والحسين عليه السلام: من يوم وُلد كان مُستجارا للملائكة، ثم للناس الى يوم القيامة.
الخامسة والثلاثون: جعل حجر اسماعيل الذبيح عليه السلام متصلا به، وجعل ذلك من البينات كما في الرواية.
وفيه ايضا قبره وقبر بناته، وفي طرف آخر منه - أعني بين الركن والمقام - قبر سبعين نبيا، ماتوا جوعا وضراً، كما في الرواية.
وللحسين عليه السلام: قبر متصل بقبر الذبيح الثاني بلا فداء، كاتصال حجر اسماعيل (ع) بالبيت.
وفي طرف قبره مما يلي رجليه قبر اثنين وسبعين صدّيقا، قـُتلوا عطشا وجوعا وغربة وظلما وطغيانا ودفنوا جميعا في حفيرة واحدة والحائر محيط بهم.
ومع ذلك فقد دُفن فيه مائتا نبي ومائتا وصي، كما في الرواية الصحيحة.
السادسة والثلاثون: ان اطرافه أمكنة معظمة، كمنى والمشعر، وعرفات، والصفا والمروة.
وبأطراف قبر الحسين (ع: (ايضا أمكنة مشرفة معظمة، فان شرف منى ان كان باعتبار انه مكان تل اسماعيل للجبين.
فالمقتل مكان قتل مثل: الحسين (ع) وعلي وعبدالله والعباس والقاسم (ع)، وان كان باعتبار انه محل ذبح الهدي والضحايا، فالمقتل محل ذبح الشهداء، الذين قال الرسول (ص) في حقهم: انهم سادات شهداء أمتي.
وان كان شرف المشعر الحرام باعتبار ان بإبراهيم (ع) رأى فيه انه مامور بذبح ابنه، فالمكان الذي يرى فيه الابن مذبوحا وفي اليقظة أفضل.
السابعة والثلاثون: انه تعالى جعل خليله إبراهيم عليه السلام مؤذنا للبيت ومناديا لاتيانه، حيث قال له: " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍ عميق "، فصعد على المقام ونادى: هلمّوا للحج.
وقد جعل تعالى حبيبه محمداً صلى الله عليه وآله وسلّم مؤذنا ومناديا للحسين عليه السلام، فقال: " لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ".
فرقى المنبر (ع) مراراً وقال: " أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي "، وأذن لاتيان الحسين (ع) ونصرته مرارا.
ففي رواية عن حذيفة بن اليمان، قال رسول الله المصطفى (ص) وهو آخذ بيد الحسين (ع): (أيها الناس هذا الحسين بن علي فاعرفوه، فوالذي نفسي بيده انه لفي الجنة ومحبيه في الجنة، ومحبي محبيه في الجنة (.
ثم انه) ع) قد أذن في الناس بالحج اليه والإتيان لنصرته مراراً، في المدينة ومكة وما بينهما، وفي كربلاء، بأذان وخطبة واستنصار واستغاثة وداعية وإلقاء الحجة على الناس جميعا، كما سيجيء تفصيله.
فأتوه رجالاً وعلى كل ضامر، ونصره بعض من لم يدرك ذلك في أيامه، وهم شيعته الذين يتمنون الشهادة بين يديه، وبعض زواره، وبعض الباكين عليه، والخدام له والصادقين غي خدمته وموالاته عليه السلام.
الثامنة والثلاثون: انه تعالى قد قرر للكعبة هديا بالغا، كما في الاية الشريفة: " هدياً بال الكعبة "، وذلك تعظيم لها وتشريف.
وقد منّ الله تعالى على الامام الحسين عليه السلام بتشريف وتعظيم أكثر من ذلك، حيث انه أمر الله تعالى بأن تهدي خشفها بالغا الى الحسين عليه السلام قبل ان يبكي، وذلك حين جاء اعرابي وقال: يا رسول الله لقد صدت خشفة غزالة، وأتيت بها اليك، هدية لولديك الحسن والحسين (ع)، فقبلها النبي (ص) ودعى له بالخير.
فاذا الحسن عليه السلام واقف عند جده (ص) فرغب اليها، فأعطاها إياه، فما مضى ساعة إلا والحسين عليه السلام قد أقبل، فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها.
فقال: يا جدّاه أعطيت أخي خشفة، ولم تعطني مثلها، وجعل يكرر القول على جده، وهو ساكت، لكنه ظلّ يسلي خاطره ويلاطفه بشيء من الكلام، حتى أفضى من أمر الحسين عليه السلام الى أن همّ يبكي.
فبينما هو كذلك اذ نحن بصياح قد ارتفع عند باب المسجد، فنظرنا فإذا ظبية ومعها خشفها، ومن خلفها ذئبة تسوقها الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتضربها بأحد أطرافها، حتى أتت بها الى النبي صلوات الله عليه وآله.
ثم نطقت الغزالة بلسانها وقالت: يا رسول الله قد كانت لي خشفتان، احداهما صادها الصياد وأتى بها اليك، وبقيت هذه الاخرى، وانا بها مسرورة.
واني كنت الان اُرضعها، فسمعت قائلا يقول: اسرعي اسرعي يا غزالة بخشفتك الى النبي (ص) المصطفى، واوصليه سريعا، لأن الحسين (ع) واقف بين يدي جدّه، وقد همّ أن يبكي.
والملائكة بأجمعهم قد رفعوا رؤوسهم عن مواضع العبادة، ولو بكى الحسين (ع) بكت الملائكة المقربون لبكائه، وسمعت ايضا قائلا يقول: اسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع على خد الحسين (ع)، وان لم تفعلي سلطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفتك.
فأتيت بخشفتي إليك يا رسول الله، وقطعت مسافة بعيدة، ولكن طويت الارض حتى أتيتك سريعة، وانا احمد الله ربي قبل جريان دموع الحسين (ع)على خده.
فارتفع التكبير والتهليل من الاصحاب، ودعى النبي صلى الله عليه واله وسلم للغزالة بالخير والبركة، وأخذ الحسين (ع) الخشفة، وأتى بها الى امه الزهراء عليها السلام، فسرت بذلك سرورا عظيما.
التاسعة والثلاثون: أنه عيّن لحجّ البيت أفضل الاشهر الحرم، وجعلها مخصوصة له سوى ما سنّه من العمرة في كل ايام السنة.
وقد عيّن لزيارة الحسين عليه السلام هذا الوقت ايضا، بل ينظر تبارك وتعالى الى زواره قبل النظر الى اهل عرفات، سوى الاوقات الشريفة التي جعلها مخصوصة له، مع ندب المطلقة في سائر الاوقات.
الأربعون: أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، كما في روايات، وقد ورد انها في مسجد الرسول صلى الله عليه واله وسلم بألف صلاة، ولما كانت في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد النبيوي بألف صلاة، فتصير مائة ألف وألفاً.
وقد روى شعيب العرقوفي، عن الصادق عليه السلام قال: يا شعيب ما صلى أحد عند الحسين عليه السلام الصلاة إلا قبلها الله تعالى منه، قال: ولك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب من حج ألف حجة، واعتمر ألف عمرة، واعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله تعالى ألف مرة مع نبي مرسل.
الواحدة والاربعون: انه سبحانه أوجب على قاصديها الاحرام، وترك المال والعلائق من النساء والطيب والزينة والاكتحال والتظليل واللباس.
وقد استحب لمن زار الامام الحسين عليه السلام ان يكون جائعا عطشانا، تاركا للطيب ولذائذ الاطعمة في زاده الى كربلاء حزنا عليه موالاةً له.
وفي بعض الروايات ان يأتوه شعثا غبراً، وايضا يستحب ان يأتوه مشاةً مكروبين.
الثانية والاربعون: انها مولد الرسول (ص) المصطفى، ومولد الوصي عليا المرتضى عليه السلام.
وقد خصّ الحسين (ع): بأن مدفنه مزار الرسول (ص) وامير المؤمنين) ع) في اكثر اوقات السنة.
الثالثة والاربعون: انها مبدأ ظهور الاسلام، والامتياز عن المشركين والمنافقين.
وقد خصّ الحسين (ع): بأن كربلاء مبدأ بزوغ الايمان، والامتياز عن المخالفين، ولذا سميت في بعض الروايات قـُبّة الاسلام.
وقد أعدّ فيما يتعلق بالحسين عليه السلام أكثر من مائة وعشرين ألف رحمة خاصة، كما تبين عند ذكر الوسائل.
الخامسة والاربعون: ان منها معراج الرسول المصطفى صلى الله عليه واله وسلم، مرة او مرتين من بيت ام هانيء او الشعب.
والحسين عليه السلام: مدفنه معراج ثان له، فانه (ص) قال: " اُسري بي الى موضع يقال له كربلاء، رأيت فيه مصرع ابني الحسين" وهو مع ذلك معراج له يوم عاشوراء، وهومع ذلك معراج الملائكة.
السادسة والاربعون: انه محل اسكان الخليل ذريته وعياله، فاُمر بأن يترك عياله عند البيت وحدهم، ويذهب عنهم.
والحسين عليه السلام: اُمر بان يترك عياله ونساءه ومن معهن في كربلاء عند مدفنه ومقتله، حيارى عطاشى فرادى غرباء وبين اعدائهن ولقد اقبلوا لحرق الخيام عليهم ظلما وعدوانا.
لكن الخليل دعى لهم: " ربنا أني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زوع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات "، والحسين عليه السلام ترك عياله بتلك الحال التي ذكرناها، ولكن قال لهم جميعا: " تهيؤوا للأسر واصبروا على البلايا المتوجهة اليكم.
السابعة والاربعون: أن الله تعالى قد أمر من هو أفضل منها أعني أشرف مخلوقاته محمداً صلى الله عليه واله وسلم بأن يستلم أركانها ويقبلها، خصوصا بعضها، وهذه فضيلة خاصة تفوق الفضائل، وقد ثبت نظيرها لسيدنا المظلوم (ع. (فإن النبي (ص) كان يلتزمه، ويستلمه، ويقبّل جميع أعضائه، ويكثر من تقبيل نحره وقلبه وجبينه وشفتيه.
وكما ان استلام النبي (ص) الركن والشامي بالخصوص له أسرار وحِكم، مثل انها عن يمين العرش وغير ذلك، فكذا استلامه وتقبيله لجميع اعضاء الحسين عليه السلام، فلأكثرية تقبيله لهذه المواضع الخاصة أسرار ومعجزات وإخبارات.
اما السر في اكثرية تقبيل النحر فمعلوم.
واما الجبهة فيمكن ان يقال لانها موضع اصابة الحجر الذي هشمها، وأسال الدم الزاكي على وجهه المبارك عليه السلام.
او السهم الذي اصاب الجبهة.
ويمكن ان يقال لانه موضع السجود.
ولذا كانت الجبهة موضع النور من المؤمن، كما في رواية التقبيل لجبهة المؤمن، والحسين عليه السلام اعظم في ذلك فإن له سجدة خاصة هي من خصائصه.
بيان ذلك ان حالة السجود بنفسها أفضل حالات التقرب الى الله عزوجل صورة ومعنى، كما يدل عليه قوله تعالى: " واسجد واقترب ".
وقوله: أقرب ما يكون العبد الى الله تعالى وهو ساجد.
وللحسين عليه السلام سجود خاص، حين أخذ يترقى في درجات القرب الى الله تعالى، من اول خروجه من وطنه الى حالة السجود، حين وضع جبهته على التراب بقصد السجود، ولم يرفعها بعد.
كما يدل على ذلك انه: " المذبوح من القفا " فكان النبي الاكرم (ص) يقبّل وجهه بالخصوص لذلك.
واما تقبيله فوق القلب فانه موضع السهم المثلث الذي اصابه.
وكان ذلك السهم قاتله حقيقة، بل وقاتل محبيه وشيعته وانصاره حين سماعهم بهذه الفاجعة الأليمة.
فياليته أصابنا مرارا وتكرارا ولم ترى منه أثراً يا حسين يا حسين.
واما تقبيله شفتيه وثغره فقد ظهر أحد اسراره عند قول زيد بن ارقم للعين ابن زياد " عندما كان يضرب شفتيه بقضيب من قصيب ": ارفع قضيبك من هاتين الشفتين، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقبّلهما مراراً.
الثامنة والاربعون: ان الكعبة لا تبقى بغير طائف ابدا، لا في الليل و لا في النهار.
والحسين عليه السلام من يوم استشهد الى الان لم يبق زائر من البشر او الملائكة او الوحوش او الجن من اهل الدنيا، او من اهل العوالم الاخرى.
كما دلت الروايات على ذلك، في كامل الزيارات 113 وايضا بحار الانوار
التاسعة والاربعون: ان الله تعالى اختبر العالمين بهذا البيت، كما بينه الامام علي عليه السلام
بقوله:
ثم وضعه بأوعر بقاع الارض حجرا، وأقل نتائق الدنيا مدرا، واضيق بطون الاودية قطرا، بين جبال خشنة ورمال دمثة وعيون وشلة وقرى منقطعة ……الخ. ابتلاء عظيما، وامتحانا شديدا، واختبارا مبينا، وتمحيصا بليغا...... " الى اخر الخطبة في نهج البلاغة 192/54-59
واما هذا البيت الحقيقي أعني الحسين عليه السلام، فقد اختبر العالمين به ايضا إذ وقف مستغيثا في أضيق بقاع الارض، بين احاطة الاعداء، والسيوف المسلولة، والرماح المرفوعة، والسهام الماطرة، والاحجار المتواترة.
وحوله اعضاء مضطربة، ووجوه مصفرة، وعيون غائرة، وصياح وعويل، وقتلى مضرجة بدمائها، فاختبر جميع الناس، وأمرهم بنصرته والتلبية له في تلك الحالة وذلك الزمان، كما ذكرنا كيفيتها في باب زيارته.
الخمسون: ان الله تعالى قد عبّر عمن ترك الحج بالكافر إن استطاع اليه سبيلا، مبالغة في عظم عقابه، مع كونه واجبا، وهو كما جاء في سورة ال عمران الاية 97 وايضا في الروايات
ما مضمونه: ان من ترك الحج وهو مستطيع له ولا مانع لديه فانه حين الموت يقال له مت ان شئت يهوديا او نصرانيا.
وقد عبّر عن التارك لزيارة الحسين عليه السلام مع كونها مندوبة بأنه ليس بمؤمن، وناقص الايمان، وليس من شيعة الائمة، عاق لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وغيرها الكثير من الامور قد مر التفصيل عنها.
المقصد الثالث
في انه قد جعل الله تعالى لزيارته تأثيرا خاصا في المعادلة للحج والعمرة
وبيان الحكمة في زيادة مدخلية الحج بالنسبة الى المعادلة في زيارته (ع) أكثر من غيره
إعلم ان للحسين عليه السلام في فعل الحج مدخلية خاصة، فإنه بيت الله تعالى، وقد حجّ حجّات خاصة، لم يسبقه اليها سابق، ولا يلحقه لاحق، ولكل من حججه تركيب خاص، ومواقف خاصة، ومناسك مخصوصة، ولهذا البيت الحقيقي حجاج مخصوصون به، لهم مناسك خاصة.
وهم اصناف:
الاول: الانبياء الملائكة صلوات الله عليهم اجمعون.
الثاني: الشهداء صلوات الله عليهم.
الثالث: أهل بيته صلوات الله عليهم.
الرابع: شيعته.
فهاهنا عدة مطالب:
المطلب الاول
في حج الحسين عليه السلام
إعلم ان من خصائص الحسين عليه السلام انه قد حج لله تعالى
ثمانية انواع من الحج:
النوع الاول: انه حج خمسا وعشرين حجة للكعبة ماشيا على قدميه، منها مع اخيه الحسن المجتبى المظلوم عليه السلام، ومنها بعد وفاة اخيه الحسن الزكي عليه السلام.
وقد كان امير الحجاج في بعض حججه سعد بن أبي وقاص، فلما وصل الركب في الطريق الى الحسن والحسين عليهما السلام وهما يمشيان نزل الامير وجميع الحجاج، ومشوا معهما، ثم جاء سعد وقال: ان المشي قد أتعب الناس، ويثقل علينا الركوب وانتما تمشيان، وعرض عليهما الركوب والجنائب تقاد بين ايديهما فأبيا ذلك
وقالا: إنا قد جعلنا على أنفسنا ان نمشي الى بيت الله تعالى فلا نركب، وإنما نأخذ ناحية، فأخذا عن الطريق ناحية، ومشيا متنكبين الطريق، صلوات الله عليهما، ثم ركب الحاج.
النوع الثاني: حج قلبي، باطني لُبّي روحاني، أعني حقائق الحج، التي هذه الاعمال عنوانها ودوال عليها وقشورها.
وذلك لان للاحرام معنىً قلبياً، ولكل من نزع الثياب واللبس والتلبية والطواف والسعي والوقوفين والنحر والحلق والرمي والبيتوتة روح وباطن وحقيقة.
وضعت هذه الصورة لاجلها وقد بيّن تفصيلها في اسرار الحج، وايضا في رواية الشبلي حين كان عائدا من الحج، وحديث الامام زين العابدين عليه السلام له عن حقائق الحج الباطنية.
وقد حج الحسين عليه السلام باطن كل اعمالها، وحقيقة مناسكها، وبواطن ظواهرها، وروح اشباح هذه الاعمال، وحقائق صورها في عبادته التي امتثل فيها الخطاب الوارد عليه، كما يظهر للعارف المتدبر البصير.
فان روح ارادة الحج ومناسكه مجملا هو تجريد للقلب، وتوديع للدنيا والراحة والخلق، وتسليم للقضاء، وترك للعلائق حتى ماعلى البدن، وحل لكل عقدة بالاحرام، ووقوف بباب بعد باب، واستئذان وسعي في خدمة المولى، وهرولة الى خدماته، ودفع اعدائه، واستجارة به، ولواذ بأعتابه، ونحو ذلك.
وقد صدرت من الحسين (ع) جميع هذه الحقائق، فهو الذي تحققت منه حقيقة الحج الحقيقي صريحا، إشارة اليها كما في مناسك الحج فهو صور المشار اليه و أو جده في الخارج.
النوع الثالث: حج أحرم به تمتعا لما كان في مكة، ثم لما علم انه: اذا اتمّ الحج قتلوه غيلة في الحرم عدل الى عمرة مفردة، أتى بمناسكها واحلّ، ثم احرم بحج اخر.
وهذا الاحرام والاحلال، ثم الاحرام من خصائصه العجيبة.
فنقول في بيانها انه:
أحل: من حج مناديه الخليل حين نادى: عباد الله هلم الى الحج، فاجابه من في الاصلاب ممن قدّر له الحج.
أحرم: بحج مناديه الخليل حين نادى قبل خلق السموات: يا حسين إشر نفسك لله تعالى.
أحلّ: من حج ميقاته مسجد الشجرة.
أحرم: بحج ميقاته الشجرة المسموع منها: إنني أنا الله لا إله إلا أنا.
أحلّ: من حج ميقاته نزع الثياب، ولبس ثوبين أغبر وأحمر، ولبس ثوب آخر عتيق حين قال لأخته زينب: آتيني بثوي عتيق لا يرغب فيه، أجعله تحت ثيابي: لئلا اجرد بعد قتلي.
آه وقد جرده اسحاق بن حويه لعنة الله عليه.
ويمكن ان يقال لبس ثوبا اخر وهو السربال الذي لبسه بعد التـّبان، وقد اراد أخذ تكته الجمّال - لعنه الله - فوضع عليه السلام يده اليمنى عليها، فقطعها اللعين بالسيف من الزند.
ثم حاول حلّها ثانية فوضع عليه السلام يده اليسرى عليها فقطعها كذلك، فعند ذلك نزل رسول الله وعلي وفاطمة الى اخر الحديث، في المنتخب للطريحي 92 وايضا في المقتل للخوارزمي جزء ثاني صفحة 102
أحلّ: من حج من تروكه، ترك الخضاب للوجه واليدين والرجلين بالحناء.
أحرم: من افعاله، خضاب الوجه واللحية والرأس بالدماء الزاكيات.
أحلّ: من حج احرامه، ترك التظليل سائرا.
احرم: بحج ترك فيه التظليل سائرا وواقفا ونائما.
احل: من حج احرامه كشف الرأس.
احرم: بحج احلاله قطع الرأس.
احل: من حج من اعماله اطعام الطيور حب الحنطة او الشعير.
احرم: بحج من اعماله اطعام الطائر حبة الفؤاد.
احل: من حج يجنب الميت فيه الكافور.
احرم: بحج فيه السدر والكافور الوقراح.
احل: من حج التمتع.
احرم: بحج هو عمرة تمتع وافراد، وحج تمتع وقران وافراد.
احل: من حج اكثر العابدين لله قبل ادم بثلاثين ألف عام.
احرم: بالحج الخاص به (ع) الذي لم يحجه أحد غيره.
احل: من الحج الاصغر.
احرم: بالحج الاكبر.
احل: من الحج الظاهري.
احرم: بحج ظاهري وباطني بالنسبة الى الحالات.
احل: من حج قد استطاع اليه كثير من الناس.
احرم: بحج لله تعالى ما استطاع احد اليه سبيلا، الا هو عليه السلام.
او الاحرى قل:
احرم: بحج قد خصّه الله تعالى به وحده دون سائر المخلوقات.
احل: من حج أمر به الله تعالى في القرآن الكريم المنزل على لسان نبيه المصفطى (ص) لجميع الجن والانس.
واحرم: بحج أمر الله تعالى به في رسالة خاصة الى الحسين عليه السلام، ورسالته منسكه، صحيفة مختومة بخاتم من ذهب، لم تمسه النار.
وهي واحدة من اثنتي عشرة صحيفة، قد أتى بها جبرئيل (ع) الى النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم.
فيها: للحسين عليه السلام: يا حسين إشر نفسك لله تعالى، واخرج بأقوام لا شهادة لهم إلا معك، وقاتل حتى تـُقتل.
أحل: من حج مؤذنه إبراهيم (ع) الخليل حين خوطب بقوله " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر ".
أحرم: بحج، المؤذن له رسول الله (ص)، ومأذنته عند قبره المطهر.
وذلك حين ناداه في النوم تارة حين جاء لوداعه وشكى حاله، فغلب عليه النوم، وجعل رأسه على القبر فأغفى. فرأى رسول الله (ص) قد ضمه اليه، وقبّل ما بين عينيه، وأمره بالخروج للشهادة، وأخبره بما يجري عليه.
وفي اليقظة تارة اخرة، حين قال له جابر في المدينة: اني أحب لك ان تصالح بني امية، كما صالح اخوك، فانه كان موفقا.
فقال له الحسين عليه السلام: انظر، فنظر فرأى رسول الله (ص) وعليا والحسن (ع) وهم يقولون له ما مضمونه " انه يفعل ما اُمر به، ولا شك في أمره ".
احل: من حج له قسم واحد، يحصل احلاله عند الفراغ من مناسكه.
احرم: بحج مركب من خمس حجات، كلما فرغ من مناسك حجة واحل من احرامها احل باخرى واحرم لها.
بيان ذلك مجملا: -
اولا: احرم من ميقات المدينة، ولبى بحج الكليم الذي قصده بقوله " عسى ربي أن يهديني سواء السبيل "، حتى ترك فرعون وقومه
ولذا قال ": فخرج منها خائفا يترقب، قال رب نجني من القوم الظالمين "، وعند خروجه من المدينة، قرأ " ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل ".
ثانيا: ولما احل وفرغ من مناسكه تلك احرم من مكة بحج الخليل الذي نواه بقوله: " أني ذاهب إلى ربي سيهدين "، فلبى له.
ثالثا: ولما احل وفرغ من هذه المناسك، احل واحرم من الخيام، ولبى بحج خاص له، ولاهل بيته صلوات الله عليهم.
رابعا: ولما احل وفرغ من المناسك السابقة لبى واحرم من الموقف الذي هو مركزه في ميدان الحرب.
خامسا: ولما فرغ من ذلك احل ولبى واحرم من المقتل الذي هو مصرعه، ولبى بحج خاص بعد انفصال روحه من جسده المبارك.
ولكل من الحجج الخمس مؤذن خاص اذن فيها، وكلها اذان دعاء لامتثال امر خاص من اوامر الصحيفة المختصة به المذكورة سابقا.
** بيان ذلك انه (ع): لما سمع اذان رسول الله (ص) في حجه من ميقات قبره لبى له، وخرج من المدينة، ولما فرغ من مناسكه، سمع في مكة أذانا ثانيا، فلبى له واحرم وفرغ من مناسكه حين وصوله كربلاء الى عصر تاسوعاء.
فسمع عند الخيام الاذان الثالث لحج ثالث اصعب، فلبى له.
ولما فرغ من مناسكه بعد الزوال يوم عاشوراء.
سمع الاذان الرابع للحج الرابع الاكبر، فقاتل حتى قتل.
والمؤذن له ولده بلسان جده فلبى له واحرم من الموقف.
ولما فرغ من مناسكه حين وقع ذبيحا وقطع رأسه الشريف نودي للحج الاعظم بالاذان الخامس:
والمنادي له وبلا واسطة هو الله تعالى العظيم، فلبى له في تلك النشأة.
وحج الحج الذي اختص به، وهو في هذا الحج وحده لا شريك له