وجرَت في الرمل رمل الشعاب، فنظرت الى شجرة، لا اعرفها، ولا رأيتها قبل، ولم ارها بعد ذلك حين طلبتها، وكانت الشجرة اظّلتهما، وجلس النبي (ص) بينهما، فبدأ بالحسين (ع) فوضع رأسه على فخذه الايمن.
ثم وضع رأس الحسن عليه السلام على فخذه الايسر، ثم جعل يرخي لسانه في فم الحسين عليه السلام، فانتبه الحسين عليه السلام وقال: يا ابه، وعاد في نومه.
وانتبه الحسن عليه السلام: وقال: يا ابه وعاد في نومه.
فقلت: كأن الحسين اكبر.
فقال النبي (ص) " ان للحسين في بواطن المؤمنين معرفة مكتومة، سل أمه عنه.
فلما انتبها حملهما على منكبيه والحديث طويل، انظر بحار الانوار جزء 43 صفحة 271
الحادية عشرة: ان فيه مقام ابراهيم الخليل (ع) اي: موضع قدمه، وقد أثر في الصخرة.
والحسين عليه السلام: قد أثر فيه فم الحبيب المصطفى (ص)، فإن جبينه ونحره كانا يضيئان لكثرة ما يقبلهما رسول الله (ص)، كما في الروايات. وايضا ان كان مقام بدن الخليل عليه السلام عند البيت، فكان مقام الحسين عليه السلام كتف النبي المصطفى صلوات الله عليه واله.
وايضا ظهره وصدره......، الخ. فبدن النبي (ص) هو مقام الحسين عليه السلام.
ومن تتبع الروايات الواردة في كيفية حمله ماشيا على كتفه، ونائما على الصدر، وساجدا على الظهر، ومطيلا للسجود لاجل ذلك، وماشيا على اليدين والرجلين وهو على ظهره.
لوجد دلالة على محبة عجيبة، وعلاقة غريبة لم تتفق لغيره كما يظهر بالتأمل والتدبر.
الثانية عشرة: جعل له كرامة ظاهرة، وآية بينة وهي: ان الطير لا يطير فوقه، ولا يقع على حيطانه المباركة.
والحسين عليه السلام: جعلت له كرامة ظاهرة، حيث ان الماء لم يقع في قبره، ولم تمش الثيران حين ارادوا حرثه، ليمحو اثره، ونوره القدسي.
وقد امر المتوكل لعنه الله بمحو اثر قبره في عشرين سنة بالنبش والحرث واجراء الماء عليه.
فنبشوا قبره الشريف مرة فوجدوا بدنه المطهّر كأنه مدفون الان، فجعلوه على حاله، ثم أداروا الماء عليه فارتفع القبر، ولم يصل اليه الماء.
وارادوا حرثه بالبقر والفدان فكان كلما ضربوا البقر لم تحرث القبر الشريف، وكانوا يرون جماعة يرمونهم بالسهام بعض الاوقات، واذا رموهم رُدّ السهم الى الرامي.
نعم وقعت طيور على بدنه الشريف، وتفصيل ذلك ما روي من انه لما قتل وبقي جسده مطروحا، فاذا بطائر قد أتى وتمسح بدمه الزاكي وذهب، والدم يقطر منه فرأى طيورا تحت الظلال على الغصون والاشجار.
فقال لها: ايتها الطيور تأكلين وتتنعمين، والحسين في ارض كربلاء في هذا الحر على الرمضاء طريح، ظام، والنحر دامٍ، ورأسه مقطوع وعلى الرمح مرفوع، والنساء سبايا حفاة عراة.
فتطايرت الى كربلاء، فرأته ملقى على الارض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن قد سفت عليه السوافي، وبدنه قد هشمته الخيول بحوافرها، زواره وحوش القفار، وندَبَته جن السهول والاوعار، قد اضاء التراب من انواره، وأزهر الجو من إزهاره وهيبته، فتصايحت وتواقعت على دمه الشريف تتمرغ فيه، وطار كل واحد منها الى ناحية، وقصد طير منها مدينة رسول الله (ص) وجاء يرفرف والدم منه يتقاطر دائرا حول قبر الرسول (ص)، قائلا بلسانه:
ألا قتل الحسين بكربلا | ألا ذبح الحسين بكربلا |
واجتمعت الطيور عليه وكان من امره شفاء ابنة يهودية وقد ركضت طيور البر وهي بنات الاعوجية والسكوت اولى:
عقرت بنات الاعوجية هل درت | ما يستباح بها وماذا يصنع |
الثالثة عشرة: جعله مطافا للناس، وجعل ثواب الطواف جزيلا بالنسبة الى اشواطه وخطواته.
وقد زادت زيارة الحسين عليه السلام على ذلك اضعافا كثيرة كما تبين في عنوان الزيارة.
الرابعة عشرة: جعله مطافا للملائكة، فقد ورد انه لما بنى جبرئيل (ع) الكعبة بأمر من الله تعالى، طافت حولها الملائكة، وهم سبعون ألف ملك كانوا يحرسون الخيمة التي أنزلت من الجنة، وبنيت على قواعد البيت التي بناها الملائكة قبل خلق ادم عليه السلام.
ورفعت قواعدها بازاء الاضرحة والبيت المعمور والعرش، ولما نحيت الخيمة، وبنى جبرئيل البناء الثاني، طافت تلك الملائكة حوله.
فنظر ادم وحواء عليهما السلام اليهم فانطلقا وطافا سبعة اشواط.
والحسين (ع: (كان مطافا للملائكة حين كان نورا مع الانوار المحدقة بالعرش، وكان شفيعا للملائكة كما في حديث صلصائيل ودردائيل اللذين دعى لهما النبي (ص)رافعا الحسين (ع) على يده، وفطرس الذي تمسح به او بمهده وكان مخدوما لافضل الملائكة كجبرئيل وميكائيل (ع) حين ناغاه في المهد.
وقد كافأه فطرس له بأن لا يزوره زائر، ولا يسلم عليه بسلام، ولا يصلي عليه الا أبلغه اياه، كما في الحديث. ومع ذلك فقبره مطاف للملائكة، ومزارهم...
وهم بالنسبة الى ذلك اصناف: منهم: اربعة الاف ملك شعث غبر، موكلين بقبره، شغلهم البكاء، لا يفترون عن ذلك، وهم يستقبلون زائره، واذا مرض يعودونه، واذا مات شهدوا جنازته، وهؤلاء لا يبرحون، وقد كانوا نزلوا يوم عاشوراء لنصرته، فرأوه قد قتل، فأوحى الله تعالى اليهم أبكوا عليه لما فاتكم من نصرته، وانصروه عند خروجه للرجعة.
واسم رئيسهم منصور، كما جاء في كامل الزيارات والبحار وايضا العوالم.
ومنهم: سبعون ألف ملك وكلّهم الله بقبره يصلون عليه كل يوم منذ قتل الى يوم قيام القائم عجل فرجه وصلوات الله عليه.
ومنهم: اربعة الاف ملك يبكون عليه من طلوع الفجر الى زوال الشمس، واذا زالت الشمس هبط اربعة الاف، وصعد اربعة الاف، ولا يزالون يبكون حتى يطلع الفجر.
ومنهم: ملائكة الليل والنهار والحفظة، فإنهم يحضرون الحائر كلما هبطوا ويصافحون ملائكة الحائر، وبحفون زواره بأجنحتهم، ويدعون لهم.
ويباركون عليهم بأمر من النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والائمة (ع) وكل ذلك ثابت في الاخبار، بل الاخبار ببعضه مستفيضة.
ومنهم: خمسون الف ملك كما عن الصادق (ع) قد مروّا به وهو يقاتل، فرجعوا الى السماء فأوحى الله تعالى اليهم: مررتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه.
فاهبطوا الى الارض فاسكنوا عند قبره شعثا غبرا الى ان تقوم الساعة.
ومنهم: المذكورون في الحديث النبوي برواية زينب عليها السلام عن ام ايمن وعن ابيها والحديث طويل.
وفيه انه تحـّفه ملائكة من كل سماء مائة الف ملك في كل يوم وليلة، ويصلون عليه، ويسبحون الله تعالى عنده.
ويستغفرون الله لزواره ويكتبون اسماء من يأتيه متقربا الى الله تعالى ورسوله بذلك، واسماء ابائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله تعالى، هذا زائر قبر خير الشهداء، وابن خير الانبياء (ص)، فاذا كان يوم القيامة سطع من وجوههم من اثر ذلك الميسم ما تغشى منه الابصار، ويدل عليه، ويُعرفون به.
قال جبرئل عليه السلام للنبي المصطفى صلى الله عليه واله وسلم: " وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل، وعلي عليه السلام أمامنا.
ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصى عدده، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق، حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده.
وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد او قبر اخيك او قبر سبطيك ……. "، الحديث.
ومنهم: سبعون الف ملك في وقت كل صلاة ثم لا تصل اليهم النوبة الى يوم القيامة، رواه في البحار عن كامل الزيارة عن الرضا عليه السلام.
الخامسة عشرة: ان الكعبة منزلة من السماء فقد قال الامام الصادق عليه السلام: " ان الله انزل البيت من السماء وله اربعة ابواب، على كل باب قنديل من ذهب معلق ".
واقول: ان كانت الكعبة قد شرّفت بنزولها، فالحسين عليه السلام مع انه كان قبل ان تُخلق السماء، بل في الحديث ان اللوح والكرسي خلقا من نوره، وهو اجّل منهما.
قد اُصعد الى السماء حين قتل، ففي الرواية انه صعد بجسمه متشحطا بدمه واُوقف مع صورة علي عليه السلام التي في السماء الخامسة، وعليها اثر ضربة ابن ملجم لعنه الله.
ونزلت الملائكة من فوقها وهم ينظرون اليه.
وفي رواية ان الحسين عليها لسلام عن يمين العرش ينظر الى مصرعه، ومدفنه، وزواره، والباكين عليه، وقد ذكرناها في خواص البكاء.
السادسة عشرة: جعله معظما مجللا في الجاهلية والاسلام، بل من لدن ادم الى هذا اليوم وقد عظمه وقصده وزاره وتقرب به اهل الملل كلها حتى اهل الكفر والشرك.
والحسين (ع): ايضا كان معظما مبجلا حتى عند اعدائه والمنافقين وعند الاشقياء، واهل الملل الاخرى من النصارى او اليهود.
وكما يظهر من رواية فيها ان الحسن والحسين عليهما السلام: قـُذف حبهما في قلوب المنافقين والكافرين.
ومن حديث تكلمه مع ابي بكر في طفولته، ومن تكلمه مع معاوية، وغلظته عليه وعلى ابن العاص، واحترامهما له، ووصية معاوية به، ومكالمة عتبة ابن الوليد معه، وقوله حين امر يزيد بقلته، ونزول سعد بن الوقاص، والحجاج حين نزل يمشي في طريق مكة الى يوم عاشوراء، وركوب عمر بن سعد حين نزل الحسين عليه السلام، ووزع مطروحا، ثم امر بركوب العشرة الراضة.
* ملاحظة من المحقق: غير ان ركوب عمر بن سعد والعشرة لعنهم الله، ليس من التعظيم في شيء فكان على المؤلف ان لا يذكره.
السابعة عشرة: ان الكعبة باقية مادامت السموات والارض، وهي من اعلام الدين.
وقبر الحسين (ع): كذلك كما في رواية زينب عن ام ايمن وعن ابيها، وقد ذكرناها في اوائل الكتاب.
الثامنة عشرة: انه يجوز الاتمام في الصلاة للمسافر اذا صلى فيما احاط به، اعني المسجد الحرام، على الاقوى والاشهر.
وكذلك يجوز الاتيان بالنوافل الساقطة في السفر فيه، وذلك تشريفا للكعبة وامتيازا لها.
والحسين (ع): ايضا تجوز الصلوة عنده تماما للمسافر، اذا صلى فيما احاط بقبره الشريف من الحائر على الاقوى، وقيل بسريان هذا الحكم الى حرم الحسين عليه السلام، وقد مرّ الكلام فيه، وقيل في البلد، وكذلك تجوز النوافل الساقطة في السفر هناك.
وقد اختلف اصحابنا في تحديد الحائر، فقال ابن ادريس المراد به ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه، لان ذلك هو الحائر حقيقة. لان الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء.
وقد ذكر ذلك شيخنا المفيد في الارشاد في مقتل الامام الحسين عليه السلام لما ذكر من قـُتِل معه من اهله، والحائر محيط بهم، الا العباس صلوات الله عليه، فانه قتل على المسناة، واحتج عليه ايضا بالاحتياط، لانه المجمع عليه.
** المسناة: اي: تراب عالٍ يحجز بين النهر والارض الزراعية.
وذكر الشهيدان في هذا الموضع ان الماء حار لما أمر المتوكل لعنه الله، باطلاقه على قبر الحسين (ع) ليعفيه فكان لا يبلغه، وذهب بعضهم الى ان الحائر مجموع الصحن المقدس، وبعضهم الى انه القبة السامية، وبعضهم الى انه الروضة المقدسة وما احاط بها من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها.
وقال المجلسي رضوان الله عليه: الاشهر عندي انه مجموع الصحن القديم، لا ما تجدد منه في الدولة الصفوية.
واحتج على ذلك بالاخبار الدالة على انك اذا دخلت الحائر فقف وقل واذكر الدعاء، ثم تمشي قليلا وتكبر سبع تكبيرات ثم تقوم بحيال القبر وتقول، الى ان قال: ثم تمشي قليلا وتقول، الى قوله ثم ترفع يديك، ثم تضعهما على القبر، ونحو ذلك مما فيه الامر بالمشي مرتين، وتقصير الخطى بعد دخوله، فانها تدل على نوع سعة في الحائر.
وهذا قوي ويدل عليه اصل مسألة الصلاة هناك، وعنوانها، فانها تدل على نوع سعة، لكن الضبط والتحديد غير معلوم، والاحوط الاقتصار على الروضة المقدسة.
التاسعة عشرة: ان الكعبة مطاف الانبياء (ع) من ادم الى الخاتم (ص)، كما دلت عليه الروايات الكثيرة المتواترة.
وقد ثبت مثل ذلك للحسين عليه السلام، بالنسبة الى جسده الطاهر تارة، وبالنسبة الى رأسه الشريف تارة، وبالنسبة الى قبره المنيف تارة بل ورد ان من زاره ليلة النصف من شعبان صافحه مائة واربعة وعشرون ألف نبي.
وعن كعب الاحبار ما من نبي الا وقد زار ارض كربلاء.
وقال: فيك يدفن القمر الازهر، وتفصيل كل في محله من العناوين.
العشرون: انه قد زينها الله تعالى بالحجر الاسود، الذي هو ياقوتة من يواقيت الجنـة.
وقد كان اشد بياضا من اللبن، فاسوّد من مسّ الكفار واهل الذنوب.
والحسين عليه السلام: قد زينت الجنة به تارة، وما هو اجلّ من الجنة، اعني العرش اخرى.
ففي الحديث عن النبي الاكرم (ص) انه سألت الجنة ربها ان يزينها فأوحى الله تعالى اليها: أني زينت اركانك بالحسن والحسين، فماست كما تميس العروس فرحا. وفي رواية: فزادت الجنة سرورا بذلك، كما في البحار.
وفي خبر عنه (ص) اذا كان يوم القيامة زين عرش الرحمن بكل زينة.
ثم يؤتى بمنبرين من نور، طولهما مائة ميل، فيوضع احدهما عن يمين العرش، والاخر عن يسار العرش، ثم يؤتى بالحسن والحسين عليهما السلام فيزين الرب تبارك وتعالى بهما عرشه كما يزين المرأة قرطاها، وعنه (ص): الحسن والحسين شنفا العرش وليسا بمعلقين ".
هذا ومن فضائل الحجر الاسود انه اُلقم ميثاق الخلائق، لانه اول ملك أقر بما اخذ عليه من الميثاق، ولم يكن فيهم اشد حبا لمحمد وآل محمد (ص) منه.
فجعل جوهرة وانزل الى ادم (ع)، وكان انيسه، يحمله ادم على عاتقه لما جاء الى مكة المكرمة.
ولا يخفى ان الميثاق هو الاقرار لله بالربوبية، وللنبي (ص) بالنبوة، ولعلي والحسن والحسين صلوات اله عليهم بالوصية.
بل اقول انه نفس الرسول (ص) فقد قال (ص) اني كنت اول من آمن بربي، واول من اجاب حين أخذ الله تعالى ميثاق النبيين، واشهدهم على انفسهم، فقد نال الحجر ما نال ببركة الحسين عليه السلام.
الواحدة والعشرون: انه أوجب لطوافه صلاة عند المقام فقال: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى "، فتجب عند مقام الخليل (ع) ركعتان احتراما للخليل (ع) وللبيت الحرام.
وقد صلى الحبيب المصطفى (ص) ركعتين شكرا عند ولادة الحسين (ع)بعد المغرب، وصلى كذلك عند ولادة الحسن المجتبى (ع) نافلة للمغرب، وسنّة الى يوم القيامة.
فكان الناس كلهم يصلون هاتين الركعتين شكرا لوجودهما واحتراما لهما عليهما السلام.
وفي رواية معتبرة في الكافي باسناده عن ابي جعفر (ع) قال: لما عرج رسول الله (ص) نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين.
فلما ولد الحسن والحسين (ع) زاد رسول الله (ص) سبع ركعات شكرا لله، فأجاز الله له ذلك.
الثانية والعشرون: ان الكعبة كانت مضيئة كضوء الشمس والقمر، كما في رواية عيسى بن عبدالله الهاشمي عن ابيه عن ابي عبدالله (ع) قال حتى قتل ابناء ادم احدهما صاحبه فاسوّدت.
وفي رواية كان موضعها ياقوتة حمراء يبلغ ضوؤها موضع الأعلام فعلمت الاعلام على ضوئها فجعلها تعالى حرما.
اقول: فان كانت الكعبة مضيئة ونقص ضوؤها، فقد كان الحسين (ع) نورانيا يضيء وجهه وجبينه بل وجسده كالشمس.
ولم يؤثر عليه شيء في نقص ذلك النور الازهر البهي، فقد قال هلال بن نافع: كنت في عسكر عمر بن سعد، اذ صرخ صارخ ابشر ايها الامير فهذا شمر قد قتل الحسين، فبرزت بين الصفين، وانه ليجود بنفسه.
فوالله ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه أنور وجهاً منه، ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، وكان يستسقي في ذلك الوقت ماء.
وان كان قد اضاء نور الكعبة من نور الياقوتة، فبلغ ضوؤها الاعلام، فقد اضائت كربلاء من نور التجلي في الشجرة المباركة، فانها الوادي الايمن، والبقعة المباركة التي رآى موسى (ع) فيها نورا، فبلغ ضوؤها عنان السماء، واقطار العالم.
وايضا فقد كان بدنه (ع) يضيء بالليل كالشمس كما في رواية الاسدي، بل وحوله فتية تدمي نحورهم مثل المصابيح يملأون الدجى نورا واشعاعا.
الثالثة والعشرون: ان مكة المكرمة ام القرى.
والحسين عليه السلام: ابو الائمة النجباء (ع)، وقد عوّضه الله تعالى بذلك عن قتله في جملة ما اعطاه، كما في الروايات الكثيرة.
الرابعة والعشرون: ان الكعبة سيدة البيوت.
والحسين (ع): سيد شباب اهل الجنة، مع انهم شباب كلهم.
وقد رويت هذه العبارة عن النبي (ص) متواترة في احاديث العامة والخاصة، حتى ان عمر بن الخطاب قد رواها ايضا عن النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم.
الخامسة العشرون: انها تجبى اليها ثمرات كل شيء، مع انها في واد غير ذي زرع، ببركة دعاء ابراهيم عليه السلام.
والحسين عليه السلام: تجبى اليه اعظم الثمرات اعني ثمرات الجنة، كما ورد في روايات عديدة.
منها ما رواه في البحار: عن ابن شاذان عن سلمان قال: اتيت النبي (ص) وسلّمت عليه، ثم دخلت على فاطمة (ع) فقال: يا ابا عبدالله هذان الحسن والحسين جائعان يبكيان، فخذ بأيديهما، واخرج بهما الى جدهما.
فأخذت بأيدهما فحملتهما حتى اتيت بهما الى النبي (ص) الاكرم، فقال: ما لكما يا حسناي؟ قالا: نشتهي طعاما يا رسول الله.
فقال النبي المصطفى " اللهم اطعمهما " ثلاثا، قال: فنظرت فاذا بسفرجلة في يده (ص (شبيهة بقـُلة من قلال هجر أشد بياضا من الثلج.
ففركها بيده وصيّرها نصفين، ثم دفع الى الحسن (ع) نصفا والى الحسين (ع) نصفا، فجعلت انظر الى النصفين في ايديهما وانا اشتهيهما.
قال: يا سلمان لعلك تشتهيهما؟ قلت: نعم، قال (ص): هذا من طعام الجنة لا يأكله احد حتى ينجو من الحساب، وانك لعلى خير ان شاء الله.
ومنها حديث الرطب الذي اشتهاه الحسين (ع)، فأتي في طبق بلور، مغطى بمنديل من السندس الاخضر، وهو حديث طويل مشهود ذكره في البحار وجلاء العيون.
ومنها: ما رواه في البحار عن الحسن البصري، وام سلمة،: من ان الحسن والحسين عليهما السلام دخلا على رسول الله (ص) وبين يديه جبرئيل (ع) فجعلا يدوران حوله، يشبهانه بدحية الكلبي، فجعل جبرئيل يوميء بيده كالمتناول شيئا.
فاذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة، فناولهما، وتهللت وجوههما، وسعيا الى جدهما، فأخذ منهما وشمهما.
ثم قال: سيرا الى امكما بما معكما، وبدؤكما بابيكما أعجب، فصارا كما أمرهما، فلم يأكلوا حتى صار النبي صلوات الله عليه واله اليهم.
فأكلوا جميعا، فلم يزل كلما اكل منه عاد الى ما كان حتى قبض رسـول الله صلى الله عليه واله وسلم.
قال الحسين (ع): فلم يلحقه التغير والنقصان ايام فاطمة بنت رسول الله (ص) فلما توفيت(ع) فقدنا الرمانة، فلما استشهد امير المؤمنين (ع) فقدنا السفرجلة.
وبقي التفاح على هيئته للحسن (ع)، وبقيت التفاحة الى وقت الذي حوصرت فيه عن الماء، فكنت اشمها اذا عطشت فيسكن لهيب عطشي، فلما اشتد عليّ العطش عضضتها وايقنت بالفناء.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: سمعت ابي يقول ذلك قبل مقتله بساعة.
فلما قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه، فاُلتِمسَت فلم ير لها اثر فبقي ريحها بعد الحسين (ع)، ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره.
فمن اراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في اوقات السحر فانه يجده اذا كان مخلصا.
السادسة والعشرون: انه من عظمة حرمة البيت ان جعل اسماعيل بن ابراهيم (ع) موكلا بكسوة البيت وزينته، فكانت العرب تهدي وامه وامرأته تصلحان ذلك ثوبا وكان هو يكسو البيت، ثم كساه سليمان بن داوود (ع) ثم الملوك في كل زمان.
وقد عظمت حرمة الحسين (ع (في هذه المرتبة الخاصة، اذ كان الله تعالى هو المُـهدي، وكان النبي (ص) هو المُـكسي.
كما في رواية ام سلمة قالت: رأيته (ص) يُلبس الحسين (ع) ثوبا من ثياب الدنيا، فسألته:
فقال: هذا هدية أهداها ربي للحسين وان لحمته من زغب جناح جبرئيل.
وحينما طلب (ع) جديدا للزينة ليلة العيد كان رضوان يهدي، وفاطمة تـُلبسه وأخاه، كما في حديث مشهور ذكرته في بعض الفصول السابقة.
وفي حديث اخر انه طلب الثوب ليلة العيد فكان الله تعالى يهدي و جبرئيل يصبغ بالحمرة في الطشت والنبي (ص) يلبسه، ثم يبكي جبرئيل.
واخيرا: فقد طلب ثوبا، ولكن لم يجد جديدا ليتزين له، ولا في العيد، بل كان عتيقا في عاشوراء، كي لا يرغب فيه احد.
وقد أتته به اخته عليها السلام، فكان يخرّقه ويلبسه، ثم صبغته دماؤه الطاهرة باللون الذي صبغ به جبرئيل ثوبه.
وكان تراب كربلاء يعفّره، والرماح والسيوف مطروحا بالعراء، فرأته بعد ذلك اخته عليها السلام فنادت: هذا حسين مرمل بالدماء.
السابعة والعشرون: " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل "، حين ارادوا تخريب البيت، " ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارةٍ من سجيل "، أتى بها من جهنم.
وكانت كل واحدة بقدر عدسة، تصيب ادمغتهم فتخرج من ادبارهم، " فجعلهم كعصفٍ مأكول ".
وقد اراد اصحاب الكلب والخنزير تخريب بيت الرسول (ص) بقتل الحسين (ع)، فإن كان الله تعالى قد امهلهم قليلا لمصالح عديدة، فقد جعل بعد ذلك كيدهم في تضليل، فأرسل عليهم في الدنيا من يتتبعهم ويقتلهم اشد قتلة، ويمّثل بهم اعظم مثلة.
فاحرق المختار بالنار كثيرا منهم فاصبحوا كعصف مأكول، وحرّق اجسادهم كما صنع بجسد ابن زياد، واحرقهم بالزيت، ايضا وبنار العطش كما في حكاية اخنس بن زيد.
وروي عن حاجب ابن زياد انه كان يشتعل وجهه في بعض الاوقات فيطفئه، وروي ان يزيد بات سكران فاصبح ميتا كأنه مطلى بالقار.
بل واحترق كل ما نهبوه فصار كلحم الابل والورس والزعفران، فلتلاحظ تفاصيل ذلك ان شاء الله تعالى، وان جميع ما سبق ذكره قد جاء في الروايات، وكتب الحديث.
والورس: هو نبات اصغر يزرع باليمن ويتخذ للصبغ *
الثامنة والعشرون: ان النظر الى الكعبة المكرمة ممن عرف حق الائمة (ع) يوجب مغفرة الذنوب كلها، وكفاية همّ الدنيا والاخرة.
وكذلك النظر الى الحسين صلوات الله عليه، من اعظم العبادات، فان النبي المصفطى صلى الله عليه وآله وسلم كان ينظر الى الحسين (ع) متعمدا.
بل كان في بعض الاوقات اذا جاع يقول: أذهب فانظر الى الحسن والحسين عليهما السلام فيذهب ما بي من الجوع، و كذلك كان.
وكان لمجرد النظراليه في غلبة البكاء والرقة، وكذلك النظر الى قبره الشريف عبادة، ويوجب غلبة الرقة، فيرحمه من نظر الى قبر ابنه عند رجليه كما ورد كل ذلك في الرواية.
التاسعة والعشرون: انه قد ورد في الحج انه يحسب له بكل درهم انفقه ألف، وقد سأل ابن سنان الصادق (ع): انه يحسب كل درهم في الحج بألف درهم، فكم يحسب لمن ينفق في المسير الى قبر ابيك الحسين عليه السلام؟
فقال: يا بن سنان يحسب له بالدرهم ألف ألف حتى عدّ عشرا، ويرفع له من الدرجات مثلها، ورضا الله تعالى خير.
الثلاثون: ان الله تعالى خلق مكة حرما قبل دحو الارض.
ولكن قد رود في كربلاء: عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما انه قال: اتخذ الله تعالى كربلاء حرما آمنا مباركا قبل ان يخلق الله ارض الكعبة ويتخذها حرما بأربعة وعشرين ألف عام، وأنه حين زلزل الله تبارك وتعالى الارض وسيّرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية، فجُعلت في افضل روضة من رياض الجنة، وافضل مسكن في الجنة، لا يسكنها الا النبيون والمرسلون، او قال اُولوا العزم من الرسل.
وانها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لاهل الارض، يغشى نورها ابصار اهل الجنة جميعا.
وهي تنادي: انا ارض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة.
الواحدة والثلاثون: ان مكة المكرمة قد تكلمت وتفاخرت بكرامة الله تعالى لها، فقالت: من مثلي؟ وقد بني بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق.
ولكربلاء فضل على مكة - فإن مكة لما تفاخرت - أوحى الله تعالى اليها: أن كفي وقرّي، ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الابرة غمست في البحر فحملت. ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا ما تضمه ارض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقرّي واستقري، وكوني ارضا متواضعة ذليلة مهينة، غير مستنكفة ولا مستكبرة لأرض كربلاء، وإلا سخت بك، وهويت بك في نار جهنم.
ثم ان لكربلاء مفاخرة في هذه النشأة، قد رضي الله تعالى بها وما ردها عليها.
ولها مفاخرة اخرى بعد القيامة في الجنان، اما مفاخرتها في هذا العالم فهي: انه لما قال الله تعالى لها: تكلمي بما فضلك الله، قالت: أنا ارض الله المباركة المقدسة، الشفاء تربتي ومائي ولا فخر، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، ولا فخر على من دوني، بل شاكرة لله.فاكرمها الله تعالى وزادها بتواضعها، واكرمها بالحسين عليه السلام، واصحابه.
ثم قال ابو عبدالله عليه السلام: من تواضع لله رفعه، ومن تكبر وضعه الله تعالى.
الثانية والثلاثون: انه البيت العتيق، أعني السالم من الطوفان، أو عتيق الطواف به من سابق الازمان.
والحسين (ع): هو البيت العتيق الذي سلم حائره من طوفان، ومن جريان الماء عليه، وهو عتيق الاحترام قبل خلق السموات والارض، وهو المعتق من النار، وسبب العتق منها.
الثالثة والثلاثون: ان البيت له حطيم يحطم به ذنوب العباد.
وبالحسين إمامنا عليه السلام: تغفر الذنوب ما تقدم منها وما تأخر، وقد يصير الشخص به كيوم ولدته أمه.
الرابعة والثلاثون: ان البيت له مستجار، يستجير به الخائف من العذاب.