البحار: (بحار الأنوار 101: 231 - 251 / 38) زيارة أخرى أوردها السيد
وغيره، والظاهر أنه من تأليف السيد المرتضى رضي الله عنه، وقال بعد شرح مشكلات الزيارة:
والظاهر أن هذه الزيارة من مؤلفات السيد والمفيد رحمهما الله، ولعله وصل إليهما خبر في كيفية
الصلاة، فإن الاختراع فيها غير جائز انتهى.
وفي المزار المذكور: زيارة أخرى يختص بالحسين عليه السلام - وهي مروية بأسانيد - وهي أول
زيارة زار بها المرتضى علم الهدى.... إلى آخره.
فظهر أن ما استظهره العلامة المجلسي في غير محله، وبين ما أورده وأورداه اختلافا بعد زيارة
علي بن الحسين عليه السلام لا يضر بالمقصود.
ومنها: أن الزيارة الطويلة الغديرية المروية عن أبي محمد العسكري، عن أبيه عليهما السلام
مرسلة في كتب المزار، والأصل فيها المفيد والسيد في مزاريهما.
وفي المزار المذكور: زيارة أخرى لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي
الزيارة التي زارها مولانا الهادي عليه السلام في يوم الغدير، وقفت عليها مروية عن شاذان بن
جبرئيل القمي، عن الفقيه العماد محمد بن أبي القاسم الطبري، عن الشيخ أبي علي الحسن،
عن السعيد والده أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه، عن الشيخ المجيد محمد
ابن محمد بن النعمان المفيد، عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن قولويه، عن الشيخ محمد بن
يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن الشيخ أبي القاسم بن روح، عن الشيخ الجليل
عثمان بن سعيد العمري قدس الله أرواحهم، عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري،
عن مولانا أبيه علي بن محمد الهادي عليهما السلام... إلى آخره.
وهذا سند لا يوجد نظيره في الصحة، وذكره السيد عبد الكريم في فرحة الغري (111)
قال: أخبرني والدي وعمي رضي الله عنهما، عن محمد بن نما، عن محمد بن جعفر، عن شاذان
ابن جبرئيل... إلى آخره.
وفي مزار المشهدي (359) المذكور: أخبرني الفقيه الاجل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل
القمي... إلى آخره، إلا أن فيهما علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي القاسم بن روح وعثمان
بن سعيد العمري... إلى آخره.
وفيه مخالفة لسند المزار القديم من جهتين، والثاني أقرب إلى الاعتبار. والعجب أن العلامة
361

الا صحاب من كتبه كتاب المزار، وقد نقل فيه جملة من الاخبار المختصة سندا
ومتنا بمزار محمد بن المشهدي، كما يظهر من مزار البحار.
وعبر عنه في موضع هكذا: حدث أبو عبد الله محمد بن جعفر الحائري
- رضي الله عنه - قال. حدثني الشيخ الجليل أبو الفتح - المقيم بالجامع - إلى
آخر ما في مزار المشهدي.
وفي موضع: ثم تخرج إلى ظاهر الكوفة، وتتياسر إلى مسجد جعفي،
وهو غربي مسجد النجار، فيه منارة لا رأس لها، فتصلي فيه أربع ركعات،
فقد روى أبو عبد الله محمد بن جعفر الحائري باتصال الاسناد إلى أبي
الحسن علي بن ميثم، إلى آخر ما في المزار المذكور. والنسبة إلى البلدين
غير عزيزة بين الرواة والأصحاب، كما لا يخفى على المضطلع الخبير، بل نسبه
إليهما الشيخ الجليل حسين بن العالم الأكمل علي بن حماد، في إجازته لنجم
الدين خضر بن نعمان المطارآبادي، قال فيها: ومن ذلك ما رواه - يعني والده -
عن الشيخ محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائري، إلى آخره.
وكذلك المحقق النقاد صاحب المعالم في إجازته الكبيرة، قال: وبالإسناد عن
الشيخ نجيب الدين محمد - يعني محمد بن جعفر بن نما - عن الشيخ
السعيد أبي عبد الله محمد بن جعفر المشهدي الحائري، جميع كتبه ورواياته،
إلى أن قال:
وعن الشيخ أبي عبد الله محمد بن جعفر المشهدي، عن الشيخ الزاهد
أبي الحسين ورام، إلى آخره.
وعن ابن جعفر، عن الشيخ الفقيه أبي الحسين يحيى بن الحسن بن
البطريق، وعد مؤلفاته وقال: وحكى الشيخ نجم الدين بن نما، عن والده،

المجلسي نقل الزيارة عن مزار المفيد مرسلا وشرحها (البحار 100: 359 - 368، ح 6) ولم
يشر إلى هذا السند الصحيح العالي الموجود في الكتابين الموجودين عنده نقل عنهما كثيرا (منه نور
الله قلبه).
362

أن الشيخ محمد بن جعفر قرأ هذه الكتب المعدودة، وكتبا أخرى من
تصانيف أبي الحسين بن البطريق عليه، وأجاز له جميع رواياته ومؤلفاته.
وبالاسناد أيضا عن الشيخ محمد بن جعفر المشهدي، عن الشيخ المقرئ
أبي عبد الله محمد بن هارون - المعروف والده بالكال - جميع كتبه ورواياته، ثم
عد كتبه وقال: وعن ابن جعفر، عن الشيخ الفقيه أبي محمد جعفر بن أبي
الفضل بن شعرة الجامعاني جميع رواياته.
وعن ابن جعفر أيضا، عن الشيخ الفقيه أبي عبد الله الحسين بن أحمد
ابن ردة جميع رواياته.
وعن ابن جعفر، عن الشريف الاجل شرفشاه بن محمد بن زيادة،
والشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرائيل، عن الشريف محمد - المعروف بابن
الشريف - الجمل البحري (1)، عن البصروي، كتاب المفيد في التكليف له،
وكانت رواية ابن جعفر للكتاب، عن السيد شرفشاه وأبي الفضل شاذان،
قراءة عليهما في شهر رمضان، سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة... إلى أن قال:
وذكر الشيخ نجم الدين بن نما في الإجازة المذكورة سابقا، أن والده
أجاز له أن يروي عنه، عن الشيخ محمد بن جعفر المشهدي كتاب (إزاحة
العلة في معرفة القبلة من سائر الأقاليم) تصنيف الشيخ الفقيه أبي الفضل
شاذان بن جبرائيل رحمه الله عن مصنفه رضي الله عنه... إلى أن قال: وذكر الشيخ
نجم الدين بن نما أنه يروي المقنعة للمفيد بالإجازة، عن والده، عن محمد
ابن جعفر المشهدي.
وحكى عن محمد بن جعفر أنه قال: إنه قرأها ولم يبلغ العشرين على
الشيخ المكين أبي منصور محمد بن الحسن بن منصور النقاش الموصلي، وهو

(1) بحار الأنوار 109: 23: الهجري.
363

طاعن في السن، وأخبره أنه قرأها في أول عمره على الشريف النقيب المحمدي
بالموصل، وهو يومئذ طاعن في السن، وأخبره أنه قرأها في أول عمره على
المصنف، انتهى (1).
ويظهر منه أنه - رحمه الله - من أعاظم العلماء، واسع الرواية، كثير
الفضل، معتمد عليه، كما أنه يظهر مما ذكرنا من خطبة كتابه، أن كل ما فيه
من الدعوات والزيارات مأثورة عنهم عليهم السلام، ومنها أعمال مسجد
الكوفة، والزيارات المختصة بأبي عبد الله عليه السلام في الأيام المخصوصة
ويأتي تتمة الكلام في ترجمة رضي الدين بن طاووس رحمه الله. وفي مشايخ
ابن نما - شيخ المحقق - شرح مشايخ محمد بن المشهدي، فلاحظ.

(1) بحار الأنوار 109: 21 - 45.
364

54 - كتاب تأريخ قم:
تأليف الشيخ الأقدم الحسن بن محمد.
قال في الرياض: الشيخ الجليل الحسن بن محمد بن الحسن القمي،
من أكابر قدماء علماء الأصحاب، ومن معاصري الصدوق، ويروي عن
الشيخ حسين بن علي بن بابويه - أخي الصدوق - بل عنه أيضا، فلاحظ.
وله كتاب (تأريخ قم) وقد عول عليه الأستاذ - قدس
سره - في البحار، وقال: إن كتابه معتبر و، وينقل عن كتابه المذكور في مجلد المزار من
البحار، لكن قال: إنه لم يتيسر لنا أصل الكتاب، وإنما وصل إلينا ترجمته،
وقد أخرجنا بعض أخباره في كتاب السماء والعالم (1)، انتهى.
أقول: ويظهر من رسالة الأمير المنشئ. في أحوال بلدة قم، ومفاخرها
ومناقبها، أن اسم صاحب هذا التأريخ هو الأستاذ أبو علي الحسن بن محمد
ابن الحسين الشيباني القمي، فتأمل.
ثم أقول: سيجئ في باب الميم ترجمة محمد بن الحسن القمي، وظني
أنه والد هذا الشيخ، فلا تغفل.
وقد يقال: إنه العمي - بالعين المهملة المفتوحة - فهو غيره.
واعلم أني رأيت نسخة من هذا التاريخ بالفارسية في بلدة قم، وهو
كتاب كبير جيد، كثير الفوائد، في مجلدات، محتو على عشرين بابا، ويظهر
منه أن مؤلفه بالعربية إنما هو الشيخ حسن بن محمد المذكور، وسماه كتاب قم،
وقد كان في عهد الصاحب بن عباد، وألف هذا التاريخ له، وقد ذكر في أوله
كثيرا من أحواله وخصاله وفضائله، ثم ترجمه الحسن بن علي بن الحسن بن
عبد الملك (2) القمي بالفارسية، بأمر الخواجة فخر الدين إبراهيم بن الوزير الكبير

(1) بحار الأنوار 1: 42.
(2) في الرياض: عبد الله.
365

الخواجة عماد الدين محمود بن الصاحب الخواجة شمس الدين محمد بن علي
الصفي، في سنة ثمانمائة وخمسة وستين.
ثم إن لهذا المؤرخ الفاضل - أعني مؤلف الأصل - أخا فاضلا، وهو أبو
القاسم علي بن محمد بن الحسن الكاتب القمي، كما يظهر من هذا الكتاب
أيضا، وأكثر فوائد هذا الكتاب ما يتعلق بأحوال خراج قم، وبعض أحواله
منه، انتهى (1).
قلت: ويظهر من كتاب فضائل السادات، المسمى بمنهاج الصفوي،
تأليف السيد العالم المتبحر، الأمير سيد أحمد الحسيني، سبط المحقق الكركي،
وابن خالة المحقق الداماد وصهره على بنته، صاحب مصقل الصفا في الرد
على النصارى وغيره، أن لهذا الكتاب ترجمة أخرى ينقل فيها عنها. كما أنه يظهر
منه أن النسخة العربية كانت عنده.
وهذا الكتاب مشتمل على عشرين بابا، والذي وصل إلينا منه ثمانية
أبواب، ويظهر من فهرست أبوابه أن فيه فوائد جميلة، خصوصا: الباب
الحادي عشر منه، الذي ذكر أنه يذكر فيه واحدا ومائتين من أخبار قم، والباب
الثاني عشر منه، الذي ذكر أنه يذكر فيه أسامي علماء قم، ومصنفاتهم
ورواياتهم، وهم مائتان وستة وستون، إلى تاريخ التصنيف الذي كان في سنة
ثمان وسبعين وثلاثمائة، رزقنا الله تعالى العثور عليه.
وقد نقل عن أصل الكتاب أيضا العالم الجليل، الآغا محمد علي، ابن
الأستاذ الأكبر البهبهاني في حواشي نقد الرجال كما وجدناه بخطه الشريف.

(1) رياض العلماء 1: 318.
366

55 - كتاب الخصائص.
تأليف السيد رضي الدين، محمد بن الحسين الموسوي، جامع نهج
البلاغة، وهو الذي قال في حقه في أول النهج: فإني كنت في عنفوان السن،
وغضاضة الغصن، ابتدأت بتأليف كتاب في خصائص الأئمة عليهم السلام
يشتمل على محاسن أخبارهم، وجواهر كلامهم، حداني إليه غرض ذكرته في
صدر الكتاب، وجعلته أمام الكلام، وفرغت من الخصائص التي تخص أمير
المؤمنين عليا عليه السلام، وعاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الأيام،
ومماطلات الزمان، وكنت قد بوبت ما خرج من ذلك أبوابا، وفصلته فصولا،
فجاء في آخرها: فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه عليه السلام من الكلام
القصير، في المواعظ، والحكم، والأمثال، والآداب... إلى آخره (1).
والذي ذكره في صدر الكتاب، هو ما قال بعد ذكر ميله وقصده إلى جمعه
ما لفظه: إلى أن أنهضني إلى ذلك اتفاق اتفق لي، فاستثار حميتي، وقوي نيتي،
واستخرج نشاطي، وقدح زنادي، وذلك أن بعض الرؤساء ممن غرضه
القدح في صفاتي، والغمز لقناتي، والتغطية على مناقبي، والدلالة على مثلبة
إن كانت لي، لقيني وأنا متوجه عشية عرفة، من سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة
هجرية، إلى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر، وأبي جعفر محمد بن
علي بن موسى عليهما السلام، للتعريف هناك، فسألني عن متوجهي،
فذكرت له إلى أين قصدي.
فقال لي: متى كان ذلك؟! يعني أن جمهور الموسويين جارون على
منهاج واحد في القول بالوقف، والبراءة ممن قال بالقطع.
وهو عارف بأن الإمامة مذهبي، وعليها عقدي ومعتقدي، وإنما أراد
التنكيت لي، والطعن علي بديني.

(1) شرح نهج البلاغة لمحمد عبده 1: 2 المقدمة.
367

فأجبته في الحال بما اقتضاه كلامه، واستدعاه خطابه، وعدت وقد قوي
عزمي على عمل هذا الكتاب، إعلانا لمذهبي، وكشفا عن مغيبي، وردا على
العدو الذي يتطلب عيبي، ويروم ذمي وقصبي، انتهى (1).
ويروي فيه عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري رحمهما الله تعالى (2).

(1) خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 3.
(2) خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 25.
368

56 - كتاب سعد السعود:
للسيد الاجل علي بن موسى بن جعفر الطاووس، وهو كتاب لطيف
بديع.
قال في أوله: فإني وجدت في خاطري يوم الأحد في ذي القعدة، سنة
إحدى وخمسين وستمائة، اعتبرته بميزان الإلهية، ووجدان الألطاف الربانية،
فوجدته واردا عن تلك المراسم، وعليه أرج أنوار هاتيك المعالم والمواسم، في
أن أصنف كتابا اسميه (سعد السعود) للنفوس منضود، من كتب وقف علي
ابن موسى بن طاووس (1). إلى آخره.

(1) سعد السعود: 3.
369

57 - كتاب اليقين، أو كشف اليقين:
باختصاص مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بإمرة المؤمنين.
له أيضا، جلالة قدر مؤلفه وتثبته أشهر من أن يذكر.
370

58 - كتاب التعازي (1):
تأليف الشريف الزاهد أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد
الرحمن العلوي الحسني، ذكر فيه ما يتعلق بالتعزية والتسلية، وصدره بحديث
وفاة النبي صلل الله عليه وآله، ثم بها صنعه وقاله عند موت أولاده صلى الله
عليه وآله، وما عزى به غيره.
قال في أوله: أخبرني الشيخ الجليل العفيف أبو العباس أحمد بن الحسين
ابن وجه (2) المجاور - قراءة عليه، في داره بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام، في شهر الله من سنة إحدى وسبعين وخمسمائة - قال:
حدثنا الشيخ الأجل الأمير أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شهريار الخازن -
بالمشهد المقدس بالغري، عل ساكنه السلام، في شهر ربيع الأول من سنة
ست عشرة وخمسمائة - قال: حدثنا الشريف النقيب أبو الحسين زيد بن الناصر
الحسيني - رحمه الله، في شوال من سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة (3) بمشهد
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام - قال: حدثنا (الشريف أبو عبد الله محمد بن
علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي). (4) عن علي بن العباس البجلي، عن
محمد بن سهل بن زنجلة الرازي، عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي (5)،

(1) النسخة الخطية فيما في هذا الكتاب مضطربة، حيث فيها تقديم وتأخير وسقط وزيادة، ولذا
آثرنا ابقاء نظم الحجرية.
(2) هكذا ضبطه الشيخ الطهراني في ثقات العيون: 11، وفي الحجري: وحر، وأما المخطوطة
دحر، وانظر الذريعة 4: 205 / 1024.
(3) في المخطوطة: ست عشرة وخمسمائة.
(4) ما بين القوسين ساقط من المصدر.
(5) في الحجرية: العريسي، والصحيح المثبت، انظر ميزان الاعتدال 2: 630 / 5108، والجرح
والتعديل 5: 387 / 1804.
371

عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص، عن عاصم العمري وعلي بن علي
اللهبي، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم، السلام، عن أبيه
الحديث (1).
ثم يقول بعد ذلك: وبالاسناد... إلى آخره.
وفي آخر هذا الكتاب - وهو من خصائصه - الخبر الشريف المعروف، الذي
يذكر فيه بلاد أولاد الحجة عليه السلام، وأساميهم، وأحوالهم، وقد نقله
الاعلام في مؤلفاتهم.
قال السيد الاجل علي بن طاووس في أواخر كتاب جمال الأسبوع:
ووجدت رواية متصلة الاسناد، بأن للمهدي صلوات الله عليه أولاد جماعة
ولاة، في أطراف بلاد البحر، عل غاية عظيمة من صفات الأبرار (2).
وذكر مختصره الشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي، في
الفصل الخامس عشر من الباب الحادي عشر من كتابه الصراط المستقيم (3).
ورواه السيد الجليل علي بن عبد الحميد النيلي، في كتاب السلطان
المفرج عن أهل الايمان.
ورواه السيد المحدث الجزائري في الأنوار، عن المولى الفاضل، الملقب
بالرضا علي بن فتح الله الكاشاني، قال. روى الشريف الزاهد... إلى آخره.
وفي كتاب حديقة الشيعة، ما ملخص ترجمته في كتاب الأربعين، الذي
صنفه بعض أكابر المصنفين، وأعاظم المجتهدين: روى العالم العامل،
المتقي الفاضل، محمد بن علي العلوي الحسني، بسند ينتهي إلى أحمد بن محمد
الأنباري، وساق الخبر بطوله (4).

(1) التعازي: 2.
(2) جمال الأسبوع: 512.
(3) الصراط المستقيم 2: 264.
(4) حديقة الشيعة: 765.
372

ويظهر من جميع ذلك أنه من العلماء الأعلام، والأتقياء الكرام،
والمؤلفين العظام، وإن لم أجد له ترجمة في الكتب المعدة لذلك، ولم أعثر على
باب الميم من الرياض، الذي هو أجمع وأكمل ما صنف في هذا الباب.
وقال السيد الاجل عبد الكريم بن طاووس، في الباب الثاني من كتاب
فرحة الغري: روي أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن
العلوي الحسيني في كتاب فضل الكوفة، بإسناد رفعه إلى عقبة بن علقمة أبي
الجنوب (1)، قال: اشترى أمير المؤمنين عليه السلام ما بين الخورنق إلى الحيرة
إلى الكوفة، - وفي حديث ما بين النجف إلى الحيرة إلى الكوفة -، من الدهاقين
بأربعين ألف درهم، وأشهد عل شرائه، قال. فقيل له يا أمير المؤمنين تشتري
هذا بهذا المال وليس تنبت حظا، قال: (سمعت من رسول الله صلى الله عليه
وآله يقول: كوفان كوفان يرد أولها على آخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفا
يدخلون الجنة بغير حساب، فاشتهيت أن يحشروا من ملكي).
أقول: هذا الحديث فيه إيناس بها نحن بصدده، وذلك أن ذكره عليه
السلام ظهر الكوفة إشارة إلى ما خرج عن الخندق، وهي عمارة آهلة إلى اليوم،
وإنما اشترى أمير المؤمنين عليه السلام ما خرج عن العمارة إلى حيث ذكروا،
والكوفة مصرت سنة سبع عشرة من الهجرة، ونزلها سعد في محرمها، وأمير
المؤمنين عليه السلام دخلها سنة ست وثلاثين، فدل على أنه عليه السلام
اشترى ما خرج عن الكوفة الممصرة، فدفنه بملكه أولى، وهو إشارة إلى دفن
الناس عنده، وكيف يدفن بالجامع ولا يجوز، أو بالقصر وهو عمارة الملوك؟ ولم يكن
داخلا في الشراء لأنه معمور من قبل (2)، إنتهى.
ومنه يظهر اعتماده عليه، واعتناؤه بما رواه، ووثوقه بخبره، وكفاه مادحا

(1) وما ورد في فضل الكوفة من اعتبار الكنية علما آخر غير صحيح، انظر الاكمال لابن مأكولا
1: 158. وفضل الكوفة 42 حديث 6 و 7.
(2) فرحة الغري: 29.
373

ومعتمدا.
وقال رضي الدين علي بن طاووس في الاقبال، في الفصول المتعلقة
بفضائل يوم الغدير وأعماله: فصل فيما نذكره من آيات رأيتها أنا عند ضريحه
الشريف، وساقها... إلى أن قال:
أقول: واعرف أنني دخلت حضرته الشريفة كم مرة في أمور هائلة لي،
وتارة لأولادي، وتارة لأهل ودادي، فبعضها زالت وأنا بحضرته (وبعضها
زالت باقي نهار مخاطبته) (1) وبعضها زالت بعد أيام في جواب زيارته، ولو
ذكرتها احتاجت إلى مجلد كبير، وقد صنف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن
ابن عبد الرحمن الحسنى، مصنفا في ذلك متضمنا للأسانيد والروايات إلى آخره (2).
ويستظهر من كلامه ما استظهرنا من كلام ابن أخيه رضي الله تعالى
عنهم.
وفي الرياض في ترجمة غياث الدين السيد عبد الكريم بن طاووس:
أقول: قد سبقه في تأليف ما ضمنه هذا السيد في كتاب فرحة الغري السيد أبو
عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الحسني، وألف مصنفا في
ذلك، مشتملا على الأسانيد والروايات، على ما حكاه السيد رضي الدين علي
ابن طاووس، عم السيد عبد الكريم هذا، في أواخر كتاب الاقبال في هذا
المبحث، كما سنذكره في ترجمة السيد أبي عبد الله المذكور، والعجب أنه لم
يعثر السيد عبد الكريم هذا عليه، ولم ينقل عنه، انتهى (3).
ولم أعثر على باب الميم من الرياض، رزقنا اله تعالى زيارته.
ويأتي في الفائدة الثالثة في مشايخ محمد بن المشهدي أنه يروي عنه
بواسطتين، وهو يروي عن أبي تمام عبد الله بن أحمد بن عبيد الأنصاري

(1) ما بين القوسين لم يرد في المخطوطة.
(2) الاقبال: 469.
(3) رياض العلماء 3: 169.
374

المؤدب.
ويأتي أيضا أن عماد الدين أبا القاسم الطبري يروي عنه كثيرا في كتاب
بشارة المصطفى بواسطة واحدة، قال في الجزء الثاني منه: أخبرنا الشيخ أبو
البركات عمر بن محمد بن حمزة العلوي - بالكوفة في مسجده، في صفر سنة
عشر (1) وخمسمائة - وأخبرنا أبو غالب سعيد بن محمد بن أحمد الثقفي الكوفي
بها، قال: أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن العلوي العلامة...
إلى آخره (2).
وقال غياث الدين عبد الكريم بن طاووس في فرحة الغري: أقول:
وقد ذكر هنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين
ابن عبد الرحمن الشجري، بالاسناد المتقدم إليه، حدثني أبو الحسن محمد بن
أحمد بن عبد الله الجواليقي لفظا... إلى آخره (3).
وقال في الباب السادس: أخبرني الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الحربي،
من عبد العزيز الأخضر - سنة أربع وستمائة - عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر،
قال: أخبرنا محمد بن علي بن ميمون البرسي - وهو المعروف بابي (4) - قال.
أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد
الرحمن القسري بن القاسم بن محمد البطحائي بن القاسم بن الحسن بن زيد
ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام الحسنى، قال: أخبرنا جعفر
ابن محمد بن عيسى بن علي بن محمد الجعفري، قال: أخبرني أبي - إملاء -
قال: أخبرنا جعفر بن مالك، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصائغ،
أخبرنا عبد الله بن عبيد بن زيد، قال: رأيت جعفر بن محمد عليهما السلام

(1) في المصدر: ستة عشر.
(2) بشارة المصطفى: 87.
(3) فرحة الغري: 139.
(4) كذا، وفي المصدر: أبي العباس.
375

وعبد الله بن الحسن بالغري، عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام، فأذن عبد
عبد الله، وأقام الصلاة، وصلى مع جعفر بن محمد عليهما السلام، وسمعت
جعفرا عليه السلام يقول: (هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام) انتهى (1).
وفي الشجرة الكبيرة: محمد العالم الزاهد بالكوفة، ابن علي، بالكوفة
يعرف بابن عبد الرحمن، ووصف جده الحسين بن عبد الرحمن بالشاعر، وقال:
كنيته أبو عاتقة.

(1) فرحة الغري: 55.
376

59 - كتاب المجموع الرائق من أزهار الحدائق:
تأليف السيد العالم الفاضل، السيد هبة الله أبي محمد الحسن
الموسوي.
قال في أمل الآمل: كان عالما، صالحا، عابدا، له كتاب (الرائق (1)
من أزهار الحدائق) (2).
وفي الرياض: السيد هبة الله بن أبي محمد الحسن الموسوي، الفاضل
العالم الكامل، المحدث الجليل، المعاصر للعلامة ومن في طبقته، صاحب
- كتاب (المجموع الرائق) المعروف، وهو كتاب لطيف، جامع لأكثر المطالب،
وغلط من نسب هذا الكتاب إلى الصدوق، أو إلى المفيد.
أما أولا: فلانه غير مذكور في فهرس مؤلفاتهما على ما ذكر في كتب
الرجال.
وأما ثانيا: فلانه يروي في هذا الكتاب عن جماعة من المتأخرين عنهما
وعن كتبهم.
وأما ثالثا: فلانه يظهر من مطاوي هذا الكتاب أنه الف سنة ثلاث
وسبعمائة.
وأما رابعا: فلانه صرح نفسه مرارا في أثناء ذلك الكتاب باسمه، على
ما رأيته في طائفة من نسخه.
وبما ذكرناه من تأريخ التأليف يعلم أنه ألفه في أواخر عصر العلامة.
ولعل وجه هذا الظن أن في أوائل ذلك الكتاب أورد أكثر كتاب
الاعتقادات للشيخ الصدوق، بل كله، وقد صدر كل مبحث منه بقوله: قال

(1) في الامل: المجموع الرائق.
(2) أمل الآمل 2: 341 / 1051.
377

الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابويه. وكذلك ينقل من كتاب
الشيخ المفيد أيضا.
وبالجملة كتابه هذا مجلدان كبيران، ويشتمل عل الاخبار الغريبة،
والفوائد الكلامية، والمسائل الفقهية، والأدعية والأذكار، وأمثال ذلك من
المطالب، وهو محتو عل اثنى عشر بابا، كل مجلد ستة أبواب، وهو كتاب
معروف وإن لم يورده الأستاذ الاستناد في بحار الأنوار.
قال: ثم من مؤلفاته كتاب (الشرفي) في معجزات النبي صلى الله عليه
وآله، ودلائل أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام، كما صرح به نفسه في كتاب
(المجموع الرائق) المشار إليه، انتهى (1).
قلت: قد أورد في هذا الكتاب تمام كتاب (الأربعين) لجمال الدين يوسف
ابن حاتم الشامي، تلميذ المحقق - صاحب كتاب (الدر النظيم في مناقب
الأئمة اللهاميم - و (الأربعين) لجمال الدين الحافظ الفاضل أبي الخطاب عمر
الأندلسي، بقراءة المبارك بن موهوب الأربلي، سنة عشر وستمائة، في مجلس
واحد.
وقال في موضع من الكتاب: ومما ظفرت به من خطب أمير المؤمنين عليه
السلام نقلته من الخزانة المولوية الرضوية الطاووسية، قدس الله روح جامعها
ومؤلفها، وأمتع الله بدوام أيام المولى الطاهر مالكها، وأعز نصره، من كتاب
وجدته، عليه مكتوب بخط السيد مولى السعيد رضي الدين، مؤلف هذه
الخزانة، وحاوي كتبها ما صورته... إلى آخره (2).
وبالجملة. فالنسبة المذكورة من الأغلاط الواضحة.
وقال في أول الكتاب: فإني لما نظرت في بعض الكتب المسندة عند
الفضلاء المعظمين، والسادة النبلاء المقدسين، والقادة علماء المصنفين، آثرت

(1) رياض العلماء 5: 305.
(2) المجموع الرائق: 184.
378

أن أجمع ما صنفوه، وسبقوا إلى جمعه وألفوه، وعرفوا صحته وحققوه، وسبروا
معانيه ووقفوه ورووه وصنفوه، من منافع آيات القرآن الكريم، وما يحترز به من
العوذ والحروز، والروايات، وما يستشفى به من طب الأئمة عليهم
السلام (1)، إلى آخر ما ذكره مما يظهر منه تثبته، واعتبار ما نقله فيه، والله العالم.

(1) المجموع الرائق: 1 السطر الثالث.
379

60 - كتاب طب النبي صلى الله عليه وآله:
قال في الرياض في باب الكنى من القسم الأول: الشيخ الإمام أبو
العباس المستغفري، هو الامام الخطيب الحافظ، أبو العباس جعفر بن أبي علي
محمد بن أبي بكر المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي السمرقندي، صاحب كتاب
طب النبي صلى الله عليه وآله.
ويلوح من فهرس بحار الأنوار، للأستاذ الاستناد - قدس سره - أنه من
علماء الشيعة، قال - رحمه الله - في أول البحار، في طي تعداد كتب الامامية:
وكتاب طب النبي صلى الله عليه وآله للشيخ أبي العباس المستغفري، ثم
قال: وكتاب طب النبي صلى الله عليه وآله وإن كان أكثر أخباره من طرق
المخالفين، لكنه مشهور متداول بين علمائنا.
وقال نصير الدين الطوسي في كتاب آداب المتعلمين: ولا بد أن يتعلم
شيئا من الطب، ويتبرك بالآثار الواردة في الطب، الذي جمعه الشيخ الإمام أبو
العباس المستغفري، في كتابه المسمي بطب النبي صلى الله عليه وآله،
انتهى ما في البحار (1) (2).
وأقول: في جعله من علماء الإمامية سهو ظاهر، فإنه من علماء العامة
ومن الحنفية، كما سيأتي صرح أحواله في القسم الثاني إن شاء الله تعالى، وقد
أوردنا ترجمة في هذا القسم رعاية لما قاله الأستاذ في البحار.
ويظهر من كتاب دلائل النبوة للامام أبي العباس المستغفري نفسه
التسنن، كما حكى من ذلك الكتاب المولى الجامي كثيرا، في كتاب شواهد
النبوة فتأمل (3).

(1) آداب المتعلمين: 153 ضمن كتاب شرح الباب الحادي عشر... (حجري).
(2) بحار الأنوار 1: 23، 42.
(3) في النقل عن الرياض تقديم وتأخير مخل، صححناه على رياض العلماء 5: 472.
380

وقال في القسم الثاني بعد ذكر النسب إلى محمد بن المستغفر. الكامل
الجليل، المعروف بالشيخ الامام أبي العباس المستغفري، الحنفي،
السمرقندي، النسفي، صاحب تأريخ نسف، ويروى عن جده أبي بكر
ابن المستغفر، وهما من القدماء. وقد سبق في باب الكنى ترجمة الشيخ الامام
أبي العباس المستغفري، صاحب كتاب طب النبي صلى الله عليه وآله، وإن
الحق كونه من علماء العامة، وله كتاب دلائل النبوة، فلاحظ.
قلت: لم يذكر شاهدا لتسننه إلا ما ذكره في دلائل النبوة، وفي كونه له
تأمل.
قال المولى كاتب الچلبي في كشف الظنون: دلائل النبوة للامام أبي داود
كما ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب (1)، أو ابن عباس جعفر بن محمد
المعروف بالمستغفري، النسفي، الحنفي، المتوفى سنة اثنين وثلاثين وأربعمائة،
جعل فيه الدلائل - أعني ما كان قبل البعثة - سبعة أبواب، والمعجزات عشرة
أبواب (2).
وقال في باب التاء: تاريخ نسف وكش: لأبي العباس جعفر بن محمد
المستغفري (3).
ولم يشر إلى المذهب، ولعله لتردد فيه.
وعلى كل حال فالذي دعانا إلى النقل منه ما دعا صاحب الرياض من
رعاية المحقق الطوسي، والعلامة المجلسي، مضافا إلى خلوه عما لا مسرح إلى
التسامح فيه، ومطابقة أكثره لما روي من طرقنا.

(1) صحيح العبارة هكذا.... داود ذكر. ابن حجر في تهذيب التهذيب، ولأبي العباس
جعفر... انظر المصدر.
(2) كشف الظنون 1: 760.
(3) كشف الظنون 1: 308.
381

61 - مجاميع:
لشمس الفقهاء محمد بن مكي الشهيد - قدس الله روحه - وهي ثلاث
مجلدات، مجلدان منها بخط الشيخ الجليل شمس الدين محمد بن علي
الجباعي، جد شيخنا البهائي، فإنه بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد
الصمد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح الجباعي، الحارثي،
الهمداني، من ولد الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، من خواص أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلام.
وقد وصفه جماعة من العلماء في مقام النقل عنه بكونه صاحب الكرامات.
ونقل في الروضات، عن حدائق المقربين: للأمير محمد صالح الخواتون
آبادي، عن المولى محمد تقي، عن شيخه الشيخ البهائي، أنه نقل عن جده
الشيخ شمس الدين: أن في يوم من الأيام نزل ثلج عظيم بديارنا، ولم يكن في
منزل جدنا ما يقوت به عياله، وكان الأطفال يبكون ويريدون منه الطعام،
فقال جدنا لجدتنا: سكتي الأطفال لندعو الله كي يطعمهم وإيانا، فأخذت
جدتنا شيئا من الثلج، وذهب به إلى التنور المحمي، وقال: هذا هو الخبز
أطبخه لكم ثم أوقد عليه، وجعل الثلج شبه الرغائف يضربها بالتنور (1)، وجدنا
مشغول بالدعاء، فلم يمض ساعة إلا خرج من التنور رغائف متعددة، فلا
رأى جدنا ذلك شكر الله سبحانه، انتهى (2).
والنسخ الشائعة من الصحيفة الكاملة السجادية على منشئها آلاف
سلام وتحية تنتهي إليه، وإلى خطه.

(1) الظاهر أن التي صنعت الخبز هي الجدة بقرينة أن الجد كان مشغولا بالدعاء وكذلك أول
الرواية، حيث قال فأخذت جدتنا. فعليه تكون جميع الأفعال بصيغة المؤنث.
(2) روضات الجنات 2: 340.
382

قال السيد المحدث الجزائري، في شرح صحيفته: وقد بنينا شرحنا هذا
على نسخة شيخنا البهائي - قدس سره - التي هي بخط أبيه شمس الدين محمد
- صاحب الكرامات والمقامات - وهو قد نقلها من خط الشهيد - رحمه الله -
انتهى.
وصرح في رياض العلماء: إنه كان تلميذ ابن فهد (1).
وكل ما في هذين المجلدين منقول عن خط الشهيد - رحمه الله - والمجلد
الاخر بخط بعض أحفاده، نقل عن خطه، وهذه المجلدات كالبساتين
النضرة، والحدائق الخضرة التي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، مشتملة
على رسائل مستقلة في الأحاديث، والعلوم الأدبية، والاشعار، والاخبار
المستخرجة من الأصول، والحكايات والنوادر، وغيرها، خالية عن الهزليات
التي توجد في أمثالها، نعم يوجد فيها بعض اللطائف والطرائف.
ففي أحد المجاميع (2): بلغ من عناية الصوفية بكثرة الأكل أن كان نقش

(1) رياض العلماء 5: 189.
(2) جاء في هامش المخطوطة: ومن الألطاف الإلهية على العبد الجاني يحيى بن محمد شفيع
الأصفهاني عفي عنهما: أني تشرفت قبل ذلك بثلاث سنين إلى زيارة أئمة العراق عليهم صلوات
الله وسلامه وكان أوان تشرفي بكربلاء في أول شهر رجب والمولى الجليل المصنف قد تشرف
للزيارة الرجبية من النجف الأشرف إلى كربلاء المشرفة، وكل بيني وبينه صداقة قديمة من أيام
التحصيل واقامتنا في النجف الأشرف، فبادر إلى زيارتي وفرحت كثيرا بزيارته. ولما تشرفنا بالنجف
الأشرف كنا مراودين، فجاء يوما إلى منزلي ومعه هذه المجاميع الثلاث اتي اثنان منها بخط الشيخ
الجليل الشيخ محمد الجبعي جد شيخنا البهائي وقال رحمه الله لي: هاتان المجموعتان بعينهما كانتا
عند الملجسي، وكلما نقل عن خط الشيخ محمد المذكور عن خط الشهيد محمد بن مكي من هاتين
المجموعتين، ولولا المحبة الكاملة ما أبرزتهما لك. فأخذت المجاميع الثلاث كلها ونقلت أكثر ما
فيها بخط يدي، وكانت موجودة عندي، وكذا المجموعة التي بخط السيد الجليل السيد حيدر
الآملي المشتملة على الرسائل الثلاث في سؤالات مهنا بن سنان المدني، وغيرها التي نقلها سابقا
قبل ذلك وفيها خطوط فخر المحققين ولد العلامة واجازته للسيد حيدر في ظهر سؤالات المهنا
بخطه رحمه الله، وغيرها من الرسائل الشريفة كلها بخط السيد حيدر الآملي، ونقلت جميعها بخط يدي، وهي الآن موجودة عندي بمحمد الله وكانت نسخة الأصل من هذا الكتاب أيضا عندي
إلى أن رجعت، وأودعه رحمه اله باستنساخ نسخة من هذا الكتاب فاستنسخها وأرسلها ووصلت
إلى بعد أشهر من وفاته.
حرره العبد في يوم عرفة في بيتي في أصفهان سنة 1320.
وكذلك المجموعة التي للسيد السند بحر العلوم فيها إجازات العلماء الأعلام له بخطوطهم
الشريفة وبعض إجازاته لبعض تلاميذه هي أيضا كانت عندنا ونقلتها بخط يدي.
383

خاتم بعضهم (اكلها دائم) وآخر (آتنا غداءنا) وآخر (لا تبقي ولا تذر).
وفسر بعضهم (الشجرة الملعونة): بالخلال المجيئة بعد الطعام، والياس
منه.
وفسر بعضهم (الآخرين أعمالا) فقال: هم الذين يثردون ويأكل
غيرهم، وقيل: هم الذين لا سكاك لهم في أيام البطيخ.
وقال بعضهم: العيش فيما بين الخشبتين، يعني الخوان والخلال.
ولقبوا الطست والإبريق إذا قدما قدام المائدة ببشر وبشير، وبعدها
بمنكر ونكير.
وفي مجموعة أخرى: أبو مغيث (1) الحسين بن منصور الحلاج الصوفي،
كان جماعة يستشفون ببوله، وقيل: إنه ادعى الربوبية، ووجد له كتاب فيه: إذا
صام الانسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر، وأخذ وريقات هندباء فأفطر عليه
أغناه عن صوم رمضان، ومن صلى في ليلة ركعتين، من أول الليل إلى الغداة
أغنته عن الصلاة بعد ذلك، ومن تصدق بجميع ما يملك في يوم واحد أغناه
عن الحج، وإذا أتى قبور الشهداء بمقابر قريش، فأقام فيها عثرة أيام يصلى
ويدعو، ويصوم ولا يفطر إلا على قليل من خبز الشعير والملح، أغناه ذلك عن
العبادة.

(1) في المخطوط والحجرية: أبو معتب، وهو خطأ انظر سير أعلام النبلاء 14: 313، وطبقات
الأولياء: 187.
384

وفى هذه المجموعة (مختصر الجعفريات) و (ذكر الدر) (1) الذي وجد في
الكوفة وعليه منقوش البيتان المعروفان، ونظائر أخرى له لا مناسبة لنقلها.
وقد ذكر في كثير من المواضع تأريخ كتابته وكتابة الشهيد، وفي آخر
الأربعين للشيخ منتجب الدين المدرج في أحدها: نجز لاحدى وعشرين مضت
من شهر الله رجب الأصم، سنة إحدى وستين وثمانمائة بكرك نوح عليه السلام،
بقلم العبد الفقير محمد بن علي بن حسن بن محمد صالح الجبعي اللويزاني،
والحمد لله كثيرا مباركا، وصلى الله سيدنا محمد وآله وسلم، من نسخة
بخط الشيخ شمس الدين محمد بن مكي، كتبها بالحلة سنة ست وسبعين
وسبعمائة، وهو نقل من نسخة بخط محمد بن محمد بن علي الحمداني القزويني
- رحمه الله - تأريخها سنة ثلاث عشرة وستمائة.
قلت: وهو تلميذ المصنف.
وقد أكثر في البحار من النقل عنها، وعن أخرى لم تصل إلينا معبرا عنه
هكذا: وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي... إلى آخره.
وبالجملة: فاعتبار ما يوجد فيها من الاخبار وغيرها يعرف من اعتبار
جامعها، الذي لا يحوم حول جلالة قدره خيال.
قال صاحب المعالم في إجازته الكبيرة: ورأيت بخط شيخنا الشهيد الأول
في بعض مجاميعه حكاية أمور تتعلق بهذا الشيخ - يعني شمس الدين محفوظ بن
وشاح - ثم نقل بعض أبيات له بعثها إلى المحقق - رحمه الله - (2).

(1) إشارة إلى ما نقل من العثور على فص در منقوش عليه البيتان:
أنا در من السماء نثروني * يوم تزويج والد السبطين
كنت أنقى من اللجين بياضا * صبغتني دماء نحر الحسين
انظر منتهى الآمال (: 838، عن الكشكول).
(2) بحار الأنوار 109: 14.
385

62 - كتاب كنوز النجاح:
للشيخ الشهيد أمين الاسلام أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل
الطبرسي، العالم المفسر الجليل، صاحب مجمع البيان، وقد تقل عن هذا
الكتاب ونسبه إليه رضي الدين علي بن طاووس، في جمال الأسبوع (1)، ومهج
الدعوات. (2)، وأمان الاخطار (3)، والشيخ إبراهيم الكفعمي في الجنة المعروفة
بالمصباح وحواشيها (4).

(1) جمال الأسبوع: 176 السطر الأول.
(2) مهج الدعوات: 249.
(3) الأمان من الاخطار: لم نعثر على ذلك فيه.
(4) المصباح للكفعمي: 244.
386

63 - وكتاب عدة السفر وعمدة الحضر:
له أيضا نسبه إليه الكفعمي في المصباح (1).
قال في الرياض.. وقد عثرت منه على نسخ، وعندنا منه نسخة أيضا (2).
وفيهما. من الأدعية الشريفة، والتعقيبات والصلوات المستحبة، والأذكار
والاحراز شئ كثير.
وفي عصر السلطان شاه سلطان حسين الصفوي وجد مجموعة وفيها
هذان الكتابان الشريفان، وقد عرضا على مروج المذهب، المحقق الثاني
- الكركي - طاب ثراه - ونظر فيهما، وباشر تصحيحهما، فأمر السلطان أن يترجما
- بالفارسية، فترجمهما السيد العالم الجليل، الأمير محمد باقر الخواتون آبادي.
والعجب أنه لم يعرف مؤلفهما، فقال بعد ذكر المجموعة المشتملة عليها: إن
الرسالتين الشريفتين من مؤلفات محدثي علماء الإمامية - رضوان الله عليهم -
ثم شرح ما أجملناه.

(1) المصباح للكفعمي: 24.
(2) رياض العلماء 4: 347.
387

64 - كتاب صغير:
وجدناه في الخزانة الرضوية، فيه أخبار طريفة، يوجد متون أغلبها في
الكتب المشهورة، أوله هكذا:
أخبرنا الشريف الاجل، العالم ضياء الدين أبو الفتح محمد بن محمد
العلوي الحسيني، المعروف بابن جعفر الحائري - بحلة في شهر جمادى الآخرة
من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة - قال: حدثنا الشيخ العالم أبو المكارم ابن كتيلة
العلوي - بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، في جمادى
الأولى، سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة - قال: حدثنا إخبارا وإجازة أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن شهريار الخازن، قال: حدثنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن عالان
العدل، قال: حدثنا القاضي أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو محمد صالح بن
وصيف البكائي، قال: حدثنا معاذ بن الميسي، قال: حدثنا سويد بن سعيد،
قال حدثنا مبارك بن محيم، عن عبد العزيز بن صهيب، عن ابن مالك، عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأصحابه: (ما من صدقة أفضل من سقي
الماء) (1) وقد أخرجنا بعض أخباره شاهدا ومؤيدا.

(1) وحكى، قريبا منه في بحار الأنوار 74: 369 / 60.
388

65 - كتاب غرر الحكم
للآمدي، ذكرنا ما يتعلق به وبمؤلفه في الفائدة الآتية، في شرح مشايخ
ابن شهرآشوب، فلاحظ.
والحمد لله الذي وفقنا لانجاز ما وعدنا في صدر الكتاب، من شرح
حال الكتب التي هي مأخذ لكتابنا هذا، وترجمة مؤلفيها، وما قيل فيها أو ينبغي
أن يقال، مدحا وتأييدا، وجرحا وتضعيفا، مع رعاية الاحتياط والتثبت في
النقل، ومجانبة الاعتساف في البيان، وهذا باب لم أعثر على من دخله قبلي، إلا
كلمات معدودة لبعضهم في بعضها، وأنت بعد التأمل والتدبر فيما سطرناه تجد
- بعون الله تعالى - فوائد لا تحصى، وذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء.
389