الكتاب: منازل الآخرة والمطالب الفاخرة
المؤلف: الشيخ عباس القمي
الجزء:
الوفاة: ١٣٥٩
المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة
تحقيق: تعريب وتحقيق : السيد ياسين الموسوي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: محرم الحرام ١٤١٩
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-٢٢٣-٩
ملاحظات:

منازل الآخرة
والمطالب الفاخرة
(المعرب)
تأليف
المحدث الكامل والمذكر العامل
الحاج الشيخ عباس القمي قدس سره
المتوفي 1359 ه‍. ق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

شابك 9 - 223 - 470 - 964
9 - 223 - 470 - ISBN 964
منازل الآخرة
تأليف: المحدث الثقة الحاج الشيخ عباس القمي قدس سره
تعريب وتحقيق: السيد ياسين الموسوي
الموضوع: الموعظة والذكرى
طبع ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1000 نسخة
التاريخ: محرم الحرام 1419
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله غير مقنوط من رحمته، ولا مخلو من نعمته، ولا مأيوس من مغفرته
والصلاة والسلام على أشرف بريته محمد وآله سيما المعصومين من أهل بيته
وعترته، معادن العلم وينابيع الحكم.
من المناسب أن نبدأ كلمتنا بكلام لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) كان كثيرا ما
ينادى به أصحابه:
تجهزوا رحمكم الله! فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقلوا العرجة على الدنيا،
وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد، فإن أمامكم عقبة كؤودا ومنازل مخوفة
مهولة لابد من الورود عليها والوقوف عندها.
(نهج البلاغة: 321، الكلام - 204).
الكتاب الماثل بين يديكم أيها الكرام بيان مختصر لتلكم العقبات والمنازل
المشار إليها في كلام إمام الموحدين وسيد المبشرين والمنذرين بعد رسول رب
العالمين، من جملة تآليف المحدث الكامل والمذكر العامل المرحوم الحاج الشيخ
عباس القمي - تغمده الله برحمته - وقد كان كتبه باللغة الفارسية، ولأهميته وتعميما
للفائدة اهتم الفاضل النبيل والسيد الجليل سماحة المحقق السيد ياسين الموسوي
- دامت إفاضاته - بترجمة هذا السفر القيم إلى العربية مع مزايا شتى نافعة، ذكرها
هو نفسه في التقديم.
3

وبما أن مؤسستنا منذ تأسيسها تهدف إلى نشر الكتب الدينية النافعة، قامت
بطبع هذا الأثر الخالد بعد ملاحظته وتصحيحه وتكميل بعض نواقصه الفنية أو
التحقيقية، رجاء أن يكون لمن وفق لقرائته تذكرة وتعيها اذن واعية.
وختاما نرى من الضروري أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن عمل الترجمة
محفوف بصعوبات تتأتى من اختلاف خصوصيات كل لغة وأساليبها - خصوصا
في التشبيهات والكنايات والأمثال - والمترجم وإن كان عارفا باللغتين ومتعهدا
للأمانة قد يفوت عنه انتقال بعض المفاهيم الدقيقة، خصوصا فيما يرتبط بالشعر
والأدب، وهذه الترجمة أيضا لا تخلو عن هذه المشكلة، لكن " مالا يدرك كله لا
يترك كله ". ولله الحمد ولأوليائه صلواته وتحياته.
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
4

الإهداء
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الصامدين بوجه الباطل، دفاعا عن قباب علي والحسين والعباس ومسلم..
إلى الطالبين بثار الشهيد الصدر وجميع الشهداء الأبرار..
إلى المقاومين الأبطال الجنود المجهولين في الأرض المعروفين في السماء..
إلى من يقاتل على أرض العراق نيابة عن كل مسلم في الدنيا..
إلى المجاهدين الذين امتلأ العراق منهم، واتحد الغرب والشرق على سلب
حقهم، واخماد جذوتهم واطفاء نورهم، ويأبى الله تعالى إلا أن يتم نوره ولو كره
المشركون..
إليكم يا شرف العراق أحمل جهدي المتواضع هذا أقدمه هدية في درب الحق
والدفاع عن أهل البيت (عليهم السلام)..
إليكم جميعا: من بقي يقاتل حتى الرمق الأخير يقاوم ويتحمل عطش الهجير
وجوع الأيام وارهاب صدام..
والى من استشهد في هذا الطريق وسجل اسمه في سجل الشهداء وبقي اسمه
في الخالدين، وإن كان عند الناس جنديا مجهولا لم يعرفوه ولم يعرفوا مقاومته،
ولم يعرفوا عطشه وجوعه وبسالته وشجاعته، مع أنه جاهد نيابة عنهم جميعا
واستشهد مدافعا عن مبادئهم جميعا وعن شرفهم الديني جميعا.. لأنه قاتل من
أجل تحرير عتبات أهل البيت (عليهم السلام) في العراق من احتلال الكفار ومن هدمها..
5

وبقيت قباب علي والحسين والعباس ومسلم تشهد على الكفار وحشيتهم
وتشهد لأولئك الأبرار انهم أنصار الله عز وجل وأنصار رسوله (صلى الله عليه وآله) وأنصار
أهل البيت (عليهم السلام).
لا يهمكم يا رفقاء الدرب فالمشوار مهما طال فالنصر لكم بإذن الله عز وجل..
وهنيئا لكم أيها المجاهدون فإن لكم في الجنة بابا يقال له باب المجاهدين،
وتدخلون الجنة وأنتم متقلدين سيوفكم، والجمع بعد في الموقف لم يتم حسابهم
وما يجرى عليهم من الأهوال، فتسبقوا الكل، وتسبق إليكم ملائكة الجنة مرحبة
بكم... (1).

(1) اقتباس من الحديث الشريف المروي في الأمالي للشيخ الصدوق: ص 462.
6

مقدمة التحقيق والتعريب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله
الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم أجمعين من
الأولين إلى قيام يوم الدين.
يعيش العالم الاسلامي والمسلمون عموما من يوم الغزو الاستعماري
والفكري للبلاد الاسلامية صراعا شديدا مع العدو الغازي، وقد تنوعت أساليب
الصراع بتنوع الظروف ووجهات المعارك العسكرية والفكرية، وباختلاف أشكال
الحروب الفكرية الشرقية والغربية، وقد خرج الاسلام الحنيف والأمة المرحومة
منتصرة بجميع معاركها المقدسة التي خاضتها ضد الكفار والمنافقين مع ما كابدته
الأمة من ألم وعذاب وفقدان الأحبة وتحمل مشاق الغربة وما إلى ذلك، وما زالت
المعارك مستمرة، فإن الاستعمار لا يريد أن ينفض يده من هذه الأرض الطيبة ومن
استعمار واستعباد هذا الشعب المسلم العظيم.
وتفنن الاستعمار بأساليبه العدوانية، وأكد على ضرورة ايجاد حواجز
عقائدية وفكرية ونفسية بين الانسان المسلم وبين شخصيته الاسلامية، ودخل إليه
من جميع الجوانب المختلفة ليخترق هذا الكيان العظيم، وقد وفق لفترات من
الزمن أن يسيطر أو يخترق بعض السواتر أو الحواجز والموانع، ولكنه ببسالة أهل
الحق عاد خائبا خاسرا أكثر مواقعه التي احتلها بصعوبة ومشقة.
7

وكان أبرز سلاح استخدمه العدو الكافر والمنافق في حروبه الاستعمارية هو
الرجوع إلى المادية بشكليها الشرقي (الالحادي) والغربي بالابتعاد عن المثل
الأخلاقية والقيم الانسانية وابدالها بالابتذال والخلاعة واحياء النوازع الذاتية
والأنانية في الانسان، وابعاد العنصر الغيبي والروحي من تفكيره.
وكان الشيطان أكبر معين للعدو، وقد وقف إلى جنبه يعينه بما يستطيع لينجح
بمشروعه المادي، فإنهما قد اجتمعا على هدف واحد بل هما في الواقع حركة
واحدة.
وجاءت المفاجأة العظمى بانتصار الحركة الروحية والدينية بغتة بقيادة الامام
الخميني (رحمه الله)، فتراجعت تلك الجيوش المادية أمام قوة الروحانية العظيمة التي
بعثتها حركة الامام الخميني (قدس سره) في المجتمع الاسلامي وفي الانسان المسلم في
كل أرجاء العالم.
ولكن العدو استخدم شتى الأساليب لقمع تلك القوة التي كسرته وأبشع
أسلوب أكد عليه مرة أخرى هو مشروع المادية.
وأنا على يقين بأنه سوف يعود مرة أخرى خائبا خاسرا أمام قوة الطرح
الاسلامي، وأصالته الروحية الاسلامية.
وأعتقد أن من أهم العناصر التي تنجح معركتنا الكبيرة هو عرض الاسلام
بشتى مواضيعه إلى المسلمين والى العالم كافة.
ومن أهم تلك الجوانب هو التأكيد على تثبيت الروحانية الأصيلة في نفوس
المسلمين، وليس هنا محل تفصيل لهذا الموضوع المهم، ولكننا ملزمون بالتأكيد
عليه لأننا ما زلنا نعيش المعركة المادية بضراوتها وقوتها. ولابد أن ندحر الفكر
المادي بشتى أشكاله ونخلص المسلمين من شره، لأننا إذا أردنا أن نحافظ على
الشخصية الاسلامية فان من أهم مرتكزاتها ومميزاتها هو روحانيتها وعمق
علاقتها بالغيب، ولا يمكننا أن نوفق بالنجاح في معركتنا هذه إلا بعد أن ندحر
ما حاوله العدو من التشكيك بهذه الأصالة واختراق العقل المسلم بالتشكيك
8

بالروحانية وانها تمثل نوعا من أنواع اللا واقعية والفردية والانزواء والتخلف.
ولا يمكنني أن أحصر وجهة الدفاع عن الروحانية بنوع خاص من الأساليب
والطروحات، وانما الصحيح العكس، فإننا نحتاج إلى أساليب متنوعة ومتعددة من
اجل الحفاظ على تلك الأصالة والدفاع عنها لنحتفظ بالتالي بشخصية إنساننا
المسلم كما كان دائما قويا بفكره وعقيدته وشخصيته وبنائه للحضارة الانسانية.
ووجدت في كتاب (منازل الآخرة) للعلامة الأخلاقي الكبير والمحدث
الجليل الشيخ عباس القمي (رحمه الله) معينا يمكننا أن نطرحه للجيل المسلم ليساهم في
بناء الحصانة الدفاعية في شخصيته، ولذلك عجلت بنقل الكتاب من اللغة الفارسية
التي كتب بها إلى اللغة العربية مع أعمال أخرى أضفتها إلى الترجمة لأضفي عليه
ما يمكنه أن يعين في زيادة فائدته.
واستعنت بروحانية مؤلفه الرجل الجليل الذي أثرى المكتبة الاسلامية
بنفائس مؤلفاته وتحقيقاته وما زالت تأخذ موقعا كبيرا في حركتنا الفكرية
والأخلاقية، وأبرز تلك الكتب التي خرجت من يراعه الشريف كتابه (مفاتيح
الجنان) الذي هو المنهاج الروحي طبق ما ورد عن أهل بيت العصمة
والطهارة (عليهم السلام)، والذي حظي برواج كبير بين أتباع المذهب الحق، ولا تكاد تجد
بيتا من بيوتهم يخلو منه.
ويتلخص عملنا في هذا الكتاب بالأمور التالية:
1 - قمنا بترجمة هذا الكتاب (منازل الآخرة) من اللغة الفارسية إلى اللغة
العربية، وقد راعينا المحافظة على المعنى الفارسي بما يؤديه من الألفاظ العربية
مع المحافظة على الأصل العربي من الروايات والأخبار والقصص التي ترجمها
المؤلف من العربية إلى الفارسية، ولذلك فقد قمنا بقدر الوسع بتتبع تلك الأخبار
لارجاعها إلى الأصل العربي. وعليه فان جميع الآثار الواردة في هذه الترجمة قد
نقلناها من أصولها التي ترجمت منها إلى الفارسية.
2 - قمنا بتحقيق روايات وأحاديث الكتاب إضافة إلى التعليق على بعض
9

المطالب التي ظننا وجود حاجة للتعليق عليها.
3 - ذكرنا في الهامش بعض الروايات التي اختزلها المؤلف، أو التي أشار إليها
ولم يذكرها. وكذلك ذكرنا بعض الروايات التي رأينا فائدة في ذكرها.
4 - أضفنا في آخر الكتاب فصلا في الجنة وأحوالها كما ألمحنا إليه في عنوان
(موضوع الكتاب) من هذا التقديم.
5 - كتبنا ترجمة بأحوال المؤلف (قدس سره) تحت عنوان (حياة العلامة الشيخ
القمي (رحمه الله)).
6 - كتبنا بحثا حول موضوع الكتاب بمقدار ما تصورناه من ضرورة لتكوين
رؤية متكاملة عن الموضوع عند القارئ المثقف.
مع أني أرتقب من القارئ الكريم غض الطرف عن الزلل والنقص لان الممكن
محكوم بهما، ولكن أنتظر النقد الذاتي والموضوعي لأجل تلافي الأخطاء
بالطبعات القادمة إن شاء الله تعالى.
والله عز وجل الموفق للصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قم المقدسة
عش آل محمد (صلى الله عليه وآله)
ياسين الموسوي
غفر الله تعالى له ولوالديه بمحمد وآله الطاهرين
10

كلمة المترجم حول:
موضوع الكتاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
عندما نريد التعرف على الرؤية الاسلامية للكون والانسان والحياة فإننا لابد
وأن ننطلق من أحد طريقين أولهما الطريق الأتم والأكمل الذي يبدأ الحركة
النزولية بالنفوس النزولي من المبدأ إلى الانسان، لأن الرؤية الاسلامية تؤكد على
دور الانسان من الخلق والوجود بحيث اعتبرته خليفة الله عز وجل وأن الله تعالى
خلقه على صورته ولا يتم الإيمان بالله عز وجل وتوحيده إلا بالإيمان بالانسان
الكامل (وهو النبي والأوصياء (عليهم السلام)).
والرؤية الثانية صعودية حيث تنطلق من الانسان لمعرفة الله عز وجل
والتقرب إليه، وهذه الطريقة هي الأسلوب العام لهداية البشر، فقد بعث الله تعالى
الأنبياء وتبعهم بالأئمة والأوصياء (عليهم السلام) وجعلهم القدوة للعالمين (1)، ويمكن لعامة
الناس أن يتبعوا الرسل وأوصياءهم (عليهم السلام) ويقتدوا بهم ليتوصلوا إلى القرب بعد

(1) قال تعالى في سورة الأحزاب آية 21: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *.
وقال تعالى في سورة الممتحنة آية 4: * (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم
والذين معه) *.
وقال تعالى في سورة الممتحنة آية 6: * (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله
واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) *.
11

المعرفة للحق تعالى: (من أراد الله بدأ بكم) (1).
والرؤية الاسلامية واحدة بكلا الطريقين، فإن المعادلة الفلسفية الكونية
الاسلامية ترتكز على فهم العلاقة بين الله تعالى والانسان سواء كان انسانا كليا
كاملا - وهم كمل الخلق - أو كان انسانا عاديا في طريق الكدح إلى الله تعالى
صعوديا أو تسافليا. والصعودي هم المؤمنون الذين يسعون جاهدين لارتقاء
مدارج الكمال والتسافل (2) مختص بمن سلك الطريق المعاكس لأولئك السالكين.
وفي الرؤية الاسلامية الكونية أن لموقع الانسان الكوني المركزي والمهم
صار الانسان خليفة الله تعالى وصار حرا بسلوكه الفكري والحركي ومسؤولا عن
عقائده وأعماله وتصرفاته وحركاته وسكناته.
ولهذا الموقع المهم للانسان اهتمت العقيدة الاسلامية بتربيته ليكون أهلا
للمسؤولية الكبرى التي وقعت على عاتقه بإدارة كثير مما خلق الله تعالى لأنه عز
وجل سخر كل شئ له وجعله رهن إرادة الانسان وحركته كما نصت على ذلك
كثير من الآيات الكريمة منها قوله تعالى: * (ألم تروا ان الله سخر لكم ما في
السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) * (3).
ومنها قوله تعالى: * (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن
في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * (4).
ومنها قوله تعالى: * (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا
فاعلين) * (5).
ومنها قوله تعالى: * (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي

(1) الزيارة الجامعة الكبيرة / التهذيب: ج 6، ص 99. الفقيه: ج 2، ص 596.
(2) قال تعالى في سورة التين الآية 4 - 6: * (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم * ثم رددناه
أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) *.
(3) سورة لقمان: الآية 20.
(4) سورة الجاثية: الآية 13.
(5) سورة الأنبياء: الآية 79.
12

باركنا فيها وكنا بكل شئ عالمين) * (1).
ومنها قوله تعالى متحدثا عن داود (عليه السلام): * (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن
بالعشي والاشراق * والطير محشورة كل له أواب * وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة
وفصل الخطاب) * (2).
ومنها قوله تعالى متحدثا عن سليمان (عليه السلام): * (فسخرنا له الريح تجري بأمره
رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في
الأصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) * (3).
والانسان مجمع العوالم ومظهر الكمالات وقد صدق من قال:
وتحسب انك جرم صغير وفيك * انطوى العالم الأكبر (4)
وقد ساعدت العقيدة الاسلامية الانسان للتعرف على كيفية ترقيه الكمالي
ليكون مؤهلا للتصدي إلى موقعه الطبيعي الذي أراده الحق تعالى من خلقه له.
كما أن الرؤية الاسلامية قد وضحت للانسان مفهوم الحياة التي أكسبته القدرة
والحيوية والحركة والفعل، لأن الانسان بدون حياة غير قادر على الفعل
والاختيار وغير قادر على القيام بالمهمات الكبرى وغيرها. إذ أن الحياة هي
الجهاز المحرك للانسان.
ولكن: هل معنى ذلك أن مهمة الانسان ودوره سوف ينتهي بموته؟ وينهدم كل
شئ بناه عندما كان يتحرك وعندما كانت حياته معطاءة؟
وهنا توضح الرؤية الاسلامية أن الانسان هو مركز التلقي للإرادة الإلهية إما
مباشرة - وهم الأنبياء والرسل والمحدثون - وإما بواسطة، وهم باقي الناس.
وتوضح أيضا أن الانسان هو مركز الحركة الكونية.

(1) سورة الأنبياء: الآية 81.
(2) سورة ص: الآية 18 - 20.
(3) سورة ص: الآية 36 - 39.
(4) نسب هذا البيت من الشعر للإمام علي (عليه السلام).. راجع الديوان المنسوب للإمام علي (عليه السلام) جمع
وترتيب عبد العزيز الكرم: ص 57.
13

كما أنها توضح أيضا أن الانسان خلق ليتحرك ويدير المركز الحركي الكوني
بمعنى من المعاني الصحيحة التي لا مجال إلى بيان تفصيلها في هذه العجالة، بل
بينت الرؤية الاسلامية - طبق نظام تفصيلي - المركز الحركي الكوني للانسان
الكامل والانسان العادي، والعلاقات الكونية بالانسان وغير ذلك.
كما أن النظام التفصيلي تعرض لشرح مفهوم الحياة للانسان باعتباره فاعل
الحركة الكونية الكبيرة.
وذكرت أن الانسان خلق ليبقى وأنه لا ينتهي ولا يفنى بمجرد أن تنتهي مهمته
في هذه الدنيا (1) التي تشكل أولى المراحل الحياتية له.
وأكدت على أن هذه الحياة مهمة في طريقه الحركي نحو الصعود والتكاثر،
لأنها المكان الذي يستطيع أن يبني الانسان فيه موقعه في العوالم الأخرى التي
سوف تلي هذه الدنيا التي يعيش فيها.
ومن الفوارق الأساسية بين هذه الدنيا والعوالم الأخرى، هو أن الانسان جاء
إلى هذه الدنيا بغير اختياره وبدون طلب أو إرادة منه، ولكن سكناه في هذه الدنيا
وبقاءه فيها انما هي بإرادته.
وأما العوالم الأخرى فإنه سوف يعمرها ويدخلها بإرادته ويختار موقعه في
تلك العوالم بإرادة تامة منه.
وللانسان أن يبني تلك العوالم وهو في هذه الدنيا لأن (الدنيا مزرعة
الآخرة) (2).

(1) روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه علل الشرائع: ج 1، ص 11 باب 9، ح 5 بسند صحيح
عن مسعدة بن زياد. قال: قال رجل لجعفر بن محمد: يا أبا عبد الله، إنا خلقنا للعجب؟! قال:
وما ذاك، لله أنت. قال: خلقنا للفناء؟! فقال: مه، يا بن أخ! خلقنا للبقاء، وكيف تفنى جنة
لا تبيد، ونار لا تخمد، ولكن قل: انما نتحرك من دار إلى دار.
وروى الشيخ الطوسي في أماليه ج 1، ص 220، المجلس 8، ح 27 بإسناده إلى أمير
المؤمنين (عليه السلام) انه قال في كلام له (عليه السلام): (أيها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء، ولكنكم من
دار إلى دار تنقلون، فتزودوا لما أنتم صائرون عليه وخالدون فيه).
(2) عوالي اللآلي لابن أبي جمهور: ج 1، ص 267، الفصل 10، ح 66.
14

فقد يولد الانسان في هذه الدنيا وبدون اختيار منه في عائلة غنية أو فقيرة،
ولكنه قادر على أن يغير طريقة حياته في هذه الدنيا بإرادته على ضوء حركته
الذاتية فإنه * (ليس للانسان إلا ما سعى) * (1) و * (فامشوا في مناكبها وكلوا من
رزقه) * (2) وقال تعالى: * (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان
سعيهم مشكورا) * (3).
وقال تعالى: * (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى) * (4)
وكذلك فان الانسان يولد في العوالم الأخرى بإرادته ويحدد المكان والبيئة
والموقع الاجتماعي فيها باختياره وهو في الدنيا، فان العوالم الأخرى انما تبنى
بأعمال الانسان في هذه الدنيا التي يعيش فيها.
روى ثقة الاسلام الكليني في الكافي الشريف بإسناده عن الإمام الصادق
(عليه السلام) قال:
جاء رجل إلى أبي ذر، فقال: يا أبا ذر مالنا نكره الموت؟
فقال: لأنكم عمرتم الدنيا، وأخربتم الآخرة، فتكرهون ان تنقلوا من عمران
إلى خراب.
فقال له: فكيف ترى قدومنا على الله؟
فقال: أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسئ فكالآبق يرد
على مولاه... " (5).
* وروي عن سويد بن غفلة أنه قال: " دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ما
بويع بالخلافة وهو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره، فقلت: يا أمير
المؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئا مما يحتاج إليه البيت؟
فقال (عليه السلام): " يا بن غفلة! أن اللبيب العاقل لا يتأثث في دار النقلة، ولنا دار أمن

(1) سورة النجم: الآية 39.
(2) سورة الملك: الآية 15.
(3) سورة الإسراء: الآية 19.
(4) سورة طه: الآية 15.
(5) الكافي: ج 9، ص 458، ح 20.
15

قد نقلنا إليها خير متاعنا، وإنا عن قليل إليها صائرون.. " (1).
وعلى ضوء الرؤية الاسلامية للانسان وللحياة وللكون فان حياة الانسان
سوف لا تنتهي بموته، بل بالعكس فان هذه الحياة الأولى التي يعيش فيها ضيقة
وصعبة، وسوف يتخلص من كثير من صعوباتها وضيقها بانتقاله إلى العوالم
الأخرى ولكن ذلك يعتمد على ما يبذله من جهد في بناء مواقعه الحياتية في
العوالم الأخرى وهو في الدنيا.
كما أنه سوف يعاني الامرين والأشد في تلك العوالم فيما إذا لم يهتم في هذه
الدنيا ببناء عوالمه تلك لأنه قد يمكنه تجاوز كثير من الأخطاء العمدية في هذه
الحياة الدنيا، ويمكنه أن يتخلص بالتواءاته من كثير من المواقف الحرجة
والحسابات القانونية والاجتماعية، لأن هذه الدنيا هي دنيا العمل بلا حساب، وأما
تلك العوالم فهي بالعكس تماما فلا ينفعه دهاؤه ولا تنفعه حيله، لأن تلك العوالم
حساب بلا عمل، إضافة إلى أن هذه الدنيا يحكمها الغموض ويسيطر عليها قانون
التمويه لاختفاء الحقائق وراء مظاهر لا تمثلها ولا تمت إليها بصلة، ولكن العوالم
الأخرى بعكس ذلك فهي عوالم الحقائق * (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم
حديد) * (2).
وذلك اليوم * (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) * (3)
والحقائق تكشفت، فيسعى الانسان جاهدا إلى أن يتحرك ويعمل ليعوض عما
سبق ويتخلص من الورطات الجديدة التي وقع فيها ولكنه لا يستطيع.
ولذلك ففي الرؤية الاسلامية أن الحياة الحقيقية هي تلك الحياة التي سيعيشها
الانسان بعد انتقاله إليها بعد بالموت، وقد عبر القرآن الكريم عن تلك الحياة * (وإن
الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) * (4) أي أن الانسان في تلك العوالم

(1) عدة الداعي لابن فهد الحلي: ص 109، باب 2. وعنه في البحار: ج 70، ص 321، 322.
(2) سورة ق: الآية 22.
(3) سورة القلم: الآية 42.
(4) سورة العنكبوت: الآية 64.
16

مملوء حياة وحركة، فإن لفظة الحيوان على وزن فعلان الذي يتضمن الكثرة
والفوران، فالحياة الحقيقة المملوءة حيوية وحركة انما هي بعد الموت.
ولو قرأت الروايات التي تحدثت عن تلك العوالم لرأيت أحداثا كثيرة جدا
لابد له أن يمر عليها.
الانسان وهو في هذه الدنيا يجهل تلك الأحداث والعوالم والمنازل، لأنه بعيد
عنها مكانا وزمانا، فان المكان الذي يعيشه في هذه الحياة الدنيا يختلف عن
المكان الذي سوف يعيشه في تلك العوالم * (يوم تبدل الأرض غير الأرض
والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار) * (1).
وان الزمان الذي يحكمه في هذه الدنيا يختلف كليا عن الزمان الذي يكون
في تلك العوالم فمن تلك الأيام ما تطول فتكون خمسين ألف سنة كما في قوله
تعالى: * (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * (2).
ومنها ما يقصر فيكون ألف سنة كما في قوله تعالى: * (وإن يوما عند ربك كألف
سنة مما تعدون) * (3).
وقال تعالى: * (في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) * (4).
z z z
ولأهمية تلك الأحداث في حياة الانسان فقد جد للتعرف عليها بشتى الطرق
والوسائل العلمية، وقد أثرت أهداف كل باحث في انتخاب طريقته الخاصة به
للتعرف على تلك العوالم، فالفيلسوف مثلا يحاول أن يبحث بأدواته العلمية
للتعرف على تلك العوالم لتتم في عقله ونفسه الصورة العقلية والفكرية عن
الانسان والحياة والعوالم الغيبية الأخرى التي لم يدركها ببصره وحواسه.
بينما ينهج الأخلاقي بدراسة تلك العوالم لأجل أن ينذر أو يبشر نفسه
والآخرين الذين يهتم بوعظهم وصلاحهم، فيحسنوا ويصلحوا أحوالهم وأعمالهم.

(1) سورة إبراهيم: الآية 48.
(2) سورة المعارج: الآية 4.
(3) سورة الحج: الآية 47.
(4) سورة السجدة: الآية 5.
17

ومهما اختلف القوم فالمسألة ليست داخلة ضمن معدودات الترف الفكري،
بل انها من المسائل الحياتية المهمة جدا سواءا نوقشت بالطريقة الفلسفية أو
بالطريقة الأخلاقية أو غيرها.
وبما أن بداية العوالم الأخرى تبتدأ بالموت وتنتهي بالمعاد فلذلك كانت
مسألة الموت والمعاد من المسائل المهمة التي عولجت بعدة طرق من البحث، فقد
اهتم بها الفكر الاسلامي والعقيدة الاسلامية فعدت خامس أصول الدين بعد
التوحيد والعدل والنبوة والإمامة، ولأهميتها فقد اهتم بها الفكر الفلسفي والكلامي
الاسلامي وقد نوقشت قضايا المعاد لإثبات النشأة الآخرة وحشر الأجسام ونشر
الأرواح والنفوس، والمعاد الجسماني، أو الروحاني، والبحث في بقاء النفوس
وتجردها والنفوس التي تحشر والنفوس التي لا تحشر، وهل أن الأجسام التي
ترزق المعاد هي تلك الأجسام التي أحسنت في الدنيا، وهي التي عصت الحق
تعالى فيها، أم انها أجسام أخرى لم تكن في الدنيا ولم تحسن فيها ولم تسئ فيها.
وقد اتفق العلمان في بعض مسائلهما وقد اختلفا في مسائل أخرى كما هو
ديدنهما، ولكن كالعادة لكل منهما طريقته بالاستدلال والبرهنة - وليس هنا محل
الإطالة والاطناب والتفصيل - ولكن الشئ الذي لابد من الإشارة إليه هنا هو ان
العلمين قد ناقشا قضايا الموت والمعاد من وجهة عقائدية طبق قوانين الاثبات،
يعني أن قضايا الموت والمعاد التي نوقشت في هذين العلمين - وإن اختلف
الحجم الكمي للمسائل أو الأسلوب الاستدلالي وطريقته - ولكنهما حصرا البحث
بمقدار ما يرتبط بالاثبات أو النفي لما يراد معرفته، أو بما يتعلق بالعقيدة الاسلامية.
أما الفكر العرفاني الاسلامي فقد ركز اهتماماته على مسائل الموت والمعاد
باعتبار أن بها يتحقق الوصول إلى وطن سلوك العارفين (1)، وأن الموت وما بعده

(1) الوطن عند العرفاء هو محل هبوط الحقيقة التي تهوي إليها النفوس الكلية، وهو دار هجرة
السالكين في طي منازل السلوك وأعظمها هجرتهم من وجودهم الاعتباري والرحيل إلى
الوطن الحقيقي فيكون بالله بعد أن يفنى في الله تعالى.
18

غاية تجوهر نفوسهم ووصولها إلى الغاية القصوى بلقاء الله تعالى.
فان للسالك غايتان أقربهما غاية تجوهر النفس بقطعها وطيها المراحل
الأولى التي هي مقدمة الغاية القصوى، ولا يمكنه أن يحصل الغاية القصوى إلا بعد
حصوله على الغاية الأولى والغاية القصوى هي لقاء الله تعالى.
بينما الغاية الأولى هي لقاء أعماله وما كسبته يداه وتتم بالموت والمعاد،
قال عز وجل: * (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) * (1) وصار الموت
والقبر وما بعده والمعاد غاية أولى، لأن الانسان سوف يبعث كما مات لما روي
عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) انه قال: " كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تبعثون "،
وفي الخبر عنه (صلى الله عليه وآله): " يبعث كل عبد على ما مات عليه " وفي الخبر الآخر
عنه (صلى الله عليه وآله): " يموت الرجل على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه ".
وغاية السالك أن يبذل جهده لتقوم عليه قيامته وقد تحققت تمام انسانيته
ليحشر يوم القيامة وهو انسان مبصر وقد ذكر أهل المعرفة انه لا يمكن للسالك أن
ينال غايته القصوى بلقاء الله عز وجل إلا بعد أن تقوم عليه قيامات، وكلما تقوم
عليه قيامة من قياماته في الأولى (2) فقد تمت له حركة من حركاته السلوكية - وذلك
إذا أمكنه أن يحافظ على مقامها أو يرتقي إلى الأعلى منها إلى حين تقوم عليه
قيامته بموته الطبيعي - وانقضى عنه مقام من مقامات القرب، وإذا لم يتمكن
السالك من طي تلك المقامات فإنه سوف يطويها - إن وفقه الحق تعالى وكان ذلك
العبد محسوبا عنده تبارك وتعالى من السالكين - في الآخرة ولكنه سوف يطويها
بالقهر والقوة والغلبة، بينما طويه لها في الأولى - لو وفق لها بلطفه تعالى وتوفيقه
العبد للمجاهدات وقطع فيافي السلوك - سوف تكون على نحو آخر وقد يكون
التوفيق الإلهي نصيبه بأنه يطويها أو يطوي بعضها وهي خامدة باختلاف أحوال

(1) سورة الكهف: الآية 49.
(2) (الأولى) بالاصطلاح أوسع مفهوما من (الدنيا)، فإن الانسان السالك قد يكون في الأولى
ولكنه لا يكون في هذه الدنيا ولا عكس.
19

السائرين ومقاماتهم.
وتبتدئ القيامات بالقيامات الأنفسية وهي القيامة الأنفسية الصغرى ثم
الوسطى، ثم الكبرى، وتنتهي بالقيامات الآفاقية (1)، وقد عبر الشيخ الكاشاني عن
القيامة بمعناها العام انها: (الانبعاث بعد الموت إلى حيوات أبدية) (2)، ويشير ب‍
(الحيوات) إلى تعدد الحياة بعد تعدد القيامة، فإنه بعد كل قيامة حياة غير الحياة
التي عاشها قبل قيامته تلك.
وقد قسمها الكاشاني إلى ثلاثة أقسام:
أولها: الانبعاث بعد الموت الطبيعي إلى حياة أحد البرازخ العلوية أو السفلية
بحسب حال الميت في الحياة الدنيوية لقوله (عليه السلام): " كما تعيشون تموتون، وكما
تموتون تبعثون ".
وهي القيامة الصغرى المشار إليها في قوله (عليه السلام): " من مات فقد قامت
قيامته ".
وثانيها: الانبعاث بعد الموت الارادي إلى الحياة القلبية الأبدية في العالم
القدسي، كما قيل مت بالإرادة تحيا بالطبيعة.
وهي القيامة الوسطى، المشار إليها في قوله تعالى: * (أو من كان ميتا فأحييناه
وجعلنا له نورا...) * (3).
وثالثها: الانبعاث بعد الفناء في الله إلى الحياة الحقيقية عند البقاء بالحق.
وهي القيامة الكبرى المشار إليها بقوله تعالى * (فإذا جاءت الطامة
الكبرى) * (4) (5).
فالقيامة لا تبتدأ عند أهل المعرفة من موت الانسان الطبيعي وانما هي معه في

(1) قد وضحنا ذلك في شرحنا على رسالة السير والسلوك المنسوبة إلى الآية العظمى السيد
محمد مهدي الطباطبائي الملقب ببحر العلوم (قدس سره): 1155 - 1212 ه‍ ق.
(2) اصطلاحات الصوفية للشيخ كمال الدين عبد الرزاق القاشاني: ص 146.
(3) سورة الأنعام: الآية 122.
(4) سورة النازعات: الآية 34.
(5) اصطلاحات الصوفية للقاشاني: ص 146.
20

الحياة الدنيا، ووفقا لهذا القانون الكوني فإنهم يثبتون ان الجنة والنار تلازم
صاحبها في هذه الدنيا ابتداءا من جنة الأعمال ونار الأعمال ولكن قد حجبتهما
الحجب الظلمانية عند الانسان فلا يراهما إلا بعد الممات، وذلك لأنه يتخلص من
الحجب الظلمانية وأغلظها الجسم العنصري الذي حبس روحه ونفسه وعقله فيه
فلم ير الحقائق إلا بعد أن يتخلص منه وينطلق في العوالم الأخرى التي تسكن
إليها وفيها الأرواح والنفوس فتنكشف لها بعض الحقائق الكبرى طبق المواصفات
النسبية مع التكامل الروحي والنفسي لكل إنسان.
وأما نار الأعمال وجهنمها في هذه الدنيا وكذلك جنة الأعمال وفردوسها فهي
محجوبة عن الناس إلا النفوس الكلية والنفوس القوية التي منحها الحق تعالى
قدرة رؤية تلك الحقائق.
واستشهد على هذه الحقيقة بعدة آيات منها قوله تعالى: * (يستعجلونك
بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين) * (1) وقوله تعالى: * (أحاط بهم سرادقها) * (2).
فالمقصود بالإحاطة هي الإحاطة المطلقة ابتداءا من هذه الدنيا إلى ذلك
العالم الآخر والعوالم التي تلي عالم الحياة الدنيا.
كما أن هناك نصوص كثيرة جدا تشهد على هذه الحقائق يحتاج تفصيلها إلى
بحوث مستقلة.
ولم ينكر أهل المعرفة تلك العوالم التي يلاقيها الانسان بعد موت جسمه بل
العكس من ذلك فإنهم يعتبرون أن الأرواح عندما تتجرد عن أجسامها تكون أقدر
على معرفة تلك الحقائق الثابتة، وحينئذ فمن الطبيعي أن تكون النفوس التي
قطعت القيامات الأنفسية أقدر على ادراك القيامات الآفاقية، ولذلك فهي تكون
أسرع في قطع القيامات التي قطعتها في الأولى، وسوف تمر بها كالبرق الخاطف،
وقد أشارت إلى هذه الحقائق مجموعة من الروايات الشريفة فمنها الروايات التي

(1) سورة العنكبوت: الآية 54.
(2) سورة الكهف: الآية 29.
21

وردت لأخذ الاستعداد والتهيؤ لدخول القبر، لأن الانسان قادم على عالم لم
يدخله من قبل ولم يتعرف عليه.
* روى ثقة الاسلام الكليني في الكافي الشريف بإسناده عن محمد بن
عجلان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " لا تفدح ميتك بالقبر ولكن ضعه أسفل منه
بذراعين، أو ثلاثة، ودعه يأخذ أهبته " (1).
* وروى عنه بإسناده عن يونس قال: حديث سمعته عن أبي الحسن
موسى (عليه السلام) ما ذكرته وأنا في بيت إلا ضاق علي، يقول: " إذ أتيت بالميت شفير قبره
فامهله ساعة فإنه يأخذ أهبته للسؤال " (2).
* وروى الشيخ الطوسي (رحمه الله) في تهذيب الأحكام بمضمرة أبي عطية قال:
" إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تفدحه، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة
حتى يأخذ أهبته ثم ضعه في لحده... " (3).
وذكر الصدوق (رحمه الله) في الفقيه قال: " وإذا حمل الميت إلى قبره فلا يفاجأ به القبر
لأن للقبر أهوالا عظيمة ويتعوذ حامله بالله من هول المطلع، ويضعه قرب شفير
القبر، ويصبر عليه هنيئة ثم يقدمه ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته ثم يقدمه إلى
شفير القبر " (4).
والرواية صريحة بان روح الميت المجردة تدرك ما لم تدركه في هذه الحياة
الدنيا.
وقد يكون الانسان قد تعرف على هذا المنزل من خلال مجاهداته ورياضاته
النفسية والروحية، ولكنه يبقى غير واصل إلى مقام حساب منكر ونكير فلذلك
فعليه ان يستعد لحسابهما، وأما لو كان ذلك الانسان قد جاهد نفسه وقطع ذلك

(1) الكافي: ج 3، ص 191، كتاب الجنائز، باب (في وضع الجنازة دون القبر)، ح 1.
(2) الكافي: ج 3، ص 191، كتاب الجنائز، باب (في وضع الجنازة دون القبر)، ح 2.
(3) تهذيب الأحكام للطوسي: ج 1، ص 312، باب 13، ح 75، ورقم الحديث العام 907.
(4) من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1، ص 107، تحت الرقم 44، والرقم 497، باب 25
(الصلاة على الميت).
22

المنزل بمجاهداته في الأولى فحينئذ يكفي حسابهما كما دلت عليه الروايات التي
أشارت بعضها إلى الأعمال التي تدفع هول حساب منكر ونكير (1).
وهكذا بالنسبة للمنازل البرزخية الأخرى، وحتى هول يوم القيامة وما فيه
من مواقف يمر بها الانسان فإن كان قطعها في الأولى فإنه يكفاها في الآخرة، وقد
وضحت هذه الحقيقة مجموعة من الروايات منها التي وردت في الصراط فإنه ان
كفيه الانسان في الأولى فإنه يمر عليه يوم القيامة كالبرق الخاطف.
وحتى جهنم ولزوم المرور عليها والورود فيها الذي نص عليه القرآن الكريم
بقوله تعالى: * (وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) * (2)، فان هناك من
لا يمر عليها بالآخرة، لأنه مر بها وعليها في الأولى، كما ورد عن جابر بن عبد الله
الأنصاري (رحمه الله) ان النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عنه (3) فقال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال
بعضهم لبعض: أليس قد وعدنا ربنا ان نرد النار؟ فيقال لهم: قد وردتموها وهي
خامدة " (4).

(1) منها ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كتاب (فضائل الشيعة): ص 46، ح 1، بإسناده عن ابن عمر
قال: سألنا النبي (صلى الله عليه وآله) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فغضب (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
والحديث الشريف طويل، إلى أن يقول: " ألا ومن أحب عليا بعث الله إليه ملك الموت
كما يبعث إلى الأنبياء، ودفع الله عنه هول منكر ونكير، وبيض وجهه، وكان مع حمزة سيد
الشهداء.. الحديث ".
وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله) قال: " ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت
بالجنة ثم منكر ونكير.. ". رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4، ص 220، في تفسير الآية 23
من سورة الشورى.
ونقله المجلسي في البحار: ج 23، ص 233، وفي: ج 27، ص 111، عن الكشاف نقله
الرازي في تفسيره، والسيد ابن طاووس في الطرائف، وفي البحار: ج 68، ص 137، ح 76،
عن جامع الأخبار.
(2) سورة مريم: الآية 71.
(3) يعني سئل عن قوله تعالى: * (وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) *.
(4) تفسير البيضاوي: ج 3، ص 61، في تفسير الآية 71 من سورة مريم. ونقله عنه المجلسي
في البحار: ج 8، ص 250.
23

* وروى الفيض الكاشاني (رحمه الله): لما سئل بعض أئمتنا (عليهم السلام) عن عموم الآية
المذكورة فقال: " جزناها وهي خامدة " (1).
وأما إذا لم يقطع الانسان تلك المنازل في الأولى فإنه مضطر لا محالة إلى
قطعها بعد تجرد روحه وموته وانقطاعه عن الجسم العنصري، لأنه حين انكشاف
ما غطي عليه، ويرى كل ما كان يسمع به كما قال تعالى: * (فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد) * (2) فعندما تقوم قيامته الصغرى وقيامته الكبرى فسوف يرى
تلك المنازل - التي لم يقطعها ولم يتعرف عليها أو لم يصدق بها - رأي العين،
وعليه أن يقطعها ولكنه يتحمل صعوبة ومشاق كسله في الأولى، أو جهله، أو عناده
وكفره، فسوف يمر عليها جاهلا ويقع فيها مظلما، لأنه لم يهيئ لسفره هذا نورا
يمشي به وفيه عندما يدخل الآخرة فلذلك تجده أعمى بلا هادي ولا دليل كما قال
تعالى: * (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) * (3).
وقال تعالى: * (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري
فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد
كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) * (4).
وقال تعالى: * (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * (5).
والعرفاء الصالحون اعتبروا قطع تلك المنازل في الأولى السبب الأساس
لقطع تلك المنازل في الآخرة بيسر وسهولة، لأنهم رأوا من أخبر به النص الشريف
من ضرورة الاعداد لسفر الآخرة ومنازله ومواقفه، ولا يتم ذلك الاعداد إلا بمعرفة
السفر ومعرفة مراحله ومنازله وأخذ العدة لكل مرحلة ولكل منزل ثم يسير تلك
المنازل منزلا فمنزلا وموقفا فموقفا وقطعها في الأولى بالمجاهدات والرياضات
كما أخبر به الهادي، وان اتباع الهادي في الأولى سوف يؤمن وجوده في الآخرة

(1) علم اليقين: ج 2، ص 971، المقصد الرابع، الباب 9، الفصل 2 (في معنى الصراط).
(2) سورة ق: الآية 22.
(3) سورة الإسراء: الآية 72.
(4) سورة طه: الآية 123 - 126.
(5) سورة النور: الآية 40.
24

ويقطع تلك المراحل بهديه وهدايته وبنوره وحضوره كما دل عليه العقل والنص
الشريف المتواتر عند جميع طوائف المسلمين بوجوب طاعة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
الاثني عشر من بعده (عليهم السلام).
وليس معنى ذلك أنه لا يوجد عذاب القبر ولا يوجد حساب القبر وضغطته
والبرزخ وغير ذلك، بل العكس تماما فعلى المؤمن أن يؤمن بالموت الحقيقي
وعذاب القبر ومسألة منكر ونكير والمعاد الجسماني.
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): " اعتقادنا في المسألة في القبر انها حق " (1).
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): " جاءت الآثار الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ان الملائكة
تنزل على المقبورين فتسألهم عن أديانهم " (2).
ولكن لكل واحد من تلك الأمور مقامات وحالات تختلف باختلاف مقامات
وحالات الانسان نفسه الذي يمر بها.
وطريقة العرفاء بمعرفة أحوال الموت وما بعده انما هي شرح للأحاديث
الشريفة المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام)، وليس فيها أكثر من
ذلك. وإذا وجد في كلام أحد منهم - أعوذ بالله تعالى - غير ذلك فهو غير صحيح
قطعا وانما هو من تخيلاته.
فإنك تجد المعارف الجليلة التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) مشروحة
عند من رزقه الله تعالى تلك المعارف. ولا يصح لأي عارف أن يحصل على تلك
المعارف والعلوم إلا من طريق أهل البيت (عليهم السلام) " من أتاكم نجى ومن
لم يأتكم هلك إلى الله تدعون وعليه تدلون وبه تؤمنون وله تسلمون وبأمره
تعملون والى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون، سعد من والاكم، وهلك من عاداكم
وخاب من جحدكم، وضل من فارقكم، وفاز من تمسك بكم وأمن من لجأ إليكم،
وسلم من صدقكم، وهدي من اعتصم بكم، من اتبعكم فالجنة مأواه، ومن خالفكم
فالنار مثواه، ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك، ومن رد عليكم في أسفل

(1) تصحيح الاعتقاد: ص 77.
(2) المصدر السابق.
25

درك من الجحيم.. " (1).
وكذلك: " من أراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه
بكم.. " (2).
نعم ان طريقة أهل المعرفة تختلف عن طريقة الفلاسفة والأخلاقيين بفهم
الحقائق، لأنهم يعتمدون على المشاهدة الصحيحة التي تحصل بعد المجاهدات
السلوكية فتنكشف لهم الحقائق ويرونها بالضبط كما وردت عن الشارع الحكيم
سلام الله عليه، وهي نفس النتائج التي يحصل عليها الفيلسوف عندما يستخدم
القوانين العقلية والأسس المنطقية، ولكن الفرق بينهما هو في الاقناع العقلي
والمشاهدة العقلية والتي تسمى بالمشاهدة القلبية أيضا. وألطف بيان لهذه الحقيقة

(1) لا تغفل ان توحيد الحق تعالى الصرف لا يتوفر إلا لمحمد وآل محمد (عليهم السلام) كما ورد في
الروايات المستفيضة. منها ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): " يا علي ما عرف الله إلا انا وأنت، وما
عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وانا ". مختصر بصائر الدرجات للشيخ حسن الحلي:
ص 125.
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: " يا علي، ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك، وما
عرفك حق معرفتك غير الله وغيري ". مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: ج 3،
ص 267 - 268، في (فصل: في المفردات). ونقله المجلسي في البحار: ج 39، ص 84.
وانتبه وتدبر واعرف واعلم أن أركان التوحيد هي معرفتهم صلوات الله عليهم جميعا كما
ورد في الروايات المستفيضة منها: ما رواه الصدوق بسند صحيح في معاني الأخبار عن أبي
حمزة الثمالي عن سيد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث طويل قال فيه: " ونحن
أركان توحيده، ونحن موضع سره ".
وروى الشيخ الطوسي بسند صحيح عن الإمام الرضا (عليه السلام): ".. فإنهم معادن كلماتك
وأركان توحيدك.. " مصباح المتهجد: ص 366.
ورواه السيد ابن طاووس في جمال الأسبوع: ص 506 - 511، الطبعة الحجرية. وفي:
ص 512 - 519. ورواه الكفعمي في المصباح: ص 548 الطبعة الحجرية.
(2) راجع الزيارة الجامعة المروية عن الإمام الهادي (عليه السلام) في التهذيب للشيخ الطوسي: ج 6،
ص 98. وفي من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 2، ص 372. ورواها الصدوق في
عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 274. ونقلها المجلسي في البحار: ج 102، ص 129، 130.
26

ما نقل عن ابن سينا وأبي سعيد (ان الرجلين تلاقيا في موضع، فلما افترقا، سئل كل
منهما عن صاحبه، فقال الشيخ أبو سعيد: ما أنا أراه هو يعلم. وقال الشيخ أبو علي:
ما أعلمه هو يراه..) (1). وأما اختلاف طريقة أهل المعرفة عن طريقة الأخلاقيين ان
أولئك يشرحون أحوال الانسان وسلوكه وفق ما جاء به التنزيل وطبق قوانين
السير والسلوك النظري والعملي بتكميل قلب الانسان ليصل بالأحوال والمقامات
بحيث يكون قادرا على تلقي الفيوضات الإلهية والمعارف الكلية لتطهير روحه
وقلبه وعقله من كل غريب ونجس واخلاص نفسه للتوحيد الصرف ولقاء الحق
عز وجل، وعرفوا قوانين الوجود التكوينية ورأوا رأي العين وادركوا خفاياها
وأسرارها، وكلها خفايا وأسرار. والعرفان فلسفة كاملة فيها جميع الأجوبة الثبوتية
عن كل شئ ولا يوجد العرفان في ورق ولا في كتاب وانما هو في قلب العبد
المؤمن كما ورد في النص الشريف في الحديث القدسي: " لم تسعني سمائي ولا
أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن " (2).
كما أن العرفان العملي هو المدرسة السلوكية للانسان الطالب أو السالك أو
الواصل لإيصاله إلى غايته الأولى والقصوى، ولا يتم له ذلك بالنظري قطعا وانما
لابد من العمل والكدح كما ورد في الروايات المستفيضة عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم، والعلم يهتف بالعمل فان
أجابه وإلا ارتحل عنه " (3).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " ان العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته
عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا " (4).
وعن الإمام السجاد (عليه السلام) انه قال: " مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم

(1) روضات الجنات: ج 3، ص 184.
(2) راجع المحجة البيضاء: ج 5، ص 26، وفيه (أرضي ولا سمائي). البحار: ج 58، ص 39.
(3) الكافي: ج 1، ص 44، (باب استعمال العلم)، ح 2.
(4) المصدر السابق.
27

مالا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم، فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه
إلا كفرا ولم يزدد من الله إلا بعدا " (1).
وأما طريقة الأخلاقيين فإنها تعتمد على الأساليب الوعظية والتنبيهية
ويستفيدون من القصة كأسلوب خطابي يشد السامع أو القارئ إلى تذكر الله عز
وجل، كما أنهم يستشهدون بالروايات والآثار والمنقولات والمسموعات لأجل
تلك الغاية الكريمة.
وطريقة الأخلاقيين مفيدة جدا للعامة لتقويمهم وارجاعهم إلى الطريق
المستقيم وتعريفهم بالصحيح والخطأ، ولكنها غالبا ما تكون مؤقتة بزمان الموعظة
وما بعدها بفترات محدودة باختلاف حالات السامعين والقارئين، لأن طريقة
الأخلاقيين لا تدخل إلى عمق الانسان وتعرف مقامه ثم ترقيه مرقاة فمرقاة
وتزيل الملكات الظلمانية وتحييه بالملكات النورانية وترقيه في مدارج الكمال
كما تفعله الطريقة العرفانية. أضف إلى ذلك أن الأخلاقيين غالبا ما يستخدمون
أسلوبا واحدا في الوعظ لمجاميع مختلفين في الأحوال والملكات والمقامات بل
غالبا ما يستخدمون أسلوبا واحدا مع الانسان في جميع أحواله وملكاته بينما أن
لكل انسان واردات وأحوال ومقامات تختلف باختلاف مجاهداته.
وعلى كل حال فإننا لا نريد هنا أن نبين جميع خصوصيات الطريقة العرفانية
وطريقة الأخلاقيين، وانما أردنا أن نوضح ان هناك فوارق عدة بين الطريقتين،
وكليهما مفيدة بل أن العرفاء وأهل السير والسلوك لا يستغنون عن استخدام
الأسلوب الأخلاقي في تكميل النفوس خصوصا في مخاطباتهم للعامة، فإنه
أجدى لمثل ذلك المقام عند الخطاب لعامة الناس وأنفع.
ولكن هناك مؤاخذة أخرى على الأسلوب الأخلاقي لفهم قضايا الموت
والعالم الآخر إضافة للملاحظة السابقة بأنه يهتم بالجانب التحذيري والتخويفي
بذكر الأهوال، والمصاعب التي سوف يلاقيها الانسان ابتداءا من سكرات الموت

(1) المصدر السابق.
28

فما بعدها، مما يولد عند الانسان السامع أو القارئ حالة من الرهبة والخوف
فتعكس على شخصيته فتؤدي في أحيان كثيرة إلى حالة تشاؤمية وقد توقعه
بالانعزال عن الحياة العامة وتعميق الشعور الفردي والإنزوائي واللاأبالية عنده
فيخرج من قانون السلوك المتوازن إلى حالة التطرف الواحدي.
وبالتأكيد فان أي باحث موضوعي لا يمكنه أن يطرح الأحكام بشكل قطعي
وعمومي في مثل هذه الحالات التي تتعرض لموضوع واسع وشائك، فإن
الأسلوب الأخلاقي يختلف من شخص لآخر، وقد تكون الملاحظة المتقدمة
ظاهرة عند أغلب الأخلاقيين ولكنها لا تصلح أن تبقى بلا استثناء، مع اني أظن أن
الملاحظة لم تخلو من مبالغة وتضخيم وإن كانت بشكل عام لم تخلو من واقعية،
بل إن الأسلوب التخويفي للانسان المكلف ضروري لتقويمه واعادته لجادة
الصراط المستقيم، وقد رأينا الكتاب الكريم قد هدد العباد وحذرهم وأوعدهم بما
يجري عليهم بعد هذه العوالم منها قوله تعالى: * (وإياي فارهبون) * (1).
وقال تعالى: * (ويحذركم الله نفسه والى الله المصير) * (2).
وقال تعالى: * (قل اني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * (3).
وكذلك كان موقف السنة المطهرة فقد روى الكليني (رحمه الله) في الكافي الشريف
بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " من خاف الله أخاف الله منه كل شئ،
ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ " (4).
وروى أيضا بإسناده عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
" يا إسحاق خف الله كأنك تراه وان كنت لا تراه فإنه يراك، فان كنت ترى انه
لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من
أهون الناظرين عليك " (5).

(1) سورة البقرة: 40.
(2) سورة آل عمران: الآية 28.
(3) سورة الأنعام: الآية 15.
(4) الكافي: ج 2، ص 68، كتاب الإيمان والكفر، باب (الخوف والرجاء)، ح 3.
(5) المصدر السابق.
29

وروى أيضا بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " المؤمن بين
مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب
فيه من المهالك فهو لا يصبح إلا خائفا ولا يصلحه إلا الخوف " (1).
وأجاد العلامة المازندراني في شرح معنى الخوف الذي ورد في هذه
الروايات الشريفة حيث قال:
(الخوف حالة نفسانية موجبة لتألمها بسبب توقع مكروه سببه ممكن الوقوع
أو توقع فوات أمر مرغوب فيه، ولو كان وقوع سببه معلوما، أو مظنونا ظنا غالبا
يسمى ذلك انتظار المكروه أيضا كما يسمى خوفا، والتألم فيه أزيد.
وأما الخوف والتألم بسبب توقع مكروه علم قطعا عدم وقوع شئ من أسبابه
فذلك وسواس وماليخوليا...
وسبب الخوف من الله معرفته، ومعرفة جلاله، وعظمته، وكبريائه، وغنائه عن
الخلق، وغضبه، وقهره، وكمال قدرته على الخلق، وعدم مبالاته بتعذيبهم
واهلاكهم، ومعرفة عيوب نفسه، وتقصيره في الطاعات والأخلاق، والآداب مع
التفكر في أمر الآخرة وشدائدها.
وكلما زادت تلك المعارف زاد الخوف وثمرته في القلب والبدن والجوارح،
إذ بالخوف يميل القلب إلى ترك الشهوات، والندامة على الزلات، والعزم على
الخيرات، ويخضع ويراقب، ويحاسب، وينظر إلى عاقبة الأمور، ويحترز من
الرذائل كالكبر والحسد والبخل، ويذبل البدن، ويصفر اللون من الغم والسهر،
وتشتغل الجوارح بوظائفه ويحصل له بترك الشهوات العفة والزهد، وبترك
المحرمات التقوى، وبترك ما لا يعني الورع والصدق والاخلاص، ودوام الذكر
والفكر، ويترقى منها إلى مقام المحبة، ثم منه إلى مقام الرضا...) (2).

(1) المصدر السابق ص 71.
(2) شرح أصول الكافي وروضته للعلامة محمد صالح المازندراني المتوفي سنة 1081 ه‍
أو 1086 ه‍: ج 8، ص 205 - 206.
30

(والخوف غير القنوط) (1).
وان الاشكال المتقدم انما هو على القنوط وليس على الخوف، لأن الخوف لم
يترك الأمل وهو الرجاء، بل يقف إلى جانبه يوازنه، لأن الأمل - الرجاء - بلا
خوف معناه الغرور والحماقة.
وعلى كل حال فالخوف أسلوب مطلوب لتأديب النفس ولكنه لابد وأن
يلازمه الرجاء ليتوازن ميزان النفس فلا افراط ولا تفريط، فكلما ازداد الخوف
ازداد الرجاء والأمل.
وعلى السالك أن ينتبه إلى حالة الخوف أن لا تكون ملكة نفسانية عنده،
وكذلك الرجاء، بحيث يكونا الداعي إلى عبادته تعالى، كما يلزم المرشد أن ينتبه
في وعظه وارشاده وهديه أن لا يكون تأكيده على الخوف والرجاء بحيث تكونا
ملكة عند من يرشده ويعظه. فان حالة الخوف وحالة الرجاء مع أهميتهما
لاستقامته ولكنهما ليستا غايتين تامتين، وانما الغاية التامة أن يكون السالك يعبد
الحق لغاية أسمى وهي ارادته للحق عز وجل ومعرفة معنى العبودية والمعبود والعابد
والعبادة ليتم معنى الشكر كما في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام): " إلهي ما عبدتك خوفا
من عقابك ولا طمعا في ثوابك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك " (2).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): " ما عبدتك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنتك،
ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك " (3).
وفي نهج البلاغة عنه (عليه السلام) قال: " ان قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة
التجار، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وان قوما عبدوا الله شكرا
فتلك عبادة الأحرار " (4).
z z z

(1) المصدر السابق.
(2) راجع البحار: ج 41، ص 14.
(3) راجع البحار: ج 7، ص 186. وفي: ص 197. وفي: ص 234. وفي: ج 72، ص 278.
(4) نهج البلاغة شرح محمد عبده: ج 4، ص 53.
31

وعلى كل حال فقد أصاب بعض الباحثين عندما جمع بين الطرق الثلاثة
- الفلسفية والعرفانية والأخلاقية - في عرض تلك العوالم المهمة من حياة
الانسان، فان لكل طريقة خصوصياتها المتميزة التي تساعد الانسان للتعرف عليها.
كتاب منازل الآخرة والمطالب الفاخرة
ويدخل كتاب (منازل الآخرة) للعلامة الثقة المحدث الشيخ عباس القمي (قدس سره)
في ضمن الكتب الأخلاقية المهمة التي تحدثت عن العوالم التي سوف يلاقيها
الانسان بعدما ينتهي من هذه الحياة الدنيا التي عاشها، وقد أجاد المؤلف (رحمه الله) في
استقصائها بشكل منظم ومرتب ابتداءا من سكرات الموت، وانتهاءا بدخول الجنة
أو النار، خصوصا انه اعتمد فيها على ما جاء عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل
بيته (عليهم السلام)، وقد حاول جاهدا أن يبتعد عن ما نقله الآخرون من خرافات الصوفية
أو قصص الإسرائيليات والوضاعين التي شحنت بها الكتب الأخلاقية المؤلفة بهذا
المجال ككتاب الاحياء، وغيره.
كما أن المؤلف القمي (رحمه الله) أجاد عندما لم يطنب بالتخويف بل أوجز بما يؤدي
الغرض الوعظي والتأديبي وانه أحسن كثيرا عندما أضاف (المنجيات) من تلك
المصاعب والأهوال إلى جنب الأهوال التي سوف يقع بها الانسان في الآخرة.
ويتبين بموضوع المنجيات بنحو من الأنحاء ما بيناه سابقا عندما تحدثنا عن
الطريقة العرفانية بفهم عوالم الآخرة بأنها أحوال القيامات التي يراها الانسان في
قياماته الأنفسية في الأولى وقبل الدخول في الآخرة.
وان المؤلف (رحمه الله) قد استخدم الأسلوب الصحيح في موعظته حينما استفاد من
الخوف والرجاء الذي ورد في الروايات وأكدت عليه الأحاديث الشريفة
بضرورة توفرهما جميعا بقلب المؤمن ليحصل على النجاة بسلوكه الرباني منها:
ما رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي الشريف بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " كان
أبي (عليه السلام) يقول: انه ليس من عبد مؤمن إلا في قلبه نوران: نور خيفة، ونور رجاء،
32

لو وزن هذا لم يزد على هذا، ولو وزن هذا لم يزد على هذا " (1).
وروى الكليني أيضا في الكافي الشريف بإسناده عن الحسن بن أبي سارة
قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا
راجيا، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو " (2).
قال المجلسي (رحمه الله): (لابد أن يكون العبد دائما بين الخوف والرجاء لا يغلب
أحدهما على الآخر إذ لو رجح الرجاء لزم الأمن لا في موضعه، وقال تعالى:
* (أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * (3).
ولو رجح الخوف لزم اليأس الموجب للهلاك كما قال سبحانه: * (انه لا ييأس
من روح الله إلا القوم الكافرون) * (4).
وقيل: يستحب أن يغلب في حالة الصحة الخوف، فإذ انقطع الأجل يستحب
أن يغلب الرجاء ليلقى الله على حالة هي أحب إليه إذ هو سبحانه الرحمن الرحيم،
ويحب الرجاء.
وقيل ثمرة الخوف: الكف عن المعاصي، فعند دنو الأجل زالت تلك الثمرة
فينبغي غلبة الرجاء.
وقال بعضهم: (الخوف ليس من الفضائل والكمالات العقلية في النشأة
الآخرة، وانما هو من الأمور النافعة للنفس في الهرب عن المعاصي، وفعل
الطاعات ما دامت في دار العمل. وأما عند انقضاء الأجل والخروج من الدنيا
فلا فائدة فيه.
وأما الرجاء فإنه باق أبدا إلى يوم القيامة لا ينقطع، لأنه كلما نال العبد من
رحمة الله أكثر كان ازدياد طمعه فيما عند الله أعظم وأشد لأن خزائن جوده
وخيره ورحمته غير متناهية لا تبيد ولا تنقص..) (5).

(1) الكافي: ج 2، ص 67.
(2) الكافي: ج 2، ص 70.
(3) سورة الأعراف: الآية 99.
(4) سورة يوسف: الآية 87.
(5) مرآة العقول للعلامة المجلسي: ج 8، ص 32.
33

وقد علق المجلسي (رحمه الله) بقوله: (والحق أن العبد ما دام في دار التكليف لابد له
من الخوف والرجاء. وبعد مشاهدة أمور الآخرة يغلب عليه أحدهما لا محالة
بحسب ما يشاهده من أحوالها) (1).
* ولكن مع ذلك فإن المؤلف (رحمه الله) قد خالف طريقته حيث ركز في آخر
الكتاب على الخائفين وأمثلتهم، ولم يذكر من أحوال الرجاء والجنة ووصفها شيئا
ليتوازن الخوف بالرجاء، ولذلك ارتأينا ان نذكر مقتطفات من المأثور في الرجاء
والجنة ليكون قلب القارئ مستقيما في ميزانه. خصوصا انك قد قرأت قبل قليل
ما نقله العلامة المجلسي (رحمه الله) عن بعضهم انه كان يقول: (يستحب أن يغلب في حالة
الصحة الخوف، فإذا انقطع الأجل يستحب أن يغلب الرجاء ليلقى الله على حالة
هي أحب إليه إذ هو سبحانه الرحمن الرحيم ويحب الرجاء... الخ) (2).
وقد رأينا ان الأنسب أن نلحق تلك الروايات حول الجنة بفصل في آخر
الكتاب تحت عنوان (ذكر عدة اخبار في وصف الجنة ونعيمها).
هل للآخرة منازل؟
ان للآخرة منازل تبتدئ من منزل الموت ثم القبر وأحواله والبرزخ والحشر
والنشور والحساب والعرض والصراط والميزان والشفاعة ومنازل النيران ومنازل
الجنة وما إلى ذلك.
وقد فصل العلامة السيد هاشم البحراني المتوفى سنة 1107 أو 1109 ه‍. ق
الحديث عن جميع تلك المنازل وغيرها في كتابه معالم الزلفى.
أما المؤلف القمي فإنه اختصر تلك المنازل في كتابه الكريم (منازل الآخرة)،
وأجاد بجمعها وعرضها بما يمكن لكل انسان أن يقرأ ويتعرف على تلك العوالم

(1) المصدر السابق.
(2) راجع نهج البلاغة: ج 2، ص 183، تحقيق محمد عبدة، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:
ج 11، ص 5. الارشاد للشيخ المفيد: ج 1، ص 234، الطبعة المحققة. ونقله المجلسي في
البحار: ج 73، ص 106، ح 102. وفي: ج 73، ص 134، ح 138.
34

ويستفيد منها بشكل مختصر مفيد.
وقد استلهم المؤلف (رحمه الله) عنوانه هذا من الروايات الشريفة التي تحدثت عن
تلك العوالم، منها ما ذكره هو في مقدمة هذا الكتاب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه كان
ينادي في كل ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم للمنام، بصوت يسمعه كافة أهل
المسجد ومن جاوره من الناس " تزودوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل،
وأقلوا العرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما يحضركم من الزاد فان أمامكم عقبة
كؤودا ومنازل مخوفة مهولة لابد من الورود [المرر. خ. ل] عليها والوقوف عندها
[عليها. خ. ل] ".
والمنزل جمعه منازل وهو مكان النزول ويطلق على الدار أيضا، وقد سميت
أماكن نزول القوافل والمسافرين منازل أيضا، كما انها تطلق على مسافة معينة
من الطريق.
سفر القيامة والاستعداد له:
ولأن الانسان مسافر في حياته (1) إلى الله تعالى فعليه ان يعد مؤنة السفر

(1) فأما أن الانسان مسافر في هذه الدنيا إلى الآخرة بسفر القيامة فقد تظافرت الروايات
الشريفة في ذلك فمنها:
* في النهج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: " من تذكر بعد السفر استعد " (نهج البلاغة:
ج 4، ص 68، شرح محمد عبدة.).
* وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: " قام فينا رسول (صلى الله عليه وآله) خطيبا، فقال: يا أيها الناس
انكم في دار هدنة، وأنتم على ظهر سفر، والسير بكم سريع، فعدوا الجهاز لبعد المسافة " (كنز
العمال للمتقي الهندي: ج 16، ص 136، رقم الحديث العام 244163).
* وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده إلى سفيان بن عيينة انه قال: رأى الزهري علي بن
الحسين (عليه السلام)، ليلة باردة مطيرة، وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي، فقال له: " يا بن رسول
الله ما هذا؟! قال: أريد سفرا أعد له زادا أحمله إلى موضع حريز. فقال الزهري: فهذا غلامي
يحمله عنك. فأبى، قال: أنا أحمله عنك، فإني أرفعك عن حمله. فقال علي بن الحسين: لكني
لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري، ويحسن ورودي على ما أرد عليه، أسألك بحق الله لما
مضيت لحاجتك، وتركتني. فانصرفت عنه فلما كان بعد أيام، قلت له: يا بن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا؟ قال: بلى يا زهري، ليس ما ظننته، ولكنه الموت،
وله كنت استعد، انما الاستعداد للموت تجنب الحرام، وبذل الندى والخير " (علل الشرائع:
ص 231، ح 5. ونقله المجلسي في البحار: ج 46، ص 65، ح 27. والبحراني في العوالم:
مجلد أحوال الإمام زين العابدين (عليه السلام): ص 106).
35

ويهتم بها خصوصا أن السفر طويل ولا عودة منه ولا محالة من قطعه.
وقد اهتم علماء الآخرة لهذا السفر الشريف فابتدأوه بإرادتهم قبل أن يحل
في ساحتهم، وطووا كثيرا من منازله وما زالت أبدانهم تعيش في هذه الحياة
الدنيا، وقد انكشفت لهم كثير من تلك المنازل وتعرفوا على عوالم عظيمة منها
ولا يمكن لأحد ان يعلمها أو يشاهدها أو يدركها إلا بعد مجاهدات سلوكية
ومقامات سيرية.
وقد ثبتوا بعضا من تلك المنازل والمقامات والأحوال تحت عنوان (السير
والسلوك) ولعل أفضلها ما ثبت في رسالة " السير والسلوك " المنسوبة لآية الله
العظمى السيد محمد مهدي بحر العلوم (قدس سره).
وسواء جاهد الانسان واختار آخرته وهو بعد في الدنيا ولم يرحل منها، أو
ترك الأمور تجري عليه ضمن قوانين القدر المحتوم والقضاء المبرم، فإنه سوف
يلاقي يومه الذي وعد به، ويحل عليه السفر الطويل ويرى تلك المنازل رأي العين
عندما يتحقق قوله تعالى: * (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) * (1).
وذلك اليوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تؤمن من قبل ولم تهيئ لسفرها عدته،
ونجى المخفون.
ولذلك أكدت الروايات الكثيرة جدا على ضرورة الاعداد لسفر الآخرة (2).

(1) سورة ق: الآية 22.
(2) وأما الاستعداد للموت فمن تلك الروايات:
* روى الصدوق (رحمه الله) في أماليه عن الإمام العسكري (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) انه قيل لأمير
المؤمنين (عليه السلام): ما الاستعداد للموت؟ قال: " أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال
على المكارم، ثم لا يبالي أوقع على الموت، أم وقع الموت عليه " (الأمالي للصدوق: ص 97، المجلس 23، ح 8. ونقله عنه في البحار: ج 71، ص 263، ح 1).
* وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال في خطبة خطبها بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بتسعة أيام:
" وان من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد، لن ينجو من الموت غني بماله، ولا فقير
لاقلاله.. " (الأمالي للصدوق: ص 263 - 264، المجلس 52، ح 9. ونقله عنه في البحار:
ج 71، ص 263، ح 2).
* وروى الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن أبي إسحاق الهمداني قال: لما ولى أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) محمد بن أبي بكر مصر وأعمالها كتب له كتابا، وأمره أن
يقرأه على أهل مصر وليعمل بما وصاه به فيه... وكان من جملة ما جاء فيه: " يا عباد الله ان
الموت ليس منه فوت، فاحذروه قبل وقوعه، واعدوا له عدته، فإنكم طرد الموت، إن أقمتم
له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، هو الزم لكم من ظلكم.. " (الأمالي للطوسي: ص 27.
ونقله عنه في البحار: ج 71، ص 264، ح 6.
36

ضرورة ذكر الموت:
إضافة إلى أن طريقة أهل البيت (عليهم السلام) ألزمت المؤمن - كما توضحه الروايات
الشريفة - أن يعيش الموت ويديم ذكره له ليعد ليومه ذلك الذي ينتظره لا محالة،
فان انحراف الانسان عن الجادة المستقيمة ينشأ من الطغيان الذي يعتريه، وقد
يصل به إلى مستوى بحيث يعمى عن كل الحقائق وما يحيط به، ولا تنفعه لتخفيف
نسبة طغيانه وغروره كل النصائح والتوجيهات لأن طغيانه قد يكبر عليها ولكنه
يصطدم بصخرة تتكسر عليها كل مراتب الطغيان والغرور وهي صخرة الموت وما
بعد الموت، وقد صور كتاب الله المجيد هذه الحقيقة بقوله تعالى: * (ان الانسان
ليطغى * ان رآه استغنى * ان إلى ربك الرجعي) * (1).
فمهما اعتور الانسان الموحد (2) من الطغيان والغرور والانحراف عن الأوامر

(1) سورة العلق: الآية 6 - 8.
(2) أما الانسان الملحد فإن رؤيته لله وللآخرة لا تقل عن رؤية الموحدين لأنه يحس بفطرته
وجود عالم آخر بعد انتهائه من رحلته في عالم الدنيا كما أن جميع القوانين العقلية تنص عليه.
ومهما أنكر الملحد بطغيانه حقائق الوجود والعلة فإنه يعترف أن لحياته نهاية، ولكنها
نهاية لمشوار قطعه وعرف شيئا من مجرياته، وبقيت ألغازه وأسراره تحتاج إلى توضيح
وشرح وهو يقر بباطن نفسه أن لتلك الألغاز والاسرار أجوبة، ولا يوجد لغز أو سر يبقى في
الكتمان وانما لابد له من يوم يظهر ويعرف، ولذلك فهو يقر بقرارة نفسه أن هناك يوما تنكشف فيه تلك الحقائق.
فليس الموت نهاية الانسان، وانما فيه اسرار وألغاز سوف تنكشف له بعد موته.
وهذا التصوير يفسر الدليل العقلي الذي يقيمه علماء الكلام على ضرورة وجود الآخرة
والمعاد، فإن الظلم في الدنيا لابد له من حكم عدل وإن مات الظالم على ظلمه فليس من
العدل إسدال الستارة على ظلمه إلى الأبد، وانما يحكم العقل بضرورة وجود ذلك اليوم.
37

الإلهية فهو يعلم جازما انه لا محالة من موته ورجوعه إلى الحق عز وجل وسوف
يحاسبه على جميع القضايا التي صدرت منه سواءا كانت كبيرة أو صغيرة، فلذلك
ورد في الحديث الشريف: " كفى بالموت واعظا " (1).
وحبا بالانسان ورأفة به فقد جاءت الأخبار المتظافرة ناصحة الانسان
الموحد أن يديم ذكر الموت، منها:
* روى الحسين بن سعيد الأهوازي: بسند صحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال:
قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك حدثني بما انتفع به.
فقال: " يا أبا عبيدة، أكثر ذكر الموت فما أكثر ذكر الموت انسان إلا زهد
في الدنيا " (2).
* وروى الصدوق بإسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال في حديث
الأربعمائة:
"... أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من القبور، وقيامكم بين يدي الله عز
وجل تهون عليكم المصائب.. " (3).
* وروي في مصباح الشريعة عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:

(1) رواه الكليني في الكافي: ج 3، ص 275، ح 28. وقريب منه في: ج 2، ص 85، ح 1.
والطوسي في الأمالي: ج 1، ص 27، المجلس 1، ح 31. ونقله المجلسي في البحار في عدة
مواضع منها: ج 6، ص 132، ح 30. وفي: ج 33، ص 545، ح 720. وفي: ج 64، ص 29،
ح 8. وفي ج 71، ص 209، ح 21. وفي: ج 71، ص 264، ح 4، وفي ج 71، ص 325، ح 20.
وفي 73، ص 342، ح 25. وفي 77، ص 139، ح 1. وفي ج 77، ص 390، ح 11.
(2) كتاب الزهد للحسين بن سعيد الأهوازي: ص 78، باب 14، ح 210. وعنه في البحار:
ج 6، ص 126. وفي: ج 71، ص 266.
(3) الخصال: ص 616. ونقله عنه في البحار: ج 6، ص 132.
38

" ذكر الموت يميت الشهوات في النفس، ويقطع منابت الغفلة، ويقوي القلب
بمواعد الله، ويرق الطبع، ويكسر أعلام الهوى، ويطفئ نار الحرص، ويحقر الدنيا،
وهو معنى ما قال النبي (صلى الله عليه وآله): فكر ساعة خير من عبادة سنة، وذلك عندما تحل
اطناب خيام الدنيا، وتشدها في الآخرة، ولا يشك [ولا يسكن نزول على ذكر.
خ. 7] بنزول الرحمة على ذاكر الموت بهذه الصفة. ومن لا يعتبر بالموت، وقلة
حيلته، وكثرة عجزه، وطول مقامه في القبر، وتحيره في القيامة، فلا خير فيه ".
قال النبي (صلى الله عليه وآله): " اذكروا هادم اللذات.
فقيل: وما هو يا رسول الله؟
فقال (صلى الله عليه وآله): الموت.
فما ذكره عبد على الحقيقة في سعة إلا ضاقت عليه الدنيا، ولا في شدة إلا
اتسعت عليه.
والموت أول منزل من منازل الآخرة، وآخر منزل من منازل الدنيا، فطوبى
لمن أكرم عند النزول بأولها، وطوبى لمن أحسن مشايعته في آخرها.
والموت أقرب الأشياء من بني آدم وهو يعده أبعد، فما أجرأ الانسان على
نفسه وما أضعفه من خلق.
وفي الموت نجاة المخلصين وهلاك المجرمين، ولذلك اشتاق من اشتاق إلى
الموت، وكره من كره.
قال النبي (صلى الله عليه وآله) من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله
لقاءه " (1).
* وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال:
" أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت. وأفضل العبادة ذكر الموت. وأفضل
التفكر ذكر الموت، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة " (2).

(1) مصباح الشريعة: ص 171 - 172. ونقله في البحار: ج 6، ص 133.
(2) جامع الأخبار: ص 165، الفصل 131. ونقله عنه في البحار: ج 6، ص 137، ح 41.
39

وفي نفس الوقت فان الحق تعالى يطلب من الانسان التوازن في تفكيره،
وحياته، وشخصيته، وفهمه لجميع الأشياء الكونية. فهو يأمر الانسان بتعمير
الأرض والسعي الجاد، قال تعالى: * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون) * (1).
وقال تعالى: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا اني بما تعملون
عليم) * (2).
وقال تعالى: * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * (3).
وقال تعالى: * (انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن
عملا) * (4).
وقال تعالى: * (انا لا نضيع أجر من أحسن عملا) * (5).
وقال تعالى: * (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) * (6).
وقال تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من
فضل الله) * (7).
وقال تعالى: * (وجعلنا النهار معاشا) * (8).
* وروى الكليني في الكافي، والطوسي في التهذيب بإسنادهما عن المعلى بن
خنيس قال: " سأل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل وأنا عنده، فقيل له قد اصابته الحاجة.
قال: فما يصنع اليوم؟ قيل: في البيت يعبد ربه عز وجل.
قال: فمن أين قوته؟!
قيل: من عند بعض اخوانه.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): والله للذي يقوته أشد عبادة منه " (9).

(1) سوره التوبة: الآية 105.
(2) سورة المؤمنون: الآية 51.
(3) سورة هود: الآية 7.
(4) سورة الكهف: الآية 7.
(5) سورة الكهف: الآية 30.
(6) سورة الأعراف: الآية 10.
(7) سورة الجمعة: الآية 10.
(8) سورة النبأ: الآية 11.
(9) التهذيب: ج 6، ص 324، باب 22، ج 10. الكافي: ج 5، ص 78، ح 4.
40

* وروى الصدوق في الفقيه عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" عليكم بالطلب، ثم قال: اني لأبغض الرجل فاغرا فاه إلى ربه يقول: ارزقني،
ويترك الطلب " (1).
* وروى الكليني في الكافي بإسناده عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:
" اني لأبغض الرجل، أو أبغض للرجل أن يكون كسلانا عن أمر دنياه، ومن
كسل عن أمر دنياه فهو عن آخرته أكسل " (2).
* وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم الفسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم الساعة
حتى يغرسها فليغرسها " (3).
* وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: " من غرس غرسا فأثمر أعطاه الله من
الأجر قدر ما يخرج من الثمرة " (4).
* وروي عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: " إن الله حين اهبط آدم إلى الأرض أمره أن
يحرث بيده فيأكل من كده.. " (5).
ومع اهتمام الرؤية الاسلامية من خلال نصوص الشريعة بتعمير الأرض
والعمل لبناء الحضارة والمدنية الانسانية الصالحة، فان الاسلام يؤكد على تعمير
الآخرة وبنائها كما تقدمت بعض النصوص الشريفة المؤكدة لهذه الحقيقة، لأنها
تكشف أن الحياة الحقيقية هي الحياة الخالدة والتي تكون بعد الموت، ولذلك فان
عمران الدنيا لابد وأن ينسجم بالتوازي مع عمران الآخرة مع ملاحظة أخذ الشرط

(1) الفقيه: ج 3، ص 192، ح 3721.
(2) الكافي: ج 5، ص 85، ح 4.
(3) مستدرك الوسائل للشيخ النوري: ج 13، ص 460 كتاب المزارعة والمساقاة باب: 1، ح 5
وعنه في جامع أحاديث الشيعة: ج 18، ص 431، أبواب المزارعة والمساقاة باب: 1، ح 10.
(4) مستدرك الوسائل: ج 13، ص 460، أبواب المزارعة والمساقاة، باب 1، ح 4. وعنه جامع
أحاديث الشيعة: ج 18، ص 431، أبواب المزارعة والمساقاة، باب 1، ح 9.
(5) مستدرك الوسائل: ج 54، ص 475 باب: 18، ح 5203. جامع أحاديث الشيعة: ج 18،
ص 434 أبواب المزارعة والمساقاة باب: 5، ح 2. تفسير العياشي: ج 1، ص 40، ح 24.
41

الغائي في العمران الدنيوي وهو الآخرة، قال تعالى: * (وابتغ فيما أتاك الله الدار
الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) * (1).
وبما أن هدف الآخرة لا ينسجم مع الانسياب وراء الدنيا واغراءاتها فلذلك
كان الموقف العقائدي والأخلاقي الاسلامي أن يحدد السعي الدنيوي، وليس هذا
التحديد من حيث الكم، وانما هو من حيث النوع والنية والأهداف.
وهو المعبر عنه في كثير من النصوص الاسلامية بطول الأمل، وحب الدنيا.
وأهم الفوارق بين التحديد الكمي والتحديد النوعي هو أن الاسلام العظيم
يشجع على العمران والبناء الحضاري بمختلف أوجه النشاط المتعلق به ضمن
قانون (العمل الصالح).
ولكنه يشترط في ذلك العمل أن يكون لخدمة الأهداف الإلهية، ولأجل رقي
الحضارة الانسانية وتقدمها واصلاح نقاط الخلل في البنى الاجتماعية الانسانية
والحضارية.
وأما الأهداف الشخصية فإنها محددة بالكم، يعني أن لا يركض الانسان وراء
هدف صغير بجمع المال لنفسه وأهله الخاصين به، بل لابد وأن تكون حركته
في هذا المجال محدودة بمقدار الحاجة، وعليه ان يصب جل اهتماماته
بالخدمة العامة.
ونكتفي بهذا المقدار من توضيح معالم الرؤية الاسلامية المقدسة لهذا
الموضوع الفكري والحياتي المهم.
مع التأكيد على أن ما سجلته هنا بهذه الأوراق لا يعدو عن أكثر من طرح
الخطوط العامة لهذا الموضوع الفكري والعقائدي المهم، وقد يرزقنا الله تعالى
التوفيق لتفصيله بموضوع مستقل من جهة المفهوم الاسلامي للعالم.

(1) سورة القصص: الآية 77.
42

حياة العلامة الشيخ القمي (رحمه الله)
الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله
الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
وبعد، يقول العبد الفقير ياسين الموسوي غفر الله تعالى ذنبه وأحسن عاقبته
وحشره مع أجداده الطاهرين انه جرت العادة بين المحققين والمترجمين أن
يكتبوا ترجمة عن المؤلف وأحواله وقد اقتفينا أثرهم في ذلك، فخرجت من قلمنا
هذه الأوراق المتواضعة عن المرحوم المؤلف، وقد راعينا فيه الاختصار سائلين
المولى عز وجل أن يتقبله منا بقبول حسن وأن يديم لطفه علينا بمحمد وآله وهو
حسبي.
هويته الشخصية:
اسمه: الشيخ عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (1).
أسرته: والده الحاج محمد رضا كان من صلحاء أهل قم وزهادهم، وله تعلق
بحضور مجالس الوعظ والارشاد ومجالس سيد الشهداء (عليه السلام)، وكان يرجع إليه
بعض معارفه لمعرفة بعض الأحكام الشرعية، مع أنه كان يمتهن الاشغال الحرة (2).
وأما أمه: فقد كانت من النساء الصالحات وكان الشيخ القمي دائما يذكرها

(1) الفوائد الرضوية للقمي: ص 220.
(2) حاج شيخ عباس قمي مرد تقوى وفضيلت (فارسي) للشيخ علي الدواني: ص 35.
43

بالخير ويقول إن القسم المهم من التوفيق الذي حصل لي يعود إلى أمي فإنها كانت
تمتنع عن ارضاعي بالمقدار الممكن إذا كانت غير طاهرة، وكانت تسعى دائما
إلى ارضاعي وهي على طهارة.
وكان يقول: إن أمي من النساء المتقيات وكانت تمتاز بعدم تفويتها الصلاة
في وقتها (1).
وأما ولادته: فقال (رحمه الله): (ولادتي على الظاهر سنة 1294) (2).
وقال العلامة الطهراني: (ولد في قم في نيف وتسعين ومائتين وألف...) (3).
نشأته العلمية:
ولد القمي في وسط اجتماعي امتاز بالتدين وحب العلم، وكانت قم تمتلئ
بمجالس الذكر والوعظ وقد انتشرت فيها مظاهر إقامة الشعائر الدينية، وفتح
القمي عينيه في حضن الجو الروحي فتأثر به، وقد نقل عنه انه كان ضعيف البنية
ولكنه كان قوي الروح وصاحب قلب مطمئن بالله عز وجل، وقد تشبعت نفسيته
بحب البحث والمعرفة من طفولته.
ووصف في طفولته بأنه كان يتكلم ويتحدث وكأنه رجل صاحب تجارب.
ومع أنه كان طفلا ولكنه لم تكن لديه عادات الأطفال من حب اللعب وغيره.
كما نقل انه حينما كان يرغب إليه أترابه أن يشاركهم في لعبهم البرئ، كان
الطفل عباس يرفض ذلك، وحينما يصرون عليه يجيبهم بشرط أن يقص عليهم
بعض القصص الدينية، وبما أن طبع الأطفال يميل إلى القصة فكانوا يحلقون حوله
ويقص عليهم من قصص الصالحين، ثم يذكرهم بأنهم يعيشون في مكان مقدس
فهو يحتضن مرقد السيدة المطهرة المعصومة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهم السلام)،
كما أنه مدفن جماعة كثيرة من عظماء الدين وعلماء الشيعة. ثم يدعوهم لترك
الألعاب غير اللائقة والأعمال اللامرضية لئلا يهتكوا حرمة هذا المكان المقدس،

(1) محدث قمي حديث إخلاص تأليف عبد الله زاده: ص 15.
(2) الفوائد الرضوية للقمي: ص 220.
(3) نقباء البشر: ج 3، ص 998.
44

ثم يعرجون بدعوة منه إلى زيارة مرقد السيدة الطاهرة سلام الله عليها (1).
عند الشيخ أرباب:
وبما انه كان متعلقا من نعومة أظفاره بطلب العلوم الاسلامية وتحصيل
المعارف الدينية، فقد نشأ على حب العلم وأهله، فقرأ مقدمات العلوم، وسطوح
الفقه والأصول على عدد من علماء قم وفضلائها كالميرزا محمد الأرباب
وغيره (2).
وقد أثرت شخصية أستاذه فيه، ويعتبر المؤثر الأول في نشأته العلمية، ولذلك
لم يذكر لنا التاريخ اسما من أساتذته الآخرين في تلك المرحلة غير الشيخ محمد
أرباب. علما ان قم لم تكن آنذاك قد افتخرت بالحوزة العلمية الكبيرة التي
فارقتها منذ زمن طويل نسبيا وانتقلت إلى مدينة (سلطان آباد).
(والشيخ محمد الأرباب من تلاميذ الميرزا الشيرازي الكبير (رحمه الله)، وقد حضر
عنده عدة سنوات، ثم أكمل دراسته في النجف الأشرف، وبقي هناك سنوات عدة،
ثم رجع إلى قم وكان بها من المروجين المحققين المصنفين) (3).
ووصف أيضا: بأنه كان من أعاظم علماء قم، وأكابر فقهاء وأدباء الدهر، فهو
الخطيب الفحل والواعظ الشهير، ونادرة العصر في فن الخطابة، وكان له الدور البارز
في تأسيس الجامعة العلمية مع المرحوم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري ولكنه
لم يعمر في هذه الحوزة الفتية فقد توفي بعد سنة من تأسيسها 1341 ه‍. ق (4).
وقد تأثر المؤسس الحائري (رحمه الله) لوفاته كثيرا، فخاطب عائلته ضمن تعزيته
لهم بأنكم لستم وحدكم صرتم يتامى بل إني فقدت أخا.
وقد تتلمذ على يدي الشيخ الأرباب كثير من الفضلاء وأساتذة قم من أمثال

(1) محدث قمي حديث اخلاص: ص 24 - 25 باختصار.
(2) نقباء البشر: ج 3، ص 998.
(3) هدية الرازي: ص 147 - 148.
(4) محدث قمي: ص 28.
45

المرحوم آية الله الفيض (1).
وقد نقل عن كتاب (تحفة الفاطميين) ما ترجمته ملخصا:
(... المرحوم الحاج الميرزا محمد صاحب كتاب الأربعين الحسينية من
الآيات الإلهية والبراهين القاطعة.. له من الفقاهة والاجتهاد مقام سامي، ورتبة
عالية، وقد سافر في أوائل شبابه إلى العتبات الشريفة. وحضر عند الميرزا
الشيرازي، واستفاد منه وكانت عمدة تلمذه في الفقه والأصول على يد الحاج
الميرزا حبيب الله الرشتي، والملا كاظم الخراساني، وبعدما أكمل دراسته للعلوم
الدينية وحصل على القوة القدسية وأجيز بالاجتهاد.. عاد إلى وطنه (قم)، وظهرت
له الرئاسة العامة والشهرة التامة، وذاعت شهرة فقاهته وفضيلته جميع الأصقاع،
وقرعت كل الأسماع..) (2).
وقال الشيخ عباس القمي عن أستاذه الأرباب وقد عنونه تحت (محمد بن
محمد تقي القمي: شيخنا العالم الفاضل الفقيه المحدث الحكيم المتكلم الشاعر
المنشي الأديب الأريب، حسن المحاضرة، جيد التقرير والتحرير، جامع المعقول
والمنقول أدام الله تعالى بقاءه، صاحب الأربعين الحسينية، وشرح قصيدة
" لام عمرو " للسيد الحميري، وشرح البيان للشيخ الشهيد، ورسالة في الرد على
البابية، وتعليقات وحواشي كثيرة على العلوم، وله أشعار لطيفة في مرثية مولانا
أبي عبد الله (عليه السلام).
وكان حفظه الله تعالى كمحمد بن أحمد بن عبد الله البصري الملقب بالمفجع
المعروف بكثرة بكائه وتفجعه على أهل البيت (عليهم السلام) اسأل الله أن يمتعنا بطول
بقائه) (3).
وذكر اسمه مع السيد حسن متولي حرم السيدة المعصومة سلام الله عليها
والشيخ محمد تقي البافقي والميرزا محمود الروحاني الذين جاؤوا وطلبوا

(1) آثار الحجة للشيخ محمد الرازي: ج 1، ص 220.
(2) المصدر السابق: 1، ص 221 - 222.
(3) الفوائد الرضوية: ص 602.
46

بإلحاح من آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري البقاء والسكنى في قم وتأسيس
الحوزة العلمية المباركة فيها، وبعد اصرارهم وما كان من استخارته وقد كانت
الآية الشريفة * (وأتوني بأهلكم أجمعين) * وافق على البقاء، وتأسست بواسطة
تلك المساعي الحميدة الحوزة العلمية في قم (1).
هجرته العلمية إلى النجف الأشرف:
وكانت النجف عاصمة العلم الشيعي من يوم هجرة شيخ الطائفة ورئيسها
الشيخ محمد بن الحسن الطوسي 385 - 460 ه‍. ق إلى هذه المدينة المقدسة بعد
حوادث سنة 449 ه‍. وذكر ابن الأثير في تاريخه في حوادث هذه السنة أن (فيها
نهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ، وهو فقيه الامامية، وأخذ ما فيها، وكان قد
فارقها إلى المشهد الغربي) (2).
وقال ابن حجر العسقلاني نقلا عن ابن النجار انه (أحرقت كتبه... واستتر هو
... مات بمشهد علي...) (3).
وذكر ابن كثير انه (أحرقت داره بالكرخ وكتبه سنة ثمان وأربعين...) (4).
وعن بداية هذه الجامعة العلمية الكبرى تحدث المؤرخ الكبير المرحوم
العلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني فقال: (ولما رأى الشيخ الخطر محدقا به هاجر
بنفسه إلى النجف الأشرف، لائذا بجوار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وصيرها مركزا
للعلم، واخذت تشد إليها الرحال، وتعلق بها الآمال، وأصبحت مهوى رجال العلم،
ومهوى أفئدتهم، وقام فيها صرح الاسلام، وكان الفضل في ذلك لشيخ الطائفة..) (5).
نعم كانت النجف (مأوى للعلماء، وناديا للمعارف قبل هجرة الشيخ إليها،

(1) تاريخ قم لناصر الشريعة: في الحاشية للشيخ علي الدواني: ص 276.
(2) الكامل في التاريخ: ج 6، ص 198 تحقيق علي شيري.
(3) لسان الميزان: ج 5، ص 153، الرقم العام 7237، والرقم الخاص 452.
(4) البداية والنهاية: ج 12، ص 104، في حوادث سنة ستين وأربعمائة.
(5) حياة الشيخ الطوسي / الطهراني: ص (ز) في مقدمة تفسير التبيان، للشيخ الطوسي: ج 1.
47

وكان هذا الموضع ملجأ للشيعة منذ أنشأت فيه العمارة الأولى على مرقد الامام
أمير المؤمنين (عليه السلام)، لكن حيث لم تأمن الشيعة على نفوسها من تحكمات الأمويين
والعباسيين، ولم يستطيعوا بث علومهم ورواياتهم كان الفقهاء والمحدثون
لا يتجاهرون بشئ مما عندهم، وكانوا متبددين حتى عصر الشيخ الطوسي والى
أيامه. وبعد هجرته انتظم الوضع الدراسي، وتشكلت الحلقات...) (1).
(وقد تخرج منها خلال هذه القرون المتطاولة آلاف مؤلفة من أساطين العلم،
وأعاظم الفقهاء، وكبار الفلاسفة، ونوابغ المتكلمين، وأفاضل المفسرين، وأجلاء
اللغويين، وغيرهم ممن خبروا العلوم الاسلامية بأنواعها، وبرعوا فيها أيما براعة،
وليس أدل على ذلك من آثارهم المهمة التي هي في طليعة التراث الاسلامي، ولم
تزل زاهية حتى هذا اليوم، يرتحل إليها رواد العلوم والمعارف من سائر الأقطار
والقارات فيرتوون من مناهلها العذبة وعيونها الصافية...) (2).
وكان المنهاج الدراسي العلمي عند الإمامية إلى قبل الهجمة الاستعمارية
الكافرة على النجف الأشرف التي شهدت غاية عنفها من سنة 1969 م وما زالت
المعركة حامية الوطيس - ان يبدأ الدارس للعلوم الاسلامية دراساته في إحدى
الحوزات العلمية المبثوثة في كثير من بلدان الشيعة حتى إذا انتهى من مراحله
الأولى والمتوسطة فإنه يلزمه الهجرة إلى النجف الأشرف ليكمل دراسته وتربيته
العلمية، لما جمعت من فحول علمائها وكبار مجتهدي الامامية، والمدارس ودور
السكن للطلاب والعلماء وغير ذلك من الوسائل اللازمة لعيش العلماء والطلاب (3).

(1) المصدر السابق.
(2) المصدر السابق: ص (و) - (ز).
(3) لقد كانت النجف مهبط الشيعة وعاصمة العلم، ومقر كبار العلماء، كما كانت النجف تضم
أكبر حوزة علمية اسلامية في العالم الاسلامي، ولكن الكفار سعوا إلى تفتيت تلك العاصمة
الطاهرة، فضربوها بشتى الوسائل، وكادوا ينجحوا أخيرا ويصلوا إلى أمنيتهم الشيطانية على
يد المجرم صدام التكريتي عندما ضرب هذه العاصمة المقدسة بأقوى ضربات الكفار بما
عمله من المصائب التي تقطع الأحشاء والقلوب مع آية الله العظمى المرحوم الامام السيد
محسن الحكيم إلى أن ذهب إلى ربه شاكيا ما لاقاه من محن وخطوب. وباخراج المرجع الديني الأعلى للشيعة في العالم آية الله العظمى، ومجدد المذهب
الامام الخميني (رحمه الله)، وتضييق الخناق عليه، وشد الحصار على داره. وقتل المرجع الديني آية
الله العظمى الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر. وتهجير الآلاف من المجتهدين، وكبار
العلماء. والفضلاء والمؤلفين، والمحققين، والمحصلين، والأساتذة، والطلاب، وقتل المئات
منهم، وحبس وتشريد مئات آخرين. نسأل الله تعالى بحق محمد وآل محمد أن يرد كيده
إلى نحره، ويعجل هلاكه، ويعجل النصر للاسلام والمسلمين، وأن يعيد عز وجل إلى النجف
الأشرف حياتها ونضارتها، فترجع كما كانت دائما حية معطاءة.
48

فكان من الطبيعي ان يهاجر المرحوم الشيخ عباس القمي إلى النجف الأشرف
بعد أن أكمل دراساته الأولية المسماة بالمقدمات والسطوح في مدينة قم المقدسة
على يد مجموعة من العلماء والأفاضل.
وفي سنة 1316 هاجر إلى النجف الأشرف، فأخذ يحضر حلقات دروس
العلماء، إلا أنه لازم خاتمة المحدثين الشيخ حسين النوري (رحمه الله) وكان يقضي معه
أكثر أوقاته في استنساخ مؤلفاته ومقابلة بعض كتاباته. وتحدث الطهراني، زميل
القمي عن بداية نشوء هذه العلاقة العلمية بين العلمين، حيث قال:
(وفي سنة 1316 هاجر إلى النجف الأشرف، فأخذ يحضر حلقات دروس
العلماء إلا أنه لازم شيخنا الحجة الميرزا حسين النوري. وكان يصرف معه أكثر
وقته في استنساخ مؤلفاته ومقابلة كتاباته وكنت سبقته في الهجرة إلى النجف
بثلاث سنين، وفي الصلة بالمحدث النوري بسنتين حيث هاجر النوري إلى النجف
في سنة 1314 ه‍... ولا أزال أتذكر جيدا يوم تعرف المترجم له على شيخنا
النوري، وأول زيارته له، كما أتذكر ان واسطة التعارف كان العلامة الشيخ علي
القمي لأنه من أصحابه الأوائل ومساعديه الأفاضل...).
ومع أن العمر قصر في حياة الأستاذ النوري (رحمه الله) فلم تدم العلاقة بينهما أكثر من
أربع سنوات تقريبا (1) ومع ذلك فقد كان له تأثير كبير في شخصية القمي وبنائها،

(1) نقباء البشر: ج 3، ص 999. (فقد قرأت قبل قليل أن بداية نشوء العلاقة بينهما كانت بعد
هجرة القمي إلى النجف الأشرف سنة 1316 ه‍، وكانت وفاة أستاذه النوري في سنة 1320 ه‍.
49

كما صرح هو بذلك في كتاب (الفوائد الرضوية) وغيره.
وبعد وفاة الشيخ النوري (رحمه الله) فقد أتم دراسته بالحضور على المجتهدين
الآخرين من أساتذة الحوزة العلمية النجفية.
وبقي يتحرك بسيره العلمي ضمن البرنامج الذي اختطه في حياة أستاذه
النوري، مواصلا مع زملائه الآخرين طريقه، يقول الطهراني: (بقيت الصلة بيننا
نحن تلاميذ النوري وملازميه، فقد كانت حلقات دروس العلماء والمشاهير
تجمعنا في الغالب الا ان صلتي بالمترجم له كانت أوثق من صلاتي بغيره، حيث
كنا نسكن غرفة واحدة في بعض مدارس النجف، ونعيش سوية، ونتعاون على
قضاء لوازمنا وحاجاتنا الضرورية حتى تهيئة الطعام وبقينا على ذلك بعد وفاة
شيخنا أيضا، ونحن نواصل القراءة على مشايخنا الاجلاء الآخرين) (1).
وقد تخلل وجوده في النجف الأشرف للتحصيل العلمي، سفره إلى حج بيت
الله الحرام وزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة البقيع (عليهم السلام)، في حياة أستاذه النوري (رحمه الله)
في سنة 1318 ه‍، وعاد من هناك إلى إيران عن طريق مدينة شيراز من دون أن
يمر على النجف الأشرف، فزار وطنه قم، وجدد العهد بوالديه وذويه، ثم رجع إلى
النجف وعاد إلى ملازمة الشيخ النوري وحصل على الإجازة منه (2).
واستمر بعد وفاة الأستاذ يواصل دراسته العلمية عند أساطين العلم الآخرين
إلى سنة 1322 ه‍ فعاد فيها إلى إيران فهبط إلى قم وبقي يمارس أعماله العلمية،
ولم يذكر المؤرخون لحياته انه حضر - بعد رجوعه من النجف الأشرف - عند أحد
من علماء قم المقدسة وانما أكدوا أن بعد عودته من النجف الأشرف إلى موطنه
الأصلي انصرف إلى البحث والتأليف (3) ويظهر مما سجلوه عن حياته انه وبعد
عودته سنة 1322 ه‍ بدأت حياته الفكرية بالانتاج.
في قم المقدسة:
وقد رجع إلى وطنه بسبب المرض الذي اعتراه ولازمه إلى آخر عمره، حيث

(1) نقباء البشر: ج 3، ص 999.
(2 و 3) المصدر السابق.
50

أصيب بمرض (الربو)، ولكنه لم يتمكن من منعه عن ممارسة أبحاثه ونشاطه
العلمي، بل استمر بعمله العلمي بقوة وحيوية.
وتعددت أوجه حركته بالتأليف والوعظ والارشاد والخطابة، وبطبيعي الحال
فإنه لم يكن مشهورا في هذه الفترة من حياته ولكنه تمكن أن يفتتح أبوابا لحركته
العلمية.
وفي سنة 1329 ه‍ سافر إلى الحج للمرة الثانية من قم (1).
هجرته إلى مشهد المقدسة:
ولم يطل العهد بالقمي ببقائه في قم المقدسة فما لبث ان عزم على الهجرة إلى
مشهد المقدسة سنة 1331 ه‍ (2) أو سنة 1332، فهبط مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) في
خراسان واتخذ منه مقرا دائما له.
وقد ذكر انه نزح من موطنه الأصلي بسبب بعض المشاكل التي أشار إليها في
مقدمة كتابه الفوائد الرضوية حيث قال ما تعريبه ملخصا: (حتى كانت سنة 1332
فخطر في ذهني أن التجأ إلى إمام الأتقياء وزبدة الأصفياء، معين الغرباء، والشهيد
بالسم أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه...
وذلك لشدة البلايا والمحن وكثرة الهموم والغموم التي حلت بهذا الداعي وتفصيلها
طويل..) (3) وقيل أن سبب بقائه في مشهد انه كان بطلب من آية الله الحاج السيد
حسين القمي، فاستجاب العلامة المحدث لهذا الطلب وعزم على البقاء الدائم في
هذه الأرض الطيبة (4).

(1) نقباء البشر: ج 3، ص 999.
(2) المصدر السابق: وفي رسالة له باللغة الفارسية إلى مؤلف كتاب آثار الحجة: ج 2، ص 134،
قال ما تعريبه ملخصا: (وقد هاجرت إلى قم (دار الايمان) وبقيت فيها إلى سنة 1329 ثم
تشرفت بالحج مرة ثانية، ورجعت إلى قم وبقيت هناك حوالي السنتين ثم هاجرت إلى
مولانا الامام المعصوم أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وما زلنا حتى هذه السنة وهي سنة 1346 في
هذا المكان الشريف....
(3) الفوائد الرضوية: ص 2.
(4) راجع كتاب: (حاج شيخ عباس قمي مرد تقوى وفضيلت).
51

وانصرف في مشهد إلى طبع بعض مؤلفاته، وعكف على تصنيف غيرها (1).
ووفق إلى حج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأئمة البقيع (عليهم السلام)
للمرة الثالثة من مشهد (2).
وقد لمع اسم الشيخ القمي في هذه المدينة المقدسة وانتشر في بلدان العالم
الشيعي خصوصا بعد طبع كتابه مفاتيح الجنان.
كما أنه كان لمجالس وعظه الأثر الكبير في اقبال قلوب المؤمنين وأهل
المعرفة إليه وكان يرتقي المنبر في بيت آية الله السيد حسين القمي في العشرة
الأولى من محرم الحرام للوعظ والارشاد وذكر الحسين (عليه السلام).
ولم يمتهن الخطابة الحسينية، وانما اتخذها وسيلة لتبليغ رسالته الإلهية وقد
نحج في ذلك بمقدار كبير.
كما أنه دعي إلى إمامة صلاة الجماعة في أحد أروقة الحرم الرضوي على
مشرفه آلاف التحية والسلام، ولكنه انقطع ولم يستمر.
كما أنه كان يدرس الأخلاق في ليالي الخميس والجمعة في مدرسة (ميرزا
جعفر) العلمية في مشهد وكان يحضر تحت منبره حدود الألف مستمع (3).
رجوعه إلى قم المقدسة:
ومع أنه قد شد العزم على البقاء الدائمي في مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) ولكنه قد
انثنى عن عزمه الأول بعد قدوم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري إلى قم
المقدسة سنة 1340 ه‍ فهاجر إلى قم المقدسة وصمم على البقاء في هذه المدينة
المقدسة بطلب من علمائها وشخصياتها.
وبدأ الحائري يرتب الحوزة العلمية ويمدها بالعلماء الأبرار (فنظم من كان
فيها من طلاب العلم تنظيما عاليا، وأعلن عن عزمه على جعلها مركزا علميا يكون

(1) نقباء البشر: ج 3، ص 999.
(2) آثار الحجة: ج 2، ص 134.
(3) راجع محدث قمي حديث إخلاص: ص 38.
52

له شأنه في خدمة الاسلام واشادة دعائمه... فوضع العطاء على الطلاب والعلماء،
وبذل عليهم بسخاء، وسن نظاما للدراسة، وقرر ترتيبا مقبولا للأشراف على تعليم
الطلاب واجراء الامتحان السنوي... وغصت المدارس بأهاليها، وزاد عدد
الطلاب والعلماء في أوائل هجرته إليها على الألف، وقام بأعباء اعاشتهم، وتنظيم
أدوارهم بهدوء وحكمة...) (1).
وقد شارك العلماء الأفذاذ مؤسسو الحوزة العلمية فهرعوا من كل صوب
ومكان لمآزرته ومساعدته واعانته على مشروعه الإلهي الكبير خصوصا بعدما
اشتدت المحن والبلايا بالضغوط الجائرة التي أوجدها رضا بهلوي بتطبيق علمنة
البلاد الإيرانية ومنع المظاهر الاسلامية بكل اشكالها حتى أنه منع الحجاب ولبس
الزي العلمائي وغيرها من الأعمال القبيحة.
وكلما اشتدت المحنة كلما ازداد دعم العلماء للحوزة العلمية في قم، ويبدو أن
فكرة انتقال الشيخ القمي إلى قم المقدسة بعدما كان قد عزم على البقاء في مشهد،
جاءت أثر تصاعد تلك المضايقات، واشتداد المحن، فان الشيخ القمي قد كتب
رسالة عن حياته وذكر فيها انه ما زال مستوطنا المشهد الرضوي المقدس، وكانت
السنة هي سنة 1346 (2).
قال العلامة الطهراني: (ولما حل العلامة المؤسس الشيخ عبد الكريم الحائري
مدينة قم، وطلب إليه علماؤها البقاء فيها لتشييد حوزة علمية ومركز ديني
وأجابهم إلى ذلك كان المترجم له من أعوانه وأنصاره، فقد أسهم بقسط بالغ في
ذلك، وكان من أكبر المروجين للحائري، والمؤيدين لفكرته، والعاملين معه باليد
واللسان) (3).
وكتب العلامة الطهراني عن حركة الحائري:
" وقد برهن الحائري على بطولة ورجولة وشجاعة وصبر وجلد وثبات

(1) نقباء البشر: ج 3، ص 1159 - 1160.
(2) آثار الحجة: ج 2، ص 134.
(3) نقباء البشر: ج 3، ص 1000.
53

وعزيمة جبارة، فقد لاقى في طريق العمل من الصعاب والمتاعب ما يكفي لتراجع
أكبر الرجال قلبا، وأقواهم شكيمة، وأوسعهم صدرا، حيث كان لانتهاء حكم
القاجاريين وتولي الپهلوي تأثير بارز في تقليص جهوده والحد من نشاطه إذ
رافقت ذلك احداث ووقائع جسام. وكانت سيرة الپهلوي واضحة في عزمه الأكيد
وتصميمه على القضاء على الدين ومحو كل أثر لرجاله وشعائره ورسومه، فقد
سجن العلماء الكبار، ونفى عددا منهم، ودس السم لآخرين، وفعل الأفاعيل من
هذا القبيل.
وفي هذه الظروف كان الحائري يعمل على توسيع دائرة الحوزة العلمية في
قم ونشر الدعوة ودعم هيكل الدين، وإشادة مجد الاسلام باعمال أحكامه
وتطبيق نظامه.
في ذلك الوقت، وفي تلك الظروف السود، قاوم هذا العالم المخلص
ديكتاتورية الملك واباحيته، ووقف في وجهه مجندا كل امكانياته وقابلياته،
وموطنا نفسه للعظائم، ومضحيا في سبيل دعوته بكل ما يملك، ولم تفت في
عضده، أو توهن من عزيمته، أو تسرب اليأس والقنوط إلى نفسه كل تلك
المحاولات اللئيمة والمساعي الخبيثة التي بذلها سماسرة السوء، وزبانية الشر،
وأعداء الدين والخير والفضيلة.
وهكذا بقي يقاوم كل ما يعترض طريقه من عقبات وعراقيل حتى كلل سعيه
بالنجاح وانتصر، وباء خصومه بالصفقة الخاسرة، وعادوا يجرون أذيال الفشل
* (ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون) * (1)... " (2).
ولكن الاسلام في إيران قد لاقى عدوا وحشيا تحت الحماية الغربية
والشرقية استطاع لفترة حكمه أن يحد من أي نشاط ديني في إيران بالإرهاب
وهتك الحرمات وقتل آلاف الشيعة في المشهد الرضوي في حادثة گوهر شاد

(1) سورة فصلت: الآية 16.
(2) نقباء البشر: ج 3، ص 1161 - 1162.
54

ومنع الحجاب ومنع الزي العلمائي ومنع إقامة العزاء على سيد الشهداء (عليه السلام)
وتدنيس حرمة الحوزات العلمية والمراقد المطهرة ونفي عشرات العلماء من كبار
المجتهدين والخطباء. وأدت تلك الأعمال القبيحة للمدعو رضا پهلوي إلى هجرة
كبار علماء إيران إلى النجف الأشرف، وانزواء آية الله الحائري قابعا في زاوية
بيته ولكنه لم يرفع اليد عن الحوزة وشؤونها بل استمر بالتدريس والادارة، فإنه قد
تحمل كل شئ من أجل هذا البناء المقدس المهم، وبالفعل فقد تمكن الحائري أن
ينتصر بمشروعه على كل مؤامرات الاستعمار وتمكنت هذه الحوزة المباركة ان
تقود حركة الأمة والتي كان من نتاجها الجمهورية الاسلامية المباركة.
ويبدو أن فاجعة گوهر شاد قد أثرت على حياة الشيخ الحائري فان وفاته
كانت في 18 - ذي القعدة الحرام - من سنة 1355 ه‍. ق بينما كانت حادثة الهجوم
على المرقد الرضوي الشريف في 12 - ربيع الثاني سنة 1354 ه‍. ق.
وأما شيخنا القمي (أعلى الله مقامه) فإنه كان في مدينة همدان وقد سمع
بالفاجعة الكبرى بهتك حرمة الحرم الرضوي وقتل المؤمنين والعلماء، واعتقال
الآيات العظام وحبسهم وتهجير بعضهم، فعجل بالمجئ إلى قم المقدسة ليرى
موقف العلماء الآخرين، ولكنه فوجئ كالباقين بالأحداث العظام والضربات
المتتاليات وقتل أو حبس أو تهجير كل انسان يقف أمام مشاريع الپهلوي، مهما
كان عنوانه وبالفعل فقد نفى آية الله السيد حسين القمي (1) إلى العراق، وجرد آية

(1) السيد حسين ابن السيد محمود القمي، ولد في قم المقدسة في 1282 ه‍. ق ودرس فيها
مقدمات العلوم ثم هاجر إلى العراق فحضر أبحاث كبار علمائه ومنهم السيد المجدد الشيرازي
والميرزا حبيب الله الرشتي والمولى علي النهاوندي والشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد
محمد كاظم اليزدي، والشيخ محمد تقي الشيرازي وحاز على درجة سامية من العلم وكان
معروفا بالصلاح والتقى والنسك والزهد وكثرة العبادة، أما في الفقه والأصول فقد كان فاضلا
للغاية وخبيرا جدا له تسلط عليهما واستحضار وتضلع وبراعة، وفي سنة 1331 هبط
المشهد الرضوي (عليه السلام) فصار من أكبر مراجع التقليد في إيران، وعندما أعلن المقبور المدعو
رضا پهلوي الإسفار الإلزامي ومنع الحجاب تحرك السيد القمي إلى طهران للوقوف أمام أعماله القبيحة، ولكنه اعتقل ونفاه إلى العتبات المقدسة في العراق فسكن كربلاء والتف
العلماء حوله وصار مهوى قلوب الشيعة ومن كبار مراجع التقليد في البلد ولما توفي السيد
أبو الحسن في 1365 ه‍. ق رشح السيد القمي للزعامة العامة إلا أن الأجل لم يمهله حيث
كانت وفاته يوم الأربعاء 14 ربيع الأول 1366 ه‍. ق ونقل إلى النجف الأشرف ودفن في
الصحن وكان السيد القمي هو الذي زوج الشيخ عباس القمي - المترجم - بابنة أخيه السيد
أحمد وطلب منه البقاء في مشهد المقدسة فاتخذها في ذلك الوقت - وطنا دائميا له.
55

الله الشيخ آقا زادة - نجل آية الله العظمى الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب
كتاب كفاية الأصول وقائد حركة المشروطة من الزي العلمائي، ونفى آية الله
السيد يونس الأردبيلي وآية الله الشيخ محمد تقي البافقي إلى ري سنة 1346 ه‍. ق
إلى أن توفي هناك في 12 جمادى الأولى سنة 1365 ه‍. ق وغيرهم من الأعلام
فلم يطل الشيخ القمي المكث في قم فهاجر مرة أخرى إلى النجف الأشرف منثنيا
عن عزمه الأول بالبقاء في مشهد المقدسة.
علما انه عندما كان في مشهد المقدسة فإنه كان يقضي شتاء كل سنة في
النجف الأشرف ويبقى هناك حوالي ستة أشهر ثم يرجع إلى مشهد المقدسة فيقيم
الستة الأشهر الباقية، ولكنه بعد حادثة گوهر شاد غير برنامجه السكني وبقي في
النجف الأشرف إلى آخر عمره، وهجر موطنه الأصلي قم المقدسة.
حياته العلمية:
بقراءة ما كتبه المؤرخون عن الشيخ القمي (رحمه الله) تنطبع صورة تتلازم فيها
شخصيته بالعلم تلازما شديدا يكاد لا ينفك، فترى القمي من نعومة أظفاره إلى
ساعة وفاته لم يفارق البحث والتدريس والقلم والقرطاس، وكانت لشخصية
أستاذه النوري (رحمه الله) الأثر الواضح في تعميق هذه الصورة الجميلة فيه، وتتضح من
خلال تتبع حياته العلمية ولو بشكل مختصر وسريع بالنقاط التالية:
أساتذته:
سبق وإن عرفت من كلام زميله العلامة الطهراني (رحمه الله) أن القمي حضر في
56

النجف الأشرف حلقات دروس العلماء في حياة أستاذهم النوري ولكنه لازم
الشيخ حسين النوري وكان يصرف معه أكثر وقته في المجالات العلمية (1) وأكد
الطهراني انه بقيت تلك الحلقات الدراسية للعلماء والمشاهير تجمعهم (2) يعني بقي
العلامة القمي ملازما لدروس أولئك العلماء حيث صرح الطهراني بقوله: (وبقينا
على ذلك بعد وفاة شيخنا أيضا ونحن نواصل القراءة على مشايخنا الأجلاء
الآخرين) (3).
ولكن المؤسف انه لم يذكر أحد ممن ترجم القمي أسماء أساتذته الآخرين
واقتصروا على ذكر خاتمة المحدثين النوري، وصرحوا بأنه حضر عند الأساتذة
الآخرين، ومع احتمال أن مدة حضوره عندهم أكثر من فترة حضوره عند العلامة
النوري (رحمه الله) من حيث الزمن، ولكن بقي النوري مختصا بتأثيره الواضح عليه كما
صرح هو نفسه في أكثر من موضع كما ستأتي الإشارة إليه في محله.
ولكن يمكننا معرفة أولئك الأساتذة من خلال ما سجله زميله من الدرس
والتحصيل العلامة الطهراني فأنه قد صرح وبمواضع عدة انهما كانا يشتركان
بالحضور في الدرس والمباحثة عند العلماء المعروفين. وقد عد ضمن أساتذة
الطهراني كل من:
1 - خاتمة المحدثين الحاج ميرزا حسين النوري المتوفى سنة 1320 ه‍.
2 - السيد مرتضى الكشميري المتوفى سنة 1323 ه‍.
3 - الشيخ محمد طه نجف المتوفى سنة 1323 ه‍.
4 - الحاج ميرزا حسين بن الحاج ميرزا خليل المتوفى سنة 1326 ه‍.
5 - الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية المتوفى سنة 1329 ه‍.
6 - السيد محمد كاظم اليزدي المتوفى سنة 1337 ه‍.
7 - الميرزا محمد تقي الشيرازي المتوفى سنة 1338 ه‍.

(1) نقباء البشر: ج 3، ص 998.
(2 و 3) المصدر السابق: ص 999.
57

8 - شيخ الشريعة الأصفهاني المتوفى سنة 1339 ه‍.
ونظرا لتأثير أستاذه النوري وتأثره في شخصيته ومنهجه العلمي يلزمنا معرفة
شئ من أحواله.
أستاذه النوري:
لقد كان أهم تحصيله العلمي والذي أثر في مستقبل حياته عند الشيخ
النوري (رحمه الله) كما تقدمت الإشارة به، وقد سجل هذه الملاحظة جميع المؤرخين له،
قال المدرس ما ترجمته مختصرا: (ولازم الحاج الميرزا حسين النوري واستفاد
منه كثيرا، وفي نفس الوقت قام بمساعدات كثيرة لأستاذه المعظم في بعض
تأليفاته..) (1).
ومهما تكن نوعية تلك المشاركة والمساعدات لأستاذه فلا ينقص من حظ
أستاذه شئ، وانما تعكس اهتمام الأستاذ به وتشخيصه لجوانب الميول العلمية
في نفس التلميذ، كما انها تعكس طريقة الأستاذ في تربية تلاميذه التربية العلمية
بايجاد حالة تحسيسهم بمواقع القوة العلمية في نفوسهم وتقويتها والاشراف بنفسه
على عملية النمو العلمي، كما تظهر تلك المشاركة ان هذا التلميذ كان محط اهتمام
وعناية أستاذه.. وتثبت انه كانت للتلميذ ملكات وقدرات هائلة استحق بها هذا
الاهتمام.
وبالفعل فإن جهود الأستاذ لم تذهب سدى، وانما جاءت على أحسن ما يرام
فصنعت من القمي مؤلفا ناجحا وخطيبا بارعا، ولم ينس القمي ذلك لأستاذه وانما
أظهر فضل الأستاذ عليه في كل مناسبة وفرت له أن يصرح بذلك.. فقد قال وهو
يصف قربه إليه وتعلقه به، وانه لم يفارقه حتى وقت ارتحاله من هذه الدنيا ما
ترجمته:
(.. وكنت وقت ارتحاله في خدمته... وكنت عنده بمنزلة أولاده، وكم كانت

(1) ريحانة الأدب: ج 4، ص 487.
58

المصيبة مرة، وما زلت أحس بمرارتها في فمي، وما زلت أتجرع الغصص
لفقدانه..) (1).
ويقول أيضا: (ويحق لي أن أقول: ولقد عشت بعد الشيخ عيشة الحوت في
البر، وبقيت في الدهر ولكن بقاء الثلج في الحر، فلقد كانت له علي من الحقوق
الواجب شكرها ما يكل شبا براعتي ويراعي عن ذكرها.
وهو شيخي الذي أخذت عنه في بدء حالي، وانضويت إلى موائد فوائده
يعملات رحالي، فوهبني من فضله ما لا يضيع، وحن علي حنو الظئر على الرضيع.
ففرش لي حجر علومه، وألقمني ثدي معلومه، فعادت علي تركات أنفاسه،
واستضأت من ضياء نبراسه، فما يسفح به قلمي انما هو من فيض بحاره، وما ينفح
به كلمي انما هو من نسيم أسحاره، وأنا أتوسل إلى رب الثواب والجزاء أن يجعل
نصيبه من رضوانه أوفى الأنصباء، وكم له رحمه الله من الله تعالى ألطاف خفية،
ومواهب غيبية ونعم جليلة..) (2).
وقال أيضا: (لازمت خدمته برهة من الدهر في السفر والحضر، والليل
والنهار، وكنت استفيد من جنابه في البين إلى أن نعب بيننا غراب البين فطوى
الدهر ما نشر، والدهر ليس بمأمون على بشر..) (3).
وأما شيخه النوري فهو: الحسين بن محمد تقي بن علي محمد النوري
الطبرسي ولد في 18 شوال سنة 1254 في قرية نور إحدى كور طبرستان وهي
(مازندران).
وكان والده من العلماء الأجلاء درس في أصفهان على المحقق المولى علي
النوري وفي كربلاء عند السيد محمد المجاهد نجل صاحب الرياض، ثم هاجر
إلى النجف الأشرف وحضر عند علمائها ثم عاد إلى بلاده حائزا على درجة

(1) الفوائد الرضوية: ص 150.
(2) الفوائد الرضوية: ص 150 - 151 بتصرف يسير.
(3) المصدر السابق: ص 152.
59

الاجتهاد وأسس حوزة علمية في منطقته وصار مرجعا للتقليد فيها.
وقد توفي أبوه في ربيع الأول سنة 1263 ه‍، وكان للنوري من العمر ثمان
سنوات (1) وأثر اليتم فيه فلم ينسه إلى آخر حياته حيث كتب في ترجمة حياته:
(وتوفي والدي العلامة أعلا الله تعالى مقامه... وأنا ابن ثمان سنين، فبقيت سنين
لا أحد يربيني) (2).
فنشأ رحمه الله تعالى عصاميا معتمدا على نفسه، وقد وضحت عصاميته جلية
في مستقبل حياته، وهي تفسر صبره وتحمله المشاق واصراره ومثابرته (3).
وكان له شغف خاص بالعلم وتحصيله فحين بلغ أوان حلمه لازم العالم
الجليل الفقيه النبيه الزاهد الورع النبيل المولى محمد علي المحلاتي.
ثم هاجر إلى النجف الأشرف فحضر عند الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى
الأنصاري المتوفى سنة 1281 ه‍، ولازم الآية الكبرى الشيخ عبد الحسين
الطهراني الشهير بشيخ العراقيين، كما أنه لازم درس السيد المجدد الشيرازي
حتى وفاته سنة 1312 ه‍.
وعد من شيوخه الشيخ فتح علي السلطان آبادي والحاج الملا علي كني ومن
مشايخ اجازته السيد مهدي القزويني كما أنه تتلمذ على الفقيه الكبير الشيخ علي
الخليلي.
وخرجت مدرسته العلمية مجموعة من الفضلاء والعلماء الاجلاء أشهرهم
الشيخ عباس القمي، والشيخ آغا بزرگ الطهراني (4) والشيخ محمد حسين آل
كاشف الغطاء (5) والسيد عبد الحسين شرف الدين (6).

(1) نقباء البشر: ج 2، ص 544.
(2) خاتمة المستدرك / النوري: ج 3، ص 877، الطبعة الحجرية.
(3) حياة العلامة الشيخ حسين النوري / السيد ياسين الموسوي: ص 9، ط 1.
(4) نقباء البشر: ج 2، ص 545.
(5) نقباء البشر: ج 2، ص 617. معارف الرجال: ج 2، ص 275.
(6) معارف الرجال: ج 1، ص 273، ج 2، ص 52.
60

وكانت لشخصية الأستاذ القوية ومنهجه الإيماني القويم وجاذبيته الشخصية
والمدرسية جذبت أولئك التلاميذ الأفذاذ وخرجت علماء يبقى الزمن يفتخر بهم
ويبقى اتباع مذهب الحق يتباهون بوجود أمثالهم كالشيخ القمي والشيخ الطهراني
صاحب موسوعة الذريعة وغيرها.
وعرف عنه شغفه بجمع الكتب لا سيما القديمة منها والأصول وقد جمع مكتبة
من نفائس الكتب والمخطوطات ندرت أن تجتمع عند غيره وقد حصل على بعض
الأصول التي لم يحصل عليها غيره حتى الشيخ المجلسي (قدس سره) والحر العاملي (قدس سره) (1).
وله في تحصيل الكتب النادرة حالات أبهرت معاصريه وكان يبذل الكثير من
أجلها وقد نقلت عنه عدة حكايات غريبة تعكس ذلك، منها ما نقله تلميذه
الطهراني حيث قال: (مر ذات يوم في السوق فرأى أصلا من الأصول الأربعمائة
في يد امرأة عرضته للبيع، ولم يكن معه شئ من المال، فباع بعض ما عليه من
الألبسة واشترى الكتاب...) (2).
وله مؤلفات كثيرة تدل على تتبعه واحاطته بالأخبار مما يندر في أحد غيره
بعد المجلسي (رحمه الله) من أشهرها مستدرك الوسائل، والنجم الثاقب، ودار السلام
وجنة المأوى والصحيفة السجادية الرابعة والصحيفة العلوية الثانية والفيض
القدسي في أحوال المجلسي، وكشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار
والكلمة الطيبة ونفس الرحمان في فضائل سيدنا سلمان وغيرها.
وقد وهب حب طلابه له حبا كبيرا قلما نجده بين الأستاذ وتلاميذه،
وبمراجعة سريعة إلى ما كتبه الشيخ القمي عن أستاذه تجد مصداق ذلك، وهكذا
فيما كتبه تلميذه الآخر الشيخ الطهراني عندما أراد أن يكتب ترجمة لأستاذه:
(ارتعش القلم بيدي عندما كتبت هذا الاسم، واستوقفني الفكر عندما رأيت نفسي
عازما على ترجمة أستاذي النوري، وتمثل لي بهيئته المعهودة بعد إن مضى على

(1) حياة العلامة النوري: ص 58، ط 1.
(2) نقباء البشر: ج 2، ص 555.
61

فراقه خمسة وخمسون سنة فخشعت اجلالا لمقامه، ودهشت هيبة له، ولا غرابة
فلو كان المترجم له غيره لهان الأمر، ولكن كيف بي وهو من أولئك الأبطال غير
المحدودة حياتهم وأعمالهم فمن الصعب جدا أن يتحمل المؤرخ الأمين وزر
الحديث عنها، ولا أرى مبررا في موقفي هذا سوى الاعتراف بالقصور عن تأدية
حقه..) (1) وإن تأثر هؤلاء الأفذاذ به وبهذا المقدار الكبير من التأثر لم يكن عن
عاطفة جوفاء وصداقة عابرة، بل لهم الحق في ذلك، لأنه أعطاهم كل وقته، ولم
يترك شيئا لنفسه دونهم بل فضلهم على نفسه وقدمهم على شخصه مع مقامه العلمي
ووجاهته الاجتماعية.
وتميز بمنهج علمي سوف نستعرضه عند الحديث عن المنهج العلمي عند
القمي إن شاء الله تعالى.
توفي في ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الثانية سنة 1320 ه‍ ودفن في
الصحن العلوي الشريف وكان لجثمانه كرامة منقولة في المصادر التي ترجمت له.
حبه للعلم:
امتازت مدرسة النوري (الأستاذ وتلاميذه كالشيخ القمي والشيخ الطهراني)
بحب العلم وزقه إلى درجة الثمالة، وقد نقلت عن كل واحد منهم قصص تثير
الاعجاب والتقدير.
وقد انصرف القمي - كباقي أفراد هذه المدرسة المحترمة - إلى العلم والتأليف
والتصنيف والترجمة والبحث والدرس والمقابلة وما إلى ذلك، قال زميله
الطهراني: (وكان دائم الاشتغال، شديد الولع في الكتابة والتدوين والبحث
والتنقيب لا يصرفه عن ذلك شئ، ولا يحول بينه وبين رغبته فيه واتجاهه إليه
حائل...) (2).
وقال نجله الشيخ علي محدث زادة ما تعريبه: (... وكان والدي دائم الاشتغال

(1) مقدمة المستدرك: ج 1، ص (ز).
(2) نقباء البشر: ج 3، ص 999.
62

بالكتابة، وحتى في حال مرضه فإنه كان يشتغل بالقراءة والكتابة في اليوم والليلة
سبعة عشرة ساعة على الأقل) (1).
ونقل عنه أيضا انه قال: ما تعريبه: (وكنت من أيام طفولتي مع المرحوم الوالد
وكنا إذا خرجنا خارج المدينة فإنه يستمر بالكتابة والمطالعة من أول الصبح إلى
العشاء) (2).
ونقل عنه أيضا انه كان له ولع شديد بالقراءة والكتابة لا يمل منهما ولا يتعب
حتى أنه إذا ذهب مع بعض أصحابه إلى بستان للاستجمام مثلا فإنه وبمجرد أن
ينتهي من الطعام مع أصحابه ينعزل بمكان هادئ جنب جدول ماء أو تحت شجرة
ويبدأ بالقراءة والكتابة.
ونقل عن بعض أصحابه انه كان يجلس معهم للطعام فإذا انتهوا وأرادوا أن
يتحدثوا قام عنهم مع قلمه وقرطاسه ويبدأ بالكتابة والمطالعة فحينما كانوا يطلبون
منه البقاء معهم ليتحدثوا معه ويستفيدوا منه فكان يجيبهم: إننا جميعا نذهب ولكن
هذه الأشياء تبقى.
ونقل عن كتاب (پندهائي از رفتار علماء اسلام): أن المرحوم الحاج الشيخ
عباس القمي صاحب كتاب مفاتيح الجنان سافر مع جماعة من التجار إلى سورية
وقد تحدث أولئك وقالوا: إننا كلما ذهبنا للنزهة فإنه يبقى مشتغلا بالقراءة والتأليف،
وكلما أصررنا عليه أن يأتي معنا فكان يمتنع شديدا، وكنا ننام في الليل ويبقى هو
يقرأ ويؤلف...) (3).
ومع أن الشيخ القمي (رحمه الله) كان قد ابتلى بمرض الربو (ضيق التنفس) وكان
يصعب عليه القيام والقعود أحيانا ولا يقدر أن يرفع الكتاب من الأرض.. ولكنه
كان يشتغل ليلا ونهارا ولا يدع للتعب مجالا أن يدخل إلى نفسه، وكان يبقى

(1) مقدمة كتاب (فيض العلام في عمل الشهور ووقائع الأيام) للقمي: ص 8.
(2) مردان علم در ميدان عمل: ج 1، ص 96.
(3) عن كتاب (پندهائي از رفتار علماي اسلام): ص 17.
63

في أكثر الليالي يقظا وقليلة تلك الليالي التي ينام فيها، وكانت من عادته أن
لا يضع شيئا تحت رأسه وانما يضع يده تحت رأسه وينام. وكانت قراءته من أجل
الكتابة والتأليف. وكان جيد الكتابة وسريعها، وقد كتب كثيرا حتى ثفنت أطراف
أصابعه التي يمسك بها القلم، ومن النادر أن لا يمسك القلم في ليلة ونهارها.
وقد وصل حبه وعلاقته بالكتاب بحيث انه بمجرد أن يحصل على مال قليل
يسرع بصرفه في شراء كتاب، وقد نقل عن الشيخ عباس القمي انه قال: (في
الزمان الذي كنت أدرس في قم كنت في ضائقة مالية شديدة حتى كنت أجمع
القران (1) مع القران إلى أن تصير ثلاثة تومانات مثلا فحينها اذهب من قم إلى طهران
مشيا على الأقدام (2) واشتري بتلك التومانات كتابا ثم ارجع إلى قم ماشيا أيضا
واستمر في دراستي) (3) وكان المحدث القمي يعشق الكتاب بشكل عام ويطرب له
ويرمق إليه بأريحية ومحبة، ولكنه كان ينظر إلى كتب الشيعة وبالخصوص كتب
الحديث نظرة قداسة كما سوف يأتي ذلك بمحله من هذه الرسالة.
مشاركته في تأسيس الحوزة العلمية في قم المقدسة:
تقدمت الإشارة عن رحلة آية الله العظمى المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم
الحائري إلى قم المقدسة وعزمه على تأسيس الحوزة العلمية في قم المقدسة
وإعادة مجدها، ودعا العلماء إلى هذه المدينة ليشاركوه مشروعه الإلهي الكبير
وقد أجابه مجموعة من العلماء الأعلام من مختلف الأقطار، وقد وجه الدعوة إلى
الشيخ عباس القمي فما كان أسرع من أن يجيبه على دعوته مع أنه كان قد شد
العزم وصمم على سكنى المشهد الرضوي إلى آخر عمره ولكنه فضل تحمل
المشاق ونكران الذات من أجل خدمة الاسلام العظيم فإنه عندما جد الجد، وعلم
أن واجبه الشرعي يحتم عليه الانتقال إلى مدينة قم المقدسة للمشاركة مع آية الله

(1) القران: أصغر عملة مالية في إيران، وكل عشرة قرانات تعادل تومانا واحدا.
(2) المسافة بين قم وطهران حوالي 145 كم.
(3) عن كتاب (شيخ عباس قمي مرد تقوى وفضيلت): ص 18.
64

الحائري ألغى عزمه الأول وجاء يبذل الجهد والوسع للقيام بالواجب المقدس.
وقد قال زميله الطهراني عن تصميم القمي الجديد: (ولما حل العلامة
المؤسس الشيخ عبد الكريم الحائري مدينة قم وطلب إليه علماؤها البقاء فيها
لتشييد حوزة علمية ومركز ديني وأجابهم إلى ذلك كان المترجم له من أعوانه
وأنصاره، فقد أسهم بقسط بالغ في ذلك وكان من أكبر المروجين للحائري
والمؤيدين لفكرته والعاملين معه باليد واللسان..) (1).
ومهما يكن دور القمي في بناء تلك الحوزة فان استجابته في تلك الأيام
الصعبة والحرجة تنم عن غيرته على الدين الحنيف وجهاده، فهو يشارك في
مشروع جديد لا يعلم مصير بقائه في المستقبل، ولم يحتوي على مغريات الدنيا
من الجاه والمال شيئا وانما الدافع الوحيد لدعمه ومؤازرته لصاحب المشروع هو
الحرص الأكيد لبذل كل شئ من أجل العقيدة المقدسة وتأسيس الحوزة التي
تحفظ الشرع المبين وتدافع عنه، ومجابهة الانحراف والكفر.
ولم يذكر المؤرخون سنة هجرة القمي إلى قم بعد تأسيس الحوزة العلمية،
ولكنه ذكر في رسالة له حول ترجمة نفسه بأنه هاجر إلى مشهد مولانا الامام
المعصوم أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وبقي هناك إلى تلك السنة وهي سنة 1346 ه‍ (2)
ولعل هجرته إلى قم كانت بعد هذا التاريخ، وأما مساندة الحائري في مشروعه
فلعله كان يدعمه وهو في مشهد المقدسة، أو يكرر سفره إلى قم خصوصا انه ذكر
في رسالته تلك بأنه قد تكرر منه السفر إلى العتبات العاليات في العراق (3)، فلعل
طريقه كان يمر من قم، ولعله كان يطيل المكث في موطنه الأصلي ويقوم بواجبه
بمساندة المؤسس.
وكيف ما كان فقد ذكر انه كان لسفر القمي إلى قم أثر كبير في هجرة كثير من

(1) نقباء البشر: ج 3، ص 1000.
(2) الرسالة مثبتة في كتاب آثار الحجة: ج 2، ص 134.
(3) آثار الحجة: ج 2، ص 134.
65

الطلاب من المدن الأخرى إلى قم خصوصا من مشهد والنجف الأشرف (1).
منهجه العلمي:
سبق ونبهنا إننا باستتباع كلمات تلاميذ الشيخ النوري، ومؤلفاتهم وسيرتهم
العلمية وجدناهم يشكلون منهجا واحدا، وإن كان الفضل الأكبر يعود إلى أستاذهم
خاتمة المحدثين.
وقد ذكرنا في بحث سابق (2) منهج الشيخ النوري العلمي بشكل مفصل،
ولا فائدة من تكرار الموضوع، ولكننا نعجل العناوين المهمة لاعطاء صورة عامة
عن منهج القمي العلمي الذي يشكل حلقة من حلقات هذه المدرسة العلمية المهمة
التي كان لها دور كبير وما زال.
1 - انصرافه الكلي للعلم والتأليف والتصنيف والترجمة والبحث والدرس
والمقابلة وما إلى ذلك كما تقدم في العنوان السابق. وقد كان يشتغل سبعة عشرة
ساعة في اليوم مع ما ابتلي به من مرض، وقد أخذ هذه الصفة من سيرة أستاذه
الذي نقلت عنه حكايات غريبة باهتمامه العلمي واقتنائه للكتب. وانتقل ذلك
العشق والحب إلى التلاميذ، فأي عشق ذلك للعلم والمعرفة توفر عند هؤلاء
العظماء الذين حفظوا المذهب من الضياع والانحراف، وأي معاناة لاقوها في
سبيل العلم والمعرفة.
وعلى الدهر - إذا أراد ان يكون منصفا، وأنى له ذلك - أن يخلدهم على
صفحات أيامه في أعلى مراتب الفخر والاعتزاز.
تجد أولئك العظماء يواصلون سيرهم في التعلم والتعليم لرفد الانسانية
بالعلوم الحقة المستقاة من آل محمد صلى الله عليهم أجمعين، إلى آخر ساعات
حياتهم في هذه الدنيا فيموت أحدهم وبيده القلم ويجاهد به ويناضل دونه، يقول

(1) محدث قمي حديث إخلاص: ص 58.
(2) في رسالة (حياة العلامة حسين النوري): ص 87 - 97، ط 1 سنة 1415 ه‍. ق - قم
المقدسة.
66

العلامة القمي في (فوائده الرضوية) عند عد مؤلفات أستاذه: (... تحية الزائر وبلغة
المجاور، وهي آخر مؤلفاته رضوان الله عليه، ولم يمهله الأجل حتى يتمها، ومن
الله تعالى علي باتمامها..) (1).
فما وقع القلم من يدي النوري إلى آخر ساعة من حياته في هذه الدنيا، فإذا
جاءت سكرة الموت بالحق، ولحق بالرفيق الأعلى، وكان في مقعد صدق عند
مليك مقتدر، أخذ القلم تلميذه الفذ الوفي المجاهد ليتم المسير، ويواصل المشوار
الذي بدأه أستاذه، فيتم أعمال أستاذه العلمية.
2 - حفظ تراث أهل البيت (عليهم السلام).
أ - فان لتقادم الزمن، وبعد التاريخ عن مصادر الشريعة المقدسة سبب اختفاء
وضياع كثير من تلك الآثار الشريفة خصوصا ما لحق اتباع هذه المدرسة الهادية
من المحن والخطوب والمصائب الكثيرة التي سجلها المؤرخون لتلك الفترات
الحرجة والمظلمة التي مر بها شيعة أهل البيت (عليهم السلام).
وقد بذل المتأخرون وسعهم لجمع ذلك التراث العظيم الذي يعد الثقل الثاني
كالعلامة المجلسي والفيض الكاشاني والسيد عبد الله شبر والحر العاملي والسيد
هاشم البحراني وغيرهم من العظماء.
وقد جاء دور النوري ومدرسته ليتمموا الحركة التي خطها أولئك الصالحون،
فخرجت تلك المؤلفات العظيمة كالمستدرك للأستاذ النوري وسفينة البحار للقمي
والذريعة، وطبقات أعلام الشيعة للطهراني.
ب - وقد تبنت هذه المدرسة الطريقة الأولى في أخذ الحديث بالتأكيد على
ضرورة الإجازة فيه بالطرق المتعارفة حتى للكتب المتواترة كالكتب الأربعة،
بينما تحول مبنى الفقهاء المتأخرين إلى عدم الاهتمام العلمي بهذه الطريقة
ولا يرون وجود ضرورة علمية للاستجازة من أصحاب الإجازات لتواتر تلك
الكتب فلا حاجة واقعية لأخذ الإجازة، ولا أثر للإجازة في جواز العمل بتلك

(1) الفوائد الرضوية: ص 151.
67

الكتب، واعتبروا الإجازة أمرا تشريفيا للبركة لا أثر له في النقل والرواية.
بينما أصر مؤسس هذه المدرسة على ضرورتها (1).
ولسنا هنا بصدد بيان الحق مع اي الرأيين، وانما نذكر هذا الاختلاف لنتبين
منهج العلامة القمي ورأيه في ذلك ليس إلا، ويعد رحمه الله تعالى من أعمدة
المدرسة الثانية، يقول ولده المرحوم الشيخ علي محدث زادة:
(كانت ولادة المرحوم ثقة المحدثين المحدث القمي في قم... وقد قضى
طفولته وشبابه في قم، وقد أكمل دراسته في العلوم الأدبية هناك طبق المتعارف
عليه في ذلك الزمان إلى أن سافر إلى النجف الأشرف في سن الثامنة عشرة من
عمره، وهناك كانت علاقته بشكل أكثر بالأحاديث المروية التي هي العلم
الموروث عن أهل بيت العصمة والطهارة.
وكان من المتعارف عليه عند العلماء والمفكرين الأوائل أن يسافروا في
طلب علم الحديث والاستفادة من مشايخه وأساتذته ويتحملون في سبيل ذلك
المشاق والمصاعب.
ولذلك فقد اختار الحضور عند خاتمة المحدثين وثقة الاسلام والمسلمين
الحاج الميرزا حسين النوري (رحمه الله)، وبقي مدة عند هذا العالم الكبير لكسب العلم
والاستفادة منه...) (2).
فهو من بداية تحصيله العلمي اختار طريق الحديث والرواية ولهذا لازم
النوري إلى أن لاقى النوري ربه.
وبدراسة دقيقة لمجموع ما تركه القمي من مؤلفات قيمة تظهر هذه الحقيقة،
وليس معنى ذلك أن المنهج العلمي للقمي هو المسلك الاخباري بالمعنى
الاصطلاحي المقابل للمنهج العلمي الأصولي، وانما الصحيح العكس فان مؤسس
المدرسة كان من شيوخ وأساتذة وكبار مجتهدي المنهج العلمي الأصولي ولكنه

(1) راجع تفصيل الكلام في حياة العلامة النوري - المؤلف: ص 93 - 97، ط 1.
(2) مقدمة تتمة المنتهى: ص 4.
68

اهتم بتراث أهل البيت (عليهم السلام) وبالحديث والرواية ولا تعارض بينهما.
وكذلك القمي فإنه تبع أستاذه بمنهجه الأصولي المهتم بالأخبار والحديث
والروايات، ولشدة تعلقه واهتمامه بالحديث صار اطلاق لقب (المحدث)
و (العلامة المحدث) منصرفا إليه.
قال المدرس عند وصفه للقمي ما ترجمته: (.. من أفاضل علماء عصرنا
الحاضر، وكان عالما فاضلا كاملا محدثا متتبعا ماهرا، وهو المقصود بعبارة
المؤلف في هذا الكتاب ب‍ (الفاضل المحدث المعاصر) (1).
مؤلفاته:
عندما ندرس آثاره التي تركها من المؤلفات القيمة والكتب المعتبرة الجليلة
نجدها تتميز بعدة أشياء:
1 - كثرة التأليف.
كما ستجد صدق هذه الدعوى من خلال هذا الفهرس الذي سنوافيك به عن
قريب إن شاء الله تعالى.
2 - جودة ومتانة وعمق التأليف.
فقد نقرأ في فهارس المؤلفين أن هناك من أكثر في التصنيف والكتابة، ولكن
بعد الاطلاع على ما كتبوه تذهب الفرحة سدى حيث نجد أن تلك المكتوبات لم
تتجاوز النقل - بمعنى النسخ - عن كتب الآخرين، وقد جمعت في كثير من
الأحيان بشكل غير علمي ومنهج غير سليم، بل تعكس جهل صاحبها وحبه بان
يذكر اسمه مع المؤلفين ليس إلا.
فالاكثار وحده غير كاشف عن علو شأن صاحب التأليفات وإنما لابد مع ذلك
أن يلازم الاكثار العمق والمتانة والجدة والافادة والتحقيق والتدقيق.
وهذا بالفعل ما نجده فيما كتبه العلامة القمي رضي الله تعالى عنه، ولذا صارت

(1) ريحانة الأدب: ج 4، ص 487.
69

مؤلفاته محط أنظار العلماء، ومرجعا علميا للمؤلفين والمصنفين
قال العلامة حرز الدين: (.. صاحب المؤلفات المفيدة... وقد حظي الشيخ
بمؤلفاته حيث نالت كل اعجاب وتقدير) (1)، وقد وفقه الله تعالى توفيقا منقطع
النظير في كتابه (مفاتيح الجنان) فقلما نجد بيتا من بيوت الشيعة في العالم يخلو
من كتابه النفيس (مفاتيح الجنان). وهذا توفيق إلهي حظي به هذا العالم الجليل.
فهرس مؤلفاته:
وإليك ثبتا بفهرس مؤلفاته:
1 - الأنوار البهية في تاريخ النبي وآله (عليهم السلام). مجلد واحد باللغة العربية، طبع
عدة مرات.
2 - الآيات البينات في أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الملاحم والغائبات (2).
وقد عده المؤلف في كتبه التي لم يتمها، وذكر أن نسخته مفقودة (3).
3 - بيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان. عربي، طبع مرتين.
4 - الباقيات الصالحات. في الأعمال والأدعية والأذكار والأوراد. طبع في
حاشية كتابه (المفاتيح) وطبع أخيرا مستقلا بطبعتين في بيروت.
5 - تحفة طوسية ونفحة قدسية (4). أو (رسالة مشهد نامة) فارسي مطبوع، وهو
مختصر في شرح بناء الحرم الرضوي على صاحبه السلام وذكر أبنية الأماكن
المتعلقة به مع عدة زيارات مهمة ومعتبرة (5).
6 - تتمة المنتهى في تاريخ الخلفاء، وهو المجلد الثالث من كتابه (منتهى
الآمال) بالفارسية، طبع عدة مرات بتصحيح نجله المرحوم الشيخ علي محدث
زادة.
7 - تحفة الأحباب في نوادر الأصحاب، في أحوال صحابة الرسول

(1) معارف الرجال: ج 1، ص 401.
(2 و 3) الفوائد الرضوية: ص 222.
(4) عد الشيخ الرازي في آثار الحجة: ج 2، ص 135 كتاب التحفة الطوسية مستقلا عن كتاب
النفحة القدسية.
(5) مقدمة بيت الأحزان: ص 13.
70

وأصحاب أئمة الهدى صلوات الله عليهم بترتيب الحروف الهجائي، مطبوع.
8 - ترجمة مصباح المتهجد للشيخ الطوسي إلى اللغة الفارسية، طبع في
حاشية المصباح.
9 - ترجمة جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس إلى اللغة الفارسية، طبع في
حاشيته.
10 - ترجمة المسلك الثاني من كتاب (الملهوف في قتلى الطفوف) للسيد ابن
طاووس - في حاشيته - طبع بخط المؤلف.
11 - ترجمة (زاد المعاد) للعلامة المجلسي إلى اللغة العربية وذكره المؤلف
في كتبه الناقصة التي لم يتمها حين كتابة ترجمته لنفسه في كتاب الفوائد
الرضوية (1).
12 - ترجمة تحفة الزائر للعلامة المجلسي إلى اللغة العربية وهو كصاحبه
المتقدم حيث لا ندري هل أن المؤلف أتم ترجمة هذين الكتابين أم لا؟
13 - تتميم تحية الزائر لأستاذه النوري وقد تقدم الحديث عنه.
14 - تتميم بداية الهداية وأصل الكتاب للشيخ الاجل المحدث الشيخ الحر
العاملي صاحب كتاب الوسائل.
15 - چهل حديث. بالفارسية. طبع عدة مرات.
16 - حكمة بالغة ومائة كلمة جامعة. شرح مائة كلمة من كلمات أمير
المؤمنين (عليه السلام).
17 - الدرة اليتيمة في تتمات الدرة الثمينة. شرح نصاب الصبيان، وهو تتميم
لشرح النصاب للفاضل اليزدي. مطبوع.
18 - الدر النظيم في لغات القرآن العظيم مطبوع.
19 - دوازده أدعية مأثورة. مطبوع بالفارسية.
20 - ذخيرة العقبى في مثالب أعداء الزهراء (عليها السلام). عده المؤلف في كتبه

(1) الصفحة: 222.
71

الناقصة (1).
21 - دستور العمل. مطبوع.
22 - ذخيرة الأبرار في منتخب أنيس التجار مطبوع.
23 - سبيل الرشاد في أصول الدين. مطبوع.
24 - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار. وهو فهرس لكتاب بحار الأنوار
لما يقصد منه على ترتيب حروف المعجم، وذكر في كل مادة الحديث الوارد في
تلك المادة إذا كان مختصرا وأشار إلى مضمونه وموضع الحاجة منه إذا لم يكن
مختصرا. ويذكره إذا كان فيه تحقيق لنفاسته، ويذكره أيضا إذا كان فيه مطلبا مهما
مقتصرا على لبه وخلاصته. وكتب مختصرا من تراجم مشاهير أصحاب النبي
وأئمة الدين صلوات الله عليهم أجمعين ونبذا من أحوال المعروفين من علماء
الفريقين وبعض الشعراء والأدباء المعروفين عند ذكر أساميهم وأنسابهم وألقابهم.
وهو من أعظم مؤلفاته وقد (قضى في تأليفه السنين الطوال) (2).
25 - شرح وجيزة الشيخ البهائي (رحمه الله). وهو في الدراية.
26 - شرح الكلمات القصار لأمير المؤمنين (عليه السلام) المذكورة في آخر نهج
البلاغة. ذكره في الكتب التامة ولم تطبع.
27 - شرح الصحيفة السجادية. ذكره المؤلف في كتبه الناقصة.
28 - شرح الأربعين حديث. ذكره المؤلف في كتبه الناقصة. وذكر أن نسخته
موجودة (3).

(1) الفوائد الرضوية: ص 222.
(2) نقباء البشر: ج 3، ص 1001.
وقال العلامة القمي في مقدمة كتابه سفينة البحار عند ذكر عزمه على تأليف هذا الكتاب
المنيف: (... فلما استقر على ذلك عزمي وتم جزمي اعتزلت عن مجالس الأخلاء والأحباب
وأقبلت على تأليف هذا الكتاب... الخ) ج 1، ص 3 / س 3 و 4.
وقال الشيخ الرازي في: ج 2، ص 135: انه الفه خلال 27 سنة.
(3) مقدمة بيت الأحزان: ص 15.
72

29 - صحائف النور في عمل الأيام والسنة والشهور. ذكره المؤلف في
كتبه الناقصة.
30 - ضيافة الاخوان. ذكره المؤلف في كتبه الناقصة.
31 - طبقات الرجال (1). عنونه المؤلف ب‍ (كتاب الطبقات) (2).
32 - طبقات الخلفاء وأصحاب الأئمة والعلماء والشعراء. وهو مطبوع مع
كتاب تتمة المنتهى. وهو باللغة الفارسية. واحتمل بعضهم أن الكتاب المتقدم تحت
عنوان (طبقات الرجال) (3) لكن العلامة الطهراني عد كتاب (طبقات العلماء، قرنا
قرنا لم يتم) (4)، لما يحتمل أن المقصود من الأول كتاب (طبقات العلماء) وهو غير
هذا الكتاب لاختلاف موضوعهما كما هو ظاهر.
33 - علم اليقين وهو مختصر كتاب حق اليقين للعلامة المجلسي. وهو باللغة
الفارسية.
34 - الغاية القصوى في ترجمة العروة الوثقى للسيد اليزدي من أول كتاب
الطهارة إلى أحكام الأموات ومن كتاب الصلاة إلى مبحث الستر والساتر.
وقد ترجمه من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية.
35 - الفوائد الرجبية فيما يتعلق بالشهور العربية، مشتمل على وقائع الأيام
وفيه جملة من اعمال الشهور، وذكر المؤلف (رحمه الله) أن هذا الكتاب أول تصانيفه، وقد
طبع بخط يده الشريفة (5).
36 - الفصول العلية في المناقب المرتضوية.
37 - الفوائد الرضوية في أحوال علماء المذهب الجعفرية. مطبوع عدة
طبعات.
38 - فيض العلام في وقائع الشهور وعمل الأيام. هكذا عنونه في كتابه

(1) مقدمة بيت الأحزان: ص 16.
(2) الفوائد الرضوية: ص 221.
(3) المصدر السابق: ص 16.
(4) نقباء البشر: ج 3، ص 1001.
(5) الفوائد الرضوية: ص 221.
73

(الفوائد الرضوية) (1)، وقد عنونه في مقدمة نفس الكتاب المطبوع بعنوان
(فيض العلام في عمل الشهور ووقائع الأيام) (2).
39 - فيض القدير فيما يتعلق بحديث الغدير. وهو مختصر لمجلدي غدير
عبقات الأنوار للسيد المحدث العالم المتكلم المحقق المدقق المؤيد المسدد محيي
السنة، وسيف الأمة، فخر الشيعة، وحامي الشريعة سيدنا الأجل، مولانا المير حامد
حسين الهندي أسكنه الله بحبوحة جناته وحشرنا تحت لوائه (3).
40 - الفوائد الطوسية. وهو (مجموعة شبيهة بالكشكول) (4). وعده في كتبه
التي لم يتمها (5).
41 - قرة الباصرة في تاريخ الحجج الطاهرة.
42 - الكنى والألقاب. وهو تراجم من عرف بالكنية أو اللقب باللغة العربية
وقد طبع مرارا في ثلاث مجلدات.
وقال العلامة المرحوم الشيخ محمد حرز الدين: (.. وكتاب الكنى والألقاب
في التراجم ترجم فيه علماء الفريقين بثلاثة أجزاء طبع في صيدا سنة 1358 وهو
كتاب متين جدا يعتمد عليه وهو أحسن مؤلفاته) (6).
44 - كلمات لطيفة.
45 - كحل البصر في سيرة سيد البشر. باللغة العربية. مطبوع مرارا.
46 - الكشكول. وهذا غير الكشكول المتقدم بعنوان (الفوائد الطوسية) وقد
ذكرهما المؤلف بعنوانين الأول في كتبه التي لم يتمها والثاني بكتبه التي أتمها.
47 - رسالة في (گناهان كبيرة وصغيرة) مطبوع باللغة الفارسية وهو في تعداد
الذنوب الكبيرة والذنوب الصغيرة.
48 - اللآلئ المنثورة في الاحراز والأذكار المأثورة. مطبوع.
49 - مختصر الأبواب في السنن والآداب، وهو مختصر حلية المتقين للعلامة

(1) الفوائد الرضوية ص 221.
(2) فيض العلام: ص 10.
(3 - 5) الفوائد الرضوية: ص 222.
(6) معارف الرجال: ج 1، ص 401.
74

المجلسي بالفارسية. مطبوع.
50 - مفاتيح الجنان في الأدعية والأوراد والأذكار والزيارات وأعمال
الأيام والشهور.
وقد ترجم إلى عدة لغات وطبع عشرات المرات.
51 - منازل الآخرة والمطالب الفاخرة، وهو هذا الكتاب.
52 - المقامات العلية. وهو مختصر (معراج السعادة) للمحقق الأوحد المولى
الشيخ أحمد النراقي بالفارسية وقد كتبه على نسق كتابة والده المولى الشيخ محمد
مهدي النراقي المسمى ب‍ (جامع السعادات) بالعربية المطبوع مرارا.
53 - منتهى الآمال في ذكر مصائب النبي والآل (عليهم السلام) وهو باللغة الفارسية
طبع مرارا.
54 - مقاليد الفلاح في عمل اليوم والليلة.
55 - مقلاد النجاح وهو مختصر للكتاب المتقدم.
56 - مختصر المجلد الحادي عشر من كتاب بحار الأنوار للعلامة
المجلسي. والمجلد الحادي عشر في الطبعة الحجرية يقابل المجلد (46 - 47 -
48) في أحوال (الإمام السجاد، والإمام الباقر، والإمام الصادق، والإمام الكاظم
) (عليهم السلام) جميعا.
57 - مختصر (الشمائل) للترمذي (1).
58 - مسلي الفؤاد بفقد الاخوة والأحباب. ذكره في قسم كتبه غير التامة.
59 - غاية المرام في تلخيص دار السلام، وهو مختصر دار السلام فيما يتعلق
بالرؤيا والمنام لأستاذه الشيخ النوري أعلى الله مقامه.
60 - نفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم (عليه السلام).
61 - نفثة المصدور فيما يتجدد به حزن العاشور.

(1) وهو مختصر (الشمائل المحمدية) للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى
سنة 279. باللغة العربية وقد طبع أخيرا.
75

قال المؤلف (رحمه الله) في مقدمته:
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فهذه وجيزة كتبناها لتلحق بكتابنا نفس المهموم في مقتل الحسين المظلوم
صلوات الله عليه، مشتملة على فصول وخاتمة سميتها " نفثة المصدور فيما
يتجدد به حزن يوم العاشور "، ومن الله تعالى الاستعانة، وعليه التوكل في كل
الأمور).
وقد عنونه البعض " نفس المهموم ونفثة المصدور " ويبدو انهما كتابان من
حيث التصنيف وان ألحق الثاني بالأول.
وهما باللغة العربية، وقد ترجما إلى اللغة الفارسية.
62 - نزهة النواظر في ترجمة معدن الجواهر. وهو تأليف الشيخ العالم الجليل
والثقة الفقيه أبو الفتوح محمد بن علي الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد والسيد
المرتضى رضوان الله عليهم أجمعين. وطبع عدة مرات.
63 - نقد الوسائل لباب وسائل (1).
64 - هدية الزائرين وبهجة الناظرين. وقد احتوى على زيارات الحجج
الطاهرين (عليهم السلام) والمقامات الشريفة وقبور العلماء التي في المشاهد المقدسة
وأعمال الشهور وأعمال الأسبوع وأعمال اليوم والليلة. مطبوع (2).
65 - هدية الأحباب في المعروفين بالكنى والألقاب والأنساب. بالفارسية
مطبوع عدة مرات.
66 - غاية المنى في المعروفين بالألقاب والكنى. هكذا عنونه المؤلف (رحمه الله) في
مقدمة كتابه (هدية الأحباب) وعده تحت الرقم (5) من كتبه غير المطبوعة، ولعله
الكتاب المتقدم تحت عنوان (الكنى والألقاب - مختصر صغير) والله تعالى أعلم.
وقد عنونه العلامة الطهراني (غاية المنى في ترجمة المعروفين بالألقاب والكنى

(1) هكذا عنونه المؤلف في الفوائد الرضوية: ص 222.
(2) الفوائد الرضوية: ص 221.
76

من أبناء العامة) (1).
67 - هداية الأنام إلى وقائع الأيام، مختصر كتاب (فيض العلام) الذي تقدم
ذكره في مؤلفاته.
68 - ترجمة اعتقادات العلامة المجلسي. وقد طبع أخيرا في العدد الخامس
من مجلة (كيهان أنديشه) (2).
وذكره المؤلف في كتابه الفوائد الرضوية أن له (غير ذلك من الرسائل
والمؤلفات المختصرة) (3).
وقال ولده في مقدمة فيض العلام: (... وقد بقيت منه آثار مفيدة جدا ونفيسة
وهي تصل إلى ما يقارب الأربعة والسبعين مجلد وأكثرها قد طبعت) (4).
ملامح شخصيته:
جوانب القدوة كثيرة في شخصية القمي وقد استشهد لها بقصص وقضايا
متعددة، ولا يضرها انها أحاديث وقائع جزئية، فالحدث الجزئي تكمن وراءه
الدوافع الحقيقية المحركة له والتي تعبر عن الملكة الجمالية المنعكسة بالصورة
الجميلة لتلك الحركة أو ذلك الموقف.
ولابد من التأكيد ان التاريخ لم ينصف العظماء في أغلب الأحيان، ولعل عدم
وجود متابعة لحركاتهم ومواقفهم يعد أحد الأسباب التي ساهمت في ذلك
الاجحاف، ولذلك فإننا ومهما تتبعنا في معرفة جوانب العظمة في أولئك فسوف
لا نحصل إلا على النزر القليل منها. وهذا ما حصل مع الشيخ القمي كما حصل مع
غيره من أولئك الاجلاء.
ولأننا نريد أن نعرف القدوة وجوانب العظمة في حياة القمي فإننا سوف نتابع
ما انتبه إليه الآخرون وذكره المؤرخون في كتبهم، ونقر بأنه فات أولئك وفاتنا

(1) نقباء البشر: ج 3، ص 1001.
(2) مقدمة منازل الآخرة لناشره بالفارسية الطبعة الأخيرة.
(3) صفحة 222.
(4) صفحة 8.
77

الشئ الكثير من تلك الصور الجمالية في حياته (1).
نكران الذات:
ومن تلك القضايا نقل ولده عن المرحوم سلطان الواعظين الشيرازي - مؤلف
كتاب (شبهاي پيشاور) - انه قال: في بداية انتشار كتاب مفاتيح الجنان، كنت في
سرداب الغيبة في سامراء وكان بيدي الكتاب أزور به فرأيت شيخا جالسا مشتغلا
بالذكر وكان يلبس قباءا من الكرباس وعلى رأسه عمامة صغيرة، فسألني الشيخ:
لمن هذا الكتاب؟
فأجبته: للمحدث القمي سماحة الشيخ عباس، ثم أخذت بمدحه.
فقال الشيخ: انه لا يستحق ذلك، فلا تتعب نفسك بمدحه.
فقلت: قم يا شيخ واخرج من هنا، ولا تتكلم بعد ذلك بمثل هذا الكلام.
وكان بجنبه أحد الأشخاص فغمزني بيده في خاصرتي وقال: تأدب، فان هذا
هو نفسه الشيخ القمي.
فقمت من مكاني وقبلته من وجهه واعتذرت منه وأصررت أن اقبل يده،
ولكنه امتنع وأخذ يدي بقوة وقبلها وقال: أنت سيد (2).
وعندما كان مقيما في المشهد الرضوي فإنه كان يرتقي المنبر في شهر رمضان
المبارك في مسجد گوهر شاد، فجاء الشيخ عباس التربتي وهو من العلماء الأبرار
والروحانيين الأتقياء من مدينته التي كان مقيما فيها وهي (تربة حيدرية) إلى
المشهد الرضوي ليستفيد في شهر رمضان المبارك من مواعظ الشيخ عباس القمي
التي يلقيها من على منبره ذلك، وكانت تربطه بالشيخ القمي علاقة صداقة قديمة،
فصادف في أحد الأيام ان وقع نظر الشيخ القمي وهو على المنبر فرأى الشيخ
عباس التربتي جالسا في زاوية من المجلس الذي كان مكتظا بالناس وهو يستمع

(1) لابد من التنبيه أن أكثر القضايا التي ترجمناها عن الكتب الفارسية قمنا باختصارها
وبتصرف لا يخل بمعنى القصة عموما لأسباب فنية.
(2) راجع كتاب (حاج شيخ عباس قمي مرد تقوى وفضيلت): ص 61 و 62.
78

إليه فقال عند ذلك: أيها الناس لقد شرف مجلسنا الحاج الأستاذ فاستفيدوا منه،
ومع اكتظاظ الناس ليستمعوا إليه فإنه نزل من المنبر وطلب من الآخوند الشيخ
عباس التربتي أن يرتقي المنبر في ذلك المجلس الضخم إلى آخر شهر رمضان
المبارك وبعد ذلك لم يصعد الشيخ القمي المنبر في ذلك الشهر الشريف (1).
عبادته:
كان متعلقا بصلاة الليل والتهجد وتلاوة القرآن وقراءة الأدعية والأوراد
والأذكار المأثورة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فكان ملتزما ببرنامجه العبادي
طول السنة حيث يقوم من النوم بساعة قبل طلوع الفجر فيبدأ بالعبادة والصلاة،
وكان مواظبا على قيام الليل والتهجد واستمر عليه إلى آخر عمره وكان يعتقد أن
أفضل عمل مستحب هو قيام الليل والتهجد.
ونقل عنه ابنه الكبير انه قال: اني أتذكر بأنه لم يفته القيام في آخر الليل حتى
في أسفاره (2).
وقال أحد أبنائه: انه وفي إحدى ليالي الجمعة في النجف الأشرف وبعد صلاة
الليل أخذ بقراءة سورة (يس) فعندما وصل إلى قوله تعالى: * (هذه جهنم التي كنتم
توعدون) * كررها مرارا وتغيرت أحواله وهو يقول مكررا (أعوذ بالله من النار)
بحيث لم يمكنه أن يتم قراءة بقية السورة، وبقي على ذلك الحال إلى أذان
الصبح (3).
وقد وصف بأنه كان في الحقيقة يعتقد ويعمل بكل ما كتبه في كتابه مفاتيح
الجنان من الأوراد والأذكار والأدعية والزيارات والأعمال وغيرها.
مراقبته لنفسه:
كان شديد المراقبة لحركاته وسكناته ويجهد أن لا يعمل عملا إلا طبق رواية

(1) راجع كتاب (حاج شيخ عباس قمي مرد تقوى وفضيلت): ص 61 و 62.
(2) فضيلت هاي فراموش شده (فارسي): ص 8.
(3) راجع المصدر السابق.
79

أو حديث شريف ورد عن المعصومين (عليهم السلام).
وكان يراقب نيته التي لا يطلع عليها أحد إلا الله عز وجل ويحاول جاهدا أن
يكون إخلاصه للحق تعالى في أعلى مراتب الاخلاص والانقطاع عن أحد غيره.
* وقد نقلت حادثة غريبة تصور حالة مراقبته لنفسه ونيته بشكل دقيق فقد
طلب منه جماعة من المؤمنين في مشهد المقدسة أن يصلي بهم صلاة الجماعة في
مسجد گوهر شاد، فبعد الالحاح لبى الطلب وابتدأ امامة الجماعة في إحدى
أواوين المسجد المتروكة، ثم أخذت الجماعة بالازدياد شيئا فشيئا، ولم تمض
عشرة أيام من اقامته الجماعة إلى أن كان في يوم من الأيام وبعد ان أتم صلاة
الظهر طلب من أحد الحاضرين أن يصلي صلاة العصر، ثم ذهب ولم يعد إلى امامة
صلاة الجماعة وعندما سئل عن السبب في انقطاعه قال: في الحقيقة اني كنت في
ركوع الركعة الرابعة فسمعت صوت أحد المصلين خلفي ينادي (يا الله يا الله، أن
الله مع الصابرين) وكان يجئ ذلك الصوت من مكان بعيد فجاء في ذهني كبر
الجماعة وضخامتها فصار في نفسي نوع ارتياح غير إرادي، وعليه فقد علمت
بأني لست أهلا لصلاة الجماعة.. (1).
* ونقل أيضا: طلب بعض الخيرين في أحد السنين من الشيخ القمي أن
يتحمل مصرف مجلس وعظ الشيخ وتعهد أن يدفع له مبلغا مقداره (50) دينارا
عراقيا وكان مصرف الشيخ آنذاك ثلاثة دنانير للشهر الواحد.
فقال الشيخ القمي: اني ارتقي المنبر لأجل الإمام الحسين (عليه السلام) وليس
لشئ آخر.
ولذلك فإنه لم يقبل منه شيئا.. (2).
* ونقل عنه ابنه انه قال له مرة عندما الفت وطبعت منازل الآخرة في قم
فقد وقع الكتاب بيد الشيخ عبد الرزاق مسألة گو وكان كل يوم يشرح
مسألة من المسائل الشرعية قبل صلاة الظهر في الحرم المطهر للسيدة

(1) محدث قمي: ص 53.
(2) محدث قمي: ص 54.
80

المعصومة سلام الله عليها.
وكان والدي المرحوم الكربلائي (1) محمد رضا من المتأثرين به، وكان الشيخ
عبد الرزاق يأخذ كتاب منازل الآخرة في النهار ويقرأ فيه لمستمعيه.
وفي أحد الأيام جاء والدي إلى البيت وقال: يا شيخ عباس ليتك تصير
مثل الشيخ (مسألة گو) ويمكنك أن ترتقي المنبر وتقرأ في هذا الكتاب الذي قرأ
لنا منه.
فأردت ولعدة مرات أن أقول له ان هذا الكتاب من مؤلفاتي، ولكني امتنعت
كل مرة ولم أتكلم بشئ، إلا اني قلت له: ادعو الله تعالى أن يوفقني (2).
تقديسه لكتب الأخبار:
ذكر طيب الله رمسه في كتابه الفوائد الرضوية عندما تحدث عن أحوال السيد
نعمة الله الجزائري قال: (انه لكثرة مطالعته وكتابته أصاب عينه ضعف واستشفى
بتربة قبر سيد الشهداء (عليه السلام) وتراب مراقد أئمة العراق (عليهم السلام)، وكان يكتحل بذلك
التراب فعوفي ببركة ذلك التراب الطيب..). ودفعا للاستغراب ذكر قضية الحية
واستشفائها ببعض النباتات البرية، فلا عجب أن يجعل الله تعالى الشفاء من جميع
الأمراض في تربة ابن نبيه (صلى الله عليه وآله)، ثم نقل تجربته، فقال ما تعريبه: (وإذا أصاب عيني
ضعف نتيجة كثرة الكتابة فاني أتبرك بتراب مراقد الأئمة (عليهم السلام) وأحيانا أتبرك
بمس كتابة الأحاديث والأخبار ولذلك فعيني سليمة بذلك ولله الحمد ورجائي أن
تكون عيني سليمة في الدنيا والآخرة ببركاتهم إن شاء الله تعالى (3).
ونقل عن ولده الشيخ محدث زاده انه قال:
(لا أنسى عندما كنا في النجف الأشرف انه استيقظ من نومه صباح أحد الأيام
- في حدود سنة 1357 ه‍ يعني بسنتين قبل وفاته - وقال: إن عيني تؤلمني في هذا

(1) الكربلائي: لقب مستخدم في إيران يطلق على من وفق لزيارة كربلاء المقدسة. مقابل
(مشهدي) لمن وفق لزيارة مشهد المقدسة.
(2) محدث قمي: ص 55 - 56.
(3) الفوائد الرضوية: ص 695.
81

اليوم كثيرا، ولا أقدر على المطالعة والكتابة.
وكان متألما جدا ولسان حاله يقول: لعل أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) قد طردوني من
بابهم. وكان من عادته أن يقول ذلك أحيانا بتأثر ويبكي).
وأضاف الشيخ محدث زاده:
(وكنت في ذلك الوقت مشغولا بالدراسة، فذهبت إلى المدرسة وعندما
رجعت في الظهر إلى البيت رأيته مشغولا بالكتابة، فقلت له: هل تحسنت عينك؟
فقال: قد ذهب الوجع كله.
فسألته: وكيف عالجتها؟
فأجاب: توضأت وجلست قبال القبلة وأخذت كتاب الكافي وفتحته على
عيني، فزال الوجع من عيني.
وبعد ذلك فان عينه لم تؤلمه إلى آخر عمره).
* وكان كتاب الكافي هذا الذي نشره على عينه مخطوطا بخط الفقيه
المشهور الملا عبد الله التوني صاحب كتاب (الوافية) وكان المحدث القمي معتزا
به كثيرا.
* وعندما كان مقيما في المشهد الرضوي مرض ولده الصغير فأحضر له دواءا
شعبيا وضع فيه قليلا من السكر وجئ به ليشربه وحينئذ وضع المحدث القمي
إصبعا من يده اليمنى في ذلك الشراب وحركه في داخل الاناء. فقالت له زوجته:
انتظر حتى آتيك بملعقة.
فأجابها الشيخ: كان قصدي من ذلك الاستشفاء، لأني بهذه اليد كتبت آلافا
من أحاديث الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) (1).
ونقل عنه: انه كان لا يأخذ كتب الحديث ولا يمسها إلا على طهارة ووضوء،
وإذا أراد أن يقرأ في كتب الأحاديث فإنه يجلس على ركبتيه متأدبا ويتوجه إلى
القبلة ثم يبدأ بالمطالعة.

(1) راجع (شيخ عباس قمي مرد تقوى وفضيلت): ص 56.
82

احتياطه بالرواية:
كان غالبا يأخذ الكتاب معه عندما يرتقي المنبر ليقرأ منه على المستمعين
الحديث الذي يريد أن ينقله لهم، أو يقرأ التعزية (1).
وقد نقل عن بعض علماء طهران انه قال: حضرت تحت منبر الشيخ عباس في
بعض أيام شهر رمضان بمشهد فقال ذات يوم خلال حديثه: اني رأيت في المنام
كأني آتي بالمفطر في شهر رمضان وفسرته باني قد اشتبه في نقل الحديث فأزيد
وانقص غفلة، ولذلك اصطحبت الكتاب معي في هذا اليوم لأقرأ فيه (2).
فمع اطلاعه الواسع ومعرفته بتاريخ النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) لكنه
ولشدة احتياطه يقرأ الأحاديث والتعزية في الكتاب.
احترامه لأسماء المعصومين (عليهم السلام):
وقيل إنه كان لا يذكر اسم النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد المعصومين (عليهم السلام) إلا وهو على
طهر ووضوء ويعتبر أن ذكر أسمائهم بغير طهارة ووضوء من سوء الأدب، ويعتبر
الاكتفاء بوضع علامة (ص) بعد اسم النبي (صلى الله عليه وآله)، أو (ع) بعد اسم أحد
المعصومين (عليهم السلام) نوع حرمان من السعادة الإلهية.
قال في منتهى الآمال عند ذكره أحوال الإمام الصادق (عليه السلام)، فنقل عن الشيخ
الصدوق عن مالك بن انس - مؤسس المذهب المالكي أحد المذاهب الأربعة -
في وصفه للإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: (فإذا قال - أي الإمام الصادق (عليه السلام) - قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخضر مرة واصفر أخرى حتى ينكره من يعرفه...) وعقب الشيخ
القمي على الخبر بما تعريبه: (تأمل جيدا في حال الإمام الصادق (عليه السلام) وتعظيمه
واجلاله لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يتغير حاله عند نقله الحديث عنه (صلى الله عليه وآله) وذكره اسمه
الشريف (صلى الله عليه وآله) مع أنه ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقطعة من بدنه، فتعلم ذلك واذكر اسم

(1) مردان علم در ميدان عمل: ص 97.
(2) راجع (شيخ عباس قمي مرد تقوى وفضيلت).
83

الرسول (صلى الله عليه وآله) بغاية التجليل والاحترام وصلي عليه بعد ذكر اسمه المبارك، وإذا
كتبت اسمه الشريف في مكان فاكتب الصلوات بشكلها الحروفي ولا تكتفي
بالرمز والإشارة فتكون كبعض المحرومين من الرحمة الذين يكتفون برمز (ص)
أو (صلعم) ونحو ذلك. بل لا تذكر اسمه المبارك (صلى الله عليه وآله) ولا تكتبه إذا لم تكن على
وضوء وطهارة، ومع ذلك كله اطلب العذر منه (صلى الله عليه وآله) لأنك قصرت بأداء
حقه (صلى الله عليه وآله) (1).
حبه لأهل البيت (عليهم السلام):
والحب لهم صلوات الله عليهم أجمعين علامة الايمان وطهارة المولد، وكان
القمي كباقي الصالحين من عشاقهم (عليهم السلام) وممن يحيي أمرهم، ويعتبر التوسل بهم
الوسيلة التي تقربه إلى الله عز وجل وبهم تقضى له حاجاته.
ونقل عن القمي انه كان كثير البكاء في مجالس مصائبهم (عليهم السلام) وتجد ذلك
واضحا فيما ألفه من الكتب النفيسة التي تعكس علاقته وتعلقه بهم (عليهم السلام).
احترامه للذرية الطاهرة:
كان يعظم السادة من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) ويحترمهم أشد الاحترام، فقد نقل عنه
انه كان يتأدب أمام أي سيد من السادة ويقدمه على نفسه حتى لو كان طفلا بحيث
لم ير المحدث القمي يوما قد بسط رجليه أمام سيد سواءا كان جالسا في غرفة أو
بيت أو ساحة (2).
والقصة المتقدمة عن سلطان الواعظين الشيرازي تؤيد هذه الحقيقة (3).
* وذكر أيضا: قبل وفاته بساعات جئ له بعصير تفاح ليشرب، وكانت في
منزله طفلة علوية من السادة، فقال المحدث: أعطوا العصير للطفلة العلوية لتشرب
أولا وبعد ذلك آتوني بالباقي.

(1) منتهى الآمال: ج 2، ص 138 - 139.
(2) محدث قمي: ص 43.
(3) تقدمت القصة في ص 78.
84

وقد فعل من حوله ذلك فاعطوه للطفلة العلوية فشربت منه مقدارا ثم جاؤوا
بالباقي فشربه المحدث، وقال اني قصدت من وراء ذلك الاستشفاء (1).
وقد جاءت في الرويات الكثيرة عن أهل بيت العصمة والطهارة لزوم احترام
الذرية الطاهرة، منها:
روى الصدوق باسناده عن دعبل الخزاعي عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه
عن علي (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم
لذريتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند
اضطرارهم، والمحب لهم بقلبه ولسانه " (2).
وروى الطوسي بأماليه بإسناده عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) عن
فاطمة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما رجل
صنع إلى رجل من ولدي صنيعة فلم يكافئه عليها فأنا المكافئ له عليها " (3).
وفي صحيفة الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: " قال علي بن أبي
طالب (عليه السلام) من اصطنع صنيعة إلى واحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها في
الدنيا، فأنا أجازيه غدا إذا لقيني يوم القيامة " (4).
وروى الشيخ المفيد في أماليه بإسناده عن محمد بن الحنفية قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف حقنا " (5).
خطابته ووعظه:
الوعظ والخطابة والارشاد من المهمات الكبيرة التي قام بها الأنبياء

(1) عن (حاج شيخ عباس قمي مرد تقوى وفضيلت) ص 64.
(2) عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 253 - 254، ونقله عنه في البحار: ج 96، ص 220، ح 10.
(3) الأمالي للطوسي: ج 1، ص 365، وعنه في البحار ج 96، ص 225، ح 23.
(4) الصحيفة المنسوبة للإمام الرضا (عليه السلام): ص 2. عيون أخبار الرضا للصدوق: ج 1، ص 259،
ونقله في البحار: ج 96، ص 231، ح 231.
(5) الأمالي للمفيد: ص 17 - 18، طبعة النجف. ونقله في البحار: ج 96، ص 231.
85

والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين، ولكن لظروف لم تعرف أصولها، تقلصت
هذه المهمات من مساحة التبليغ واعتبرت ضمن أعراف حوزوية معينة بأنها مهنة
أناس يحترفونها، ولابد للأجلاء من العلماء أن يتنزهوا عنها لأنها لا تليق وشأنهم،
وقد أخذت هذه الأفكار غير الصائبة تنزوي وتزول خصوصا بعد انتصار الثورة
الاسلامية المباركة حينما تصدى للخطابة والوعظ كبار العلماء والمجتهدين وعلى
رأسهم إمام الأمة (قدس الله روحه الطاهرة).
ونجد إيمان القمي وتقواه وحبه لهداية المؤمنين قد تصدى لهذه المهمة
الكبيرة من موقع الوظيفة الشرعية بدون أن يحترفها (1)، وقد سار أثر خطى أستاذه
النوري (رحمه الله).
وكانت لمواعظه أثرها الكبير في النفوس لأنه كان يتحدث بما يعتقد به وبما
عمل به قبل أن يتحدث عنه (2).
وقد روى الطوسي في أماليه بالإسناد عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: (من
تعلم لله عز وجل وعمل لله وعلم لله، دعي في ملكوت السماوات عظيما، وقيل
تعلم لله، وعلم لله) (3).
وروى البرقي بإسناده عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: في ضمن رواية: " أشد
الناس حسرة يوم القيامة الذين وصفوا العدل ثم خالفوه " (4).
وقد نقل عن بعض حضار مجلسه انه قال: لقد كان كلام الشيخ القمي يجعل
الانسان بعيدا وممتنعا عن السيئات والأعمال والذنوب لمدة أسبوع على الأقل،
ويكون متوجها إلى الله تعالى والى العبادة (5).

(1) وكشاهد على ذلك القصة التي تقدمت في ص 80.
(2) محدث قمي: ص 57.
(3) الأمالي للطوسي: ج 1، ص 170، المجلس 6، ح 32.
(4) المحاسن للبرقي: ص 120، (كتاب عقاب الأعمال)، باب 64، ح 1.
(5) مردان علم در ميدان عمل: ص 97.
86

* ونقل عن بعض علماء النجف: كانت طريقة الشيخ عباس عندما يرتقي
المنبر ويبدأ حديثه ينقل في البداية الخبر ثم يذكر سند الحديث ورجال السند ثم
يتحدث عن حياتهم وحالهم في الوثاقة وغيره، فإذا وصل به الحديث إلى
المعصوم (عليه السلام) فإنه يتغير ويتخيل السامع انه يرى المعصوم (عليه السلام) رأي العين.
* ونقل عن أحد كبار علماء مشهد في وقته آغا بزرگ الحكيم انه كان يحب
اثنين من العلماء أكثر من غيرهم أحدهما آية الله السيد حسين القمي والآخر
الشيخ عباس القمي وكان يقول: من يريد أن يستنير بكلام أهل البيت (عليهم السلام)
فليحضر منبر الشيخ عباس.
* ونقل عن أحد العلماء انه كان للمرحوم (بلور فروش) القمي مجلس عزاء
سنوي في أيام الفاطمية الأولى في البيت الذي سكنه آية الله البروجردي 16 سنة،
وكان لا يدعو للخطابة غير الشيخ عباس القمي، وكان المجلس يعد أحسن مجلس
في قم المقدسة يحضره جميع الطبقات وبالخصوص العلماء، وكان الناس ينتظرون
أيام الفاطمية ليحظوا بمجلس الشيخ القمي.
* وقد أدخل المؤسس آية الله الشيخ الحائري (رحمه الله) في إيران احياء مصائب
سيدة نساء العالمين (عليها السلام) في الفاطمية الثانية وكان يحضر للمنبر الشيخ عباس
القمي وكان المجلس يكتظ بالعلماء والفضلاء وطلبة العلوم الدينية وسائر الناس.
وكان المرحوم الهسته اي الأصفهاني يخطب أولا فإذا أتم مجلسه ارتقى
المنبر الشيخ القمي بعده ولشدة تعلق الناس بالشيخ القمي فإنهم كانوا يبقون في
المجلس يستمعون باصغاء كامل إلى حديث الشيخ القمي دون أن يتفرقوا.
* وكان يرتقي المنبر في النجف الأشرف في (مسجد الهندي) المعروف
صباح كل يوم من العشرة الأولى لمحرم، وكان مجلسه يزدحم بالناس أكثر من
جميع مجالس النجف مع أنه كان يتحدث لمدة لا تقل عن ساعتين.
وكان في يوم العاشر لا يقرأ إلا المقتل ولا يتحدث إلا عن مصيبة
سيد الشهداء (عليه السلام) ومظلوميته. وكان يضج المجلس بالبكاء ويبكي العلماء
87

والفضلاء بكاءا شديدا.
* ووصف نجله الشيخ محدث زاده مجلسه ووعظه ما تعريبه ملخصا: وكان
الناس في أوقات فراغه، وبالخصوص في أيام إقامة العزاء يستفيدون منه
بمواعظه الطيبة، وخطبه النافعة. والحق فان لخطاباته آثارا خاصة وذات جذابية
تكسب إليها كل القلوب) (1) فقد كان واعظا متعظا يرقى المنبر، ويلقي على سامعيه
الأحاديث المنقولة عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) مع تحفظ على ضبطها ودقة في
قراءة ألفاظها.
ويعظ الناس ودموعه منهمرة تسيل على لحيته الكريمة، وربما منعته من
الاستمرار في حديثه، وخاصة عند ذكر مصائب المعصومين (عليهم السلام)، وما ورد عليهم
من الآلام والفجائع على أيدي أعدائهم وغاصبي حقوقهم) (2).
تقواه وزهده وتواضعه:
قال زميله الطهراني: (كنا نسكن غرفة واحدة في بعض مدارس النجف،
ونعيش سوية، ونتعاون على قضاء لوازمنا وحاجاتنا الضرورية حتى تهيئة الطعام،
وبقينا على ذلك بعد وفاة شيخنا... وقد عرفته خلال ذلك جيدا، فرأيته مثال
الانسان الكامل ومصداق رجل العلم الفاضل.
وكان يتحلى بصفات تحببه إلى عارفيه، فهو حسن الأخلاق جم التواضع،
سليم الذات، شريف النفس، يضم إلى غزارة الفضل تقى شديدا، والى الورع زهدا
بالغا، وقد أنست بصحبته مدة وامتزجت روحي بروحه زمنا..) (3).
وقال الشيخ حرز الدين (رحمه الله) في وصفه: (... عالم كامل ثقة عدل متتبع، بحاثة
عصره، أمين، مهذب، زاهد، عابد، صاحب المؤلفات المفيدة..) (4).
وقال نجله الشيخ محدث زادة: (وكان بأخلاقه وزهده وتقواه وطهارته -

(1) مقدمة منتهى الآمال: ص 5.
(2) مقدمة نفس المهموم للحسيني: ص 6.
(3) نقباء البشر: ج 3، ص 999.
(4) معارف الرجال: ج 1، ص 401.
88

وبدون مبالغة - مرشدا وداعيا للمجتمع، بل يمكن أن يقال انه كان نموذجا
للصالحين والعظماء في عصره..) (1).
* وقد تحدث الكثير عن زهده فقالوا: انه كان يلبس ملابسا بسيطة فكانت
ملابسه عبارة عن قباء كرباس نظيف جدا ومطيب، ومر عليه الشتاء والصيف عدة
مرات وهو لابس ذلك القباء الكرباسي، فلم يكن ابدا يفكر في الملابس
والكماليات.
* وكان فراش بيته من البسط العادية التي تسمى ب‍ (گليم).
* وكان لا يصرف على نفسه من (سهم الإمام (عليه السلام))، وكان يقول اني لا
استحقه.
* وكان محتاطا في طعامه أيضا، فمع انه كان مبتلى بمرض الربو (ضيق
التنفس)، ولم يكن ينسجم مع صحته أي طعام وانما لابد وأن لا يكون فيه ضرر
على صحته، ومع ذلك كله فإنه كان لا يهتم إلى نوع الغذاء وكميته، وكان يأكل أي
طعام قدم له، وبأي مقدار ممكن.
* وفي مرة من المرات عندما كان الشيخ في النجف الأشرف قدمت له
امرأتان كانتا تسكنان في مدينة (بمبي) ومن أقرباء (آقا كوچك) من وجهاء
النجف الأشرف، والتمستا منه أن يتقبل منهما في كل شهر (75) روپية ليدفعه
مقدارا في معيشته. وكان مصرف عائلته شهريا لا يتجاوز (50) روپية.
ولكن الشيخ امتنع عن قبول هذا المبلغ، فأصر الميرزا محسن محدث زاده -
ولده الصغير - أن يقبل ذلك المبلغ، ولكنه لم يستجب إلى أن يئست المرأتان
وخرجتا، فحينما ذهبتا قال الولد للوالد: انني سوف لا اقترض من السوق شيئا
لمصرف البيت فيما بعد.
فقال الحاج الشيخ عباس: اسكت. فاني لا أدري بماذا أجيب الله تعالى

(1) تتمة المنتهى: ص 5.
89

وصاحب الزمان (سلام الله عليه) يوم القيامة عن هذا المقدار الذي اصرفه فكيف
تريدني أن أثقل حملي أكثر من هذا؟
* وكان أحد الأشخاص من تجار طهران يقدم له مبلغا متواضعا من المال إلى
آخر عمره، وكان هو يقتصد جدا بمعيشته. وقد جاءه في أواخر عمره شخص من
همدان إلى النجف الأشرف والتقى به في بيته، وفي أثناء الحديث سأله عن وضعه
الداخلي، فأجابه الشيخ بكل ما هو موجود. فحينما أراد ذلك الشخص أن يخرج
قدم له مبلغا من المال، ولكن المحدث القمي لم يتقبله، ومع شدة إصراره فإنه لم
يقبله منه.
فعندما ذهب سأله ابنه الكبير: يا أبتي، لماذا لم تقبله؟
فأجاب: أن رقبتي رقيقة وبدني ضعيف، فلا طاقة لي يوم القيامة على
الجواب، ثم نقل لهم قصة أمير المؤمنين (عليه السلام) في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان،
وبكى ثم أخذ بوعظ أهل بيته.
تواضعه:
فكان كثير التواضع للآخرين كبارا وصغارا في البيت أو في المدرسة، وكان
يظهر الاحترام والأدب لكل من يلاقيه في الطريق سواء كان من العلماء أو من
غيرهم خصوصا إذا كان من حملة الحديث وأخبار أهل البيت (عليهم السلام)، وكان يعد
نفسه صغيرا أمامهم. وكان إذا دخل مجلسا لا يجلس في صدر المجلس أبدا، ولا
يقدم نفسه على الآخرين. وكان يحذر جدا من الزهو والاعتداد بالنفس، أو
يأخذه الغرور.
حلاوة معشره:
ولا يتوقع من القضايا السابقة التي نقلت عنه (رحمه الله) انه كان فظا مع الآخرين
ضعيف العاطفة، بل بالعكس فان أولئك الذين صاحبوه ونقلوا عنه تلك القضايا
الجميلة لم ينسوا ذكر فضيلته الأخرى بعلاقته مع الآخرين فقد وصفوه بأنه كان
90

حلو اللسان طيب الحديث، لم يمنعه أنسه بالكتاب من أن يظهر المحبة للآخرين،
بل كان حتى في سفره منشرح الوجه مبتسم الثغر مع رفقائه مع قليل من المزاح
واللطافة. بل كان يهتم في سفره برفقاء طريقه ويتلطف معهم أكثر من المعتاد.
فكان أصحابه يحبونه كثيرا لحسن خلقه وسلوكه وتعامله إضافة إلى تقواه
وزهده وغير ذلك من الصفات الجميلة التي اجتمعت في شخصيته (1).
قالوا فيه:
* قال السيد الأمين: (عالم فاضل صالح محدث واعظ عابد زاهد) (2).
* وقال العلامة الطهراني: (وقد عرفته خلال ذلك جيدا فرأيته مثال الانسان
الكامل، ومصداق رجل العلم الفاضل، وكان يتحلى بصفات تحببه إلى عارفيه فهو
حسن الأخلاق، جم التواضع، سليم الذات، شريف النفس، يضم إلى غزارة الفضل
تقى شديدا، والى الورع زهدا بالغا...
وكان دائم الاشتغال، شديد الولع في الكتابة والتدوين والبحث والتنقيب
لا يصرفه عن ذلك شئ ولا يحول بينه وبين رغبته فيه واتجاهه إليه حائل...) (3).
* وقال خير الدين الزرگلي: (باحث إمامي، من العلماء بالتراجم والتاريخ،
مولده ووفاته بالنجف عاش مدة طويلة في طهران...) (4).
* وقال المدرس: (من أفاضل علماء عصرنا الحاضر، عالم فاضل كامل،
محدث، متتبع، ماهر، وهو مقصود المؤلف من (الفاضل المحدث المعاصر) في هذا
الكتاب) (5).
* وقال الأميني: (وهو من نوابغ الحديث والتأليف في القرن الحاضر،
وأياديه المشكورة على الأمة لا تخفى) (6).

(1) المصدر السابق.
(2) أعيان الشيعة: ج 7، ص 425.
(3) نقباء البشر: ج 3، ص 999.
(4) الاعلام: ج 3، ص 265.
(5) ريحانة الأدب: ج 4، ص 487 - 488.
(6) الغدير: ج 1، ص 157.
91

دوره في محاربة مؤامرة رفض الدين:
سبق وأن أشرنا إلى أن العصر الذي عاش فيه الشيخ القمي من أشد العصور
الحرجة التي مرت بها أمتنا الاسلامية، فقد اتحد الشرق والغرب العلماني
والمسيحي على قلع الجذور الدينية الاسلامية من بلاد المسلمين بعدما ظهر
الضعف في الأنظمة التي حكمت البلاد الاسلامية وبالخصوص الدولة العثمانية
والدولة القاجارية.
ولا يسع المقام في هذا المقال شرح كل خيوط المؤامرة الاستكبارية
وسبب انحطاط المسلمين وانهيار قوتهم وظهور العجز الكبير في وجودهم
السياسي وغيره.
ولكننا لابد وأن نثبت هنا حقيقة مهمة وهي أن الاستعمار الشرقي والغربي
استطاع أن يصرف الكثير من المسلمين عن الأسباب الحقيقية للانهيار، وخداعهم
بأن السبب الرئيسي هو نفس الدين الذي يعتنقونه.
وقد موهوا عليهم بأن أوربا لم تستطع أن تحصل على النهضة السياسية
والاقتصادية والفكرية إلا بعد التخلص من هيمنة الكنيسة وعزل الدين عن
السياسة، وابعاد (رجال الدين) عن مقدرات الأمة وتضييق دائرة حركتهم
السياسية والاجتماعية. ولذلك فعلى الأمة الاسلامية إذا أرادت أن تتخلص من
الانهيار الحضاري الذي اعتراها بالعصر الحاضر فعليها أن تخطو نفس الخطوات
التي سلكتها الدول الصناعية الكبرى برفض الدين والتحجير على رجاله وتضييق
دائرة حركتهم واطلاق الحريات للجميع يمارسونها كيفما يشاؤوا.
وبالواقع فان أولئك الذين خططوا للقضاء على الأمة الاسلامية كانوا يعون
ما يقولون ويتحركون ضمن خطط دقيقة مسبقة، وكانوا يحسون أن نقطة الخطر
أمام الاستعمار تكمن في شخصية الانسان المسلم، وما لم يتمكن الغرب والشرق
من مسخ شخصية الانسان المسلم وابدالها بشخصية غريبة عن تاريخ الأمة
وتقاليدها، فإنهم لا يستطيعون أن ينفذوا شيئا من خيوط المؤامرة، وخصوصا
92

فإنهم يريدون منها أن تكون قاضية وتستمر إلى آخر الدنيا بدون امل لنهضة العالم
الاسلامي مرة أخرى، فإنهم يحسبونه المارد الذي حطم كبرياءهم في يوم سابق
من أيام التاريخ.
وكانت بداية التجربة في تركيا واستطاعوا أن ينجحوا المؤامرة هناك لأسباب
متعددة لسنا الآن بصدد بيانها.
والمحطة الثانية للمخطط كانت إيران، وأملوا من قزمهم المدعو ب‍ (رضا
پهلوي) أن يقوم نيابة عنهم بتنفيذ المخطط التآمري.
وكان شديدا جدا بالتنفيذ وعنيفا بما لا يتصور، خصوصا انه قد علم بأن
العائق أمام نجاح أعماله يتمثل بقوتين أولاهما النظرية والأخرى التطبيق، فأما
التطبيق فقوة العلماء الشيعة والحوزات العلمية، فعليه إذا أراد أن ينتصر بمعركته،
فعليه أن يكسر عدة أبراج مهمة في واقع الأمة، أولها الموقع القيادي للعلماء
وهيبتهم في نفوس الأمة وطاعة الناس لهم، وقد قسموا هذا الوجود إلى قسمين:
أولهما بما يتعلق بهيئة العلماء فإنه نفذ المؤامرة في خلال الاعتداء شخصيا على
العلماء بمحاربة الحوزات العلمية ومنع لبس الزي العلمائي ومنع النشاط العلمائي
كإقامة مجالس العزاء والوعظ والارشاد الديني، إضافة إلى عدم احترامهم
والتجاسر على المجتهدين وقتل بعضهم ونفي البعض الآخر وما إلى ذلك من
الأعمال الإجرامية.
وأما القسم الثاني فيتم بابعاد الناس عن الدين والتدين وقد نفذ المؤامرة بعدة
أنشطة إجرامية أحدها منع الحجاب والسفور الإلزامي، والمدارس المختلطة،
ونشر أماكن الدعارة والخمور والتشجيع على الفحشاء، ونشر موضة اللادينية
بكل أبعادها، وهو المخطط الثاني المتعلق بالخطة النظرية للقضاء على الدين.
وأهم أسلوب انحرافي استخدمه الاستعمار من خلال عملائه المرتبطين
بالشرق والغرب (1) اعتبار الدين لا ينسجم مع تطورات العصر ورقيه وانما كان

(1) إن الفرق بين العميل الشرقي والغربي الدوافع التي تكمن وراء ارتباط العميل فان الدوافع التي تحرك العميل الغربي بالغرب انما هي دوافع مادية أكثر منها فكرية ونقصد
بالمادية الأعم من الارتباط العضوي المادي - بأخذ الهبات والرواتب وغيرها - فتشمل
الانسياب وراء الشهوات الجنسية والاباحية والتخلص من القيود الدينية وما إلى ذلك.
بينما العميل الشرقي تبع أصحابه منخدعا بما يسمى بالفكر العلمي المادي المبتنى على
أسس مفاهيم الشيوعية الماركسية.
93

له قوة الحركة والتحريك في العصور الماضية، ولذلك فإنه ضعف في نفوس معتنقيه
ولم يقدر يقاوم لأجل البقاء كلما تطورت المجتمعات وظهرت الثورات الصناعية
والزراعية وغيرهما.
وقد سعى أولئك جاهدين أن يدخلوا بعض المفاهيم التي انتشرت في أوربا
تحت عنوان (الحريات) و (الثورة الفرنسية) وقوانين السياسة والقوانين المدنية
والفكر الماركسي وما إلى ذلك.
وابتغوا من ذلك ملء الفراغ الذي سوف يولده انسحاب الفكر الديني من
نفوس اتباعه المسلمين.
وفي البداية سعوا لابدال الدين بالدين، أي المسيحية بالاسلام، فلم يتمكنوا
لأسباب موضوعية تعود إلى عمق الارتباط الديني والإسلامي أولا، والى نشوء
تناقض بين ما يطرحون من فكر (تقدمي) وبين الدين (الذي يمثل العائق للتطور
كما يزعمون).
وبذلك رجعوا إلى طرحهم السابق برفض الدين وابعاده عن الدولة والمجتمع
والانسان.
وحملت تلك الهجمة عناوين (التحديث) والتقدم والتحرر والوطنية
والمفاهيم الأخرى المستوردة.
1 - ومع أن تلك المفاهيم نشأت تحت ظروف خاصة عاشتها أوربا في
عصورها الوسطى وما بعدها.
2 - وأن المفاهيم التي تتولد نتيجة ظروف وملابسات معينة لا يمكن نقلها إلى
94

أماكن أخرى لم تظهر فيها مثل تلك الظروف.
3 - فإنهم أرادوا بالحيلة مرة وبقوة السلاح والنار مرة أخرى أن يرغموا الأمة
الاسلامية على قبول هذا الاستيراد الغريب بكل معنى الكلمة.
وكانت المعركة بأشدها في البداية، وهو أمر طبيعي، ولذلك عانى أولئك الذين
عاشوا بداية المعركة أشد المصائب والمحن، ولاقوا الامرين، وكان جهادهم
يعادل جهاد جميع الذين جاؤوا من بعدهم. وكان من أولئك الشيخ القمي (رحمه الله).
أما كيف عالجوا مشكلة التحديث التي أطلقت على ذلك المخطط الجهنمي
وبشكل مختصر مجتنبين التفصيل محيلينه إلى محل آخر. هناك عدة أساليب
حاولت أن تقاوم المؤامرة وقد فشلت بعضها ولم تستطع المقاومة بينما حظيت
أساليب أخرى بالنجاح.
ولا نقصد بذلك القواعد الشعبية والجمهور والتاريخ الذي صنعه المؤمنون
الأبطال في مقاومة الكفر بثوبه الجديد.
وانما نقصد الفكر الذي قاوم (الموضة اللادينية) والفكر العلماني والاتهامات
الاستعمارية للاسلام، والهالة الكاذبة التي أعطيت للفكر المستورد.
1 - فهناك من تأثر بالطروحات الجديدة، ولكنه حاول أن يغير شيئا
بالشعارات واللافتات، فعزل الدين عن السياسة، وأعطى السياسة وحق العمل
السياسي لأولئك الذين ابتعدوا عن الدين ورجاله.
2 - وهناك من ناقش في التراث الديني ودعى إلى تطويره بما يتلائم مع
متطلبات العصر.
هكذا وبدون ادراك لما يرفعون من الشعار.
3 - والأخطر من أولئك جميعا دعاة التحديث الذين يحسبونهم على رجال
الدين ومن هم على شاكلتهم والذين أطلقوا على أنفهسم عناوين مختلفة مثل
المتنورين وغيرهم فإنهم ادعوا بأن الأبحاث العقائدية والفقهية والأخلاقية مسائل
أكل الدهر عليها وشرب وانها انقضت ولابد من الاهتمام بالمسائل الاقتصادية
95

والسياسية العصرية.
وقد وجد اتجاه معاكس وكأنما نشأ من ردود الفعل فإنه رفض التحديث
بشكل كلي وأصر على القديم تحت شعار (عليك بالقديم لا بالمحدثات)، وقد رام
هؤلاء أن يدافعوا عن أصولهم الدينية ولكنهم أخطأوا المرمى، بل بالعكس فإنهم
وقفوا حجر عثرة في بعض الحالات امام المجاهدين.
كما أخطأ أولئك بفكرة التحديث فان الدين نزل من الحق تعالى وان حلال
محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة. وان الفكر الديني
هو الوحيد الذي يملك القدرة على رقي الانسان وبناء الحضارات السليمة
والانسان الصالح.
كما أن القوانين الدينية الثابتة غير قابلة للمساومة والتبديل، نعم ان الأساليب
في التبليغ والارشاد وطريقة الطرح في بعض المسائل المرتبطة بالعرض أمور
موكولة إلى أهل الدين عليهم أن يستفيدوا من الطرق التي تلائم كل مجتمع وكل
انسان وتدخل تحت عنوان (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
وليس معنى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، يقولوا ما يشاؤوا وما تبدعه
أذهانهم من آراء ونسبتها إلى الدين والاسلام.
فان هذا انحراف خطير، فان الانسان - وأي انسان - لا يمكنه أن ينسب شيئا
إلى الدين إلا إذا كان أهلا لفهم الأصول الدينية ومصادر العقيدة والتشريع، يعني
واصلا إلى قدرة الاستنباط للمسألة الشرعية سواء كانت كلية أو فرعية.
وان ذلك الانحراف هو الذي أوقع أصحابه في دعوى عدم وجود حاجة إلى
الفقه والأبحاث الأخلاقية والأبحاث الدينية الأخرى. بل على العكس ان
الانسان في العصر المادي والمعركة المادية أحوج ما يكون إلى المدد الروحي
والى الروحانية الدينية ليقاوم بها الفكر المادي بكل اشكاله وحتى ذلك الفكر
المادي الذي حسب نفسه على الدين، أعوذ بالله تعالى.
ومن هذه النتيجة نعرف سر نجاح الشيخ القمي بحركته الأخلاقية في عصر
96

عنفوان المعركة ضد الدين والروحانية. فإنه تمكن من عرض الدين بجانبه
الروحاني بأسلوب لين محبب إلى الجمهور لأنه كان يحس بالمعركة ويعرفها
ويواجهها بقوة ولكن بطريقته الخاصة وكان يعرف ان العدو عندما يريد أن يقضي
على روحانية الدولة والمجتمع والانسان المسلم فلا بد من التأكيد على عودة
الروحانية إلى الدولة والمجتمع والانسان المسلم.
والحق فان حركة الشيخ القمي لا يمكن لأحد أن يفصلها عن حركة آية الله
السيد حسين القمي، كما انها لا يمكنها أن تفصل عن حركة آية الله الحائري كما أن
جميع هذه الحركات متممة لحركة آية الله السيد حسن المدرس... وهكذا جميع
أولئك الذين تصدوا للعدوان.
وجميع أوجه النشاط الديني الذي قام به سلفنا الصالح يعبر عن حقيقة واحدة
هي المقاومة للعدوان المادي الذي أراد أن يقلع الدين من الدولة والمجتمع
والانسان.
القدوة في حياة القمي:
لا أظنني احتاج إلى تفصيل القدوة في حياة شيخنا القمي وانما يمكن أن
نرجع إلى كل تلك العناوين المتقدمة فإنها تصلح أن تكون محفزا للآخرين
للاقتداء بالرجل الصالح في مختلف المواقف.
واني على يقين أن أي قارئ لتلك القضايا التي نقلت عن المحدث القمي
سوف يجد فيها شاهدا روحانيا في طريق تكامله الانساني، وإن كان القلم
- وللأسف الشديد - لم يستطع أن يحفظها بجمالها المعنوي في إطار الجمال
اللفظي فاني أقر بأن القصور الأدبي في التعبير قد أخفى كثيرا من صور الجمال
لتلك الوقائع ولكن عن غير قصد، فالقاصر معذور على كل حال.
وفاته ومدفنه:
لقد سبق وان بينا بأن الشيخ القمي (رحمه الله) كان قد ابتلى بمرض الربو (ضيق
97

النفس) ويشتد عليه بصيف كل سنة، ولذلك فهو يسافر فيها إلى الأماكن التي تخف
فيها الحرارة كمشهد المقدسة، ولكنه وبسبب الأوضاع الصعبة فإنه لم يعزم على
السفر إلى مشهد المقدسة، وكان قد اعتاد بعد رحلته الأخيرة إلى النجف الأشرف
أن يقضي الصيف في سورية ولبنان، ولكنه بسبب الخلاف السياسي بين العراق
وسورية آنذاك لم يستطع من السفر إلى سورية وبقي في النجف الأشرف يصارع
مرضه الذي لم يكتف بثقله الجاثم على الشيخ المريض وانما استعان عليه بمرض
آخر فابتلي الشيخ بمرض الاستسقاء ولمدة ثلاثة أشهر. وقد أخذ منه كثيرا من
قوته البدنية بحيث لم يستطع الصلاة من قيام وانما كان يؤديها من جلوس حتى
توفي في النجف الأشرف بعد النصف من ليلة الثلاثاء، الثالث والعشرين من شهر
ذي الحجة الحرام من سنة 1359 ه‍، وقد عم البلاد الحزن والألم والتفجع على
هذه الخسارة الكبرى بموت هذا العالم الجليل، ففي الخبر " إذا مات العالم ثلم في
الاسلام ثلمة... ".
وحمل على الأكتاف إلى الصحن العلوي الشريف وقد صلى عليه المرحوم
آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني ودفن عند رجلي الشيخ النوري في
الإيوان الثالث على يمين الداخل من الباب القبلي إلى الصحن الغروي (1) وكان
ذلك بوصية منه على ما قيل.

(1) مصفى المقال / آغا بزرگ الطهراني: ص 215. وفيات العلماء: ص 232. نقباء البشر: ج 3،
ص 1000. تاريخ قم لناصر الشريعة: ص 274. معارف الرجال لحرز الدين: ج 1،
ص 402. ريحانة الأدب للمدرسي: ج 4، ص 488. وغيرها من المصادر.
98

منازل الآخرة
والمطالب الفاخرة
99

مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
وبعد، فيقول العبد عديم البضاعة والمتمسك بأحاديث أهل بيت الرسالة (عليهم السلام)
عباس بن محمد رضا القمي ختم الله له بالحسنى والسعادة:
إن العقل والنقل يحكمان على الشخص الذي يعزم على السفر أن يهيئ الزاد
والمؤونة لسفره بمقدار ما يلزمه في ذلك السفر. ثم يسافر، وعليه فمن الأجدر
ونحن في سفر الآخرة الذي لا مناص لنا عنه ولا يوجد طريق للتخلص منه - أن
نقدم أمامنا الزاد والمؤونة بما يناسبه، كما روي عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) عندما
قدم مكة المعظمة فإنه وقف عند باب الكعبة ونادى على الناس الذين جاؤوا للحج
من أطراف الدنيا وقد اجتمعوا في المسجد الحرام، فقال: (أيها الناس أنا جندب
ابن السكن الغفاري. اني لكم ناصح شفيق فهلموا).
فاكتنفه الناس، فقال:
ان أحدكم لو أراد سفرا لاتخذ من الزاد ما يصلحه. (ولابد منه) (1) فطريق يوم
القيامة أحق ما تزودتم له.
فقام رجل، فقال: فأرشدنا يا أبا ذر.

(1) أثبتت هذه الزيادة في البحار وسقطت من المصدر المطبوع.
101

فقال: حج حجة لعظائم الأمور، وصم يوما لزجرة النشور وصل ركعتين في
سواد الليل لوحشة القبور... الخبر (1).
وقد وعظ الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) جنادة بن أمية حين وفاته، وأول
شئ قاله له:
(استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك) (2).
وبما أن سفر الآخرة سفر بعيد، وفيه أهوال ومواقف صعبة وعقبات شديدة
ومنازل عسرة فلذلك فهو محتاج إلى زاد كثير، ولابد أن لا يغفل عنه، وأن يفكر فيه
ليلا ونهارا. كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه كان ينادي في كل ليلة عندما
يهجع الناس بصوته الرخيم بحيث يسمعه جميع أهل المسجد وجيران المسجد،
فيقول:
" تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل " (3).
يعني: استعدوا وهيئوا ما تحتاجونه في سفركم رحمكم الله فان منادي الموت
نادى فيكم على أبوابكم بالرحيل.
" وأقلوا العرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد فان أمامكم

(1) رواه أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي في: دعائم الاسلام / ج 1، ص 270،
تحقيق آصف فيضي / دار المعارف / مصر / 1963 م / ونقله عنه العلامة المجلسي في البحار:
ج 96، ص 258، وبقية الحديث الشريف. (وكلمة حق تقولها، أو كلمة سوء تسكت عنها
وصدقة منك على مسكين، فعلك تنجو من يوم عسير. اجعل الدنيا كلمة في طلب الحلال،
وكلمة في طلب الآخرة، وانظر كلمة تضر ولا تنفع فدعها. واجعل المال درهمين: درهما
قدمته لآخرتك ودرهما أنفقته على عيالك كل يوم صدقة).
(2) رواه أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي في: كفاية الأثر في النص على
الأئمة الاثني عشر ص 227، باب (ما جاء عن الحسن (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار ونصه على
أخيه الحسين (عليهما السلام)) ح 5، بإسناد عن محمد بن وهبان البصري، تحقيق الكوه كمرئي
الخوئي / ط قم 1401 ه‍. ق. ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 44، ص 139.
(3) نهج البلاغة: ج 2، ص 183، تحقيق محمد عبدة. شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد /
ج 11، ص 5.
102

عقبة كؤودا، ومنازل مخوفة مهولة لابد من الورود عليها والوقوف عندها " (1).
ونحن نشير إلى بعض تلك العقبات الصعبة والمنازل المهولة. ونذكر بعض
الأمور النافعة في درء صعوبات وأهوال ذلك المحل بكمال الاختصار. وضمن
عدة فصول. وإن وفقني الحق تعالى وأمهلني الأجل فسوف أصنف كتابا مفصلا في
هذا الباب إن شاء الله تعالى، ولو انني لم أر في هذا الزمان من يطلب هذه المطالب
بشكل جدي وحقيقي.
وبسبب هذه الملاحظة أيضا فقد كتبت هذا المختصر بدون اندفاع مع قلة
رغبة، وأسأل الحق تعالى التأييد والتوفيق انه قريب مجيب.
* * *

(1) نهج البلاغة: ج 2، ص 183، تحقيق محمد عبدة. شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد /
ج 11، ص 5.
103

المنزل الأول في هذا السفر
الموت
105

فصل:
ولهذا المنزل عقبات كؤود ومواقف صعبة، ونحن نشير إلى عقبتين منها:
العقبة الأولى
سكرات الموت وشدة نزع الروح
* (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) * (1).
وهذه العقبة صعبة جدا وان شدائدها وصعوباتها تحيط بالمحتضر من جميع
الجهات..
فمن جهة تواجهه شدة المرض، وشدة الوجع، واعتقال اللسان، وذهاب القوة
من الجسم..
ومن جهة أخرى يواجه بكاء الأهل والعيال، ووداعهم له، وغم يتم وغربة
أطفاله..
ومن جهة أخرى يواجه غم مفارقته لماله ومنزله وأملاكه ومدخراته وأشيائه
النفسية التي صرف عمره العزيز من أجل تحصيل المزيد منها، بل إن أكثر ما عنده
عائد للآخرين وقد تملكه منهم بالظلم والغصب.. وكم تعلقت من الحقوق الشرعية
بأمواله ولم يؤدها.. وهو الآن في تلك الحالة ينتبه إلى ما أتلفته وخربته أعماله

(1) سورة ق: الآية 19.
107

بعدما انقضى الأمر وانسد طريق اصلاحه. فكان كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
" يتذكر أموالا جمعها اغمض في مطالبها وأخذها من مصرحاتها، ومشتبهاتها قد
لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها تبقى لمن وراءه ينعمون بها فيكون المهنأ
لغيره والعب ء على ظهره " (1)..
ومن جهة أخرى فهو يواجه هول قدومه على نشأة أخرى هي غير هذه النشأة.
ثم إن عينيه تريان أشياءا لم ترها قبل ذلك:
* (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) * (2).
فيرى رسول الله وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم وملائكة الرحمة
وملائكة العذاب حاضرين عنده ليحكموا فيه وانه يترقب اي حكم يحكمون به،
وأي شئ سوف يوصون به؟
ومن جهة أخرى قد اجتمع إبليس وأعوانه ليوقعوه في الشك، وهم يحاولون
جاهدين أن يسلبوا إيمانه ليخرج من الدنيا بلا إيمان.
ومن جهة أخرى يعاني من هول حضور ملك الموت، وبأي صورة وهيئة
سوف يجيئه به، وبأي نحو سوف يقبض روحه. إلى غير ذلك..
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
" فاجتمعت عليه سكرات الموت، فغير موصوف ما نزل به " (3).
وروى الشيخ الكليني عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه اشتكى عينيه، فعاده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا

(1) نهج البلاغة: فيض الاسلام، ص 331، وراجع نهج البلاغة: ج 1، ص 212 محمد عبدة،
ونقله عنه في البحار: ج 6، ص 164، كتاب العدل والمعاد / باب سكرات الموت وشدائده:
ح 33. شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: ج 7، ص 201.
(2) سورة ق: الآية 22.
(3) راجع بحار الأنوار: ج 73، ص 109. كتاب الإيمان والكفر: مساوئ الأخلاق: باب حب
الدنيا وذمها: ح 109 نقله عن كتابه (عيون الحكم والمواعظ) لعلي بن محمد الواسطي.
108

هو يصيح فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أجزعا أم وجعا؟ فقال (عليه السلام): يا رسول الله ما وجعت
وجعا قط أشد منه. فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي ان ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر
نزل معه سفود من نار فينزع روحه به فتصيح جهنم. فاستوى علي (عليه السلام) جالسا
فقال: يا رسول الله أعد على حديثك فقد أنساني وجعي ما قلت.
ثم قال: هل يصيب ذلك أحدا من أمتك؟
قال: نعم حاكم جائر، وآكل مال اليتيم ظلما، وشاهد زور " (1).
وأما الأشياء التي تهون سكرات الموت
صلة الرحم:
ما رواه الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" من أحب أن يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولا،
وبوالديه بارا، فإذا كان كذلك هون الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته
فقر أبدا " (2).
بر الوالدين:
وروي:
" ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حضر شابا عند وفاته فقال له: قل لا إله إلا الله.
قال: فاعتقل لسانه مرارا.
فقال لامرأة عند رأسه: هل لهذا أم؟

(1) الكافي: ج 3، ص 253 - 254، والإسناد موثق. ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 6،
ص 170، ح 46، وفي البحار: ج 61، ص 49، ح 27.
(2) الأمالي للصدوق: ص 318، المجلس 61، ح 14. ونقله عنه في البحار: ج 74، ص 66،
ح 33، ونقله الفتال النيشابوري في روضة الواعظين، ص 367 (مجلس في ذكر وجوب بر
الوالدين)، ورواه الطبري في مشكاة الأنوار: ص 162، الفصل 14 (في حقوق الوالدين
وبرهما) وعنه في البحار: ج 82، ص 65، ح 9.
109

قالت: نعم أنا أمه.
قال (صلى الله عليه وآله): أفساخطة أنت عليه؟
قالت: نعم ما كلمته منذ ستة حجج.
قال (صلى الله عليه وآله) لها: أرضي عنه.
قالت: رضي الله عنه يا رسول الله برضاك عنه.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): قل لا إله إلا الله.
قال: فقالها. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) ما ترى؟
قال: أرى رجلا أسود الوجه قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح قد وليني
الساعة، وأخذ بكظمي.
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) قل: يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منى اليسير
واعف عني الكثير انك أنت الغفور الرحيم.
فقالها الشاب. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): انظر ماذا ترى؟
قال: أرى رجلا أبيض اللون حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب قد
وليني، وأرى الأسود قد تولى عني.
فقال له: أعد، فأعاد. فقال له: ما ترى؟
قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليني.
ثم طفي على تلك الحال (1).

(1) رواه الطوسي في الأمالي: ج 1، ص 62 - 63، ح 4 وروى الصدوق قريبا منه في:
من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 132، ح 347، ونقله عنه الحر العاملي في وسائل الشيعة:
ج 2، كتاب الطهارة: أبواب الاحتضار: باب 39، ح 3، ونقله النوري في المستدرك: ج 2،
باب 29، ص 129، ح 1617، الطبعة الحديثة، وفي ج 1، ص 92، باب 29، ح 1،
الطبعة الحجرية.
ونقله في المستدرك: ج 15، باب 75، ص 189، ح 17967، الطبعة الحديثة، ونقله في
ج 15، باب 75، ص 196 - ح 17933 عن القطب الراوندي في لب اللباب، وسمى الشاب (الحارث) ونقله في البحار: ج 74، ص 75، ح 68، وفي البحار: 81، ص 232، 7،
وفي البحار: ج 95، ص 342، ح 1.
110

يقول المؤلف:
تأمل في هذا الحديث جيدا، وانظر كم هو أثر العقوق فمع ان هذا
الشاب كان من الصحابة وان نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) قد عاده زائرا وجلس عند وسادته،
ولقنه بنفسه الشريفة كلمة الشهادة، ومع كل ذلك فلم يتمكن على
النطق بتلك الكلمة إلا بعدما رضيت عنه أمه، وحينئذ انطلق لسانه فقال
كلمة الشهادة.
كسي المؤمن:
وروي أيضا عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقا على الله أن يكسوه من ثياب
الجنة، وأن يهون عليه سكرات الموت وأن يوسع عليه في قبره " (1).
اطعام المؤمن الحلوى:
وروي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):
" من أطعم أخاه حلاوة أذهب الله عنه مرارة الموت " (2).
* ومن الأمور الأخرى التي تنفع في تعجيل راحة المحتضر قراءة سورة يس

(1) رواه الكليني في الكافي: ج 2، ص 204، كتاب الإيمان والكفر: باب من كسا مؤمنا: ح 1،
ورواه عن المجلسي في البحار: ج 74، ص 380، وتكملة الحديث:
" وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى وهو قول الله عز وجل في
كتابه: * (وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * ".
(2) رواه القطب الراوندي في الدعوات: ص 141، فصل (في ذكر أشياء من المأكولات
والمشروبات وكيفية تناولها)، ح 359، ونقله عنه المجلسي في البحار، ج 66، ص 288،
وفي ج 75، ص 456، ح 33، ونقله في المستدرك: ج 16، ص 355، ح 20152، الطبعة
الحديثة.
111

والصافات (1) وكلمات الفرج عنده (2).
* وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" من صام يوما من آخر هذا الشهر (3) كان ذلك أمانا من شدة سكرات الموت،

(1) روى الكليني في الكافي الشريف: كتاب الجنائز: باب إذا عسر على الميت الموت
واشتد عليه النزع: ح 5، ج 3، ص 126 بالإسناد عن سليمان الجعفري قال: رأيت أبا
الحسن يقول لابنه القاسم: قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك (والصافات صفا) حتى تستتمها،
فقرأ فلما بلغ * (أهم أشد خلقا أمن خلقنا) * قضى الفتى، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه
يعقوب بن جعفر، فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده (يس والقرآن الحكيم)
وصرت تأمرنا بالصافات، فقال: يا بني لم يقرأ عبد مكروب من موت قط إلا عجل الله
راحته).
وفي الوسائل: كتاب الطهارة: أبواب الاحتضار، باب 41، ح 1، عن الكافي بدل (لم يقرأ
عبد... الخ) (لم تقرأ عند مكروب " ومن موت " قط الا عجل الله راحته).
(2) وردت في روايات كثيرة: منها ما رواه الكليني في الكافي الشريف بروايات عدة منها:
بإسناد صحيح عن زرارة (رحمه الله) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج (لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا
الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن
وما تحتهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين).
الكافي: كتاب الجنائز: باب تلقين الميت: ح 3، ج 3، ص 122.
وروى في ح 7، ج 3، ص 124 بالإسناد إلى عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا حضر أحدا من أهل بيته الموت قال له: قل: لا إله إلا الله العلي
العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهما ورب العرش
العظيم والحمد لله رب العالمين (فإذا قالها المريض قال: اذهب فليس عليك بأس).
وروى في ح 9، ج 3، ص 124، بإسناد صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام):
ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضي. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):
قل: (لا إله الا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات السبع
ورب الأرضين السبع وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين) فقالها: فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (الحمد لله الذي استنقذه من النار).
أقول: الظاهر أن الكلمات وحدة. أتم الروايات الصحيحة الأولى والله تعالى أعلم.
(3) يعني شهر رجب الأصب.
112

وأمانا له من هول المطلع وعذاب القبر " (1).
* واعلم أن لصيام أربعة وعشرين يوما من رجب ثواب عظيم فمن جملته:
" ومن صام من رجب أربعة وعشرين يوما فإذا نزل به ملك الموت تراءى له
في صورة شاب عليه حلة من ديباج أخضر على فرس من أفراس الجنان وبيده
حرير أخضر ممسك بالمسك الأذفر وبيده قدح من ذهب مملوء من شراب
الجنان، فسقاه عند خروج نفسه، يهون به عليه سكرات الموت ثم يأخذ روحه في
تلك الحرير فتفوح منها رائحة يستنشقها أهل سبع سماوات فيظل في قبره ريان
حتى يرد حوض النبي (صلى الله عليه وآله) " (2).
* وقد روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):
" من صلى الليلة السابعة من رجب أربع ركعات بالحمد مرة وقل هو الله أحد
ثلاث مرات، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ويصلي على
النبي (صلى الله عليه وآله) عند الفراغ عشر مرات، ويقول الباقيات الصالحات (سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر) عشر مرات، أظله الله تحت ظل عرشه ويعطيه ثواب
من صام شهر رمضان واستغفرت له الملائكة حتى يفرغ من هذه الصلاة ويسهل
عليه النزع وضغطة القبر ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه في الجنة وآمنه الله
من الفزع الأكبر " (3).
* وروى الشيخ الكفعمي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):
" من قال هذه الكلمات في كل يوم عشرا غفر الله تعالى له أربعة آلاف كبيرة،
ووقاه من شر الموت، وضغطة القبر، والنشور، والحساب، والأهوال كلها وهو مائة
هول أهونها الموت، ووقي من شر إبليس وجنوده، وقضي دينه وكشف همه وغمه
وفرج كربه ".

(1) رواه الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة: ص 18، ح 3، ورواه في الأمالي: ص 23، المجلس
الرابع، ح 7، ونقله المجلسي في البحار: ج 97، ص 32 - 33، ح 6.
(2) رواه الصدوق في الأمالي: ص 432، المجلس 80، ح 1.
(3) رواه السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 651 - 652 الطبعة الحجرية.
113

وهي هذه:
" أعددت لكل هول لا إله إلا الله، ولكل هم وغم ما شاء الله، ولكل نعمة الحمد
لله، ولكل رخاء الشكر لله، ولكل أعجوبة سبحان الله، ولكل ذنب أستغفر الله، ولكل
مصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون، ولكل ضيق حسبي الله، ولكل قضاء وقدر توكلت
على الله، ولكل عدو اعتصمت بالله، ولكل طاعة ومعصية لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم " (1).
* واعلم أن للذكر الشريف الآتي فضل عظيم إذا قيل سبعين مرة، فمن جملة
هذا الفضل انه يبشر حين موته وهذا الذكر هو:
" يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا أحكم
الحاكمين " (2).
* وروى الشيخ الكليني عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" لا تملوا من قراءة إذا زلزلت الأرض زلزالها فإنه من كانت قراءته بها في
نوافله لم يصبه الله عز وجل بزلزلة أبدا، ولم يمت بها، ولا بصاعقة ولا بآفة من
آفات الدنيا حتى يموت وإذا مات نزل عليه ملك كريم من عند ربه فيقعد عند

(1) نقله المجلسي أعلى الله تعالى مقامه في البحار: ج 87، ص 5 عن البلد الأمين. ولم نجده
في النسخة المطبوعة. ورواه المؤلف في السفينة: ج 2، ص 397، ورواه النوري في
المستدرك: ج 5، ص 389، ح 6140 الطبعة الحديثة.
والخبر موجود في مصباح الكفعمي المطبوع: ص 83، باختلاف يسير بألفاظ الخبر. أما
الدعاء فواحد في مصباح الكفعمي وفي البحار وفي السفينة.
(2) ذكره القطب الراوندي في الدعوات: ص 215، ح 580.
ونقله المجلسي في البحار: ج 82، ص 64، ح 8، ونقله في ج 95، ص 462، كتاب الذكر
والدعاء، باب الدعوات المأثورة غير المؤقتة، ج 20، وقد نقل الرواية في كلا الموضوعين
عن دعوات الراوندي. وقد رواها القطب عن الإمام الصادق (عليه السلام) مرسلة، قال (عليه السلام): " من قال
سبعين مرة: يا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين (المبصرين خ. ل) ويا أسرع الحاسبين ويا
أحكم الحاكمين، فأنا ضامن له دنياه وآخرته أن يلقاه الله ببشارة عند الموت، وله بكل كلمة
بيت في الجنة " انتهى الحديث.
114

رأسه فيقول: يا ملك الموت أرفق بولي الله فإنه كان كثيرا يذكرني " (1).
z z z
العقبة الثانية
العديلة عند الموت
يعني العدول من الحق إلى الباطل في وقت الموت، وذلك أن يحضر الشيطان
عند المحتضر، ويوسوس له حتى يوقعه في الشك، فيخرجه من الإيمان.
ولذا ورد في الأدعية الاستعاذة منها (2).
وقال فخر المحققين (رحمه الله):
(... (3) فإذا أراد الانسان أن يسلم من هذه الأشياء فليستحضر أدلة الإيمان
والأصول الخمس بالأدلة القطعية ويصفي خاطره، ويخلي سره، فيحصل له يقين
تام فيقول عند ذلك:
" اللهم يا أرحم الراحمين اني قد أودعتك يقيني هذا وثبات ديني وأنت خير
مستودع وقد أمرتنا بحفظ الودائع فرده علي وقت حضور موتي " ثم يخزي

(1) الكافي: ج 2، ص 626.
(2) منها ما رواه السيد ابن طاووس (رحمه الله) في الاقبال، في عمل أول ليلة من رجب انه كان أبو
الحسن الأول (عليه السلام) يقول وهو ساجد بعد فراغه من صلاة الليل.. ثم ذكر دعاءا إلى أن قال:
" اللهم إني أعوذ بك من العديلة عند الموت، ومن شر المرجع في القبور، ومن الندامة يوم
الآزفة.. الخ ".
راجع اقبال الأعمال: ص 632، وعنه في بحار الأنوار: ج 98، ص 383، ح 3.
ومنها: ما في (فقه الرضا (عليه السلام)) ص 141، الطبعة الحديثة المحققة، ونقله النوري (رحمه الله) في
المستدرك: ج 5، ص 143، كتاب الصلاة، أبواب سجدتي الشكر، باب 5، ح 5522، عن
الإمام الصادق (عليه السلام) انه كان يقول في سجدته: " اللهم إني أعوذ بك من العديلة.. ".
وفي البحار: ج 86، ص 229، ح 51 (... اللهم إني أعوذ بك من العديل عند الموت).
(3) وأول كلامه (قدس سره): " ان العديلة عند الموت تقع، فإنه يجئ الشيطان ويعدل الانسان عند
الموت ويخرجه من الإيمان فيحصل له عقاب النيران وفي الدعاء قد تعوذ الأئمة (عليهم السلام) منها
فإذا أراد الانسان أن يسلم.. الخ ".
115

الشيطان ويتعوذ منه بالرحمن، ويودع ذلك الله ويسأله أن يرده عليه وقت حضور
موته. فعند ذلك يسلم من العديلة عند الموت قطعا) (1).
فعلى طبق رأي هذا الأجل فان قراءة دعاء العديلة المعروف واستحضار
معناه في الذهن نافع للحفظ من خطر العديلة عن الموت.
* وروى الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن محمد بن سليمان الديلمي قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك أن شيعتك تقول ان الإيمان مستقر
ومستودع فعلمني شيئا إذا أنا قلته استكملت الإيمان.
قال (عليه السلام): قل في دبر كل صلاة فريضة:
" رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا وبالإسلام دينا وبالقرآن
كتابا وبالكعبة قبلة وبعلي وليا وإماما وبالحسن والحسين وعلي بن الحسين
ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن
علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن صلوات الله عليهم أئمة،
اللهم إني رضيت بهم أئمة فارضني لهم إنك على كل شئ قدير " (2).
ومن الأمور النافعة لهذه العقبة:
المواظبة على أوقات الصلوات الفريضة. ففي الحديث أن ملك الموت قال:
".... انه ليس في شرقها ولا في غربها أهل بيت مدر ولا وبر إلا وأنا أتصفحهم
في كل يوم خمس مرات.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انما يتصفحهم في مواقيت الصلاة، فان كان ممن يواظب

(1) نقل النص العلامة الثاني السيد هاشم البحراني في كتاب (معالم الزلفى) ص 71 الطبعة
الحجرية، عن ارشاد المسترشدين، وتكملة النص: " ويقول أيضا إن أراد السلامة من منكر
ونكير لفظ الشهادتين والاقرار بالأئمة (عليهم السلام) بيقين صادق وصفاء خاطر ثم يقول: يا الله
يا رحمن يا رحيم أودعتك هذا الاقرار بك وبالنبي والأئمة وأنت خير مستودع فرده علي
في القبر عند مسألة منكر ونكير فإنه يسلم من مسألة منكر ونكير قطعا " انتهى كلامه
رفع مقامه.
(2) التهذيب للشيخ الطوسي: ج 2، ص 109، ح 412.
116

عليها عند مواقيتها لقنه شهادة أن لا إله إلا الله ومحمدا رسول الله صلى الله عليه
وآله، ونحى عنه ملك الموت إبليس " (1).
* وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه كتب إلى بعض الناس:
" إن أدرت أن يختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أفضل الأعمال، فعظم
لله حقه أن تبذل [لا تبذل. خ. ل] نعمه في معاصيه، وأن تغتر بحلمه عنك. وأكرم كل
من وجدته يذكرنا [يذكر منا. خ. (2)] أو ينتحل مودتنا، ثم ليس عليك، صادقا كان
أو كاذبا، انما لك نيتك، وعليه كذبه " (3).
* يقول الفقير: ومن النافع لحصول حسن العاقبة والوصول من الشقاوة إلى
السعادة: قراءة الدعاء الحادي عشر من الصحيفة الكاملة:
" يا من ذكره شرف للذاكرين... الخ " (4).
وقراءة دعاء التمجيد المنقول في الكافي وغيره، وقد نقلته في كتاب
(الباقيات الصالحات) بعد أدعية الساعات (5).

(1) الكافي: ج 3، ص 136، كتاب الجنائز، باب (اخراج روح المؤمن والكافر)، ح 2، ونقله
عنه الحر العاملي في الوسائل: ج 2، ص 663، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار، باب 36، ح
4، وفي الوسائل ج 3، ص 79، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، باب 1، ح 5.
(2) في نسخة (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) للشيخ الصدوق.
(3) رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 4، ونقله عن المجلسي في البحار: ج 73،
ص 351، ح 49، و ج 74، ص 303، و ج 78، ص 195، ح 15، عن الخصال للصدوق عن
المفسر أحمد بن الحسن الحسيني عن أبي محمد العسكري عن آبائه (عليهم السلام) قال: كتب
الصادق (عليه السلام) إلى بعض الناس: " إن أردت... الخ "، ولكننا لم نجده في الخصال المطبوع.
(4) الصحيفة السجادية الكاملة: الدعاء 11، (دعاؤه بخواتم الخير) الفقرة الأولى.
(5) أقول: روى الكليني بسند موثق عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الكافي الشريف: ج 2،
ص 516، كتاب الدعاء باب (ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه)، ح 2.
ورواه الصدوق في ثواب الأعمال: ص 28، بسند موثق أيضا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" ان الله تبارك وتعالى يمجد نفسه في كل يوم وليلة ثلاث مرات. فمن مجد الله بما مجد به
نفسه ثم كان في حال شقوة حوله الله عز وجل إلى سعادة يقول: أنت الله لا اله إلا أنت رب العالمين، أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم أنت الله لا اله
الا أنت العزيز [العلي] الكبير أنت الله لا إله إلا أنت مالك يوم الدين، أنت الله لا إله إلا أنت
الغفور الرحيم، أنت الله لا إله إلا أنت العزيز الحكيم، أنت الله لا إله إلا أنت منك بدأ الخلق
[بدء كل شئ خ. ثواب الأعمال] وإليك يعود، أنت الله [الذي] لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزل،
أنت [الذي] لا اله إلا أنت خالق الخير والشر، أنت الله لا إله إلا أنت خالق الجنة والنار، أنت
الله لا إله إلا أنت أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أنت الله لا إله إلا أنت
الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو
الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات وما في الأرض وهو
العزيز الحكيم... إلى آخر السورة (في الكافي ولكن لا يوجد في ثواب الأعمال. والظاهر أن
ما في ثواب الأعمال أصح لأن آخر السورة (... العزيز الحكيم) الحشر الآية 24)، أنت الله لا
إله إلا أنت الكبير [المتعال خ. ل ثواب الأعمال] والكبرياء رداؤك ".
117

* وأن يصلي الصلاة الواردة في يوم الأحد من ذي القعدة (1).
* والمداومة على هذا الذكر الشريف:
* (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) * (2).

(1) أقول: روى السيد ابن طاووس (رحمه الله) في الاقبال: ص 308 عن أنس بن مالك، قال خرج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الأحد في شهر ذي القعدة فقال: يا أيها الناس من كان منكم يريد التوبة؟
قلنا: كلنا نريد التوبة يا رسول الله.
فقال (صلى الله عليه وآله): اغتسلوا وتوضأوا وصلوا أربع ركعات واقرأوا في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة
وقل هو الله أحد ثلاث مرات والمعوذتين مرة، ثم استغفروا سبعين مرة ثم اختموا بلا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قولوا: يا عزيز يا غفار اغفر لي ذنوبي وذنوب جميع المؤمنين
والمؤمنات فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): ما من عبد من أمتي فعلها إلا نودي من السماء يا عبد الله استأنف العمل فإنك
مقبول التوبة مغفور الذنب وينادي ملك من تحت العرش أيها العبد بورك عليك وعلى أهلك
وذريتك. وينادي مناد آخر أيها العبد ترضي خصماؤك يوم القيامة، وينادي ملك آخر أيها
العبد تموت على الإيمان، ولا اسلب منك الدين ويفسح في قبرك وينور فيه، وينادي مناد
آخر: أيها العبد يرضى أبواك وإن كانا ساخطين وغفر لأبويك ذلك ولذريتك وأنت في سعة
من الرزق في الدنيا والآخرة. وينادي جبرئيل (عليه السلام) أنا الذي آتيك مع ملك الموت (عليه السلام) أن
يرفق بك ولا يخدشك أثر الموت انما تخرج الروح من جسدك سلا.. الحديث.
(2) سورة آل عمران: الآية 8.
روى العياشي في تفسيره: ج 1، ص 164، عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
(أكثروا من أن تقولوا " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " لا تأمنوا الزيع).
أي أن الخبر يأمر بالمداومة على هذا الذكر الشريف لأجل أن يدفع عن أن يأمن السالك
من الزيغ، فإنه معرض دائما للزيغ، فقوله (عليه السلام) " لا تأمنوا الزيغ " نهي عن الاطمئنان بالنفس
والإيمان المحصل من عدم الزيغ.
118

* والمواظبة على تسبيح الزهراء (عليها السلام) (1).
* والتختم بخاتم عقيق، وبالخصوص إذا كتب عليه (محمد نبي الله وعلي
ولي الله) (2).

(1) أقول: ورد في الأخبار الشريفة متواترا في فضل تسبيح الزهراء صلوات الله وسلامه عليها
عقيب الصلاة وقبل النوم، وإليك بعض ذلك:
روى الكليني بإسناد صحيح عن الباقر (عليه السلام) قال: " ما عبد الله بشئ من التحميد أفضل
من تسبيح فاطمة (عليها السلام) ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) ". الكافي:
ج 3، ص 343، ح 14، التهذيب الطوسي: ج 2، ص 105، ح 166، باب 23. وفيه أيضا
بإسناد صحيح، عن أبي خالد القماط قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تسبيح فاطمة ((عليها السلام)
في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم " الكافي: ج 3،
ص 343، ح 15.
الوسائل: كتاب الصلاة، أبواب التعقيب، باب 9 ح 1، ح 2.
وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: " من بات على تسبيح فاطمة ((عليها السلام) كان من الذاكرين
الله كثيرا والذاكرات " الوسائل: كتاب الصلاة، أبواب التعقيب، باب 11، ح 4.
(2) في مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 302، باب (في أحواله (عليه السلام)) أي أمير
المؤمنين (عليه السلام) (في لوائه وخاتمه) ونقله المجلسي في البحار: ج 42، ص 62، عن موسى بن
جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال النبي (صلى الله عليه وآله): " لما كلم الله موسى بن عمران على جبل طور سيناء اطلع
على الأرض اطلاعة فخلق من وجهه العقيق، وقال: أقسمت على نفسي أن لا أعذب كف
لابسك إذا تولى عليا (عليه السلام) بالنار ".
وروى الكليني (رحمه الله) في الكافي الشريف بإسناد صحيح عن الرضا (عليه السلام) قال: العقيق ينفي
الفقر ولبس العقيق ينفي (النفاق).
وروى أيضا بالاسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " تختموا بالعقيق فإنه
مبارك ومن تختم بالعقيق يوشك أن يقضى له بالحسنى ".
وروى (رحمه الله): شكا رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) انه قطع عليه الطريق فقال (صلى الله عليه وآله): " هلا تختمت بالعقيق فإنه يحرس من كل سوء " الكافي: ج 6، ص 470، 471.
وروى المؤلف القمي (رحمه الله) في السفينة: ج 1، ص 376 الطبعة الحجرية: انه أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بأن ينقش في خاتمه محمد بن عبد الله فنقش النقاش فأخطأت يده فنقش عليه محمد
رسول الله، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتختم به، فلما أصبح النبي (صلى الله عليه وآله) فإذا تحته منقوش (علي
ولي الله).
وروى الشيخ الطوسي في الأمالي: ص 714، بالإسناد عن ابن عباس قال: أعطى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) فقال: يا علي اعط هذا الخاتم لينقش عليه محمد بن عبد الله، فأخذه أمير
المؤمنين (عليه السلام) فأعطاه النقاش، فقال له أنقش عليه محمد بن عبد الله، فنقش النقاش وأخطأت
يده فنقش عليه محمد رسول الله، فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: ما فعل الخاتم؟ فقال هو ذا.
فأخذه، ونظر إلى نقشه، فقال ما أمرتك بهذا.
فقال: صدقت، ولكن يدي أخطأت.
فجاء به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله ما نقش النقاش ما أمرت به، ذكر أن يده
أخطأت.
فأخذه النبي (صلى الله عليه وآله) ونظر إليه، فقال: يا علي أنا محمد بن عبد الله، وأنا محمد رسول الله.
وتختم به. فلما أصبح النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إلى خاتمه فإذا تحته منقوش علي ولي الله.
فتعجب من ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء جبرئيل فقال: يا جبرئيل كان كذا وكذا؟
فقال: يا محمد (صلى الله عليه وآله) كتبت ما أردت وكتبنا ما أردنا.
ونقله العلامة المجلسي في البحار: ج 16، ص 91 عن أمالي الشيخ الطوسي بإسناده إلى
زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) قال، قال: " رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي... " ونقله في البحار: ج 40،
ص 37، ح 72.
وروي في جامع الأخبار: ص 134، طبعة النجف الأشرف:
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " من صاغ خاتما من عقيق فنقش فيه محمد نبي وعلي ولي
[هكذا في المطبوعة ولعل لفظ الجلالة ساقط كما هو الظاهر من ملازمات المقال] وقاه الله
ميتة السوء ولم يمت إلا على الفطرة ".
119

* وقراءة سورة (قد أفلح المؤمنون) في كل جمعة (1).
* وقراءة سبع مرات بعد صلاة الصبح وصلاة المغرب (بسم الله الرحمن

(1) أقول: روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في ثواب الأعمال ص 135 بالإسناد إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " من قرأ سورة المؤمنين ختم الله له بالسعادة [و] إذا كان يدمن قراءتها في كل جمعة
كان منزله في الفردوس الأعلى مع النبيين والمرسلين ".
120

الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (1).
* وأن يصلي في ليلة الثاني والعشرين من رجب ثمانية ركعات يقرأ في كل
ركعة الحمد مرة وقل يا أيها الكافرون سبعة مرات وبعد الفراغ يصلي على محمد
وآل محمد عشرة مرات، ويستغفر الله تعالى عشرة مرات (2).
* وروى السيد ابن طاووس عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) انه قال:
" ومن صلى في الليلة السادسة من شعبان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة
فاتحة الكتاب مرة، وخمسين مرة قل هو الله أحد، قبض الله روحه على السعادة،
ووسع عليه في قبره ويخرج من قبره ووجهه كالقمر وهو يقول: اشهد ان لا إله إلا
الله وأن محمدا عبده ورسوله " (3).
* يقول المؤلف: إن هذه الصلاة هي بعينها صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وان لها
فضل كثير.
وقد رأيت من المناسب في هذا المقام أن أذكر حكايتين:
الحكاية الأولى:
حكي ان تلميذا من تلاميذ الفضيل بن عياض (4) - وهو أحد رجال الطريقة -

(1) روى الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي الشريف بإسناد معتبر بقوة الصحيح عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال:
" إذا صليت المغرب والغداة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم سبع مرات فإنه من قالها لم يصبه جذام ولا برص ولا جنون ولا سبعون نوعا من أنوع
البلاء ". الكافي: ج 2، ص 528.
(2) قال السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 666، بعد أن ذكر هذه الصلاة المروية عن
النبي (صلى الله عليه وآله): فإذا فعل ذلك لم يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه في الجنة ويكون موته على
الاسلام ويكون له أجر سبعين نبيا.
(3) اقبال الأعمال: ص 690 - 691، الطبعة الحجرية.
(4) قال المؤلف (رحمه الله) في سفينة البحار: ج 7، ص 103 الطبعة الحديثة:
(الفضيل بن عياض الزاهد بصري أو كوفي عامي ثقة روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له نسخة
يرويها النجاشي وكان من زهدة عصره، ذكر الصوفية له كرامات ومقامات ويحكى انه كان في أول أمره يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس وعشق جارية فبينما يرتقي الجدران
إليها سمع تاليا يتلوا: * (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) * سورة الحديد: الآية 16.
فقال: يا رب قد آن، فرجع وآوى إلى خربة فإذا فيها رفقة فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم:
حتى نصبح فان فضيلا على الطريق يقطع علينا، فتاب الفضيل وأمنهم، وحكي انه جاور
الحرم حتى مات وكانت وفاته يوم عاشوراء سنة (187). وله كلمات منها: ثلاثة لا ينبغي أن
يلاموا على سوء الخلق والغضب: الصائم والمريض والمسافر، وقال ثلاث خصال يقسين
القلب: كثرة الأكل وكثرة النوم وكثرة الكلام، قيل: كان لفضيل ولد اسمه علي وكان أفضل من
أبيه في الزهد والعبادة الا أنه لم يتمتع بحياته كثيرا وكان سبب موته انه كان يوما في المسجد
الحرام واقفا بقرب ماء زمزم فسمع قارئا يقرأ * (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد *
سرابيلهم من قطران وتغشى وجوهم النار) * سورة إبراهيم / الآية 49 - 50. فصعق ومات).
121

وكان يعد من أعلم تلاميذه لما حضرته الوفاة دخل عليه الفضيل وجلس عند
رأسه وقرأ سورة ياسين.
فقال التلميذ المحتضر: يا أستاذ لا تقرأ هذه السورة. فسكت الأستاذ، ثم لقنه
فقال له: قل لا إله إلا الله.
فقال: لا أقولها، لأني برئ منها.
ثم مات على ذلك.
فاضطرب الفضيل من مشاهدة هذه الحالة اضطرابا شديدا. فدخل منزله ولم
يخرج منه. ثم رآه في النوم وهو يسحب به إلى جهنم.
فسأله الفضيل: بأي شئ نزع الله المعرفة منك، وكنت اعلم تلاميذي.
فقال: بثلاثة أشياء:
أولها: النميمة فاني قلت لأصحابي بخلاف ما قلت لك.
والثاني: بالحسد، حسدت أصحابي.
والثالث: كانت بي علة فجئت إلى الطبيب فسألته عنها فقال تشرب في كل
سنة قدحا من الخمر، فان لم تفعل بقيت بك العلة.
فكنت اشرب الخمر تبعا لقول الطبيب.
ولهذه الأشياء الثلاثة التي كانت في ساءت عاقبتي ومت على تلك الحالة (1).

(1) راجعنا في ترجمة القصة ما نقله المؤلف (رحمه الله) في كتابه سفينة البحار: ج 2، ص 727 الطبعة الحديثة، وقد حاولنا أن نجمع ما في السفينة وما نقله هنا بالفارسية، وإن شئت فراجع
السفينة.
122

يقول المؤلف: رأيت من المناسب أن أذكر في ذيل هذه الحكاية هذا الخبر:
روى الشيخ الكليني عن أبي بصير انه قال:
دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده فقالت: جعلت فداك
انه يعتريني قراقر في بطني.. وقد وصف لي أطباء العراق النبيذ بالسويق، وقد
وقفت وعرفت كراهتك له، فأحببت أن أسألك عن ذلك؟
فقال لها (عليه السلام): وما يمنعك عن شربه؟
قالت: قد قلدتك ديني، فألقى الله عز وجل حين ألقاه فأخبره ان جعفر بن
محمد (عليهما السلام) أمرني ونهاني.
فقال: يا أبا محمد ألا تسمع إلى هذه المرأة، وهذه المسائل. لا والله لا آذن لك
في قطرة منه، ولا تذوقي منه قطرة، فإنما تندمي إذا بلغت نفسك ها هنا - وأومأ بيده
إلى حنجرته - يقولها ثلاثا: أفهمت؟
قالت: نعم (1).
الحكاية الأخرى:
ذكر الشيخ البهائي عطر الله مرقده في الكشكول:
احتضر بعض المترفين وكان كلما قيل له قل: لا إله إلا الله، يقول هذا البيت:
يا رب قائلة يوما وقد تعبت * أين الطريق إلى حمام منجاب
وسبب ذلك أن امرأة عفيفة حسناء خرجت إلى حمام معروف بحمام بنجاب،
فلم تعرف طريقه وتعبت من المشي، فرأت رجلا على باب دار، فسألته عن الحمام.
فقال: هو هذا، وأشار إلى باب داره.
فلما دخلت، أغلق الباب عليها، فلما علمت بمكره أظهرت كمال الرغبة
والسرور، وقالت: اشتر لنا شيئا من الطيب، وشيئا من الطعام، وعجل بالعود إلينا.
فلما خرج واثقا بها وبرغبتها، خرجت وتخلصت منه.

(1) رواه الشيخ الكليني في الكافي الشريف: ج 6 ص 413.
123

فانظر كيف منعته هذه الخطيئة عن الاقرار بالشهادة عند الموت، مع أنه لم
يصدر منه إلا ادخال المرأة بيته وعزمه على الزنا فقط من دون وقوعه منه (1).
والحكايات من هذا القبيل كثيرة.
واعلم أن الشيخ الكليني روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا " (2).
يقول الفقير: القيراط واحد وعشرون دينارا.
وورد قريبا من هذا المضمون في حق من استطاع أن يحج ولم يحج
حتى مات (3).
لطيفة:
نقل عن بعض العارفين انه حضر عند محتضر فطلب الحاضرون منه أن يلقن
المحتضر. فلقنه هذه الرباعية:
گر من گنه جمله جهان كردستم
لطف تو اميد است كه گيرد دستم
گوئي كه به وقت عجز دستت گيرم
عاجز تر از أين مخواه كاكنون هستم
يعني:
إن ارتكبت معاصي الدنيا كلها
فرجائي أن يأخذ لطفك يدي
فإنك وعدتني بأخذ يدي عندما أعجز
لا تشأ أن أعجز أكثر من عجزي الحالي

(1) الكشكول: ج 1، ص 248 - 249.
(2) الكافي: ج 3، ص 507.
(3) أقول: روى الصدوق في ثواب الأعمال: ص 281 - 282، بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" من مات ولم يحج حجة الاسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق
الحج من أجله أو سلطان يمنعه فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ".
124

أحد منازل الآخرة المهولة
القبر
125

أحد منازل الآخرة المهولة
القبر
فإنه في كل يوم يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود (1).
ولهذا المنزل عقبات صعبة جدا، ومنازل ضيقة ومهولة، ونحن نشير هنا

(1) روى الكليني في الكافي: ج 3، ص 242 بالإسناد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: " ان
للقبر كلاما في كل يوم يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود، أنا القبر، انا
روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران ".
وروى أيضا في ج 3، ص 241، بالإسناد عنه (عليه السلام) قال: " ما من موضع قبر إلا وهو ينطق كل
يوم ثلاث مرات: أنا بيت التراب، أنا بيت البلاء، أنا بيت الدود.
قال: فإذا دخله عبد مؤمن قال: مرحبا وأهلا، أما والله لقد كنت أحبك وأنت تمشي على
ظهري، فكيف إذا دخلت بطني، فسترى ذلك.
قال: فيفسح له مد البصر، ويفتح له باب يرى مقعده من الجنة.
قال: ويخرج من ذلك رجل لم تر عيناه شيئا قط أحسن منه فيقول: يا عبد الله ما رأيت
شيئا قط أحسن منك.
فيقول: أنا رأيك الحسن الذي كنت عليه، وعملك الصالح الذي كنت تعمله.
قال: ثم تؤخذ روحه، فتوضع في الجنة حيث رأى منزله، ثم يقال له: نم قرير العين،
فلا يزال نفحة من باب الجنة تصيب جسده يجد لذتها وطيبها حتى يبعث.
قال: وإذا دخل الكافر، قال: لا مرحبا بك، ولا أهلا، اما والله لقد كنت أبغضك وأنت تمشي
على ظهري، فكيف إذا دخلت بطني سترى ذلك.
قال: فتضم عليه، فتجعله رميما، ويعاد كما كان، ويفتح له باب إلى النار فيرى مقعده
من النار... الحديث ".
127

إلى عدة عقبات منها:
العقبة الأولى
وحشة القبر
* في كتاب (من لا يحضره الفقيه):
(وإذا حمل الميت إلى قبره فلا يفاجأ به القبر لأن للقبر أهوالا عظيمة. ويتعوذ
حامله بالله من هول المطلع. ويضعه قرب شفير القبر. ويصبر عليه هنيئة ثم يقدمه
قليلا ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته، ثم يقدمه إلى شفير القبر) (1).
وقال المجلسي الأول في شرح هذا الحديث:
(ولو أن الروح قد فارقت البدن، وان الروح الحيوانية قد ماتت، أما النفس
الناطقة فحية. وان تعلقها بالبدن يزول على نحو الكلية. وان الخوف من ضغطة
القبر وسؤال منكر ونكير ورومان " فتان القبور "، والخوف من عذاب البرزخ
موجود ليكن عبرة للآخرين ليفكروا ان ذلك واقع بهم في المستقبل.
وفي حديث حسن (2) عن يونس قال: حديث سمعته عن أبي الحسن
موسى (عليه السلام) ما ذكرته وأنا في بيت إلا ضاق علي. يقول: إذا أتيت بالميت إلى شفير
قبره فأمهله ساعة، فإنه يأخذ أهبته للسؤال (3).
وروي عن البراء بن عازب - أحد الصحابة المعروفين قال:
بينما نحن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا بصر بجماعة فقال: علام اجتمع عليه هؤلاء؟

(1) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 1، ص 170.
(2) أي ان سند الحديث حسن.
(3) لم نجده في الشرح العربي المطبوع باسم (روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه)
ولعله في الشرح الفارسي فان للمجلسي الأول شرحان على الفقيه.
وأما الرواية فموجودة في الشرح العربي ونقلناها منه، روضة المتقين: ج 1، ص 450.
وقد رواها الكليني في الكافي: ج 3، ص 191، كتاب الجنائز - باب (في وضع الجنازة
دون القبر) - ح 2.
128

قيل: على قبر يحفرونه.
قال: ففزع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى
القبر فجثا عليه.
قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع. فبكى حتى بل الثرى من دموعه،
ثم اقبل علينا، قال: أي إخواني لمثل اليوم أعدوا (1).

(1) مسند أحمد بن حنبل: ج 4، ص 294 وروى الشهيد في: مسكن الفؤاد، ص 107، الطبعة
الحجرية عن البراء بن عازب باختلاف يسير، ونقله الشيخ النوري في المستدرك: ج 2،
ص 465، باب 74، ح 2476، الطبعة الحديثة.
ومما يناسب المقام ما رواه أحمد بن حنبل أيضا عن البراء بن عازب انه قال:
(خرجنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض.
فرفع رأسه، فقال:
استعيذوا بالله من عذاب القبر. (مرتين، أو ثلاثا) ثم قال:
إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، واقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من
السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط
الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت (عليه السلام) حتى يجلس عند رأسه فيقول:
أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله، ورضوان.
قال: فتخرج تسيل، كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها. فإذا أخذها لم يدعوها
في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلونها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها
كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض.
قال: فيصعدون بها، فلا يمرون - يعني بها - على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح
الطيب؟
فيقولون: فلان، بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا.
حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء
مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل اكتبوا
كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فاني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها
أخرجهم تارة أخرى.
قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول
ربي الله.
فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الاسلام.
فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟
فيقول: هو رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت.
فينادي مناد من السماء: إن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا
له بابا إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره... الحديث)
مسند أحمد: ج 4، ص 287.
129

* ونقل الشيخ البهائي عن بعض الحكماء انه رئي في ساعة موته يتحسر
ويتأسف.
فقيل له: ما هذا الذي يرى منك؟
فقال: ما يظن بمن يسافر سفرا بعيدا بدون زاد ولا مؤونة، ويسكن في قبر
موحش بلا مؤنس، ويرد على حاكم عادل بدون حجة؟!
* وروى القطب الراوندي أن عيسى نادى أمه مريم (عليهم السلام) بعد ما دفنت فقال:
يا أماه هل تريدين أن ترجعي إلى الدنيا؟
قالت: نعم لأصلي لله في ليلة شديدة البرد وأصوم يوما شديد الحر، يا بني فان
الطريق مخوف (1).
* وروي: ان فاطمة (عليها السلام) لما احتضرت أوصت عليا (عليه السلام) فقالت: " إذا أنا مت
فتول أنت غسلي وجهزني، وصل علي وأنزلني قبري وألحدني، وسو التراب علي،
واجلس عند رأسي قبالة وجهي، فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فإنها ساعة
يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء " (2).
* وروى السيد ابن طاووس (رحمه الله) عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) انه قال:

(1) رواها النوري في مستدرك الوسائل: ج 1، ص 591، الطبعة الحجرية، كتاب الصيام، أبواب
الصوم المندوب، باب 2، ح 6، عن لب اللباب للراوندي.
(2) راجع البحار: ج 82، ص 27، ح 13، عن مصباح الأنوار، ونقله عنه الشيخ النوري (رحمه الله) في
المستدرك: ج 2، ص 339، باب 32، ح 2133. ونقله أيضا في المستدرك: ج 2، ح 477،
باب 79، ح 2509. وتجده في مصابيح الأنوار: ص 257.
130

" لا يأتي على الميت ساعة أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة، فان
لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة،
وقل هو الله أحد مرتين، وفي الثانية فاتحة الكتاب مرة وألهاكم التكاثر عشر
مرات ويسلم ويقول:
اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر ذلك الميت فلان بن
فلان، فيبعث الله من ساعته الف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب وحلة ويوسع في
قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور ويعطى المصلي بعدد ما طلعت عليه
الشمس حسنات ويرفع له أربعون درجة " (1).
صلاة أخرى:
يصلى لرفع وحشة الليلة الأولى في القبر ركعتين، يقرأ في الركعة الأولى
الحمد وآية الكرسي، ويقرأ في الركعة الثانية الحمد وانا أنزلناه عشر مرات،
فإذا سلم يقول:
" اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان " (2).
ويذكر اسم الميت عوضا عن " فلان ".
حكاية:
نقل شيخنا ثقة الاسلام النوري (نور الله مرقده) في (دار السلام) عن
شيخه معدن الفضائل والمعالي مولانا الحاج ملا فتح علي السلطان آبادي (عطر

(1) فلاح السائل للسيد ابن طاووس: ص 86 - 87.
(2) في المصباح للشيخ الكفعمي: ص 411 الطبعة الحجرية. قال: " وصلاة هدية الميت ليلة
الدفن ركعتان، في الأولى الحمد، وآية الكرسي، وفي الثانية الحمد والقدر عشرا، فإذا سلم
قال: اللهم صلي على محمد وآل محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان ".
وذكرها الشيخ الكفعمي في: البلد الأمين: ص 164. ونقلها عنه الحر العاملي في
الوسائل: ج 5، ص 285، كتاب الصلاة: أبواب بقية الصلوات المندوبة باب 44، ح 2.
ونقلها المجلسي في البحار: ج 91، ص 219، ح 5.
131

الله مضجعه) قال:
كان من عادتي وطريقتي أن أصلي ركعتين لكل من سمعته مات في ولاء أهل
البيت (عليهم السلام) في ليلة دفنه سواءا عرفته أو جهلته. ولم يكن أحدا مطلعا على ذلك،
إلى أن لقاني يوما في الطريق بعض الأصدقاء فقال:
اني رأيت البارحة فلانا في المنام - وقد توفي في هذه الأيام - فسألته عن
حاله، وما جرى عليه بعد الموت.
فقال: كنت في شدة وبلاء وآل أمري إلى العقاب عند الجزاء إلا أن الركعتين
اللتين صلاهما فلان - وسماك - انقذتني من العذاب، ودفعت عني مضاضة العقاب،
فرحم الله أباه (1) لهذا الاحسان الذي وصل منه إلي (2).
ثم سألني عن تلك الصلاة فأخبرته بطريقتي المستمرة، وعادتي الجارية (3).
* ومن الأشياء النافعة أيضا لوحشة القبر اتمام الركوع كما روي عن الإمام محمد
الباقر (عليه السلام) انه قال:
" من أتم ركوعه لم تدخله وحشة القبر " (4).
* وورد في الخبر أيضا:
" من قال مائة مرة (لا إله إلا الله الملك الحق المبين) أعاذه الله العزيز الجبار
من الفقر وأنس وحشة قبره واستجلب الغنى واستقرع باب الجنة " (5).

(1) في المصدر المطبوع: إياه.
(2) هكذا في المصدر بدل (وصلني منه) كما هو الصحيح.
(3) دار السلام: ج 2، ص 315.
(4) الدعوات للقطب الراوندي: ص 276 الطبعة الحديثة، قال: " وعن سعيد بن جناح قال:
كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال مبتدءا... الخبر) ونقله عنه المجلسي (رحمه الله) في البحار: ج 6،
ص 244، 71، وفي ج 82، ص 64، ح 8، ورواه الصدوق في ثواب الأعمال: ص 55 (باب
من أتم ركوعه)، ح 1. ونقله عن البحار: ج 85، ص 107، ح 15.
(5) ثواب الأعمال: الشيخ الصدوق: ص 22 (ثواب من قال لا إله إلا الله الملك الحق المبين
مائة مرة) ح 1. وذكره القطب الراوندي في الدعوات: ص 217.
ونقله في البحار: ج 86، ص 161 ح 40، عن (البلد الأمين) وفي ج 87 - ص 8، ح 13،
وفي ج 93، ص 207، ح 7.
كما رواه الشيخ الطوسي في الأمالي: ص 285.
132

* وكذلك قراءة سورة يس قبل النوم (1).
وكذلك صلاة ليلة الرغائب، وقد ذكرت هذه الصلاة مع بعض فضائلها في
مفاتيح الجنان في أعمال شهر رجب (2).

(1) روى الصدوق (رحمه الله) في ثواب الأعمال: ص 138 عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" ان لكل شئ قلبا وان قلب القرآن يس، من قرأها قبل أن ينام أو في نهاره قبل أن
يمسي كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتى يمسي. ومن قرأها في ليلة قبل أن
ينام وكل الله به ألف ملك يحفظونه من شر كل شيطان رجيم، ومن كل آفة. وإن مات في يومه
أدخله الله به الجنة، وحضر غسله ثلاثون ألف ملك كلهم يستغفرون له، ويشيعونه إلى قبره
بالاستغفار له. فإذا دخل في لحده كانوا في جوف قبره يعبدون الله، وثواب عبادتهم له،
وفسح له في قبره مد بصره، وأومن من ضغطة القبر، ولم يزل له في قبره نور ساطع إلى عنان
السماء إلى أن يخرجه الله من قبره... الحديث ".
وفي البحار: ج 76، ص 200، عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " من قرأ يس، في ليلته
قبل أن ينام وكل الله به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم ومن كل آفة ".
ولا يخفى أن هذه الرواية هي قطعة من الرواية المتقدمة.
(2) قال المؤلف في كتابه مفاتيح الجنان المعرب: ص 139:
(واعلم أن أول ليلة من ليالي الجمعة من رجب تسمى ليلة الرغائب، فيها عمل مأثور عن
النبي (صلى الله عليه وآله) ذو فضل كثير. ورواه السيد في الاقبال والعلامة المجلسي (رحمه الله) في اجازة بني زهرة.
ومن فضله: أن يغفر لمن صلاها ذنوب كثيرة، وانه إذا كان أول ليلة نزوله إلى قبره بعث الله
إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة، بوجه طلق، ولسان ذلق، فيقول: يا حبيبي ابشر فقد
نجوت من كل شدة.
فيقول: من أنت، فما رأيت أحسن وجها منك، ولا سمعت كلاما أحلى من كلامك،
ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك؟
فيقول: يا حبيبي انا ثواب تلك الصلاة التي صليتها ليلة كذا، في بلدة كذا، في شهر كذا،
في سنة كذا، جئت الليلة لأقضي حقك وآنس وحدتك، وأرفع عنك وحشتك، فإذا نفخ في
الصور ظللت في عرصة القيامة على رأسك، فافرح فإنك لن تعدم الخير أبدا. وصفة هذه الصلاة:
أن يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي بين صلاتي المغرب والعشاء اثنتي عشرة
ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وانا أنزلناه ثلاث
مرات، وقل هو الله أحد اثني عشرة مرة.
فإذا فرغ من صلاته قال سبعين مرة: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله [وفي
نسخة بدل اللهم صل على محمد وآل محمد] ثم يسجد ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم
وتجاوز عما تعلم انك أنت العلي الأعظم. ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها سبعين مرة:
سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
ثم يسأل حاجته، فإنها تقضى إن شاء الله) انتهى كلامه رفع مقامه.
وقد نقل العلامة المجلسي (رحمه الله) في بحاره: ج 98، ص 395 باب (عمل خصوص ليلة
الرغائب): عن العلامة في اجازته الكبيرة عن الحسن بن الدربي، عن الحاج صالح مسعود
ابن محمد وأبي الفضل الرازي المجاور بمشهد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قرأها عليه في
محرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة عن الشيخ علي بن عبد الجليل الرازي عن شرف
الدين الحسن بن علي، عن سديد الدين علي بن الحسن عن عبد الرحمن بن أحمد
النيسابوري، عن الحسين بن علي، عن الحاج مسموسم عن أبي الفتح نور خان عبد الواحد
الأصفهاني، عن عبد الواحد بن راشد الشيرازي، عن أبي الحسن الهمداني عن علي بن
محمد بن سعيد البصري، عن أبيه، عن خلف بن عبد الله الصنعاني، عن حميد الطوسي، عن
أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما معنى قولك: رجب شهر الله؟ قال: لأنه مخصوص
بالمغفرة، فيه تحقن الدماء، وفيه تاب الله على أوليائه وفيه أنقذهم من نزاعه ثم قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صامه كله استوجب على الله ثلاثة أشياء:
مغفرة لجميع ما سلف من ذنوبه، وعصمة فيما يبقى من عمره، وأمانا من العطش يوم
الفزع الأكبر.
فقام شيخ ضعيف فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني عاجز عن صيامه كله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
صم أول يوم منه، فان الحسنة بعشر أمثالها وأوسط يوم منه وآخر يوم منه، فإنك تعطى ثواب
صيامه كله، ولكن لا تغفلوا عن ليلة أول خميس منه، فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة
الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك في السماوات والأرض إلا ويجتمعون
في الكعبة وحواليها ويطلع الله عليهم اطلاعة فيقول لهم:
يا ملائكتي اسألوني ما شئتم فيقولون: حاجاتنا إليك أن تغفر لصوام رجب، فيقول
الله عز وجل قد فعلت ذلك.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلي
ما بين العشاءين والعتمة اثني عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليم يقرأ في كل ركعة
فاتحة الكتاب مرة واحدة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو الله أحد اثني عشرة
مرة، فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة، ويقول " اللهم صل على محمد وعلى آله، ثم
يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العلي
الأعظم، ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها ما قال في الأولى ثم يسأل الله حاجته في
سجوده، فإنها تقضى.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده لا يصلي عبد أو أمة هذه الصلاة إلا غفر الله جميع
ذنوبه، ولو كان ذنوبه مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزان الجبال وعدد ورق الأشجار ويشفع
يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار، فإذا كان أول ليلة في قبره بعث
الله إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة فيجيئه بوجه طلق ولسان ذلق فيقول: يا حبيبي
أبشر فقد نجوت من كل سوء فيقول: من أنت فوالله ما رأيت وجها أحسن من وجهك،
ولا سمعت كلاما أحسن من كلامك، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك، فيقول: يا حبيبي أنا
ثواب تلك الصلاة التي صليتها في ليلة كذا من شهر كذا في سنة كذا، جئتك هذه الليلة
لأقضي حقك وأونس وحدتك، وأرفع وحشتك، فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيامة
على رأسك فابشر فلن تعدم الخير أبدا).
وقال السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 632، الطبعة الحجرية: (لا تغفلوا عن أول
ليلة جمعة فيه فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لم يبق
ملك في السماوات والأرض إلا يجتمعون في الكعبة وحواليها ويطلع الله عليهم إطلاعة
فيقول لهم يا ملائكتي سلوني ما شئتم فيقولون ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوام رجب فيقول
الله تبارك وتعالى قد فعلت ذلك ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما من أحد صام يوم الخميس أول
خميس من رجب ثم يصلي بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين
بتسليمة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وانا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو
الله أحد اثنتي عشرة مرة فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة يقول اللهم صل على
محمد النبي الأمي الهاشمي وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة سبوح قدوس
رب الملائكة والروح ثم يرفع رأسه ويقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العلي
الأعظم ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل الله حاجته في سجوده فإنه تقضى إن شاء الله تعالى ثم قال رسول الله (عليه السلام) والذي نفسي بيده لا يصلي
عبد أو أمة هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر وعدد الرمل
ووزن الجبال وعدد أوراق الأشجار ويشفع يوم القيامة في سبع مائة من أهل بيته ممن قد
استوجب النار فإذا كان أول ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن
صورة بوجه طلق ولسان ذلق فيقول يا حبيبي ابشر فقد نجوت من كل شدة فيقول من أنت
فما رأيت أحسن وجها منك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك فيقول يا حبيبي أن ثواب
تلك الصلاة التي صليتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا جئت الليلة لأقضي
حقك وآنس وحدتك وارفع عنك وحشتك فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيامة على
رأسك وانك لن تعدم الخير من مولاك أبدا).
133

* وروي:
" ومن صام اثني عشر يوما من شعبان زاره في قبره كل يوم سبعون ألف ملك
إلى النفخ في الصور " (1).
* ومن عاد مريضا أوكل الله تعالى به ملكا يعوده في قبره إلى محشره (2).

(1) روى ذلك الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال: ص 87، ورواه في فضائل الأشهر الثلاثة
ص 47، ح 24.
ورواه في الأمالي: ص 29، المجلس 7، ح 1 ونقله المجلسي في البحار: ج 97، ص 69، ح 7.
(2) أقول: روى الصدوق في ثواب الأعمال: ص 231، بإسناد صحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
" كان فيما ناجى الله به موسى (عليه السلام) ربه إن قال: يا رب أعلمني ما بلغ من عيادة المريض
من الأجر؟
قال عز وجل: أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره ".
وفي: قصص الأنبياء / القطب الراوندي: ص 163، ح 185 (قال موسى (عليه السلام): يا رب ما
لمن عاد مريضا؟ قال: أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره..). ونقله عنه المجلسي في
البحار: ج 13، ص 354، ح 52. وروى الكليني في الكافي: ج 3، ص 120، كتاب الجنائز
باب (ثواب عيادة المريض)، ح 4، عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " أيما مؤمن عاد مؤمنا في
الله عز وجل في مرضه وكل الله به ملكا من العواد يعوده في قبره إلى يوم القيامة ".
وفي ج 3، ص 120 ح 5: بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " من عاد مريضا من
المسلمين وكل الله به أبدا سبعين ألفا من الملائكة يغشون رحله ويسبحون فيه، ويقدسون،
ويهللون، ويكبرون إلى يوم القيامة نصف صلاتهم لعائد المريض ".
وروى أيضا في ج 3، ص 121، ح 7 بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " من عاد مريضا وكل الله عز وجل به ملكا يعوده في قبره ".
136

* وروي عن أبي سعيد الخدري انه قال:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي! ابشر وبشر فليس على شيعتك (1)
حسرة (2) عند الموت، ولا وحشة في القبور، ولا حزن يوم النشور (3).
العقبة الثانية
ضغطة القبر
وهذه العقبة صعبة جدا وبتصورها تضيق على الانسان الدنيا.
* قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من
الموت القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته، إن القبر يقول كل يوم أنا بيت
الغربة انا بيت الوحشة أنا بيت الدود، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفره من
حفر النار إلى أن قال: وإن معيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر، إنه
يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا فينهشن لحمه ويكسرن عظمه
يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا.

(1) في نسخة من المصدر (لشيعتك) بدل (على شيعتك).
(2) في نسخة من المصدر (كرب) بدل (حسرة).
(3) تفسير فرات: ص 348، ح 375. وفي البحار: ج 7، ص 198، ح 73، وتكملة الحديث
(ولكأني بهم يخرجون من جدث القبور ينفضون التراب عن رؤوسهم ولحاهم، يقولون:
الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله
لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب).
وفي البحار أيضا: ج 39، ص 228، عن عائشة، قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " حسبك،
ما لمحبك حسرة عند موته، ولا وحشة في قبره، ولا فزع يوم القيامة ".
وفي البحار: ج 6، ص 200:
عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام):
" يا علي ان محبيك يفرحون في ثلاثة مواطن: عند خروج أنفسهم وأنت هناك تشهدهم،
وعند المسألة في القبور وأنت هناك تلقنهم، وعند العرض على الله وأنت هناك تعرفهم ".
137

يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير
تضعف عن هذا " (1).
* وروي بأنه كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قام الليل يرفع صوته حتى يسمع أهل
الدار ويقول:
" اللهم أعني على هول المطلع ووسع علي ضيق المضجع وارزقني خير ما قبل
الموت وارزقني خير ما بعد الموت " (2).
* ومن أدعيته (عليه السلام):
" اللهم بارك لي في الموت، اللهم أعني على سكرات الموت اللهم أعني على
غم القبر، اللهم أعني على ضيق القبر اللهم أعني على وحشة القبر اللهم زوجني من
الحور العين " (3).
* واعلم أن العمدة في عذاب القبر تأتي من عدم الاحتراز من البول،
والاستخفاف به، يعني استسهاله، ومن النميمة ونقل الأقوال والأخبار والاستغابة
وابتعاد الرجل عن أهله (4).
* ويستفاد من رواية سعد بن معاذ ان من أسباب ضغطة القبر سوء خلق

(1) الأمالي، الطوسي: ص 27، ح 31، ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 6، 218، ح 13.
(2) أصول الكافي: ج 2، ص 539، بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الإمام الصادق
(عليه السلام). وفي (من لا يحضره الفقيه) ج 1، ص 480، ح 1389.
(3) أقول روى هذا الدعاء السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 178، الطبعة الحجرية،
في ضمن أعمال الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان المبارك، وقد رواه عن الإمام الصادق
(عليه السلام) وفيه: " اللهم أعني على الموت، اللهم أعني على سكرات الموت... اللهم أعني
على وحشة القبر، اللهم أعني على ظلمة القبر اللهم أعني على أهوال يوم القيامة، اللهم بارك
لي في طول يوم القيامة، اللهم زوجني من الحور العين ". ونقله في البحار: ج 98، ص 135.
(4) روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع: ص 309، باب 262، بالإسناد عن علي (عليه السلام) قال:
" عذاب القبر يكون من النميمة، والبول، وعزب الرجل عن أهله "، ونقله عنه المجلسي
في البحار: ج 6، ص 222، ح 21، وفي ج 75، ص 265، ح 210، وفي ج 103،
ص 286، ح 16.
138

الرجل مع أهله، وغلظته مع عياله أيضا (1).
* وورد في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" ليس من مؤمن إلا وله ضمة " (2).

(1) وروى الصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع: ص 310، باب 262، ح 4، وفي الأمالي: ص 314،
المجلس 61، ح 2، وروى الشيخ الطوسي في الأمالي: ص 439، ح 12 ونقله في البحار:
ج 6، 220، ح 14، وفي ج 22، ص 107، ح 67، وفي ج 73، ص 298، ح 11، وفي ج 82،
ص 49، ح 39.
" أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: ان سعد بن معاذ قد مات.
فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقام أصحابه معه. فأمر بغسل سعد، وهو قائم على عضادة الباب.
فلما إن حنط وكفن، وحمل على سريره، تبعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا حذاء ولا رداء. ثم كان يأخذ
يمنة السرير، ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر.
فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى لحده، وسوى اللبن عليه. وجعل يقول: ناولوني حجرا،
ناولوني ترابا رطبا، يسد به ما بين اللبن.
فلما إن فرغ، وحثا التراب عليه، وسوى قبره، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اني لأعلم انه سيبلى
ويصل البلى إليه، ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه، فلما إن سوى التربة عليه قالت
أم سعد: يا سعد! هنيئا لك الجنة.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أم سعد! مه، لا تجزمي على ربك، فان سعدا قد اصابته ضمة، قال:
فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورجع الناس فقالوا له: يا رسول الله لقد رأيناك تصنعه على سعد ما لم
تصنعه على أحد، انك تبعت جنازته بلا رداء، ولا حذاء.
فقال (صلى الله عليه وآله): ان الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت بها.
قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرة، ويسرة السرير مرة.
قال (صلى الله عليه وآله): كانت يدي في جبرئيل آخذ حيث يأخذ.
قالوا: أمرت بغسله وصليت على جنازته ولحدته في قبره، ثم قلت: ان سعدا قد
أصابته ضمة.
قال: فقال (صلى الله عليه وآله): نعم انه كان في خلقه مع أهله سوء ".
(2) كتاب الزهد للحسين بن سعيد الأهوازي: ص 88، ح 235، ونقله عنه المجلسي في
البحار: ج 6، ص 221.
وروى الحسين بن سعيد الأهوازي في كتابه الزهد: ص 87 - 88، ح 234، وقال =
139

* وفي رواية أخرى:
" ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم " (1).
* وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
" اقعد رجل من الأخيار (2) في قبره، قيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من
عذاب الله.
فقال: لا أطيقها.
فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحده.
فقالوا: ليس منها بد.
قال: فبما تجلدونيها؟
قالوا: نجلدك لأنك صليت يوما بغير وضوء، ومررت على ضعيف فلم تنصره.
قال: فجلدوه جلدة من عذاب الله عز وجل فامتلأ قبره نارا " (3).
* وروي عنه (عليه السلام):
" أيما مؤمن سأله أخوه المؤمن حاجة وهو يقدر على قضائها ولم يقضها له

أبو بصير: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " ان رقية بنت رسول الله (عليه السلام) لما ماتت قام
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قبرها، فرفع يده تلقاء السماء ودمعت عيناه. فقالوا: يا رسول الله انا قد
رأيناك رفعت رأسك إلى السماء، ودمعت عيناك؟ فقال: اني سألت ربي ان يهب لي رقية من
ضمة القبر ". ونقله المجلسي في البحار: ج 6، ص 217.
(1) رواه الصدوق في الأمالي: المجلس 80، ح 2، ص 434، وفي علل الشرائع: ص 309،
الباب 262، ح 3، وفي ثواب الأعمال: ص 234 (ثواب ضغطة القبر)، ح 1، ونقله في البحار:
ج 6، ص 221، ح 16، وفي: ج 71، ص 50، ح 68.
(2) قد أثبت المؤلف (رحمه الله) (أحبار) ثم قال في الهامش: (أحبار جمع حبر يعني عالم اليهود.
ومن المحتمل أن يكون أخيار بالخاء المعجمة والياء المثناة بنقطتين). وقد أثبتنا ما في
المصدر.
(3) ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ص 267، علل الشرائع: ص 309، ح 1، وفيه (اقعد رجلا
من الأحبار)، ونقله في البحار: ج 6، ص 221، ح 18، وفي ج 75، ص 17، ح 4، وفي ج 8،
ص 233، ح 6، وفيها جميعا (الأخيار) بالمعجمة.
140

سلط الله عليه شجاعا (1) في قبره ينهش أصابعه " (2).
* وفي رواية أخرى:
" ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفورا له أو معذبا " (3).
المنجيات من ضغطة القبر:
وأما الأمور التي تنجي من ضغطة القبر وعذابه فكثيرة نكتفي هنا بذكر
عدة منها:
* الأول: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
" من قرأ سورة النساء في كل جمعة أو من من ضغطة القبر " (4).
* الثاني: روي:
" من أدمن قراءة حم الزخرف آمنه الله في قبره من هوام الأرض
وضغطة القبر " (5).

(1) ذكر المؤلف (رحمه الله) في ترجمة الحديث الشريف (سلط الله عليه حية تسمى شجاعا) وليس في
الخبر ذلك. بل أن شجاع معناه اللغوي الحية قال الشيخ الطريحي في كتابه (مجمع البحرين)
ج 4، ص 351 (في الحديث سلط الله عليه شجاعا أقرع، الشجاع بالكسر والضم الحية
العظيمة التي تواثب الفارس والرجل وتقوم على ذنبها وربما قلعت رأس الفارس تكون في
الصحارى. والشجاع الأقرع حية قد تمعط فروة رأسها لكثرة سمها) انتهى كلامه رفع مقامه.
(2) في عدة الداعي لابن فهد الحلي: ص 177، ص 179، وقريب منه في الكافي: ج 2،
ص 193، ح 5، وفي ج 2، ص 196، ح 13، وفي ج 2 ص 367، ح 4. وفي ثواب الأعمال
وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق: ص 296، (عقاب من اتاه أخوه في حاجة فلم يقضها له)،
ح 1، وفي الإختصاص للمفيد: ص 250، وفي الأمالي للشيخ الطوسي: ص 676، ح 36،
ونقلها في البحار: ج 74، ص 319، ح 83، وفي: ج 74، ص 324، ح 94، وفي: ج 74،
ص 330، ح 102. وفي: ج 75، ص 174، ح 5، وفي ج 75، ص 176، ح 11، وفي ج 75،
ص 177، ح 13، وفي: ج 75، ص 177، ح 14، ج 75، ص 179، ح 19.
(3) المصادر السابقة.
(4) ثواب الأعمال للصدوق: ص 131، تفسير العياشي: ج 1، ص 215، ح 1. ونقله في البحار:
ج 92، ص 273، ح 1.
(5) ثواب الأعمال للصدوق: ص 141، ونقله في البحار: ج 87، ص 2، ح 3. وفي: ج 92، ص 299، ح 1.
141

* الثالث: روي:
" من قرأ سورة ن والقلم في فريضة أو نافلة... (1) وأعاذه الله إذا مات من
ضمة القبر " (2).
* الرابع: روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" من مات ما بين زوال الشمس من يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم
الجمعة أعاذه الله من ضغطة القبر " (3).
* الخامس: روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) انه قال:
" عليكم بصلاة الليل، فما من عبد يقوم آخر الليل فيصلي ثمان ركعات،
وركعتي الشفع، وركعة الوتر، واستغفر الله في قنوته سبعين مرة إلا أجير من عذاب
القبر ومن عذاب النار، ومد له في عمره، ووسع عليه في معيشته " (4).
* السادس: روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):
" من قرأ إلهكم التكاثر عند النوم وقي من فتنة القبر " (5).
* السابع: قراءة دعاء:
" أعددت لكل هول لا إله إلا الله... إلى اخره " عشر مرات.

(1) أسقط المؤلف قوله - المروي - عنه (عليه السلام):
" آمنه الله عز وجل من أن يصيبه فقر ابدا " من الخبر للاختصار لأن هذه العبارة لا تدخل
تحت عنوان الموضوع.
(2) ثواب الأعمال: ص 147، والرواية مروية عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ونقلها عنه في البحار:
ج 92، ص 316، ح 1.
(3) رواه الصدوق (رحمه الله) في الأمالي: 231، المجلس 47، ح 11، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال،
ص 231. ونقله عنه في البحار، ج 6، ص 221، ح 17. وفي: ج 6، ص 242، ح 63، وفي
ج 89، ص 265، ح 1.
(4) روضة الواعظين الفتال النيسابوري: ج 2، ص 320، (مجلس في فضائل صلاة الليل)، ح 2.
ونقله المجلسي في البحار: ج 87، ص، 161.
(5) ثواب الأعمال للصدوق: ص 153. ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 76، ص 200،
ح 14. وفي: ج 92، ص 336، ح 2.
142

وقد تقدم هذا الدعاء في عقبة سكرات الموت (1).
* الثامن: الدفن في النجف الأشرف، فمن خواص هذه التربة الشريفة انها
تسقط عذاب القبر وحساب منكر ونكير عن من يدفن فيها (2).

(1) تقدمت مصادر هذا الدعاء في ص 125.
(2) أقول: في ارشاد القلوب للشيخ الديلمي: ص 439، قال: (وفي فضل المشهد الغروي
الشريف على مشرفه أفضل الصلاة والسلام، وما لتربته والدفن فيها من المزية والشرف.
روي عن ابن عباس انه قال: الغري قطعة من الجبل الذي كلم الله جل شأنه موسى
تكليما، وقدس عليه تقديسا، واتخذ إبراهيم (عليه السلام) خليلا، واتخذ محمدا (صلى الله عليه وآله) حبيبا وجعله
للنبيين مسكنا.
وروي ان أمير المؤمنين (عليه السلام) نظر إلى ظهر الكوفة فقال: ما أحسن منظرك، وأطيب قعرك،
اللهم اجعل قبري بها.
ومن خواص تربته اسقاط عذاب القبر، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك كما
وردت الأخبار الصحيحة عن أهل البيت (عليهم السلام).
وقال الشيخ الديلمي فيه ص 440:
(روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه كان إذا أراد الخلوة بنفسه، أتى إلى طرف الغري.
فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف، وإذا برجل قد أقبل من البرية راكبا على
ناقة وقدامه جنازة، فحين رأى عليا (عليه السلام) قصده حتى وصل إليه وسلم عليه، فرد علي (عليه السلام)،
وقال له: من أين؟
قال: من اليمن.
قال: وما هذه الجنازة التي معك؟
قال جنازة أبي أتيت لأدفنها في هذه الأرض.
فقال له علي (عليه السلام): لم لا دفنته في أرضكم؟
قال: أوصى إلي بذلك، وقال: (انه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر).
فقال له علي (عليه السلام): أتعرف ذلك الرجل؟
قال: لا
فقال (عليه السلام): أنا والله ذلك الرجل، أنا والله ذلك الرجل. قم فادفن أباك.
فقام، فدفن أباه).
ومن خواص ذلك الحرم الشريف ان جميع المؤمنين يحشرون فيه) انتهى من ما نقلناه
من الارشاد. روى الكليني في الكافي الشريف: ج 3، ص 243، باب في أرواح المؤمنين، بالإسناد
إلى حبة العرني قال:
(خرجت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الظهر - أي ظهر الكوفة، وهو النجف الأشرف كان
يسمى بذلك لوقوعه بظهر الكوفة - فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام. فقمت بقيامه
حتى أعييت، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت حتى نالني مثل ما نالني أولا، ثم جلست حتى
مللت، ثم قمت وجمعت ردائي فقلت: يا أمير المؤمنين إني قد أشفقت عليك من طول القيام
فراحة ساعة.
فقال لي: يا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته.
قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وانهم لكذلك؟
قال: نعم، ولو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين يتحادثون.
فقلت: أجسام أم أرواح؟
فقال: أرواح. وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه: الحقي بوادي
السلام وانها لبقعة من جنة عدن).
وروى أيضا بالإسناد إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له: ان أخي ببغداد، وأخاف أن
يموت بها.
فقال: ما تبالي حيثما مات، أما انه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلا حشر الله
روحه إلى وادي السلام.
قلت له: وأين وادي السلام؟
قال: ظهر الكوفة. أما إني كأني بهم حلق حلق قعود يتحدثون).
وقال الديلمي في ارشاده ص 440.
(وروى جماعة من صلحاء المشهد الشريف الغروي انه رأى: ان كل واحد من القبور
التي في المشهد الشريف، وظاهره: قد خرج منه حبل ممتد متصل بالقبة الشريفة صلوات
الله على مشرفها).
وفي دار السلام للعلامة المرحوم الشيخ النوري (قدس سره) صاحب مستدرك الوسائل، قصة
غريبة عجيبة ذكرها في المجلد 2، ص 68 - 69، تحت عنوان (رؤيا فيها معجزة وفضيلة
عظيمة للدفن في وادي السلام)، فراجعها واستفد.
143

* التاسع: من الأمور النافعة لرفع عذاب القبر وضع جريدتين رطبتين مع
الميت:
وروي:
144

" انه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة " (1).
وروي أيضا:
" مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قبر يعذب صاحبه، فدعا بجريدة فشقها نصفين،
فجعل واحدة عن رأسه، والأخرى عند رجليه، وانه قيل له: لم وضعتها؟
فقال (صلى الله عليه وآله): انه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين " (2).
ومن النافع أيضا صب الماء على القبر لما ورد أن العذاب يرفع عن الميت
ما دام القبر رطبا (3).
* العاشر: في أول يوم من رجب.
" تصلي عشر ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد
ثلاث مرات... وقاك الله فتنة القبر وعذاب يوم القيامة " (4).

(1) الكافي: ج 3، ص 153، ح 7، التهذيب: ج 1، ص 327، ح 123 ونقله الحر في وسائل
الشيعة: كتاب الطهارة، أبواب التكفين، باب 7، ح 6.
(2) الفقيه: ج 1، ص 144، ح 402، ونقله الحر في وسائل الشيعة / كتاب الطهارة، أبواب
التكفين باب 11، ح 4.
(3) أقول: ورد في أخبار كثيرة استحباب رش القبر بالماء فمن ذلك ما رواه الشيخ الطوسي في
التهذيب: ج 1، ص 320، ح 99، بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" السنة في رش الماء على القبر أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل،
ثم تدور على القبر من الجانب الآخر ثم يرش على وسط القبر فكذلك السنة ".
وروى الكليني بإسناد معتبر كالصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في رش الماء على القبر
قال: يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب ". الكافي: ج 3، ص 200، ح 6.
الوسائل / كتاب الطهارة: أبواب الدفن - باب 32، ح 1 - 2.
(4) روى السيد ابن طاووس في الاقبال: ص 637 قال: (رواه سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سلمان ألا أعلمك شيئا من غرائب الكنز؟
قلت: بلى يا رسول الله.
قال (صلى الله عليه وآله): إذا كان أول يوم من رجب تصلي عشر ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب
مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات غفر الله لك ذنوبك كلها من اليوم الذي جرى عليك القلم
إلى هذه الليلة، ووقاك فتنة القبر وعذاب يوم القيامة، وصرف عنك الجذام والبرص،
وذات الجنب).
145

" ويصلي في الليلة الأولى من رجب بعد صلاة المغرب عشرين ركعة بالحمد
والتوحيد، فإنها نافعة في رفع عذاب القبر " (1).
* الحادي عشر: أن تصوم أربعة أيام من شهر رجب (2).
* وكذلك صوم اثني عشر يوم من شعبان (3).

(1) روى السيد ابن طاووس (رحمه الله) في اقبال الأعمال: ص 629، الطبعة الحجرية:
عن النبي (صلى الله عليه وآله):
" من صلى المغرب أول ليلة من رجب ثم يصلي بعدها عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة
فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مرة ويسلم بين كل ركعتين.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتدرون ما ثوابها؟
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: فان الروح الأمين علمني ذلك وحسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذراعيه، وقال: حفظ والله
في نفسه وأهله وماله وولده وأجير من عذاب القبر وجاز على الصراط كالبرق الخاطف من
غير حساب ".
(2) روى رئيس المحدثين الشيخ الصدوق أعلى الله تعالى مقامه في ثواب الأعمال: ص 79،
ورواه في الأمالي: ص 430، المجلس 80، ح 1. ورواه في فضائل الأشهر الثلاثة: ص 25،
ح 12، أيضا بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه عد ثواب صوم كل يوم
من أيام شهر رجب الأصب.. إلى أن قال:
(ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلايا كلها من الجنون والجذام والبرص
وفتنة الدجال.
وأجير من عذاب القبر.
وكتب له مثل أجور أولي الألباب التوابين الأوابين.
وأعطي كتابه بيمينه في أوائل العابدين).
(3) روى الصدوق أعلى الله تعالى مقامه في ثواب الأعمال: ص 87. ورواه في الأمالي:
ص 30، المجلس 7، ح 1، وفيه (تسعون) بدل (سبعون) ورواه في فضائل الأشهر الثلاثة:
ص 47، ح 24، بالإسناد عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه ذكر ثواب صوم كل يوم من
أيام شهر شعبان المعظم، وفي تلك الرواية الشريفة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(ومن صام اثني عشر يوما من شعبان زاره في قبره كل يوم سبعون ألف ملك إلى النفخ
في الصور). وقال (صلى الله عليه وآله):
(ومن صام تسعة أيام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه. ومن صام من
شعبان عشرة أيام وسع الله عليه قبره سبعين ذراعا في سبعين ذراع. ومن صام أحد عشر
يوما من شعبان ضرب على قبره إحدى عشرة منارة من نور).
146

* الثاني عشر: ومن الأمور الموجبة للنجاة من عذاب القبر قراءة سورة
الملك فوق قبر الميت كما روى ذلك القطب الراوندي عن ابن عباس قال:
" ان رجلا ضرب خباءه على قبر ولم يعلم أنه قبر، فقرأ تبارك الذي بيده
الملك، فسمع صائحا يقول: هي المنجية.
فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: هي المنجية من عذاب القبر " (1).
* وروى الشيخ الكليني عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال:
" سورة الملك هي المانعة تمنع من عذاب القبر " (2).
* الثالث عشر: في دعوات الراوندي نقل عن الرسول (صلى الله عليه وآله) انه قال:
" ما من أحد يقول عند قبر ميت إذا دفن ثلاث مرات:
(اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن لا تعذب هذا الميت) الا دفع الله
عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور " (3).
* الرابع عشر: روى الشيخ الطوسي في (مصباح المتهجد) عن

(1) الدعوات للقطب الراوندي: ص 279، ح 817، الطبعة الحديثة. ونقله المجلسي في البحار:
ج 82، ص 64، وفي: ج 92، ص 313، ح 2، وفي ج 102، ص 296، ح 8.
(2) الكافي: ج 2، ص 633، ح 26. بإسناد صحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
" سورة الملك هي المانعة تمنع من عذاب القبر، وهي مكتوبة في التوراة سورة الملك
ومن قرأها في ليلة فقد أكثر وأطاب، ولم يكتب بها من الغافلين. واني لأركع بها بعد عشاء
الآخرة وأنا جالس. وان والدي (عليه السلام) كان يقرؤها في يومه وليلته. ومن قرأها إذا دخل عليه في
قبره ناكر ونكير من قبل رجليه قالت رجلاه لهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا
العبد يقوم علي، فيقرأ سورة الملك في كل يوم وليلة. وإذا أتياه من قبل جوفه قال لهما: ليس
لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد أوعاني سورة الملك. وإذا أتياه من قبل لسانه قاله
لهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل قد كان هذا العبد يقرأ بي في كل يوم وليلة سورة الملك ".
(3) الدعوات للقطب الراوندي: ص 270، ح 770. ونقله في البحار: ج 82، ص 54، ح 43.
147

الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) انه قال:
" من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت الأرض
زلزالها خمس عشرة مرة آمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال يوم القيامة " (1).
* الخامس عشر: ومن النافع فعله لرفع عذاب القبر صلاة ثلاثين ركعة في
ليلة النصف من رجب يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والتوحيد عشرة مرات (2).
* وكذلك في الليلة السادسة عشرة (3) والليلة السابعة عشرة (4) من رجب.
* وكذلك أن يصلي في الليلة الأولى من شعبان مائة ركعة بالحمد والتوحيد،
وبعد أن يفرغ من الصلاة يقرأ التوحيد خمسين مرة (5).

(1) مصباح المتهجد: ص 228.
(2) قال السيد ابن طاووس (رحمه الله) في اقبال الأعمال: ص 652 الطبعة الحجرية:
رأينا ذلك من جملة حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) بما معناه:
" ان من صلى فيها ثلاثين ركعة بالحمد وقل هو الله أحد عشر مرات لم يخرج من صلاته
حتى يعطى ثواب سبعين شهيدا ويجئ يوم القيامة ونوره يضئ لأهل الجمع كما بين مكة
والمدينة وأعطاه الله براءة من النار، وبراءة من النفاق ويرفع عنه عذاب القبر ".
(3) قال السيد ابن طاووس (رحمه الله) في اقبال الأعمال: ص 664، (... مرويا عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
ومن صلى في الليلة السادسة عشرة من رجب ثلاثين ركعة بالحمد وقل هو الله أحد
عشر مرات لم يخرج من صلاته حتى يعطى ثواب سبعين شهيدا، ويجئ يوم القيامة ونوره
يضئ لأهل الجمع كما بين مكة والمدينة، وأعطاه الله براءة من النار وبراءة من النفاق،
ويرفع عنه عذاب القبر.
(4) قال السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 665 (... مرويا عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ومن
صلى في الليلة السابعة عشرة من رجب ثلاثين ركعة بالحمد [مرة. خ ل] وقل هو الله أحد
عشر مرات لم يخرج من صلاته حتى يعطى ثواب سبعين شهيدا ويجئ يوم القيامة ونوره
يضئ لأهل الجمع كما بين مكة والمدينة وأعطاه الله براءة من النار وبراءة من النفاق ويرفع
عنه عذاب القبر).
(5) قال السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 683، (... وجدناه في مواهب السماح
ومناقب أهل الفلاح مرويا عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من صلى أول ليلة من شعبان مائة ركعة يقرأ
في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد مرة، فإذا فرغ من صلاته قرأ فاتحة الكتاب
خمسين مرة، والذي بعثني بالحق نبيا انه إذا صلى هذه الصلاة، وصام العبد دفع الله تعالى عنه شر أهل السماء، وشر أهل الأرض، وشر الشياطين، وشر السلاطين، ويغفر له سبعين
الف كبيرة ويرفع عنه عذاب القبر، ولا يروعه منكر ونكير، ويخرج من قبره ووجهه كالقمر
ليلة البدر ويمر على الصراط كالبرق ويعطى كتابه بيمينه.
148

* وكذلك يصلي في الليلة الرابعة والعشرين من شعبان ركعتين يقرأ في كل
ركعة الحمد مرة، وإذا جاء نصر الله عشرة مرات (1).
* وورد ليوم النصف من رجب صلاة خمسين ركعة بالحمد والتوحيد والفلق
والناس، فإنها نافعة لرفع عذاب القبر (2).
ومثلها صلاة مائة ركعة ليلة عاشوراء (3).

(1) قال السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 722، (... وجدناه مرويا عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
من صلى في الليلة الرابعة والعشرين من شعبان ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وإذا
جاء نصر الله والفتح عشر مرات، أكرمه الله تعالى بالعتق من النار، والنجاة من العذاب،
وعذاب القبر، والحساب اليسير، وزيارة آدم ونوح والنبيين والشفاعة).
(2) قال السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 658، (... وجدتها في عمل رجب بإسناد
متصل إلى النبي (صلى الله عليه وآله): ان من صلى في النصف من رجب يوم الخامس عشر عند ارتفاع
النهار خمسين ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد مرة وقل أعوذ
برب الفلق مرة، وقل أعوذ برب الناس مرة، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وحشر من قبره
مع الشهداء، ويدخل الجنة مع النبيين، ولا يعذب في القبر، ويرفع عنه ضيق القبر وظلمته،
وقام من قبره ووجهه يتلألأ).
(3) قال السيد ابن طاووس في اقبال الأعمال: ص 555 - 556، (ومن ذلك ما رأيناه أيضا في
كتاب دستور المذكرين بإسناده المتصل عن أبي امامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من صلى ليلة عاشوراء مائة ركعة بالحمد مرة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، ويسلم بين
كل ركعتين، فإذا فرغ من جميع صلاته قال (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) سبعين مرة.
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى هذه الصلاة من الرجال والنساء ملأ الله قبره إذا مات
مسكا وعنبرا، ويدخل إلى قبره في كل يوم نور إلى أن ينفخ في الصور، وتوضع له مائدة منها
نعيم يتنعم به أهل الدنيا منذ يوم خلق إلى أن ينفخ في الصور، وليس من الرجال والنساء
إذا وضع في قبره إلا يتساقط شعورهم إلا من صلى هذه الصلاة، وليس أحد يخرج من قبره
إلا أبيض الشعر إلا من صلى هذه الصلاة. والذي بعثني بالحق انه من صلى هذه الصلاة فإن الله عز وجل ينظر إليه في قبره بمنزلة العروس في حجلته إلى أن ينفخ في الصور فإذا
نفخ في الصور يخرج من قبره كهيئته إلى الجنان كما يزف العروس إلى زوجها).
أقول مع ضعف سند هذه الرواية ضعفا تاما فإن السيد (رحمه الله) اشعر ما ينوه بضعف ما في
المتن وانما ذكرها تسامحا بأدلة السنن ولقاعدة من بلغ.
149

العقبة الثالثة
مسألة منكر ونكير في القبر
* روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج، المسألة في القبر،
والشفاعة " (1).
* وروي انه يجيئه الملكان بهيئة مهولة أصواتهما كالرعد القاصف،
وأبصارهما كالبرق الخاطف، فيسألانه: من ربك؟ ومن نبيك، وما دينك؟
ويسألانه أيضا عن وليه وامامه.
وفي ذلك الحال يصعب على الميت أن يجيب وانه يحتاج إلى الإعانة على
ذلك (2) فلا جرم أنهم قد ذكروا مقامين لتلقين الميت:

(1) الأمالي للشيخ الصدوق: ص 242، المجلس 49، ح 5. ونقلها عنه المجلسي في البحار:
ج 6، ص 223، ح 23، وفي: ج 8، ص 37، ح 13، وفي: ج 18، ص 340، ح 44.
(2) وقد وردت في شرح تلك الأحوال المهولة كثير من الروايات الشريفة نذكر لك بعضا منها
لزيادة عبرة ولجلاء صدء القلب:
1 - روى الحسين بن سعيد الأهوازي الكوفي في الزهد: ص 89، ح 238، ونقله عنه
المجلسي في البحار: ج 6، ص 215 عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال لبعض أصحابه: كيف أنت إذا أتاك
فتانا القبر؟
فقال: يا رسول الله وما فتانا القبر؟
قال (صلى الله عليه وآله): ملكان فظان غليظان، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف
يطآن في أشعارهما، ويحفران في أنيابهما فيسألانك،... الخبر).
2 - وفي رواية أخرى في (اليقين باختصاص مولانا علي بإمرة المؤمنين) السيد ابن
طاووس: ص 410، الطبعة المحققة، في حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في آخره:
(... فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب، ولا في بر ولا في بحر، إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت، يقولان للميت: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
ومن إمامك؟).
ونقله العلامة المجلسي في البحار: ج 6، ص 216، ح 6.
3 - في بصائر الدرجات للصفار: ص 145 - 146 الطبعة الحجرية بالإسناد عن زر بن
حبيش قال:
سمعت عليا (عليه السلام) يقول: ان العبد إذا ادخل حفرته أتاه ملكان اسمهما منكر ونكير. فأول
ما يسألانه عن ربه، ثم عن نبيه، ثم عن وليه، فإن أجاب نجا، وإن عجز عذباه.
فقال له رجل: ما لمن عرف ربه ونبيه ولم يعرف وليه؟
فقال: مذبذب لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا، ذلك
لا سبيل له.
وقد قيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من الولي يا نبي الله؟
قال: وليكم في هذا الزمان علي. ومن بعده وصيه، ولكل زمان عالم يحتج الله به لئلا
يكون كما قال الضلال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم * (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع
آياتك من قبل أن نذل ونخزى) *... الحديث).
4 - روى القمي في تفسيره: ج 2، ص 143، ونقله المجلسي في البحار: ج 6، 224،
ح 45 بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام):
إن العبد إذا أدخل قبره أتاه منكر ففزع منه يسأل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول له: ما تقول في
هذا الرجل الذي كان بين أظهركم؟
فإن كان مؤمنا قال: اشهد أنه رسول الله جاء بالحق.
فيقال له: ارقد رقدة لا حلم فيها.
ويتنحى عنه الشيطان، ويفسح له في قبره سبعة أذرع، ويرى مكانه من الجنة.
قال: وإذا كان كافرا قال: ما أدري.
فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله الا الانسان، وسلط عليه الشيطان، وله عينان
من نحاس أو نار كالبرق الخاطف، فيقول له: انا أخوك، ويسلط عليه الحيات والعقارب،
ويظلم عليه قبره، ثم يضغطه ضغطة يختلف أضلاعه عليه، ثم قال بأصابعه فشرجها.
5 - وفي أمالي الصدوق: ص 239، المجلس 48، ح 12 بالإسناد عن موسى بن جعفر
عن أبيه (عليه السلام) قال: إذا مات المؤمن شيعه سبعون ألف ملك إلى قبره، فإذا ادخل قبره أتاه منكر
ونكير فيقعدانه، ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله، ومحمد نبيي، والاسلام ديني، فيفسحان له في قبره مد بصره، ويأتيانه بالطعام من الجنة
ويدخلان عليه الروح والريحان وذلك قوله عز وجل * (فأما إن كان من المقربين فروح
وريحان) *... الحديث).
150

أولهما: عندما يضعونه في القبر
والأفضل ان يمسك ويحرك المنكب الأيمن باليد اليمنى، والمنكب الأيسر
باليد اليسرى.
والمقام الآخر: بعد دفنه.
ومن السنة أن يجلس ولي الميت - يعني أقرب أقربائه - عن رأس الميت بعد
انصراف الناس عن قبره، ويلقنه بصوت رفيع. ويحسن أن يضع يديه على القبر
ويقرب فمه من القبر (1).

(1) أقول: ورد ذلك بعدة روايات منها:
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 108 - 109، رقم الحديث
العام 500.
وقد روى سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال:
(... يجعل له وسادة من تراب، ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي، ويحل عقد كفنه
كلها، ويكشف عن وجهه، ثم يدعى له ويقال: " اللهم عبدك ابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت
خير منزول به، اللهم افسح له في قبره، ولقنه حجته، وألحقه بنبيه، وقه شر منكر ونكير ".
ثم تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن، وتضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر
وتحركه تحريكا شديدا، وتقول: " يا فلان بن فلان الله ربك، ومحمد نبيك، والاسلام دينك،
وعلي وليك وإمامك، وتسمي الأئمة (عليهم السلام) واحدا واحدا إلى آخرهم - أئمتك أئمة هدى أبرار ".
ثم تعيد عليه التلقين مرة أخرى.
وإذا وضعت عليه اللبن فقل: " اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته، وآمن
روعته، واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان
يتولاه " ومتى زرت قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على القبر، فإذا
خرجت من القبر فقل وأنت تنفض يديك من التراب * (انا لله وانا إليه راجعون) * ثم احث
التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرات وقل (اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله
ورسوله وصدق الله ورسوله) فإنه من فعل ذلك وقال هذه الكلمات كتب الله له بكل ذرة
حسنة... الخبر).
152

ولا بأس ان يستنيب شخصا آخر لذلك.
* وورد: (فإذا قال ذلك قال منكر لنكير انصرف بنا عن هذا فقد لقن بها
حجته) (1).
* وفي كتاب (من لا يحضره الفقيه):
(ولما مات ذر بن أبي ذر (رحمه الله) وقف أبو ذر على قبره، فمسح القبر بيده، ثم قال:
رحمك الله يا ذر، والله إن كنت بي لبرا، ولقد قبضت واني عنك لراض، والله
ما بي فقدك وما علي من غضاضة، ومالي إلى أحد سوى الله من حاجة، ولولا هول
المطلع لسرني أن أكون مكانك. ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك. والله
ما بكيت لك ولكن بكيت عليك، فليت شعري ما قلت؟ وما قيل لك؟
اللهم إني قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من
حقك فأنت أحق بالجود مني والكرم (2).
* وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" إذا دخل المؤمن في قبره، كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبر

(1) ورد في عدة أخبار منها ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 173،
ح 501 عن يحيى بن عبد الله انه قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " ما على أهل الميت منكم أن يدرؤوا عن ميتهم لقاء
منكر ونكير؟
فقلت: وكيف نصنع؟
فقال (عليه السلام): إذا أفرد الميت فليتخلف عنده أولى الناس به، فيضع فاه على رأسه، ثم ينادي
بأعلى صوته: يا فلان بن فلان، أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقناك [خ. ل.
فارقتنا] عليه من شهادة ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله
سيد النبيين، وان عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين، وأن ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) حق وان
الموت حق والبعث حق وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور.
فإذا قال ذلك، قال منكر لنكير: انصرف بنا عن هذا فقد لقن بها حجته ".
وراجع الكافي: ج 3، ص 201، ح 11. والتهذيب للطوسي: ج 1، ص 321، ح 103.
(2) الفقيه: ج 1، ص 185، ح 558. وروي في الكافي أيضا: ج 3، ص 250، كتاب الجنائز،
باب النوادر، ح 4.
153

مظل عليه، ويتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته،
قال: الصبر للصلاة والزكاة والبر دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فانا دونه " (1).
* وقال العلامة المجلسي (رحمه الله):
* روي في المحاسن بسند صحيح عن أحدهما (عليهما السلام) - يعني الإمام الصادق
أو الإمام الباقر - قال:
" إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة أحسنهن
وجها، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحا، وأنظفهن صورة.
قال: فتقف صورة عن يمينه وأخرى عن يساره وأخرى بين يديه، وأخرى
خلفه، وأخرى عند رجله.
وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه.
فإن أوتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أن يؤتى من
الجهات الست.
قال: فتقول أحسنهن صورة: ومن أنتم جزاكم الله عني خيرا؟
فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة.
وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة.
وتقول التي بين يديه: أنا الصيام.
وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة.
وتقول التي عند رجليه: أنا بر من وصلت من إخوانك.
ثم يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا، وأبهانا هيئة.
فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين " (2).

(1) الكافي: ج 2، ص 90، ح 8.
(2) رواه البرقي في المحاسن: ص 288، كتاب (مصابيح الظلم) باب 64 (الشرائع)، ح 432
ونقله المجلسي في بحار الأنوار: ج 6، ص 234 - 235، والسند صحيح كما ذكر في مقدمة
المتن أعلاه، ولكن العبارة غير موجودة في البحار.
154

* وروى الصدوق في فضل صيام شعبان:
" ومن صام تسعة أيام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه " (1).
* وورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في احياء ليلة الثالث والعشرين من شهر
رمضان وصلاة مائة ركعة فيها فضل كثير فمن جملته:
" ودفع عنه هول منكر ونكير وخرج من قبره ونوره يتلألأ لأهل الجمع " (2).
* وروي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في الخضاب أربعة عشر خصلة، وعد منها:
" ويستحي منه منكر ونكير " (3).
* وقد علمت فيما مضى ان من خواص تربة النجف الطاهرة انها تسقط
حساب منكر ونكير عمن يدفن فيها.
ولأجل تأييد ذلك نقول:
حكاية:
نقل العلامة المجلسي (رحمه الله) في التحفة (4) عن ارشاد القلوب، وفرحة الغري:
ان رجلا صالحا من أهل الكوفة قال:
كنت في جامع الكوفة، وكانت ليلة ممطرة، فدق باب مسلم جماعة، ففتح لهم.

(1) ثواب الأعمال: ص 87. ورواه في فضائل الأشهر الثلاثة: ص 47، ح 24. وفي الأمالي:
ص 30، المجلس 7، ح 1.
(2) اقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: 214.
(3) رواه الكليني في الكافي: ج 6، ص 482، ح 12. ورواه الصدوق في ثواب الأعمال:
ص 38. وفي من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 123، ح 285 والرواية كما في الفقيه: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " يا علي درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم في غيره في سبيل الله
عز وجل، وفيه أربع عشرة خصلة: يطرد الريح من الاذنين، ويجلو البصر، ويلين الخياشيم،
ويطيب النكهة، ويشد اللثة، ويذهب بالضنى، ويقل وسوسة الشيطان، وتفرح به الملائكة
ويستبشر به المؤمن، ويقبض به الكافر، وهو زينة، وطيب، ويستحي منه منكر ونكير، وهو
براءة له في قبره ".
ورواه الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي باختلاف بعض العبارات.
(4) أحد مؤلفات العلامة المجلسي (تحفة الزائر) وهو باللغة الفارسية.
155

وذكر بعضهم ان معهم جنازة، فأدخلوها، وجعلوها على الصفة التي تجاه باب
مسلم بن عقيل (رضي الله عنه).
ثم إن أحدهم نعس فنام فرأى في منامه قائلا يقول للآخر:
ما نبصره حتى نبصر هل لنا معه حساب أم لا؟
فكشف عن وجه الميت، وقال لصاحبه: بل لنا معه حساب، وينبغي أن نأخذه
منه عجلا قبل أن يتعدى الرصافة فما يبقى لنا معه طريق.
فانتبه وحكى لهم المنام.
قال: فأخذوا ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف (1).
قلت: ولله در من قال:
إذا مت فادفني إلى جنب حيدر * أبي شبر أكرم به وشبير
فلست أخاف النار عند جواره * ولا أتقي من منكر ونكير
فعار على حامي الحمى وهو في الحمى * إذا ضاع في المرعى عقال بعير (2)
حكاية:
نقل عن الأستاذ الأكبر المحقق البهبهاني (رحمه الله) انه قال:
رأيت في الطيف أبا عبد الله الحسين (عليه السلام)، فقلت له: يا سيدي ومولاي
هل يسئل أحد يدفن في جواركم؟
فقال: أي ملك له جرءة لئن يسأله (3).

(1) فرحة الغري للسيد عبد الكريم بن طاووس: ص 35 - 36. وفي ارشاد القلوب للديلمي:
ج 2، ص 439 - 440 والظاهر أن الترجمة لما في ارشاد القلوب.
(2) الأبيات في ارشاد القلوب: ص 440.
(3) روى هذه الحكاية الشيخ النوري في دار السلام: ج 2، ص 148، قال:
(وقال العالم الفاضل الجليل المولى محمد كاظم الهزار جريبي (رحمه الله) في كتاب تحفة
المجاور: سمعت عن جناب الاغا محمد باقر البهبهاني وهو الأستاذ الأكبر قدس الله تربته
يقول... ثم نقل الطيف المذكور..).
أقول: نقلت المنام من دار السلام بتصرف.
156

* يقول المؤلف: يقال في أمثال العرب (أحمى من مجير الجراد) وقصته هي:
ان رجلا من أهل البادية من قبيلة طي اسمه مدلج بن سويد، انه خلا ذات يوم
في خيمته، فإذا هو بقوم من طي ومعهم أوعيتهم. فقال: ما خطبكم؟
قالوا جراد وقع بفنائك فجئنا لنأخذه.
فركب فرسه، وأخذ رمحه، وقال: والله لا يتعرض له أحد منكم إلا قتلته،
أيكون الجراد في جواري ثم تريدون أخذه.
ولم يزل يحرسه حتى حميت الشمس، فطار، فقال: شأنكم الآن به فقد تحول
عن جواري (1).
حكاية:
نقل عن كتاب الحبل المتين (2) ان المير معين الدين أشرف، من صلحاء خدام
الروضة الرضوية قال:
رأيت في المنام في دار الحفاظ - أي في بيت الحرس - اني خرجت من
الروضة لتجديد الوضوء، فلما أتيت عند صفة مير علي شير، رأيت جماعة كثيرة
دخلوا في الصحن المقدس يقدمهم شخص نوراني صبيح الوجه، عظيم الشأن،
وبيد جماعة من خلفه المعاول. فلما توسطوا الصحن قال لهم:
انبشوا هذا القبر، وأخرجوا هذا الخبيث. وأشار إلى قبر خاص.
فلما شرعوا في النبش سألت أحد الأشخاص: من هذا الأمير؟
فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام).
فبينما نحن كذلك إذ خرج الامام الثامن (عليه السلام) من الروضة، وأتى إليه (عليه السلام)،
فسلم عليه، فرد عليه.
فقال: يا جداه أسألك أن تعفو عنه، وتهبني تقصيره.
فقال (عليه السلام): تعلم أن هذا الفاسق الفاجر كان يشرب الخمر.

(1) القصة رواها المؤلف في سفينة البحار: ج 1، ص 151، الطبعة الحجرية.
(2) تأليف السيد الفاضل شمس الدين محمد بن بديع الرضوي من رؤساء خدام الروضة
الرضوية المقدسة.
157

فقال: نعم لكنه أوصى عند وفاته أن يدفن في جواري، فنرجو منك العفو عنه.
فقال: وهبتك جرائمه.
ثم مضى (عليه السلام).
فانتبهت خائفا، وأيقظت بعض الخدام، وأتيت معه إلى الموضع المذكور،
فرأيت قبرا جديدا قد طرح منه بعض ترابه. فسألت عن صاحبه، فقال: لرجل من
الأتراك دفن فيه بالأمس (1).
يقول الفقير: نقل في حكاية تشرف الحاج علي البغدادي بلقاء إمام العصر
أرواحنا فداه وسؤاله منه (عليه السلام) انه قال:
قلت له: سيدنا! هل أنه صحيح ما يقال من زار الحسين (عليه السلام) في ليلة الجمعة
فهو أمان له؟
قال نعم والله. ودمعت عيناه وبكى.
قلت: سيدنا! مسألة.
قال: اسأل.
قلت: زرنا الإمام الرضا (عليه السلام) سنة 1269 والتقينا في (درود) (2) بأحد الاعراب
الشروقيين من سكان البادية التي بالجانب الشرقي من النجف الأشرف، فأضفناه،
وسألناه: كيف هي ولاية الرضا (عليه السلام)؟
فقال: هي الجنة، فأنا الآن لي خمسة عشر يوما آكل من مال مولاي الإمام الرضا
(عليه السلام)، فكيف يجرأ منكر ونكير أن يدنيا مني في القبر، فان دمي ولحمي قد
نبت من طعامه (عليه السلام) في مضيفه.
فهل هذا صحيح، ان علي بن موسى الرضا يأتي ويخلصه من منكر ونكير؟
قال: نعم والله ان جدي هو الضامن (3).
z z z

(1) دار السلام: ج 1، ص 267 - 268.
(2) إحدى المدن الإيرانية قريبة من بروجرد.
(3) راجع النجم الثاقب للشيخ النوري: ج 2، ص 156، ترجمة وتقديم وتحقيق وتعليق السيد
ياسين الموسوي، الطبعة الأولى 1415 ه‍ قم.
158

من المنازل المهولة
البرزخ
159

من المنازل المهولة
البرزخ
وقد ذكره الحق تعالى في سورة (المؤمنون):
* (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) * (1).
* وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث:
" ولكني والله أتخوف عليكم من البرزخ.
قلت (2): وما البرزخ؟
قال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة " (3).
* ونقل عن لب اللباب للقطب الراوندي قال:
وفي الخبر كان الموتى يأتون في كل جمعة من شهر رمضان فيقفون، وينادي
كل واحد منهم بصوت حزين باكيا: يا أهلاه! يا ولداه! ويا قرابتاه! اعطفوا علينا
بشئ يرحمكم الله، واذكرونا ولا تنسونا بالدعاء وارحموا (4) علينا وعلى غربتنا،
فانا قد بقينا في سجن ضيق، وغم طويل وشدة، فارحمونا، ولا تبخلوا بالدعاء
والصدقة لنا لعل الله يرحمنا قبل أن تكونوا مثلنا.

(1) سورة المؤمنون: الآية 100.
(2) الضمير للراوي وهو عمر بن يزيد.
(3) رواه الكليني في الكافي: ج 3، ص 242، ح 3. ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 6،
ص 267، ح 116. ونقله المؤلف في سفينة البحار: ج 1، ص 71، الطبعة الحجرية.
(4) الظاهر العبارة مصحفة (وترحموا).
161

فواحسرتاه (1) قد كنا قادرين مثل ما أنتم قادرون.
فيا عباد الله: اسمعوا كلامنا ولا تنسونا فإنكم ستعلمون غدا فان الفضول التي
في أيديكم كانت في أيدينا فكنا لا ننفق في طاعة الله، ومنعنا عن الحق، فصار
وبالا علينا ومنفعة (2) لغيرنا. اعطفوا علينا بدرهم أو رغيف أو بكسرة.
ثم ينادون ما أسرع ما تبكون على أنفسكم ولا ينفعكم كما نحن نبكي ولا
ينفعنا فاجتهدوا قبل ان تكونوا مثلنا (3).
* ونقل في جامع الأخبار عن بعض الصحابة انه قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " اهدوا لموتاكم.
فقلنا: يا رسول الله! وما هدية الأموات؟
قال (صلى الله عليه وآله): الصدقة والدعاء.
قال (صلى الله عليه وآله):
ان أرواح المؤمنين تأتي كل جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء دورهم وبيوتهم
ينادي كل واحد منهم بصوت حزين باكين:
يا أهلي ويا ولدي ويا أبي ويا أمي ويا أقربائي! اعطفوا علينا يرحمكم الله
بالذي كان في أيدينا والويل والحساب علينا والمنفعة لغيرنا.
وينادي كل واحد منهم إلى أقربائه: اعطفوا علينا بدرهم، أو برغيف، أو
بكسوة يكسوكم الله من لباس الجنة.
ثم بكى النبي (صلى الله عليه وآله) وبكينا معه، فلم يستطع النبي (صلى الله عليه وآله) أن يتكلم من كثرة
بكائه. ثم قال:
أولئك إخوانكم في الدين، فصاروا ترابا رميما بعد السرور والنعيم، فينادون

(1) في المستدرك الطبعة الحديثة: (فوا حسرتا).
(2) في المستدرك الطبعة الحديثة: (ومنفعته).
(3) مستدرك الوسائل، النوري (رحمه الله): ج 2، باب 39، ص 162، ح 1697، وعنه المؤلف (رحمه الله) في
سفينة البحار: ج 2، ص 556، الطبعة الحجرية.
162

بالويل والثبور على أنفسهم، يقولون: يا ويلنا لو أنفقنا ما كان في أيدينا في طاعة
الله ورضائه ما كنا نحتاج إليكم.
فيرجعون بحسرة وندامة، وينادون: أسرعوا صدقة الأموات " (1).
* وروي في هذا الكتاب أيضا انه قال:
" ما تصدقت لميت فيأخذها ملك في طبق من نور ساطع ضوؤها يبلغ سبع
سماوات. ثم يقوم على شفير الخندق فينادي:
السلام عليكم يا أهل القبور، أهلكم أهدوا إليكم بهذه الهدية، فيأخذها
ويدخل بها في قبره، فيوسع عليه مضاجعه.
فقال (عليه السلام): ألا من أعطف لميت بصدقة فله عند الله من الأجر مثل أحد،
ويكون يوم القيامة في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظل العرش.
وحي وميت نجى بهذه الصدقة (2).
* وحكي عن أمير خراسان انه رأى في المنام بعد موته وهو يقول: ابعثوا إلي
ما ترمونه إلى الكلاب فاني محتاج إليه (3).
* وقال العلامة المجلسي (رحمه الله) في زاد المعاد (4):
ولابد أن لا ينسى الأموات لأن أيديهم تقصر عن أعمال الخير، فإنهم يأملون
من أبنائهم وأقربائهم وإخوانهم المؤمنين ويترقبون منه احسانهم. خصوصا في
أدعيتهم في صلاة الليل، ومن بعد الصلاة المكتوبة، وفي المشاهد المشرفة. ولابد
أن يدعى للأب وللأم أكثر من الآخرين، وأن يعمل أعمال الخير لهم.
وفي الخبر: ان العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما، ثم يموتان فلا يقضي
عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عز وجل عاقا، وانه ليكون عاقا لهما

(1) جامع الأخبار: ص 169، طبعة النجف.
(2) جامع الأخبار طبعة النجف: ص 169.
(3) سفينة البحار: ج 2، ص 557.
(4) زاد المعاد باللغة الفارسية من مؤلفات العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي (قدس سره) صاحب
موسوعة (بحار الأنوار).
163

في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عز وجل
بارا (1).
وأهم الخيرات للأب وللأم وسائر أقربائه أداء دينهم وأن يبرئهم من
حقوق الله والخلق، وأن يسعى في قضاء ما فاتهم من الحج وسائر العبادات إما
بالإجارة أو بالتبرع.
* وروي في الحديث الصحيح أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان يصلي عن ولده
في كل ليلة ركعتين وعن والديه في كل يوم ركعتين وكان يقرأ في الركعة الأولى انا
أنزلناه، وفي الركعة الثانية انا أعطيناك الكوثر (2).
* ونقل بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): " انه (3) يكون في ضيق
فيوسع الله عليه ذلك الضيق ثم يؤتى، فيقال له: خفف عنك هذا الضيق لصلاة

(1) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي: ج 2، ص 163، ح 21. ورواه الحسين بن سعيد الأهوازي
الكوفي في الزهد: ص 33، ح 87. ونقله المجلسي في البحار: ج 74، ص 59، ح 21، ج 74،
ص 81، ح 85.
(2) يبدو ان المؤلف (رحمه الله) نقل الرواية بالمعنى، وإليك نصها:
في التهذيب للشيخ الطوسي: ج 1، ص 467، ح 178، باب 23، بإسناده عن عمر بن
يزيد، والرواية مضمرة:
(قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين، وعن والديه في كل يوم
ركعتين.
قلت له: جعلت فداك! كيف صار للولد الليل؟
قال (عليه السلام): لأن الفراش للولد.
قال: وكان يقرأ فيهما (انا أنزلناه في ليلة القدر) و (انا أعطيناك الكوثر).
ونقلها الحر في: وسائل الشيعة، كتاب الطهارة. أبواب الاحتضار، باب 28، ح 7. ونقلها
المجلسي في البحار: ج 82، ص 63، ح 5. وفي: ج 88، ص 314، ح 3. وفي ج 91،
ص 220، ح 6.
(3) ان الرواية ابتدأت:
(وقال عمر بن يزيد: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أيصلي عن الميت؟
فقال: نعم انه يكون في ضيق.... الرواية).
164

فلان أخيك عنك.
قال: فقلت له: فأشرك بين رجلين في ركعتين؟
قال: نعم.
فقال (عليه السلام): ان الميت ليفرح بالترحم عليه والاستغفار له كما يفرح الحي
بالهدية تهدى إليه " (1).
وقال (صلى الله عليه وآله) يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر
والدعاء ويكتب أجره للذي يفعله وللميت (2).
* وفي حديث آخر قال (صلى الله عليه وآله):
" من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره ونفع الله به
الميت " (3).
* وورد في رواية:
(إذا تصدق الرجل بنية الميت أمر الله جبرئيل أن يحمل إلى قبره سبعين ألف
ملك في يد كل ملك طبق فيحملون إلى قبره ويقولون:
" السلام عليك يا ولي الله هذه هدية فلان بن فلان إليك ".
" فيتلألأ قبره، وأعطاه الله ألف مدينة في الجنة، وزوجه ألف حوراء، وألبسه
ألف حلة، وقضى له ألف حاجة " (4).
* يقول المؤلف:
من المناسب هنا أن انقل عدة حكايات نافعة من المنامات الصادقة.

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 117، ح 554. وعنه في البحار: ج 82، ص 62، ح 1.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 117، ح 557. وعنه في البحار: ج 82، ص 62، ح 2، وفي
ج 88، ص 308، وفي ج 88، ص 311، ح 3.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 117، ح 556. وفي البحار: ج 82، ص 62، ح 2، وفي ج 88،
ص 308، ح 3، وفي ج 88، ص 314، ح 3.
(4) وسائل الشيعة كتاب الطهارة: أبواب الاحتضار، باب 28، ح 9. وفي البحار: ج 82،
ص 63، ح 7.
165

وأحذرك من عدم الاعتناء بها، وتتصور انها من أضغاث الأحلام أو من الأساطير
التي تنقل للصبيان، بل تأمل فيها جيدا، فالتأمل فيها يوقظ المرء ويسلب
النوم من العين.
فسانه ها همه خواب آورد، فسانهء من
زجشم، خواب ربايد فسانهء عجبي است
يعني:
جميع الأساطير تنعس وأسطورتي
تسلب النوم من عيني، فيا عجبا من أسطورة!
حكاية:
نقل شيخنا ثقة الاسلام النوري (عطر الله مرقده) في دار السلام:
حدثني السيد المؤيد الفاضل الأرشد الورع العالم التقي الأمير سيد علي ابن
العالم الجليل والفقيه النبيل قدوة أرباب التحقيق ومن إليه كان يشد الرواحل من
كل فج عميق المبرأ من كل شين ودرن الأمير سيد حسن ابن الأمير سيد علي ابن
الأمير محمد باقر ابن الأمير إسماعيل الواعظ الحسيني الأصفهاني ألبسه الله حلل
الأمان وحشره مع سادات الجنان قال:
لما توفي الوالد العلامة كنت مقيما بالمشهد الغروي مشغولا بتحصيل العلوم،
وهو الآن فيه وكانت أموره (رحمه الله) بيد بعض الاخوان ولم يكن لي علم بتفاصليها ولما
مضت من وفاته سبعة أشهر توفيت أمي، وحملوا جنازتها إلى النجف.
فلما كانت بعض تلك الأيام رأيت في المنام: كأني قاعد في بيتي الذي كنت
ساكنا فيه، إذ دخل علي الوالد (رحمه الله) فقمت وسلمت. فجلس في صدر المجلس،
وتلطف بي في السؤال وتبين لي انه ميت.
فقلت: إنك توفيت بأصفهان، واراك في هذا المكان؟
فقال: نعم، أنزلونا بعد الوفاة في النجف ومكاننا الآن فيه.
166

فقلت: ان الوالدة عندكم؟
فقال: لا.
فتوحشت لذلك؟ فقال: هي أيضا بالنجف ولكن في مكان آخر.
فعرفت حينئذ وجه ذلك، وان العالم محله أرفع من مكان الجاهل.
ثم سألته عن حاله، فقال: كنت في ضيق، والآن فالحمد لله في حال حسن،
وخرج ما كان بي من الضيق والشدة.
فتعجبت من ذلك، فقلت متعجبا: أنت كنت في ضيق؟!
فقال: نعم، إن الحاج رضا بن آغا بابا الشهير (1) ب‍ (نعلبند) يطلبني. ومن أجل
طلبه ساءت حالي. فزاد تعجبي، فانتبهت من النوم فزعا متعجبا، وكتبت إلى أخي
الذي كان وصيه (رحمه الله) صورة المنام. وسألته أن يكتب لي: ان للرجل دينا عليه، أم
لا؟ فكتب اني تفحصت في الدفتر فما وجدت اسمه في خلال الديانين، فكتبت
إليه ثانيا: أن أسأله نفسه، فأجاب باني سألته عن ذلك فقال: نعم كان لي عليه ثمانية
عشر تومانا لا يعلمه إلا الله، وبعد وفاته سألتك هل وجدت اسمي في الدفتر
فأنكرت.
فقلت: لو أظهرته لم أقدر على اثباته فضاق صدري لأني أقرضته بلا حجة
ولا بينة وثوقا بأنه يثبته في الدفتر. وانكشف لي انه تسامح في ذلك، فرجعت
مأيوسا.
فذكر له أخي صورة المنام، وأراد وفاء دينه، فقال: اني قد أبرأت ذمته لأجل
اخباره بذلك (2).
حكاية:
ونقل أيضا الشيخ الأجل المحدث المتبحر ثقة الاسلام النوري نور الله مرقده

(1) يقصد (معروفا) وفي القصص المذكورة - والتي نقلناها مباشرة من دار السلام - أخطاء في
التعبير لم نغير منها إلا تلك التي لا مناص من تغييرها كضمير المؤنث بدل المذكر والضمير
المنفصل بدل المتصل.
(2) دار السلام: ج 2، ص 164.
167

في دار السلام عن العالم الفاضل الصالح الورع التقي الحاج الملا أبي الحسن
المازندراني قال:
كان لي صديق فاضل تقي عالم، وهو المولى جعفر ابن العالم الصالح المولى
محمد حسين من أهل طبرستان من قرية يقال لها (تيلك).
وكان (رحمه الله) في بلده، فلما جاء الطاعون العظيم الذي عم البلاد ولهم العباد اتفق
ان خلقا كثيرا ماتوا قبله وجعلوه وصيا على أموالهم، فجباها كلها، ومات بعدهم
بالطاعون قبل أن يصرف الأموال في محلها. فضاعت كلها.
ولما وفقني الله تعالى لزيارة العتبات ومجاورة قبر مولانا أبي عبد لله (عليه السلام)
رأيت ليلة في المنام كأن رجلا في عنقه سلسلة تشتعل نارا. وطرفيها بيد رجلين،
وله لسان طويل قد تدلى على صدره، فلما رآني من بعيد قصدني. فلما دنا مني
ظهر انه المولى المزبور.
فتعجبت: فلما هم أن يكلمني ويستغيث بي جرا السلسلة إلى الخلف، فرجع
القهقرى، ولم يتمكن من الكلام.
ثم دنا ثانيا ففعلا به مثل الأولى، وكذلك في المرة الثالثة. ففزعت من مشاهدة
صورته وحالته فزعا شديدا، وصحت صيحة عظيمة انتبهت منها، وانتبه من كان
نائما في جانبي من العلماء.
فقصصت عليه رؤياي وكان وقت النداء، وإعلام فتح أبواب الصحن والحرم
الشريفين. فقلت: ينبغي أن نقوم وندخل الحضرة ونزور ونستغفر له، لعل الله
يرحمه إن كانت الرؤيا صادقة.
فقمنا وفعلنا ذلك.
ومضى زمان طويل يقرب من عشرين سنة ولم يتبين لي من حاله شيئا، وكان
في زعمي ان تلك الحالة للتقصير الذي وقع منه في أيام الطاعون في أموال الناس.
ولما من الله تعالى علي بزيارة بيته وقضيت المناسك، وقربنا من الرجوع إلى
المدينة المشرفة مرضت مرضا شديدا منعني عن الحركة والمشي. فلما نزلنا قلت
168

لأصحابي: غسلوني، وبدلوا ثيابي واحملوني إلى الروضة المطهرة لعل الموت
يحول بيني وبين الوصول إليها. ففعلوا، ولما دخلت الحضرة أغمي على، فتركوني
في جانب ومضوا لشأنهم. فلما أفقت حملوني وأتوا بي إلى قرب الشباك، فزرت.
ثم ذهبوا بي إلى الخلف عند بيت الصديقة الطاهرة (عليها السلام)، أحد المواضع التي
تزار فيها فجلست وزرت بما بدا لي، ثم طلبت منها الشفاء. وقلت لها: بلغنا من
الآثار كثرة محبتك لولدك الحسين (عليه السلام)، واني مجاور قبره الشريف، فبحقه عليك
ألا ما شافيتني.
ثم خاطبت الرسول (صلى الله عليه وآله) وذكرت ما كان لي من الحوائج منها الشفاعة لجملة
من رفقائي الذين حلوا أطباق الثرى ومزقتهم البلوى، وعددت أسماءهم إلى أن
بلغت إلى المولى جعفر المتقدم ذكره. فذكرت الرؤيا، فتغيرت حالي، فألححت في
طلب المغفرة له وسؤال الشفاعة منه (صلى الله عليه وآله).
وقلت: اني رأيته قبل ذلك بعشرين سنة في المنام في حال سوء، لا أدري كان
صادقا أم كان من الأضغاث؟
وذكرت ما سنح لي من التضرع والدعاء في حقه. ثم رأيت في نفسي خفة،
فقمت ورجعت إلى المنزل بنفسي، وذهب ما كان بي من المرض من بركة البتول
العذراء (عليها السلام).
ولما أردنا الخروج من البلد أقمنا في (أحد) يوما وكان أول منازلنا. فلما نزلنا
فيه، وفرغنا من زيارة الشهداء رقدت فرأيت المولى جعفر المذكور مقبلا علي في
زي حسن وعليه ثياب بيض كغرقئ (1) البيض وعلى رأسه عمامة محنكة وبيده
عصا، فلما دنا مني سلم وقال: مرحبا بالأخوة والصداقة، هكذا ينبغي أن يفعل
الصديق بصديقه، وكنت في تلك المدة في ضيق وشدة وبلاء ومحنة، فما قمت من
الحضرة إلا وخلصتني منها، والآن يومان أو ثلاثة أرسلوني إلى الحمام وطهروني
من الأقذار والكثافات. وبعث إلي الرسول (صلى الله عليه وآله) بهذه الثياب والصديقة

(1) الغرقى بكسر الغين المعجمة: بياض البيض.
169

الطاهرة (عليها السلام) بهذا العباء، وصار أمري بحمد الله إلى حسن وعافية. وجئت إليك
مشيعا لك ومبشرا. فطب نفسا انك ترجع إلى أهلك سالما صحيحا وهم سالمون.
فانتبهت شاكرا فرحا (1).
قال الشيخ المرحوم: وعلى الفطن الخبير أن يتأمل في دقائق تلك الرؤيا فان
فيها ما يزيل عن القلب العمى وعن البصر القذى (2).
حكاية:
وفي دار السلام أيضا نقل الشيخ الأجل الأورع الأكرم الحاج ملا علي عن
والده الماجد الحاج ميرزا خليل الطهراني (رحمه الله) قال:
كنت في مشهد الحسين (عليه السلام) وأمي كانت في مدينة طهران، فرأيت ليلة في ما
يراه النائم: ان والدتي جاءت إلي، وقالت لي: يا بني اني مت، وجاؤوا بي إليك،
وهشموا أنفي.
فانتبهت من النوم فزعا مرعوبا. فبقيت كذلك إلى أن جاءني كتاب من بعض
الاخوان: ان والدتك توفيت وأرسلناها مع الجنائز.
فلما أتى الجنازون قالوا: خلفنا تلك الجنازة في رباط قريب من ذي الكفل
لأنا زعمنا (3) انك في بلد المشهد (النجف الأشرف).
فبقيت متحيرا في معنى هشموا أنفي.
فلما أتوا بنعش والدتي كشفت عنها، فرأيت أنفها مكسورا، فسألت عن ذلك،
فقالوا: ان هذه الجنازة كانت موضوعة فوق الجنائز، فتصادمت الخيول في الرباط،
فطرحتها من أعلى الجنائز، ولم نعلم غير هذا.
فجئت بها إلى ساحة أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين (عليهما السلام)، فقلت: يا
أبا الفضل ان والدتي لم تحسن الصلاة والصيام وهي دخيلتك، فادفع عنها الأذى

(1) دار السلام: ج 2، ص 153، 155، وقد عالجنا بعض الكلمات أيضا.
(2) دار السلام: ج 2، ص 155.
(3) لعله يقصد (لأنا توهمنا أو ظننا).
170

يا سيدي، وعلي بضمانك خمسين سنة صوم وصلاة استنيب عنها.
فدفنتها، وبقيت مدة من الزمان، فبينا أنا نائم في ليلة من الليالي، وإذا اسمع
ضوضاءا (1) في باب داري، فخرجت من الدار، فرأيت والدتي موثوقة بشجرة
وتضرب بالسياط.
فقلت: ما بالها، وأي ذنب لها حتى تضرب؟
فقالوا: أمرنا أبو الفضل أن نضربها حتى تدفع مبلغا مقدرا.
فذهبت إلى داخل الدار، وأتيت بالدراهم، وأطلقت والدتي، وأتيت بها إلى
داخل الدار، واشتغلت بخدمتها فلما انتبهت رأيت المقدار الذي أخذوه مني هو
مقدار خمسين سنة عبادة.
فأخذت ذلك المبلغ وذهبت إلى السيد صاحب الرياض (رحمه الله) وقلت: هذه قيمة
خمسين سنة عبادة عن والدتي، والأمر كيت وكيت (2).
قال شيخنا الأجل صاحب دار السلام (أحله الله دار السلام) وفي هذه الرؤيا
من عظم الأمر وخطر العاقبة وعدم جواز التهاون بما عاهد الله على نفسه وعلو
مقام أوليائه المخبتين مالا يخفى على من تأملها بعين البصيرة ونظر الاعتبار (3).
حكاية:
ونقل هذا الأجل أيضا عن والده الصالح:
ان رجلا كان في مدينة طهران خادما في الحمام في مسلخه (4)، وكان لا
يصلي ولا يصوم، وجاء يوما إلى المعمار، وقال: أريد أن أبني حماما.
فقال له المعمار: أنت بهذه الحالة، من أين لك الدراهم؟
فقال له: خذ ما شئت.
فبنى له حماما معروفا باسمه، وكان اسمه (علي طالب).

(1) في المصدر: (وإذا بضوضاء اسمع).
(2) دار السلام. ج 2، ص 245 - 246.
(3) دار السلام. ج 2، ص 246.
(4) أي المنزع.
171

قال والدي:
كنت في النجف الأشرف، فرأيت فيما يراه النائم ان علي طالب جاء إلى
النجف في وادي السلام.
فتعجبت من ذلك.
وقلت له: ما جاء بك إلى هذا المكان وأنت لا تصلي ولا تصوم؟
فقال لي: يا هذا، أنا مت، فأخذوني بالأغلال ليأخذوني إلى العذاب. لكن
جزى الله الحاج الملا محمد الكرمانشاهي خير الجزاء حيث إنه استأجر فلان نائبا
للحج، وهو فلان، واستأجر فلان للصوم، والصلاة، ودفع عني الزكاة والمظالم على
يد فلان وفلان. ولم يبق شئ علي الا أداه. فخلصني من العذاب، فجزاه الله عني
خير جزاء المحسنين.
فاستيقظت من نومي فزعا، وتعجبت من تلك الرؤيا، فتربصت مدة، فجاء
أناس من طهران، فسألت عن أحوال علي طالب، فأخبروني كما رأيت في الرؤيا
بأسماء الرجال وما جرى بعد موته.
فتعجب من صدق تلك الرؤيا ومطابقتها للواقع (1).
(وفي هذه الرؤيا تصديق لما استفاض عن أهل العصمة من وصول ثواب
الصوم والصلاة والحج وسائر الخيرات والمبرات إلى الميت، وانه قد يكون في
ضيق فيفرج عنه.
وتصديق لما ورد: من أنه ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها
إلا وحشر الله روحه إلى وادي السلام.
وفي بعضها: أما كأني بهم حلق قعود يتحدثون.
والحاج المولى أحمد المذكور من علماء طهران الأخيار والصلحاء
الأبرار) (2).

(1) دار السلام: ج 2، ص 244 - 245.
(2) دار السلام: ج 2، ص 245.
172

حكاية:
ونقل عن أربعينات العالم الفاضل والعارف الكامل القاضي سعيد القمي (رحمه الله)
انه قال:
وصل إلينا من أحد الثقات ومحل الاعتماد عن أستاذ أساتيذنا الشيخ بهاء
الملة والدين العاملي (قدس سره):
انه ذهب في أحد الأيام لزيارة بعض أصحاب الحال، وكان يأوى في مقبرة
من مقابر أصفهان، فقال ذلك الشخص العارف للشيخ:
شاهدت قبل هذا اليوم في هذه المقبرة أمرا غريبا. فقد رأيت جماعة جاؤوا
بجنازة ودفنوها في هذه المقبرة في الموضع الفلاني. وبعد مضي ساعة شممت
رائحة طيبة لم تكن من روائح هذه النشأة، فبقيت متحيرا، فنظرت إلى يميني
وشمالي لأعرف من أين جاءت هذه الرائحة، فرأيت فجأة شابا جميل الصورة
في لباس الملوك وهو يذهب إلى ذلك القبر حتى وصل عنده، فتعجبت كثيرا
من مجيئه إلى ذلك القبر.
فعندما جلس عند ذلك القبر رأيته قد غاب وكأنه صار داخل القبر.
فلم يمض زمن من تلك الحادثة حتى شممت رائحة كريهة أنتن من كل رائحة،
فنظرت فرأيت كلبا يذهب بأثر ذلك الشاب حتى وصل إلى ذلك القبر واختفى.
فتعجبت لذلك وما كاد تعجبي ينقضي حتى خرج ذلك الشاب بحال سيئة
وهيئة قبيحة وبدن مجروح، وقد رجع من حيث أتى.
فذهبت وراءه، ورجوته أن يخبرني بحقيقة الأمر فقال: انا العمل الصالح لهذا
الميت، وكنت مأمورا أن أصير معه في قبره، فإذا بذلك الكلب - الذي رأيته - أتى
وهو عمله غير الصالح، فأردت أن أخرجه من القبر لأفي بصحبته فعضني ذلك
الكلب بأنيابه، وجرحني ومزق لحيتي كما ترى، ولم يتركني أبقى مع ذلك الشاب،
فلم أقدر بعد ذلك أن أبقى معه في قبره، فخرجت، وتركته لوحده.
فعندما نقل العارف المكاشف هذه الحكاية للشيخ، قال الشيخ:
ما قلته صحيح، فنحن قائلون بتجسم الأعمال وتصورها بالصورة المناسبة
173

بحسب الأحوال.
* يقول المؤلف:
ويصدق هذه الحكاية الخبر الذي رواه الشيخ الصدوق في أول أماليه
وملخصه:
ان قيس بن عاصم وفد مع جماعة من بني تميم إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وطلب منه
موعظة نافعة فوعظه (صلى الله عليه وآله): ومن جملة ما قال (1):
" لابد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت، فإن
كان كريما أكرمك وإن كان لئيما أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه،
ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد
لا تستوحش إلا منه، وهو فعلك.
فقال: يا نبي الله أحب أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفخر به على
من يلينا من العرب، وندخره:
فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) من يأتيه بحسان.
قال: (2) فأقبلت أفكر فيما أشبه هذه العظة من الشعر، فاستتب لي القول قبل

(1) صدر الحديث هو:
(قال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بني تميم إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فدخلت وعنده
الصلصال ابن الدلهمس، فقلت: يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع بها فإنا قوم نعبر [نعمر خ. ل]
في البرية.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا قيس ان مع العز ذلا وان مع الحياة موتا، وان مع الدنيا آخرة، وان
لكل شئ حسيبا، وعلى كل شئ رقيبا، وان لكل حسنة ثوابا ولكل سيئة عقابا ولكل أجل
كتابا... الحديث).
(2) أقول: في ترجمة الحديث نسب المؤلف (رحمه الله) القول إلى الصلصال وكذا أبيات الشعر، ولكن
في الأمالي المطبوع ليست فيه هذه النسبة. نعم وجدنا ذلك في كتاب (الإصابة في تمييز
الصحابة) لابن حجر العسقلاني: ج 2، ص 193 قال:
(الصلصال بن الدلهمس بن جندلة المحتجب بن الأغر بن الغضنفر بن تيم بن ربيعة بن
نزار، أبو الغضنفر...
وقال المرزباني: يقال انه أنشد النبي (صلى الله عليه وآله) شعرا. وذكر ابن الجوزي: ان الصلصال قدم مع بني تميم وان النبي (صلى الله عليه وآله أوصاهم بشئ فقال
قيس بن عاصم: وددت لو كان هذا الكلام شعرا نعلمه أولادنا، فقال الصلصال: انا أنظمه
يا رسول الله، فأنشده أبياتا. وأوردها ابن دريد في أماليه عن أبي حاتم السجستاني عن
العتبي عن أبيه قال: قال قيس بن عاصم وفدت مع جماعة من بني تميم، فدخلت عليه
وعنده الصلصال بن الدلهمس، فقال قيس: يا رسول الله عظنا عظة ننتفع بها، فوعظهم موعظة
حسنة، فقال قيس: أحب أن يكون هذا الكلام أبياتا من الشعر نفتخر به على من يلينا
وندخرها، فامر من يأتيه بحسان، فقال الصلصال: يا رسول الله قد حضرتني أبيات احسبها
توافق ما أراد قيس فقال هاتها فقال:.... الخ).
174

مجئ حسان. قلت: يا رسول الله، قد حضرتني أبيات احسبها توافق ما تريد، فقلت:
تخير خليطا من فعالك انما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
ولابد بعد الموت من أن تعده * ليوم ينادى المرء فيه فيقبل
فإن كنت مشغولا بشئ فلا تكن * بغير الذي يرضى به الله تشغل
فلن يصحب الانسان من بعد موته * ومن قبله إلا الذي كان يعمل
الا انما الانسان ضيف لأهله * يقيم قليلا بينهم ثم يرحل (1)
* وروى الشيخ الصدوق (قدس سره) عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" مر عيسى بن مريم (عليه السلام) بقبر يعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذ هو
ليس يعذب.
فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب، ثم مررت به
العام، فإذا هو ليس يعذب؟
فأوحى الله عز وجل إليه:
يا روح الله انه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما
عمل ابنه " (2).

(1) الأمالي للشيخ الصدوق: ص 12 - 13.
(2) الأمالي للصدوق: ص 414.
175

من منازل الآخرة المهولة
القيامة
177

من منازل الآخرة المهولة
القيامة
فان هولها عظيم، بل هي أعظم من كل هول. وفزعها الفزع الأكبر.
قال تعالى في وصفها:
* (ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة) * (1).
* وروى القطب الراوندي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" قال عيسى (عليه السلام) لجبرئيل: متى قيام الساعة؟ فانتفض جبرئيل انتفاضة أغمي
عليه منها، فلما أفاق قال: يا روح الله! ما المسؤول أعلم بها من السائل وله من في
السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة " (2).
* وروى الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) عن الإمام محمد
الباقر (عليه السلام):
" بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل (عليه السلام) نظرة
قبل السماء، فامتقع لونه حتى صار كأنه كركمة، ثم لاذ برسول الله (صلى الله عليه وآله).
فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى حيث نظر جبرئيل، فإذا شئ قد ملأ ما بين الخافقين

(1) سورة الأعراف: الآية 187.
(2) قصص الأنبياء للراوندي: ص 271، باب 18، فصل 5، ح 319. ونقله المجلسي في
البحار: ج 6، ص 212، ح 11. وفي: ج 7، ص 61، ح 14. وفي: ج 14، ص 323، ح 35.
179

مقبلا حتى كان كقاب من الأرض.
ثم قال: يا محمد اني رسول الله إليك أخبرك أن تكون ملكا رسولا أحب إليك،
أو تكون عبدا رسولا؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل أكون عبدا رسولا.
فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا، ثم رفع الأخرى
فوضعها في الثانية، ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة.. ثم هكذا حتى انتهى
إلى السماء السابعة، كل سماء خطوة، وكلما ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك
مثل الذر (1).
فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: لقد رأيتك ذعرا، وما رأيت شيئا كان أذعر لي
من تغير لونك؟!
فقال: يا نبي الله لا تلمني، أتدري من هذا؟
قال: لا.
قال: هذا إسرافيل حاجب الرب، ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات
والأرض (2)، فلما رأيته منحطا ظننت انه جاء لقيام الساعة، فكان الذي رأيته من

(1) هكذا في المصدر المطبوع (مثل الذر).
وفي نسخة بدل من المصدر، وفي البحار (مثل الصر).
قال الطريحي في مجمع البحرين: (والصر) عصفور أو طائر في قده أصفر اللون، سمي به
لصوته من صرر: إذا صاح.
ومنه الحديث (طلع علي علي بن الحسين (عليه السلام) وأنا أنتف صرا) ج 3، ص 365، الطبعة
الحديثة.
وفي مجمع البيان: ج 3، ص 603 - 307:
(والذرة بتشديد الراء: النملة الصغيرة التي لا تكاد ترى ويقال ان المائة منها زنة حبة
شعير، وقيل هي جزء من أجزاء الهباء الذي يظهر في الكوة من أثر الشمس.
(2) قال المؤلف (رحمه الله) في الحاشية:
(لعل مراده أنه لم يأتي لوحده وبدون خبر بهذا النحو الذي جاء به، حتى لا يتنافى مع
مجيئه مع جبرئيل وميكائيل لاهلاك قوم لوط... أو نحو ذلك والله العالم).
180

تغير لوني لذلك، فلما رأيت ما اصطفاك الله به رجع إلي لوني ونفسي (1).
* وفي رواية:
(... ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بر ولا
بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة أن تقوم فيه الساعة...) (2).
* يقول الفقير: لعل ما ذكر من خوف السماء والأرض وكل شئ هو خوف
أهلها والموكلين بها كما قاله المفسرون في معنى الآية الشريفة (ثقلت في
السماوات والأرض).
* وروى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان (إذا ذكر الساعة اشتد صوته واحمرت
وجنتاه) (3).

(1) تفسير الشيخ الثقة الأقدم علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) من مشايخ الشيخ الكليني (رحمه الله) ج 2،
ص 27 - 28 وتكملة الحديث:
(أما رأيته كلما ارتفع صغر انه ليس شئ يدنو من الرب إلا صغر لعظمته.
ان هذا حاجب الرب، وأقرب خلق الله منه، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء. فإذا
تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه، فنظر فيه، ثم يلقيه إلينا، فنسعى به في
السماوات والأرض. انه لأدنى خلق الرحمن منه وبينه وبينه سبعون حجابا من نور تقطع
دونها الابصار مالا يعد ولا يوصف، واني لأقرب الخلق منه وبيني وبينه مسيرة ألف عام)
انتهت الرواية الشريفة.
أقول: أما سند الرواية فصحيح.
وفي الصحيحة من الأسرار الإلهية والحقائق الربانية والألطاف الخفية ما يعجز عنه
إلا أهلها ومن خلق لها رزقنا الله تعالى وإياك من عذب مائها وأوردنا سلسبيلها بمحمد
وآله الطاهرين.
(2) رواها رئيس المحدثين الشيخ الصدوق في الخصال: ص 315 - 316، باب الخمسة (في
يوم الجمعة خمس خصال) ح 97، ونقله المجلسي في البحار: ج 7، ص 58، ح 1، ج 89
ص 267، ح 5. الطبعة الحديثة بإسناده إلى أبي لبابة بن عبد المنذر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
واسم (أبي لبابة) بشير.
(3) رواه الطوسي في الأمالي: 347، ح 26، ونقله في البحار: ج 2، ص 301، 31، وفي ج 77،
ص 124، ح 23. وروى الشيخ المفيد في الأمالي: ص 211، المجلس 24، ح 1، بإسناده
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خطب حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأفضل الهدي هدي محمد وشر
الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ويرفع صوته، وتحمر وجنتاه، ويذكر الساعة وقيامها
حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحتكم الساعة، مستكم الساعة، ثم يقول: بعثت أنا والساعة
كهاتين، ويجمع بين سبابتيه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا فعلي والي ".
ونقله في البحار: ج 16، ص 256، ح 36، وفي: ج 77، ص 133، ح 40.
ونقل في البحار: ج 103، ص 153، ح 25 عن كتاب (الغايات) عن جابر ان النبي (صلى الله عليه وآله)
خطب الناس فقال بعد حمد الله والثناء عليه: أما بعد فان أصدق الحديث كتاب الله، وان
أفضل الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم رفع صوته - وتحمر
وجنتاه ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة كأنه منذر جيش، ثم يقول -: بعثت والساعة كهاتين، ثم
يقول: أتتكم الساعة مصبحكم أو ممسيكم... ".
ونقل الغزالي في احياء علوم الدين: ج 4، ص 459، عن جابر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا
خطب فذكر الساعة رفع صوته واحمرت وجنتاه... الحديث) ونقله الفيض الكاشاني في
المحجة البيضاء: ج 8، ص 251، وقال محقق الاحياء في هامشه (أخرجه مسلم وابن أبي
الدنيا في قصر الأمل واللفظ له).
وروى السيد هاشم البحراني في (معالم الزلفى) ص 136، الطبعة الحجرية عن بستان
الواعظين قال:
(وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا هبت الريح تغير لونه وكان يخرج ويدخل مرة بعد أخرى
من شدة خوف قيام الساعة).
181

* ونقل الشيخ المفيد في الارشاد:
" لما عاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تبوك إلى المدينة، قدم إليه عمرو بن معد يكرب،
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) أسلم يا عمرو، يؤمنك الله من الفزع الأكبر.
فقال: يا محمد! وما الفزع الأكبر، فاني لا أفزع؟ "
* يقول المؤلف: من هذا الكلام تعرف شجاعة وقوة قلب عمرو، ونقل انه كان
من شجعان العالم المشهورين وكان أكثر فتوح العجم على يديه، ويعرف سيفه
بالصمصامة التي قطع بضربة منها جميع قوائم جزور.
وان عمر بن الخطاب سأله في أيام خلافته أن يريه سيفه ذلك، فأحضره
عمرو له.
182

فانتضاه (عمر) وضرب به، فما حاك (1)، فطرحه من يده، وقال: ما هذا إذ
سل بشئ.
فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أنت طلبت مني السيف ولم تطلب مني الساعد
الذي يضرب به (2).
فعاتبه، وقيل إنه ضربه) (3).
فقال: يا عمرو! انه ليس كما تظن وتحسب.
ان الناس يصاح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ميت إلا حشر، ولا حي إلا مات،
إلا ما شاء الله ثم يصاح بهم صحية أخرى فينشر من مات، ويصفون جميعا، وتنشق
السماء، وتهد الأرض، وتخر الجبال هدا وترمي النار، بمثل الجبال شررا، فلا يبقى
ذو روح إلا انخلع قلبه، وذكر دينه وشغل بنفسه إلا ما شاء الله.
فأين أنت يا عمرو من هذا؟
قال: إلا اني اسمع أمرا عظيما) (4).
ان القيامة مهولة إلى درجة بحيث ان الأموات في عالم البرزخ والقبر
يستوحشون من هولها بشكل انه روئي ان بعض الأموات بعدما أحيي بدعاء بعض
الأولياء قد صار شعره كله أبيضا، فعندما سألوه عن سبب بياض شعره قال لهم:
عندما أمر بإحيائنا ظننا ان القيامة قد قامت، ولذلك قد ابيض شعرنا كله من وحشة
وهول القيامة (5).

(1) أي لم يؤثر شيئا، أو لم يرسخ في المكان الذي ضربه.
(2) ذكر المؤلف في الهامش هذا البيت من الشعر:
وعادة السيف أن يزهو بجوهره * وليس يعمل إلا في يدي بطل
(3) نقل هذه القصة المؤلف في سفينة البحار: ج 1، ص 690، الطبعة الحجرية.
(4) الارشاد للشيخ المفيد: 84.
(5) أقول: روى الشيخ الكليني في الكافي الشريف: ج 3، ص 260 - 261 بسند صحيح عن
أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:
" ان فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبدين وكانت العبادة في أولاد ملوك بني إسرائيل
، وانهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا فمروا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السافي ليس يبين منه إلا رسمه.
فقالوا: لو دعونا الله الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فسألناه كيف وجد طعم الموت.
فدعوا الله وكان دعاؤهم الذي دعوا الله به (أنت الهنا يا ربنا ليس لنا اله غيرك والبديع
الدائم غير غافل والحي الذي لا يموت، لك في كل يوم شأن. تعلم كل شئ بغير تعليم، انشر
لنا هذا الميت بقدرتك.
قال: فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس واللحية ينفض رأسه من التراب فزعا
شاخصا بصره إلى السماء.
فقال لهم: ما يوقفكم على قبري؟
فقالوا: دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت؟
فقال لهم: لقد سكنت [مكثت في. ل] في قبري تسعة وتسعين سنة ما ذهب عني ألم
الموت وكربه ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي.
فقالوا له: مت يوم مت وأنت على ما نرى أبيض الرأس واللحية؟
قال: لا، ولكن لما سمعت الصيحة (اخرج) اجتمعت تربة عظامي إلى روحي فنفست فيه،
فخرجت فزعا شاخصا بصري مهطعا إلى صوت الداعي، فابيض لذلك رأسي ولحيتي).
183

* ولنذكر هنا بعض الأمور التي تنجي من شدائد القيامة، وتؤمن من الفزع
الأكبر، وهي عشرة أمور:
* الأول: روي أنه:
(من قرأ سورة يوسف في كل يوم أو في كل ليلة بعثه الله تعالى يوم القيامة
وجماله مثل جمال يوسف (عليه السلام)، ولا يصيبه فزع يوم القيامة) (1).
* وروي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام):
" من قرأ سورة الدخان في فرائضه ونوافله بعثه الله من الآمنين يوم القيامة،
وأظله تحت عرشه وحاسبه حسابا يسيرا وأعطاه كتابه بيمينه " (2).

(1) ثواب الأعمال للصدوق: ص 133، رواه عن الإمام الصادق (عليه السلام)، كما أنه رواه العياشي في
تفسيره: ج 2، ص 166، ح 1، باختلاف يسير ونقله في البحار: ج 7، ص 293، ح 9، ج 87،
ص 2، ح 3، ج 92، ص 279، ح 1، ج 92، ص 279، ح 2.
(2) ثواب الأعمال للصدوق: ص 141، ونقله في البحار: ج 7 ص 295، ح 20. وفي ج 92،
ص 299، ح 1.
184

* وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" من قرأ كل ليلة أو كل جمعة سورة الأحقاف لم يصبه الله بروعة في الحياة
الدنيا، وآمنه من فزع يوم القيامة إن شاء الله " (1).
* ونقل عنه (عليه السلام):
" من قرأ (والعصر) في نوافله بعثه الله يوم القيامة مشرقا وجهه، ضاحكا سنه
قريرا عينه حتى يدخل الجنة " (2).
* الثاني: روى الشيخ الكليني عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):
" من وقر ذا شيبة في الاسلام آمنه الله من فزع يوم القيامة " (3).
* الثالث: وروي عنه (عليه السلام) قال:
" من مات بطريق مكة ذاهبا أو جائيا أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة " (4).
* وروى الشيخ الصدوق عنه (عليه السلام) قال:
" من مات في أحد الحرمين [يعني حرم مكة وحرم المدينة زادهما الله شرفا
وتعظيما] (5) بعثه الله من الآمنين " (6).

(1) ثواب الأعمال للصدوق: ص 141. ونقله في البحار: ج 89، ص 310، ح 14. وفي ج 89،
ص 349، ح 26. وفي ج 92، ص 301، ح 1.
(2) ثواب الأعمال للصدوق: ص 153، 154، ونقله في البحار: ج 85، ص 39، ح 27. وفي:
ج 92، ص 336، ح 1.
(3) الكافي: ج 2، ص 658، ح 3. ونقله في البحار: ج 7، ص 302، ح 53. وفي: ج 75، ص 137،
ح 5، عن نوادر الراوندي.
أقول وروى الصدوق (رحمه الله) في ثواب الأعمال: ص 224، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " من
عرف فضل شيخ كبير فوقره لسنه آمنه الله من فزع يوم القيامة ".
(4) رواه الكليني في الكافي: ج 4، ص 263، ح 45. والطوسي في التهذيب: ج 5، ص 23،
ح 14. والصدوق في (من لا يحضره الفقيه) ج 2، ص 229 - ح 2269، ونقله في البحار: ج 7،
ص 302، ح 55.
(5) هذه الحاشية للمؤلف ((قدس سره)).
(6) رواه الصدوق في الفقيه: ج 2 ص 147، ح 650.
وروى الكليني في الكافي: ج 4، ص 548، ح 5 بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) "... ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم
يحاسب... "، وفي الفقيه: ج 1 ص 84، ح 380، عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " من مات في
أحد الحرمين امن من الفزع الأكبر يوم القيامة "، ونقله الحر في الوسائل: ج 1، باب 3، ص
261، ح 3.
ونقله المجلسي في البحار: ج 7، ص 302، ح 57، ج 99، ص 387، ح 3، ج 100،
ص 140، ح 6، ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات: ص 13، باب 2، ح 9. ورواه البرقي
في المحاسن: ص 70، كما رواه الصدوق في علل الشرائع: ص 460، باب 221، ح 7.
185

* الرابع: وروى الشيخ الكليني عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
" من دفن في الحرم (1) امن من الفزع الأكبر " (2).
* الخامس: روى الشيخ الصدوق عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال:
" من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة الله عز وجل حرم الله
عليه النار وآمنه من الفزع الأكبر " (3).
* السادس: وروى عنه أيضا (صلى الله عليه وآله) قال:
" من مقت نفسه دون [مقت] (4) الناس آمنه الله من فزع يوم القيامة " (5).
* السابع: روى الشيخ الأجل علي بن إبراهيم القمي عن الامام

(1) قال المؤلف: (يعني حرم مكة المعظمة).
(2) الكافي: ج 4، ص 258، ح 26. الفقيه ج 2، ص 229، ح 2272. المحاسن للبرقي:
ص 72 (كتاب ثواب الأعمال: باب 121، ح 147) ونقله المجلسي في البحار: ج 7،
ص 302، ح 54. وفي ج 99، ص 387، ح 2.
(3) رواها الصدوق في الفقيه: ج 4، ص 7، باب 1، (ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله)) ح 1. ورواه
في الأمالي: ص 349، المجلس 66، ح 1. ونقله في البحار: ج 7، ص 303، ح 60. وفي
ج 70، ص 378، ح 25، وفي: ج 76، ص 233، ح 1. وقال المؤلف (رحمه الله) في الحاشية:
(الفاحشة يعني الزنا، وكل ما تعدى حدود الله).
(4) هذه الزيادة في نسخة بدل.
(5) البحار: ج 7، ص 302. الخصال للصدوق: ص 15، باب (الواحد) " خصلة من فعلها آمنه
الله عز وجل من فزع يوم القيامة "، ح 54. ورواه في ثواب الأعمال: ص 216 (ثواب من
مقت نفسه دون مقت الناس)، ح 1. ونقله في البحار: ج 27، ص 30، ح 59. وفي: ج 75
ص 46، ح 3. وفي ج 75، ص 48، ح 10.
186

محمد الباقر (عليه السلام):
" من كظم غيظا وهو يقدر على امضائه حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم
القيامة " (1).
* الثامن: قال الله تعالى في سورة النمل:
* (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) * (2).
يعني: من جاء يوم القيامة بالحسنة فله أحسن منها (3) وهو آمن من فزع
ذلك اليوم.
* وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال:
" الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت " (4).
* التاسع: روى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده فنفس كربته وأعانه
على نجاح حاجته كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله يجعل له
منها واحدة يصلح بها معيشته ويدخر له إحدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم

(1) تفسير القمي: ج 2، ص 277 في تفسير الآية 37، سورة الشورى ونقلها في البحار: ج 7،
ص 303، ح 62 وفي: ج 71، ص 410 ح 24، ج 71، ص 411، ح 25، ج 71، ص 417،
ح 45، ورواه في الكافي ج 2، ص 110، ح 7.
(2) سورة النمل: الآية 89.
(3) روى المحدث الجليل عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي المتوفى سنة 1112 ه‍. ق
في تفسير نور الثقلين، عن أصول الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام): دخل أبو
عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عز وجل
* (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت
وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * قال: بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك.
فقال: الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت والسيئة انكار الولاية وبغضنا أهل البيت،
ثم قرأ (عليه السلام) الآية ".
تفسير نور الثقلين: ج 4، ص 104. وراجع الكافي: ج 1، ص 185، ح 14.
(4) هذا المقطع من الخبر السابق.
187

القيامة وأهواله " (1).
* يقول المؤلف: قد رويت روايات كثيرة في ثواب قضاء حاجات الاخوة
في الدين، ومن جملتها ما روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال:
" من مشى في حاجة أخيه المسلم أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك
ولم يرفع قدما إلا كتب الله له حسنة، وحط عنه بها سيئة، ويرفع له بها درجة، فإذا
فرغ من حاجته كتب الله عز وجل له بها اجر حاج ومعتمر " (2).
* وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
" لقضاء حاجة امرئ مؤمن أفضل من حجة وحجة وحجة حتى عد عشر
حجج " (3).

(1) ثواب الأعمال للصدوق: ص 179، وفي ص 220. ورواه الكليني في الكافي: ج 2،
ص 199، ح 1.
ونقله المجلسي في البحار: ج 7، ص 299، ح 49، وفي: ج 74، ص 319، ح 85. وفي:
ج 75، ص 20، ح 18. وفي: ج 75، ص 21، ح 22، وفي: ج 75، ص 22، ح 25.
(2) الكافي: ج 2، ص 197، باب السعي في حاجة المؤمن، ح 3، عن أبي عبيدة الحذاء.
(3) الأمالي للشيخ الصدوق: ص 399، ونقله في البحار ج 74، ص 284، ح 4. وفي: ج 99،
ص 3، ح 1. روى الصدوق بالإسناد عن مشمعل الأسدي قال: خرجت ذات سنة حاجا،
فانصرفت إلى أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد.
" فقال: من أين بك يا مشمعل؟
فقلت: جعلت فداك كنت حاجا.
أو ما تدري ما للحاج من الثواب؟
فقلت: وما أدري حتى تعلمني!
فقال: ان العبد إذا طاف بهذا البيت أسبوعا (أسبوعا أي سبعا، والمقصود به سبعة أشواط
حول البيت) وصلى ركعتيه، وسعى بين الصفا والمروة كتب الله له ستة آلاف حسنة، وحط
عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة. وقضى له ستة آلاف حاجة للدنيا كذا وادخر
له للآخرة كذا (لعل ال‍ " كذا " الأولى زائدة من النساخ، وأما ال‍ " كذا " الثانية يعني كذلك
" ستة آلاف ".
فقلت له: جعلت فداك ان هذا لكثير. فقال: ألا أخبرك بما هو أكثر من ذلك؟
قلت: بلى.
فقال (عليه السلام): لقضاء.... الحديث ".
وهناك رواية أخرى تشبهها في ثواب الأعمال للصدوق: ص 170، (ثواب الصدقة)،
ح 13، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: " لأن أحج حجة أحب إلي من أن أعتق رقبة - حتى انتهى
إلى عشرة - ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين. ولأن أعول أهل بيت من المسلمين وأشبع
جوعتهم، وأكسو عريهم، وأكف وجوههم عن الناس أحب إلي من أن أحج حجة وحجة
وحجة حتى انتهى إلى عشرة، ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين ".
188

* وروي:
" ان عابد بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية من العبادة صار مشاء في حوائج
الناس، عانيا بما يصلحهم. " (1).
* وروى الشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل القمي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) انه
رأى على الباب الثاني من الجنة مكتوبا:
" لا إله الا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، لكل شئ حيلة (2) وحيلة
السرور في الآخرة أربع خصال:
المسح على رؤوس اليتامى، والتعطف على الأرامل، والسعي في حوائج
المسلمين، وتفقد الفقراء والمساكين " (3).
إلى غير ذلك (4).

(1) الكافي ج 2، ص 199.
(2) كتب المؤلف (رحمه الله) في الحاشية (في نسخة بدل حلية).
(3) أقول رواه الشيخ شاذان بن جبرئيل في الفضائل: ص 152 ونقله عنه في البحار: ج 8،
ص 144، ح 67. ورواه السيد هاشم البحراني في معالم الزلفى: ص 316، الطبعة الحجرية
ورواه النوري في المستدرك، ج 2، باب 78، ص 474، ح 2501، وفي ج 7، باب 49،
ص 266، ح 8205، وفي ج 15، باب 10، ص 122، ح 17728.
(4) من الروايات الكثيرة التي وردت في فضل قضاء حوائج المؤمنين وقد عقد لها الشيخ
الكليني في الكافي: فصولا جليلة، وجمع تلك الروايات الشريفة العلامة المجلسي في
ج 74 من البحار.
189

* ولهذا اهتم العلماء وعظماء الدين اهتماما كبيرا في قضاء حوائج المؤمنين،
وقد نقل عنهم حكايات لا مجال لذكرها هنا.
* العاشر: روى الشيخ الكليني عن الإمام الرضا (عليه السلام) انه قال:
" من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ انا أنزلناه في ليلة القدر سبع
مرات أمن يوم الفزع الأكبر " (1).
* يقول المؤلف: وفي رواية أخرى (استقبل القبلة ووضع يده على القبر) (2).
فيمكن أن يكون هذا الأمان من الفزع يوم القيامة يعود للقارئ كما هو
ظاهر الخبر.
ويحتمل أن يكون للميت كما يظهر من بعض الروايات.
* وقد رأى هذ الفقير في مجموعة الشيخ الأجل الأفقه أبي عبد الله محمد بن
مكي العاملي المعروف بالشيخ الشهيد انه جاء إلى قبر أستاذه الشيخ الأجل العالم
فخر المحققين نجل آية الله العلامة الحلي (رضوان الله عليهم أجمعين) وقال:
أروي عن صاحب هذا القبر، وهو يروي عن والده الماجد بسنده إلى الإمام الرضا
(عليه السلام): " من زار قبر أخيه المؤمن وقرأ عنده سورة القدر وقال: اللهم جاف
الأرض عن جنوبهم، وصاعد إليهم أرواحهم، وزدهم منك رضوانا، وأسكن إليهم
من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتؤنس وحشتهم انك على كل شئ قدير " أمن
القارئ والميت من الفزع الأكبر (3).

(1) رواه المجلسي في البحار: ج 7، ص 302، ورواه الكليني في الكافي: ج 3، ص 229، عن
محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد قال: كنت بفيد فمشيت مع علي بن بلال إلى قبر محمد
بن إسماعيل بن بزيع - فقال علي بن بلال قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا (عليه السلام) قال: " من
أتى قبر... الحديث ".
(2) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات: ص 320، باب 105، ح 4. ونقله في البحار: ج 102،
ص 295، ح 4، ونقله الحر في الوسائل: كتاب الطهارة، أبواب الدفن، باب 57، ح 3، وفي هذا
الباب روايات أخرى لا بأس بمراجعتها.
(3) لقد ترجمنا النص عن الكتاب فلم نجد الرواية بهذا الشكل بالمصادر التي راجعناها، وقد ورد المضمون في روايتين الأولى تقدمت في رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع،
والثانية روى الصدوق في الفقيه بإسناده عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
" الموتى تزورهم، فقال: نعم، قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ فقال: أي والله "، والدعاء في
فلاح السائل للسيد ابن طاووس: ص 85، عن كتاب مدينة العلم للشيخ الصدوق، وهو من
الكتب المهمة بمنزلة التهذيب والفقيه وقد ضاع، وقد روى الدعاء السيد ابن طاووس في
مصباح الزائر، ونقله عنه الشيخ النوري (رحمه الله) في المستدرك: ج 10، باب 80، ص 383، ح
12232، وفي ج 2، باب 49، ص 372، ح 2222، ونقله المجلسي في البحار: ج 102، ص
300، ح 26.
190

* يقول المؤلف: ان قبر فخر المحققين - على ما يظهر من كلام المجلسي
الأول في شرح الفقيه - في النجف الأشرف ولعله قريب قبر والده العلامة (رحمه الله) الذي
يقع في الإيوان المطهر.
191

من ساعات القيامة المهولة
ساعة خروج الانسان من قبره
وهذه الساعة هي إحدى الساعات الثلاثة التي هي أصعب وأوحش
الساعات على أبناء آدم (1).

(1) روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه (الخصال) بإسناده عن (ياسر الخادم) قال:
سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم
يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا. ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى
أحكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله عز وجل على يحيى في هذه الثلاثة المواطن،
وآمن روعته فقال: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا).
وقد سلم عيسى بن مريم (عليه السلام) على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال: (والسلام علي
يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا).
الخصال للصدوق: ص 107، باب الثلاثة (أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن).
أقول: وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه (الخصال): باب الثلاثة (أشد ساعات ابن آدم
ثلاث ساعات)، ص 119، وروى بالإسناد عن الزهري قال: قال علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب (عليهم السلام): أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت،
والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى، فاما إلى
الجنة وإما إلى النار.
ثم قال: إن نجوت يا بن آدم عند الموت فأنت أنت وإلا هلكت.
وإن نجوت يا بن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت وإلا هلكت.
وإن نجوت حتى يحمل الناس على الصراط فأنت أنت وإلا هلكت. وإن نجوت حتى يقوم الناس لرب العالمين فأنت أنت وإلا هلكت. ثم تلا * (ومن ورائهم
برزخ إلى يوم يبعثون) *
قال: هو القبر وان لهم فيه لمعيشة ضنكا، والله ان القبر لروضة من رياض الجنة، أو حفرة
من حفر النار، ثم اقبل على رجل من جلسائه فقال له: لقد علم ساكن الجنة من ساكن النار،
فأي الرجلين أنت، وأي الدارين دارك.
193

يقول الله تعالى في سورة المعارج:
* (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون * يوم
يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون * خاشعة أبصارهم
ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) * (1).
* روي عن ابن مسعود انه قال:
كنت جالسا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:
ان في القيامة لخمسين موقفا كل موقف ألف سنة:
فأول موقف خرج من قبره (2)، حبسوا ألف سنة عراة جياعا عطاشا.
فمن خرج من قبره مؤمنا بربه ومؤمنا بجنته وناره، ومؤمنا بالبعث والحساب
والقيامة، مقرا بالله مصدقا نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبما جاء من عند الله عز وجل نجا من
الجوع والعطش (3).
* وقال الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة:
" وذلك يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين لنقاش الحساب وجزاء الأعمال
خضوعا قياما قد ألجمهم العرق ورجفت بهم الأرض فأحسنهم حالا من وجد

(1) سورة المعارج: الآية 42 - 44.
قال المؤلف (رحمه الله) في ترجمة قوله تعالى كأنهم إلى نصب يوفضون. يوم يخرجون من
قبورهم سراعا، كأنهم يسرعون إلى علم منصوب كالذين في الجيش عندما ينصبون علمهم
ويسرعون إليه...).
(2) هكذا في نسخة البحار: وفي جامع الأخبار طبعة النجف وقد ترجمها المؤلف (الخروج من
القبر) والله تعالى أعلم.
(3) رواه في جامع الأخبار للشيخ محمد الشعيري: ص 176، الفصل 140، ح 1. ورواه عنه
المجلسي في البحار: ج 7، ص 111، ح 42.
194

لقدميه موضعا ولنفسه متسعا " (1).
* وروى الشيخ الكليني عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" مثل الناس يوم القيامة إذا قاموا لرب العالمين مثل السهم في القرب ليس
له من الأرض إلا موضع قدمه كالسهم في الكنانة لا يقدر أن يزول هاهنا ولا
هاهنا " (2).
* يعني انه كما في موضع السهم في الكنانة لا يوجد مجال ليتحرك في كنانته
لضيقها، فكذلك ضيق الانسان في ذلك اليوم فلا يستطيع أن يتحرك عن موضع
قدمه فليست لديه القدرة على أن يغير موضع قدمه.
* وبالجملة فان هذا الموقف موقف عظيم.
ومن المناسب أن نذكر بعض الأخبار في أحوال بعض الأشخاص عندما
يخرجون من قبورهم.
* الأول: روى الشيخ الصدوق عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" الشاك في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحشر يوم القيامة من قبره وفي عنقه
طوق من نار فيه ثلاثمائة شعبة، على كل شعبة منها شيطان يكلح في وجهه
ويتفل فيه " (3).
* الثاني: روى الشيخ الكليني عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال:
" ان الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم

(1) نهج البلاغة: ج 1، ص 196، شرح محمد عبدة، وراجع شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد:
ج 7 باب 101، ص 102، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم.
(2) رواه الكليني في الكافي: ج 8، ص 143، ح 110. ونقله المجلسي في بحار الأنوار: ج 7،
ص 111.
(3) أقول: رواه المفيد في الأمالي: ص 144، 145، المجلس 18، ح 3. ورواه ابن شيرويه في
الفردوس: ج 5، ص 477، ح 8816، الطبعة الحديثة ونقله المجلسي في البحار: ج 7،
ص 192، ح 53، وفي: ج 38، ص 10، ح 14، وفي: ج 39، ص 304، ص 120.
وروى قريبا منه فرات بن إبراهيم في تفسيره ص 134 عن أبي ذر الغفاري عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
195

إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا قيد أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا
شديدا يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير. هؤلاء الذين أعطاهم
الله فمنعوا حق الله في أموالهم " (1).
* الثالث: روى الشيخ الصدوق في حديث طويل:
" ومن مشى في نميمة بين اثنين سلط الله عليه في قبره نارا تحرقه إلى
يوم القيامة وإذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا أسود ينهش لحمه حتى يدخل
النار... " (2).
* الرابع: وروى عنه (عليه السلام):
" ومن ملأ عينيه من امرأة حراما حشاهما الله عز وجل يوم القيامة بمسامير
من نار، وحشاهما نارا حتى يقضى بين الناس، ثم يؤمر به إلى النار " (3).
* الخامس: وروى عنه صلوات الله عليه انه قال:
" ان شارب الخمر يجئ يوم القيامة مسودا وجهه، مزرقة عيناه، مائلا شدقيه،
سائلا لعابه، دالعا لسانه من قفاه " (4).
وفي (علم اليقين) للمحدث الفيض:
" روي في الصحيح أن شارب الخمر يحشر والكوز معلق في عنقه والقدح بيده،
وهو أنتن من كل جيفة على وجه الأرض، يلعنه كل من يمر به من الخلائق " (5).
* السادس: روى الشيخ الصدوق عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) انه قال:
" يجئ يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه، وآخر من قدامه يلتهبان

(1) الكافي: ج 3، ص 142 - 143. وعنه البحار: ج 7، ص 197.
(2) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص 335، عن ابن عباس عن النبي، ونقله المجلسي في
البحار: ج 7، ص 213، ح 116، وفي ج 76، ص 359، ح 30.
(3) ثواب الأعمال: ص 338. ونقله في البحار: ج 76، ص 366، ح 30. ونقل المؤلف في
الحاشية ثلاثة أبيات من الشعر الفارسي.
(4) رواه الصدوق في الأمالي: ص 340، المجلس 56، ح 1. وفي البحار: ج 7، ص 218،
ح 125. وفي: ج 79، ص 147، ح 63.
(5) علم اليقين: الفيض الكاشاني: ج 2، ص 910. طبعة قم.
196

نارا حتى يلهبا جسده ثم يقال له: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين
يعرف بذلك يوم القيامة " (1).
واعلم أن الأمور النافعة لهذا الموقف كثيرة، ونحن نشير إلى عدة أشياء منها:
* الأول: ورد في حديث لمن شيع جنازة أوكل الله به ملائكة معهم رايات
يشيعونهم من قبورهم إلى محشرهم (2).
* الثاني: وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كرب الآخرة، وخرج من قبره
وهو ثلج الفؤاد " (3).
* الثالث: روى الشيخان الكليني والصدوق عن سدير الصيرفي في خبر
طويل قال:
قال أبو عبد الله (عليه السلام):
2 " إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه امامه، كلما رأى المؤمن
هولا من أهوال يوم القيامة قال له المثال: لا تفزع، ولا تحزن، وابشر بالسرور
والكرامة من الله عز وجل، حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيحاسبه حسابا

(1) ثواب الأعمال للصدوق: ص 319. وفي الخصال: ص 38، باب الاثنين، ح 16. ونقله في
البحار: ج 7، ص 218، ح 130. وفي: ج 75، ص 203، ح 5.
(2) أقول: روى هذه الرواية رئيس المحدثين الشيخ الصدوق (رحمه الله) في ثواب الأعمال: عن
الباقر (عليه السلام) قال:
" كان فيما ناجى به موسى (عليه السلام) ربه إن قال: يا رب ما لمن شيع جنازة؟
قال: أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونهم من قبورهم إلى محشرهم ".
رواه الصدوق في ثواب الأعمال: ص 231، (ثواب عيادة المريض، وغسل الموتى،
وتشييع الجنازة وتعزية الثكلى)، ح 1. ونقله في البحار: ج 7، ص 209، ح 98. وفي:
ج 81، ص 263، ح 16.
(3) رواه الصدوق (رحمه الله) في ثواب الأعمال: ص 179، (ثواب من نفس عن مؤمن كربة) ح 1.
ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي: ج 2، ص 199، ح 3.
ونقله المجلسي في البحار: ج 7، ص 198، ح 71، وفي: ج 74. ص 321، ح 87. وفي:
ج 75، ص 22، ح 23.
197

يسيرا، ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه.
فيقول له المؤمن يرحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري ما زلت
تبشرني بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك. فيقول من أنت؟
فيقول: أنا السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني الله
عز وجل منه لأبشرك " (1)
* الرابع: روى الشيخ الكليني عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقا على الله أن يكسوه من ثياب
الجنة وأن يهون عليه سكرات الموت، وأن يوسع عليه في قبره وأن يلقى الملائكة
إذا خرج من قبره بالبشرى وهو قول الله عز وجل في كتابه: * (وتتلقاهم الملائكة
هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * (2) " (3).
* الخامس: روى السيد ابن طاووس في كتاب الاقبال عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال:
" ومن قال في شعبان ألف مرة (لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين
ولو كره المشركون " كتب الله له عبادة الف سنة ومحا عنه ذنب ألف سنة ويخرج
من قبره يوم القيامة ووجهه يتلألأ مثل القمر ليلة البدر وكتب عند لله صديقا) (4).
* السادس: قراءة دعاء الجوشن الكبير في أول شهر رمضان (5).

(1) رواه الكليني في الكافي: ج 2، ص 190، ح 8. والطوسي في المجالس: ص 199،
المجلس 7، ح 35. والمفيد في الأمالي: ص 177، 178، المجلس 22، ح 8. والصدوق في
ثواب الأعمال: 180، (ثواب ادخال السرور على الأخ المؤمن)، ح 1. ونقله في البحار: ج 7،
ص 197، ح 69. وفي: ج 74، ص 284، ح 3. وفي: ج 74، ص 290، ح 21، وفي ج 82،
ص 176، ح 14.
(2) سورة الأنبياء: الآية 103.
(3) الكافي: ج 2، ص 204، ح 1، ونقله عنه في البحار: ج 7، ص 198، ح 72.
(4) الاقبال للسيد ابن طاووس: ص، 685، الطبعة الحجرية.
(5) روى الكفعمي (رحمه الله) في المصباح ص 246، الطبعة الحجرية.
دعاء الجوشن الكبير قال إنه (مروي عن السجاد (عليه السلام) عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله)...)
ثم ذكر شيئا كثيرا من فضل الدعاء الشريف إلى أن قال:
(ومن دعا بنية خالصة في أول شهر رمضان رزقه الله تعالى ليلة القدر وخلق له سبعين ألف ملك يسبحون الله ويقدسونه وجعل ثوابهم له، وبعث الله له عند خروجه من قبره سبعين
ألف ملك مع كل ملك نجيب من نور بطنه من اللؤلؤ وظهره من الزبرجد وقوائمه من الياقوت
على ظهر كل نجيب قبة من نور لها أربعمائة باب على كل باب سترا من السندس والاستبرق
في كل قبة وصيفة على رأس كل وصيفة تاج من الذهب الأحمر يسطع منهن رائحة المسك.
ثم يبعث الله إليه بعد ذلك سبعين ألف ملك مع كل ملك كأس من لؤلؤ بيضاء فيها شراب من
شراب الجنة مكتوب على رأس كل منها (لا اله إلا الله وحده لا شريك له) هدية من الله لفلان
ابن فلان، وينادي الله تعالى: يا عبدي ادخل الجنة بغير حساب.
ومن دعا به في شهر رمضان ثلاث مرات حرم الله تعالى جسده على النار وأوجب له
الجنة ووكل الله تعالى به ملكين يحفظانه من المعاصي، وكان في أمان الله طول حياته... إلى
أن قال: قال الحسين (عليه السلام):
أوصاني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه، وأن اكتبه على كفنه، وأن
أعلمه أهلي وأحثهم عليه. وهو ألف اسم، وفيه الاسم الأعظم).
198

ختم ذكره حتم
من المناسب أن نذكر هنا أمرا يناسب المقام نقله الشيخ الأجل أمين الدين
الطبرسي (رحمه الله) عليه في مجمع البيان عن البراء بن عازب، وقال:
" كان معاذ بن جبل جالسا قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منزل أبي أيوب
الأنصاري.
فقال معاذ: يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى: * (يوم ينفخ في الصور فتأتون
أفواجا.. الآيات) *.
فقال: يا معاذ! سألت عن عظيم من الأمر، ثم أرسل عينيه (1) ثم قال:
يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا قد ميزهم الله من المسلمين، وبدل
صورهم، بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم
منكسون أرجلهم من فوق ووجوههم من تحت ثم يسحبون عليها، وبعضهم عمي،
وبعضهم صم بكم لا يعقلون، وبعضهم يعضون ألسنتهم فيسيل القيح من أفواههم

(1) قال المؤلف رحمه الله تعالى في الحاشية ما ترجمته (لعل مراده فبكى).
أقول: لا اشكال ان معنى (ثم أرسل عينيه) انه بكى (صلى الله عليه وآله) والاستعارة هذه مشهورة
في لغة العرب.
199

لعابا يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على
جذوع من نار، وبعضهم أشد نتنا من الجيف وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من
قطران لازقة بجلودهم.
فأما الذين على صورة القردة فالقتات (1) من الناس.
وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت.
وأما المنكسون على رؤوسهم فآكلة الربا.
والعمي الجائرون في الحكم.
والصم والبكم المعجبون بأعمالهم.
والذين يمضغون بألسنتهم فالعلماء والقضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم.
والمقطعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون الجيران.
والمصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان.
والذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات، ويمنعون
حق الله في أموالهم.
والذين يلبسون الجباب فأهل الفخر والخيلاء (2).
z z z

(1) قال العلامة الطريحي في مجمع البحرين: ج 2 - 214: (... في الحديث (الجنة محرمة على
القتات) والمراد به النمام، من قت الحديث نمه وأشاعه بين الناس.
ومنه (يقت الأحاديث) أي ينمها.
وفيه: (من بلغ بعض الناس ما سمع من بعض آخر منهم فهو القتات، فلا ينبغي سماع
بلاغات الناس بعضهم على بعض ولا تبليغ ذلك.
وقيل: النمام هو الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم عليهم، والقتات هو الذي يتسمع
على القوم، وهم لا يعلمون فينم حديثهم.
وقوله (عليه السلام): الجنة محرمة على القتاتين المشائين بالنميمة، هو بمنزلة التأكيد للعبارة
الأولى) انتهى كلامه رفع مقامه.
(2) رواه الطبرسي في مجمع البيان: ج 5، ص 423 - 424، طبعة طهران - المكتبة العلمية
الاسلامية في تفسير * (وسيرت الجبال فكانت سرابا) * من سورة النبأ وذكره المجلسي
في البحار - ج 7، ص 89.
200

من مواقف القيامة المهولة
موقف الميزان ووزن الأعمال
قال الله تعالى في أوائل سورة الأعراف:
* (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه (1) فأولئك هم المفلحون * ومن
خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) * (2).
وقال تعالى في سورة القارعة:
* (القارعة * ما القارعة * وما ادراك ما القارعة * يوم يكون الناس كالفراش
المبثوث * وتكون الجبال كالعهن المنفوش * فأما من ثقلت موازينه * فهو
في عيشة راضية * واما من خفت موازينه * فأمه هاوية * وما ادراك ماهية *
نار حامية) * (3).

(1) قال المؤلف عليه الرحمة في الحاشية:
(قال المفسرون: ان السبب في ذكر الله تعالى الميزان بصيغة الجمع ذلك لأن لكل نوع من
أنواع الطاعات ميزان فيقام لكل منها هناك ميزان، وكذلك انه جمع موزون يعني وزن أعماله).
(2) سورة الأعراف: الآية 8 و 9.
(3) سورة القارعة: وقد ترجم المؤلف في المتن الآيات الشريفة، ولم يذكر من السورة المباركة
إلا قوله تعالى (القارعة ما القارعة... إلى آخر الآيات) هكذا أثبتها في المتن.
فارتأينا أن نثبت السورة المباركة وننقل ما أورده في تفسير معاني الآيات الشريفة
القارعة: يعني القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع والخوف.
يوم يكون الناس كالفراشات المبثوثة، وتكون الجبال مثل القطن الذي ندف ونفش. فأما الذين جاؤوا بموازين ثقيلة - يعني حسناتهم وخيراتهم - فهم في عيشة راضية.
وأما الذين جاؤوا بموازين خفيفة، فان مأواهم الهاوية. وما ادراك ما الهاوية: تلك نار
حامية وحارقة جدا.
201

* واعلم أن لا يوجد عمل لأجل تثقيل ميزان الأعمال مثل الصلوات على
محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين، ومثل حسن الخلق.
وأنا أزين الكتاب بذكر روايات هنا في فضل الصلوات، وثلاث روايات مع
عدة حكايات في حسن الخلق.
أما الأخبار في فضل الصلوات
* الأول: روى الشيخ الكليني (رحمه الله) بسند معتبر عن الإمام محمد الباقر أو
الإمام الصادق (عليهما السلام).
قال:
" ما في الميزان شئ أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد وان الرجل
لتوضع أعماله في الميزان فتميل به فيخرج (صلى الله عليه وآله) الصلاة عليه فيضعها في ميزانه
فيرجح به (1).
* الثاني: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
" أنا عند الميزان يوم القيامة، فمن ثقلت سيئاته على حسناته جئت بالصلاة
علي حتى أثقل بها حسناته " (2).

(1) رواه الكليني في الكافي: ج 2، ص 494، بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي
عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)... والحديث صحيح السند. وأما
توقف المؤلف (رحمه الله) في القطع بصحته فناشئ من تصحيح (إبراهيم بن هاشم) أبو (علي بن
إبراهيم) كما هو ديدن بعض الأجلة من الماضين والذين قالوا بحسنه لعدم وجود توثيق له
في كتب الرجال ولكن الصحيح ان توثيق علي بن إبراهيم في تفسيره لكل من يروي عنهم
يكفي في اثبات الصحة.
(2) رواه الصدوق في ثواب الأعمال: ص 186، (ثواب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم))، ح 1، وفي:
جامع الأخبار للشعيري: ص 61 الفصل 28 طبعة النجف، ونقله في البحار: ج 7، ص 304،
ح 72، وفي: ج 94، ص 56، ح 31، وفي ج 94، ص 65، ح 52.
202

* الثالث: روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن الإمام الرضا (عليه السلام) انه قال:
" من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله، فإنها
تهدم الذنوب هدما " (1).
* الرابع: روي في دعوات الراوندي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
" من صلى علي كل يوم ثلاث مرات، وفي كل ليلة ثلاث مرات حبا لي وشوقا
لي كان حقا على الله عز وجل أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم " (2).
* الخامس: وروى عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: " رأيت فيما يرى النائم عمي حمزة بن
عبد المطلب وأخي جعفر بن أبي طالب وبين أيديهما طبق من نبق فأكلا ساعة،
فتحول النبق عنبا فأكلا ساعة، فتحول العنب لهما رطبا، فأكلا ساعة، فدنوت منهما،
فقلت لهما: بأبي أنتما أي الأعمال وجدتما أفضل؟
قالا: فديناك بالآباء والأمهات وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك، وسقي
الماء، وحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) " (3).
* السادس: وروي عنه (صلى الله عليه وآله) قال:
" من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك
الكتاب " (4).
* السابع: روى الشيخ الكليني عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
" إذا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله)
صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق شئ

(1) رواه الصدوق في الأمالي: ص 68، المجلس 17، ح 444، ورواه في عيون أخبار
الرضا (عليه السلام): ج 1، ص 294، باب، 28، ح 28، ونقله المجلسي في البحار: ج 94، 47، ح 2،
وفي: ج 94، ص 63، ح 52.
(2) الدعوات للراوندي: ص 89، الباب، 224 (صلوات النبي والأئمة) ح 226.
(3) الدعوات القطب الراوندي: ص 90، باب 224 (صلوات النبي والأئمة) ح 227.
(4) منية المريد: ص 178، الباب 4 (في آداب الكتابة والكتب التي هي آله العلم)، المسألة 13،
ونقله في البحار، ج 94، ص 71، ح 65.
203

مما خلق الله إلا صلى على العبد لصلاة الله عليه، وصلاة ملائكته. فمن لم يرغب
في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ الله منه ورسوله وأهل بيته " (1).
يقول الفقير: روى الشيخ الصدوق في معاني الأخبار عن الإمام الصادق (عليه السلام)
في معنى " ان الله وملائكته يصلون على النبي " الآية، انه (عليه السلام) قال:
" الصلاة من الله عز وجل رحمة ومن الملائكة تزكية ومن الناس دعاء " (2).
وروي في هذا الكتاب أن الراوي قال: فكيف نصلي على محمد وآله؟
قال: " تقولون: صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه
على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته ".
قال: فقلت: فما ثواب من صلى على النبي وآله بهذه الصلاة؟
قال: الخروج من الذنوب والله كهيئة يوم ولدته أمه " (3).
* الثامن: روى الشيخ أبو الفتوح الرازي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال:
" أسري بي ليلة المعراج إلى السماء فرأيت ملكا له ألف يد، لكل يد ألف إصبع
وهو يحسب ويعد بتلك الأصابع فقلت لجبرائيل: من هذا الملك، وما الذي
يحسبه؟
قال جبرئيل: هذا ملك موكل على قطر المطر يحفظها كم قطرة تنزل من
السماء إلى الأرض.
فقلت للملك هل تعلم مذ خلق الله الدنيا كم قطرة نزلت من السماء
إلى الأرض؟
فقال: يا رسول الله! فوالله الذي بعثك بالحق إلى خلقه غير اني اعلم كم قطرة
نزلت من السماء إلى الأرض اعلم تفصيلا كم قطرة نزلت على البحر، وكم قطرة
نزلت في البر، وكم قطرة نزلت في العمران، وكم قطرة نزلت في البستان، وكم قطرة

(1) الكافي: ج 2، ص 492.
(2) معاني الأخبار الشيخ الصدوق: ص 368، الطبعة الحديثة.
(3) معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص 368.
204

نزلت في السبخة، وكم قطرة نزلت في القبور.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فتعجبت من حفظه وتذكره حسابه.
فقال: يا رسول الله! حساب لا أقدر عليه بما عندي من الحفظ والتذكر
والأيدي والأصابع.
فقال: أي حساب هو؟ فقال: قوم من أمتك يحضرون مجمعا فيذكر فيه اسمك
عندهم فيصلون عليك فأنا لا أقدر على حصر ثوابهم " (1).
* التاسع: روى الشيخ الكليني في ذيل هذه الصلوات التي تقرأ عصر يوم
الجمعة:
(اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك
وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته).
ان من قالها سبع مرات رد الله عليه من كل عبد حسنة، وكان عمله في ذلك
اليوم مقبولا، وجاء يوم القيامة وبين عينيه نور) (2).
* العاشر: وروي: (من قال بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة الظهر اللهم
صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم، لم يمت حتى يدرك القائم من
آل محمد (عليهم السلام)) (3).

(1) روى الشيخ أبو الفتوح الرازي، ج 4، ص 443 وهو باللغة الفارسية، وذكره النوري (رضي الله عنه) عنه
في المستدرك، ج 5، باب 35، ص 355، ح 6072، الطبعة الحديثة، ويبدو انه قام بترجمته
حين نقله للحديث.
(2) أقول رواه ثقة الاسلام الكليني في فروع الكافي: ج 3، ص 429.
وروى أيضا في حديث قبله: (إذ صليت يوم الجمعة فقل... - ثم ذكر الصلاة المذكورة -
فإنه من قالها في دبر العصر كتب الله له مائة الف حسنة ومحا عنه مائة ألف سيئة وقضى له بها
مائة ألف حاجة ورفع له بها مائة ألف درجة.
(3) جنة الأمان الواقية، الشيخ الكفعمي: ص 65 - 66، الطبعة الحجرية - ونقله عنه في البحار -
ج 86، ص 77، ح 11، وفي سفينة البحار القمي، ج 5، ص 170، الطبعة الحديثة، وفي، ج 2،
ص 49، الطبعة الحجرية.
205

وأما الروايات التي وردت في حسن الخلق
* الرواية الأولى: روي عن انس بن مالك انه قال:
" كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وعليه برد غليظ الحاشية، فجبذه اعرابي بردائه جبذة
شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه (صلى الله عليه وآله)، ثم قال:
يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل
لي من مالك ولا مال أبيك.
فسكت النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال المال مال الله، وأنا عبده.
ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي.
قال: لا.
قال: ولم؟
قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة.
فضحك النبي (صلى الله عليه وآله) ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير، وعلى الآخر تمر (1).
يقول المؤلف: ان ذكري لهذه الروايات في هذا المقام انما هو للتبرك والتيمن
وليس لبيان حسن خلق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، أو أئمة الهدى (عليهم السلام)، وذلك لان
الذي يذكر الله تعالى في القرآن الكريم بخلقه العظيم، ويكتب علماء الفريقين كتبا
في سيرته وخصاله الحميدة ومع ذلك فلم يحصوا معشار عشره.. حينئذ فما اكتبه
هنا في هذا الباب انما يعد تسامحا.
ولقد أجاد من قال:
محمد سيد الكونين والثقلين * والفريقين من عرب ومن عجم
فاق النبيين في خلق وفى خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم

(1) سفينة البحار: ج 1، ص 412، والرواية عامية تجدها في: الوفا بأحوال المصطفى: ج 2،
ص 421، وفي كتاب أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وآدابه، لابن حيان الأصبهاني: ص 80، ونقله
المؤلف في كحل البصر في سيرة سيد البشر: ص 59 عن القاضي عياض في كتابه (الشفاء).
206

وهو الذي تم معناه وصورته * ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
منزه عن شريك في محاسنه * فجوهر الحسن فيه غير منقسم
فمبلغ العلم فيه انه بشر * وانه خير خلق الله كلهم (1)
* الرواية الثانية: روي عن عصام بن المصطلق انه قال:
دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي (عليهما السلام) فأعجبني سمته ورواؤه، وأثار
من الحسد ما كان يخفيه صدري لأبيه من البغض، فقلت له: أنت ابن أبي تراب؟
فقال: نعم.
فبالغت في شتمه وشتم أبيه.
فنظر إلي نظرة عاطف رؤوف، ثم قال:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم.
* (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين * واما ينزغنك من الشيطان
نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم * ان الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان
تذكروا فإذا هم مبصرون * وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) * (2).
ثم قال لي: خفض عليك، استغفر الله لي ولك، انك لو استعنتنا لأعناك، ولو
استرفدتنا لرفدناك، ولو استرشدتنا لرشدناك.
قال عصام: فتوسم مني الندم على ما فرط مني.
فقال: * (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) * (3) أمن
أهل الشام أنت؟
قلت: نعم.
فقال: (شنشنة أعرفها من أخزم) (4) حيانا الله وإياك، انبسط إلينا في حوائجك،

(1) سفينة البحار: ج 1، ص 411.
(2) سورة الأعراف: الآيات 199 - 202.
(3) سورة يوسف: الآية 92.
(4) قال ابن الأثير في النهاية ج 2، ص 504: (الشنشنة: السجية والطبيعة. وقيل القطعة المضغة
من اللحم. وهو مثل، وأول من قاله أبو أخزم الطائي وذلك: ان أخزم كان عاقا لأبيه، فمات وترك بنين عقوا جدهم وضربوه وأدموه فقال:
ان بني زملوني بالدم * شنشنة أعرفها من أخزم
207

وما يعرض لك تجدني عند أفضل ظنك إن شاء الله تعالى.
قال عصام: فضاقت علي الأرض بما رحبت وودت لو ساخت بي، ثم سللت
منه لواذا (1) وما على الأرض أحب إلي منه ومن أبيه (2).
يقول المؤلف: نقل صاحب الكشاف في ذيل الآية الشريفة: * (لا تثريب
عليكم اليوم) * (3) التي تمثل بها سيد الشهداء رواية في حسن خلق يوسف الصديق،
من المناسب ذكرها هنا، والرواية هي:
(ان إخوته لما عرفوه وأرسلوا إليه: انك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيا،
ونحن نستحي منك لما فرط (4) منا فيك.
فقال يوسف: ان أهل مصر وإن ملكت فيهم، فإنهم ينظرون إلي بالعين الأولى
ويقولون سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ، ولقد شرفت الآن بكم
وعظمت في العيون حيث علم الناس أنكم إخوتي واني من حفدة إبراهيم (5).
* وروي أيضا انه لما اجتمع يعقوب مع يوسف (عليهما السلام) قال:
" يا بني حدثني بخبرك؟
فقال له: يا أبت لا تسألني عما فعل بي إخوتي، واسألني عما فعل الله بي " (6).
* الرواية الثالثة: روى الشيخ المفيد وغيره:
" ان رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن
موسى (عليه السلام)، ويسبه إذا رآه، ويشتم عليا فقال بعض حاشيته يوما: دعنا نقتل هذا

(1) ويستخدم (لواذا) لشدة الاستخفاء والاستتار.
(2) سفينة البحار: ج 1، ص 421. وفي: ج 2، ص 705، 706، الطبعة الحديثة.
(3) سورة يوسف: الآية 92.
(4) في سفينة البحار للمؤلف بدل (لما فرطنا قبل).
(5) تفسير الكشاف للزمخشري: ج 2، ص 503، طبعة مصر.
(6) سفينة البحار: ج 1، ص 412 الطبعة الحجرية. وفي ج 2، ص 683، الطبعة الحديثة.
208

الفاجر. فنهاهم عن ذلك أشد النهي، وزجرهم، وسأل عن العمري، فذكر انه يزرع
بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه، فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة
بحماره، فصاح به العمري: لا توطئ زرعنا.
فتوطاه (عليه السلام) بالحمار حتى وصل إليه، ونزل، وجلس عنده، وباسطه وضاحكه
وقال له: " كم غرمت على زرعك هذا؟
قال: مائة دينار.
قال: فكم ترجو أن تصيب؟
قال: لست أعلم الغيب.
قال له: انما قلت: كم ترجو أن يجيئك فيه؟
قال: أرجو أن يجئ مائتا دينار.
قال: فاخرج له أبو الحسن (عليه السلام) صرة فيها ثلاثمائة دينار، وقال: هذا زرعك
على حاله، والله يرزقك فيه ما ترجو.
قال: فقام العمري فقبل رأسه، وسأله أن يصفح عن فارطه.
فتبسم إليه أبو الحسن، وانصرف.
قال: وراح إلى المسجد، فوجد العمري جالسا، فلما نظر إليه، قال " الله اعلم
حيث يجعل رسالته ".
قال: فوثب أصحابه إليه، فقالوا له: ما قضيتك قد كنت تقول غير هذا؟!
قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن.
وجعل يدعو لأبي الحسن (عليه السلام) فخاصموه وخاصمهم، فلما رجع أبو الحسن
إلى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري: أيما كان خيرا، ما أردتم، أم ما
أردت؟! انني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم وكفيت به شره " (1).

(1) البحار: ج 48، ص 102 - 103. ورواه الشيخ المفيد في الارشاد: ص 297، إعلام الورى،
الطبرسي: ص 316، 307.
209

وأما الحكايات في حسن الخلق
* حكاية:
حكي ان مالك الأشتر (رحمه الله) كان مجتازا بسوق وعليه قميص خام، وعمامة منه،
فرآه بعض السوقة فأزرى بزيه، فرماه ببندقة تهاونا به، فمضى ولم يلتفت.
فقيل له: ويلك أتعرف لمن رميت؟!
فقال: لا.
فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام).
فارتعد الرجل، ومضى إليه ليعتذر إليه، وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلي
فلما انفتل انكب الرجل على قدميه يقبلهما.
فقال: ما هذا الأمر؟
فقال: اعتذر إليك بما صنعت.
فقال: لا بأس عليك، والله ما دخلت المسجد إلا لأستغفر لك (1).
يقول المؤلف:
انظر كيف كسب هذا الرجل الأخلاق من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فمع انه من أمراء
جيش أمير المؤمنين، وكان شجاعا، وشديد الشوكة وان شجاعته بلغت درجة
بحيث قال ابن أبي الحديد:
(لو أن انسانا يقسم ان الله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم أشجع منه
إلا أستاذه علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما خشيت عليه الاثم، ولله در القائل، وقد سئل
عن الأشتر:
ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام، وهزم موته أهل العراق.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقه: كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).

(1) سفينة البحار: ج 1، ص 686، ورواه المجلسي (رحمه الله) في البحار: ج 42، ص 157، ورواه
الشيخ ورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج 1، ص 2، طبعة قم.
(2) سفينة البحار: للمؤلف (رحمه الله): ج 1، ص 687، الطبعة الحجرية، شرح نهج البلاغة - لابن أبي
الحديد: ج 2، ص 214 تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم.
210

وقال لأصحابه:
" وليت فيكم مثله اثنان، بل ليت فيكم مثله واحد يرى في عدوي مثل
رأيه " (1).
وتعلم شدة شوكته على الأعداء بالتأمل في هذه الأشعار المروية عنه (رحمه الله):
بقيت وفري (2) وانحرفت عن العلى * ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم اشن على ابن هند غارة * لم تخل يوما من نهاب نفوس
خيلا كأمثال السعالى شزبا * تغدو ببيض في الكريهة شوس
حمى الحديد عليهم فكأنه * ومضان برق أو شعاع شموس (3)

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2، باب 35 ص 240. سفينة البحار، ج 1، ص 687،
الطبعة الحجرية.
أقول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 15، ص 98 (وكان فارسا شجاعا
رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائها شديد التحقيق بولاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ونصره... الخ)
وفي شرح النهج قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد جاءه نعي الأشتر (عليه السلام):
(مالك، وما مالك، والله لو كان جبلا لكان فندا، ولو كان حجرا لكان صلدا لا يرتقيه
الحافر ولا يوفي عليه الطائر). راجع شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد: ج 6، ص 77،
تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم.
ومن كتاب له (عليه السلام) إلى أهل مصر وقد ولى عليهم الأشتر:
(أما بعد فقد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء
ساعات الروع، أشد على الفجار من حريق النار وهو مالك بن الحارث أخو مذحج فاسمعوا
له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق فإنه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة ولا نابي
الضربة.. الخ). نهج البلاغة: ج 3، ص 63، شرح محمد عبده، وفي شرح نهج البلاغة - لابن
أبي الحديد: ج 16، ص 156.
(2) قال المؤلف (رحمه الله) في الحاشية (الوفر معناه التمكن وكثرة المال).
(3) سفينة البحار: ج 1، ص 687 الطبعة الحجرية، ج 4، ص 387 الطبعة الحديثة، وقد نقلها
عن كتاب (أنوار الربيع) للسيد علي خان، وهي موجودة فيه في ج 3، ص 210، وفي
الأمالي، لأبي علي القالي: ج 1، ص 86، وفي المناقب للموفق الخوارزمي: ص 158،
وغيرها.
211

وبالجملة فمع هذه الجلالة والشجاعة والشدة والشوكة يصل به حسن خلقه
إلى أن يهينه رجل سوقي ويستهزئ به، فلا يظهر في حاله أي تغيير وتبدل، بل
يذهب إلى المسجد ويصلي، ويدعو ويستغفر له.
وإذا تلاحظ جيدا فان هذه الشجاعة التي عنده وغلبه هوى نفسه أعلى مرتبة
من شجاعته البدنية، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
" أشجع الناس من غلب هواه " (1).
* حكاية:
نقل الشيخ المرحوم في خاتمة المستدرك في ترجمة سلطان العلماء
والمحققين وأفضل الحكماء والمتكلمين، والوزير الأعظم، أستاذ من تأخر وتقدم،
ذي الفيض القدسي، حضرة الخواجة نصير الدين الطوسي (قدس سره):
ان ورقة حضرت إليه من شخص، من جملة ما فيها: يا كلب ابن الكلب.
(فكان الجواب أما قوله: يا كذا، فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع،
وهو نابح، طويل الأظفار.
وأما أنا فمنتصب القامة، بادي البشرة، عريض الأظفار، ناطق، ضاحك، فهذه
الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص) (2).
وبهذا النحو أجاب ورقته، وأرداه في غياهب جب مهانته.
يقول المؤلف: ان هذا الخلق الشريف من المحقق الجليل ليس ببدع ممن قال
في حقه آية الله العلامة الحلي رضوان الله عليه:
(وكان هذا الشيخ أفضل أهل عصره في العلوم العقلية والنقلية، وله مصنفات
كثيرة في العلوم الحكمية والأحكام الشرعية على مذهب الإمامية وكان أشرف

(1) أقول: رواه الصدوق بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (أشجع...
الحديث) معاني الأخبار: ص 195، باب (معنى الغايات)، ح 1، ورواه في الأمالي:
المجلس 6، ص 27، ح 4، ونقله في البحار: ج 70، ص 76، ح 5، وفي: ج 77، ص 114، ح 2.
(2) مستدرك الوسائل للمحدث النوري: ج 3، ص 464 الطبعة الحجرية.
212

من شاهدناه في الأخلاق نور الله مضجعه) (1).
يقول هذا الفقير: من المناسب هنا الاستشهاد بهذا الشعر:
هر بوى كه از مشگ وقرنفل شنوى
كل طيب شممته من المسك والقرنفل
از دولت آن زلف چوسنبل شنوى
فإنما هو من أريج تلك الغرة التي هي كالسنبل (2)
وقد تعلم الخواجة هذا الخلق لعمله بارشادات وتوجيهات الأئمة الأطهار صلوات
الله عليهم. ألم تسمع ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سمع رجلا يشتم قنبرا وقد رام قنبر أن
يرد عليه. فناداه أمير المؤمنين (عليه السلام) مهلا يا قنبرا! دع شاتمك مهانا ترضي
الرحمان، وتسخط الشيطان وتعاقب عدوك، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما
أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب
الأحمق بمثل السكوت عنه (3).
وبالجملة فان المخالف والمؤالف مدحوا الخواجة وأثنوا عليه، قال جرجي
زيدان في (آداب اللغة العربية) في ترجمته:
(انه قد جمع في خزانة كتبه ما ينوف على أربعمائة ألف مجلد، وانه أقام
المنجمين والفلاسفة، ووقف عليهم الأوقاف، فزهى العلم في بلاد المغول على
يد هذا الفارس كأنه قبة منيرة في ظلمة مدلهمة).
وقد ترجمت لهذا العظيم في كتاب الفوائد الرضوية في تراجم علماء الإمامية
) بمقدار ما يناسب ذلك الكتاب.

(1) سفينة البحار: ج 1، 423.
(2) يمثل الشعر الفارسي لغرة المعشوق والمحبوب بالسنبل أما لجماله أو لأن السنبل نوع
من النباتات التي فيها رائحة طيبة.
(3) رواه الشيخ المفيد في الأمالي: ص 77 طبعة النجف الأشرف، ورواه عنه المجلسي
في البحار: ج 71، ص 424.
213

وان أصله من (وشاره) من ناحية (جهرود) عشرة فراسخ من قم، ولكن
ولادته المباركة كانت في طوس في الحادي عشر من جمادى الأولى سنة 597
(خمسمائة وسبعة وتسعين).
وكانت وفاته في آخر يوم الاثنين السابع عشر من ذي الحجة سنة 672 في
بقعة الكاظمية المنورة سلام الله على ساكنيها، ودفن هناك وكتب على لوح مزاره
(وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد).
وقد نظم بعضهم تاريخ وفاته وقال:
نصير ملت ودين بادشاه كشور فضل يگانه اي كه چه أو مادر زمانه نزاد
به سال ششصد وهفتاد ودو به ذي الحجة به روز هيجدهم در گذشت در بغداد (1)
يعني: نصير الملة والدين ملك دولة الفصل، ووحيد أم الزمان الذي ولد
فيه. توفي ببغداد سنة اثنين وسبعين وستمائة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة.
* حكاية:
نقل انه في أحد الأيام التي كان شيخ الفقهاء العظام المرحوم الحاج الشيخ
جعفر صاحب (كشف الغطاء) موجودا في (أصفهان) انه قسم مرة حقوقا شرعية
على الفقراء قبل شروعه بالصلاة.
فعند انتهائه من تلك الصلاة، وقيامه للصلاة الأخرى جاءه أحد السادات
الفقراء - الذين أخبروا بالأمر - بين الصلاتين، وقال له: اعطني من مال جدي.
فقال له: لقد جئت متأخرا، ولا يوجد عندي الآن شئ لأعطيك منه.
فغضب ذلك السيد، وبصق على لحية الشيخ المباركة.
فقام الشيخ من المحراب، ورفع طرف ردائه وأخذ يدور في صفوف الجماعة

(1) وقد ذكر المؤلف (رحمه الله) في كتابه الفوائد الرضوية: ص 604 عن نخبة المقال في تاريخ وفاة
الخواجة نصير الدين الطوسي:
ثم نصير جده الحسن * العالم النحرير قدوة الزمن
ميلاده يا حرز من لا حرز له * وبعد داع قد أجاب سائله
214

وهو يقول:
(من كان يحترم شيبة الشيخ فليساعد هذا السيد).
فملأ الناس طرف ثوبه بالأموال، ثم أعطاها الشيخ للسيد.
وبعد ذلك توجه لصلاة العصر.
فتأمل في هذ الخلق الشريف بأي محل بلغ العظيم الذي كان رئيسا
للمسلمين، وحجة الاسلام، وفقيه أهل البيت (عليهم السلام) وقد وصلت فقاهته إلى درجة
بحيث انه ألف كتاب (كشف الغطاء) في السفر، ونقل عنه أنه كان يقول:
لو مسحتم كل الكتب الفقهية فاني أستطيع أن اكتب من الطهارة إلى الديات.
وكان جميع أولاده فقهاءا وعلماءا أجلة.
يقول شيخنا ثقة الاسلام النوري رحمة الله عليه في أحواله:
(وإن تأملت في مواظبته للسنن والآداب وعباداته، ومناجاته في الأسحار،
ومخاطبته لنفسه بقوله: كنت جعيفرا، ثم صرت جعفرا، ثم الشيخ جعفر، ثم شيخ
العراق، ثم رئيس الاسلام، وبكائه وتذلله، لرأيته من الذين وصفهم أمير
المؤمنين (عليه السلام) من أصحابه للأحنف بن قيس) (1).
* يقول الفقير: هذا حديث طويل في ذكر أوصاف أصحابه قاله للأحنف بعد
قتاله أهل الجمل، ومن جملة فقراته:
(فلو رأيتهم في ليلتهم وقد نامت العيون وهدأت الأصوات وسكنت الحركات
من الطير في الوكور وقد نهتهم (2) هول يوم القيامة والوعيد عن الرقاد كما قال
سبحانه: * (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون) * (3) فاستيقظوا
لها فزعين، وقاموا إلى صلاتهم معولين باكين تارة وأخرى مسبحين يبكون

(1) خاتمة المستدرك: ج 3، ص 398، الطبعة الحجرية.
(2) علق المؤلف في الترجمة ما تعريبه: (يعني: منعتهم)، وفي البحار: (نبههم) وفي: ج 68،
ص 171، ح 31 (نهنههم)، وفي المصدر (منههم) وفي نسخة بدل (نبههم خوف).
(3) سورة الأعراف: الآية 97.
215

في محاريبهم ويرنون، يصطفون ليلة مظلمة بهماء يبكون، فلو رأيتهم يا أحنف
في ليلتهم قياما على أطرافهم محنية (1) ظهورهم يتلون أجزاء القرآن لصلاتهم، قد
اشتدت أعوالهم ونحيبهم وزفيرهم، إذا زفروا خلت النار قد أخذت منهم إلى
حلاقيمهم، وإذا أعولوا حسبت السلاسل قد صفدت في أعناقهم، فلو رأيتهم في
نهارهم اذن لرأيت قوما * (يمشون على الأرض هونا) * (2) ويقولون للناس حسنا
* (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * (3)، * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * (4) قد
قيدوا أقدامهم من التهمات، وأبكموا ألسنتهم أن يتكلموا في أعراض الناس،
وسجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض، وكحلوا أبصارهم بغض البصر عن
المعاصي، وانتحوا دار السلام التي من دخلها كان آمنا من الريب والأحزان) (5).
* أقول: ويناسب هنا نقل كلام من راهب عظيم الشأن وهو ما نقل عن قثم
الزاهد قال: رأيت راهبا على باب بيت المقدس كالواله فقلت له أوصني فقال: كن
كرجل احتوشته السباع فهو خائف مذعور يخاف أن يسهو فتفترسه ويلهو فتنهشه،
فليله ليل مخافة إذا أمن فيه المفترون، ونهاره نهار حزن إذا فرح البطالون).
ثم انه ولى وتركني فقلت له: زدني.
فقال: إن الظمآن يقنع بيسير الماء (6).
* حكاية:
نقل ان كافي الكفاة الصاحب بن عباد:
(استدعى في بعض الأيام شرابا، فاحضروا قدحا، فلما أراد أن يشربه، قال
بعض خواصه: لا تشربه، فإنه مسموم.

(1) في نسخة بدل (منحنية).
(2) سورة الفرقان: الآية 63.
(3) سورة الفرقان: الآية 63.
(4) سورة الفرقان: الآية 72.
(5) أقول: رواه الصدوق في صفات الشيعة: ص 120 - 121، ونقله عن المجلسي في البحار:
ج 7، ص 220، ح 132، وفي: ج 68، ص 171، ح 31.
(6) كشكول الشيخ البهائي: ج 1، ص 99.
216

وكان الغلام الذي ناوله واقفا.
فقال للمحذر: ما الشاهد على صحة قولك؟
قال: تجربه في الذي ناولك إياه.
قال: لا أستجيز ذلك، ولا استحله.
قال: فجربه في دجاجة.
قال: التمثيل بالحيوان لا يجوز.
ورد القدح، وأمر بقلبه، وقال للغلام انصرف عني، ولا تدخل داري، وأمر
باقرار جارية وجرايته عليه، وقال: لا يدفع اليقين بالشك، والعقوبة بقطع الرزق
نذالة) (1).
يقول المؤلف: الصاحب بن عباد من وزراء آل بويه، وكان ملجأ للعامة
والخاصة، ومرجعا للأمة والدولة، ومن بيت شرف وعزة. وكان في الآداب
والفضل والكمال وعلوم العربية أعجوبة الدهر، ووحيد عصره.
يحكى انه لما جلس للاملاء حضر عنده خلق كثير، وكان المستملي الواحد
لا يقول بالاملاء حتى انضاف إليه ستة، كل يبلغ صاحبه. يعني يوصل كلامه
إلى الناس (2).
وكانت كتب اللغة التي عنده تحتاج إلى ستين جملا لنقلها.
وكانت للعلويين، والسادة، والعلماء، والفضلاء عنده محل منيع، ومرتبة
رفيعة. وكان يدعو للعلماء ويشجعهم على التصنيف والتأليف.
وقد ألف لأجله الشيخ الفاضل الخبير، والماهر الحسن بن محمد القمي
(تاريخ قم).

(1) سفينة البحار: ج 2، ص 14.
(2) يقصد أنه من كثرة الازدحام لا يسمع الجميع كلامه، فيوصل الأول الأقرب إليه الذي يسمع
كلامه إلى الجماعة التي خلفه، فينقل ذلك عن الأول إلى الجماعة الأخرى التي لم تسمع
الجماعة الأولى وهكذا. وهذا يدل على شدة الازدحام بحيث لم يصل كلام المتكلم إليهم.
217

كما صنف لأجله الشيخ الأجل رئيس المحدثين الصدوق رحمة الله عليه
كتاب (عيون أخبار الرضا).
وجمع من أجله الثعالبي (يتيمة الدهر).
وان كثرة احسانه، وافضاله على الفقهاء، والعلماء، والسادات، والشعراء،
معروفة.
وكان يرسل في كل سنة خمسة آلاف أشرفي إلى بغداد إلى العلماء هناك.
وكان لا يدخل عليه في شهر رمضان بعد العصر أحد كائنا من كان، فيخرج
من داره إلا بعد الافطار عنده.
وكانت داره لا تخلو في ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس مفطرة فيها.
وكانت صلاته وصدقاته، وقرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في
جميع شهور السنة.
وقد أنشد أشعارا كثيرة في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) ومثالب أعدائه.
وكانت وفاته في 24 صفر سنة 385 في الري.
وحملت جنازته إلى أصفهان وقبره مزار معروف في أصفهان.
218

من مواقف القيامة المهولة
موقف الحساب
قال الله تعالى في سورة الأنبياء:
* (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) * (1).
وقال تعالى في سورة الطلاق:
* (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا
وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا * أعد الله لهم
عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب) * (2).
ومن المناسب أن نذكر عدة من الأخبار تبركا:
* الأول: روى الشيخ الصدوق رحمة الله عليه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع:
عن عمره فيما أفناه.
وشبابه فيما أبلاه.
وعن ماله من أين كسبه، وفيما أنفقه.
وعن حبنا أهل البيت) (3).

(1) سورة الأنبياء: الآية 1.
(2) سورة الطلاق: الآية 8 - 10.
(3) البحار: ج 7: ص 258، ح 1، وفي ج 36، ص 79، ح 5، وفي ج 71، ص 180، ح 33 وفي
الخصال للشيخ الصدوق: ص 253، الأمالي للصدوق: ص 42، المجلس 10، ح 9.
219

* الثاني: روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال:
(أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها) (1).
* الثالث: روى الشيخ الصدوق عن أحدهما (عليهما السلام)، قال:
(يؤتى يوم القيامة بصاحب الدين يشكو الوحشة فإن كانت له حسنات
أخذ منها لصاحب الدين... وإن لم تكن له حسنات القي عليه من سيئات صاحب
الدين (2).
* الرابع: روى الشيخ الكليني عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام):
(ان أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وانما
يحشرون إلى جهنم زمرا، وانما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الاسلام) (3).
* الخامس: روى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام):
" إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من أهل الجنة: فقير
في الدنيا، وغني في الدنيا.
فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف، فوعزتك انك لتعلم انك لم تولني ولاية
فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالا فأؤدي منه حقا أو امنع، ولا كان رزقي
يأتيني منها إلا كفافا على ما علمت وقدرت لي.
فيقول الله جل جلاله: صدق عبدي خلوا عنه يدخل الجنة.
ويبقى الآخر حتى يسيل منه العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاها،
لم يدخل الجنة.
فيقول له الفقير: ما حبسك؟

(1) البحار: ج 7، ص 267، وفي التهذيب للشيخ الطوسي: ج 2، ص 239، رقم الحديث العام
(946) رقم الحديث الخاص (15).
(2) علل الشرائع للشيخ الصدوق: ص 528، الباب: 312، ح 6، البحار: ج 7، ص 274.
(3) رواه الشيخ الكليني في الكافي الشريف: الروضة: ج 8: ص 74 - 75 ورواه المجلسي
في البحار ج 7: 250.
220

فيقول: طول الحساب. ما زال الشئ يجيئني بعد الشئ يغفر لي، ثم اسأل
عن شئ آخر حتى تغمدني الله عز وجل برحمته، والحقني بالتائبين.
فمن أنت؟
فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفا.
فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي " (1).
* السادس: روى الشيخ الطوسي عنه (عليه السلام):
(إذا كان يوم القيامة وكلنا الله بحساب شيعتنا. فما كان لله سألنا الله أن يهبه لنا
فهو لهم. وما كان لنا فهو لهم، ثم قرأ (عليه السلام)):
* (ان إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم) * (2) (3).
* السابع: روى الشيخ الكليني عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام):
(انما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول
في الدنيا) (4).
* حكاية:
نقل عن خط الشيخ الشهيد عليه الرحمة:
قال أحمد بن أبي الجواري: تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني (5) في المنام
فرأيته بعد سنة، فقلت له يا معلم! ما فعل الله بك؟

(1) رواه الشيخ الصدوق في الأمالي: ص 294 و 295 - المجلس (57): ح 11، ورواه
المجلسي في البحار: ج 7، ص 259، عنه.
(2) سورة الغاشية: الآية 25 و 26.
(3) بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 7، ص 264، عن الأمالي للشيخ أبي جعفر الطوسي:
ص 419، ج 2، المجلس 15، ح 59.
(4) الكافي: ج 1، ص 11، كتاب العقل والجهل: ح 7.
(5) قال المؤلف رحمه الله تعالى في الحاشية (أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن عطية
الزاهد المعروف توفي في (داريا) من قرى (دمشق) وقبره هناك معروف وأحمد أبي
الجواري من أصحابه - كذا في معجم البلدان).
221

فقال: يا أحمد جئت من باب الصغير فلقيت وسق شيح (1)، وأخذت منه عودا
ما أدري تخللت به، أو رميت به، فأنا في حسابه منذ سنة إلى هذه الغاية (2).
يقول المؤلف: لا استبعاد في هذه الحكاية، بل تصدقها الآية الشريفة:
* (يا بني انها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو
في الأرض يأت بها الله) * (3).
وكذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى خطبه:
" أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة؟!! " (4).
وكتب في رسالة إلى محمد بن أبي بكر قال:
" واعلموا عباد الله ان الله عز وجل سائلكم عن الصغير من عملكم والكبير " (5).

(1) والشيح بالكسر نبت سهلي يتخذ من بعضه المكانس وهو من الأحرار له رائحة طيبة
وطعم مر، وهو مرعى للخيل والنعم، ومنابته القيعان والرياض، راجع تاج العروس للزبيدي:
ج 2، ص 174، (فصل الشين من باب الحاء).
(2) سفينة البحار للمرحوم الشيخ عباس القمي: ج 1، ص 250.
(3) سورة لقمان: الآية 16. قال المؤلف في الحاشية:
(قال المفسرون: يعني يا بني انها إن تك من خصلة حسنة أو سيئة يأتي بها الله - ولو كان
وزنها وزن خردلة سواءا كانت في صخرة أو في السماء أو في الأرض - في موقف الحساب
ويحاسبك عليها).
(4) الأمالي للصدوق: 496، المجلس: 90، ح 7، وعنه في البحار: ج 40، ص 348، ح 29،
وفي: ج 77، ص 396، ح 13.
(5) نقله ابن أبي الحديد في ضمن كتاب كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر وأهل
مصر، شرح نهج البلاغة: ج 6، ص 678، وفيه (فعلموا) بدل (واعلموا)، وفيه (من أعمالكم)
بدل (من عملكم)، ونقله السيد الرضي في نهج البلاغة: ج 3، ص 27، شرح محمد عبدة (من
عهده (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر حين قلده مصر)، وفيه (فان الله تعالى يسائلكم معشر عباده
عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة)، ونقل الرواية الأولى المجلسي في البحار: ج 33،
ص 543، ح 720، عن ابن أبي الحديد، ونقل الرواية الثانية في: ج 77، ص 387، ح 11،
ورواه الشيخ المفيد في الأماني: ص 269، المجلس 31، ح 3، ورواه الشيخ الطوسي
في الأمالي: ج 1، ص 24، المجلس 1، ح 31.
222

وفي رسالة إلى ابن عباس قال:
" أما تخاف نقاش الحساب " (1).
واصل المناقشة من (نقش الشوكة) يعني اخراج الشوكة.
ويعني كما انك تأخذ كمال الدقة والتفحص والمهارة في اخراج الشوكة من
البدن فكذلك دقق في الحساب وتمهر فيه واعلم أنه قال بعض المحققين: انه لا
تحصل النجاة من خطر الميزان والحساب إلا إذا حاسب الانسان نفسه في الدنيا
ووزن أعماله وأقواله وخطراته ولحظاته بميزان الشرع - كما ورد في الخبر -
حيث قال:
" زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا " (2).
* حكاية:
نقل عن أحد الأشخاص يقال له (توبة بن صمة) انه كان يحاسب نفسه في
أكثر أوقات الليل والنهار، وفي أحد الأيام حاسب نفسه عن ما مضى من أيام
عمره، وكان قد مضى من عمره ستون سنة.
فحسب أيامها فرأى انها تصير (واحد وعشرون ألف وخمسمائة يوم).
فقال: الويل لي إذا لاقيت مالكا بواحد وعشرين ألف وخمسمائة ذنب!
فعندما قال ذلك أغمي عليه، ومات في اغمائه ذلك.
يقول الفقير: روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه:
ائتونا بحطب.
فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب.
قال: فليأت كل انسان بما قدر عليه.
فجاؤوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض.

(1) نهج البلاغة: ج 3، ص 66، شرح محمد عبده.
(2) من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) الخطبة تحت رقم 89، ج 1، ص 159، شرح محمد عبده،
شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج 6، ص 395.
223

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هكذا تجتمع الذنوب (1).
فمن المعلوم انه كان المقصود من أمره بذلك (صلى الله عليه وآله) باحضار الحطب هو أن
يلفت الأصحاب إلى هذه الحقيقة. فكما ان تلك الصحراء التي كانوا يحسبونها
خالية من الحطب ولم يكن في بالهم انهم لو فتشوا عنه وجدوه، فكذلك الذنوب،
فلو فتش الانسان وحاسب نفسه فسوف يجمع ذنوبا كثيرة، كما أن (توبة بن صمة)
عند ما افترض انه أذنب في كل يوم من أيام عمره ذنبا واحدا، فقد جمع انه قد
صدر منه واحد وعشرون ألفا وخمسمائة ذنب.

(1) رواه الكليني في الكافي الشريف: ج 2، ص 288، ورواه عنه المجلسي في البحار: ج 73،
ص 346.
224

من مواقف القيامة المهولة
نشر الصحف
كما قال تعالى في أوصاف القيامة:
* (وإذا الصحف نشرت) * (1).
وقال الله تعالى في سورة الانشقاق:
* (فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى
أهله مسرورا * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعوا ثبورا * ويصلى
سعيرا) * (2).
* روى العياشي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
إذا كان يوم القيامة دفع إلى الانسان كتابه، ثم قيل له أقرأه.
قلت (3): فيعرف ما فيه؟
فقال: انه يذكره، فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم ولا شئ فعله الا ذكره،
كأنه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا:
(يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها) (4)
* وروى ابن قولويه عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:

(1) سورة التكوير: الآية 10.
(2) سورة الانشقاق: الآيات من 7 - 12.
(3) الضمير عائد على الراوي وهو (خالد بن نجيح).
(4) تفسير العياشي: ج 2: ص 328.
225

(من زار قبر الحسين (عليه السلام) في شهر رمضان ومات في الطريق لم يعرض
ولم يحاسب. ويقال له: ادخل الجنة آمنا) (1).
* وقال العلامة المجلسي (رحمه الله) في التحفة:
روي بسندين (2) معتبرين عن الإمام الرضا (عليه السلام) انه قال:
" من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلصه
من أهوالها:
إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا.
وعند الصراط.
وعند الميزان) (3).
* وقال في (حق اليقين): روى الحسين بن سعيد في كتاب (الزهد) عن
الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
" ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يحاسب المؤمن أعطاه كتابه بيمينه وحاسبه
فيما بينه وبينه، فيقول: عبدي فعلت كذا وكذا، وعملت كذا وكذا؟
فيقول: نعم يا رب قد فعلت ذلك.
فيقول: قد غفرتها لك، وأبدلتها حسنات.

(1) كامل الزيارات: ص 330 - 331.
(2) أقول: رواه الصدوق في (عيون أخبار الرضا): ج 2 ص 255: بإسناده التالي: حدثنا علي بن
أحمد بن محمد بن عمران الدقاق، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن عبد الله الوراق،
والحسين بن إبراهيم بن هشام المكتب رضي الله عنهم، قالوا:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي الأسدي، عن أحمد بن محمد بن صالح الرازي، عن
حمدان الديواني قال: قال الرضا (عليه السلام).
ورواه الصدوق في الخصال: ص 167 قال:
حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي
عن أحمد بن أحمد بن محمد بن صالح الرازي عن حمدان الديواني...
ورواه في الأمالي: ص 106، المجلس 25، ح 9، بالإسناد المتقدم في الخصال.
(3) ورواه العلامة المجلسي في البحار: ج 102، ص 34 - عن الكتب الثلاثة التي قدمنا ذكرها.
226

فيقول الناس: سبحان الله، أما كان لهذا العبد سيئة واحدة؟!!
وهو قول الله عز وجل:
* (فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى
أهله مسرورا) *.
قلت: أي أهل؟
قال: أهله في الدنيا هم أهله في الجنة إن كانوا مؤمنين.
قال: وإذا أراد بعبد شرا حاسبه على رؤوس الناس وبكته، وأعطاه كتابه
بشماله. وهو قول الله عز وجل:
* (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا * انه
كان في أهله مسرورا) *.
قلت: أي أهل؟
قال: أهله في الدنيا.
قلت قوله: (انه ظن أن لن يحور).
قال: ظن أنه لن يرجع.) (1).
وهذه إشارة إلى أن المنافقين والكفار تغل أيديهم، ويعطون كتبهم من وراء
رؤوسهم إلى شمالهم، وقد أشير إلى هاتين الحالتين في أدعية الوضوء عند غسل
اليدين:
(اللهم اعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا
يسيرا).
و (اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، ولا تجعلها مغلولة إلى
عنقي) انتهى.
يقول المؤلف: رأيت من المناسب في هذا المقام أن نتبرك بذكر رواية نقلها

(1) كتاب الزهد: للحسين بن سعيد الأهوازي: 29 طبعة قم، ونقله عنه المجلسي في البحار:
ج 7، ص 324، ح 17.
227

السيد ابن طاووس رضوان الله عليه انه: (كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا دخل شهر
رمضان لا يضرب عبدا له ولا أمة.
وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده: (أذنب فلان. أذنبت فلانة يوم كذا
وكذا) ولم يعاقبه. فيجتمع عليهم الأدب، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان
دعاهم وجمعهم حوله، ثم أظهر الكتاب، ثم قال: يا فلان فعلت كذا وكذا، ولم
أؤدبك أتذكر ذلك؟
فيقول: بلى يا بن رسول الله.
حتى يأتي على آخرهم، فيقررهم جميعا، ثم يقوم وسطهم، ويقول لهم: ارفعوا
أصواتكم، وقولوا: يا علي بن الحسين ان ربك قد أحصى عليك كلما عملت، كما
أحصيت علينا كلما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحق لا يغادر صغيرة ولا
كبيرة مما أتيت إلا أحصاها، وتجد كلما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلما عملنا
لديك حاضرا، فاعف واصفح، كما ترجو من المليك العفو، وكما تحب أن يعفو
المليك عنك فاعفو عنا تجده عفوا، ربك رحيما، ولك غفورا، ولا يظلم ربك أحدا،
كما لديك كتاب ينطق علينا بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيناها إلا
أحصاها، فاذكر يا علي بن الحسين ذل مقامك بين يدي ربك الحكم العدل الذي
لا يظلم مثقال حبة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيبا وشهيدا،
فاعف واصفح يعفو عنك المليك ويصفح، فإنه يقول: * (وليعفوا وليصفحوا ألا
تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) * (1).
قال: وهو ينادي بذلك على نفسه، ويلقنهم، وهم ينادون معه، وهو واقف بينهم
يبكي وينوح ويقول: رب انك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا فقد ظلمنا أنفسنا، فنحن
قد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت، فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين،
وأمرتنا أن لا نرد سائلا عن أبوابنا وقد أتيناك سؤالا ومساكين، وقد أنخنا بفنائك
وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك فامنن بذلك علينا ولا تخيبنا فإنك

(1) سورة النور: الآية 22.
228

أولى بذلك منا ومن المأمورين.
إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك، وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل
نوالك يا كريم.
ثم يقبل عليهم، فيقول: قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عني، ومما كان مني
إليكم من سوء ملكة، فإنني مليك سوء لئيم ظالم مملوك لمليك كريم جواد عادل
محسن متفضل؟
فيقولون: قد عفونا عنك يا سيدنا، وما أسأت.
فيقول لهم: قولوا: اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا، واعتقه من
النار كما أعتق رقابنا من الرق.
فيقولون ذلك.
فيقول: اللهم آمين رب العالمين. اذهبوا فقد عفوت عنكم، وأعتقت رقابكم
رجاءا للعفو عني، وعتق رقبتي. فيعتقهم.
فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس.
وما من سنة إلا وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين
رأسا إلى أقل أو أكثر، وكان يقول:
ان لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف ألف عتيق
من النار كلا قد استوجب النار، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل
ما أعتق في جميعه، واني لأحب أن يراني الله وقد أعتقت رقابا في ملكي في دار
الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار) (1).

(1) اقبال الأعمال: للسيد ابن طاووس: ص 260 - 261، الطبعة الحجرية طهران.
229

من معابر الآخرة المهولة
الصراط
231

من موارد الآخرة المهولة
الصراط
وهو جسر ينصب على جهنم، ولا يدخل أحد الجنة إلا بالمرور عليه. وقد
ورد في الروايات انه أدق من الشعرة وأحد من السيف (1). وأشد حرارة من النار
وان المؤمنين الخلص يمرون عليه بسهولة جدا كالبرق الخاطف (2). وأن البعض

(1) أقول: روى الصدوق عن الصادق (عليه السلام) في خبر: (والصراط أدق من الشعر وأحد من
السيف)، رواه السيد هاشم البحراني (قدس سره) في معالم الزلفى: ص 234، الطبعة الحجرية.
وروى علي بن إبراهيم بإسناده عن سعدان بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته
عن الصراط؟
قال: هو أدق من الشعر، وأحد من السيف، فمنهم من يمشي عليه مثل البرق، ومنهم من
يمر عليه مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر عليه ماشيا، ومنهم من يمر عليه حبوا، ومنهم من
يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا وتترك بعضه).
رواه البحراني في معالم الزلفى: ص 234.
ورواه المجلسي في البحار: ج 8: ص 64 - 65 وروى مثله الصدوق بإسناده عن أبي
بصير عن الصادق (عليه السلام) قال (الناس يمرون على الصراط طبقات والصراط...) الحديث،
الأمالي: ص 149 المجلس 33 - ح 4.
(2) وروى السيد البحراني في معالم الزلفى: ص 234 والمجلسي في البحار: ج 27، ص 114،
ح 89، وشاذان بن جبرئيل في المناقب: ص 66، وغيرهم عن عبد الله بن عمر قال: سألنا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فغضب (صلى الله عليه وآله) وذكر حديثا جليلا طويلا إلى أن قال:
(ألا ومن أحب عليا مر على الصراط كالبرق الخاطف ولم ير مؤونة (صعوبة. خ. ل) إلا المرور).
233

يمر بصعوبة فأما ينجو وأما يسقط في قعر جهنم (1).
وهو في الآخرة مثال الصراط المستقيم في الدنيا الذي هو دين الحق وطريق
ولاية ومتابعة أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ذريته صلوات الله عليهم
أجمعين (2).

(1) في تفسير علي بن إبراهيم القمي بإسناده عن جابر عن جعفر (عليه السلام) قال - في خبر طويل: (ثم
يوضع عليها الصراط (أي على جهنم - كما في مقدمة الخبر) أدق من الشعرة واحد من
السيف، عليها ثلاث قناطر.
فأما واحدة: فعليها الأمانة والرحم.
وأما ثانيها: فعليها الصلاة.
وأما الثالثة: فعليها عدل رب العالمين لا اله غيره فيكلفون الممر عليها، فتحبسهم الرحم
والأمانة، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين جل
وعز، وهو قوله تبارك وتعالى: (ان ربك لبالمرصاد).
والناس على الصراط، فمتعلق بيد وتزول قدم مستمسك بقدم.
والملائكة حولها ينادون: يا حليم اعف واصفح وعد بفضلك، وسلم، وسلم.
والناس يتهافتون في النار كالفراش فيها.
فإذا نجا ناج برحمة الله مر بها، فقال الحمد لله، وبنعمته تتم الصالحات، وتزكو الحسنات،
والحمد لله الذي نجاني منك بعد اليأس بمنه وفضله، ان ربنا لغفور شكور).
تفسير القمي ج 2: ص 421.
وفي خبر آخر عن ابن عباس قال رسول الله (ص) إلى قوله ثم يأمر الله تعالى أن يعقد
على الصراط سبع قناطر طول كل قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ، وعلى كل قنطرة سبعون ألف
ملك يسألون هذه الأمة، رجالهم ونساءهم على القنطرة الأولى: عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)
وحب أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، فمن أتى به جاز على القنطرة الأولى كالبرق الخاطف ومن
لا يحب أهل بيته سقط على أم رأسه في قعر جهنم ولو كان معه من أعمال البر عمل سبعين
صديقا... الخبر) معالم الزلفى: ص 234، والمجلسي في البحار: ج 7 ص 331، ح 12، وفي:
ج 27، ص 110، ح 82، وتأويل الآيات الظاهرة، للسيد شرف الدين النجفي: ج 2، ص 494.
(2) أقول روى رئيس المحدثين الشيخ الصدوق في معاني الأخبار: ص 23، باب معنى
الصراط، ح 1، بالإسناد عن المفضل بن عمر قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصراط: فقال: هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل.
وهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة.
وأما الصراط الذي في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة فمن عرفه في الدنيا واقتدى
بهداه مر على الصراط الذي هو جهنم في الآخرة ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن
الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم.
234

ومن عدل عن هذا الصراط ومال إلى الباطل بالقول أو العمل فإنه يزل من
هذه العقبة (1) من صراط الآخرة ويسقط في جهنم.
و (الصراط المستقيم) في سورة الحمد إشارة إلى الاثنين (2).

(1) في البحار: ج 8: ص 66، عن انس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى:
(فلا اقتحم العقبة).
ان فوق الصراط عقبة كؤودا طولها ثلاثة آلاف عام:
ألف عام هبوط.
وألف عام شوك وحسك وعقارب وحيات، وألف عام صعود... الحديث).
وفي البحار: ج 8: ص 67 - 68 عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا كان يوم القيامة ونصب
الصراط على جهنم لم يجز عليه الا من كان معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)..
الحديث).
(2) ورد هذا المعنى في روايات شريفة كثيرة وصلت حد الاستفاضة إن لم يدع التواتر، نعم
التواتر مقطوع به في تفسيره الولاية بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) من الطرفين.
ومن جملة تلك الروايات:
- ما رواه الشيخ الثقة الجليل القمي في تفسيره: ج 1: ص 28، في قوله تعالى (اهدنا
الصراط المستقيم):
(قال: الطريق معرفة الامام).
- وروى بإسناد صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله (الصراط المستقيم) قال: هو أمير
المؤمنين (عليه السلام) ومعرفته.
- وفي معاني الأخبار ص 35 بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي عن سيد العابدين علي بن
الحسين (عليهما السلام) قال:
ليس بين الله وبين حجته حجاب، فلا لله دون حجته ستر، نحن أبواب الله، ونحن الصراط
المستقيم، ونحن عيبة علمه، ونحن تراجمة وحيه، ونحن أركان توحيده، ونحن موضع سره.
- وروى الصدوق بإسناده عن سعد بن طريف عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي إذا كان يوم القيامة اقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط، فلم يجز أحد إ من كان
معه كتاب فيه براءة بولايتك).
- وفي تفسير العياشي: ج 1: ص 24: عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(اهدنا الصراط المستقيم) تعني أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
235

* ونقل العلامة المجلسي (رحمة الله عليه) في حق اليقين عن كتاب عقائد
الشيخ الصدوق (رحمه الله) انه قال:
(اعتقادنا في العقبات التي على المحشر أن كل عقبة منها اسمها اسم فرض
وأمر ونهي، فمتى انتهى الانسان إلى عقبة اسمها فرض، وكان قد قصر في ذلك
الفرض حبس عندها وطولب بحق الله فيها، فان خرج منها بعمل صالح قدمه،
أو برحمة تداركه، نجا منها إلى عقبة أخرى، فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة،
ويحبس عند كل عقبة، فيسأل عما قصر فيها من معنى اسمها، فإن سلم من جميعها
انتهى إلى دار البقاء فيحيا حياة لأموت فيها أبدا، وسعد سعادة لا شقاوة معها
أبدا وسكن في جوار الله مع أنبيائه وحججه والصديقين والشهداء والصالحين
من عباده.
وإن حبس على عقبة فطولب بحق قصر فيه فلم ينجه عمل صالح قدمه،
ولا أدركته من الله عز وجل رحمة زلت به قدمه عن العقبة فهوى في جهنم
نعوذ بالله منها.
وهذه العقبات كلها على الصراط. اسم عقبة منها الولاية. يوقف جميع الخلائق
عندها، فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده (عليهم السلام)، فمن أتى بها نجا
وجاز، ومن لم يأت بها بقي فهوى، وذلك قول الله عز وجل * (ان ربك
لبالمرصاد) * (1).
ويقول عز وجل (وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم) (2).

(1) سورة الفجر: الآية 14.
(2) ورد هذا الحديث القدسي في الحديث (18) من باب (الاشكال والقرائن) من كتاب
المحاسن للبرقي: ص 7.
236

واسم عقبة منها الرحم، واسم عقبة منها الأمانة، واسم عقبة منها الصلاة،
وباسم كل فرض، أو أمر، أو نهي عقبة يحبس عندها العبد فيسأل) (1).
* وروي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال:
لما نزلت هذه الآية * (وجئ يومئذ بجهنم) * سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بذلك
أخبرني الروح الأمين أن الله لا اله غيره إذا أبرز الخلائق وجمع الأولين
والآخرين اتي بجهنم تقاد بألف زمام مع كل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ
الشداد لها هذه وغضب وزفير وشهيق وانها لتزفر الزفرة فلولا ان الله أخرهم
للحساب لأهلكت الجميع.
ثم يخرج منها عنق، فيحيط بالخلائق البر منهم والفاجر، فما خلق الله عبدا من
عباد الله ملكا ولا نبيا الا ينادي نفسي نفسي، وأنت يا نبي الله تنادي أمتي أمتي.
ثم يوضع عليها الصراط من حد السيف، عليها ثلاث قناطر: فأما واحدة
فعليها الأمانة والرحم، والثانية فعليها الصلاة، وأما الثالثة فعليها عدل رب العالمين
لا اله غيره، فيكلفون بالممر عليها، فيحبسهم الرحم والأمانة، فإن نجوا منهما
حبستهم الصلاة فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين، وهو قوله * (ان ربك
لبالمرصاد) *.
والناس على الصراط: فمتعلق بيد، وتزول قدم، ومستمسك بقدم، والملائكة
حولها ينادون:
يا حليم اعف، واصفح، وعد بفضلك وسلم وسلم.
والناس يتهافتون في النار كالفراش فيها، فإذا نجا ناج برحمة الله مر بها فقال:
الحمد لله وبنعمته تتم الصالحات، وتزكو الحسنات، والحمد لله الذي نجاني منك
بعد اليأس بمنه وفضله ان ربنا لغفور شكور (2).

(1) البحار: ج 7، ص 128 - 129.
(2) تفسير القمي: ج 2، ص 421، ورواه الصدوق في الأمالي: المجلس 32، ح 3، ص 148،
ونقله المجلسي في البحار: ج 7، 125، ح 1، وفي: ج 2، ص 293، ح 36.
237

* وروى الثقة الجليل الحسين بن سعيد الأهوازي عن الإمام محمد
الباقر (عليه السلام):
اتى (1) أبا ذر رجل، فبشره بغنم له قد ولدت، فقال: يا أبا ذر ابشر فقد ولدت
غنمك وكثرت.
فقال: ما يسرني كثرتها، فما أحب ذلك، فما قل منها وكفى أحب إلي مما كثر
وإلهي، اني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " على حافتي الصراط يوم القيامة الرحم
والأمانة فإذا مر عليه الموصل للرحم والمؤدي للأمانة لم يتكفأ به في النار " (2).
* وفي رواية أخرى:
وإذا مر الخائن للأمانة، والقطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل، ويكفأ به
الصراط في النار (3).
* حكاية:
نقل السيد الأجل الأكمل المؤيد العلامة النحرير بهاء الدين السيد علي ابن
السيد عبد الكريم النيلي النجفي - صاحب المنزلة والشأن العظيم والمناقب التي
لا تحصى، وهو تلميذ الشيخ الشهيد، وفخر المحققيين - في كتاب الأنوار المضيئة
في أبواب فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) بمناسبة قال: حكاية عجيبة حكاها والدي
رحمه الله تعالى ووافقه عليها جماعة أصحابنا أن رجل كان يقال له محمد بن أبي
أذينة كان تولى مسبحة (مسجد ظ) قرية لنا تسمى قرية نيلة انقطع يوما في بيته
فاستحضروه فلم يتمكن من الحضور فسألوه عن السبب، فكشف لهم عن بدنه

(1) ابتدأت الرواية (سمعته يقول...) والضمير في (سمعته) يعود للراوي وهو الثقة الجليل جابر
الجعفي رضي الله تعالى عنه.
(2) كتاب الزهد للحسين بن سعيد الأهوازي: ص 40 - 41، طبعة - قم.
(3) عدة الداعي لابن فهد: ص 81 - الباب الثاني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: حافتا الصراط يوم
القيامة الأمانة والرحم فإذا مر الوصول للرحم والمؤدي للأمانة نفذ إلى الجنة وإذا مر الخائن
... الحديث، ورواه الكليني في الكافي: ج 2، ص 152، ح 11، باختلاف يسير، ورواه
المجلسي في البحار: ج 8، ص 67، ح 9، وفي: ج 74 - ص 105، ح 68، وفي: ج 74،
ص 117، ح 80.
238

فإذا هو إلى وسطه ما عدا جانبي وركيه إلى طرفي ركبته محرق بالنار، وقد أصابه
من ذلك ألم شديد لا يمكنه معه القرار، فقالوا له: متى حصل لك ذلك؟ قال: اعلموا
اني رأيت في نومي كأن الساعة قد قامت والناس في حرج عظيم وأكثرهم يساق
إلى النار والأقل إلى الجنة، فكنت مع من سيق إلى الجنة، فانتهى بنا المسير إلى
قنطرة عظيمة في العرض والطول، فقيل: هذا الصراط، فسرنا عليها فإذا هي كلما
سلكنا فيها قل عرضها وبعد طولها فلم نبرح كذلك ونحن نسير عليها حتى عادت
كحد السيف، وإذا تحتها واد عظيم أوسع ما يكون من الأودية، تجري فيه نار
سوداء يتقلقل فيها جمر كقلل الجبال والناس ما بين ناج وساقط، فلم أزل أميل من
جهة إلى أخرى حتى انتهيت إلى قريب من آخر القنطرة فلم أتمالك حتى سقطت
من عليها، فخضت في تلك النار حتى انتهيت إلى الجرف، فجعلت كلما اتشبث به
لم يتماسك منه شئ في يدي، والنار تحدرني بقوة جريانها، وأنا أستغيث وقد
انذهلت وطار عقلي وذهب لبي فألهمت فقلت يا علي بن أبي طالب، فنظرت فإذا
رجل واقف على شفير الوادي، فوقع في روعي أنه الإمام علي (عليه السلام)، فقلت:
يا سيدي يا أمير المؤمنين:
فقال: هات يدك.
فمددت يدي، فقبض عليها، وجذبني، وألقاني على الجرف، ثم أماط النار
عن وركي بيده الشريفة فانتبهت مرعوبا وأنا كما ترون فإذا هو لم يسلم من النار
إلا ما مسه الإمام (عليه السلام)، ثم مكث في منزله ثلاثة أشهر يداوي ما أحرق منه بالمراهم
حتى برئ، وكان بعد ذلك قل أن يذكر هذه الحكاية لأحد الا اصابته الحمى (1).
ذكر عدة أعمال لتسهيل المرور على هذه العقبة
سوى صلة الرحم وأداء الأمانة التي مضت
* الأول: روى السيد ابن طاووس في كتاب (الاقبال): " من صلى أول ليلة

(1) الكنى والألقاب للقمي: ج 2، 95 - 96.
239

من شهر رجب بعد صلاة المغرب عشرين ركعة بالحمد والتوحيد، ويسلم بين كل
ركعتين ليحفظ في نفسه وأهله وماله وولده، وأجير من عذاب القبر، وجاز على
الصراط كالبرق الخاطف " (1)..
* الثاني: روي من صام من رجب ستة أيام... بعث من الآمنين يوم القيامة
حتى يمر على الصراط بغير حساب (2).
* الثالث: روى السيد:
من صلى في الليلة التاسعة والعشرين من شعبان عشر ركعات يقرأ في كل
ركعة فاتحة الكتاب مرة وألهاكم التكاثر عشر مرات، والمعوذتين عشر مرات،
وقل هو الله أحد عشر مرات أعطاه الله تعالى ثواب المجتهدين، وثقل ميزانه،
ويخفف عنه الحساب، ويمر على الصراط كالبرق الخاطف (3).
* الرابع: مر في الفصل السابق من زار الإمام الرضا (عليه السلام) على بعد قبره
الشريف، فإنه يأتي عنده يوم القيامة في ثلاثة مواطن ليخلصه من أهوالها، وان
أحدها عند الصراط (4).
z z z

(1) اقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: ص 629.
(2) ثواب الأعمال للصدوق: ص 79 وقريب منه في فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق: ص 25:
ح 12، وفي الأمالي: ص 429، المجلس: 80، ح 1، ونقله في البحار: ج 7، ص 301، ح 52،
وفي: ج 97، ص 27، ح 1.
(3) الاقبال: ص 724.
(4) أقول: روى الصدوق (رحمه الله) في الخصال: ص 168، ح 220 بإسناده عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال:
" من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة موطن حتى أخلصه من أهوالها: إذا
تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان ". ورواه الصدوق في الأمالي:
ص 106، المجلس 25، ح 9، ورواه في عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 255، باب 66، ح 2.
ونقله المجلسي في البحار: ج 102، ص 34، ح 14. وروى الشيخ الأقدم ابن قولويه في:
كامل الزيارات بإسناده عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: " من زارني على بعد داري وشطون مزاري
أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى أخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا،
وعند الصراط، وعند الميزان ".
كامل الزيارات: ص 304، باب 101، ح 4.
240

خاتمة
في ذكر عدة أخبار في شدة عذاب جهنم
(أعاذنا الله تعالى منها)
وجملة من قصص الخائفين
وبعض الأمثال من " بلوهر ويوزاسف "
وغيره مما ينبه المؤمنين
241

أما الأخبار
* الأول: روي بسند صحيح (1) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
قلت له: يا بن رسول الله خوفني فان قلبي قد قسى.
فقال: يا أبا محمد استعد للحياة الطويلة، فان جبرئيل جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو
قاطب، وقد كان قبل ذلك يجئ وهو مبتسم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل
جئتني اليوم قاطبا؟
فقال: يا محمد قد وضعت منافخ النار.
فقال: وما منافخ النار يا جبرئيل؟
فقال: يا محمد ان الله عز وجل أمر بالنار فنفخ عليها ألف عام حتى ابيضت،
ثم نفخ عليها ألف عام حتى احمرت، ثم نفخ عليها ألف عام حتى اسودت فهي
سوداء مظلمة.
لو أن قطرة من الضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها.
ولو أن حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا
لذابت الدنيا من حرها.

(1) السند هو: علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي
عبد الله (عليه السلام) فالسند بحسب الاصطلاح صحيح عال.
243

ولو أن سربالا من سرابيل أهل النار علق بين السماء والأرض لمات أهل
الدنيا من ريحه.
قال: فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبكى جبرئيل، فبعث الله إليهما ملكا، فقال لهما:
ان ربكما يقرؤكما السلام ويقول: قد أمنتكما أن تذنبا ذنبا أعذبكما عليه.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) جبرئيل مبتسما بعد ذلك ثم
قال: ان أهل النار يعظمون النار وان أهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم، وان جهنم
إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد،
وأعيدوا في دركها، فهذا حالهم، وهو قول الله عز وجل: * (كلما أرادوا أن يخرجوا
منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) * (1).
ثم تبدل جلودهم غير الجلود التي كانت عليهم.
قال: أبو عبد الله (عليه السلام): حسبك؟
قلت: حسبي، حسبي (2).
* الثاني: وروي في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) (3) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال
في خبر المعراج:
... حتى دخلت سماء الدنيا، فما لقيني ملك إلا كان ضاحكا مستبشرا
حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر، ظاهر الغضب.
فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا أنه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار،
وما رأيت ممن ضحك من الملائكة.
فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ فاني قد فزعت.
فقال: يجوز أن تفزع منه، وكلنا نفزع منه، وهذا مالك خازن النار، لم يضحك

(1) سورة الحج: الآية 22.
(2) تفسير القمي: ج 2، ص 81، وعنه المجلسي في البحار: ج 8، ص 280.
(3) روى الشيخ الجليل علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم
عن أبي عبد الله (عليه السلام)... والسند صحيح عال - بحسب الاصطلاح.
244

قط، ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا وغيظا على أعداء الله
وأهل معصيته، فينتقم الله به منهم، ولو ضحك إلى أحد قبلك، أو كان ضاحكا لأحد
بعدك، لضحك إليك، ولكنه لا يضحك.
فسلمت عليه فرد علي السلام، وبشرني بالجنة.
فقلت لجبرئيل - وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله - * (مطاع ثم أمين) * (1) ألا
تأمره أن يريني النار؟
فقال له جبرئيل: يا مالك! أر محمدا النار.
فكشف عنها غطاءها، وفتح بابا منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء،
وفارت، فارتعدت حتى ظننت ليتناولني مما رأيت.
فقلت له: يا جبرئيل! قل له، فليرد عليها غطاءها.
فأمرها. فقال لها: ارجعي.
فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه (2).
* الثالث: روي بسند معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام):
قال: ما خلق الله خلقا إلا جعل له في الجنة منزلا، وفي النار منزلا، فإذا سكن
أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؟ نادى مناد: يا أهل الجنة أشرفوا.
فيشرفون على النار، وترفع لهم منازلهم في النار.
ثم يقال لهم: هذه منازلكم التي لو عصيتم ربكم دخلتموها.
قال: فلو ان أحدا مات فرحا، لمات أهل الجنة في ذلك اليوم فرحا لما صرف
عنهم من العذاب.
ثم ينادي مناد يا معشر أهل النار ارفعوا رؤوسكم، فانظروا إلى منازلكم
في الجنة.
فيرفعون رؤوسهم، فينظرون إلى منازلهم في الجنة، وما فيها من النعيم.

(1) سورة التكوير: الآية 21.
(2) تفسير القمي: ج 2: ص 5، وعنه في البحار: ج 8، ص 291.
245

فيقال لهم: هذه منازلكم التي لو أطعتم ربكم دخلتموها.
قال: فلو ان أحدا مات حزنا لمات أهل النار ذلك اليوم حزنا.
فيورث هؤلاء منازل هؤلاء، وهؤلاء منازل هؤلاء! وذلك قول الله عز وجل:
* (يرثون الفردوس هم فيها خالدون) * (1) (2).
* الرابع: وروي عنه (عليه السلام):
ينادي مناد من عند الله وذلك بعدما صار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في
النار: يا أهل الجنة! ويا أهل النار! هل تعرفون الموت في صورة من الصور؟
فيقولون: لا.
فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثم ينادون
جميعا: أشرفوا، وانظروا إلى الموت.
فيشرفون، ثم يأمر الله به فيذبح. ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت أبدا.
ويا أهل النار! خلود فلا موت أبدا. وهو قوله * (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي
الأمر وهم في غفلة) * (3).
أي قضي على أهل الجنة بالخلود. وعلى أهل النار بالخلود فيها (4).

(1) المؤمنون: الآية: 11.
(2) أقول: روى هذا الخبر الشريف الشيخ القمي بإسناده عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن
سماعة، عن أبي بصير. في تفسير الآية الشريفة: ج 2، ص 89.
ورواه أيضا الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال: ص 307 - 308، بإسناده عن أبيه، عن سعد
ابن عبد الله عن أحمد بن الحسين أبي سعيد عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي
عبد الله (عليه السلام). والسند معتبر على كل حال غاية الأمر إما صحيح مع عدم ثبوت وقف عثمان بن
عيسى وعدم ثبوت وقف سماعة بن مهران. إما موثق على القول بوقف سماعة أو القول بوقف
عثمان - كما عليه الأكثر - بعكس سماعة فان الأكثر قائلين بعدم وقفه بل لا دليل على وقفه
إلا ما ذكره الصدوق قدس الله نفسه.
(3) سورة مريم: الآية 39.
(4) تفسير القمي: ج 2، ص 51. بإسناده عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن قوله (وأنذرهم يوم الحسرة) الآية، قال: ينادي مناد من
عند الله... الحديث، ونقله عنه المجلسي في البحار: ج 8، ص 346، ح 4.
246

* الخامس: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:
وأما أهل المعصية فخلدوا (1) في النار، وأوثق منهم الاقدام، وغل منهم الأيدي
إلى الأعناق، وألبس أجسادهم سرابيل القطران، وقطعت لهم منها مقطعات من النار،
وهم في عذاب قد اشتد حره، ونار قد أطبق على أهلها، فلا يفتح عنهم أبدا ولا يدخل
عليهم ريح أبدا، ولا ينقضي منهم عمر أبدا، العذاب أبدا شديد، والعقاب أبدا جديد،
لا الدار زائلة فتفنى، ولا آجال القوم تقضى، ثم حكى نداء أهل النار، فقال: * (ونادوا
يا مالك ليقض علينا ربك) * قال: أي نموت، فيقول مالك * (انكم ماكثون) * (2) (3).
* السادس: روي بسند معتبر (4) عن الإمام الصادق (عليه السلام):
ان في النار لنارا (5) يتعوذ منها أهل النار ما خلقت إلا لكل متكبر جبار عنيد، ولكل
شيطان مريد، ولكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، ولكل ناصب العداوة لآل محمد.
وقال: ان أهون الناس عذابا يوم القيامة لرجل في ضحضاح من نار عليه
نعلان من نار، وشراكان من نار، يغلي منها دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن
في النار أحدا أشد عذابا منه، وما في النار أحد أهون عذابا منه (6).

(1) هكذا في المصدر، وأما في البحار: (فخذلهم) وفي نسخة بدل منه (فخلدهم)، وأما المؤلف
فترجم العبارة (فخد لهم). وعلى كل حال فالعبارة لم تخلو من التصحيف.
(2) سورة الزخرف: الآية 77.
(3) تفسير القمي: ج 2، ص 289. وعنه في بحار الأنوار: ج 8، ص 292، ح 34.
(4) رواه القمي في تفسيره: ج 2: ص 257 بإسناده عن أبيه عن ابن أبي عمير عن منصور بن
يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام).
ومنشأ القول بالاعتبار ما وقع في حال (منصور بن موسى فان الشيخ اتهمه بالوقف وروى
الكشي في رجاله رواية تنص على وقفه ورواها أيضا الصدوق في (عيون أخبار الرضا).
ومع ذلك فالكلام في وقفه محل تأمل بل كلام.
(5) هكذا في المصدر وفي البحار ولكن المؤلف (رحمه الله) ترجم العبارة (ان في جهنم لبئرا..).
(6) تفسير القمي: ج 2، ص 257 - 258.
ورواه المجلسي في البحار: ج 8: ص 295 ح 44، والإسناد إما صحيح أو موثق. فهو
معتبر على كل حال.
247

في ذكر قصص الخائفين
* القصة الأولى:
روى الشيخ الكليني بسند معتبر (1) عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام):
ان رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم، فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة
الرجل، فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى ألجأت على جزيرة من جزائر
البحر، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق، ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها،
فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على رأسه، فرفع رأسه إليها، فقال: إنسية أم جنية؟
فقالت: إنسية.
فلم يكلما كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله، فلما إن هم بها،
اضطربت، فقال لها: مالك تضطربين؟
فقالت: أفرق من هذا - وأومأت بيدها إلى السماء.
قال: فصنعت من هذا شيئا؟

(1) الكافي: ج 2، ص 69 بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد بن خالد عن
الحسن بن الحسين عن محمد بن سنان عن أبي سعيد المكاري عن أبي حمزة الثمالي عن
علي بن الحسين صلوات الله عليهما (قال):... الحديث والسند صحيح على الظاهر فان
الحسن بن الحسين هو اللؤلؤي الذي وثقه النجاشي ومحمد بن سنان ثقة من أصحاب أسرار
أهل البيت كما هو رأي الوحيد البهبهاني وغيره، وقد خدش به البعض ولهذا توقف المؤلف
في تصحيح السند واكتفى باعتباره.
249

قالت: لا، وعزته، قال: فأنت تفرقي منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئا،
وانما استكرهك استكراها، فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف، وأحق منك.
قال: فقام، ولم يحدث شيئا، ورجع إلى أهله، وليست له همة إلا التوبة
والمراجعة فبينما هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما
الشمس، فقال الراهب للشاب: ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس.
فقال الشاب: ما اعلم أن لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا.
قال: فأدعو أنا، وتؤمن أنت، قال: نعم.
فاقبل الراهب يدعو، والشاب يؤمن، فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة،
فمشيا تحتها مليا من النهار، ثم تفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة،
وأخذ الراهب في واحدة، فإذا السحابة مع الشاب، فقال الراهب: أنت خير مني،
لك استجيب ولم يستجب لي، فأخبرني ما قصتك؟
فأخبره بخبر المرأة، فقال: غفر لك ما مضى، حيث دخلك الخوف، فانظر كيف
تكون فيما تستقبل (1).
* القصة الثانية:
روى الشيخ الصدوق:
دخل معاذ بن جبل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) باكيا فسلم، فرد (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
ما يبكيك يا معاذ؟
فقال: يا رسول الله ان بالباب شابا طري الجسد نقي اللون، حسن الصورة
يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ادخل علي الشاب يا معاذ.
فادخله عليه، فسلم فرد (صلى الله عليه وآله) ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟
قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني

(1) الكافي: ج 2 ص 69. ورواه عنه المجلسي في: ج، 7، ص 10361.
250

نار جهنم، ولا أراني إلا سيأخذني بها، ولا يغفر لي أبدا.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل أشركت بالله شيئا؟
قال: أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا.
قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟
قال: لا.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي.
قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع وبحارها
ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق.
قال: فإنها أعظم من الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها
من الخلق.
فقال: النبي (صلى الله عليه وآله) يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها، ومثل
العرش والكرسي.
قال: فإنها أعظم من ذلك.
قال: فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) كهيئة الغضبان، ثم قال، ويحك يا شاب أذنوبك أعظم،
أم ربك؟
فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان الله ربي، ما شئ أعظم من ربي، ربي
أعظم يا نبي الله من كل عظيم.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم؟
قال الشاب: لا والله يا رسول الله.
ثم سكت الشاب: فقال النبي (صلى الله عليه وآله) ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من
ذنوبك؟
قال: بلى، أخبرك، اني كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الأموات، وانزع
الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلما حملت إلى قبرها ودفنت
251

وانصرف عنها أهلها، وجن عليهم الليل أتيت قبرها، فنبشتها، ثم استخرجتها،
ونزعت ما كان عليها من أكفانها، وتركتها متجردة على شفير قبرها، ومضيت
منصرفا، فأتاني الشيطان، فأقبل يزينها لي ويقول: أما ترى بطنها وبياضها، أما
ترى وركيها، فلم يزل يقول لي هذا، حتى رجعت عليها، ولم أملك نفسي حتى
جامعتها، وتركتها مكانها، فإذا بصوت من ورائي يقول، يا شاب! ويل لك من ديان
يوم الدين، يوم يقفني وإياك، كما تركتني عريانة في عساكر الموت، ونزعتني من
حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار.
فما أظن اني أشم ريح الجنة أبدا، فما ترى لي يا رسول الله؟
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) تنح عني يا فاسق، اني أخاف أن احترق بنارك، فما أقربك
من النار.
ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله) يقول، ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه.
فذهب فأتى المدينة، فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها، فتعبد فيها، ولبس
مسحا، وغل يديه جميعا إلى عنقه ونادى: يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك
مغلول يا رب أنت الذي تعرفني، وزل مني ما تعلم سيدي يا رب اني أصبحت من
النادمين، وأتيت نبيك تائبا فطردني، وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك،
وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي: سيدي ولا تبطل دعائي، ولا تقنطني من
رحمتك فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة تبكي له السباع والوحوش. فلما
تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي،
إن كنت استجبت دعائي، وغفرت خطيئتي، فاوح إلى نبيك. وإن لم تستجب لي
دعائي، ولم تغفر لي خطيئتي، وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني، أو عقوبة في
الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة.
فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله): * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا
أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على
ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها
252

الأنهار خالدين فيها ونعم اجر العاملين) * (1).
فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج وهو يتلوها ويبتسم. فقال
لأصحابه:
من يدلني على ذلك الشاب التائب؟
فقال معاذ يا رسول الله بلغنا انه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب
قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه، وقد اسود وجهه، وتساقطت أشفار عينيه
من البكاء، وهو يقول: سيدي قد أحسنت خلقي، وأحسنت صورتي، فليت شعري
ماذا تريد بي أفي النار تحرقني، أم في جوارك تسكنني؟
اللهم انك قد أكثرت الاحسان إلي، وأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون
آخر أمري؟ إلى الجنة تزفني؟ أم إلى النار تسوقني؟
اللهم ان خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك
العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي، أم تفضحني بها يوم القيامة.
فلم يزل يقول نحو هذا، وهو يبكي، ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به
السباع، وصفت فوقه الطير، وهم يبكون لبكائه. فدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأطلق يديه
من عنقه، ونفض التراب عن رأسه وقال:
يا بهلول! أبشر فإنك عتيق الله من النار.
ثم قال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: هكذا تداركوا الذنوب، كما تداركها بهلول.
ابشر فإنك عتيق الله من النار.
ثم تلا عليه ما انزل الله عز وجل فيه، وبشره بالجنة) (2).

(1) سورة آل عمران: الآية 135 و 136. وفي المصدر وردت ألفاظ الآيتين الشريفتين مع
التفسير، ويبدو ان التفسير من الراوي، وقد تركه المؤلف رحمه الله تعالى، وبما ان التفسير
ورد عن غير المعصومين (عليهم السلام) فقد رأينا تركه أسلم.
(2) رواه الصدوق في الأمالي: ص 45 - 47، المجلس 11، ح 3. ورواه عنه المجلسي في
البحار: ج 6، ص 23 - 26، ح 26.
253

* يقول المؤلف: قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في (عين الحياة) في ذيل هذا
الخبر ما ملخصه:
ليعلم ان للتوبة شروطا ودوافع:
الأول: من الأشياء التي تحرك الانسان للتوبة هو أن يفكر في عظمة الله تعالى
الذي عصاه وكذلك في كبر تلك المعاصي التي ارتكبها، وفي عقوبات تلك الذنوب
وآثارها السيئة في الدنيا والآخرة التي وردت في الآيات والأخبار، ومن ثم
سوف يكون هذا التفكير باعثا لندامته، وسوف تصير هذه الندامة باعثا له على
ثلاثة أشياء تتركب منها التوبة:
الأول منها: مرتبطة بحاضره وهو أن يترك تلك الذنوب التي ارتكبها بالحال.
الثاني: متعلق بالمستقبل وهو أن يعزم جازما على أن لا يعود إلى تلك
الذنوب إلى آخر العمر.
والثالث: متعلق بالماضي، وهو أن يندم على ما مضى، ويتدارك ما فات منه
إذا كان مما يتدارك.
واعلم أن الذنوب التي يتاب منها على عدة أقسام:
الأول: أن يكون ذنبا لا يستلزم حكما آخر غير العقوبة الأخروية كلبس
الحرير ولبس خاتم الذهب للرجال فإنه يكفي للتوبة منها نفس الندم والعزم على
عدم العود وبهما يدفع العقاب الأخروي.
الثاني: أن يستلزم حكما آخر وهو على عدة أقسام:
فأما أن يكون حقا لله، أو حقا للخلق.
وأما حق الله، فهو إما مالي: مثل أن يذنب ما يلزمه عتق رقبة فإنه إذا كان
قادرا عليه، فلا يرفع عنه العذاب بمجرد الندم، بل يجب عليه أن يؤدي تلك
الكفارة.
أو حق غير مالي: مثل الصلاة أو الصيام الذي يفوته فإنه يجب عليه أن يقضي
ما فاته.
254

أو أن يعمل عملا قد شرع الله تعالى له حدا مثل شرب الخمر، فما لم يثبت عند
الحاكم الشرعي فهو مختار إن شاء ستره بينه وبين الله ولا يظهر ذلك لأحد.
وإن شاء أن يقر عند الحاكم ليقيم عليه الحد، وعدم الاظهار أحسن (1).

(1) أقول روى الشيخ الكليني رحمه الله تعالى في الكافي الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، انه
أتاه رجل بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين اني زنيت فطهرني.
قال: ممن أنت؟
قال: من مزينة.
قال: أتقرأ من القرآن شيئا؟
قال: بلى.
قال: فاقرأ.
فقرأ، فأجاد.
فقال: أبك جنة؟
قال: لا.
قال: فاذهب حتى نسأل عنك.
فذهب الرجل، ثم رجع إليه بعد، فقال: يا أمير المؤمنين اني زنيت فطهرني.
فقال: ألك زوجة؟
قال: بلى.
قال: فمقيمة معك في البلد؟
قال: نعم.
قال: فأمره أمير المؤمنين (عليه السلام) فذهب وقال: حتى نسأل عنك. فبعث إلى قومه فسأل عن
خبره، فقالوا: يا أمير المؤمنين صحيح العقل.
فرجع إليه الثالثة، فقال له مثل مقالته.
فقال: له اذهب حتى نسأل عنك.
فرجع إليه الرابعة، فلما أقر قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لقنبر: احتفظ به. ثم غضب، ثم قال:
ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ،
أفلا تاب في بيته، فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد.... الحديث.
الكافي الشريف: ج 7، ص 188، ح 3.
وروى أيضا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رجل أقر على نفسه الزنا في حديث قال (صلى الله عليه وآله) في
ذيله: (لو استتر ثم تاب كان خيرا له). الكافي: ج 7، ص 185، ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب: ج 10، ص 8، ح 22.
255

وأما لو كان حقا للناس:
فإن كان حقا ماليا فيجب عليه أن يوصله لصاحب الحق، أو وارثه.
وأما إذا لم يكن حقا ماليا، فإن كان قد أضل انسانا فيجب عليه هدايته.
وإن كان حدا مثل قول الفحش فإن كان ذلك الشخص عالما بإهانته له، فعليه
أن يمكنه من الحد من نفسه.
وإن لم يكن عالما ففيه خلاف بين العلماء، ويرى الأكثر إن كان اخباره
يوجب أذاه وإهانته، فلا يلزم الإخبار لذلك.
وكذلك الحكم إذا استغاب انسانا، انتهى (1).

(1) أقول: من المناسب في هذا المقام جدا أن انقل الرواية الشريفة التي رواها السيد الرضي
رضي الله تعالى عنه في (نهج البلاغة) في باب المختار من قصار كلماته (عليه السلام): ج 4، تحت رقم
402، ص 97، شرح محمد عبده.
وقال (عليه السلام) لقائل قال بحضرته، استغفر الله ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟!
الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان:
أولها: الندم على ما مضى.
والثاني: العزم على ترك العود إليه أبدا.
والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.
والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.
والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق
الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.
والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول
استغفر الله.
وقد عقد الميرزا العارف الكامل العامل آية الله الشيخ جواد الملكي التبريزي - قدس الله
روحه الطاهرة - فصلا جليلا في كتابه الشريف (السير إلى الله) حول المعصية، نحيلك عليه
لما حوى ذلك الفصل من الآداب المهمة والمطالب الجليلة.
السير إلى الله، تأليف الميرزا الملكي التبريزي، ترجمة وشرح صاحب هذه السطور:
ص 147 - 177، الطبعة الأولى، دار التعارف بيروت.
كذلك يستحسن مراجعة ما كتبه الشيخ السالك العارف الواصل الشيخ البهاري الهمداني قدس الله روحه الطاهرة في كتابه (تذكرة المتقين).
ويستحسن أن تقرأ ما كتبه الخواجة نصير الدين الطوسي في كتاب (أوصاف الأشراف).
فراجعها واستفد.
256

* القصة الثالثة:
روى ابن بابويه قال:
بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر، إذ جاء رجل
فنزع ثيابه، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء يكوي ظهره مرة، وبطنه مرة، وجبهته مرة،
ويقول:
يا نفس! ذوقي فما عند الله عز وجل أعظم مما صنعت بك، ورسول الله ينظر
إلى ما يصنع، ثم إن الرجل لبس ثيابه، ثم اقبل، فأومأ إليه النبي (صلى الله عليه وآله) بيده، ودعاه،
فقال له: يا عبد الله! لقد رأيتك صنعت شيئا ما رأيت أحدا من الناس صنعه، فما
حملك على ما صنعت؟!
فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله عز وجل، وقلت لنفسي: يا نفس
ذوقي، فما عند الله أعظم مما صنعت بك.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لقد خفت ربك حق مخافته، وان ربك ليباهي بك أهل السماء.
ثم قال لأصحابه: يا معاشر من حضر ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم.
فدنوا منه، فدعا لهم، وقال لهم: " اللهم أجمع أمرنا على الهدى، واجعل التقوى
زادنا والجنة مآبنا " (1).
* القصة الرابعة:
روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال:
خرجت امرأة بغي على شباب من بني إسرائيل فأفتنتهم. فقال بعضهم: لو كان
العابد فلانا رآها أفتنته.

(1) رواه الصدوق (رحمه الله) في الأمالي: ص 279 - 280، المجلس 54، ح 26، ورواه عنه المجلسي
في البحار: ج 70، ص 378، ح 23.
257

وسمعت مقالتهم، فقالت: والله لا أنصرف إلى منزلي حتى أفتنه.
فمضت نحوه في الليل، فدقت عليه.
فقالت: آوي عندك، فأبى عليها.
فقالت: ان بعض شباب بني إسرائيل راودوني عن نفسي، فإن أدخلتني، وإلا
لحقوني وفضحوني.
فلما سمع مقالتها، فتح لها، فلما دخلت عليه، رمت بثيابها، فلما رأى جمالها،
وهيئتها وقعت في نفسه.
فضرب يده عليها، ثم رجعت إليه نفسه، وقد كان يوقد تحت قدر له، فأقبل
حتى وضع يده على النار.
فقالت: أي شئ تصنع؟
فقال: احرقها لأنها عملت العمل.
فخرجت حتى أتت جماعة بني إسرائيل، فقالت، الحقوا فلانا، فقد وضع
يده على النار.
فاقبلوا، فلحقوه وقد احترقت يده (1).
* القصة الخامسة:
روى ابن بابويه عن عروة بن الزبير انه قال:
كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتذاكرنا أعمال أهل بدر،
وبيعة الرضوان.
فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقل القوم مالا، وأكثرهم ورعا، وأشدهم
اجتهادا في العبادة؟
قالوا: من؟

(1) رواه الراوندي في قصص الأنبياء: ص 183، الباب 9، الفصل 3، ح 222، ونقله عنه
المجلسي في البحار: ج 14، ص 492، ح 11، وفي ج 70، ص 387، ح 52.
258

قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه، ثم أنتدب
له رجل من الأنصار؟ فقال له: يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد
منذ أتيت بها.
فقال أبو الدرداء: يا قوم اني قائل ما رأيت، وليقل كل قوم منكم ما رأوا.
شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) بشويحطات النجار وقد اعتزل عن مواليه،
واختفى ممن يليه، واستتر بمغيلات النخل فافتقدته، وبعد علي مكانه، فقلت لحق
بمنزله. فإذا أنا بصوت حزين، ونغمة شجية، وهو يقول:
إلهي كم من موبقة حلمت عني فقابلتها بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن
كشفها بكرمك.
(إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير
غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك).
فشغلني الصوت، واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعينه،
فاستترت له، وخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فزع إلى
الدعاء والبكاء، والبث، والشكوى، فكان مما به الله ناجى ان قال:
" إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم
علي بليتي ".
ثم قال:
" آه إن إنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول خذوه،
فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته يرحمه الملأ إذا أذن فيه
بالنداء ".
ثم قال:
(آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من
ملهبات لظى).
259

قال: ثم انغمر في البكاء، فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم
لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر.
قال أبو الدرداء: فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك، وزويته
فلم ينزو، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم.
فقالت فاطمة (عليها السلام): يا أبا الدرداء ما كان من شأنه، ومن قصته؟
فأخبرتها الخبر، فقالت: هي والله - يا أبا الدرداء - الغشية التي تأخذه من
خشية الله.
ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي، فقال: مما
بكاؤك يا أبا الدرداء؟
فقلت: مما أراه تنزله بنفسك.
فقال: يا أبا الدرداء! فكيف لو رأيتني، ودعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل
الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ، وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي
الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء، ورحمني أهل الدنيا لكنت أشد رحمة لي بين
يدي من لا تخفى عليه خافية.
فقال أبو الدرداء: فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
يقول المؤلف: رأيت من المناسب أن انقل هذه المناجاة عنه (عليه السلام) بنفس
ألفاظها التي كان يقرأها، ليقرأها من شاء في قلب الليل في وقت التهجد، كما عمل
ذلك شيخنا البهائي (رحمه الله) في كتاب (مفتاح الفلاح).
* وهذه المناجاة الشريفة هي:
" إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك (2) وكم من جريرة تكرمت عن

(1) رواه الصدوق بالإسناد إلى عروة بن الزبير في الأمالي: ص 72 - 73، المجلس 18، ح 9،
ورواه عنه المجلسي في البحار: ج 41، ص 11 - 12، ح 1، وفي: ج 87، ص 194، ح 2.
(2) بنعمتك: خ، ل.
260

كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما انا
مؤمل (1) غير غفرانك، ولا انا براج (2) غير رضوانك * إلهي أفكر في عفوك فتهون
علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي * آه ان قرأت في
الصحف (3) سيئة انا ناسيها وأنت محصيها فتقول: خذوه، فياله من مأخوذ لا تنجيه
عشيرته ولا تنفعه قبيلته * آه من نار تنضج الأكباد والكلى * آه من نار نزاعة
للشوى * آه من غمرة من لهبات لظى (4).
* القصة السادسة:
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:
ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب من الأنصار (5)
وهو في المسجد يخفق، ويهوي رأسه، مصفر لونه، نحيف جسمه، وغارت عيناه
في رأسه.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أصبحت يا فلان.
فقال: أصبحت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) موقنا.
فقال: فعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله، وقال له: ان لكل شئ حقيقة، فما
حقيقة يقينك؟
قال: ان يقيني يا رسول الله هو أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ هواجري.
فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتى كأني انظر إلى عرش ربي وقد نصب
للحساب، وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم.
وكأني انظر إلى أهل الجنة يتنعمون فيها، ويتعارفون، على الأرائك متكئين.

(1) بمؤمل: خ، ل.
(2) راج: خ، ل.
(3) الصحيفة: خ، ل.
(4) مفتاح الفلاح: للشيخ البهائي، ص 307.
(5) روى البرقي (رحمه الله) في المحاسن رواية أخرى وقال (استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حارثة بن مالك بن
النعمان فقال له: كيف أنت يا حارثة الحديث...). المحاسن: ص 246، (كتاب مصابيح الظلم
من المحاسن)، باب 29، ح 147.
261

وكأني انظر إلى أهل النار فيها معذبون يصطرخون.
وكأني أسمع الآن زفير النار يعزفون في مسامعي (1).
قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: هذا عبد نور الله قلبه للإيمان.
ثم قال: الزم ما أنت عليه.
قال: فقال له الشاب: يا رسول الله! ادع الله لي أن ارزق الشهادة معك.
فدعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك.
فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) فاستشهد بعد تسعة نفر،
وكان هو العاشر (2).

(1) في الكافي بدل (يعزفون في مسامعي) (يدور في مسامعي).
(2) رواه الكليني (رضي الله عنه) في الكافي: ج 2، ص 53، ح 2 ورواه البرقي في المحاسن: ص 250،
ح 265 (كتاب مصابيح الظلم من المحاسن)، باب 29. ونقله المجلسي في البحار: ج 22،
ص 146، ح 139، عن (نوادر الراوندي)، وفي ج 67، ص 299، ح 25، وفي ج 67،
ص 313، ح 46، وفي ج 70. وراجع معاني الأخبار للصدوق: ص 187، باب معنى الاسلام
والإيمان، وفي ج 5. ص 159، ح 17 وفي ج 70، ص 174، ح 30.
ولا يكاد ينقضي عجبي من قوم دخلاء على أحاديث بيت العصمة والطهارة يتجرؤون
ويتجاسرون على أهل البيت (عليهم السلام)، وهم يدعون انهم من شيعتهم فينسبون لأهل البيت (عليهم السلام)
ما يعجبهم من الأخبار ويروون عنهم مالا يفهمون ولا يفقهون، وكأنهم أولياء عليهم لا أولياء
لهم. أعاذنا الله تعالى من أقوالهم. وعليه فيصححون بعض الأخبار بحسب عقولهم
وسليقتهم، وينفون غيرها بذلك، كما عمل ذلك بعض من علق على بحار العلامة المجلسي
أعلى الله تعالى مقامه فهم:
أولا: لا يعرفون ان السند إذا صح كان حجة على العباد لأن خبر الثقة حجة.
وإن لم يصح لا يجوز رده لاحتمال أن يكون قد صدر عن أهل البيت (عليهم السلام) فيكون ردا
عليهم كما ورد في الخبر الشريف عن الإمام الباقر (عليه السلام) الذي رواه الكليني في الكافي
الشريف في باب الكتمان عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (والله ان
أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وان أسوأهم عندي حالا وأمقتهم الذي
إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله اشمأز منه وجحده، وكفر من دان به، وهو
لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند، فيكون بذلك خارجا من ولايتنا).
وفي البصائر روى الشيخ الثقة محمد بن الحسين الصفار بإسناده عن أحدهما (عليهم السلام) قال: (لا تكذبوا بحديث اتاكم به أحد فإنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله فوق
عرشه).
والروايات في هذا المعنى قد بلغت استفاضتها حد التواتر.
وثانيا: ان الدين لا يقاس بعقول الرجال كما ورد في الأخبار المستفيضة إن لم يدع
التواتر على النهي بالعمل بالرأي والقياس والاستحسان حتى صار ذلك من ضروريات
المذهب كما ادعاه كثير من الأساطين أهل التحقيق، وهو الصحيح، فمنها ما رواه المفيد
بإسناد صحيح عن زرارة بن أعين قال: قال لي أبو جعفر بن علي (عليهم السلام): يا زرارة إياك
وأصحاب القياس في الدين، فإنهم تركوا علم ما وكلوا به، وتكلفوا ما قد كفوه، يتأولون
الأخبار ويكذبون على الله عز وجل...) " الوسائل: كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي،
باب 6، ح 43 ".
وفي رواية عبد الرحمان بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) قال: (.. إياك عن خصلتين تهلك
فيهما الرجال: أن تدين بشئ من رأيك، أو تفتي الناس بغير علم " الوسائل كتاب القضاء:
أبواب صفات القاضي، باب 4، ح 29.
وانما أوجب الأئمة (عليهم السلام) الرجوع إليهم والعمل برواياتهم وقد بحث علماؤنا ذلك في
علوم خاصة.
وثالثا: بطلان حجة أولئك الذين لم يفهموا شيئا من الأخبار، وإليك المثال هذا، حيث
علق على هذا الحديث الشريف بقوله:
(الظاهر أن هذا الحديث من سفاسف المتصوفة المتزهدة، خصوصا بملاحظة ما في
بعضها انه كان في المسجد يخفق ويهوي برأسه، فإنه من شعار المتصوفة).
هامش البحار: ج 70، ص 175، 176.
ويجاب عليه - ولو اني لا أرى حاجة للجواب لولا تكرر هذه الخزعبلات منه في عدة
مواضع من الكتاب الشريف - بعدة أجوبة منها:
أولا: متى كان الخفق من شعار المتصوفة؟ وفي أي كتاب يوجد هذا الشعار؟!
وهو أمر طبيعي لمن يقضي ليله بالعبادة وسهر التهجد أن تخفق عينه بالنهار.
نعم الذين لم يعرفوا التهجد، ولم يرزقوا احياء الليل في العبادة، يعتبرون ذلك
أمرا غريبا.
وثانيا: ما هو تحديد معنى الصوفي؟ فهل أن كل عابد زاهد فهو صوفي في رأيه؟ أم ان
الصوفية مذهب خاص له أفكاره وآراؤه ونظرياته في الوجود والواجب والمعاد والسير إلى الله تعالى والسلوك إليه، والوسيلة إليه وغير ذلك.
وهل أن كل ما عند الصوفية فهو قبيح سئ غير مقبول، حتى لو كان السهر في العبادة.
انه لأمر غريب من أولئك الدخلاء. ولكن الأعجب منه ما يفعله بعض التجار بطبع تلك
الخزعبلات وترويجها. والله تعالى هو المنجي الخلق من جهل الجاهلين وانتحال الضالين.
وثالثا: أليست تلك الحقائق التي ذكرها الشاب العارف مذكورة في خطبة أمير
المؤمنين (عليه السلام) في أوصاف المتقين؟
وإليك الخطبة لتعرف مطابقتها لمضامين الخبر:
(فالمتقون فيها هم أهل الفضائل. منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم
التواضع، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم. ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم.
نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء. ولولا الأجل الذي كتب لهم لم
تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب، عظم الخالق
في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار
كمن قد رآها فهم فيها معذبون. قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة،
وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة.
صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة، تجارة مربحة يسرها لهم ربهم. أرادتهم الدنيا
فلم يريدوها، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها. أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن
يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا
إليها طمعا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا، وظنوا انها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف
أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على
أوساطهم، مفترشون لجباههم واكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم يطلبون إلى الله تعالى في
فكاك رقابهم.
وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء، قد برأهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر
فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، ويقول قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم، لا يرضون
من أعمالهم إلا القليل ولا يستكثرون الكثير... الخطبة الشريفة).
ورابعا: هل يحق لكل أحد أن يستظهر ما يشاء كيف يشاء وما يشاء كما يذهب إليه ذلك
القائل دون أن يحاسب عن الدليل والسبب.
ان الاستظهار (وهو أن يقول القائل: الظاهر، والأظهر وما شابهها من العبارات) لابد وأن
يكون مبتنيا على أساس علمي ودليل منطقي.
262

في ذكر بعض الأمثال لتنبه المؤمنين
* المثال الأول:
قال بلوهر: بلغنا ان رجلا حمل عليه فيل مغتلم، فانطلق موليا هاربا، واتبعه
الفيل حتى غشيه،، فاضطره إلى بئر، فتدلى فيها، وتعلق بغصنين نابتين على شفير
البئر، ووقعت قدماه على رؤوس حيات.
فلما تبين له الغصنين فإذا في أصلهما جرذان يقرضان الغصنين أحدهما
أبيض والآخر أسود، فلما نظر إلى تحت قدميه فإذا رؤوس أربع أفاعي قد طلعن
من جحرهن.
فلما نظر إلى قعر البئر إذا بتنين فاغر نحوه يريد التقامه.
فلما رفع رأسه إلى أعلى الغصنين إذا عليهما شئ من عسل النحل، فتطعم من
ذلك العسل فألهاه ما طعم منه، وما نال من لذة العسل وحلاوته عن الفكر في أمر
الأفاعي اللواتي لا يدري متى يبادرنه، وألهاه عن التنين الذي لا يدري كيف
يصير مصيره بعد وقوعه في لهواته.
أما البئر فالدنيا مملوة آفات وبلايا وشرور، وأما الغصنان فالعمر، وأما
الجرذان فالليل والنهار يسرعان في الأجل، وأما الأفاعي الأربعة فالأخلاط
الأربعة التي هي السموم القاتلة من المرة والبلغم والريح والدم التي لا يدري
صاحبها متى تهيج به.
وأما التنين الفاغر فاه ليلتقمه فالموت الراصد الطالب.
265

وأما العسل الذي اغتر به المغرور فما ينال الناس من لذة الدنيا وشهواتها
ونعيمها ودعتها من لذة المطعم والمشرب والشم واللمس والسمع والبصر (1).
يقول المؤلف: لم يذكر مثل أحسن من هذا في انطباقه على الممثل لغفلة
الانسان عن الموت والأهوال التي بعده واشتغاله بلذات الدنيا العاجلة الفانية،
فليتأمل فيه جيدا فلعله يصير سبب التنبه عن نومة الغفلة.
* وفي الخبر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما دخل (سوق البصرة فنظر إلى الناس
يبيعون ويشترون، فبكى (عليه السلام) بكاءا شديدا، ثم قال:
" يا عبيد الدنيا وعمال أهلها، إذا كنتم بالنهار تحلفون، وبالليل في فرشكم
تنامون، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون، فمتى تجهزون (2) الزاد، وتفكرون في
المعاد؟!! (3) ".
يقول المؤلف: ورأيت من المناسب أن أذكر هنا عدة أبيات من الشعر:
اي به غفلت گذارنيده همه عمر عزيز * تا چه دارى وچه كردي عملت كو وكدام
توشهء آخرتت چيست در أين رآه دراز * كه توراموى سفيد از اجل آورد پيام
مى توانى كه فرشته شوى از علم وعمل * ليك از همت دون ساخته أي بادد ودام
چون شوى همره حوران بهشتى كه تورا * همه در آب وگياه است نظر چون انعام
جهد آن كن كه نماني ز سعادت محروم * كار خودساز كه اينجا دوسه روزيست مقام
يعني:
1 - يا من قضيت عمرك العزيز بالغفلة، فأي عمل عندك، وما الذي فعلته،
وما هو، وأين هو؟.
2 - ما هو زاد آخرتك في هذا الطريق؟ وقد أتاك الشيب برسالة من الأجل

(1) كمال الدين للشيخ الصدوق: ص 593 - 594.
(2) في نسخة (تحرزون).
(3) الأمالي: للشيخ المفيد، ص 119، المجلس: 14، ح 3 ونقله عنه في البحار: ج 77،
ص 424، ح 41 وفي ج 103، ص 32، ح 60.
266

(الموت) (1).
3 - كنت قادرا أن تصير ملاكا بالعلم والعمل، ولكنك لوضاعة همتك عايشت
الحيوانات المفترسة وغير المفترسة.
4 - كيف تكون مصاحبا لحواري الجنة؟ مع أنك تفكر دائما بالماء والعلف
كالأنعام.
5 - فاجهد أن لا تبقى محروما من السعادة، وأصلح عملك، فان مكثك هنا
ليومين أو ثلاث.
وقال شيخ الشيوخ النظامي الگنجوي (2):

(1) أقول: روى الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن محمد الحسني قال: بعث المأمون إلى أبي
الحسن الرضا (عليه السلام) جارية، فلما أدخلت إليه اشمأزت من الشيب، فلما رأى كراهيتها ردها إلى
المأمون، وكتب إليه بهذه الأبيات شعرا:
نعى نفسي إلى نفسي المشيب * وعند الشيب يتعظ اللبيب
... الخ). عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 178، باب 43، ح 8.
وروى القطب الراوندي في دعواته: انه لما دنا وفاة إبراهيم (عليه السلام)، قال: هلا أرسلت إلي
رسولا حتى أخذت أهبة الموت؟
قال له: (أو ما علمت أن الشيب رسولي).
دعوات الراوندي: ص 239، ح 670. وعنه في البحار: ج 82، ص 172، ح 6.
(2) هو الشيخ أبو محمد الشاعر جمال الدين المشهور بالنظامي والحكيم النظامي الگنجوي،
اختلفت كتب الأنساب في اسمه ونسبه وهو من ناحية (تفريش) أو (فراهان) من توابع قم من
بلاد إيران وكان حكيما عارفا عالما عابدا زاهدا متقيا وكان يجتنب من ملازمة السلاطين
وصحبتهم من بداية شبابه، مع ما كانوا يظهرونه له من الاحترام والاهتمام به، ولم يمدح أحدا
منهم، وتنسب إليه بعض الكرامات.
وله شعر كثير باللغة الفارسية معروف ويعد من أركان الأدب الفارسي، وله دواوين
خمسة معروفة (مخزن الأسرار - خسرو وشيرين - ليلى ومجنون - هفت پيكر - إسكندر
نامة) ومجموعها: ثلاث آلاف وأربعمائة وثمانية وثمانين بيت. إضافة إلى ديوان شعر مفقود.
راجع ترجمته في الكنى والألقاب - للمؤلف: ج 3، ص 259. ريحانة الأدب: ج 6،
211 - 215، وقد لخصنا ترجمته عنه وهو باللغة الفارسية.
267

حديث كودكى وخود پرستى * رها كن كان خمارى بود ومستى
چو عمر از سى گذشت وياكه از بيست * نمى شايد دگر چون غافلان زيست
نشاط عمر باشدتا چهل سال * چهل رفته فروريزد پروبال
پس از پنجه نباشد تندرستى * بصر كندى پذيرد پاى سستى
چو شصت آمد نشست آمد پديدار * چو هفتاد آمد افتاد آلت از كار
به هشتاد ونود چون در رسيدى * بسا سختى كه از گيتى كشيدى
از آنجا گربه صد منزل رسانى * بود مرگى به صورت زند گانى
سگ صياد كاهو گير گردد * بگيرد آهويش چون پير گردد
چو در موى سياه آمد سفيدى * پديد آمد نشان نا اميدى
زپنبه شد بنا گوشت كفن پوش * هنوز أين پنبه بيرون ناري از گوش
يعني:
1 - اترك حديث الطفولة والأنانية فإنها حالة السكر والمخمورية.
2 - فعندما تنقضي ثلاثون سنة من العمر أو حتى عشرين فلا يليق بعد ذلك أن
تعيش كالغافلين.
3 - فان قوة (حيوية) العمر إلى أربعين سنة، فإذا انقضت الأربعون فقد وقع
الريش والجناح.
4 - فلا تبقى بعد الخمسين صحة وعافية، ويعشو البصر، وتخور القدم.
5 - فإذا جاءت الستون فسوف تظهر جليا أمارات الاقعاد، فإذا جاء السبعون
عجز عن العمل.
6 - فإذا وصلت إلى أبواب الثمانين والتسعين فما أكثر المصاعب التي سوف
تواجهها من هذا العالم.
7 - وإذا تجاوزت التسعين إلى المائة فهو الموت بصورة الحياة.
8 - فكلب الصياد الذي يصطاد الغزال، فان الغزال سوف يصطاده عندما
يشيب.
268

9 - فإذا جاء الشيب في الشعر الأسود فقد جاءت علامات انقطاع الأمل.
10 - وقد لبست شحمة أذنك من القطن كفنا وأنت بعد لم تخرج هذه القطنة
من الاذن.
وقال آخر:
از روش أين فلك سبزفام * عمر گذشته است مراشصت عام
در سر هر سالى از أين روزگار * خورده أم افسوس خوشيهاى پار
باشدم از گردش دوران شگفت * كانچه مرا داد همه پس گرفت
قوتم از زانو وبازو برفت * آب زرخ رنگ هم از موبرفت
عقد ثرياى من از هم گسيخت * گوهر دندان همه يك يك بريخت
آنچه بجا ماند ونيابد خلل * بار گناه آمد وطول امل
زنگ رحيل آمد از أين گوچگاه * همسفران روى نهاده به رآه
آه زبى زادي روز معاد * زاد كم وطول مسافت زياد
بارگران بر سر دوشم چه كوه * كوه هم ز بار من آمد ستوه
أي كه بر عفو عظيمت گناه * در جلو سيل بهار است كاه
فضل تو گر دست نگيرد مرا * عصمتت أر باز گذرد مرا
جز به جهنم نرود رآه من * در سقر انداخته بنگاه من
بندهء شر مندهء نادان منم * غوطه زن لجهء عصيان منم
خالق وبخشندهء احسان توئى * فرد ونوازنده به غفران توئى
يعني:
1 - بحركة هذا الفلك الأخضر قد انقطعت من العمر ستون سنة.
2 - وعلى رأس كل سنة من هذا الدهر تأسفت على طيبات العام الماضي.
3 - واني لأعجب من التفاف الدهر حيث استرد مني كل ما أعطانيه.
4 - وراحت مني قوتي من الساق والساعد، وذهب الماء من وجنتي،
واللون من شعري.
269

5 - وانفرط عقد ثرياي وتناثر جوهر أسناني الواحد تلو الآخر.
6 - والذي بقي سالما بدون اختلال هو حمل الذنب وطول الأمل.
7 - وحان جرس رحيل هذا الظعن المسافر وتقدم رفقاء السفر.
8 - آه من فقدان زاد يوم المعاد، فالزاد قليل والمسافة طويلة.
9 - والحمل الثقيل على كتفي كالجبل، بل يكل الجبل عن حمل ثقلي أيضا.
10 - فيا من الذنب أمام عفوك العظيم مثل التبن أمام سيل الربيع.
11 - إذا لم يأخذ فضلك بيدي وكذا لو تركتني عصمتك أيضا:
12 - فسوف لا ينتهي طريقي إلا إلى جهنم، ويكون مستقري في سقر.
13 - أنا العبد النادم الجاهل الغريق في لجة عصياني.
14 - وأنت الخالق المحسن بالعفو الفرد واللطيف بمغفرتك.
* قال رسول الله (عليه السلام): " أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده أبناء الخمسين
ماذا قدمتم وماذا أخرتم، أبناء الستين هلموا إلى الحساب، أبناء السبعين عدوا
أنفسكم في الموتى " (1).
* وفي الخبر: إن الديك يقول: اذكروا الله يا غافلين (2).

(1) جامع الأخبار: ص 120، الفصل 76، وعنه في البحار، ج 73، ص 390، ح 12، وفي
سفينة البحار، ج 2، ص 257 الطبعة الحجرية.
(2) راجع قصص الأنبياء للقطب الراوندي: ص 256، الباب 17، فصل 8، ح 300. والرواية
مروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
وفي: مناقب آل أبي طالب: لابن شهرآشوب، ج 2، ص 55 (فصل في المسابقة بالعلم)
وفيه: (ابن مجال قال: قال علي (عليه السلام): نقيق الديك اذكروا الله يا غافلين).
وفي: الاختصاص، للشيخ المفيد، ص 136، (حديث منطق بعض الحيوانات)، فقال
علي (عليه السلام): (ويقول الديك في نعيقه بالأسحار: اذكروا الله يا غافلين).
سفينة البحار: ج 1، ص 475 الطبعة الحجرية. وقد نقلها المجلسي في البحار: ج 14،
ص 412، ح 1، وفي: ج 40، ص 170، ح 4، وفي: ج 64، ص 35، ح 12 ولكنه نقل عن
أصل قديم من خط التلعكبري (رحمه الله)، بإسناده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وأما الديك فيقول: سبوح
قدوس رب الملائكة والروح، وأما الضفدع فيقول اذكروا الله يا غافلين)، ج 64، ص 46، ح 22.
270

هنگام سفيده دم خروس سحري * داني كه چرا همى كند نوحه گرى
يعني كه نمودند در آئينهء صبح * كز عمر شبى گذشت وتوبى خبري
يعني:
1 - هل تدري لماذا ينوح دائما ديك السحر عندما يضئ الفجر ويتنفس؟
2 - يعني ظهر في مرآة الصبح انه انقضى من عمرك ليلة وأنت غافل.
ولنعم ما قال الشيخ الجامي:
دلا تا كي در أين كأخ مجازى * كنى مانند طفلان خاكبازى
توئى آن دست پرور مرغ گستاخ * كه بودت آشيان بيرون از أين كأخ
چرا زان آشيان بيگانه گشتى * چو دونان مرغ أين ويرانه گشتى
بيفشان بال وپر زاميزش خاك * بپرتا كنگره ايوان افلاك
ببين در قصر أزرق طيلسانان * رداى نور بر عالم فشانان
همه دور جهان روزى گرفته * به مقصد رآه فيروزى رفته
خليل آسا در ملك يقين زن * نداى لا أحب الآفلين زن
يعني:
1 - ألا يا نفس إلى متى تعمل في هذا القصر المجازي كالأطفال يلعبون
بالتراب.
2 - أنت ذلك الطائر المربى الجرئ، الذي كان وكرك خارج هذا القصر.
3 - لماذا تركت وكرك ذاك، وصرت طير هذه الخرائب؟
4 - انفض جناحك وريشك مما عليه من تراب، وحلق إلى أعلى مكان من
إيوان الأفلاك.
5 - انظر في القصر ذوي الطيالسة (1) الذين ينشرون رداء النور على العالم.
6 - والكل آخذ برزقه من هذا العالم، متخذ طريق الفوز والنجاح.

(1) الطيالسة: مفرده طيلسان، وهو كساء أخضر (أزرق) يلبسه الخواص من المشائخ والعلماء،
وهو من لباس العجم.
271

7 - فاطرق باب ملك اليقين كإبراهيم الخليل، وناد بنداء لا أحب الآفلين (1).
* المثال الثاني:
لأهل الدنيا الذين خدعتهم الدنيا وتعلقت قلوبهم بها.
قال بلوهر:
كان أهل مدينة يأتون الرجل الغريب الجاهل بأمرهم فيملكونه عليهم سنة،
فلا يشك ان ملكه دائم عليهم لجهالته بهم، فإذا انقضت السنة أخرجوه من مدينتهم
عريانا مجردا سليبا، فيقع في بلاء وشقاء لم يحدث به نفسه، فصار ما مضى عليه
من ملكه وبالا وحزنا ومصيبة وأذى (2).
ويصير مصداق هذا الشعر:
أي كرده شراب حب دنيا مستت * هشيارنشين كه چرخ سازد پستت
مغرور جهان مشوكه چون مثل حنا * بيش از دو سه روزى نبود در دستت
يعني:
يا من أسكرته خمرة حب الدنيا * انتبه! فان الفلك يدور بك إلى الأسفل
ولا تغتر بالدنيا لأنها كالحناء لا يبقى لونها * في يديك أكثر من يومين أو ثلاث
ثم إن أهل تلك المدينة أخذوا رجلا آخر، فملكوه عليهم، فلما رأى الرجل
غربته فيهم، لم يستأنس بهم، وطلب رجلا من أهل أرضه خبيرا بأمرهم حتى
وجده، فأفضى إليه بسر القوم، وأشار إليه أن ينظر إلى الأموال التي في يديه
فيخرج منها ما استطاع، الأول، فالأول: حتى يحرزه في المكان الذي يخرجونه
إليه، فإذا أخرجه القوم صار إلى الكفاية والسعة بما قدم وأحرز.
ففعل ما قال له الرجل ولم يضيع وصيته (3).

(1) وهو نداء إبراهيم الخليل (عليه السلام) كما في قوله تعالى: * (لا أحب الآفلين) * من سورة الأنعام
الآية 76.
(2) كمال الدين للشيخ الصدوق: ص 595.
(3) كمال الدين للشيخ الصدوق: ص 595.
272

يقول المؤلف: يقول الله تعالى في القرآن المجيد:
* (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) * (1).
* وقال الإمام الصادق (عليه السلام):
إن العمل الصالح ليسبق صاحبه إلى الجنة فيمهد له كما يمهد لأحدكم خادمه
فراشه (2).
* ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلماته القصار:
يا بن آدم كن وصي نفسك، واعمل في مالك ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك (3).
فيا عزيزي!
برگ عيشي به گور خويش فرست * كس نيارد زپس توپيش فرست
خور وپوش وبخشاى وراحت رسان * نگه مى چه دارى زبهر كسان
زر ونعمت اكنون بده كان تست * كه بعد از تو بيرون زفرمان تست
توبا خود ببر توشهء خويشتن * كه شفقت نيايد زفرزند وزن

(1) سورة الروم: الآية 44.
(2) راجع مجمع البيان للطبرسي: ج 4، ص 307، قال: (وروى عن منصور بن حازم عن أبي
عبد الله (عليه السلام)... الحديث)، ونقله عنه الشيخ عبد علي الحويزي، في تفسير نور الثقلين، ج 4،
ص 191.
وفي كتاب الزهد، للحسين بن سعيد الأهوازي الكوفي: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ان
العمل الصالح ليذهب إلى الجنة فيسهل لصاحبه كما يبعث الرجل غلاما فيفرش له...)،
ص 21، باب 2، ح 46.
وروى الشيخ أحمد بن فهد الحلي في عدة الداعي ص 217 عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
إن العمل الصالح ليمهد لصاحبه في الجنة كما يرسل الرجل غلاما بفراشه فيفرش له).
وفي الأمالي للشيخ المفيد: ص 195، ح 26 قريبا منه.
ونقله في البحار: ج 8، ص 198، ح 89، وفي: ج 71، ص 185، ح 46، وفي: ج 71،
ص 187، ح 49، وفي: ج 71، ص 191، ح 58.
(3) نهج البلاغة: ج 4، ص 56، شرح محمد عبده - تحت رقم 246، باب المختار من
حكمه (عليه السلام). شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: ج 19، ص 95.
273

غم خويش در زندگى خور كه خويش * به مرده نپردازد از حرص خويش
به غمخوارگى چون سر انگشت تو * نخارد كسى در جهان پشت تو
يعني:
1 - ابعث بزاد إلى قبرك، فليس هناك من يبعثه إليك بعدك.
2 - كل، والبس، وهب، وتنعم، فلم تبقي ما عندك لغيرك؟!
3 - أنفق الذهب والنعمة وأموالك الآن، فإنها سوف تخرج من سلطتك
من بعدك.
4 - خذ زادك معك بنفسك فسوف، لا يشفق عليك ابنك، ولا زوجتك.
5 - اغتم لنفسك وأنت حي، فان الأقارب لا يؤدون شيئا للميت بسبب
حرصهم.
6 - فاغتم لنفسك، فإنه ليس في الدنيا أحد يحك ظهرك مثل ظفرك.
* قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " واعلموا ان كل امرئ على ما قدم قادم وعلى ما
خلف نادم " (1).
* ونقل عن أمالي المفيد النيشابوري، وتاريخ بغداد انه:
رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) الخضر في المنام فسأله نصيحة قال: فأراني كفه فإذا
فيها مكتوب بالخضرة:
قد كنت ميتا فصرت حيا * وعن قليل تعود ميتا
فابن لدار البقاء بيتا * ودع لدار الفناء بيتا (2)
* المثال الثالث:
وقد بلغنا ان ملكا من الملوك كان عاقلا قريبا من الناس، مصلحا لأمورهم،

(1) أعلام الدين للديلمي: ص 340 - 341، الأربعون حديثا التي رواها ابن ودعان،
الحديث 27، ونقله في البحار: ج 77، ص 185، ح 10.
(2) سفينة البحار: ج 1، ص 391، الطبعة الحجرية. ج 2، ص 610، الطبعة الحديثة، مناقب آل
أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 2، ص 248، البحار: ج 39، ص 133.
274

حسن النظر والانصاف لهم، وكان له وزير صدق صالح يعينه على الاصلاح،
ويكفيه مؤونته، ويشاوره في أموره، وكان الوزير أديبا عاقلا، له دين، وورع،
ونزاهة عن الدنيا، وكان قد لقي أهل الدين، وسمع كلامهم، وعرف فضلهم،
فأجابهم، وانقطع إليهم بإخائه ووده.
وكانت له من الملك منزلة حسنة وخاصة. وكان الملك لا يكتمه شيئا من
أمره. وكان الوزير أيضا له بتلك المنزلة، إلا أنه لم يكن ليطلعه على أمر الدين، ولا
يفاوضه أسرار الحكمة.
فعاشا بذلك زمانا طويلا. وكان الوزير كلما دخل على الملك سجد للأصنام (1)
وعظمها وأخذ شيئا في طريق الجهالة والضلالة تقية له.
فأشفق الوزير على الملك من ذلك، واهتم به، واستشار في ذلك أصحابه
وإخوانه، فقالوا له: انظر لنفسك وأصحابك فإن رأيته موضعا للكلام فكلمه
وفاوضه، وإلا فإنك انما تعينه على نفسك، وتهيجه على أهل دينك، فان السلطان
لا يغتر به، ولا تؤمن سطوته.
فلم يزل الوزير على اهتمامه به، مصافيا له، رفيقا به رجاء أن يجد فرصة
فينصحه، أو يجد للكلام موضعا فيفاوضه.
وكان الملك - مع ضلالته - متواضعا، سهلا، قريبا، حسن السيرة في رعيته،
حريصا على اصلاحهم، متفقدا لأمورهم.
فاصطحب الوزير الملك على هذا برهة من زمانه.
ثم إن الملك قال للوزير ذات ليلة من الليالي بعدما هدأت العيون: هل لك أن
تركب فنسير في المدينة، فننظر إلى حال الناس، وآثار الأمطار التي أصابتهم في
هذه الأيام؟
فقال الوزير: نعم.
فركبا جميعا يجولان في نواحي المدينة. فمرا في بعض الطريق على مزبلة

(1) هكذا في المصدر المطبوع وفي البحار.
275

تشبه الجبل، فنظر الملك إلى ضوء النار تبدو في ناحية المزبلة. فقال للوزير: ان
لهذه لقصة، فأنزل بنا نمشي حتى ندنو منها، فنعلم خبرها.
ففعلا ذلك. فلما انتهيا إلى مخرج الضوء وجدا نقبا شبيها بالغار، وفيه مسكين
من المساكين.
ثم نظرا في الغار من حيث لا يراهما الرجل، فإذا الرجل مشوه الخلق، عليه
ثياب خلقان من خلقان المزبلة، متكئ على متكاء قد هيأه من الزبل، وبين يديه
إبريق فخار فيه شراب وفي يده طنبور يضرب بيده. وامرأته في مثل خلقه ولباسه
قائمة بين يديه تسقيه إذا استسقى منها، وترقص له إذا ضرب، وتحييه بتحية
الملوك كلما شرب. وهو يسميها سيدة النساء، وهما يصفان أنفسهما بالحسن
والجمال، وبينهما من السرور والضحك والطرب مالا يوصف.
فقام الملك على رجليه مليا، والوزير ينظر كذلك، ويتعجبان من لذتهما
واعجابهما بما هما فيه.
ثم انصرف الملك والوزير.
فقال الملك: ما أعلمني وإياك أصابنا الدهر من اللذة والسرور والفرح مثل ما
أصاب هذين الليلة، مع اني أظنهما يصنعان كل ليلة مثل هذا.
فاغتنم الوزير ذلك منه، ووجده فرصة، فقال له: أخاف - أيها الملك - أن
تكون دنيانا هذه من الغرور، ويكون ملكك وما نحن فيه من البهجة والسرور في
أعين من يعرف الملكوت الدائم مثل هذه المزبلة، ومثل هذين الشخصين اللذين
رأيناهما، وتكون مساكننا وما شيدنا منها عند من يرجو مساكن السعادة وثواب
الآخرة مثل هذا الغار في أعيننا، وتكون أجسادنا عند من يعرف الطهارة
والنضارة والحسن والصحة مثل جسد هذه المشوه الخلق في أعيننا، ويكون
تعجبهم عن إعجابنا بما نحن فيه كتعجبنا من اعجاب هذين الشخصين بما هما فيه.
قال الملك: وهل تعرف لهذه الصفة أهلا؟
قال الوزير: نعم.
276

قال الملك: من هم؟
قال الوزير: أهل الدين الذين عرفوا ملك الآخرة ونعيمها فطلبوه.
قال الملك: وما ملك الآخرة؟
قال الوزير: هو النعيم الذي لا بؤس بعده، والغنى الذي لا فقر بعده، والفرح
الذي لا ترح بعده، والصحة التي لا سقم بعدها، والرضا الذي لا سخط بعده،
والأمن الذي لا خوف بعده، والحياة التي لا موت بعدها، والملك الذي لا زوال له.
هي دار البقاء، ودار الحيوان التي لا انقطاع لها، ولا تغير فيها، رفع الله عز وجل
عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشقاء، والنصب، والمرض، والجوع، والظمأ،
والموت.
فهذه صفة ملك الآخرة، وخبرها أيها الملك.
قال الملك: وهل تدركون إلى هذه الدار مطلبا، والى دخولها سبيلا؟
قال الوزير: نعم! هي مهيأة لمن طلبها من وجه مطلبها. ومن أتاها من بابها
ظفر بها.
قال الملك: ما منعك أن تخبرني بهذا قبل اليوم؟
قال الوزير: منعني من ذلك اجلالك، والهيبة لسلطانك.
قال الملك: لئن كان هذا الأمر الذي وصفت يقينا فلا ينبغي لنا أن نضيعه، ولا
نترك العمل به في اصابته. ولكنا نجتهد حتى يصح لنا خبره.
قال الوزير: أفتأمرني أيها الملك أن أواظب عليك في ذكره، والتكرير له؟
قال الملك: بل آمرك أن لا تقطع عني ذكره ليلا ولا نهارا، ولا تريحني، ولا
تمسك عني ذكره، فان هذا أمر عجيب لا يتهاون به، ولا يغفل عن مثله.
وكان سبيل ذلك الملك والوزير إلى النجاة (1).
* يقول المؤلف: رأيت من المناسب في هذا المقام لأجل زيادة بصيرة

(1) كمال الدين للشيخ الصدوق: ص 604 - 606، طبعة طهران.
277

المؤمنين أن أتبرك بذكر عدة فقرات من إحدى خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) الشريفة:
قال:
" احذروا هذه الدنيا الخداعة الغدارة التي قد تزينت بحليها، وفتنت بغرورها،
وعزت بآمالها، وتشوفت لخطابها، فأصبحت كالعروس المجلوة والعيون إليها
ناظرة والنفوس بها مشغوفة، والقلوب إليها تائقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة.
فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بسوء أثرها على الأول مزدجر " (1).
إلى أن قال (عليه السلام):
" ومما يدلك على دناءة الدنيا ان الله جل ثناؤه زواها عن أوليائه وأحبائه
نظرا واختيارا، وبسطها لأعدائه فتنة واختبارا.
فأكرم محمدا نبيه (صلى الله عليه وآله) حين عصب على بطنه من الجوع.
وحماها موسى نجيه المكلم، وكانت ترى خضرة البقل من صفاق بطنه من
الهزال " (2).
وساق (عليه السلام) الكلام في زهد الأنبياء (عليهم السلام) وتنزههم عنها وانهم:
" أنزلوا الدنيا من أنفسهم كالميتة التي لا يحل لأحد أن يشبع منها إلا في حال
الضرورة إليها، وأكلوا منها بقدر ما أبقى لهم النفس، وامسك الروح، وجعلوها
بمنزلة الجيفة التي اشتد نتنها، فكل من مر بها أمسك على فيه، فهم يتبلغون بأدنى
البلاغ ولا ينتهون إلى الشبع من النتن ويتعجبون من الممتلي منها شبعا، والراضي
بها نصيبا.
إخواني والله لهي في العاجلة والآجلة لمن ناصح نفسه في النظر، وأخلص لها
الفكر أنتن من الجيفة، وأكره من الميتة، غير أن الذي نشأ في دباغ الإهاب لا يجد
نتنه، ولا يؤذيه رائحته ما تؤذي المار به، والجالس عنده " (3).

(1) سفينة البحار: ج 1، ص 466، الطبعة الحجرية. البحار: ج 73، ص 108، ح 109.
(2) سفينة البحار: ج 1، ص 466، الطبعة الحجرية. البحار: ج 73، ص 110، ح 109.
(3) سفينة البحار: ج 1، ص 466 الطبعة الحجرية، البحار: ج 73، ص 111، ح 109. وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " تمثلت الدنيا لعيسى (عليه السلام) في صورة امرأة زرقاء.
فقال لها: كم تزوجت؟
قالت: كثيرا.
قال: فكل طلقك؟
قالت: بل كلا قتلت.
قال: فويح لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين " من المؤلف (رحمه الله).
أقول: رواه الحسين بن سعيد الأهوازي الكوفي، في: الزهد، باب 8، ح 129، ص 48،
ونقله في البحار: ج 14، ص 330، ح 67، وفي: ج 73، ص 125، ح 120.
278

ويقول (عليه السلام):
وإياك أن تغتر بما ترى من اخلاد أهلها وتكالبهم عليها فإنهم كلاب عاوية
وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض، يأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كثيرها قليلها (1).
يقول الفقير: قد أخذ الحكيم السنائي (2) هذا المعنى ونظمه شعرا فقال:
أين جهان بر مثال مردارى است * كر كسان گرد أو هزار هزار
أين، مر آن را همى زند مخلب * آن مر أين را همى زند منقار
آخر الامر بگذرند همه * وزهمه بازماند أين مردار

(1) رواه الشيخ ورام في تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج 1، ص 77. ونقله عن المجلسي في
البحار: ج 73، ص 123، ح 111، وفي: ج 77، ص 207، ح 1. كشف المحجة لثمرة المهجة
للسيد ابن طاووس: الفصل 154، ص 166، باختلاف يسير.
(2) الحكيم السنائي: أبو المجد، مجدود بن آدم، الحكيم الغزنوي العالم العارف الشاعر
الكامل الذي يستشهد بأشعاره المتقنة، وكان على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وكان في بداية
أمره من رجال بلاط الحكام الغزنويين، وكان من مداحي السلطان إبراهيم الغزنوي، ثم تاب
وأناب وصار من أهل السير والسلوك، وكان الملا الروحي مع فضله ومقامه - فإنه كان قطب
وقته وسر سلسلة الشعراء العرفانيين - يعد نفسه من اتباع الحكيم السنائي.
ومن شعره وآثاره: الهي نامه - حديقة الحقيقة - بهروز وبهرام - حديقة الحقيقة وشريعة
الطريقة - ديوان قصائد وغزل - رموز الأنبياء وكنوز الأولياء - زاد السالكين - طريق
التحقيق - سير العباد إلى المعاد... وغير ذلك.
راجع في ترجمته: روضات الجنات: ج 7، ص 236 - 242. ريحانة الأدب: ج 3،
ص 79 - 87. الكنى والألقاب: ج 2، ص 291 - 292، وغير ذلك.
279

أي سنائي نداى مرگ رسيد * گوشه أي گير از أين جهان هموار
هان وهان تا تورا چه خود نكند * مشتى إبليس ديدهء طرار
يعني:
1 - هذه الدنيا مثل الجيفة، والغربان تحوم حولها آلافا وآلافا.
2 - فهذا ينشب مخالبه في الآخر، وذاك ينقر بمنقاره فيه.
3 - وفي النهاية يذهبون، ويتركون الجيفة على حالها.
4 - يا سنائي: قد وصل نداء الموت، فتنحى جانبا في زاوية من هذه الدنيا.
5 - فالحذر كل الحذر من شرذمة أبالسة أن يجعلوك مثلهم.
* يقول الفقير:
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير
في يد مجذوم (1).
وهذا منتهى التحقير للدنيا، فان العظم أحقر من كل حقير بلا قيمة
وبالخصوص إذا كان عظم خنزير وبالخصوص إذا كان في يد مجذوم فإنه في تلك
الحالة سوف يكون أقذر من كل شئ.
* المثال الرابع:
وهو للذين قضوا عمرهم بنعمة الحق تعالى، فإذا ابتلوا أو امتحنوا
كفروا بالنعمة، فاعرضوا عن المنعم الحقيقي وأسرعوا إلى غير الله، وارتكبوا

(1) نهج البلاغة: ج 4، ص 52، شرح محمد عبدة تحت رقم 230، باب المختار من حكمه (عليه السلام)،
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 19، ص 67، تحت رقم (233). وقال:
(العراق: جمع عرق وهو العظم عليه شئ من اللحم، وهذا من الجموع النادرة نحو رخل
ورخال، وتوأم وتؤام. ولا يكون شئ أحقر ولا أبغض إلى الانسان من عراق خنزير في يد
مجذوم، فإنه لم يرض بأن يجعله في يد مجذوم - وهو غاية ما يكون من التنفير - حتى جعله
عراق خنزير.
ولعمري لقد صدق - وما زال صادقا - ومن تأمل سيرته في حالتي خلوه من العمل
وولايته الخلافة عرف صحة هذا القول). انتهى كلام ابن أبي الحديد.
280

مالا يليق بهم.
* وقد ذكر الشيخ البهائي هذا المثال في الكشكول.
وجاء به منظوما (1).
روي أنه كان في جبل لبنان رجل من العباد منزويا عن الناس في غار في
ذلك الجبل، وكان يصوم النهار ويأتيه كل ليلة رغيف يفطر على نصفه ويتسحر
بالنصف الآخر، وكان على ذلك الحال مدة طويلة لا ينزل من ذلك الجبل أصلا،
فاتفق أن انقطع عنه الرغيف ليلة من الليالي، فاشتد جوعه وقل هجوعه فصلى
العشاءين وبات في تلك الليلة في انتظار شئ يدفع به الجوع فلم يتيسر له شئ،
وكان في أسفل ذلك الجبل قرية سكانها نصارى فعندما أصبح العابد نزل إليهم
واستطعم شيخا منهم فأعطاه رغيفين من خبز الشعير، فأخذهما وتوجه إلى الجبل
وكان في دار ذلك الشيخ كلب جرب مهزول، فلحق العابد ونبح عليه وتعلق بأذياله
فألقى عليه العابد رغيفا من ذينك الرغيفين ليشتغل به عنه، فأكل الكلب ذلك
الرغيف ولحق العابد مرة أخرى وأخذ في النباح والهرير فألقى إليه العابد الرغيف
الآخر فأكله ولحقه تارة ثالثة واشتد هريرة وتشبذ بذيل العابد ومزقه فقال العابد
سبحان الله! اني لم أر كلبا أقل حياء منك أن صاحبك لم يعطني إلا رغيفين وقد
أخذتهما مني ماذا تطلب بهريرك وتمزق ثيابي، فأنطق الله تعالى الكلب فقال:
لست أنا قليل الحياء، اعلم اني ربيت في دار ذلك النصراني احرس غنمه واحفظ
داره وأقنع بما يدفعه إلي من خبز أو عظام، وربما نسيني فأبقى أياما لا أكل شيئا
بل ربما تمضي أيام لا يجد هو لنفسه شيئا ولا لي ومع ذلك لم أفارق داره منذ
عرفت نفسي ولا توجهت إلى باب غيره، بل كان دأبي انه إن حصل شئ شكرت

(1) قال المؤلف (رضي الله عنه) (وانا اكتفي هنا بنظمه ونقله من الكشكول).
ولكننا اكتفينا بنقل المثال بما ذكره الشيخ البهائي نثرا وذلك لأن ترجمة القصيدة سوف
تفقد غرضها الموسيقي والأدبي فلذلك فالأفضل الاقتصار على معنى القصيدة باللفظ العربي
الذي كتبه صاحب القصيدة، وقد ذكره في: الكشكول - الشيخ البهائي: ج 1، ص 34 - 35،
وأما القصيدة فقد ذكرها في الكشكول: ج 1، ص 220 - 221.
281

وإلا صبرت، وأما أنت فبانقطاع الرغيف عنك ليلة واحدة لم يكن عندك صبر،
ولا كان لك تحمل حتى توجهت من باب رزاق العباد إلى باب نصراني، وطويت
كشحك عن الحبيب، وصالحت عدوه المريب فقل أينا أقل حياء أنا أم أنت؟
فلما سمع العابد ذلك ضرب بيديه على رأسه وخر مغشيا عليه.
* يقول المؤلف: كم هو جميل في هذا المقام نقل ما قاله الشيخ سعدي
حيث قال:
أجل الكائنات من حيث الظاهر الانسان، وأذل الموجودات الكلب، وباتفاق
العقلاء ان الكلب الوفي خير من الانسان غير الشاكر للنعمة.
سگى را لقمه أي هر گز فراموش * نگردد گرزنى صد نوتبش سنگ
وگر عمري نوازى سفله أي را * به كمتر چيزى آيد باتو در جنگ
يعني: لو أعطيت لكلب لقمة فإنه سوف لا ينساها أبدا، حتى لو رميته بالحجر
مائة مرة.
ولو تلطفت عمرا على سافل فإنه سوف يحاربك لأجل أقل الأشياء.
* ومن المناسب جدا أن نذكر هذا الخبر الشريف هنا لينير القلب ويقر العين:
روي أن أبا عبد الله (عليه السلام) كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد،
فبينما هو جالس ومعه البغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان، فقال له رجل من الرفقة:
هل لك يا غلام أن تسأله ان يجعلني مكانك، وأكون له مملوكا، واجعل لك مالي
كله، فاني كثير المال من جميع الصنوف، اذهب فاقبضه، وأنا أقيم معه مكانك؟
فقال: أسأله ذلك.
فدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: جعلت فداك تعرف خدمتي، وطول
صحبتي، فان ساق الله إلي خيرا تمنعنيه؟
قال: أعطيك من عندي، وأمنعك من غيري.
فحكى له قول الرجل، فقال: إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا، قبلناه،
وأرسلناك.
282

فلما ولى عنه دعاه، فقال له: أنصحك لطول الصحبة ولك الخيار، فإذا كان يوم
القيامة كان رسول الله متعلقا بنور الله، وكان أمير المؤمنين متعلقا برسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وكان الأئمة متعلقين بأمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون
مدخلنا، ويردون موردنا.
فقال الغلام: بل أقيم في خدمتك، وأوثر الآخرة على الدنيا.
وخرج الغلام إلى الرجل، فقال له الرجل: خرجت إلي بغير الوجه الذي
دخلت به؟!
فحكى له قوله، وأدخله على أبي عبد الله (عليه السلام). فقبل ولاءه، وأمر للغلام
بألف دينار (1).
* يقول هذا الفقير لصاحب الذات القدسية: يا سيدي اني مذ عرفت نفسي
وجدتها على عتبة بابك، ونبت لحمي وجلدي من نعمتك. املا وأنا في أواخر
عمري أن تتلطف علي بالحفظ، ولا تبعدني عن هذه الباب ولي طلب أقدمه بلسان
الذل والفاقة:
عن حماكم كيف انصرف * وهواكم لي به شرف
سيدي لا عشت يوم أرى * في سوى أبوابكم اقف
* المثال الخامس:
(لبيان دناءة وخسة الجهل والحث على العلم والمعرفة).
ذكر أبو القاسم الراغب الأصفهاني في كتاب (الذريعة):
(دخل حكيم على رجل فرأى دارا منجدة، وفرشا مبسوطة، ورأى صاحبها
خلوا من الفضيلة، فبزق في وجهه.
فقال له: ما هذا السفه أيها الحكيم؟

(1) الخرائج والجرائح للقطب الراوندي: ج 1، ص 390 - 391، الباب 10، (في معجزات
الإمام الجواد (عليه السلام))، ح 17. ونقله في البحار: ج 50، ص 87، ح 3.
283

قال: بل هذه حكمة. ان البصاق ليرمى في أخس مكان في الدار، ولم أر في
دارك أخس منك) (1).
* يقول المؤلف: فنبه هذا الرجل الحكيم بذلك على قباحة ودناءة الجهل، وان
القبح والدناءة لا تزول بمجرد اقتناء المنزل الجيد ولبس الألبسة الفاخرة.
ولكن لا يخفى ان الفضيلة للعلم تكون باقتران العلم فان هذه الفضيلة توأم مع
تلك الخصلة الشريفة.
ولقد أجاد من قال:
نيست از بهر آسمان أزل * نردبان پايه به زعلم وعمل
علم سوى دراله برد * نه سوى ملك ومال وجاه برد
هر كه را علم نيست گمراه است * دست أو زانسرى كوتاه است
كاربى علم تخم در شور است * علم بي كارزنده در گور است
حجت ايزدى است در گردن * خواندان علم وكار ناكردن
آنچه دانسته أي به كار درآر * خواندن علم جوى ازپى كار
تا تو در علم باعمل نرسى * عالمي فاضلي ولى نه كسى
علم در مزبله فرونايد * كه قدم باحدث نمى پايد
چند از أين ترهات ومحتالى * چشمها درد ولاف كحالي
دانش آن خوبتر زبهر بسيج * كه بدانى كه مى ندانى هيچ
يعني:
1 - ليس هناك سلم يرتقى به إلى سماء الأزل خير من العلم والعمل.
2 - العلم يوصل بك إلى الله، ولا يوصلك إلى الملك والمال والجاه.
3 - كل من ليس له علم فهو ضال ويده قاصرة عن الوصول إلى دار الآخرة.
4 - والعمل بلا علم مثل البذر في أرض سبخة، والعلم بلا عمل كالحي
في القبر.

(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني: ص 4 طبعة مصر.
284

5 - حجة الله قامت على من تعلم العلم ولم يعمل به.
6 - كل ما تعلمته من العلم فاعمل به واطلب العلم بقصد العمل به.
7 - ما لم تواصل العلم بالعمل، فإنك سوف تكون عالما فاضلا، ولكنك لست
بشخصية.
8 - لا ينزل العلم في المزبلة، فان القدم والحدوث لا يجتمعان.
9 - كم من هذه السخائف والحيل، والادعاء بطبابة العيون مع كونك أرمدا.
10 - أحسن العلوم علم يهيئك بأن تعلم بأنك لا تعلم شيئا.
* قال عيسى بن مريم (عليهم السلام): أشقى الناس من هو معروف عند الناس بعلمه
مجهول بعمله (1).
وقال الحكيم السنائي:
اي هواهاي توخدا انگيز * وى خدايان توخدا آزار
ره رها كرده أي از آنى گم * عز ندانسته أي از آنى خوار
علم كز تو تورانه بستاند * جهل از آن علم به بود صد بار
غول باشدنه عالم آنكه از أو * بشنوى گفت ونشنوى كردار
عالمت غافل است وتو غافل * خفته را خفته كي كند بيدار
كي در آيد فرشته تانكنى * سگ ز در دور وصورت از ديوار
ده بود آن نه دل كه اندروى * گاو وخر باشد وضياع وعقار
سائق وقائد وصراط إله * به ز قرآن مدان وبه ز اخبار
يعني:
1 - يا من اتخذ آلهته هواه والله برئ منك ومن آلهتك!.
2 - تركت الطريق فضللت عنه، ولم تعرف العز فصرت ذليلا.
3 - العلم الذي لا يأخذ الأنانية منك فالجهل أفضل من ذلك العلم مائة مرة.

(1) مصباح الشريعة: ص 20 - 21، الباب 8 (في آفة العلماء)، ح 2. ونقله في البحار: ج 2،
ص 52، ح 19.
285

4 - وان ذلك الذي تسمع منه القول، ولا تسمع عنه العمل انما هو غول
وليس عالما.
5 - عالمك غافل، وأنت غافل، فمتى كان النائم يوقظ النائم؟
6 - فمتى تدخل عليك الملائكة إذا لم تبعد الكلب عن الباب، ولم تمح
الصورة عن الحائط؟ (1).
7 - ان ذلك الذي في داخله بقر وحمار وضياع وعقار انما هو قرية
وليس قلبا.
8 - ليس هناك سائق وقائد وصراط إلى الله أفضل من القرآن والسنة.
تم ما كان مقدرا إثباته في هذه الرسالة الشريفة في النصف من شهر رمضان
المبارك يوم ذكرى المولد السعيد للسبط الجليل لخير الورى الإمام الحسن
المجتبى (عليه السلام) سنة 1347.
وبما ان هذه الرسالة تمت في الشهر الشريف فمن المناسب ختمها بهذين
الدعاءين الشريفين:
* الأول:
روى الشيخ المفيد في كتاب (المقنعة) عن الثقة الجليل القدر علي بن مهزيار

(1) أقول: ورد في مجموعة من الروايات الشريفة ان الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة،
من ذلك ما رواه الكليني في الكافي الشريف: ج 3، ص 393، ح 27، بإسناده عن الإمام الصادق
(عليه السلام) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان جبرئيل (عليه السلام) أتاني فقال: إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب
ولا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه ".
وروى الكليني في الكافي: ج 3، ص 393، ح 26، عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال:
" قال جبرئيل (عليه السلام): يا رسول الله! انا لا ندخل بيتا فيه صورة انسان ولا بيتا يبال فيه،
ولا بيتا فيه كلب ".
وفي الكافي: ج 6، ص 527، ح 3، بالإسناد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
" ان جبرئيل (عليه السلام) قال: انا لا ندخل بيتا فيه صورة، ولا كلب ".
يعني: صورة الانسان، ولا بيتا فيه تمثال.
286

عن الامام أبي جعفر الجواد (عليهم السلام) انه قال:
يستحب أن تكثر من أن تقول في كل وقت من الليل أو النهار من أول الشهر
إلى آخره:
" يا ذا الذي كان قبل كل شئ، ثم خلق كل شئ، ثم يبقى ويفنى كل شئ،
يا ذا الذي ليس كمثله شئ، ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في
الأرضين السفلى، ولا فوقهن ولا تحتهن ولا بينهن إله يعبد غيره، لك الحمد
حمدا لا يقوى على إحصائه إلا أنت، فصل على محمد وآل محمد صلاة لا يقوى
على إحصائها إلا أنت " (1).
* الثاني:
روى الشيخ الكليني وغيره عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) هذا الدعاء الذي
علمه زرارة وأمره أن يدعو به زمان الغيبة وامتحان الشيعة:
" اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني
رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن
لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني " (2).
* واعلم أن العلماء قد ذكروا في كتبهم ان من تكاليف العباد في زمن الغيبة
الدعاء لصاحب الزمان (عليه السلام) والتصدق عن وجوده المقدس.
* ومن جملة تلك الأدعية الواردة تقول دائما بعد تمجيد الله تعالى والصلاة
على النبي الأكرم وآله (عليهم السلام):
" اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه
الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك
طوعا وتمتعه بها طويلا " (3).

(1) المقنعة للشيخ المفيد: ص 51، الطبعة الحجرية طبعة قم.
(2) الكافي: ج 1، ص 337، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح 5.
(3) أقول في الكافي: ج 4، ص 162، ح 4، في حديثه عن محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين (عليهم السلام) (... ومتى حضرك من دهرك تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة
على النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا،
وناصرا ودليلا وقائدا وعونا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا).
ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب: ج 3، ص 102 باب 13، ح 265، باختلاف يسير
بالدعاء: (اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا
وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمكنه فيها طويلا).
ونقله الشيخ الكفعمي في المصباح: ص 586، الطبعة الحجرية مع ذكر اسم الإمام الحجة
عجل الله تعالى فرجه الشريف بدل فلان بن فلان (م ح م د بن الحسن المهدي).
ونقل في مستدرك الوسائل للشيخ النوري: ج 7، ص 483، كتاب الصيام، أبواب أحكام
شهر رمضان، باب 25، ح 5، عن الكافي والكفعمي ونقل العلامة المجلسي في البحار: ج 97،
ص 349 - ح 3، عن كتاب ابن أبي قرة بإسناده عن الصالحين (عليهم السلام)، قال: (وكرر في ليلة
ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائما وقاعدا وعلى كل حال، والشهر كله، وكيف أمكنك،
ومتى حضرك في دهرك تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله (عليهم السلام) " اللهم كن
لوليك القائم بأمرك محمد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام في
هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا، وقائدا وناصرا، ودليلا ومؤيدا حتى تسكنه أرضك
طوعا وتمتعه فيها طولا وعرضا... الخ).
وقد وقع الفراغ من ترجمة هذه الرسالة الشريفة وتحقيقها والتعليق عليها في 27 شهر
ذي القعدة من سنة 1410 للهجرة النبوية على يد العبد المحتاج إلى رحمته تعالى ياسين
الموسوي عفا الله تعالى عنه وعن والديه والصلاة على محمد وآله الطاهرين أولا وآخرا.
287

كتبه العبد عباس القمي
في سنة سبع وأربعين بعد ألف وثلاثمائة
في جوار الروضة الرضوية لا زالت مهبطا للفيوضات الربانية
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله.
288

ذكر عدة أخبار في وصف الجنة ونعيمها
(رزقنا الله تعالى وإياك منها)
أضفنا هذا الفصل إلى الكتاب للسبب
المتقدم الذي ذكرناه في التقديم
السيد ياسين الموسوي
289

أبواب الجنة:
* روى الصدوق بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده عن
علي (عليه السلام) قال:
ان للجنة ثمانية أبواب:
باب يدخل منه النبيون والصديقون.
وباب يدخل منه الشهداء والصالحون.
وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا، فلا أزال واقفا على الصراط
ادعو، وأقول: رب سلم شيعتي ومحبي، ومن تولاني في دار الدنيا، فإذا النداء من
بطنان العرش: قد أجيبت دعوتك وشفعت في شيعتك.
ويشفع كل رجل من شيعتي ومن تولاني، ونصرني، وحارب من حاربني
بفعل أو قول، في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه.
وباب يدخل سائر المسلمين ممن يشهد ان لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه
مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت (1).

(1) الخصال: ص 408، باب الثمانية، ح 6. ونقله في البحار: ج 8، ص 39، ح 19. وفي: ج 8،
ص 121، ح 12. وفي: ج 72، ص 158، ح 5.
291

* وروى عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال:
أحسنوا الظن بالله، واعلموا أن للجنة ثمانية أبواب، عرض كل باب منها
مسيرة أربعين سنة (1).
مكتوب على باب الجنة:
* روى الصدوق بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله):
مكتوب على باب الجنة: لا اله إلا الله، محمد رسول الله، علي أخو رسول الله،
قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام " (2).
* وروي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لما أسري بي إلى السماء قال لي جبرئيل (عليه السلام): قد أمرت الجنة والنار أن
تعرض عليك.
قال (صلى الله عليه وآله) فرأيت الجنة وما فيها من النعيم، ورأيت النار وما فيها من العذاب.
والجنة فيها ثمانية أبواب، على كل باب منها أربع كلمات، كل كلمة خير من
الدنيا وما فيها لمن يعلم ويعمل بها...
فقال لي جبرئيل (عليه السلام): اقرأ يا محمد ما على الأبواب.
فقرأت ذلك. أما أبواب الجنة، فعلى أول باب منها مكتوب: لا إله إلا الله،
محمد رسول الله، علي ولي الله، لكل شئ حيلة، وحيلة العيش أربع خصال
القناعة، وبذل الحق، وترك الحقد، ومجالسة أهل الخير. وعلى الباب الثاني
مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، لكل شئ حيلة وحيلة

(1) الخصال: ص 408، باب الثمانية، ح 7. ونقله في البحار: ج 8، ص 131، ح 32.
(2) الأمالي للصدوق: ص 70، المجلس 18، ح 1. الخصال: ص 638، باب (ما بعد الألف)،
ح 11. ونقله في البحار: ج 8، ص 131، ح 34. وفي: ج 27، ص 2، ح 2.
292

السرور في الآخرة أربع خصال: مسح رؤوس اليتامى، والتعطف على الأرامل،
والسعي في حوائج المؤمنين، والتفقد للفقراء والمساكين.
وعلى الباب الثالث مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله،
لكل شئ حيلة وحيلة الصحة في الدنيا أربع خصال: قلة الكلام، وقلة المنام، وقلة
المشي، وقلة الطعام.
وعلى الباب الرابع مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليكرم جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم والديه، من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت.
وعلى الباب الخامس مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله،
من أراد أن لا يظلم فلا يظلم، ومن أراد أن لا يشتم فلا يشتم، ومن أراد أن لا يذل
فلا يذل، ومن أراد أن يستمسك بالعروة الوثقى في الدنيا والآخرة فليقل: لا إله إلا
الله، محمد رسول الله، علي ولي الله.
وعلى الباب السادس مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله،
من أراد أن يكون قبره وسيعا فسيحا فليبن المساجد، ومن أراد أن لا تأكله
الديدان تحت الأرض فليسكن المساجد، ومن أحب أن يكون طريا مطرا لا يبلى
فليكنس المساجد، ومن أحب أن يرى موضعه في الجنة فليكس المساجد
بالبسط.
وعلى الباب السابع مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله،
بياض القلب من أربع خصال: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وشراء الأكفان،
ورد القرض.
وعلى الباب الثامن مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، من
293

أراد الدخول من هذه الأبواب فليتمسك بأربع خصال: السخاء، وحسن الخلق،
والصدقة، والكف عن أذى عباد الله تعالى (1).
ملاط (2) الجنة:
* روى علي بن إبراهيم في تفسيره بالإسناد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)
انه قال:
عليك بالقرآن، فإن الله خلق الجنة بيده لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وجعل
ملاطها المسك، وترابها الزعفران، وحصباءها (3) اللؤلؤ، وجعل درجاتها على قدر
آيات القرآن، فمن قرأ القرآن قال له: اقرأ وارق، ومن دخل منهم الجنة لم يكن في
الجنة أعلى درجة منه ما خلا النبيون والصديقون (4).
حلقة باب الجنة:
* روي عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
ان حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فإذا دقت الحلقة
على الصفحة طنت وقالت: يا علي (5).
غرف الجنة:
* روى الشيخ علي بن إبراهيم في تفسيره والشيخ الكليني في الكافي

(1) البحار: ج 8، ص 144، ح 67.
(2) الملاط: الطين الذي يجعل بين سافي البناء يملط به الحائط.
(3) في المصدر المطبوع (وحصاها) بدل.
(4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2، ص 259 - 260. ونقله في البحار: ج 8، ص 133، ح 39. وفي
مستدرك الوسائل: ج 4، ص 256، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، باب 10، ح 1.
(5) الأمالي للصدوق: ص 471، المجلس 86، ح 13. المناقب لابن شهرآشوب: ج 2،
ص 161 باب (في أنه جواز الصراط وقسيم الجنة والنار). ونقله في البحار: ج 8، ص 122،
ح 13. وفي: ج 39، ص 206، ح 23. وفي ج 39، ص 235، ح 18.
294

بسند معتبر عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: * (غرف من فوقها غرف
مبنية) * (1).
فقال علي (عليه السلام):
بماذا بنيت يا رسول الله؟
فقال: يا علي تلك غرف بناها الله عز وجل لأوليائه بالدر والياقوت
والزبرجد، سقوفها الذهب محبوكة بالفضة، لكل غرفة منها ألف باب من الذهب،
على كل باب منها ملك موكل به (2).
أرض الجنة:
* وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام):
ان أرض الجنة رخامها فضة، وترابها الورس (3) والزعفران، وكنسها (4) المسك،
ورضراضها (5) الدر والياقوت (6).
أسرة الجنة:
* وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال في وصف أسرة الجنة:
ان أسرتها من در وياقوت، وذلك قول الله * (على سرر موضونة) * يعنى:

(1) سورة الزمر: الآية 20. قال تعالى: * (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية
تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد) *.
(2) الكافي: ج 8، ص 95، ح 69. تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 246، في تفسير
الآية الشريفة، 20 من سورة الزمر.
ونقله في البحار: ج 8، ص 158، ح 98. وفي: ج 8، ص 128، ح 29.
(3) الورس: نبات كالسمسم أصفر يصبغ به وتتخذ منه الغمرة أي الزعفران.
(4) الكناس: موضع في الشجر يستتر فيه الظباء.
والكناسة بالضم: القمامة.
(5) الرضراض: ما صغر، ودق من الحصى.
(6) الاختصاص: للشيخ المفيد: ص 357، الطبعة المحققة. ونقله في البحار، ج 8، ص 218، ح 209.
295

أوساط السرر من قضبان الدر والياقوت، مضروبة عليها الحجال (1) والحجال من
در وياقوت، أخف من الريش، وألين من الحديد. وعلى السرر من الفرش على
قدر ستين غرفة من غرف الدنيا، بعضها فوق بعض، وذلك قول الله * (وفرش
مرفوعة) * * (على الأرائك ينظرون) * يعني بالأرائك: السرر الموضونة عليها
الحجال " (2).
فرش الجنة:
* وروى الكليني بإسناد معتبر عن الإمام الباقر (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال لعلي (عليه السلام) في وصف فرش الجنة:
فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة،
وحشوها المسك والكافور، والعنبر، وذلك قول الله عز وجل * (وفرش
مرفوعة) * (3).
لباس الجنة:
* وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام) في وصف
لباس الجنة:
إذا ادخل المؤمن إلى منازله في الجنة، ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة
ألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر المنظوم في الإكليل تحت التاج، قال:
وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة، وضروب مختلفة، منسوجة بالذهب
والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر، فذلك قوله عز وجل: * (يحلون فيها من أساور

(1) الحجال: جمع الحجلة، وهو ستر يضرب للعروس في جوف البيت، والبيت الذي يزين
للعروس.
(2) الإختصاص للمفيد: ص 357. وعنه في البحار: ج 8، ص 218، ح 210.
(3) الكافي: ج 8، ص 95، ح 69. تفسير علي بن إبراهيم: ج 2، ص 246، 247. ونقله في
البحار: ج 8، ص 128، ح 29. وفي: ج 8، ص 158، ح 98.
296

من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) * " (1).
نخل الجنة:
* روى الشيخ المفيد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نخل الجنة جذوعها ذهب أحمر، وكربها زبرجد
أخضر، وشماريخها در أبيض، وسعفها حلل خضر، ورطبها أشد بياضا من الفضة،
وأحلى من العسل، وألين من الزبد، ليس فيه عجم وطول العذق اثنا عشر ذراعا،
منضودة من أعلاه إلى أسفله، لا يؤخذ منه شئ إلا أعاده الله كما كان، وذلك
قول الله: * (لا مقطوعة ولا ممنوعة) * وان رطبها لأمثال القلال، وموزها ورمانها
أمثال الدلي، وأمشاطهم الذهب ومجامرهم الدر (2).
فاكهة الجنة:
قال تعالى: * (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) * (3).
وقال تعالى: * (متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب) * (4).
وقال تعالى: * (لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) * (5).
وقال تعالى: * (فيهما من كل فاكهة زوجان) * (6).
وقال تعالى: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) * (7).
وقال تعالى: * (وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة) * (8).
وقال تعالى: * (ان المتقين في ظلال وعيون * وفواكه مما يشتهون) * (9).

(1) الكافي: ج 8، ص 95، ح 69. تفسير القمي: ج 2، ص 247. ونقله في البحار: ج 8،
ص 128، ح 29. وفي ج 8، ص 158، ح 98.
(2) الإختصاص للمفيد: ص 357. وعنه في البحار، ج 8، ص 219، ح 212.
(3) سورة يس: الآية 57.
(4) سورة ص: الآية 51.
(5) سورة الزخرف: الآية 73.
(6) سورة الرحمن: الآية 52.
(7) سورة الرحمن: الآية 68.
(8) سورة الواقعة: الآية 32 و 33.
(9) سورة المرسلات: الآية 41 و 42.
297

* روى الصدوق بإسناده عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله قال:
قيل: يا رسول الله انك تلثم فاطمة، وتلزمها، وتدنيها منك، وتفعل بها ما لا
تفعله بأحد من بناتك؟
فقال: ان جبرئيل (عليه السلام) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحولت ماء في
صلبي ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة (1).
* وروى عنه أنس بن مالك:
لما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى غزوة الطائف فبينما نحن بغمامة، فأدخل يده تحتها
فأخرج رمانا، فجعل يأكل ويطعم عليا، ثم قال لقوم رمقوه بأبصارهم:
هكذا يفعل كل نبي بوصيه، وفي رواية الباقر (عليه السلام):
ان النبي (صلى الله عليه وآله) مصها ثم دفعها إلى علي فمصها حتى لم يترك منها شيئا
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إنه لا يذوقها الا نبي أو وصي نبي (2).
* وعن محمد بن أبي عمير ومحمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
نزل جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله) برمانتين من الجنة فأعطاهما إياه، فأكل واحدة
وكسر الأخرى وأعطى عليا نصفها فأكله، ثم قال: الرمانة التي أكلتها فهي النبوة
ليس لك فيها شئ، وأما الأخرى فهي العلم فأنت شريكي فيها (3).
* وعن عيسى بن الصلت عن الصادق (عليه السلام) في خبر:
فأتوا جبل ذباب (4) فجلسوا عليه فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأسه فإذا برمانة
مدلاة، فتناولها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ففلقها فأكل وأطعم عليا منها، ثم قال: يا أبا بكر

(1) علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 183. باب 147، ح 1. وعنه في البحار: ج 43، ص 5، ح 4.
(2) المناقب لابن شهرآشوب: ج 2، ص 230، باب (في تحف الله عز وجل له (عليه السلام)). وعنه
في البحار: ج 39، ص 118، ح 1.
(3) المناقب لابن شهرآشوب: ج 2، ص 230، باب (في تحف الله عز وجل له (عليه السلام)). وعنه
في البحار: ج 39، ص 118، ح 1.
(4) بكسر أوله جبل في المدينة.
298

هذه رمانة من رمان الجنة، لا يأكلها في الدنيا إلا نبي أو وصي نبي (1).
* وروى السيد ابن طاووس في مهج الدعوات رواية ظريفة بالإسناد إلى
عبد الله بن سلمان الفارسي عن أبيه قال:
خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعشرة أيام فلقيني علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) ابن عم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) فقال لي: يا سلمان جفوتنا بعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: حبيبي أبا الحسن مثلكم لا يجفى غير أن حزني على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) طال فهو الذي منعني من زيارتكم، فقال (عليه السلام): يا سلمان ائت منزل
فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنها إليك مشتاقة تريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت
بها من الجنة، قلت لعلي (عليه السلام): قد أتحفت فاطمة (عليها السلام) بشئ من الجنة بعد وفاة
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم بالأمس.
قال سلمان الفارسي: فهرولت إلى منزل فاطمة (عليها السلام) بنت محمد (صلى الله عليه وآله)، فإذا هي
جالسة وعليها قطعة عباء إذا خمرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطت ساقها انكشف
رأسها، فلما نظرت إلي اعتجرت ثم قالت: يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي (صلى الله عليه وآله)
قلت: حبيبتي أأجفاكم؟ قالت: فمه، اجلس واعقل ما أقول لك.
إني كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس وباب الدار مغلق وأنا أتفكر
في انقطاع الوحي عنا وانصراف الملائكة عن منزلنا، فإذا انفتح الباب من غير أن
يفتحه أحد، فدخل علي ثلاث جوار لم ير الراؤون بحسنهن ولا كهيئتهن ولا
نضارة وجوههن ولا أزكى من ريحهن، فلما رأيتهن قمت إليهن متنكرة لهن فقلت:
بأبي أنتن من أهل مكة أم من أهل المدينة؟ فقلن: يا بنت محمد لسنا من أهل
مكة ولا من أهل المدينة ولا من أهل الأرض جميعا أننا جوار من الحور العين من
دار السلام أرسلنا رب العزة إليك يا بنت محمد إنا إليك مشتاقات.

(1) المناقب لابن شهرآشوب: ج 2، ص 230، باب (في تحف الله عز وجل له (عليه السلام)). وعنه
في البحار: ج 39، ص 118، ح 1.
299

فقلت للتي أظن أنها أكبر سنا: ما اسمك؟ قالت:
اسمي مقدودة، قلت: ولم سميت مقدودة؟ قالت: خلقت للمقداد بن الأسود
الكندي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقلت للثانية: ما اسمك؟ قالت ذرة، قلت: ولم سميت ذرة وأنت في عيني
نبيلة؟ قالت: خلقت لأبي ذر الغفاري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقلت للثالثة: ما اسمك؟ قالت: سلمى، قلت: ولم سميت سلمى؟ قالت: أنا
لسلمان الفارسي مولى أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قالت فاطمة: ثم أخرجن لي رطبا أزرق كأمثال الخشكنانج (1) الكبار أبيض
من الثلج وأزكى ريحا من المسك الأذفر فأحضرته فقالت لي: يا سلمان أفطر عليه
عشيتك فإذا كان غدا فجئني بنواه أو قالت: عجمه.
قال سلمان: فأخذت الرطب فما مررت بجمع من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إلا قالوا: يا سلمان أمعك مسك؟ قلت: نعم، فلما كان وقت الافطار أفطرت عليه
فلم أجد له عجما ولا نوى، فمضيت إلى بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في اليوم الثاني فقلت
لها: إني أفطرت على ما أتحفتيني به فما وجدت له عجما ولا نوى، قالت:
يا سلمان ولن يكون له عجم ولا نوى وإنما هو نخل غرسه الله في دار السلام
بكلام علمنيه أبي محمد (صلى الله عليه وآله) كنت أقوله غدوة وعشية.
قال سلمان: قلت: علميني الكلام يا سيدتي، فقالت إن سرك أن لا يمسك
أذى الحمى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه. ثم قال سلمان: علميني هذا
الحرز فقالت:
بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على
نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله

(1) خشكنانج معرب خشكنانه وهو الخبز السكري الذي يختبز مع الفستق واللوز.
300

الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق
منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور وبالفخر
مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور، وصلى الله على سيدنا محمد وآله
الطاهرين.
قال سلمان: فتعلمتهن فوالله لقد علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل المدينة
ومكة ممن بهم الحمى فكل برئ من مرضه بإذن الله تعالى (1).
شجرة طوبى:
* روى الكليني والصدوق (رحمهما الله) بإسنادهما عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن
آبائه (عليهم السلام) قال:
قال أمير المؤمنين: طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي (صلى الله عليه وآله) وليس من
مؤمن إلا وفي داره غصن منها، لا تخطر على قلبه شهوة شئ إلا أتاه به ذلك
الغصن، ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منها، ولو طار من أسفلها
غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما، ألا ففي هذا فارغبوا (2).
* وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال:
لما دخلت الجنة رأيت فيها شجرة طوبى، أصلها في دار علي، وما في الجنة
قصر ولا منزل إلا وفيها فتر (3) منها وأعلاها أسفاط (4) حلل من سندس واستبرق

(1) مهج الدعوات للسيد ابن طاووس: ص 6 - 8. الطبعة الحجرية. ونقله عنه في البحار:
ج 43، ص 66، ح 59. وفي: ج 95، ص 37، ح 22.
(2) الأمالي للصدوق: ص 183، المجلس 39، ح 7. وفي الخصال للصدوق: ص 483، أبواب
الاثني عشر، ح 56. الكافي للكليني: ج 2، ص 239، ح 30. ونقلها في البحار: ج 8،
ص 87، باب 23. وفي: ج 8، ص 117، ح 2. وفي: ج 8، ص 131، ح 33، وفي: ج 67،
ص 289، ح 11. وفي: ج 69، ص 364، ح 1، وفي: ج 7، ص 272، ح 2.
(3) الفتر: ما بين طرف الابهام وطرف السبابة إذا فتحها، وهي وحدة قياسية للأطوال قديمة
أقل من الشبر وفي المصدر المطبوع: فرع.
(4) أسفاط: جمع سفط، وعاء يعبأ فيه الطيب ومن أشبهه من أدوات النساء.
301

يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط في كل سفط مائة ألف حلة ما فيها حلة تشبه
الأخرى على الألوان مختلفة وهو ثياب أهل الجنة، وسطها ظل ممدود، عرض
الجنة كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله، يسير الراكب في
ذلك الظل مسيرة مائة عام فلا يقطعه، وذلك قوله: * (وظل ممدود) * وأسفلها ثمار
أهل الجنة وطعامهم متذلل في بيوتهم، يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة
مما رأيتم في دار الدنيا، ومما لم تروه، وما سمعتم به، وما لم تسمعوا مثلها، وكلما
يجتنى منها شئ نبتت منها أخرى * (لا مقطوعة ولا ممنوعة) * ويجري نهر في
أصل تلك الشجرة تنفجر منها الأنهار الأربعة * (أنهار من ماء غير آسن وأنهار من
لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى) * (1).
أنهار الجنة:
نهر جعفر:
* روى الكليني بإسناده عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) انه قال:
قال لي أبي: أن في الجنة نهرا يقال له جعفر، على شاطئه الأيمن درة بيضاء
فيها ألف قصر، في كل قصر ألف قصر لمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) (2).
نهر خير:
* وروى الكليني في الكافي بإسناده عن الحسين بن أعين قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الرجل للرجل: جزاك الله خيرا، ما يعني به؟
قال أبو عبد الله (عليه السلام) أن (خيرا) نهر في الجنة مخرجه من الكوثر، والكوثر
مخرجه من ساق العرش عليه منازل الأوصياء وشيعتهم... الحديث (3).

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2، ص 337. ونقله عنه في البحار: ج 8، ص 137، ح 49،
والآية هي (15) من سورة محمد (صلى الله عليه وآله).
ولكن في المصدر المطبوع (نهر) بدل أنهار في جميعها.
(2) الكافي: ج 8، ص 152، ح 138. ونقلها في البحار: ج 8، ص 161، ح 99.
(3) الكافي: ج 8، ص 230، ح 298. نقلها في البحار: ج 8، ص 162، ح 101.
302

نهر رجب:
* وروى الصدوق بإسناده عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:
رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، من صام يوما
من رجب سقاه الله من ذلك النهر (1).
وصف أنهار الجنة:
* وروى الشيخ المفيد بالإسناد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود، أشد بياضا من الثلج،
وأحلى من العسل، وألين من الزبد، طين النهر مسك أصفر، وحصاه الدر والياقوت،
تجري في عيونه وأنهاره حيث يشتهي ويريد في جناته ولي الله، فلو أضاف من
في الدنيا من الجن والإنس لأوسعه طعاما وشرابا وحليا لا ينقصه من ذلك شئ (2).
باب المجاهدين:
* روى الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو
مفتوح وهم متقلدون سيوفهم، والجمع في الموقف، الملائكة ترحب بهم، فمن ترك
الجهاد ألبسه الله ذلا في نفسه وفقرا في معيشته ومحقا في دينه أن الله تبارك
وتعالى أعز أمتي بسنابك خيلها، ومراكز رماحها (3).
المجاهدون قادة أهل الجنة:
* عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
حملة القرآن عرفاء أهل الجنة، المجاهدون في سبيل الله تعالى قواد أهل

(1) ثواب الأعمال للصدوق: ص 78، باب ثواب صوم رجب، ح 2 فضائل الأشهر الثلاثة،
ص 23، ح 10. ونقلها في البحار: ج 8، ص 175، ح 126. وفي: ج 97، ص 37، ح 19.
(2) الإختصاص للمفيد: ص 357. وعنه في البحار: ج 8، ص 219، ح 211.
(3) الأمالي للصدوق: ص 462، المجلس 85، ح 8. ونقله في البحار: ج 8، 186، ح 153،
وفي: ج 100، ص 8، ح 6.
303

الجنة، والرسل سادات أهل الجنة (1).
منزلة الشهداء في الجنة:
* روى الحسين بن سعيد بسند موثق عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان أدنى أهل الجنة منزلة من الشهداء من له اثنى عشر
ألف زوجة من الحور العين، وأربعة آلاف بكر، واثنا عشر ألف ثيب، تخدم
كل زوجة منهن سبعون ألف خادم، غير أن الحور العين يضعف لهن، يطوف
على جماعتهن في كل أسبوع، فإذا جاء يوم إحداهن، أو ساعتها، اجتمعن إليها
يصوتن بأصوات لا أصوات أحلى منها ولا أحسن حتى ما يبقى في الجنة شئ
إلا اهتز لحسن أصواتهن، يقلن: ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدا، ونحن
الناعمات فلا نبأس أبدا، ونحن الرضيات فلا نسخط أبدا (2).
الحور العين:
* روى علي بن إبراهيم في تفسيره والشيخ الكليني في الكافي بالإسناد عن
الإمام الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل قال:
فإذا استقرت بولي الله عز وجل منازله في الجنان استأذن عليه الملك الموكل
بجنانه ليهنئه بكرامة الله عز وجل إياه، فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء
والوصائف مكانك فان ولي الله قد اتكأ على أريكته وزوجته الحوراء تهيأ له
فاصبر لولي الله.
قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشي مقبلة وحولها وصائفها
وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد صبغن بمسك وعنبر،

(1) النوادر للسيد فضل الله الراوندي: ص 20، طبعة النجف الأشرف سنة 1951. ونقلها في
البحار: ج 8، ص 199، ح 202.
(2) كتاب الزهد للحسين بن سعيد الأهوازي: ص 101 و 102، ح 276. ونقله في البحار:
ج 8، ص 198، ح 196.
304

وعلى رأسها تاج الكرامة، وفي رجليها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت
واللؤلؤ، شراكهما ياقوت أحمر، فإذا دنت من ولي الله فهم أن يقوم إليها شوقا،
فتقول له: يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب، فلا تقم، أنا لك وأنت لي.
فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله... الحديث (1).
وصف عام للجنة:
* روى علي بن إبراهيم بسند صحيح عن أبي بصير قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك يا بن رسول الله شوقني.
فقال (عليه السلام): يا أبا محمد ان من أدنى نعيم الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف
عام من مسافة الدنيا. وان أدنى أهل الجنة منزلا لو نزل به أهل الثقلين الجن والإنس
لوسعهم طعاما وشرابا ولا ينقص مما عنده شئ.
وان أيسر أهل الجنة منزلة من يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق، فإذا دخل
أدناهن رأى فيها من الأزواج والخدم والأنهار والأثمار ما شاء الله مما يملأ عينه
قرة، وقلبه مسرة، فإذا شكر الله وحمده قيل له: ارفع رأسك إلى الحديقة الثانية
ففيها ما ليس في الأخرى.
فيقول: يا رب اعطني هذه.
فيقول الله تعالى: ان أعطيتك إياها، سألتني غيرها.
فيقول: رب هذه، هذه.
فإذا هو دخلها شكر الله وحمده.
قال: فيقال: افتحوا له باب الجنة، ويقال له: ارفع رأسك، فإذا قد فتح له باب
من الخلد، ويرى أضعاف ما كان فيما قبل، فيقول عند تضاعف مسراته: رب لك
الحمد الذي لا يحصى إذ مننت علي بالجنان ونجيتني من النيران.

(1) الكافي: ج 8، ص 97، ح 69. وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 247. وعنهما
في البحار: ج 8، ص 128 - 129، ح 29، وفي: ج 8، ص 158 - 159، ح 98.
305

قال أبو بصير: فبكيت، قلت له: جعلت فداك زدني.
قال: يا أبا محمد ان في الجنة نهرا في حافته جوار نابتات إذا مر المؤمن
بجارية أعجبته قلعها، وأنبت الله مكانها أخرى.
قلت: جعلت فداك زدني.
قال: المؤمن يزود ثمانمائة عذراء، وأربعة آلاف ثيب، وزوجتين من
الحور العين.
قلت: جعلت فداك، ثمانمائة عذراء؟!
قال: نعم ما يفرش فيهن شيئا إلا وجدها كذلك.
قلت: جعلت فداك، من أي شئ خلقن الحور العين؟
قال: من تربة الجنة النورانية، ويرى مخ ساقيها من وراء سبعين حلة، كبدها
مرآته، وكبده مرآتها.
قلت: جعلت فداك، ألهن كلام يكلمن به أهل الجنة؟
قال: نعم. كلام يتكلمن به لم يسمع الخلائق بمثله.
قلت: ما هو.
قال: يقلن نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبوس، ونحن
المقيمات فلا نظعن، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن خلق لنا، وطوبى
لمن خلقنا له، نحن اللواتي لو أن قرن إحدانا علق في جو السماء لأغشى نوره
الأبصار (1).

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2، ص 82 - 83. ونقلها في البحار: ج 8، ص 120، ح 11.
أقول: والظاهر أن هذه الرواية هي تتمة للرواية التي رواها المؤلف (رحمه الله) في (منازل
الآخرة) عن أبي بصير حينما قال للإمام الصادق (عليه السلام): خوفني... الخ.
306