سورة مريم عليها السلام:

في حديث زكريا (ع) ان " كهيعص " اشارة الى كربلاء، وهلاك العترة من يزيد في حال العطش مع الصبر.

وقد ذكرنا الحديث سابقا عن التهذيب والبحار عن الامام السجاد عليه السلام وفيه قوله: " فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً "، قال: خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء، فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السلام ثم رجعت من ليلتها.

سورة طـه:

فيها مناسبات له (ع) في حكاية موسى (ع) " إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً " والحسين (ع) رأى من جانب كربلاء نوراً وهو في المدينة، فقال لاهله: تعالوا معي، وأجاب لما سئل عن ذلك في مكة فقال: ان الله قد شاء ان يراهن اُسارى.

وفي السور بعد طه ايضا مناسبات خاصة له، ولهذا قرأ بعض الايات من سورة القصص عند خروجه من المدينة، وبعض الايات عند دخوله مكة.

وسنذكر تفصيلها في عنوان الهجرة من خصائصه.

وقد قرأ بعض اصحابه ايات من سورة المؤمن عند مبارزته، كما سيجيء في عنوان الشهداء.

والمقصود بيان انموذج من التطبيقات، فلنكتف بذلك ولنذكر بعض المناسبات لعموم السور

فنقول:

السور المصدرة بالحروف المقطعة من: الطواسين " و " والحواميم " و " يس" و " ص " و " الم " و"ق" و "ن"

لصورها في النقش تأثيرات واشارات بالنسبة الى عددها بحساب الحمل، وتأثير في حروفها، واشارات الى اسماء الله، ورموز لا يهتدي اليها الا من خوطب بها.

والحسين (ع: (في جسده حروف مقطعة من أثر السيوف، لها هيئات في آحادها، ومثانيها، وثلاثها ورباعها وخماسها، ولكل هيئة خاصة، وهي رموز في عالم التسليم والرضا.

وقد اهتدى الى تلك الرموز من اهتدى (النبي واله) صلوات الله تعالى عليهم اجمعين الى رموز الحروف المقطعة في اوائل السور.

ولذا كان يقبّل بالخصوص بعض المواضع من بدنه، يقبّل جميع البدن، حين يقول لعلي (ع) " أمسكه فيمسكه ويقبل جميع مواضع الحروف المقطعة ويبكي صلوات الله عليه واله اوائل التسبيحات من مناسبات الصفات الالهية التي قد منحه الله انموذجا منها كما بيّناه في العناوين الاحترامات الالهية.

سورة المدثر:

له من هذه السورة باطنها، كما انه لا يخرج من معناها الظاهر فان النبي (ص) منه وهو منه.

سورة المزمل:

وهو (ع) المخاطب بها من حيث انه (ص) المخاطب، وهو (ع) به (ص) ومنه، وهو المزمل بدمائه الذي قام ليلة الضلال فكشفها وجعلها ضياء، وأوضح نور الحق، واصحابه المزملون كأصحاب النبي (ص) الذين قال في حقهم يوم أحد " وزملوهم بثيابهم ودمائهم، فانا الشهيد عليهم ".

سور الاقسام العظيمة:

لها بواطن تنطبق على الامام الحسين (ع) وحالاته، وشهادته، ووجهه، وروحه، وجسده، وقلبه، واصحابه وحالاتهم.

فاستمع لما يتلى عليك منها:

" والصافات صفا. فالزاجرات زجرا. فالتاليات ذكرا " هي تنطبق على الحسين (ع) وعسكره، لصفهم في القتال، وصفهم للحماية، وصفهم في الصلاة، وصفهم في الاجساد المطروحة، وصفهم في الرؤوس المقطوعة، وصفهم في الدفن فانهم دفنوا في حفيرة واحدة.

ايضا:" والفجر. وليالٍ عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر "، الحسين (ع) هو الفجر بنور هدايته، ولياليه في مصائبه هي العشر، هو وأخوه: الشفع، وهو بقي وحيدا: الوتر، واما الوتر الموتور والنفس المطمئنة في اخر هذه السورة: فهي روحه الشريفة، حين رجوعها الى ربها كما ورد ذلك في الروايات.

ايضا: " والطور. وكتاب مسطور. في رق منشور. والبيت المعمور. والسقف المرفوع. والبحر المسجور "، فالطور محل شهادته بمعنيين، ظاهري كما في الحديث، ومعنوي، والكتاب المسطور: بدنه الشريف، والبيت المعمور: رأسه، والبحر المسجور: ميدان كربلاء يوم وقع القتال.

ايضا: " والنجم إذا هوى "، بيان لكيفية وقوعه.

ايضا: " والضحى " ضحى نور وجهه المنير، او نور اظهار الايمان به، فانه مجدد ما انمحى من الاسلام ولولا نهضته لما بقي مسلم قط على وجه هذه الارض،وهذا من معاني الحديث النبوي المبارك: وانا من حسين.

وايضا: " والسماء ذات البروج " هو الحسين (ع) حقيقة: فانه سماء له تسعة بروج، بل له ثلاثة عشر برجا.

ايضا: " والسماء والطارق. وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب " الذي يشع ضوؤه المنير من السموات، والحسين (ع): نجم ثاقب، يثقب نوره الظلمات الارضية ايضا.

وايضا: " والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها. والنهار إذا جلاها "، الشمس: هي وجه الحسين (ع)، لانه الشمس حقيقة، فان الشمس يذهب شعاعها بقطعة سحاب، وهو قد تضمخ وجهه الكريم بالدم والتراب والجراح تلو الحراج ولم ينقص من نوره.

بل كان جسده في الليالي الثلاث يضيء كالشمس.

وايضا: " والمرسلات "، الملائكة المرسلة لما يتعلق بالحسين عليه السلام.

وايضا: " والنازعات غرقاً "، وما بعده الارواح المطهرة للحسين عليه السلام واصحابه.

ايضا: " والذاريات ذروا. فالحاملات وقرا " لهما في بعض التفاسير تطبيق على اصحابه وجهادهم يوم الطف.

ايضا: " والتين والزيتون " قد ورد ان الزيتون هو الحسين عليه السلام.

ايضا: " والعاديات " لخيلهم حين تركض.

سورة القيامة:

كلها منطبقة على قيامة أهل البيت (ع) التي قامت يوم عاشوراء، فهي الواقعة العظيمة وهي " الحاقة " و " الصاخة" حقيقة، وهي " الطاة الكبرى " حقيقة، فانها قد علت على كل مصيبة، وهي " القارعة " التي قرعت قلوب الابرار والفجار وكل شيء، وهي التي " زلزلت الارض زلزالها " وهي الغاشية التي يقال فيها " هل أتاك حديث الغاشية "! فهل أتاكم حديثها؟ وهي التي تحقق فيها " إذا السماء انشقت " و " إذا السماء انفطرت " حين ضرب بالسيف على رأسه الشريف، وقوله تعالى " إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت " منطبق على يوم عاشوراء، والتكوير للشمس الظاهرية والشمس الباطنية ظاهرا وباطنا.

ولكل من هذه تفصيل ذكرته في كتاب روضات الجنات في المواعظ بالقرآن الكريم، وفقني الله تعالى لاتمامه بمنه وحوله وقوته.

سورة القدر:

قد ثبتت للحسين (ع) فضائل ليلة القدر كما سيجيء في عنوان خصائصه المتعلقة بالازمنة الشريفة.

سورة الاخلاص او التوحيد:

هو قد اظهر في الخارج، التوحيد الحقيقي وهو توحيد علاقة القلب، اي تجريد العلائق القلبية من كل ما سوى الله تعالى، وله بيان وتفصيل في عنوانه.

سورة الجحد:

اي: الجحد لدين الكفار، وهو قد اظهر الجحد لاهل النفاق والخلاف، وتبّرأ منهم، وقال (لكم دينكم ولي دين) صلوات الله تعالى عليه

سورتا المعوذتين:

عوذتان له ولاخيه كما في روايات الخاصة والعامة.

انتهى العنوان الثامن






العنوان التاسع
في خصوصياته المتعلقة ببيت الله الحرام


وفيه مطالب:

الاول: انه بيت الله حقيقة.

الثاني: انه عظّم الكعبة المكرمة تعظيما خاصا، فجعل الله له بذلك احترامات خاصة على طبق احترامات الكعبة وفضائلها، وخصّه بزيادات في ذلك على البيت.

الثالث: انه قد جعل الله تعالى لزيارته تأثيرا خاصا في المعادلة للحج والعمرة، وذلك لسرٌ معنوي، ونكتة عجيبة لطيفة.

فنقول، بعون الله تعالى: -




المقصد الاول
انه بيت الله الحقيقي


اعلم ان الله تعالى يجلّ عن المكان، والحلول، والسكنى، والمسكن، واتصاف بعض الامكنة بكونه بيتا لله تعالى.

انما هو لشرافة خاصة له من حيث جعله محل عبادة الله تعالى، او كثرة العبادة فيه، او الامر بالتوجه اليه حين العبادة، او كونه محاذيا لمحل عبادة، او لنزول فيض خاص، او لكونه صعب المنازل.

فيخلص فيه القصد الى الله، كما اجتمع ذلك كله في مكة المعظمة، وتحقق بعض ذلك في المساجد، وفي بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه، وهذه كلها بيوت الله ظاهرا.

واما بيت الله الحقيقي فهو ما في الحديث القدسي): لا تسعني أرضي ولا سمائي، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن (، وقد أوحى الله تعالى الى نبيه داود عليه السلام: (فرّغ لي بيتا أسكن فيه، فقال: يا رب إنك تجل عن المسكن، فأوحى إليه: (فرّغ لي قلبك (، وايضا جاء) القلب حرم الله تعالى فلا تسكنوا حرم الله إلا الله تعالى (، فكل قلب لم تكن فيه سوى محبة الله تعالى وذكره فهو بيت الله تعالى حقا.

فقلب المؤمن الكامل بيت الله حقيقة، لانه خال عن التعلق بغيره، فليس فيه فكر ولا ذكر ولا هم الا الله تعالى.

وقد ينتهي الامر الى انه لا يبصر الا بالله تعالى، ولا يسمع الا بالله، وهذا احد معاني قوله تعالى في الحديث القدسي " حتى أكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به "…….

واذا تحقق ذلك وتأملت حق التأمل، ظهر لك ان بيت الله الحقيقي الاكبر هو قلب الحسين عليه السلام.

فانه فرّغه تفريغا حقيقيا صادقا خالصا، اذ لم تبق فيه علاقة لغير الله عزوجل، حتى العلائق التي لا تنافي العلاقة مع الله تعالى، وذلك لان قطع العلاقة عن كل شيء لله - خصوصا مع شدة العلقة به - دليل على شدة العلقة مع الله تعالى.

وقطعها كلها دليل انحصارها، والشرائع مبتنية على ذلك، والتدين بالدين انما بمقدار قطع العلاقة عن غير الله لله تعالى.

والدرجات المختلفة انما هي باختلاف العلائق شدة وضعفا، ومقدار تركها زمانا، وكيفية امتثال امر الله تعالى.

اذا تحقق ذلك، فاعلم ان الحسين (ع) حين توجه اليه الامر في الصحيفة الالهية بخطاب: " إشر نفسك لله "، قد قصد من اول هجرته من المدينة الى مكة، ثم الى كربلاء، امتثال هذا الامر متقربا بجميع ما سيقع عليه.

فكان جميع ذلك منويا له موطّنا عليه نفسه الزكية حتى تقطيع اوصاله وطّن نفسه عليه وهو في مكة المكرمة، كما نوى (ع) التقرب بتحّمل ذبح اصحابه، واولاده، واهل بيته صلوات الله تعالى عليهم اجمعين.

بل اكثر من ذلك، فقد وطّن نفسه بتحّمل ذبح طفله الرضيع على يديه بل وطفل رضيع اخر له، بل اُري صورة الواقعة ومحلها لأم سلمة مشاهدة بالعين.

فقد أخلـى قلبه من التعلق بالوطن، والديار والمساكن، ومن التعلق بالاموال حتى اللباس والسلطنة والراحة والرئاسة.

ومن التعلق بالعيال والاطفال والاولاد والاخوان والعشيرة والاصحاب، فقدّمهم امامه ذبحا واسراً، ومن التعلق بجميع ما في الدنيا حتى الماء، وحتى قطرة منه للمحتضر الغريب.

ومن تعلق الرأس بأجزاء البدن وعظامه ولحمه ودمه، ومن اتصاله وبقاء صورته وتركيبه وهيئته، حتى انه قطع علاقة قلبه المبارك مع صورة القلب التي في الصدور، ومع مهجة القلب التي هي دم القلب.

فشبك قلبه سهم مسموم ذو ثلاث شعب، وقع عليه وسال دمه جاريا خارجا كالميزاب يتدفق، فأخذه بيده المباركة وخضّب به رأسه ولحيته، ففي الزيار ة: " وبذل مهجته فيك ".

فلما بذل فيه قلبه الظاهري ومهجته، وجميع علائق قلبه، تمحض القلب المعنوي لله تعالى، وصار خاليا عن غير الله، وفارغا عن جميع ما سوى الله تعالى وصار بيت الله الحقيقي التحقيقي الذي ليس فيه سوى الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ومن ذلك يظهر قوله (ص) " من زار الحسين (ع)كان كمن زار الله تعالى في عرشه).




المقصد الثاني
ان هذا البيت الحقيقي قد خص كالكعبة بتعظيم خاص


فخصّه الله تعالى بخصائص الكعبة، مع تفصيل فيها:

تفصيل ذلك انه (ع) لما ورد مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان وبقي فيها الى موسم الحج، واحرم بحج او بعمرة التمتع على اختلاف الروايات، بلغه بأن يزيد قد بعث ثلاثين رجلا من شياطين بني امية ليقتلوه غيلة، ووجه جيشا مع عمر بن سعد بن العاص لقبضه.

فأحل من احرامه بعمرة مفردة، وعزم على الخروج يوم التروية، او يوم عرفة، فأتاه محمد بن الحنفية في تلك الليلة فقال له: " يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فان رأيت أن تقيم فانك أعزّ من في الحرم وأمنعه "..

فقال (ع) له: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون أنا الذي يستباح بي حرمة هذا البيت ".

فقال ابن الحنفية: " فان خفت ذلك، فسر الى اليمن، او بعض نواحي البر، فانك امنع الناس به، ولا يقدر عليك احد. ".

فقال عليه السلام: " أنظر فيما قلت ".

فلما كان وقت السحر ارتحل الحسين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه وأخذ بزمام ناقته وقد ركبها.

فقال: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟

قال عليه السلام: بلى.

قال: فما حداك على الخروج عاجلا؟

فقال عليه السلام: أتاني رسول الله (ص) بعد ما فارقتك، فقال: اخرج فان الله قد شاء ان يراك قتيلا.

فقال ابن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك؟ وانت بمخرج على مثل هذا الحال؟

فقال (ع) " ان الله قد شاء ان يراهن سبايا ".

وقال ايضا لاخيه ابن الحنفية: يا اخي لو كنت في حجر هامة من هوام الارض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني.

ثم جاء عبدالله بن الزبير، وعبدالله بن العباس، وعبدالله بن عمر، فمنعوه ذلك.

فأجاب ابن الزبير بأني لا أحب أن تهتك بسبب حرمة البيت.

وأجاب ابن عمر بكلام ذكر فيه هوان الدنيا، وقتل يحيى (ع)، وقتل بني اسرائيل كل يوم سبعين نبيا ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، وقد ذكرناها فيما سبق.

واجاب ابن عباس: بأن رسول الله (ص) قد أمرني بأمر أنا ماض فيه، فسّلم الكل عليه، وودعوه وبكوا.

فقال ابن عمر: اكشف عن الموضع الذي كان يقبله رسول الله (ص) فكشف عن سرّته فقبلها، وبكى وودعه وخرج صلوات الله تعالى عليه مقبلا الى العراق.

اقول: ايها العارف البصير تأمل في فعل هذا الامام الجليل، وقوله صلوات الله عليه أخاف أن تستباح بي حرمة البيت الحرام، وكيف عظّم جلال ربه، وتأدب حيث رضي بما يجري على نفسه الشريفة.

ولم يرض بأن يكون ذلك بقرب البيت الذي عظمّه الله تعالى فجعله محترما، فبسط احترامه في الانظار، مع انه (ع) اعظم من البيت واشرف وأجل.

ولهذا ينظر الله تعالى يوم عرفة الى زواره قبل ان ينظر الى أهل عرفات، ولأجل تعظيمه بهذا التعظيم ثبتت له جميع الخصائص التي خصّ الله تعالى بها الكعبة، والكرامات التي أكرمها الله بها.

ولنعدّ منها خمسين فضيلة، ثم نبين كيفية الموازنة والتطابق بعون الله تعالى جل جلاله.

وله الحمد على هذا الإلهام:

الاولى: انه اول بيت وضع للناس دون غيره من المساجد، والمقامات.

والحسين (ع): حيث انه من النبي (ص) والنبي منه.

فهو اول بيت وضع للناس، فان اول المخلوقات نور النبي المصطفى (ص)، وقد كان الحسين (ع) مع نور جده وابيه وامه واخيه - مخلوقا قبل السموات والارضين.

فهو اول بيت وضع للناس والملائكة وجميع المخلوقات.

الثانية: كونه ببكة، وهو اشرف المواضع.

والحسين عليه السلام: بأشرف المواضع نسباً، وفي كربلاء مدفنا


ومن حديث كربلا والكعبةلكربلا بانَ علو الرتبـة

الثالثة: ان الله تعالى أمر خليله (ع) ببنائه بيده، فهو بناء يد الخليل.

والحسين عليه السلام: قد نبت لحمه ودمه من لحم الحبيب ودمه كما مرّ تفصيله، والحبيب رتبته أعلى من الخليل.

الرابعة: ان الله تعالى جعله مباركا لزواره ومجاوريه.

وهو عليه السلام: ذو بركة إلهية من جهة الفيوضات الواردة على الناس بسببه، فمنهم من دخل الجنة بالشهادة بين يديه، ومنهم بالبكاء عليه، ومنهم باقامة العزاء عليه، ومنهم بالابكاء عليه، ومنهم بالتباكي عليه، ومنهم بتذكره حين شرب الماء، او حين الجوع، او حين الكربات والبلايا الطارئة على النفوس في هذه الدنيا، ومنهم بالتحسر القلبي على عدم استشهاده ونصرته حين استنصاره لمحبيه وشيعته، ومنهم بزيارته، ومنهم باعانة زواره، ومنهم بالدفن في تربته، ومنهم بتأليف الكتب واظهار فضائله للناس، ومنهم بسقي الماء ويالها من عبادة كبرى حبيبة الى الله تعالى واولياءه، او بنحو اعم تأليف كتبا ايمانية واخلاقية وعقائدية تنشر الفكر الاسلامي القويم، ومنهم بخدمته بشتى انواع الخدمة الى غير ذلك من وجوه بركته في الارزاق والفيوضات الواردة بسببه على من له نسبة اليه بمجاورة، او قراءة تعزية، او حضور مجلس ونحو ذلك.

الخامسة: جعله تعالى هدى للعالمين كما في الاية الشريفة، " إن أول بيت وضع للناس لَلذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ".

والحسين عليه السلام: ايضا هدى للعالمين، وسبب هدايته، لانه (ع) قد فدى بنفسه دين محمد المصطفى صلوات الله عليه واله.

وانه جاء في الحديث النبوي المبارك " ان الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء " وقد شاءت ارادة الله تعالى ان يأتي عصر حكومة يزيد الفسق فيقضي على كل بذروة من بذور الاسلام وان يكون تجدد ذكر الاسلام وبزوغه بسبب حجته على خلقه انذاك الامام الحسين عليه السلام.

ولا ننسى الحديث المبارك ما مضمونه: " ان الله تعالى أبى ان يجري الامور الا بأسبابها " وايضا قد ورد في زيارة الاربعين عن الصادق (ع) في حق الامام الحسين الشهيد (ع): " وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة ".

السادسة: جعل سبحانه له حرما من أطرافه، لا يصطاد صيده بل لا ينفر، ولا يعضد شجره " اي: يقطع شحره "ولا يختلى خلاله ولا يلتقط لقيطه الا المنشد.

وهو عليه السلام: قد جعل الله تعالى لمدفنه حرما من أطرافه، فجعل تربته المباركة محترمة، وأحلّ اكلها بمقدار خاص للشفاء، وجعل حرمه المبارك فرسخ.

وفي رواية اربعة فراسخ من جوانبه، وفي رواية خمسة، وحملت على الاختلاف في الفضيلة.

ولكن قد اختلفت كلماتهم في التحديد بالنسبة الى جواز الاكل فقيل: بجواز اكل تربة الحرم مطلقا، وقيل تربة نفس القبر الشريف، وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفا، وهو المناسب لقاعدة الاقتصار على المتيقن.

وربما استظهر من بعض الروايات، وفي بعض الاخبار التحديد بالميل، وبأربعة اميال، وبسبعين ذراعا.

وللاستشفاء آداب وشروط مذكورة في محلها، بل ذكر بعضهم ان الاستشفاء بها في غاية الصعوبة وذلك لاجل كثرة ما اعتبر فيه، وكأنه فهم الشرطية، ولعل الاظهر انها آداب.

السابعة: جعله الله تعالى مأمنا لا يحل دم من يأوي اليه.

وهو (ع: (ايضا لا يحل دم من يأوي اليه، لكن هتك بنو امية حرمة البيت بالنسبة الى ذلك.

وهتكوا حرمته بالنسبة الى من آوى اليه حتى بالنسبة الى الصغيرين صلوات الله عليهما، اللذان كان احدهما في يده فآواه من العطش، والاخر على صدره عليه السلام حين قطعوا يده فاستغاث بعمه، فآواه الى صدره، فضرب بسهم وقتل على صدره.

وكما نفرت طيور الحرم عنه حين دارت عليه للنوح، فضربت سكينة (ع) وجرّت عنه واصطيدت من هذا الحرم، وربطت بالسلاسل، وركبت على اقتاب المطايا.

الثامنة: جعله قبلة حبيبه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم في صلواته التي هي اشرف وافضل عباداته، " فول وجهك شطر المسجد الحرام، فهو قبلة وجه النبي صلى الله عليه واله وسلم.

ولكن مولاي الحسين عليه السلام مهجة قلب النبي (ص)، وثمرة فؤاده، وريحانته كما وصفه هو بذلك.

بل هو نفس النبي (ص) كما قال: حسين مني وانا من حسين.

ومع هذا فهو ايضا قبلة وجه النبي (ص) فقد كان يتوجه اليه ويلاحظه كلما جاء اليه او نظر اليه وان كان في اثناء الخطبة، او في الصلاة، حتى يحمله حينها.

التاسعة: جعل طوافه ركنا من اركان الاسلام فقال " ولله على الناس حج البيت "، ومن لم يأت به فقد نقص ركنا من أركان الاسلام.

بل قد جاء ان من لم يحج بعد الاستطاعة تهاونا منه او تكاسلا او تسويفا وما الى ذلك فانه عند الممات يُقال له: مت ان شئت يهوديا او نصرانيا.

والحسين عليه السلام: قد جعلت زيارته ركنا من اركان الاسلام والايمان، فقد قيل في الحديث: ان تارك زيارته منتقص الايمان، قاطع لحرمة رسول الله الله ورحمه (ص)، وقد عقّ رسول الله المصطفى.

وفي رواية: " ليس بشيعة " وفي رواية " ان كان من اهل الجنة فهو من ضيفانهم " وفي رواية: " تارك حقا من حقوق الله تعالى ولو حج ألف حجة، وفي رواية: " محروم من الخير "، وفي رواية: " بعد ان سمع احدهم: " ان جماعة من الشيعة تأتي عليهم السنة والسنتان لايزورونه قال (ع): حظهم أخطأوا، وعن ثواب الله تعالى زاغوا، وعن جوار محمد المصطفى صلى الله عليه واله تباعدوا.

ولكن قد ذكرنا هناك امور معوضة لمن لا يستطيع الذهاب للزيارة راجعوها في ما سبق من هذا الكتاب.

نذكر منها ان الزيارة من بعد مجزية ومانعة من هذه الاثار المهلكة، ان لم يكن بالاستطاعة زيارته عليه السلام.

العاشرة: جعله الله تعالى مغناطيس الافئدة، يجذب القلوب اليه من المواضع البعيدة، فالقلوب مشتاقة دائما اليه والى اهله تواقة الى النزول في رحابه، لقوله تعالى: " فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم "

والحسين عليه السلام: مغناطيس قلوب الشيعة والمحبين الصادقين المتبعين، ولا يقل عن مقدار جذب القلوب للبيت الحرام، بل قد يزيد بكثير.

ولا ننسى ان حرمة المؤمن عند الله تعالى اعظم من حرمة الكعبة، فترى لقلوبهم الطاهرة الزكية ميلا مخصوصا به عليه السلام والى ذكره وزيارته وخدمته.

بل ممتازا عن محبة غيره من الائمة عليهم السلام، وهذا امر وجداني، وقد عثرت على رواية كاشفة عن ذلك، فقد روي في البحار وغيرها عن المقداد بن الاسود الكندي: ان النبي (ص) خرج في طلب الحسن والحسين عليهما السلام، وقد خرجا من البيت، وانا معه، فرأيت أفعى على الارض، فلما احسّت بوطء النبي (ص) قامت ونظرت، وكانت اعلى من النخلة، واضخم من البَكر " اي: الفتى من الابل " يخرج فيها من النار، فهالني ذلك.

فلما رأت رسول الله (ص) صارت كأنها خيط، فالتفت اليّ رسول الله (ص) فقال: اتدري ما تقول هذه يا اخا كندة؟

قلت: الله تعالى ورسوله اعلم.

قال (ص) " قالت الحمدلله الذي لم يمتني حتى جعلني حارسة لابني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.